إيران بعد العرا˷˷˷˷˷˷˷˷ق والخليج يرحب

محمد باليزيد

2012 / 1 / 16

إنه الباب الأوسع الذي تعودت الإمبريالية العالمية، بقيادة ال.و.م.أ الدخول منه، إنه "السلاح النووي". لقد أصبح تكرارنا لمسألة "حق إيران"، كباقي دول العالم، في امتلاك السلاح النووي، رغم أن إيران نفسها لا تصرح بذلك ولا يهمنا إن كانت صادقة أم لا، أصبح تكرارنا لهذه المسألة اجترارا لا معنى له. ومع ذلك فلا مفر من التكرار والاجترار ، بقدر ما تكرر الإمبريالية وأتباعها مقولاتهم التي لا معنى لها إلا بتقنية الإشهار/التكرار التي توهمنا بأنها ذات مصداقية ومشروعية. فقبل الدخول في الموضوع، يجب أن نذكر بما ذُكر به مرارا:
أ) لا منطق مطلقا يقبل بأن تمتلك دول سلاحا تمنع الدول الأخرى من امتلاكه.
ب) على العموم، فرض موقف من دولة ما على أخرى، ما لم يكن هذا الأمر يدخل في سيادة وحقوق الدولة الفارضة، ليس سوى فرضا للسيادة والتبعية والاستعمار.
ت) المبدأ السابق يؤكده أن الكلام هنا عن السلاح، فنحن إذن في حالة حرب ما دامت دولة قوية تمنع أخرى من امتلاك ما تدافع به عن نفسها وتضمن سيادتها وعدم تبعيتها.
ث) المنطق السابق يؤكده وضع إسرائيل التي تظهر دائما، حين يتعلق الأمر بمسألة إضعاف هذه الدولة أو تلك من الدول المحتمل عداؤها لها، تظهر بالدولة المثالية التي تحرس على "الأمن والسلم" العالميين وتهدد حتى بالسبق في هذا إن اقتضى الحال بالضرب "الردعي" للأوباش الدوليين.
ج) لقد أوضحت المسألة العراقية أن من وراء "جعجعة" النووي "طحين" الاستعمار.
ح) منطق أمريكا، وأتباعها، القائل بأن امتلاك النووي من طرف دول "صبيانية" مثل إيران خطير على السلم والطمأنينة البشرية مفضوح كما سخر من ذلك أحد المفكرين متسائلا: "ومن استعمل النووي لتدمير البشرية غير الدولة المجرمة في الحرب العالمية الثانية؟" (1)
كل هذا واضح لكن أسياد العالم الذين لم يعودوا يعيروا أي اهتمام، لا للضمير العالمي ولا لضمير شعوبهم، باتوا لا يتصرفون سوى حسب هواهم.
فمادامت آذانهم قد ملت من تكرير الإعلام للأزمة المالية ومستتبعاتها، فمن الضروري أن "يخلقوا" مشكل الساعة كي يطغى على مشكل الأمس الذي لم يشأ أن يضمحل من تلقاء نفسه، وفي هذا ضرب لعصفورين بحجرة: العصفور الأول هو ما سبق، إلهاء الرأي الغربي بالخصوص عن الأزمة المالية التي أصبحت اقتصادية. والعصفور الثاني، إذا تطورت الأمور سيفقس عصافير عدة من الصعب التكهن بها. لكن الثابت هو أن خلق مشاكل في الشرق الأوسط يزيح مشكلة فلسطين عن دائرة الضوء(2)
إنها الحرب إذن لكن شيوخ الخليج، ذوات الدم البارد، لا يرون في هذا أي داع لاعتبار الأمر غير عادي: "لقد سبق لنا وأن عوضنا نفط العراق"، يقولها السعودي الذي لن يخجل حتى من أن يقول إذا اقتضت الظروف وقاحة أكثر: "لقد ساعدنا على تدمير العراق والآن ما الغريب في أن نساعد على تدمير إيران؟"
المنطق واضح وضوح الشمس: فأن تكون دولتان في حرب، فتزويد الواحدة منهما من طرف ثالثة لا معنى له سوى مساعدتها في حربها ضد الأخرى، في زمن الحرب تسقط كل القوانين التجارية ويصير "قانون الحرب" وحده القانون. وحتى إذا أردنا مواربة وقلنا: إن ما سبق إعلان الحرب من اتفاقيات يمكن أن يسري أثناء الحرب دون أن يعتبر عمل عدوان ضد أي طرف من الأطراف المتحاربة، فما حكم الزيادة في التعامل بعد إعلان الحرب، وفي ميادين تعتبر هي صلب موضوع الحرب وأهم وسائلها؟ لا نحتاج إلى جواب والسادة الخليجيون، والسعوديون، لا يعنيهم أي نقاش ولا أي منطق ما دامت أمريكا قد قررت. مساعدة السعودية للإمبريالية في هذه المسألة معناه بالضبط أن السعودية ضد حق إيران في امتلاك سلاح تمتلكه عدوة المنطقة –عفوا عدوة شعوبها_ إسرائيل. هذا الحق الذي يضمنه، لإيران، على الأقل منطق تكافؤ الرعب بين خصمين. ذلك أن تكافؤ الرعب بين الخصمين يؤدي بالضرورة إلى "إخصاء" الرعب، في حين عدم التكافؤ لا محالة ينتج عنه تفعيل الرعب من جانب واحد.
لنلتفت ثانية إلى الإعلام. يبث الإعلام ما من مرة كلما أثير ملف إيران "نبأ" مفاده أن الدولة الصهيونية (3) يمكن أن تستبق "المنظومة العالمية" بقرار منفرد وتضرب إيران، وأن الو.م.أ تحاول ثني الأولى عن ذلك و"تخشى" من عواقبه. ما الصورة التي يريد الإعلام بهذا أن "يَطْبَعها ويُطَبِّعها" في دماغنا؟
_ أن ضرب إيران آت لا محالة، مستضمرا منطق أن "ما لا بد منه" لا فائدة من التساؤل عن مشروعية أو عدم مشروعيته.
_ أن إسرائيل متهورة [لكن داخل حدود القانون الدولي] وأن الو.م.أ متعقلة وهي [وعلينا أن نحمدها لأنها ممسكة بعقال إسرائيل كي لا تأكل الأخضر واليابس من حواليها] لن تتخذ أو تنفذ أي قرار إلا إذا حان وقته، أي أنه حين تضرب الو.م.أ إيران فهي لم تفعل ذلك إلا في آخر لحظة حيث لم تجد أي بديل.
يقول الإعلام الغربي إن العقوبات المفروضة والمنتظر فرضها على إيران يُنتظر منها "زيادة حث الشارع الإيراني للوقوف ضد سياسة قادته"، وهكذا سيتفادى الغرب، والشعب الإيراني والعالم أجمع الخيار الذي "لا يرغب فيه أحد"، الخيار العسكري. لكن، متى كانت الدول الإمبريالية تهتم مصلحة هذه الشعوب؟
يبقى ما يثير الانتباه في المسألة: زيارة أحمدي نجاد إلى فنزويلا! من أي باب يثير هذا الانتباه؟ لقد سبق وأن أشرت إلى هذا في أكثر من مقال سابق. إن شعورنا مقسم ما بين النظر إلى شافيز وهو يستقبل أحمدي نجاد ويعلن تحديه واستهزاءه من غطرسة أمريكا وبين شافيز الذي يدعم من كل أعماقه الرئيس السوري والذي، حسب منبر إعلامي، "ما يزال يصلي من أجل القذافي". فهل هي "عداوة صبيانية" هته التي تملي على شافيز أن يعادي الو.م.أ في حين هو مع قادة عرب لا فرق، بالنسبة للمواطن العربي، بين طغيانهم وشر الاستعمار المباشر؟ هذا السؤال نفسه مطروح بالنسبة لإيران ولا يبرر وضعها، بكونها مضايقة من الإمبريالية العالمية، لا يبرر استنادها إلى نظام كالنظام السوري حتى ولو كان قد شاركها ذات يوم "شرف" مواجهة الغطرسة الإمبريالية.
من باب أخوتنا للشعب الإيراني وعدائنا لكل غطرسة إمبريالية نستسمح القادة الإيرانيين لنقول لهم بأنه لا داعم أقوى لهم في مواجهتهم لكل غطرسة وأطماع خارجية، لا داعم أقوى من الشعب الإيراني نفسه إن هم واجهوا المشاكل الداخلية بكل وطنية وديمقراطية واتخذوا قراراتهم، المصيرية بالنسبة لبلدهم، في إطار نهج يسوده التشارك والشفافية وتنير دربه المصلحة الوطنية.

1) أعتذر عن نسيان اسم هذا المفكر الذي له علي حق الذكر. لكن ضعف ذاكرتي يشفع لي.
2) لقد صرح أحد المرشحين، داخل حزبه، هذه الأيام للرئاسة الأمريكية بأن "الشعب الفلسطيني شعب تم اختراعه". هل يمكن تصور "عالم المفاهيم" أكثر من هذا في ظل الطغيان الأمريكي؟ بالمناسبة أنا ليس لدي أدنى وهم بأن "هذه النظرة تخص فقط هذا المرشح أو بعض الأمريكيين القلائل." وأقصد بالأمريكيين السادة المتحكمين في دولاب الدولة.
3) أشير للقارئ العزيز إلى اقتراحي في مقال سابق لي بأن نتخلى، نحن العرب على الأقل، عن استعمال مصطلح "الدولة الإسرائيلية" واستبداله بالدولة الصهيونية. وإن أفعال وسلوكات هذه الدولة لتبرهن بما لا يدع أي مجال للشك بأن ما أدعو إليه لا يجانب الصواب.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن