بزوغ( الار نوفو .. واختفاؤه ) تيارات معمارية حديثة _ من كتاب يصدر قريباً

خالد السلطاني
ksultany@yahoo.com

2005 / 1 / 1

لئن اهمل التعاطي مع طروحات " مدرسة شيكاغو " في الممارسة التصميمية التى تلت معرض كولومبيا ( 1893 ) في شيكاغو بالولايات المتحدة الامريكية ، فان مبادئ وقيم تلك المدرسة لم تكن في اي حال من الاحوال ، امرا ً عابرا ً في الذاكرة المعمارية العالمية ، نظرا لما انطوت عليه تلك المدرسة من افكار معمارية جديدة وطازجة ، استجابت بشكل مثير مع متطلبات الحياة العصرية وقتذاك ، وتلاءمت على نحو واسع مع النجاحات التقنية التى شهدها الانشاء ومواده ؛ الامر الذي عجل ّ سريعا ً ظهور اتجاه تصميمي جديد وتبنيه في المشهد المعماري العالمي – ذلك هو تيار " الار نوفـو Art Nouvaeu " – التيار المفعم بالروح العصرية والتائق نحو تكريس الجديد ( والمثير ايضا ً ) في الممارسة التصميمية . وساهمت كتابات المعمار الفرنسي " فيوليه لو دوك Viollet Le- Duc " التى نشرها تحت عنوان " حوارات " في ستينات القرن التاسع عشر ، ساهمت في خلق الاجواء المناسبة لتقبل تيارات معمارية جديدة ، نظرا ً لما اتسمت به تلك الكتابات من مناشدة للمعماريين ليكونوا بنائين ماهرين .. ايضا ً ؛ والتخلي عن وهم الافراط الفني كخاصية لازمة ووحيدة للتكوين المعماري . دعى " فيوليه لو ديوك " الى تبني مسلك تصميمي عقلاني يعتمد على اتحاد الشكل بالمحتوى ، مع الاخذ في نظر الاعتبار خصوصية ونوعية الاسلوب الانشائي ، الذي ينبغي ان تظهر تأثيراته صريحة في المعالجات التصميمية ؛ اي ان يكون الحجر – حجرا ، والحديد – حديدا ً ، وان يكون الخشب – خشبا ً ؛ مقرا ً في هذه الحوارات بان " الاساليب الانشائية الحديدية ستفتح مجالات جديدة لتطور العمارة .. " .
في البدء ، توخت ارهاصات التيار المعماري الجديد " الار نوفو " الى تقصي وارتياد اشكال جديدة خاصة بالفن التزييني ، والعدول عن الاساليب التقليدية الرائجة في هذا الحقل الابداعي والتخلي عنها، ونرى صدى تلك التقصيات واضحة في تصاميم الاثاث واوراق الجدران ، وتشكيل النوافذ وفي تصاميم الادوات المنزلية؛ ثم انسحب ذلك تدريجيا ً على العمارة ، عندما نادى انصار " الارنوفو " الكف عن محاكاة الطرز المعمارية التاريخية وتقليدها ، وسعوا الى منح المواد الانشائية الجديدة ولاسيما " الحديد والخرسانة المسلحة " دورا اكبر في العملية التصميمية ، وعدم إ خفائهما تحت طبقة من الجص او الحجر الطبيعي ، كما كان الامر سائدا في السابق .
ويعتقد ممثلو هذا التيار بان المعالجات المعمارية ينبغي ان تراعي مزايا هذه المواد ، وتظهر خواصها ، ولاسيما انسيابية الخرسانة المسلحة القادرة على التشكل في اي " فورم " مع التركيز على خاصية مطاوعة الحديد ولدانته . كما دعى انصار " الار نوفو " الى توظيف واسع للفنون التشكيلية في العملية التصميمية ، واعتبار مهمة استخدامها كمفردة ملازمة في التكوين " الار نوفووي " ، كما طالبوا ايضا ً ان يكون ذلك الاستخدام حاضرا ً وبكثافة في معالجات الهيئة الخارجية للمبنى Exterior ، او في التصاميم الداخلية له Interior .
ويتوق مشايعو " الار نوفو " الى جعل ظاهرة المناسيب متباينة الارتفاع ، حالة محببة ، واحيانا ً وجوبية في الحل الفضائي – الفني للمباني التى يصمموها ؛ من هنا اضحى عنصر" السلم " بمناسيبه المختلفة ، مدار اهتمام وولع انصار " الار نوفو " ، جاعلين من هذه المفردة المعمارية منطلق العملية التصميمية ، وفي كثير من الاحيان غايتها ! .
اظهر اتجاه " الارنوفو " إمكانيات الصيغ المعمارية – التكوينية الجديدة ، لتنظيم الفضاء الداخلي للمباني المصممة ، وفق مرجعية هذا الاتجاه ؛ والتى اتسمت بنزعة وظائفية واضحة . اذ امست متطلبات الرفاهية وأسباب الراحة ، تبدوان وكأنهما تحتلان هاجسا ً حقيقيا ً ومهما ً لدى معماري " الارنوفو " في تعاطيهم مع اشكالية تصميم الفضاءات الداخلية " الانترير " ؛ من هنا يمكن تحسس تناسبية عناصر الفضاء الداخلي " الارنوفوي " المثالية مع شاغليه بالضد مثلا ، في كبر المقياس المتبع وضخامته في فضاء الانترير الكلاسيكي .
عمل معماريون عديديون ضمن توجهات هذا المقترب الابداعي ، وكان تواجدهم حاضراً في بلدان عديدة ذات ثقافات مختلفة ، ومن اشهر ممثلي هذا الاتجاه في فرنسا كان فرنسيس جوردان ( 1847-1935 ) ، واوغست بيريه ( 1879-1959 ) ؛ وفي انجلترة جارلس ماكينتوش ( 1868- 1928 ) ؛ وفي بيجيكا فيكتور اورتا ( 1861-1947 ) ؛ وفي روسيا فيدور شيختيل ( 1859-1926 ) ؛ اما في النمسا فكان ابرز ممثلي هذا التيار هما جوزيف هوفمان ( 1870-1956 ) واوتو فاغنر ( 1868- 1941 ) ؛ وفي المانيا انري فان دي فيلدا ( 1863-1957 ) ، وفي اسبانيا انطونيو غاودي ( 1852-1926 ) ؛ وغيرهم .

اعتبرت " دارة تاسيل Tassel House " التى صممها الى المهندس " تاسيل " عام 1893 في بروكسل ، مزارا حقيقا ً لمعماريين كثيرين ، ما انفكوا يتقاطرون على المدينة لرؤية تجسيدات " الار نوفو " الواقعية ؛ وبدا المبنى وكأنه يدهش زواره لعدم انتظامية الواجهة ووسع النوافذ الزجاجية فيها . لكن الامر المثير في عمارة المبنى ، كان في الحقيقة هو اسلوب توقيع مخطط الدارة ، وتوزيع عناصر التصميم الداخلي لها ؛ اذ ترك " اورتا " نصف مساحة الارض خالية من الخلف كي يمكن له ان " يغمر " غرف الدار بنور الشمس النهاري الدائم ، ونظم توزيع هذه الغرف حول هول مركزي بالقرب من السلم الداخلي ، الذي جعل هيكله الحديدي مكشوفا ً ؛ بيد انه عالج سطوح عناصره التركيبية وما بينهما بزخارف مشغولة بالحديد المطروق ، اتسمت تشكيلاتها الفنية على مغالاة في التزويق والرسوم المركبة .
يحرص " اورتا " في دار " تاسيل " الى خلق اشكال تزينية جديدة انطلاقا ً من خاصية المعدن المستخدم – الحديد ، ولاسيما التأكيد على مرونته ، كما سعى لان تكون فضاءات الغرف الاساسية للدار مقسمة بمناسيب متباينة وبقواطع لا تصل بارتفاعها الى السقف ، مما منح فضاء الدار خاصية الانسياب والتمازج ؛ تلك الخاصية التى عدّ حضورها في التكوين " الار نوفووي " لازمة ضرورية ، طمح ممثلو هذا الاتجاه لاحقا ً الى تكريسها " وغرسها " في مجمل التكوينات الفنية المعمارية لمبانيهم .
وثمة تنوع خاص تتسم به عمارة " جارلس ريني ماكنتوش " Charles R. Mackintosh ، المعمار البريطاني السائر على النهج الجديد . في البدء عمل " ماكنتوش " اولا ً فنانا ً مصمما ً للفضاءات الداخلية " الانترير " ؛ وحظيت اعماله وتصاميمه الداخلية لمقهى كرانستون ، الذي اتمه عام 1897 في غلاسكو باسكتلدة ، على اهتمام كبير من قبل الاوساط المعمارية المحلية والاقليمية ، نظرا ً للرؤى الجديدة لمفهوم الفضاء الداخلي ذي المناسيب المختلفة ، وتوظيفه مختلف الاساليب الفنية والطليعية في تصاميم الاثاث وورق الجدران والانارة التى جاءت معالجاتها الفنية وفقا ً للنزعات الجديدة التى سعى اليها " الارنوفو " .
لكن العمل المهم في الانتاج الابداعي لـ " ماكنتوش " ، كان تصميم وتنفيذ " مدرسة الفنون " في غلاسكو ( 1899-1909 ) . ففي هذا المبنى ينأى " ماكنتوش " بفسه بعيدا ً عن تقليدية استخدام الاساليب المعمارية التاريخية / ويستند في خلق التكوين التصميمي للمبنى انطلاقا ً من وظائفيته ؛ اذ يجعل نوافذ الطابق الاول بمثابة فتحات زجاجية واسعة ، تدلل بوضوح عن غايتها المضمونية ، كونها فضاءات للمشاغل الفنية . واستثمر " ماكنتوش " بنجاح التضاد الذي خلقه بين الطبقات الرأسية لواجهة المدرسة ، وأفقية السياج الخارجي لها ، ليزيد من ثراء التكوين المبتدع وغناءه . وعلى ذكر هذا السياج الخرساني فقد عبرت هيئته العامة غير المألوفة باكتنازها على خطوط حرة متموجة وانسيابية عن مدى الامكانيات الكامنة في المادة الانشاءية الجديدة .

وتشغل الاعمال التى نفذها مكتب " الاخوة بيريه " الفرنسيين ، باشراف أوغست بيريه حيزا ً مهما ً في " بوناراما " عمارة " الار نوفو " ؛ ولاسيما تعاملهم وتوظيفاتهم الواسعة لمادة الخرسانة المسلحة في التصاميم الكثيرة والمهمة التى عملوا على تنفيذها واخراجها .
كا عمل " أوغست بيريه " على ايجاد حل لمعضلة معمارية كبرى ، وهي ترابط التركيب الانشائي مع " الفورم " المعماري ؛ تلك المعضلة التى تصّدت لها المدرسة المعمارية الفرنسية بنجاح ، وجعلت من تقصياتها المتنوعة مساراً مؤثرا ً في طروحاتها التصميمية . ولهذا فان نشاط " أوغست بيريه " ، يمكن اعتباره جزءا ً من فعالية تصميمية كانت قد افصحت عنها بجلاء كتابات " فيوليه لو ديوك " ، من " .. ان التقنية الانشائية المتجلية شاعريا ً يمكن ان تتحول بسهولة الى .. . عمارة " . ويعد مفهوم هذا التعبير العميق والمختزل في آن ، مفتاحا ً لادراك عمارة بيريه وتحديد تقصياته المهنية .
في عام 1903 ، شيد " بيريه " مبنى سكنيا ً عند " شارع فرانكلين " بباريس . وعّد هذا المبنى أول منشأ سكني متعدد الطوابق ، ينفذ بالخرسانة المسلحة بالكامل . ولئن كان المعماريون في السابق يستخدمون الخرسانة في عناصر إنشائية محددة ومقننة ، فان بيريه ، في هذا المبنى يجعل جميع عناصره التركيبة كالجدران والقواطع والسقوف معمولة كليا ً من الخرسانة .
ينطوي مبنى " شارع فرنكلين " ، على خاصية المنظومة الفضائية الموحدة ، من حيث ان فضاءات المنشأ الداخلية تمتزج الواحدة بالاخرى . وبفضل الهيكل الانشائي الخرساني فقد منحت جميع غرف المبنى أمكانية الاطلال على المنظر الداخلي بصورة مباشرة ، ومن دون عوائق ؛ كما وظف المعمار الشرفات الخرسانية في الواجهة الامامية لزيادة مساحات الفضاءات الداخلية وإثراء المعالجلت التصميمية لتلك الواجهة .
ونفذ مكتب " بيريه " عام 1906 " مرآب للسيارات " في وسط مدينة باريس ، وقد استخدم المعمار فيه المادة الانشائية الجديدة ، ليس فقط لتسهيل مهمة إ يجاد حلول كفوءة للمعضلة الانشائية ، وانما ساعدت الخرسانة المسلحة " بيريه " في تقصياته عن شكل معماري جديد وصريح لمبنى صناعي . ظل " بيريه " امينا ً ودؤوبا ً في تعاطيه مع استخدامات الخرسانة المسلحة في اكثر المباني التى صممها ، ويمثل مبنى " مسرح الشانزليه " ، المصمم عام 1914 ، والمنفذ بالخرسانة المسلحة ، المادة الانشاءية الجديدة في عمارة مبنى عام يتسم بالضخامة وينطوي على قدر كبير من الرسمانية .
لقد ابدى معماريو " الارنوفو " اهتماما خاصا ً لاستخدامات الحديد والخرسانة المسلحة ، كمواد انشائية جديدة ، واجدين فيها إمكانات هائلة في اعطاء هيئات المباني المصممة صفات تشكيلية ومرونة عاليتين . ولعب إنتاج المعماري الاسباني " انطوني غاودي Antoni Gaudi دورا ً مؤثرا ً وفعالا ً في هذا الاتجاه ، عندما شيد مجموعة من المباني السكنية ، والتى شدد فيها على تعبيرية المبنى ونحتيته ، مثل مبنى باتلو Batllo ( 1905- 07 ) ، ومبنى قصر ميلا Casa Mila ( 1906-1910 ) ؛ وكلاهما في برشلونة .
استخدم " غاودي " الخرسانة في المقام الاول لخلق اشكال مرنة وغير تقليدية للمباني التى صممها ، تنطوي على افراط تزييني واضح ، محاكيا ً صور الطبيعة ، ومقتديا ً بهيئات الصخور وقواقع البحر ، واشكال الاشجار . ويذ ّكر مبناه " كازا ميلا " – ذو الستة طوابق ، شكل صخرة جبلية ضخمة ، في حين جاءت فتحات الشبابيك في ذلك المبنى قريبة الشبه بفتحات مغارات الجبال العميقة ، واتسمت سطوح جدرانه الخارجية على حضور مكثف من المنحنيات ذات الاشكال المتموجة الناتئة ، والتى تعزز ّ الانطباع العام باننا امام قطعة من الطبيعة الحيّة ، وليس منشأ ينهض وفق قوانين الانشاء ! . وسحب " غاودي " سمة الخطوط المتموجة التى تمثل اساس " موتيف " الواجهة ، سحبه على نظام تراتبية مخططات شقق مبناه . التى جاءت اشكالها غنية بالخطوط المنحية والفضاءات غير المنتظمة ، جامعا ً هذه الشقق حول فناءين وسطيين مكشوفين وكبيرين .
استخدم " غاودي " في مبنى " كازا ميلا " حلولاً انشائية جديدة اتسمت يالجرأة والاقدام ؛ اذ نلاحظ غياب تام للجدران الحاملة الداخلية ، مستعيضا ً عنها باعمدة خرسانية تسند سقوف المبنى ؛ كما استطاع ان يوظف الشرفات الخارجية ذات الاشكال المنحية والمتموجة لزيادة متانة المبنى وصلادته . ويعد " غاودي " من المعماريين الاوائل الذين استخدموا في اعمالهم العقود الخرسانية ذات اشكال القطع المكافئ Parabola ؛ بيد ان هيئات تلك العقود المستخدمة جاءت مفعمة ومحددة بالحس السليقي للمعمار وحدسه ؛ وليس جراء حسابات دقيقة ومنطقية ، كما جرى لاحقا ً ، عندما باتت مزايا هذا النوع من الانشاء ظاهرة للعيان ، بالفترة الاخيرة .
في " كازا ميلا " ، كما في بعض مبانيه الاخرى ، يتوق " غاودي " الى تأكيد المسلك النحتي في التعاطي مع الصياغة الكتلوية لمبانيه ؛ فبالاضافة على الحرص في حضور الاحساس بان الهيئة العامة لـ " كازا ميلا " وكأنها معمولة من كتلة لزجة ومطلية ، فقد صمم " غاودي " شرفة في امتداد اعلى المبنى ظل منسوبها يتغير بتغير اطوال العقود التى ترفعها ، الامر الذي عزز الاحساس بتفرد الكتلة المصممة وعدم مألوفيتها . واذا اضفنا اشكال مجارير التهوية ومواسير المداخن في اعلاها ، فضلا على تلوين بعض القطع التركيبية يتبين لنا مستوى غرائبية هيئة المبنى المبتدعة وتفردها ! .
في عام 1887 م بدأ " غاودي " بتصميم ، وبعد ذلك الاشراف على تنفيذ ، كاثدرائية " سغرادا فميليا Sagrada Familia < العائلة المقدسة > في مدينة برشلونة ، ذلك المبنى الفريد في تاريخ العمارة ، والذي لم يكتمل بناءه ، رغم ان المعمار منحه سنين طويلة من حياته المهنية وظل متابعا لاعمال التشييد حتى وفاته سنة 1926 . في هذا العمل الضخم نشعر بنزوع المصمم للتحرر من تكبيلات " الثبوتية " و " الاستقرارية " اللتان يحس بهما المرء ، عندما يرى منشأ مبني من مواد انشائية مألوفة .
يحيلنا " غاودي " في عمارة " سغرادا فيميليا " الى عصر آخر ، غير عصرنا – ربما الى عصر" الكوثـك " ؛ فالرقة المتسمة بها العناصر التركيبية الاساسية للمبنى والمتولدة جراء غزارة التعاقب بين المادة والفراغ ؛ وكذلك اشكال الابراج العالية المستدقة والمتخمة تشكيلاتها بفيض من التزيينات الزخرفية كفيلة بان تغمرنا باحساس عال من الخفة والرشاقة ؛ ذلك الاحساس الذي طالما تاق اليه مصممو عصر " الكوثـك " ! .
حرص المعمار على تزينات واجهات مبناه " بموتيفات " زخرفية متنوعة الاشكال والمضامين والرموز ؛ فالى جانب المقرنصات المتدلية في ابواب الكثدرائية ، نتلمس سعي " غاودي " لاكساب سطوح واجهاته ملمسا ً خشنا ً يذكرنا بتوءات الصخور الجبلية ، او سيقان الاشجار المعمرة ؛ هذا فضلا ً عن وجود مجموعة من المنحوتات المعدنية المعلقة في فجوات مداخل البوابات ، الامر الذي يكرّس الاحساس بغرائبية المشهد المعماري المرئي ! .
وايا ً كان الامر ، فان اعمال " غاودي " المعمارية ذات النكهة التعبيرية والمتفرّدة ، كانت دائما ً مشوبة بالتناقضات واللاعقلانية والمهوسة بالذاتية العالية ؛ ومن خلال سلوكه المهني ، وعبر اعماله تجّلت مبادئ " الارنوفو " وقيمه باقصى تعبير لها .

ولئن قيُـمّ " الارنوفو " واتجاهاته الفنية في اكثرية ادبيات النقد المعماري ، تقييما سلبيا ً ، كونه لم يستطع ان يقدم افكارا ً تنظيرية واضحة وثابتة ، جراء انغماس ممثلي هذا الاتجاه وولعهم بفنطازيا الابداع الذاتي ، والتغاضي عن مبادئ " التكتونية " ، والهرولة وراء التأثيرات الزخرفية واشكالها الجديدة ، فاننا نعتقد ان مثل هذا التقييم مافتأ ينطوي على مفهوم احادي الجانب . اذ يتعين علينا ، ان لا ننسى جهد معماري هذا الاتجاه وعملهم الدؤوب في تكريس القطيعة بين منحى ممارسة تغليف المواد الانشائية الجديدة باساليب فنية تقليدية ، وعملية كشفها وابرازها ، ومن ثم توظيفها لجهة خلق معالجات تكوينية مشوبة بالحس الحداثوي والابداعي ؛ بمعنى آخر ، ان اتجاه " الار نوفو " انهى بصورة قاطعة مرحلة التوفيقية والاكاديمية التى سادت قبله ، وفتح المجال واسعا ً امام مرحلة جديدة من النشاط المعماري ، مرحلة ليست تنطوي على تقصسات اسلوبية على كل حال. اي ان " الار نوفو " ادى دورا ً ايجابيا ً ومهما ً في عملية " تنظيف " مسار العمارة ، ويسر انتقالها بسهولة الى مراحل جديدية ، مراحل افرزت فيما بعد تيارات معمارية عديدة ، قدّر لها ان تنتشر في بلدان مختلفة وان تستمر لفترة زمنية تجاوزت نيف ونصف قرن من الزمان ! . □□
---------------------------------------------------------
د .خالد السلطاني
مدرسة العمارة / الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون
كوبنهاغن- الدانمرك



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن