القانون الدولي الإنساني ومراحل تطوره

سعدون عبدالامير جابر
sadoon_1960@yahoo.com

2012 / 1 / 3

" اهديه الى أرواح جميع الذين سقطوا ضحية عدم التقيد بلوائح هذا القانون "

تعتبر الصراعات البشرية والنزاعات بين الشعوب والبلدان قديمة قدم الأزل ، والتي تسببت في إزهاق أرواح ملايين البشر ، وخلفت وراءها العديد من الماسي الانسانية، لنجد أن الصراع مابين الخير والشر قائم منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا .
ويجسد الكفاح من اجل أقرار الحقوق الإنسانية، ولاسيما حقوق ضحايا النزاعات المسلحة تاريخ النضال البشري. فمنذ فجر التاريخ ، سعى الإنسان إلى أقرار أول حق له ، بمحض ولادته على ظهر البسيطة ، وهو حقه في الوجود ، مما رتب لكل فرد في البداية حقاً فرعياً يتمثل في الدفاع عن الذات في مواجهة أي تهديد لكيانه.
وحيث أن البشرية عاشت في فترات طويلة تحت وطأة الحروب والصراعات ، فيجب أن لايكون تحقيق النصر هو الغاية المتوخاة من تلك الحروب ، بل لابد من تحقيق غاية أسمى ، من أي هدف تنشب لأجله تلك الحروب ، والتي يجب تتمثل في تحقيق إنسانية الإنسان ، والعمل على التخفيف من ويلات الحروب ، التي لا تجلب على الإنسانية ألا الدمار والويلات والمآسي .
وماد فعني للتطرق لهذا الموضوع عدة أسباب ، نذكر منها :
أن نشر مبادئ القانون الدولي الإنساني وتعميمها هي مساهمة متواضعة، للتذكير بان الإنسان خلق ليعيش، وان على هذه الأرض ما يستحق العيش لأجله، وان الإنسان أذا طلب النجاة لنفسه، فعليه أن يبدأ بالمساهمة في توفيرها للآخرين.
وعليه سأتطرق في هذا البحث لإلقاء نظرة موجزة على القانون الدولي الإنساني بشكل عام من حيث التعريف به وبيان مدى أهميته وتطوره التاريخي ومجالات تطبيقه والتفريق فيما بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان بالإضافة إلى بحث مصادر القانون الدولي الإنساني . والله من وراء القصد .

الفصل الأول
(( تطور القانون الدولي الإنساني عبر الاتفاقيات الدولية )

يهدف هذا الفصل إلى إعطاء فكرة موجزة عن القانون الدولي الإنساني من خلال التعريف به ، بالنظر للتداخل بين مبادئ هذا القانون وبين المفاهيم المتعلقة بحقوق الإنسان مع التطرق لبحث مراحل تطور القانون الدولي الإنساني تلك المراحل التي ساهمت في إرساء الأسس والمبادئ التي تمخضت عنها الاتفاقيات والمواثيق الدولية المعنية بالقانون الدولي الإنساني ، وذلك على النحو التالي :


المبحث الأول / التعريف بالقانون الدولي الإنساني

المبحث الثاني / مراحل تطور القانون الدولي الإنساني ومصادره

المبحث الأول
التعريف بالقانون الدولي الإنساني(1)
يشكل القانون الدولي الإنساني فرعاً من فروع القانون الدولي العام ،ويركز على حماية الفرد أثناء النزاعات المسلحة ، وهو بهذا الوصف يرتبط ارتباطاً كبيراً بالإنسان .
ورغم تعدد تعريفات القانون الدولي الإنساني ، ألا إنها أجمعت على حقيقة واحدة ، مفادها أن هدف هذا القانون هو حماية الأشخاص الذين يعانون من ويلات الحروب (2) .
إذ يعرف الدكتور عامر الزمالي القانون الدولي الإنساني بأنه : فرع من فروع القانون الدولي العام تهدف قواعده العرفية والمكتوبة إلى حماية الأشخاص المتضررين في حالة نزاع مسلح بما انجر عن هذا النزاع من آلام ،كما تهدف إلى حماية الأموال التي ليست لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية (3) فيما يعرفه آخرون بأنه : مجموعة قواعد القانون الدولي التي تستهدف ، في حالات النزاع المسلح ، حماية الأشخاص الذين يعانون ويلات هذا النزاع ، وفي أطار أوسع حماية الأعيان التي ليست لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية (التي ليست لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) استخدام تعبير القانون الدولي الإنسانيٍ أثناء انعقاد المؤتمر الدبلوماسي في جنيف عام 1974 ، إذا كان يطلق عليه قبل أبرام ميثاق الأمم المتحدة "قانون الحرب " ، فيما أطلق عليه خلال الفترة ما بعد أبرام ميثاق الأمم المتحدة وبداية السبعينات ، تعبير " قانون النزاعات المسلحة " علماً بان هذه المصطلحات متساوية في المعنى .
(2) عامر الزمالي ، مدخل إلى القانون الدولي الإنساني ، المعهد العربي لحقوق الإنسان ، تونس ،ط1 ، ص7 .
(3) شريف عتلم ، محاضرات في القانون الدولي الانساني ، دار المستقبل العربي ، القاهرة ط1، 2001 ص10 .
(4) ستانيسلاف أ . نهليك ، عرض موجز للقانون الدولي الإنساني ( مترجم ) ، المجلة الدولية للصليب الاحمر ، السنة (1) ، العدد (1) ، تموز/ اب 1984 .
وبناءً عليه ، ينطبق تعبير (( القانون الدولي الانساني )) ، على القواعد القانونية الدولية التي تعنى بتنظيم طرق ووسائل الحرب من جهة ، وحماية ضحايا النزاعات المسلحة من جهة اخر.
ونجد ان هذا التعبير يندرج ضمن اطارين هما :
الاول : يتعلق بالجوانب التفصيلية لمفردات قانون الحرب ( قانون لاهاي ) (5) وقانون حماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة (قانون جنيف ) (6) ، وقد اتخذ هذا الاطار طريقة الى اطار حماية حقوق الانسان . فبالاضافة الى حق الانسان في الحياة والكرامة ، امتدت الحماية الى حقوق اخرى ، مثل حقوق المرأة ، وحقوق الطفل ، ومكافحة الاوبئة ، وحقوق اللاجئين .
الثاني : يتمثل بتداخل القواعد الإنسانية مع فروع القانون الدولي العام التقليدية ، كحق الحرب ومشروعية استخدام القوة لحل المنازعات الدولية ( قانون السلام ) ، ونزع السلاح ، والامن الاجتماعي ، والجرائم المرتكبة ضد الانسانية (7).
ونخلص مما تقدم ، الى ان مجموعة القواعد القانونية ، العرفية او المكتوبة ، التي تم التوصل اليها بهدف حماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، اثناء النزاعات المسلحة اصبحت تسمى بالقانون الدولي الانساني ، الذي يتضمن في معناه الواسع النصوص القانونية الدولية كافة التي تؤمن الحماية للفرد وحقوقه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) يقصد بقانون لاهاي : القانون الذي ينظم استخدام القوة ووسائل واساليب القتال ، وتشكل اتفاقية لاهاي لعام 1907 احد اهم مصادره الاساسية.
(6) اما قانون جنيف فيقصد به : القانون الذي يسعى الى حماية ضحايا النزاعات المسلحة ، وتشكل اتفاقية جنيف لعام 1949 والبروتوكولان الاضافيان لعام 1977 المصادر الاساسية له.
(7) زهير الحسني ، القانون الدولي الانساني : تطوره وفاعليته ، المجلة الدولية للصليب الاحمر ، السنة الخامسة ، العدد 26 ، تموز / اب 1992 .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد ورد جزء كبير من القانون الدولي الانساني في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 . واليوم تعد كافة دول العالم تقريباً ملزمة بهذه الاتفاقيات . ولتطوير هذه الاتفاقيات وتكاملها ابرم اتفاقان آخران هما البروتوكولان الاضافيان لعام 1977 .
وهناك لوائح أخرى تحظر استخدام أسلحة وخططاً عسكرية معينة وتحمي بعض الفئات من الأشخاص او الأعيان . وتشمل هذه الصكوك بالأساس :
• اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح وبروتوكوليها ،
• اتفاقية عام 1972 بشأن الأسلحة البيولوجية
• اتفاقية عام 1980 بشأن بعض الأسلحة التقليدية وبروتوكولاتها الأربعة
• اتفاقية عام 1993 بشأن الأسلحة الكيميائية
• معاهدة اوتاوا لعام 1997 بشأن الألغام المضادة للأفراد
• البروتوكول الاختياري لعام 2000 المتصل بالاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل ، بشأن مشاركة الأطفال في النزاعات المسلح.
والعديد من قواعد القانون الدولي الانساني مقبولة اليوم كقانون عرفي ، أي كقواعد عامة تسري على الدول كافة .
ويسري القانون الدولي الانساني فقط على النزاعات المسلحة ولايشمل حالات التوتر الداخلي او الاضطرابات الداخلية كأعمال العنف المتفرقة وهو لاينطبق سوى عند نشوب نزاع ويسري على كافة الاطراف على نحو واحد بصرف النظر عمن بدأ القتال .
وتختلف أحكام القانون الدولي الانساني بحسب طبيعة النزاع وما اذا كان الامر يتعلق بنزاع مسلح دولي أو نزاع مسلح غير دولي . والنزاعات المسلحة الدولية هي تلك التي تتواجه فيها دولتان على الأقل . وتنطبق على هذه النزاعات مجموعة موسعة من القواعد تشمل تلك الإحكام الواردة في اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول .
أما النزاعات المسلحة غير الدولية فهي قتال ينشب داخل إقليم دولة واحدة فقط مابين القوات المسلحة النظامية وجماعات مسلحة منشقة ، او بين جماعات مسلحة تتقاتل فيما بينها . وينطبق نطاق أضيق من القواعد على هذا النوع من النزاعات. وترد هذه القواعد في المادة 3 المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الثاني .

المبحث الثاني
مراحل تطور القانون الدولي الإنساني ومصادره
لقد مر القانون الدولي الإنساني بمراحل متعددة ، تعود جذورها الاولى الى الحضارات القديمة والديانات السماوية ، لكننا سنركز على المرحلة الدولية من مراحل تطور هذا القانون ، التي تعود بداياتها ، فيما يتعلق بالجوانب القانونية والاتفاقية ، الى القرن السادس عشر ، وتحديداً الى الفترة مابين عامي ( 1581- 1869 ) ، والتي ابرم خلالها (291) اتفاقاً تقريبياً ، تتعلق باتفاقيات وأنظمة ابرمها قادة الجيوش المتحاربة ، وان كان هناك بعض الاتفاقات السابقة تلك الفترة ، كعهد سمباش المعقود عام 1993 بين المقاطعات السويسرية ، والتي تضمن شروطاً تفرض احترام الجرحى والنساء (8) .
الا أن ما يهمنا من مراحل التطور ، هي الفترة الواقعة مابين عامي ( 1864- 1977) ، والتي مر خلالها القانون الدولي الإنساني بعدة مراحل ، يمكن إيجازها فيما يلي :
في عام 1864ابرمت اول اتفاقية دولية ، عرفت باسم اتفاقية تحسين حال العسكريين الجرحى ، والتي انتقل القانون الدولي الانساني بموجبها من الديانات السماوية ، والأعراف ، والقوانين الداخلية ، والاجتهادات الفقهية ، الى بداية المرحلة الدولية للقانون الدولي الانساني ، بحيث تمثل هذه الاتفاقية نقطة الانطلاق للقانون الدولي الانساني (9) .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) جان بكتيه ، القانون الدولي الانساني ( تطوره ومبادئه ) ، ترجمة ، معهد هنري دونان ، جنيف ، ط1 1984 ص 17 .
(9) عامر الزماي ، مرجع سابق
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
في عام 1899 أبرمت اتفاقية لاهاي لملائمة الحرب البحرية لمبادئ اتفاقية جنيف لعام 1864 ، كون اتفاقية عام 1864 كانت تقتصر على العسكريين في الميدان ، فجاءت اتفاقية 1899 وشملت في أحكامها الحرب البحرية (10) 0 في عام 1906 أبرمت اتفاقية خاصة بتحسين حال الجرحى والمرضىٍ العسكريين في الميدان ، وجاءت أحكام هذه الاتفاقية بمثابة تعديل وتطوير لأحكام اتفاقية عام 1864 ، بان شملت في الحماية طائفة جديدة من ضحايا النزاعات المسلحة ، وهي طائفة المرضى 0
في عام 1907 أبرمت اتفاقية لاهاي ، وكانت بمثابة تعديل وتطوير لاتفاقية عام 1899 الخاصة بالنزاع في البحار (11)
في عام 1929 ، وأثناء انعقاد المؤتمر الدبلوماسي في جنيف ، تم أبرام اتفاقيتين :

الاولى : خاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان ، وكانت بمثابة تعديل وتطوير لأحكام اتفاقية عام 1906 0
الثانية : خاصة بمعاملة أسرى الحرب ، وكانت أول تنظيم دولي لأسرى الحرب وفي عام 1949 أبرمت اتفاقيات جنيف الأربع وهي : (12)
الأولى : خاصة بتحسين حالة الجرحى والمرضى في القوات المسلحة في الميدان ، وقد تضمنت تعديل وتطوير اتفاقية جنيف الأولى لعام 1929 0
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) شريف عتلم ، مرجع ، ص20 0 ويراجع في ذلك أيضا : موسوعة اتفاقيات القانون الدولي الإنساني ( النصوص الرسمية للاتفاقيات والدول المصدقة والموقعة ) ، اللجنة الدولية للصليب الاحمر ، القاهرة ، 2002 0
(11) تم ابرام هذه الاتفاقية في 18 اكتوبر / تشرين الاول 1907 ، ووقعتا عليها في حينه خمس عشرة دولة 0
(12) يراجع بخصوص النصوص التفصيلية لإحكام اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 ، اتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 آب / أغسطس لعام 1949 ، منشورات اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، جنيف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثانية تتعلق بتحسين حال الجرحى والمرضى والغرقى من أفراد القوات المسلحة في البحار ، وكانت بمثابة تعديل وتطوير لأحكام اتفاقية لاهاي لعام 1907 0
الثالثة : خاصة بمعاملة أسرى الحرب ، وتضمنت تعديلاً وتطويرا لأحكام اتفاقية جنيف الثانية لعام 1929 0
الرابعة : وتضمنت الأحكام الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين أثناء النزاعات المسلحة ، وكانت أول تنظيم دولي يتناول موضوع حماية المدنيين 0
في عام 1977 تم أقرار البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 ، يختص الأول بالمنازعات المسلحة الدولية ، وقد كان من أهم ما تضمنه اعتباره حروب التحرير بمثابة نزاع مسلح دولي ، أما الثاني فيختص بالمنازعات المسلحة غير الدولية 0 (13)
وبالإضافة إلى الاتفاقيات الدولية السابقة ، فهناك اتفاقيات وإعلانات دولية أخرى تواكب التطور الذي شهده القانون الدولي الإنساني في مرحلته الدولية ، منها :
• إعلان بيتر سبورج لعام 1868 ، المتعلق بحظر استخدام بعض القذائف المتفجرة
• إعلان لاهاي لعام 1899 الخاص بحظر الرصاص من نوع ((دمدم )) 0
• بروتوكول جنيف لعام 1925 الخاص بمنع استخدام الغازات السامة والأسلحة الجرثومية 0
• اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1954 المتعلقة بحماية الممتلكات والأعيان الثقافية أثناء النزاعات المسلحة 0 (14)
• اتفاقية عام 1980 بشان حظر استخدام بعض الأسلحة التقليدية 0

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) شهدت السنوات العشر الأخيرة العديد من الصراعات الداخلية ( غير الدولية ) في أفغانستان ، والصومال ، وتيمور الشرقية ، وساحل العاج ، والشيشان والأراضي العربية المحتلة وكانت بمثابة الاختبار الحقيقي للإحكام الواردة في البروتوكول الثاني لعام 1977 0
(14) ICRC ; preparatory meeting for review conference of1980 United nations Convention on certain conventional weapons ICRC Urges Negotiators to ban Land mines and blinding weapons ICRC press division 24 August 1994
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• اتفاقية أوتاوا لعام 1997 بشان حظر الألغام المضادة للإفراد 0
• النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي ابرم في روما عام 1998 ، ودخل حيز التنفيذ في 31 تموز عام 2001 وبعد مصادقة (60) دولة عليه حسب ما يقضي بذلك النظام الأساسي 0
إلا أن التطور الموجز لمبادئ القانون الدولي الإنساني ، الذي استعرضناه سابقاً ، في مرحلته الدولية ، لم يأت من فراغ ، بل كانت بمثابة خلاصة لجهود وتطور تاريخي طويل ، كرسته الشرائع والأعراف السماوية والدينية لنجد بان الحضارات القديمة والشرائع السماوية ساهمت في وضع اللبنات الأولى للمبادئ والمفاهيم الخاصة بالقانون الدولي الإنساني المعمول بها حالياً (15) 0
ومن خلال تتبع مراحل تطور القانون الدولي الإنساني ، نعتقد بان الحاجة أصبحت ملحة ، لمراجعة وتفعيل مبادئ هذا القانون ، خصوصاً بعد التقدم التقني الهائل في مجال إنتاج الأسلحة ولاسيما الفتاكة منها ، وبعد انتشار أسلحة الدمار الشامل في مناطق شتى من العالـــــم 0




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 15) انظر في ذلك : عبد الغني عبد الحميد محمود , حماية ضحايا النزاعات المسلحة في القانون الدولي الانساني والشريعة الاسلامية , اللجنة الدولية للصليب الأحمر , القاهرة ط1 ’ 2000

الفصل الثاني
( نطاق تطبيق القانون الدولي الانساني )
ان القانون الدولي الانساني يهدف الى حماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية كما لاحظنا عند دراسة اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها 0
لذا سنتناول هذين النوعين من النزاعات ضمن المبحث الثاني من هذا الفصل أما في المبحث الأول سنتعرف على أوجه التمييز بين القانون الدولي الانساني وقانون حقوق الانسان 0
( المبحث الأول )
(التفريق بين القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان )
يهدف القانون الدولي الانساني وقانون حقوق الانسان الى تحقيق غرض مشترك يتمثل في حماية الانسان واحترام كرامته , غير أن هذين الفرعين من فروع القانون الدولي العام يختلفان من طابعهما واصلهما وتطورهما ( 16 )
وعلى الرغم من هذا الاختلاف ألا أن هناك تشابهاً وتاثيراً متبادلاً بين هذين الفرعين يظهر من التداخل الحقيقي في النصوص وفي التطبيق في اغلب الأحيان وقد ساعد على ذلك التقارب عدة عوامل من أهمها - من جهة يبدو امتداد القانون الدولي الانساني الى المنازعات ذات الطابع غير الدولي وخصوصاً بعد اعتماد اتفاقيات جنيف , لعام 1949 ومن جهة أخرى , لم يقتصر القانون الدولي الانساني منذ اعتماده المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف على المنازعات بين الدول فقط , وإنما فرض على الدول بعض القواعد في شأن معاملة بعض مواطنيها ويزداد التقارب كلما اشتدت حالات النزاع المسلح ( 17 )
ألا انه وعلى الرغم من التقارب بينهما , فان هناك خصائص تميز كلا من القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الانسان وتتمثل فيما يلي :
القانون الدولي الانساني هو قانون الطوارئ المطبق زمن المنازعات المسلحة ويهدف الى تحقيق غايات أكثر تقييداً وتحديداً بالمقارنة مع مفهوم حقوق الانسان , لان أحكام القانون الدولي الانساني تتميز بطابعها الإلزامي 0
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 16) جاك موران , الطابع الذاتي والطابع المتقارب للقانون الانساني وقانون حقوق الانسان , المجلة الدولية للصليب الاحمر , السنة السادسة ,العدد 30 , مارس / اذار 1993 , ص 83
( 17) محمد نور فرحات , القانون الدولي الانساني وحقوق الانسان , بحث مقدم الى المؤتمر الاقليمي العربي الذي انعقد في القاهرة في الفترة 14-16 نوفمبر 1999 , بمناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي لاتفاقيات جنيف ( 1949- 1999)

-10-

يجوز تطبيق قانون حقوق الانسان في كل وقت بما في ذلك وقت النزاع المسلح , غير أن هذا التطبيق مقيد الى حد ما بالتفسيرات التي تصطلح عليها الهيئات المكلفة بتطبيقه
يتضمن القانون الدولي الانساني بعض القواعد التفصيلية والمطابقة لأحوال حماية حقوق الانسان في وقت النزاع المسلح , في حين يوفر قانون حقوق الانسان مضموناً اعم لاتنطبق فيه أحكامه دائماً من الناحية العملية على مختلف فئات الأشخاص المتضررة من النزاع المسلح ( 18 )
يمتاز القانون الدولي الانساني بشموله لتجاوزات الحكومات وجماعات المعارضة المسلحة على حد سواء , في حين يتناول قانون حقوق الإنسان أساسا مسؤوليات الحكومات
كما أن آليات تطبيق ومراقبة هذين النظامين لاتزال مختلفة تماماً , وكذلك المنظمات المكلفة بتطويرهما وترويجهما , فنجد اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالنسبة للقانون الدولي الانساني , والمنظمات الدولية ( بما فيها الأمم المتحدة ) والمنظمات بالنسبة لحقوق الانسان ( 19 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 18 ) ديفيد فايسبروت وبيغي ل.هايكس , تنفيذ حقوق الانسان والقانون الانساني في المنازعات المسلحة , المجلة الدولية للصليب الاحمر السنة السادسة , العدد30, مارس / ابريل 1993 , ص89
( 19) weissbrodt,The Role of lnternetional Organizations in the Implementation
Of Human Rights and Humanitaian Law in situations of Armed Conflicts, 21 Vand j. Transnat ll , 313 ( 1988)

-11-



وعلى صعيد القانون الدولي الانساني , نجد ان اتفاقيات جنيف تمنح ضحايا المنازعات المسلحة قدراً من الحماية اكبر مما تمنحه اتفاقيات حقوق الانسان , كون الأخيرة تمت صياغتها بدون مراعاة للظروف الخاصة التي تنشأ في ظل النزاعات المسلحة 0
وعلى الرغم من كل ذلك , فان القانون الدولي الانساني اقل تأثراً من حقوق الانسان , بمخاطر التسييس والتغيرات المتباينة , كونه يتضمن قواعد اكثر تفصيلاً لحماية الانسان في حالة النزاع المسلح , الامر الذي يمكن القانون الدولي لحقوق الانسان , بلغته السهلة وحيوته الخاصة , من مساندة القانون الدولي الانساني في حالات النزاع المسلح والاضطرابات من خلال الضغط على الدول ذات السيادة ( 20 )
كما أن الاعتراف المتواصل بعالمية القانون الدولي الانساني , بارتباطة بالجهود المبذولة لتنفيذ قانون حقوق الانسان , ينطوي على اثر ايجابي على تطبيق القانون الدولي الانساني تطبيقاً أفضل ( 21 )
وبالنتيجة فان قوة القانونين تكمن في تكاملهما الذي ينبغي استثماره على افضل وجه , لمصلحة الضحايا, كون هدفهما واحد وهو حماية حقوق الانسان وحرياته الأساسية زمن الحرب والسلم , والدليل على ذلك , ان تأثير حركة حقوق الانسان هو الذي أدى الى استعمال تعبير " القانون الدولي الانساني " بدلاً من " قانون النزاعات المسلحة " , كما ان الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان تشمل أحكاما تطبق زمن النزاعات المسلحة (22 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 20) ديفيد فايسبروت وبيغي ل.هايكس , مرجع سابق ص 88
( 21) هذا مااكدة المؤتمر الدولي للصليب الاحمر الذي انعقد في اسطنبول عام 1969 , من خلال البيان الصادر عنه , والذي تضمن النص على حق الانسان في التمتع بسلم دائم وبحياة كريمة , مع ضمان احترام حقوقه وحرياته الاساسية , ولايمكن بلوغ هذا الهدف الا اذا احترمت وروعيت حقوق الانسان كما تم النص عليها وتحديدها في الاعلان العالمي لحقوق الانسان 0
( 22 ) انظر في ذلك المادة الرابعة والمادة العشرون من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية , والمادة الثانية من البروتوكول الثاني الاختياري الملحق بذلك العهد , والمادة الثانية من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيرة من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة , والمادة الثامنة والثلاثون من اتفاقية حقوق الطفل , والمادة الحادية عشرة من الاتفاقية الدولية الخاصة باللاجئين , وكذلك البند الرابع من اعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة الصادر عن الامم المتحدة بموجب قرارها رقم 1514 ( د – 15) تاريخ 14 كانون الاول / ديسمبر 1960


( المبحث الثاني )
النطاق المادي لتطبيق القانون الدولي الانساني
اولاً – النطاق المادي : من حيث النطاق المادي يشمل نطاق تطبيق القانون الدولي الانساني مايلي :
1- النزاع المسلح الدولي :
يقصد بالنزاع المسلح الدولي , حالة الحرب المعلنة او أي نزاع مسلح أخر ينشب بين طرفين او أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة , حتى وان لم يعترف احدها بحالة الحرب ( 23 )
أي هو الحرب الدولية التي تنشب بين دولتين او أكثر , وهذا ما تطرقت اليه اتفاقيات جنيف الاربع في المادة الثانية المشتركة , وما أكدته المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الأول الخاص بالنزاعات المسلحة الدولية , والتي أضافت تطوراً هاماً في اعتبار النزاعات المسلحة التي تناضل الشعوب من خلالها ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي , ووضع الانظمة العنصرية , بحكم النزاع المسلح الدولي ( 24 )
2- النزاع المسلح غير الدولي :
يقصد بالنزاع المسلح غير الدولي , النزاع الذي يثور داخل حدود اقليم الدولة , او تلك النزاعات التي تخوض فيها القوات المسلحة لدولة ما مواجهة مسلحة مع فئة او بعض الفئات داخل ترابها الوطني , وهذا ما تطرقت الية المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الاربع , والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 الخاص بالمنازعات المسلحة غير الدولية ( 25 )

ـــــــــــــــــــــــــــ
( 23) عامر الزمالي , مرجع سابق ص 33
( 24 ) شريف عتلم , مرجع سابق ص24 وانظر في ذلك ايضاً : عبد الغني عبد الحميد محمود , مرجع سابق , ص17
( 25) دخلت النزاعات المسلحة غير الدولية , مرحلة التنظيم الدولي , بسبب تزايدها خصوصاً في الفترة الاخيرة , وبسبب جسامة الانتهاكات للقانون الدولي الانساني التي ارتكبت خلالها , ولعل ماحدث في الصومال وراوندا ويوغسلافيا السابقة وافغانستان خير دليل على ذلك , مع العلم ان الاضطرابات والتوترات الداخلية واعمال الشغب ليست من ضمن الحالات التي يشملها القانون الدولي الانساني 0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
ثانياً – النطاق الشخصي لتطبيق القانون الدولي الانساني :
اما النطاق الشخصي للقانون الدولي الانساني , فيشمل الفئات المحمية بموجب أحكام هذا القانون وهما فئة الأشخاص وفئة الممتلكات والأشخاص المحميون بموجب أحكام القانون الدولي الانساني هم :
1- ضحايا النزاعات المسلحة في ميادين القتال , حيث حددت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 الفئات المحمية , ورتبت لها حقوقاً يجب على أطراف النزاع المسلح كافة احترامها , وهذه الفئات هي :
*الجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان
*الغرقى والجرحى والمرضى من القوات المسلحة في البحار
*أسرى الحرب
*المدنيون
ومن الملاحظ أن الفئات الثلاث الأولى تنتمي الى فئات المقاتلين قبل أن تتوقف عن القتال اضطراراً أو اختياراً , اخذين بعين الاعتبار , أن الوضع القانوني لهذه الفئات الثلاث قد يتغير بعد توقفها عن القتال , أما الفئة الرابعة فهي فئة المدنيين الذين لا يشاركون في القتال أصلا (26 )
ــــــــــــــــــ

( 26 ) مهند حجازي , الفئات المحمية بموجب احكام القانون الدولي الانساني , ورقة عمل مقدمة الى اعمال الحلقة الدراسية حول القانون الدولي الانستني , المنعقدة في عمان بالتعاون بين اللجنة الدولية للصليب الاحمر / عمان والمعهد القضائي الاردني خلال الفترة مابين 24- 25 ايلول / سبتمبر 2002

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسوف نتطرق الى هذه الفئات – بإيجاز – على النحو التالي :
1) الجرحى والمرضى والغرقى :
لم تميز اتفاقيات جنيف وملحقاها بين المدني والعسكري المنتمي لهذة الفئة , فقد نصت المادة الثامنة من الملحق الأول في الفقرتين ( أ و ب ) على مايلي :
الجرحى والمرضى هم الأشخاص العسكريون أو المدنيون الذين يحتاجون الى مساعدة أو رعاية طبية بسبب الصدمة أو المرض أو أي اضطراب او عجز, بدنياً كان ام عقليـاً .
والذين يحجمون عن أي عمل عدائي , وشمل هذان التعبيران ايضا الرضع والأطفال حديثي الولادة والأشخاص الآخرين الذين قد يحتاجون الى مساعدة او رعاية طبية عاجلة , مثل ذوي العاهات واولات الأحمال الذين يحجمون عن أي عمل عدائي .
المنكوبون في البحار وهم الأشخاص العسكريون او المدنيون الذين يتعرضون للخطر في البحار او أيه مياه أخرى نتيجة لما يصيبهم او يصيب السفينة او الطائرة التي تقلهم من نكبات , والذين يحجمون عن أي عمل عدائي , ويستمر اعتبار هولاء الأشخاص منكوبين في البحار أثناء إنقاذهم الى أن يحصلوا على وضع أخر بمقتضى الاتفاقيات أو الملحق وذلك بشرط أن يستمروا في الأحجام عن أي عمل عدائي .
2) أسرى الحرب : ( 27 )
يرتبط تعريف الأسير ارتباطاً وثيقاً , وجوداً وعدماً , بتعريف المقاتل فلا يعتبر أسيرا من لم يكن مقاتلاً , فالأسير وكما عرفته المادة ( 44) من الملحق الأول هو : كل مقاتل يقع في قبضة الخصم , أما المقاتل فهو كل شخص تتوافر فيه الشروط التي يجب توافرها في أفراد القوات المسلحة , كما حددتها المادة ( 43) من الملحق الأول . وبناء على ذلك فان الأشخاص الذين يتمتعون بصفة الأسير هم :
أفراد القوات الرسمية ( 28)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 27) سهيل حسين الفتلاوي , نظام اسرى الحرب , جامعة بغداد , دار القادسية , بغداد 1983 , وانظر في ذلك ايضا , اسرى الحرب عبر التاريخ , دار الطليعة للطباعة والنشر , بيروت 1979
( 28 ) عبد الواحد الفار , اسرى الحرب , رسالة دكتوراة مقدمة لكلية الحقوق في جامعة عين شمس , القاهرة 1975


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهم أفراد القوات النظامية للدولة , التي هي مجموعة من أفراد القوات المسلحة بتشكيلاتها المختلفة , بصورة دائمة او مؤقتة , ويخضعون لايراد الدولة ويتقاضون رواتبهم من سلطاتها العسكرية ويشمل ذلك المكلفون بالخدمة العسكرية الإلزامية والمتطوعون والملتحقون كالصحفيين والمراسلين لوكالات الإنباء , والمكلفون بحالة الطوارئ , وقوى الأمن الداخلي كالشرطة وحرس الحدود وأفراد أطقم البواخر والغواصات والطائرات الحربية , وسكان الأراضي غير المحتلة والذين يحملون السلاح باختيارهم عند اقتراب العدو لمقاومته وأعضاء حركات التحرر الوطني بشرط أن تتوافر فيهم شروط المقاتل في القانون الدولي .

القوات المتطوعة : ويشمل ذلك التنظيمات العسكرية المتطوعة وفي مقدمتها الجيش الشعبي ويستمر سند إضفاء الصفة الشرعية على العمليات القتالية التي يقوم بها أفرادها هذه التنظيمات من القوانين الداخلية أذا كان مجال نشاطها ضمن حدود الدولة , أما اذا مارست نشاطها خارج حدود الدولة فأنها تخضع في هذه الحالة لقواعد القانون الدولي مع ضرورة توافر شروط معينة ليتمتعوا بصفة المقاتل بحيث تشملهم الحماية الدولية المقررة , وذلك بان يكون المقاتل تحت امرة شخص مسؤول يخضع لأوامره وان يحمل أفراد الجيش الشعبي علامة فارقة تميزهم عن بعد وحملة لسلاحه بصورة علنية , وان يطبق قوانين الحرب في العمليات الحربية ( 29 ) .



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 29 ) سهيل الفتلاوي , المنازعات الدولية : دراسة في تسوية قواعد المنازعات الدولية , دار القادسية بغداد , 1985 , وهذا مااشارت الية المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة بشان معاملة اسرى الحرب لعام 1949 وكذلك المادة الثالثة ومابعدها من اللائحة المتعلقة بقوانين واعراف الحرب البرية الصادرة في لاهاي بتاريخ 18 تشرين اول / اكتوبر 1907
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتت

أما الأشخاص الذين لايخضعون للأسر فيندرجون ضمن فئتين هما :
الاشخاص الذين لايجوز التعرض لهم : وهم الأشخاص الذين لايجوز أسرهم او حجزهم او القبض عليهم ويتمتعون بحماية دولية وحقوق وامتيازات واردة في اتفاقية جنيف لأسرى الحرب وهم :
*أفراد الخدمات الطبية والدينية والمرافقون للقوات المسلحة كالأطباء , والصيادلة , والممرضات , والمخبرين , والمصورين الشعاعيين ومساعديهم .
*أفراد المنشآت الطبية الثابتة والمتحركة التابعة للخدمات الطبية .
*الحرس والمرضى من المدنيين في ساحة القتال, الذين يعالجون من قبل الوحدات الطبية التابعة لدولتهم .
*أفراد الهيئات الطبية المختصون بالبحث عن الحرس والمرضى أو حملهم أو معالجتهم ومكافحة الأوبئة والأمراض عنهم .
*موظفو المنظمات والجهات الدولية والوطنية المعترف بها , كالصليب الأحمر والهلال الأحمر وغيرها من الجمعيات المتطوعة .
*أفراد أطقم بواخر المستشفى العسكري , والمنشآت المخصصة لمساعدة الحرس والمرضى والغرقى ومعالجتهم ونقلهم .
*الأفراد الذين لم يبلغوا سن الرشد .
الأشخاص الذين لايتمتعون بحقوق الأسير وهم :
*الوطنيون الملتحقون بقوات العدو .
*الجواسيس (30 )
*المرتزقة ( 31 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 30 ) وضحت الاحكام الخاصة بالجواسيس في لائحة لاهاي لعام 1907 الخاصة بالحرب البرية , في المواد ( 29-32) والتي عرفت الجاسوس بانه " الذي يعمل في خفية او تحت ستار مظهر كاذب لجمع او محاولة جمع معلومات في منطقة الاعمال الحربية لاحدى الدول المتحاربة بقصد ايصال هذة المعلومة لدولة العدو "
( 31 ) عبد الله الاشعل , ظاهرة المرتزقة في العلاقات الدولية وخطرها على العالم الثالث , المجلة المصرية لقانون الدولي , العدد 39, 1983 , ص 68 كما عرفت ( المرتزقة ) المادة 47/2 من البروتوكول الاول
أما عن الحماية المقررة لأسرى الحرب فهناك حماية مقررة لهم عند ابتداء الأسر تتمثل بتحريم قتل المقاتلين الشرعيين التابعين بمجرد ان يكفوا عن القتال بسبب ما أصابهم من المرض , او الجرح , او الغرق , او أي نوع من أنواع العجز البدني او العقلي كما يحرم قتلهم اذا ما القوا بسلاحهم باختيارهم واستسلموا للعدو , كما تلتزم الدولة الآسرة برد ممتلكات الأسير عند انقضاء الأسر ولايجوز للدولة الآسرة ان تجرد الأسير من شاراته ورتبة ونياشينه وجنسيته وكذلك الأشياء ذات القيمة الشخصية او التذكارية وقد تطرقت المادة ( 18) من اتفاقية جنيف الثالثة لحماية الأسير أثناء الأسر ( 32 )
كما ان هناك حماية مقررة للأسير أثناء الأسر , تتمثل في حق الأسير في المعاملة الانسانية وحقه في احترام الشخصية والشرف والحق في العناية الصحية والطبية والمساواة في المعاملة , وحقة في ممارسة الشعائر الدينية والأنشطة الذهنية والبدنية
والحق في الإعاشة , وحق الأسير في الاتصال بالخارج , والسماح لممثلي المنظمات الدولية بزيارة الأسرى والاطلاع على احوالهم ( 33 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 30 ) وضحت الاحكام الخاصة بالجواسيس في لائحة لاهاي لعام 1907 الخاصة بالحرب البرية , في المواد ( 29-32) والتي عرفت الجاسوس بانه " الذي يعمل في خفية او تحت ستار مظهر كاذب لجمع او محاولة جمع معلومات في منطقة الاعمال الحربية لاحدى الدول المتحاربة بقصد ايصال هذة المعلومة لدولة العدو "
( 31 ) عبد الله الاشعل , ظاهرة المرتزقة في العلاقات الدولية وخطرها على العالم الثالث , المجلة المصرية لقانون الدولي , العدد 39, 1983 , ص 68 كما عرفت ( المرتزقة ) المادة 47/2 من البروتوكول الاول لعام 1977
( 32 ) سيد هاشم , معاملة اسرى الحرب في ظل احكام اتفاقية جنيف , اللجنة الدولية للصليب الاحمر , جنيف
( 33) عبد الكريم فرحان , اسرى الحرب عبر التاريخ , بيروت 1979 ,
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتت

ثالثاً : المدنيون :
عرفت المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الاشخاص المدنيين , بانهم الاشخاص الذين ليس لهم دور ايجابي في الاعمال العدائية بما فيهم افراد القوات المسلحة الذين سلموا سلاحهم او ابعدوا عن القتال بسبب المرض او الجرح او الاسر او لاي سبب اخر .
كما عرفت المادة (50) من الملحق الاضافي الاول لعام 1977 المدني بانة الشخص الذي لاينتمي الى أي فئة من فئات الاشخاص المشار اليها في البنود الاول والثاني والثالث والسادس من الفقرة (أ) من المادة الرابعة من الاتفاقية الثالثة ( الخاصة بحماية اسرى الحرب ) هذة المادة التي تعتبر افراد القوات المسلحة كافة مقاتلين ويساهمون مباشرة في الاعمال العدائية بأستثناء افراد الخدمات الطبية والوعاظ الذين تشملهم المادة (33) من الاتفاقية الثالثة , وعلية فان الاشخاص المدنيين المحميون هم السكان المدنيون والصحافيون والقائمون بالخدمات الانسانية وافراد الحماية المدنية وموظفو الخدمات الطبية , والخدمات الروحية او الدينية وموظفو جميعات الاغاثة التطوعية ( 34 )
اما عن الحماية التي يتمتع بها المدنيون فتتمثل بحظر كافة اعمال الاكراة والتعذيب والعقاب الجماعي والانتقام واحتجاز الرهائن وترحيل السكان كما حددت الاتفاقية الرابعة لأحكام الخاصة بمعاملة الأجانب الموجودين في اراضي اطراف النزاع اذ منحتهم حق مغادرة أراضي العدو وتلقي مواد الاغاثة وممارسة الاعمال المسموح بها والاقامة , كما تطرقت الاتفاقية للحماية بالجرحى , والمرضى , والعجزة ، والحوامل والأطفال ( 35)
ونجد أن الحماية الخاصة بالمدنين زمن النزاع المسلح , تستند أساسا الى مبدأ عدم توجية الهجمات العسكرية ضد السكان المدنين , طالما أنهم لايشتركون في القتال مباشرة الا ان جوانب هذة الحماية لاتكتمل الا اذا تقررت حماية خاصة للأهداف والمنشآت المدنية والتي لأغنى عنها لبقاء السكان المدنيين ( 36
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 34) محي الدين عشماوي , حقوق المدنيين تحت الاحتلال الحربي , عالم الكتب القاهرة 1972
( 35 ) عز الدين فوده المركز القانوني لاحتلال الحربي , المجلة المصرية للقانون الدولي , المجلد الخامس والعشرون , القاهرة 1969
( 36 ) سيد هاشم , حماية المدنيين في الاراضي المحتلة , اللجنة الدولية للصليب الاحمر , جنيف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت



وتستند هذة الحماية على المبدأ العام الذي يعتبر الهجمات العسكرية مشروعة عندما يتم توجيهها ضد الاهداف العسكرية فقط والتي يحقق تدميرها الكلي او الجزئي ميزة عسكرية مؤكدة للطرف القائم بالهجوم لذلك فقد اتجه الفقه والاجتهاد الدولي الى السعي نحو اقرار قواعد خاصة لحماية الأشياء والمنشات اللازمة لبقاء السكان المدنيين ولاستمرار حياتهم الطبيعة , وهذا ما تطرقت الية المادة ( 54) من الملحق الإضافي الأول وتحت عنوان حماية الاعيان والمواد التي لاغنى عنها لبقاء السكان المدنيين لتؤكد على منع تجويع المدنيين كأسلوب من اساليب الحرب , كما منعت تلك المادة مهاجمة او تدمير او تعطيل الأعيان والمواد التي لاغنى عنها لبقاء السكان المدنيين , مثل المواد الغذائية والمناطق الزراعية والمحاصيل والماشية ومرافق مياة الشرب وشبكاتها واشغال الري ( 37 )
كما حظرت المادة ( 54) من الملحق الإضافي الاول صور الاعتداء كافة ضد هذه الاعيان , سواء تمثل ذلك في المهاجمة او التدمير او النقل او التعطيل وبذلك فقد تحصنت هذه المنشآت وتلك الأشياء ضد صور الاعتداء عليه كافة كما حظرت نفس المادة استخدام اسلوب التجويع الاقتصادي للمدنيين كوسيلة للضغط على ارادة العدو لحملة على الاستسلام , كما حرم النص ان تكون هذه المنشآت والاعيان محلاً لهجمات الردع .
الا ان الفقرة الثالثة من المادة ( 54) من الملحق الإضافي الأول قد وضعت استثناء على حظر مهاجمة الأعيان والمواد التي لاغنى عنها لبقاء السكان المدنين بمعنى أنها أجازت مهاجمة هذه الاعيان وتدميرها اذا قام الخصم باستخدامها زاداً لأفراد قواته المسلحة وحدهم او دعماً مباشرا لعمل عسكري فقد أجازت المادة المشار اليها مهاجمة تلك الأعيان في مثل هذة الحالة شريطة مراعاة حاجة السكان المدنيين وعدم تعريضهم الى خطر مجاعة يضطرهم الى النزوح عن أرضهم ( 38 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 37 ) عامر الزمالي , الفئات المحمية بموجب احكام القانون الدولي الانساني , ورقة عمل قدمت الى المؤتمر الاقليمي العربي الذي انعقد في الفترة 14-16 تشرين ثاني / نوفمبر 1999 بمناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي لاتفاقيات جنيف ( 1949-1999)
( 38 ) اشارت الفقرة ( 3) من المادة ( 54) من البروتوكول الاول الى انه " لايطبق الحظر الوارد في الفقرة الثانية على مايستخدمة الخصم من الاعيان والمواد التي تشملها تلك الفقرة :
*زاداً لافراد قواته المسلحة وحدهم .
*ا وان لم يكن زاداً فدعماً لعمل عسكري , شريطة الا تتخذ مع ذلك حيال هذة الاعيان اجراءات قد يتوقع ان تحدث مجاعة لدى السكان المدنيين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولقد أكدت المادة ( 56) على مبدأ الحماية لصالح المنشآت الهندسية التي تحوي قوى خطرة مثل السدود والجسور والمحطات النووية المستخدمة والأهداف العسكرية الأخرى الواقعة عند هذة المنشآت , اذ حظرت هذة المادة توجية أي هجوم عسكري او اية اعمال عدائية ضدها اذا كان من شأن ذلك الهجوم ان يؤدي الى انطلاق قوى خطرة ترتب خسائر فادحة للسكان المدنيين ( 39 )
ولكن هذة الحماية ليست حماية مطلقة ذلك ان هذه الحماية التي تتمتع بها تلك المنشآت والإشغال والأهداف العسكرية القريبة منها او الواقعة عندها تتوقف اذا استخدمت هذه الاعيان والممتلكات في دعم العمليات العسكرية على نحو منتظم وهام ومباشر , وكان الهجوم عليها هو السبيل الوحيد المستطاع لإنهاء هذا الدعم .
وفي ذات الوقت فقد أولى القانون الدولي الانساني البيئة الطبيعية حماية خاصة زمن النزاع المسلح , فقد حظرت المادة (55) من الملحق الاضافي الأول على أطراف النزاع استخدام أساليب ووسائل القتال التي يتوقع ان يترتب على استخدامها اضرار واسعة الانتشار وطويلة الأمد بالبيئة الطبيعية ( 40)
وبذلك نكون قد استعرضنا في الفصل التمهيدي – وبايجاز – التعريف التعريف بالقانون الدولي الانساني , ومراحل تطوره , ومصادرة , والتفرقة فيما بين القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان , كما تطرقنا الى نطاق تطبيق القانون الدولي الانساني ( المادي والشخصي ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 39 ) وفي هذا الصدد تنص الفقرة الخامسة من المادة ( 56)على حث الدول الاطراف على تجنب اقامة اية اهداف عسكرية على مقربة من الاشغال الهندسية والمنشآت المحتوية على قوى خطرة .
( 40 ) جابر الراوي , المسؤولية الدولية عن الاضرار البيئية , بغداد , دار النشر ط1 1985 يضاف الى ذلك وجود العديد من المعاهدات الدولية التي تنص على تقييد او حظر استخدام وسائل قتال معينة تسهم بشكل وباخر في حماية البيئة اثناء النزاع المسلح منها
1. اتفاقية حظر وانتاج الاسلحة البيولوجية لعام 1972
2. بروتوكول عام 1925 الخاص بحظر استعمال الغازات السامة والخانقة
3. اتفاقية حظر او تقييد استعمال اسلحة تقليدية لعام 1980
ــــــــــــــــــــــــــت
يتبين لنا مما تقدم أن القانون الدولي الإنساني هو مجموعة من القواعد الرامية إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة لدوافع إنسانية ، وان هذا القانون يحمي الأشخاص الذين لم يشاركوا في القتال أو كفوا عن المشاركة فيه ، كما انه يقيد حق اختيار الوسائل والأساليب المستعملة في الحرب 0إذن فهو يهدف إلى تخفيف معاناة جميع ضحايا المنازعات المسلحة الخاضعين لسلطات العدو سواء كانوا من الجرحى أو المرضى أو الغرقى في البحار أو أسرى الحرب أو المدنيين 0فالقانون الدولي الإنساني بهذا التحديد ينطبق على جميع حالات النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية ، مادام الإنسان هو ضحية هذا النزاع فهو يحتاج إلى مساعدة إنسانية تكفلها قواعد هذا القانون . لذلك فالعمل على تنفيذه على نحو فعال يبقى امراً ملحاً أكثر من أي وقت مضى . واخيراً ، فبإمكاننا جميعاً سواء في إطار الحكومات أو المنظمات أو كأفراد أن نقدم إسهاما فعالاً في تطبيق القانون الدولي الإنسانـــي.

( التوصيات )

(1) أن وضع المعاهدات المتعلقة بالحرب وحماية ضحايا الحرب هو ان يتحلى القائمون بهذا العمل بقدر كاف من الواقعية وتجنب وضع قواعد لا يمكن أن نتوقع من الأطراف المتحاربة احترامها وتنفيذها 0
(2) ضرورة وضع تعريف للمدنيين او السكان المدنيين في البروتوكول الثاني 1977 وذلك لكثرة استخدام هذ ين المصطلحين في النزاعات المسلحة 0
(3) إدراج الخروقات الجسيمة لاتفاقيات جنيف ضمن نظام محكمة الجنايات الدولية 0
(4) إضافة القواعد والأحكام الأساسية المتعلقة بالمسؤولية الجنائية المتباينة في النزاعات الداخلية الى البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 0
(5) ضرورة أعادة النظر في اتفاقيات جنيف عام 1949 وبروتوكولاتها لعام 1977 وذلك بسبب اختلاف الظروف التي رافقت الاتفاقيات من حيث التطور الذي حدث بنوعية وتأثير الأسلحة وسرعة تحرك القوات المسلحة و ضخامة الأضرار التي تحدث في صفوف العدو او المدنيين 0
(6) الأخذ بعين الاعتبار جميع الملاحظات التي ظهرت نتيجة تطبيق الاتفاقيات الدولية فعلياً في النزاعات المسلحة 0
(7) التنفيذ الفعلي لقواعد القانون الدولي الإنساني من خلال النشر والتدريب والتنفيذ ، ويتعين أدراج هذه القواعد في كتب الدليل العسكري وفي التشريعات الوطنيــــــة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع والمصادر

(1) د . عبد الناصر أبو زيد : حقوق الإنسان في السلم والحرب ، القاهرة ، 2000 م 0
(2) د . عمر سعد الله : تطور القانون الدولي الإنساني ، الطبعة الأولى ، بيروت 1993م 0
(3) د . فيصل شنطاوي : حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ، الطبعة الثانية ، عمان 2001 م 0
(4) شريف عتلم : المحكمة الجنائية الدولية ، الطبعة الثانية ، اللجنة الدولية للصليب الأحمر 2004 م 0
(5) د . عصام العطية : القانون الدولي العام ، الطبعة السادسة ، بغداد ، 2006 م 0
(6) سايت اللجنة الدولية للصليب الأحمر com . ICRC 0
(7) سايت منظمة هيومان رايتس ووتش org . hrw 0
(8) سايت الأمم المتحدة com . UN 0





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن