أرى خلل الرماد وميض نار - الحالة الكويتية

حسن محسن رمضان
kusecular@yahoo.com

2012 / 1 / 27


الشعوب المتحضرة تنقد خطاب “قادتها” ليؤكدوا “عقلانية” الصراع … الشعوب الطارئة على الحضارة يسوقها “الحمقى” من خلال صراخهم



“الصراع” هو نزعة إنسانية أصيلة عند كل بني البشر، تتعدد محاوره ومواضيعه ونتائجه. والحقيقة أن الحياة الإنسانية لا معنى لها من دون “صراع” من نوع ما في حياة كل واحد منا إما على المستوى الشخصي أو الاجتماعي أو السياسي. تلك حقيقة يمكن البرهان عليها بسهولة من خلال استجواب كل واحد منا لحياته الشخصية فقط دون غيره. وبسبب حقيقة وجود “الصراع” في الحياة الإنسانية نشأت القوانين والأعراف ونشأت معهما السلطة المهيمنة التي تفرضهما فرضاً وبالقوة إن استدعى الأمر. فالصراع، بطبيعته، قد يقود الغريزة والمواهب الإنسانية إلى طريق الشر والتدمير، فلابد من تقنين هذا الصراع وكبح جماحه إلا في حدود ما يراه القانون أو عُرف المجتمع بأنه “مشروع” لا بأس به.

لكن مشكلة الصراع، كما تتجلى بوضوح في الحالة الكويتية، هي الرغبة الشعبية الكامنة التي تريد أن تؤكد هوية واحدة لمجتمع متعدد الأديان والمذاهب والأعراق. تلك الرغبة تملك القدرة الكامنة أيضاً على بروزها كسياق يتبنى العنف وصراع التصفية، هذا واضح جداً إما في الخطاب الذي برزت مقدماته باستحياء مؤخراً أو من خلال استقراء أوضاع الدول القريبة منا والتي تملك سياقاً مشابهاً لنا. ويترافق مع هذه الرغبة في نفس الوقت ضعف واضح في القانون وهيبته بحيث يصبح عضو في البرلمان، أو الطامح الساعي لكرسي البرلمان، هو “القائد” لقطاع من المجتمع في مواجهة نفس الدولة التي يشرع لها نفس القانون الذي يثور عليه وينتهكه. بل إن منهجية تحدي القانون عند هؤلاء واضحة جداً وتملك زخماً جعل الدولة نفسها تتراجع عدة مرات عن سلطاتها القانونية. هذا الزخم الذي يرفع شعار تطبيق القانون والدستور لا يؤمن بتطبيق هذه القوانين فيما يتعلق بتصرفاته الشخصية ومطالباته و “رغباته”، بل هو يحولها في أذهان الجماهير، بواسطة مقدرة خطابية ساذجة غير ذات مضمون، إلى قضايا وطنية تتعلق بالحريات، هذا مع حقيقة أنه في خطابه ذاته هو يتنهك حريات مخالفيه وكراماتهم. وهذا سياق شاذ جداً لا نراه في أعرق الدول الديموقراطية ولا حتى الطارئة على الديموقراطية. ومما يؤكد شذوذ الحالة الكويتية هو أن الدولة والمجتمع لا يبدوان واعيين تماماً للنزعة الأصيلة عند البشر نحو العنف وأن ما يقنن هذا العنف ويمنعه هو قوة القانون. كما أن الدولة والمجتمع من خلال أفرادهما وأعضاء البرلمان يتباريان في تأكيد ضعف الدولة وترسيخ مفهوم (لا قوة للسلطة ولا هيبة للقانون). وما يزيد الحالة الكويتية خطورة أن الصراع في جزء كبير منه يتم تحت عنوان عقائدي طائفي بحيث أن الجميع أصبح يرى أنه “مأجور” على صراعه هذا وربما سوف يدخل “الجنة” بسببه. والصراع الطائفي الذي يتوهم أصحابه أن مكافأتهم عليه هو “الجنة” سوف يقود بالضرورة، إما عاجلاً أو آجلاً، إلى العنف.

بما أن لا قانون ولا هيبة للدولة سوف يمنعان هذا العنف لو تفجر في الكويت، وبما أن الكارثة الكبرى هي أن من يشرع “للأمة” هو في ذات ذاته “طائفي فئوي يشجع انقسام النسيج الاجتماعي الكويتي على نفسه”، فإننا أمام وضع أقل ما يقال فيه هو الآتي:


قصر النظر الغبي لهذا الشحن الطائفي من نواب مجلس الأمة وشيوخ الدين سوف يرتد في وجوهنا جميعاً لا محالة … وإني أرى خلل الرماد وميض نار … أيها الطائفيون الحمقى



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن