فيلم و هلأ لوين.... يا ويلي ملا -لبكي-

جقل الواوي
ain145@hotmail.com

2012 / 1 / 4

منطق "الفيديو كليب" كان حاضر بقوة على مناخات فيلم "هلأ لوين" و صبر صانع الساعات كان واضحا في كل لقطة و ربما كانت نادين لبكي تعمل على كل كادر على حدى حتى تلك التي كانت داخلها كممثلة، أوغلت في التفاصيل حتى اصبح الفيلم كله تفاصيل فأفلت النص و هربت بعض المشاهد مما جعل جزء من الأحداث غير مفهوما و بعضها غير مبرر،التفصيلات الكثيرة التي مرت أمام المشاهد كانت بطولة كاميرا أثرت الصورة و هو ما يفرضه "الكليب" الذي يريد تكثيف المعنى لقصر الوقت و لكن في فيلم يمتد لتسعين دقية فهناك متسع لإبراز الشخصيات التي غابت معالمها الرئيسة و تشكلت معظمها من رجال غاضبون و نساء يحتلن لتهدئته، تحرك الممثلون بكثرة و عرفنا بيئتهم الوعرة و نفسيانهم البسيطة التركيب و لكننا لم نقف على السر الذي تتحول فيه الشخصية من مسلم الى مسيحي و بالعكس بكل سهولة و سلاسة.

الضيعة المنقوشة كوشم على سفح جبل،تتبعثرعلى إحدى تعريجاته لافتات مكتوب عليها بخط ردىء إحذر الألغام يمر بجوارها من يريد المرور كأنها معلقة لمشاهد الفيلم و ليس لمن يريد العبور،كوكبة من النسوة بملابس قاتمة و ملامح متعبة تتحرك بخطوات موزونة و كأنها رقص و حركات باليدين تحاكي اللطميات الحزينة الشفاه مغلقة و العيون ترتدي غلالة حزن، عندما تنتهي الرقصة الحزينة تتفرق الكتلة السوداء و تنقسم الى قسمين "متساويين" معلنة نهاية الحزن الجماعي لتبدأ طقوس آخرى من الوجع الذي تبثه كل انثى على قبر يستلقي فيه عزيز،الصلبان و الشواهد الإسلامية تنظر نحو جهة واحدة، تحتضن النسوة الأحجار و تسفح فوقه الدموع،تقدم لنا المخرجة جغرافيا يوحدها الحزن و يقسمها الدين و تسيطر عليها النساء، فقد خلا مشهد الحزن في بداية الفيلم من الرجال و كأن الحزن مادة أنثوية.

القرية التي تعيش حالة "شيوعية" تشاهد التلفزيون بشكل جماعي و تتكتل عفويا لتتبادل الإبتسام و الضحك و تسمح بكل "نبل" أن تنشأ علاقة حب بين أرملة مسيحية و دهان مسلم، العلاقة يعرفها الجميع على إختلاف مذاهبهم و يباركها الجميع كذلك، تنكسر هذه "اللحمة الوطنية" بشدة عند حادث تافهة او لنقل حادثين ينكسر الصليب الخشبي للكنيسة بطريقة غير مقصودة و تدخل دواجن الى المسجد، تثور ثائرة الجميع و الجميع حسب منطق نادين لبكي هم الرجال فنساء الفيلم كائنات يكسوهن الحزن قادرات على "التنكيت" و ليس لديهن مشاعر دينية متطرفة.الخوف من الحزن ووحشة درب المقبره يثير النساء و بشكل جماعي، تقررن عدم خوض حرب أهلية جديدة، فتبدأ "المقالب" لثني الرجال عن خوض الحرب.لا تبدأ المقالب إلا بعد أن تلقي آمال "نادين لبكي" خطابا في رواد مقهاها من الرجال تصرخ فيهم موجهة إتهاماتها التي تمتد لتصل الى المشاهدين في الصالة و تنتهي وحيدة مع طفلها بعد أن اغلقت باب المقهى خلف رجال القرية الذين غادروا على عجل. اقتحم هذا المشهد السيناريو باسلوبه الخطابي المباشر و هو ما حاولت كل لقطات الفيلم الإبتعداد عنه فجاء كالنشاز و جاملت نادين لبكي نفسها فقربت الكاميرا من وجهها و يديها متجاهلة الجمهور المخاطب، فشل الخطاب و كان اسوأ مشاهد الفيلم.

تقدر النساء "نساء قرية نادين لبكي" أن السيطرة على الرجل تتم عبر غرائزه فتستقدم "فرقة" أوكرانية نسائية لتعبث برجال البلدة و تلهيهم عما يفكرون به من إقتتال ،نساء القرية خلعن ثوب الغيرة بكل بساطة و شاهدن رجالهن يلتهمون النسوة بعيون جائعة نهمة على نغمات أغنية "حشيشة قلبي"، تعجن النسوة فطائر "النشوة" و توزعنها على الجميع، تخبو ألسنة الفتنه و تنجح "الخطة"، و لكن هناك ما هو أكبر من ذلك يتعرض أحد الصبية لطلق ناري على طريق عودته الى القرية و هو يمر وسط إقتتال طائفي حصل في مكان ما خارج القرية، و خوفا من إثارة الفتنة من جديد تكتفي "تقلا" أم القتيل بتوجيه اللوم الى تمثال "العدرا" التي لم تتمالك نفسها بعد كلام تقلا فنزت عينها دما في مشهد استدر العاطفة و هبط بمستوى "الكليب"ووجه ضربة قاصمة للدراما ، ثم تقرر تقلا وئد أحزان الأنثى و إخفاء جثة القتيل و كذلك إخفاء السلاح عن ولدها المتبقي إتقاءا للعنف، و عند إنكشاف "مكيدة" تقلا أمام ولدها يبدأ بحثا محموما عن السلاح في كل أرجاء المنزل، تتوقف الكاميرا عند تقلا و هي تحمل بندقية يتصاعد الدخان من فوهتها و ابنها ملقى أمامها و الدم يسيل من الطلق الناري الذي احدثته بندقية تقلا.تختار نادين لبكي السلاح لتضع حدا للإقتتال و تستخدم المرأة الحزينة لذلك و بهذا المشهد نسفت المخرجة مقولتها عن المرأة و عن السلاح كذلك.

و في إستعراض كوميدي أخير تتحول جميع مسلمات القرية الى مسيحيات و كل مسيحياتها الى مسلمات، وسط دهشة ذكورية تتخللها نكات و قفشات تهبط بمستوى الحدث الى خانة السخرية.و يهبط مستوى الهستيريا الطائفية ليحمل نعش القتيل على أكتاف نفس الرجال، تتحرك القافلة ككتلة منسجمة وتتوقف في وسط المقبره و عيون الرجال حائرة و مرتبكة تريد أن تعرف اين تدفن الجثة، في القسم المسيحي أم في القسم الإسلامي، تتجه نظرات الرجال نحو النسوة "محركات الحدث و موجهاته" و ينطلق السؤال من فم الرجال "و هلأ لوين". المشهد الأخير كان ناجحا ومعبرا فيما لو فصلناه كوحدة بصرية عن الفيلم و لكنه كسياق درامي كان بعديدا عن الواقع و عن الوقائع التي تخللت الفيلم

أوجاع الحرب الأهلية و كثير من الهموم "الجندرية" كانت المحرك الأساسي للفيلم أرتفع فيه مستوى هرمون "النساء" و ليس الأنثى التي غابت بقوه عن مشاهد الفيلم و لم تعوض نظرات آمال الى دهانها العاشق النقص الشديد للأنثى،التكاتف و الإصرار النسائي كان قويا و مرتفعا حتى بدا و كأنه موجه ضد الذكر و ليس ضد العنف،بإعتبار أن المرأة نفسها قد أستخدمت العنف ضد الرجل، تعاطفت المرأة مع المرأة الأخرى ضد الزوج و كذلك ضد الحبيب،في تلاعب خطير بطبيعة المرأة،أكتفى الرجل في فيلم نادين لبكي بأن يكون نزقا سريع الغضب لا يتوانى أن يتحرك غرائزيا عند صورة أنثى ولو كانت من "أوكرانيا"، و بدا في أماكن كثيرة سطحيا كرجلي الدين، و جبانا كمتعهد الفرقة الأوكرانية،أمتدت مساحة التعاطف النسائي لتشمل نساء أوكرانيا عندما صممن على البقاء في القرية خلافا لرغبة المدير رغم بوادر الحرب و ذلك وفاءا للعقد الموقع مع النساء و تعاطفا غير مبررا معهن.

دخلت الكاميرا الى في تفاصل الصورة و أخذت لقطات قريبة للوجوه و الأرجل و تابعت بلهفة أجساد الرجال المتعاركة،و أظهرت شظايا تمثال العذراء المتناثر،و كانت قريبة جدا من الفتحة التي أحدثها الطلق الناري في رأس الفتى القتيل، كانت الكاميرا أسرع من العين أحيانا و لكن رغم دقائقها كانت معانيها مكررة و قليلة العمق،مشاهد الصليب المكسور و المسجد المدنس لم تؤد غرضا محددا،كانت مشاهد البداية موفقة في رسم صورة القرية المشاهد البعيدة و الدخول التدريجي في قسماتها، كانت نادين ناجحة في إختيار المكان و الوجوه و الزوايا التي وقفت الكاميرا فيها، و تقنيات المخرج كانت أعلى مستوى من سياق السيناريو، بمعنى أن المادة الفنية كانت جيدة في مقابل ضعف في المحتوى الدرامي.

لم يكن الممثلين بحاجة الى جهد كبير للظهور بشكل جيد تكفلت الكاميرا بكل شيء و هو نجاح إخراجي،و في المشاهد التي تطلبت قدرة تمثيلية ظهر ضعف الممثل،الحوار الطويل الضعيف للشاب الذي جاء ليعتذر من ابن تقلا القتيل، كان منولوج طويل غير مناسب لشخصية الفتيى، أريد منه إستنزاف بقية شجن لدى المشاهد،و الحوار الطويل بين تقلا و بين تمثال العدرا بدا إستعراضيا أكثر من اللازم، تحرك الممثلون كفرقة و الحوار جاء في الغالب من خلفية الصورة أي يمكن أن يقوله اي شخص موجود في المشهد و هو تعبير ذكي عن عدوم وجود فوارق بين سكان القرية، كانت "الست أيفون" جيدة و نجحت في إضحاكنا و كذلك فعلت عفاف.
ثاني تجربة لنادين لبكي، استعملت الكاميرا بحرفية كمن يعرف كل تفاصيلها،نصها كان ضعيفا و عبارة هلأ لوين التي ختمت الفيلم كانت بحاجة الى جهد كتابي أكبر.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن