أي علاء!.. وأي أم علاء!

إكرام يوسف
ekramegypt@yahoo.com

2011 / 11 / 13

يتشاركان نفس الاسم.. وكل منهما مسجون تحت ذمة التحقيق.. ولكن شتان بين متهم بتهمة مخلة بالشرف، يعتقد الملايين في صحتها ـ مهما تفنن المتواطئون في ألاعيب طمس الحقائق، وخلط الأوراق ـ ويتحينون لحظة القصاص منه، ومن جميع أهله.. وبين مسجون يوقن الملايين أن تهمة لفقت له، لا لشيء، إلا لجسارته في قول "لا" قوية هادرة، في وجه من تعودوا أن يؤمروا فيطاعوا!
شتان بين متهم بالمشاركة في تشكيل عصابي لنهب ثروات الأمة.. ومقدراتها..ونشر الفساد في البلاد عشرات السنين، والإمعان في إفقار الملايين، وتجويعهم وتجهيلهم، وإصابتهم بشتى الأمراض، من أجل أن تنتفخ خزائن أفراد هذا التشكيل وتابعيهم وخدمهم.. وبين ثائر شريف.. مثقف.. حر.. بارع في تخصص ايضمن له حياة ميسورة بوظيفة من دخله من عمل خارج البلاد.. وما أن تبدأ الثورة، حتى يترك وراءه أحلام الصعود المهني، ويعود ليواجه المخاطر، مع أبناء جيله الخارجين من رحم غضب أجيال تحطمت أحلامها، عازمين على أن يحققوا بأيديهم أحلام الآباء والأجداد.. ترك الحياة المريحة مع شريكة عمره وهما ينتظران وليدهما الأول، من أجل أن يشارك في بناء غد يليق بالوليد.. ويقف مع رفاقه .. يواجهون خراطيم المياه، وقنابل الغاز، والمسيلة للدموع، والرصاص المطاطي، والحي، فضلا عن هراوات العسكر وأحجار البلطجية.
وما أن تحقق الانتصار في الجولة؛ الأولى برحيل المخلوع وكبار رموز نظامه.. حتى أدرك أن المشوار مازال في بدايته.. وأن فاتورة الحرية لابد أن تسدد بالكامل، من أجل استئصال شأفة نظام الفساد والاستبداد والعمالة، وبدء مرحلة بناء المجتمع الذي نستحق.. فيسافر إلى الخارج عازما إنهاء التزاماته، والعودة للاستقرار في وطن يحتاج جهوده.. وإذا به يجد نفسه متهما بسرقة سلاح عسكري.. لمجرد مشاركته في وقفة دفاع عن وحدة أبناء الشعب، ضد محاولات تفتيت الصف، وصرف طاقة المصريين في الغضب من سارقي أقواتهم، لتوجيهها في اتجاه بعضهم البعض.
كانت جريمة علاء سيف الحقيقية، أنه دافع عن حق المصريين في العيش ضمن دولة مدنية ديمقراطية ينعم أبناؤها بالمساواة في المواطنة.. وعندما علم بالتهمة الرسمية وهو خارج البلاد، لم يفكر للحظة أن يبقى في الخارج حتى يتبين الأمور.. وما كان أيسر أن تلحق به زوجته لتلد وليدها في بلد متقدمة يحمل جنسيته، كما يفعل كثيرون في هذا الزمن.. لكنه أصر على العودة، ليواجه مصيرا لا يعلمه إلا الله. عازما على أن يضرب المثل في الثبات على المبدأ، والدفاع عما يؤمن أنه حق.. ومصمما على أن يكون رفضه محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، فعلا لا قولا فحسب.
فارق بعيد بين علاء الغارق حتى أذنيه في استغلال نفوذ والد، كان من نكد الدنيا أن قفز على سدة الحكم في غفلة من الزمن، وفي وهدة اضمحلال حضاري سقطت فيها أم الدنيا، وأمضى سنوات يتمتع وأفراد أسرته وحاشيتهم بالمال الحرام، من رشى، وسمسرة، وعمولات.. وبين علاء.. الراضع عشق الوطن والحرية مع لبن أمه، والوارث أحلام الثورة من صلب أبيه.. الدارس في سنوات تعليمه بفضل جنيهات من الحلال دبرها الأبوين من العمل الشريف.. حتى صار متخصصا في برمجة الكمبيوتر.. لم يعرف طريق المال الحرام أو الرشى والعمولات.. فعندما ساوموه على حريته مقابل أن يبتلع لسانه.. رفض بقوة وإباء، من لم يعرف يوما طريق الصفقات.
فجوة واسعة.. تفصل بين أم علاء.. وأم علاء.. الأولى، أعماها الطمع فيما لاتستحق، فاستغلت كل ما تستطيع من نفوذ وسلطة وعلاقات. وكم أذلت أعناق رجال، كانت تسوقهم بإشارة، منها ليسكبوا تحت قدميها ماء الوجه والكرامة والمبادئ، حتى تمن على الواحد منهم بمنصب، أو عطية.. وزاد طمعها وحلمت أن تكون الملكة الأم، فخططت ودبرت، وتآمرت، وأزاحت من طريق ابنها كل ما ـ ومن ـ قد يعرقل طريق صعوده إلى حكم لا يستحقه.. وحشدت لتحقيق هذه الغاية ما في جعبتها من وسائل، غير عابئة أنها غير مشروعة! ونسيت في خضم ذلك أن تعلم ولديها الفارق الشاسع بين الرزق الحلال والمال الحرام!
والثانية.. عالمة ..عبقرية.. تشرف بها مصر وبناتها.. اختارت تخصصا علميا وعرا منذ حداثة سنها.. وهي التي كان مجموعها في الثانوية العامة يؤهلها للالتحاق بكلية الطب، فإذا بها تختار بإرادتها وهي في هذا السن الالتحاق بكلية العلوم للتخصص في الرياضة البحتة التي تهواها! وتشق طريق نبوغها بجهد شخصي وقدرات ذاتية، حتى تنال أعلى الدرجات العلمية، وصارت أستاذة مثلما يجب أن تكون أستاذة الجامعة: تنير عقول طلبتها بحثا علميا، وانتماء وطنيًا.. لم تهتم بحياة ناعمة، كان موقعها الاجتماعي قادرا على توفيرها لها، كابنة اثنين من أعلام الحياة الأكاديمية في مصر والعالم العربي.. ولم يخطف بصرها بريق ذهب أو ألماس.. فقد كان هتمامها منصب على: عالم العلم، وعشق الوطن والحرية، وتربية أبناء تفخر بهم أي أم.
بون بعيد بين أم، كانت أحد الرؤوس المدبرة ضمن أسرة، دمرت في سبيل أطماعها ثقافة شعب، وتعليمه، واقتصاده، ومظاهر حضارته وشوهت صورته أمام العالم، وأذلت أبنائه.. حتى صار تعذيبهم وسحق كرامتهم مثلا يتندر به الأشقاء قبل الغرباء.. حتى فجرت الغضب في عروق من كانوا مثالا على الصبر، وخرجوا يمسكون بأفراد أسرتها وأيديهم ملوثة بأيدي أطهر أبناء هذا الشعب، فلم يجفل لها جفن، ولم تبد أي دلائل ندم، ولم تحاول أن تقنع زوجها وولديها أن يتعلموا الدرس ويطهروا أنفسهم من المال الحرام، حتى يأملوا في مغفرة الله وتسامح الشعب.. وإنما بذلت ـ ومازالت ـ كل ما تستطيع من مساع واتصالات، وتهديدات، للمماطلة في محاسبة بقية أفراد التشكيل العصابي، حتى تستكمل طمس الأدلة.. وتفلت معهم، من دون محاسبة على ما اقترفوا في حق هذه الأمة.. وهي تجد بالفعل ملوثين يتواطأون معها!
وبين أم توقن تماما ببراءة ابنها.. وتعلم أنها من أرضعته قول الحق، ورباطة الجأش، والثبات على المبدأ.. فلم تجر اتصالات بذوي نفوذ، وأيدت قرار عودته لمواجهة الموقف بشجاعة، ووقفت تسانده ومعها والده وشقيقتاه.. مؤمنة بسلامة موقفه.. وباستعداده لدفع الثمن، واستعدادها لدفع ثمن عشق الحرية الذي رضعه مع لبنها.. وتجد بالطبع شرفاء يتضامنون معها، هم كل من يعشق الوطن والحرية والمساواة.
لم تجد الدكتورة العظيمة والمناضلة الشريفة ليلى سويف.. أم الثائر الحر العظيم علاء سيف، إلا أن تمتنع عن الطعام تضامنا مع ابنها رمزا لجميع المدنيين المحالين للمحاكم العسكرية..وها قد امضت أكثر من اسبوع ممتنعة عن الطعام.. وللجسد قدراته.. وللسن أحكامه.. لكن إرادة الحرية ليس لها حدود..
ولا شك أن التاريخ سوف يسجل فارقا كبيرا بين شخصين حملا نفس الاسم..وتفاوتت أدوارهما في حياة هذا الوطن.. كما ستتعلم أجيال قادمة درس الهوة الشاسعة بين أم علاء يكلل رأسها الفخار.. وأم علاء يجلل رأسها العار.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن