اليسار الإسلامي في تونس * مقاربة توثيقية *

أحمد النظيف

2012 / 1 / 29

يعرف اليسار الإسلامي نفسه بأنه ( عبارة عن حركه تاريخيه جماهيريه ثقافيه حضاريه اجتماعيه سياسيه ... وثقافتنا ترتكز على ثلاثة أصول أولا التراث القديم ثانيا التراث الغربي ثالثا القران الكريم ) ( حسن حنفي، اليمين واليسار في الفكر الديني) فهم و حسب زعمهم تيار إسلامي عقلاني قد أخذوا على عاتقهم فكرة تجديد الإسلام وطرح كل الشوائب التي علقت به الفقهية والعقائدية والأصولية وغيرها , وذهبت هذه الجماعة إلى حدّ القول بجواز تعطيل الثوابت عندما تكون هناك ضرورة إلى ذلك ،فتبدو مجموعة الإسلاميين التقدميين أقرب إلى ما يسمى داخل الحركات الإسلامية عموما بالاتجاه التربوي أي القائلين بأسبقية تربية أفراد المجتمع الإسلامي على تجنيدهم وتجييشهم سياسيا , لهذا السبب ولخصوصيّة المسألة الثقافية في تونس كان طرح الإسلاميين التقدميين بعيدا عن السياسة على خلاف التيارات الاخوانية –السلفية ذات المرجعية القطبية و المودودية التي ركزت على مسألة الحاكمية (مفهوم مركزي في أطروحات الإسلام السياسي) و همشت الجوانب التربوية في سعي محموم إلى الاسلمة الكلية عبر الطرح الانقلابي السياسوي .
اليسار الإسلامي في تونس
كانت الجماعة الإسلامية منذ تأسيسها سنة 1970 قد أخذت على عاتقها العمل أسلمة المجتمع في مواجهة المشروع الحداثي البورقيبي وكان هذا العمل يتركز أساسا على المستوى الثقافي في التعليم والإعلام وعلى المستوى الجمعوي من خلال العمل الكشفي و النقابي و الطلابي دون أن يكون للجماعة أي ثوب سياسي واضح ولكن بعد التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدها البلد نهاية السبعينات والحرب المفتوحة مع الحركات اليسارية داخل أسوار الجامعة أصبح جناح كبير داخل الجماعة يطرح تساؤلات جذرية حول طبيعة التفكير وخاصة بعد طغيان الجانب السياسي داخل الجماعة على حساب النشاط الرئيسي وهو الجانب الثقافي . هذا الفريق أصبح يوجه العديد من التساؤلات النقدية خاصة لمرجعيات الجماعة التي تتميز بالأصولية ففي عام 1977 استقال الأستاذ حميدة النيفر من الجماعة على خلفية سحب مقال له من مجلة المعرفة يتضمن دراسة نقدية لتجربة الإخوان المسلمين .
يقول النيفر (اعتبرت بعض كتاباتي بمجلة المعرفة خروجا عن الخط الرسمي للتنظيم وبخاصة فيما يتعلق بتقييم الحركات الإسلامية بالمشرق و بالخصوص الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية بالباكستان كما اعتبرت مقالتي بمثابة نشر غسيل الحركات الإسلامية و كان من المفروض في نظرهم أن تتم إثارة هذه الجوانب النقدية في إطار ضيق و ليس على صفحات الجرائد ).
بعد ذلك تمت إزاحة صلاح الدين الجورشي و الذي يعد من رموز هذا التيار يقول :(تأخر انسحابي قليلا مما كان يسمى بالجماعة الإسلامية و يعود ذلك إلى إحداث تغيرات فكرية كوسيلة من داخل الحركة يكون أفضل من الخروج عنها و الانقطاع كليا عن دوائر التأثير فيها.و بعد خروج حميدة النيفر تحملت مسؤولية رئاسة تحرير » المعرفة « في 1977 و كان ذلك بتشجيع من مجموعة داخل الحركة كانت تأمل في الإصلاح غير أن كل المحاولات التي بذلناها باءت بالفشل و فوجئنا بنوع من الحركة الانقلابية حيث تمت ازاحتي عن رئاسة التحرير في أواخر 1978 بطريقة لا أخلاقية و لا قانونية و بدون إعلامي إذ فوجئت بحذفي اسمي من المجلة بعد صدور العدد ومن جهة أخرى تمت أزاحت المسؤول عن الهيكل التنظيمي بالعاصمة منصف القلعي لتعاطفه معنا و تعويضه بنجيب العياري و تم ذلك بطريقة غير ديمقراطية و غير مؤسساتية وقد كان وراء عملية إبعادي من » المعرفة « وحل الهيكل التنظيمي بالعاصمة المكتب التنفيذي و أساسا الغنوشي وصالح كركر ثم دعم هذا الموقف من بقية عناصر المكتب أي الفاضل البلدي و خاصة عبد الفتاح مورو.
تأسيس التيار 1980:
انعقد المؤتمر التأسيسي للإسلاميين التقدميين في جويلية 1980 و حضره مجموعة من المنتسبين إلى الجماعة الإسلامية وعلى رأسهم صلاح الدين الجورشي بمدينة منزل تميم و ترأسه زياد كريشان ( رئيس تحرير جريدة المغرب حاليا)الذي حدد أهداف المؤتمر بقوله (انعقد المؤتمر ....لتحديد أرضية العمل و الأهداف و النشاط و منذ ذلك الحين دخلنا في عمل تنظيمي فيه مساهمة مادية للإعداد و انعقد المؤتمر باعتباره المسؤول عن الهيئة التنفيذية و قد ناقشنا في هذا المؤتمر خطة العمل وصادقنا على لائحة وحيدة سميناها اللائحة المستقبلية التي تم إعدادها قبل المؤتمر بشهرين و تتضمن موقف التنظيم من عديد القضايا العقائدية و السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و هي تحتوي على 27 صفحة كما تم انتخاب القيادة الحديدة للتنظيم بعد التأسيس أصدر التيار مجلة 15/21(تعني القرن الخامس عشر هجري و القرن الواحد و العشرين ميلادي )والتي حصلت على التأشيرة القانونية في جوان 1982 و صدر العدد الأول منها في نوفمبر 1982
-التيار و سلطة 7 نوفمبر:
بعد انقلاب 7 نوفمبر 1987 رحب الإسلاميون التقدميون كغيرهم من القوى السياسية الناشطة آنذاك بالجنرال بن علي كما بعث حميدة النيفر احد رموزهم برسالة إلى بن علي على هيئة فيها بوصلة إلى السلطة و يشرح له مواقف التيار الإسلامي التقدمي ويطلب تأشيرة جمعية ثقافية تعبر عن أفكار التنظيم. و في أواخر 1988 حصل التقدميون على ترخيص بإنشاء هذه الجمعية تحت مسمى منتدى الجاحظ بهيئة كالتالي:
- صلاح الدين الجورشي :رئيسا
- حميدة النيفر:نائب رئيس
- محمد القوماني : نائب عام
- عبد العزيز التميمي :كاتب عام مساعد
- سعاد القوسامي :مكلفة بقضايا المرأة
جمعية أرادها أعضاء التنظيم همزة وصل بينهم و بين الساحة الثقافية الواسعة فهي ليست حزبا و إنما هي إطار قانوني أرادوا به الخروج من وصفهم السري على حد قول الجورشي.
- الرؤية الثقافية أولوية العمل:
يعتبر النشاط الثقافي الأطروحة الأكبر في فكر السلامين التقدميين فبخلاف بقية التنظيمات الحركية الإسلامية و التي تعتبر الأولوية السياسية هي التي يجب أن تأخذ الحيز الأكبر في النضال يعتبر الإسلاميون التقدميون الأولوية الثقافية الاجتماعية أو الإسلام المجتمعي كما يسميه حميدة النيفر هي ما يجب أن يكون على راس النضالات و عن هذه الرؤية الثقافية و عناصرها يقول الجورشي:
- نؤكد على إيماننا بتعدد القراءات للإسلام و القران .(أي التأويل)
- نرفض السلفية كمنهج لفهم الدين و كأسلوب للتعامل مع الواقع و نظرة إلى التاريخ عموما والتاريخ الإسلامي خصوصا.(القطع مع فلسفة الحنين – النوستلجية الاسلامية)
- نعتبر الفكر الإنساني و بالخصوص جوانبه التقدمية تراثا لنا ورصيد التكامل مع إطارنا المعرفي و ثروتنا التراثية العقلانية .
- لا نؤمن بأدلجة الدولة و نفصل بين الأحزاب الإسلامية و جهاز الدولة.
ويتساءل الجورشي عن أيّهما حدث في بداية الأمر : الدولة أو المجتمع ؟ وقد أتجّه الإسلاميون التقدميون نحو ثورتهم الثقافية من خلال فهم جديد للدين , وفي نظر أحد أقطاب هذا التيار أحميدة النيفر فانّ المسألة السياسية مسألة هامة ولكنّها لم تعد لها الأولويّة أصبحت مشكلة إعادة قراءة الفكر الديني هي التي تحتّل المركز الأول . ويحددّ الإسلاميون التقدميون منهجهم في التجديد الثقافي والإسلامي باعتماد العقل وسيلة في فهم النصوص المقدسّة من كتاب وسنّة دون الوقوع في الحرفيّة أو النصيّة, ويعتمدون على الاجتهاد كمنهج نحو تحقيق التجديد المنشود
-
بيوغرافيا رموز اليسار الإسلامي :
• صلاح الدين الجور شي:من مؤسسي الجماعة الإسلامية في بداية السبعينات اشتعل بمجلة المعرفة ثم أسس إلى جانب مجموعة من أعضاء الجماعة تيار اليسار الإسلامي (الإسلاميون التقدميون )انخرط في العمل الحقوقي ضمن الرابطة التونسية للدفاع الوطني عن حقوق الإنسان و التي تولى فيها خطة نائب رئيس حتى سنة 2011 و في 1989 أسس منتدى الجاحظ و مازال يتولى رئاسته عمل في الثمانينات في جريدة الرأي و مجلة المغرب العربي و ترأس تحرير مجلة 15/21و مجلة حقائق.
• حميدة النيفر:ينتمي إلى عائلة النيفر ذات النسب الحسيني و ذات التاريخ العلمي العريق في تونس درس بجامعة الأزهر بمصر حاصل على درجة الدكتوراه و أستاذ بالجامعة الزيتونية من مؤسسي الجماعة الإسلامية في بداية السبعينات أسس إلى جانب الجورشي تيار الإسلاميين التقدميين و مجلة 15/21 وشغل خطة نائب رئيس منتدى الجاحظ.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن