الاحتكار في النهج الاقتصادي الاسلامي

معزز اسكندر الحديثي

2011 / 12 / 12

الاحتكار في اللغة:
مشتق من الحكر وهو الجمع والإمساك وهو ما احتبس انتظاراً لغلائه أي اشتراه وحبسه ليغلو( )، وقال ابن منظور( ): "هو جمع الطعام ونحوه مما يؤكل واحتباسه انتظار وقت الغلاء به".
الاحتكار في الاصطلاح الشرعي:
هو حبس ما يضر بالناس حبسه بقصد غلاء السعر( )، أو هو حبس الطعام للغلاء( )، أو هو شراء الطعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء أربعين يوماً( ).
وقال الشيرازي( ): وهو أن يبتاع في وقت الغلاء ويمسكه ليزداد في ثمنه، ويحرم الاحتكار في الأقوات، واستدل على ذلك بما رواه سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : "قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الجالب مرزوق والمحتكر ملعون"( )، واستدل كذلك بما رواه معمر العدوي قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يحتكر إلا خاطئ"( )، فدل على انه حرام.
وذهب النووي إلى أن الاحتكار حرام وهو لا يختص إلا بالأقوات( ).
وذهب الكاساني( ) إلى حرمة الاحتكار لأن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال الجالب مرزوق والمحتكر ملعون ولا يلحق اللعن إلا بمباشرة المحرم.
وذهب ابن قدامة( ) إلى أن الاحتكار المحرم ما اجتمع فيه ثلاثة شروط وهي:
الأول: أن يشترى فلو جلب قوتاً أو أدخل من غلته شيئاً فادخره لم يكن محتكراً.
الثاني: أن يكون المشترى قوتاً فأما الأدام والحلواء والعسل والزيت وأعلاف البهائم فليس فيها احتكار محرم.
الثالث: أن يضيق على الناس بشرائه وادخاره.
وذهب الإمامية إلى أن الاحتكار هو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن من البيع ولا يكون الاحتكار في شيء سوى هذه الأجناس( ).
ومن خلال عرض أراء الفقهاء نجد أن الشافعية والحنابلة والإمامية قالوا بأن الاحتكار في الأقوات حصراً وهو ما ذهب إليه الشيرازي، ولهذا قال فأما غير لأقوات فيجوز احتكاره.
ولكن هناك من الفقهاء من قال إن الاحتكار يشمل الأقوات وغير الأقوات فالاحتكار حرام في جميع الأشياء من غير فرق بين قوت الآدمي أو قوت الحيوان ومن غير فرق بين ما هو من ضروريات الناس أو من كمالياتهم، وأما ما ورد في بعض الروايات لأحاديث الاحتكار من تسليط الاحتكار على الطعام فقط فأن ذكر الطعام في الحديث لا يجعل الاحتكار خاصاً بالطعام لأن ذكر الطعام في بعض الأحاديث تنصيص على نوع من أنواع الاحتكار كمثال عليها وليست هي قيداً ولا مخصصاً للاحتكار ولا وصفاً له مفهوم يعمل به( ).
وذهب الشوكاني إلى أن الاحتكار لا يختص بالأقوات لأن العلة إذا كانت هي الأضرار بالمسلمين ففي ذلك يستوي القوت وغيره لأنهم يتضررون بالجميع( ).
وأكد ابن قيم الجوزية إن علة الاحتكار هي الأضرار بالمسلمين وأشار إلى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى عن الاحتكار وقال لا يحتكر إلا خاطئ فإنه ذريعة إلى أن يضيق على الناس أقواتهم ولهذا لا يمنع من احتكار ما لا يضر بالناس( ).
من الثابت إن كل حكم شرعي يرتبط بعلته وجوداً وعدماً فإذا كانت علة تحريم الاحتكار هو الأضرار بالناس كما صرح بذلك ابن قيم الجوزية والشوكاني وآخرون فإن الناس يتضررون بالطعام وبغيره من الحاجيات الأخرى لأن المحتكر هو من يتحكم بالسوق ويفرض أسعاره التي يراها مناسبة لجشعه وعندها يضطر الناس إلى شراء ما يريدون بالثمن الغالي، وواقعنا المعاصر شاهد على ما يعاني الناس من ضرر بالغ نتيجة لما يفعله المحتكرون لذا والله أعلم يكون الرأي الراجح هو تحريم الاحتكار في الطعام وفي غير الطعام ولكن يكون في الطعام من باب أولى.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن