التدين عبادة صادقة لله أم خوف من المجهول ؟

محمد ماجد ديُوب

2011 / 12 / 9

إن دراسة سيكولوجية الخوف هي واحدة من الدراسات السيكولجية الأكثر أهمية في عصرنا الراهن لما لها من تأثير إذا ما نجحت في الكشف عن أسباب الخوف وجذوره في مسيرة الإمسان على الصعيدين الفردي والإجتماعي

لقد وجد الخوف في حياة الإنسان مع اللحظات الأولى لنشوء الوعي ومثلما نشاهد الطفل الصغير يقرب يده من النار دون أي خوف منها أو خوف من تحرق يده إذ لامعنى لمفهوم الإحتراق في ذهن هذا الطفل وبالتالي لامعنى للخوف من الإحتراق

عندما يقرب هذا الطفل يده من النار وتحرقه يتشكل في عقله وفي لاوعيه فيما بعد شعور مؤلم من تجربة معاشة قد تصبح في كبره عقدة خوف مزمنة من النار فكما يقال من يحرقه الحليب ينفخ على اللبن

لماذا النار هي العقاب الذي ينتظر المتمردين على الله في الآخرة ؟

مما لاشك فيه أن كل ما يصيب الجسد من آلام متنوعة نجد أن آلام الحروق هي الأشد فظاعة وهي الآلم التي قد لايستطيع إنسان تحملها

من هنا كان الوعيد الإلهي للمتمردين عليه والعاصين له ولأوامره بأن جلودهم ستكون في حالة تبدل مستمرة في الآخرة إمعاناً وإصراراً من هذا الإله في إلحاق الآلام المبرحة والتي لاتطاق بهؤلاء المتمردين كعقوبة لاتطاق بسبب نكرانهم له وشكهم في وحدانيته فقط فما عدا ذلك من الذنوب تغتفر وهو واسع الرحمة إلا عندما يشك ويشرك به وهذا ما اكده القرآن والسنة المحمدية

من المعروف علمياً أن الجلد هو العضو الوحيد في الكائن الحي الذي يمتلىء بالنهايات العصبية والتي تنقل الإحساس باللمس إلى الدماغ فيتم الشعور به وبكل طارىء عليه بما فيه الإحتراق وبالتالي يكون الحرق في هذا الجسد هو الأكثر إيلاماً بسبب كثرة هذه النهايات العصبية

لو قارنا بين الشرك بالله وعدم إحترام الحاكم لوجدنا أن الفكرتين منبعهما هو الحاكم نفسه لآنه لايمكن له أن يثبت إحترام المحكومين له إلا بتثبيت إحترامهم الله نفسه أليس هو الحاكم بأمر هذا الإله فمن لايحترم الحاكم أو ولي لأمر جزاؤه القتل في الحياة الدنيا والحرق بالنار في الحياة الآخرة التي زرع في عقول البسطاء أنها آتية لاريب

في اليهودية اليهود هم شعب الله المختار فلابأس عليهم ولاهم يحزنون أما في المسيحية فإن الإعتراف هو المدخل إلى ملكوت الله الرحيم الذي ضحى بإبنه الوحيدلأحل البشر ولم أدر حتى الساعة ما سبب أن يدفع مخلوق بريء ليس له ذنب سوى أن أباه قرر التضحية به من أجل البشر فهل كانت هذه التضيحية من أجل البشر فعلاً أم من أجل محو عقدة الذنب التي تشكلت في نفس هذا الإله بعد إكتشافه أن ظلم البشرية إذ خلقها ورماها في نهر ضفتاه اللذة والألم تتناوب أيامها بين ضفتيه بشكل يكون فيه وجودها على ضفة الألم كثيراً وعلى الضفة الأخرى قليلاً

إن إصرار هذا الإله على معاقبة المتمردين عليه وعلى تعاليمه هو من باب إثبات الوجود وعدم السماح لمخلوقاته في أن تكون حرة من سطوته والإعتراف بوجوده الذي يملؤه غرور قاتل ونرجسية فظيعة

إن هذا الكائن الحي المسمى إنساناً هو أكثر تعاسة من البهائم التي لم يرتق وعيها إلى ما هو عليه وعي الإنسان إذ أنها لاتدرك مفهومي الموت والوجود ولاالخلود ولاتعرف معنى الخوف من الموت هذا الإنسان الذي أنهكه وأتلف أعصابه الخوف من الموت فأستغل من يسمون مرسلين هذا الخوف وكذلك من يسمون حكاماً وبسطوا سيطرتهم المطقلة على وعيه وعلى لاوعيه وعلى حياته كلها من بابها إلى محرابها

فما هو السبيل لإرضاء الحاكم غير طاعته وما هو السبيل لإرضاء الله غير عبادته

ويبقى السؤال هل نحن نعبد الله أم نخشى ناره ؟هذا الخوف من النار الذي هو التعبير العميق عن خوفنا من المجهول القادم بعد الموت

لكي يكون المجهول القادم في أعلى درجاته جعل هؤلاء الذين يسمون مرسلين الخوف من جهنم وومن المجهول على الدرجة ذاتها من الشدة فلا غرابة في ذلك فهما وجهان لعملة واحدة وليست الغاية من ذلك كله سوى إطاعة أولي الأمروماصي دمائهم من بني جلدتهم لتستمر عذابات البشر مع حكامهم إلى يدرك هؤلاء المحكومون أن قدرهم هو أيديهم وأيدهم وحدهم فقط وأن المجهول الذي يخافونه ليس أكثر من وهم لاوجود له في هذا الوجود



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن