ذكرى الاعلان العالمى لحقوق الانسان - وثيقة نباضة بالحياة-

باسمة موسى
basmagm@hotmail.com

2011 / 12 / 20

قدمت هذه المقالة اليوم فى احتفالية منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الانسان بالذكرى الثالثة والستون للاعلان العالمى لحقوق الانسان : فى البداية تحية خاصة لكل المدافعين عن حقوق الانسان فى مصر وكل العالم لانهم يبذلون عطاء فوق العادة ليحققوا لمجتمعاتهم التقدم والازدهار فى مجال الحقوق عامة سواء الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والحقوق المدنية والسياسية .
مضى الآن ثلاثة وستون عاما منذ إعلان الجمعية العمومية للأمم المتحدة بإجماع أعضائها باسم الأسرة البشرية جمعاء الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي بموجبه أضحت المساواة في الحقوق هي المرآة التي تنعكس فيها الكرامة الإنسانية التي تميز جميع أفراد الجنس البشرى على وجه الإطلاق.

يمكن أن يقال الكثير بشأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فهو أساس القانون الدولي الانسانى، كما أنه يمثل أول بيان عالمي بشأن المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان غير القابلة للتصرف، فضلا عن كونه معيارا مشتركا للإنجاز لدي كافة الشعوب والأمم. ان اهمية هذه الوثيقة انها دائما نابضة بالحياة , فإلي جانب عالميتها وتضمنها لكل مانحتفي به جميعا اليوم، يعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اليوم ذا أهمية أكثر من أي وقت مضي.

فالاعلان أقر لأول مرة، منذ حوالي 63 عاماً، ما أصبح يسمى اليوم القيم الاجتماعية: فحقوق الإنسان تشكل حقوقاً متأصلة للجميع كما أنها موضع لاهتمام كل المجتمع الدولي. وهذا الإعلان، الذي سبقت صياغته على يد ممثلي كل الدول والأعراف القانونية، قد صمد للزمن بقيمَه الأساسية، التي تتضمن عدم التمييز والمساواة والعدالة والعالمية، والتى تنطبق على الجميع في كل مكان وزمان.

فهذا الإعلان يمثل عقداً بين الحكومات وشعوبها، حيث يحق للشعوب أن تطالب حكوماتها باحترام هذا العقد. وجميع الحكومات لم تصبح أطرافاً في كافة معاهدات حقوق الإنسان. ومع هذا، فإن الإعلان كان موضع قبول لدى كل البلدان. ولايزال هذا الإعلان يؤكد الكرامة الإنسانية المتأصلة وقيمة كل شخص في العالم، دون تفرقة من أي نوع.

وكان ثمة إلهام من جانب رؤية مصممي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للكثير من المدافعين عن هذه الحقوق ، ممن ناضلوا خلال العقود الستة الماضية لتحقيق هذه الرؤية. ومن الواجب أن يحتفل بما أتاحه الإعلان العالمي من صرح شامخ ومعاصر لحقوق الإنسان على الصعيد الدولي. وإن كان ينبغي أن تستفيد الإنسانية بكاملها في هذا الصدد على نحو منصف.

ولاننا جديرون بحقوق الإنسان، ومع هذا فإنه يجب علينا أيضاً أن نحترم حقوق الإنسان لدى الآخرين، وأن نعمل على جعل حقوق الإنسان العالمية حقيقة واقعة بالنسبة للجميع. وان قوة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تكمن بانه: وثيقة نابضة بالحياة تتميز بانها مصدر لالهام الأجيال القادمة.

وتابعت الأمم المتحدة جهودها المشكورة في هذا المجال بتفصيل المبادئ التي سبق أن تضمنتها تلك الوثيقة التاريخية، وتقنين هذه التفاصيل في إتفاقيات وعهود دولية تكوّن في مجموعها القانون الدولي الخاص بحقوق الإنسان وحرياته. فكان العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أحد هذه الاتفاقيات التي صدقت عليها معظم دول العالم، كما فعلت جمهورية مصرالعربية التي صدقت على هذه المعاهدة الدولية بموجب القرار الجمهوري رقم 536 لسنة 1981م ونشرت نصوصها في الجريدة الرسمية بتاريخ 14 أبريل1982 م ، وبذلك أدمجت نصوص هذا العهد بكاملها في القوانين السارية في مصر. ويعني هذا أن نظامنا القانوني قد تغير من ذلك التاريخ بحيث أصبحت نصوص العهد المذكور جزءاً مكملاً للدستور، وأصبحت لنصوصه قيمة دستورية تلغي كل القوانين السابقة المخالفة لمضمونها، ولا تسمح بسن قوانين لاحقة لا تتفق معها.

وأظهرت أعمال الأمم المتحدة مؤخراً أهمية خاصة للرباط الوثيق بين التنمية ، والأمن، وحقوق الإنسان، الأمر الذي يدعونا جميعاً للبحث من جديد في الدور الهام الذي تلعبه حرية التفكير وحرية الضمير وحرية الأديان في حياتنا الفردية والجماعية على السواء، وما تستتبعه هذه الحريات من مسئولية كبيرة ملقاة على عاتق الجماعات - أقليات كانت أو أكثرية - في توجيه الأفراد في انتفاعهم بها حتى يتمكن كل منهم من القيام بدوره في خدمة مجتمعه وتهيئة الظروف المواتية لنهضته بما يعود بالنفع في نهاية المطاف على الأسرة البشرية كلها.
ان المصريون وريثو حضارات عظيمة، بل هم أصحاب أول حضارة في التاريخ الإنساني, ويشكلون معا أمة كريمة ذات ثقافة راقية وتقاليد إنسانية رائعة تنهض علي الحب والتوق للعدالة, والاحترام المتبادل, واستمداد المبادئ العظيمة لكل الأديان, والتواصل والإثراء المتبادل مع جميع الثقافات الأخرى في العالم, واحترام حقوق الشعوب كافة في التعبير الحر عن نفسها.

و أنه مهما كان الدافع وراء التغير السريع الذي حدث فى عام 2011 "فإن نتائجه قد دلّلت على أُمنيتنا الجماعيّة كشعب واحد ، في أن نمارس قدراً أكبر من الحرية في التحكم بمصيرنا". لقد كانت هناك في الماضي العديد من القوى التي حرمتنا من ممارسة هذه الحرية وتشمل "الاستعمار والتزمت الديني والحُكْم التسلطي والاستبداد السافر" وتشمل أيضا "القوة ’الألطف‘ للنظام الاستهلاكي وما يتبنّاه من انحطاط أخلاقي". ومع ذلك فإننا نرى أن المجتمع المصري "قد بلغ مرحلة جديدة في مسيرة تطوّره" وأن الأحداث الأخيرة التي مرت بها البلاد "يمكن اعتبارها، في واقع الأمر تجاوباً لقوى تدفع بالجنس البشري قاطبة نحو نضوج أكبر وتكافل أعظم".
وفى هذه اللحظة التاريخية الهامة ملحة لأنها "لحظة لا يمكن أن تدوم إلى الأبد" وأن "التعبير عن المشيئة الجماعية" في هذا الوقت سيكون له "أثر حاسم ومستدام بالنسبة لمستقبل البلاد". فهناك "العديد من نماذج العيش المشترك" المطروحة أمام المصريين. وتؤكد بأن مصر إذا ما أقدمت على اختيار "نموذج متنور" فإنها "سوف تؤثر على مسار النمو والتطور الإنساني في المنطقة كلّها بل وعلى العالم بأسره". ولكن تعترف أيضا ان هذه المهمة ليست سهلة حيث أن "اتحاد الناس في دفاعهم عن قضية مشتركة ضد أي وضع راهن أسهل بكثير من اتفاقهم على ما يجب أن يأخذ مكانه". ولذا فأنه من الضروري جدًّا أن "نسعى جهدنا لتحقيق إجماع واسع في الرأي حول المبادئ والسياسات العاملة على ايجاد نموذج جديد لمجتمعنا" وأن نكون على استعداد لتخطّي مستوى الفكر التجريدي عند مناقشة هذه المبادئ واكتشاف الخطوات العملية وطرق تنفيذها ومن هذه المبادىء:
* وحدة العالم الانساني:لان سمة أي مجتمع ناضح هو الاعتراف بأننا "خلقنا جميعًا من عنصر واحد وبيد خالق واحد هو الله عزّ وجلّ. ولذا فإن ادّعاء فرد واحد أو قبيلة أو أمّة بالتعالي والتفوق على الغير ادّعاء باطل ليس له ما يبرره". إن قبول هذا المبدأ يستلزم "إعادة النظر بدقة متفحصة في كل مواقفنا مع الآخرين وقيمنا وعلاقتنا معهم. فالهدف في نهاية الأمر هو إحياء الضمير الإنساني وتغييره". لقد بلغ المجتمع الانساني مرحلة من مراحل تطوّرِه أصبحت فيه وحدة الجنس البشري أمراً لا مفر منه . واذا لم يتم تقدير هذه الحقيقة حق قدرِها لن يكون من الممكن إدراك معني الازمة الراهنة في ميـدان الشؤون العالمية . فمبدأ وحدة العــالم الانساني هو بمثابة مفتاح لحل القضايا المستشرية حاليا. وبما ان ظهور العدل وقيامه في العالم يضمن وحدتَه واتحادَه إتجه العالم الانساني الي وضع قاعدة عالمية واحدة لحقوقِ الانسان
.
* المساواة بين الرجل والمرأة: "فالإنسانية، مثلها مثل الطائر الذي لا يستطيع التحليق إذا كان أحد جناحيه أضعف من الآخر، فستظل قدرتها على السمو الى أعالي الأهداف المبتغاة معاقة جدًا ما دامت المرأة محرومة من الفرص المتاحة للرجل". إنّ المشاركة الكاملة للمرأة في شؤون بلادنا، وامتداد سلوك المساواة ليطال البيت ومكان العمل وكل حيز اجتماعي "سيقود بحدّ ذاته إلى إدخال اصلاحات وتحسينات في كل مجال من مجالات الحياة المصرية الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية".

* التعليم: الذي وجد "ليمكّن الرجال والنساء من كل الخلفيات الاجتماعية، من تحقيق كامل طاقاتهم وامكاناتهم الفطرية والمساهمة في رقي المجتمع وتقدّمه". ولا بدّ للتعليم من تقديم "إعدادٍ وافٍ للفرد حتى يشارك في الحياة الاقتصادية للبلاد". ولا بدّ "أن يخلق بُعداً اخلاقياً متيناً" أيضًا. ويجب أن يكون التعليم "في متناول الجميع بصورة شاملة دون أي تمييز قائم على الجنس أو العرق أو الإمكانات المادية" ليصبح "أداة فاعلة لحماية أجيال المستقبل من آفة الفساد والتي ابتلينا بها وأصبحت واضحة المعالم في مصرنا اليوم".
* عدم تعارض العلم والدين: يمكن للبشرية الاعتماد على هذين المصدرين التوأمين للبصيرة في سعيها لتحقيق التقدم والرقي. "ويتمتع المجتمع المصري ككلّ بنعمةٍ تتمثّل بأنه لا يفترض التعارض والتناقض بين العلم والدين". بل يعي المصريون أنه "بالإمكان تشرّب الأفراد بالروحانية الصادقة بينما يجدّون بنشاط في سبيل التقدم المادي لشعبهم".
* الشباب الذين يمثلون العضلات المحركة لجسد المجتمع : الأمة المصرية باركها الله "بأعدادٍ غفيرةٍ من الشباب" طموحاته السامية وتطلعاته العالية "تمثّل ائتمانًا لا يملك المجتمع ككلّ - وحتى الدولة في الواقع – تجاهله اقتصادياً أو معنويًا". لا بد من تعزيز الظروف "بحيث تتضاعف فرص العمل بشكلٍ جاد ويتم تسخير المواهب، وتصبح امكانية التقدم على أساسٍ من الاستحقاق والجدارة لا التميّز والمحسوبية".

* العدالة: "معظم الاستياء الذي عبّر عنه الشباب الراشدون في يناير الماضى نابع من وعي حاد بأنهم يفتقرون إلى تساوي الفرص". إن التناقض المفرط بين الغنى والفقر "سيؤدي الى استفحال التوترات الاجتماعية القائمة ويثير الاضطرابات".

أن التحدي الماثل أمامنا الان هو بدء عملية التشاور "حول المبادئ التي سوف ترشدنا إلى إعادة بناء مجتمعنا" وأن نسمح لكل المصريين أن يسلكوا الطريق "لنصبح أسياد الموقف في تقرير مصير تطورنا الروحي والمادي". وأن حوارًا وطنيًا عريض القاعدة يجب أن "يشترك فيه الناس على كلّ المستويات في القرى والمدن وفي الأحياء والبيت ليشمل جذور المجتمع ويجتذب كلّ مواطن مهتمّ". وحيث أن الفرصة متاحة الآن للمشاركة في عملية التشاور فااننا نأمل أن ندرك "معنى القوى الجماعية التي أصبحت مُلكنا فعلاً لتغيير أنفسنا".
سيظل الاعلان العالمى لحقوق الانسان وثيقة نباضة بالحياة نلتمس هداها فى طريق اختيار نظام حكم جديد وفريد يسع التنوع الفريد والجميل للشعب المصرى باكمله و مدافعا عن الدولة المدنية ودستور جديد يحمى الحريات التى نص عليها هذا الاعلان .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن