أشكالية الأزلية الزمنية أوالموضوعية

هيبت بافي حلبجة

2011 / 11 / 9


هل تعلم عزيزي القارىء في أي يوم نحن ، وهل تعلم كيف تم الألتفاف على هذه الأشكالية ، فلقد تجاوز الغرب والشرق هذه المحنة وأكدوا على مفهوم تطبيقي مخرجي منقذ ، وأستخدموا ماقبل ومابعد هجرة سيدنا محمد – عليه السلام - من المكة إلى المدينة ومولد سيدنا عيسى - عليه السلام – ( أو تقريباُ ) ، لكن هذا المخرج لاينقذ الفلاسفة الذين آمنوا بالأزلية ، الأزلي ، سواء من الجانب الإلهي أم من الجانب المادي ..
فهل تعلم عزيزي القارىء في أي يوم نحن ، ثمت من يعترض ويؤكد كيف أدركنا هذا اليوم وأمامنا عدد لامتناهي من تريليونات السنين ، عدد مهما قمت بحسابه خلف وراءه أرقاماُ فوق الخيال لاتنضب ولاتشح أبدأ ، فلو أخذنا رقماُ وليكن الرقم تسعة ، ووضعنا هذا الرقم مستنسخاُ ذاته بشكل متراس كالتبن ، فوق وتحت ، وأمام وخلف ، ومن كل الجهات ، ومن كل الجوانب ، بحيث يمتلىء الكون ، ثم عددنا الأكوان بمضاعفات ذاك الرقم الأسطوري ، وثم ضربنا الرقم الناتج بأضعاف مضاعفة من مقداره ، وكررنا هذه العملية على مدار سنين من مليارات من الأزليات ، فإن الأزلية تبقى كما هي عذراء ..
ولاينفع هنا بالمطلق ، ذهاب الكثيرين من الفلاسفة ، سيما التصوريين الأسلاميين ، إلى أن القصد والمبتغى هو الأزلية الموضوعية وليس الأزلية الزمنية ، فلا فرق إلا في التعبير ، لأن ما قبل هذا الآن الموضوعي يوجد عدد لامتناهي من الآن الماقبلي خارج سياق الزمان وحتى المكان أيضاُ ، لسبب بسيط ووجيه هو أن الأزلية الموضوعية تتضمن من جملة ما تتضمن هنا الأسبقية الموضوعية التي من أهم وظائفها المتوخاة منها هي تفادي مسألة حرجة ألا وهي اللاأزلي ، أي الفاني ، ثم التمايز ما بين الأزلي واللاأزلي كتأكيد فلسفي قسري على أسبقية الأول للثاني ، ومن ثم إن الفناء لايلحق بالأول ، إنما بالثاني فقط ..
لذلك حينما نتحدث عن – الأزلي أو الأزلية – هل نتحدث عن مقولات ندرك كنهها ، ندرك طبيعة تعريفها ، أم أننا ، لأننا نتهرب من أشكالية في بعض المسائل الفلسفية ، ولأن ليس لدينا مخرج آخر سوى التقدم بتعريف ما لا نعرفه ، نلوذ بأخف الأشكاليات ، ونتحاشى ، حسب تصورنا الأولي ، المآخذ النقدية التي ندركها مسبقاُ ..
وعندما نؤكد إن الطبيعة أزلية أو إن الكائن الفلاني أزلي ، هل دار بخلدنا إن قوانين الفيزياء وقوانين الطبيعة ( الأرضية أم الكونية أو ماوراء ذلك ) المتعلقة بها لاتسمح أصلاُ بطرح هكذا تصورات ، إلا بعد موافقتها وممارستها ، فهي لاتسمح أن يأتي المفكر في غفلة من الزمان أو الموضوعي ليجيب على سؤال هو في الحقيقة جواب على سؤال أشكالي لايمكن له أن يتجاوز عتبته بالمطلق إلا بهذا الأفتراض المسبق ..
ثم إذا كانت الأزلية لاتسمح لنا بالتقدم في الزماني أم في الموضوعي – وليم جيمس وغيره - ، كون إن ماهو قبل الآن الموضوعي هو نفسه لامتناهي ، فكيف نتقدم !! وهل فعلاُ نود أن نتقدم !! نتقدم في ماذا ، في الزماني أو الموضوعي الأرضيان ، وهل الكون على علاقة بهما أم هما مجرد تصوران بشريان !! ثم من يؤكد ما هي طبيعة الزماني أو الموضوعي الذي نود الولوج إليه !! وهل هنالك قيمة معينة لهذا الزمن الأرضي أو للموضوعي في المجال الكوني ( طبعاُ سنعالج هذه المسألة في الموقع المناسب ) !! ..
ثم إذا كانت الأزلية بأنواعهاهي الرد الطبيعي ضد محتوى – الفاني والفناء أو اللاأزلي – ليس لأننا نؤمن بها ، وليس لأنها قاعدة معرفية أو علمية أو أطروحة فلسفية خاصة بها ، فأنها ، وعلى الأرجح أستنتاج قسري لا يستحوذ على حيثياته الذاتية ولا على حيثياتها الذاتية كمفهوم يتنفس برئة مستقلة . فهل لنا ، على أثر ذلك ، أن ندرك معطياتها دون أن نخدش حياء التحليل الفلسفي أو العلمي .. فلنتعمق إذن في هذه المسألة درجة درجة ..
الدرجة الأولى : قد نتفق أن قضية الأزلية لايمكن التسليم بها إلا من خلال محتوى الأزلي الذي قدر – بضم القاف – له في التصور الفلسفي لدى البعض أن يصبح مضاداُ بالتناقض مع اللاأزلي وفاطراُ له ، لتتحول المعادلة من كائن فاني لاأزلي إلى كائن أبدي ، في الحقيقة سرمدي ، والسرمدي ( أو السردمي ) الذي هو في الأزل وباق في الأبد ، وبتعبير فلسفي غير دقيق ، ومعتمد من قبل جل الفلاسفة ، هو خارج مفهومي الزمان والمكان ( الأرضيان ، أما الزمان أو المكان الكونيان فلا ندري خاصيتهما أو عمقهما الفيزيائي – الرياضي ) .
الدرجة الثانية : هذه الأشكالية نجمت عن أشكالية مستبطنة وهي أنه لايمكن تسليم مصير الكرة الأرضية – من الزاوية الفلسفية – لمحتوى لاأزلي فاني ، لأن هؤلاء السادة أقتنعوا أن التصور البشري هو الذي يحدد آفاق ومضمون – مصير الوجود – ، الذي كان بالنسبة لهم جوهر واحد ، مركزي ، يحتاج فقط إلى من يؤطره ذهنياُ وتصورياُ ليكون أساس الحل لأدراك كل مشاكل وأسباب التجربة البشرية كمدخل حقيقي لتصور الكون .
الدرجة الثالثة : ننوه هنا ولا محيض من ذلك لضرورة الحيادية في هكذا أطروحات ، وحسب ماركس مثلاُ ، ليس كل ما هو أزلي يخلق ويفطر اللاأزلي ، لأن هذا الأخير غير موجود من حيث الطرح الفلسفي ، وهو معطى على دفعة واحدة ، وكل ما يحدث في – الطبيعة ، الكون ، الوجود – هو مفهوم التحول ، والتنوع ، والتطور ضمن سياق الأزلي نفسه وليس خارجاُ عنه .
الدرجة الرابعة : نحن ندرك الآن إن ( ما هو أزلي ) حسب تعريفه الخاص به ، سواء لدى التصوريين أم الماديين ، هو كان وما كان قبله كائن ، وما كان قبله وجود ، وما كان قبله قبل . وإلا لأصبح هذا – الما قبلي – هو الأزلي .
الدرجة الخامسة : وكذلك ندرك إن ( ما هو أزلي ) ينبغي أن يكون – وحدة – أي كثرة مشتركة أو بسيطاُ واحداُ ، لأنه لو خالف هذه الطبيعة لأختلفت مصادر – فعل الكون – ولتضاربت قوة الأزلية في الأزلي وفي وحداته ومن خلالها .
من الواضح الآن ، أننا لن نناقش طبيعة الأزلية لأنها غير محققة حتى في مستوى التصور ، وغير محققة في مستوى الوعي الأدراكي ، أو حتى في ميكانيزم المنطق الحيوي ، من هنا نحتسب المسألة من ثلاثة متباينات غير مشتركة لكنها متآلفة . المتباينة الأولى : نلتزم بروح المسألة على صعيد التصوري فقط . المتباينة الثانية : ندقق فيها على مستوى ما هو أزلي فقط . المتباينة الثالثة : نلج معها في مستوى ما نسميه الآن ( ما لله لله ، ما لقيصر لقيصر ، وما للعوام للعوام ، فما للأرض للأرض ، وما للكون للكون ، وما لوراء ذلك لوراء ذلك ) .
في المتباينة الأولى : إذا كان يعتقد أن ( اللاأزلي ) يتطلب بالضرورة ( ما هو أزلي ) فإن هذا الأخير هو شرط زائد ، كما أن الضرورة شرط باطل . وإذا كان اللاأزلي لايبرر وجوده الحيثي فيه ، فإن نقيضه الأزلي ، هو الآخر ، لايبرر وجوده الحيثي به ، وإن تراءى لنا ، من زاوية ما ، ومن أي زاوية كانت ، إن الثاني قد يبرر فعلانية وجود الأول ، فلا الأول والثاني يبرران وجودهما الخاصان بهما .
ومن جهة إنه شرط زائد وإنها شرط باطل فالقضية رياضية ، فإذا كانت – ب – تتطلب بالضرورة – ج – من أي علاقة كانت ، فلأن – ج – من هذه العلاقة أو من علاقة معاكسة ، مرتبطة مع – ب - ، لكن نحن ندرك أن الأزلي لايرتبط باللاأزلي ولا في أي علاقة أو مستوى ، وحسب أقرار التصوريين أنفسهم ، كما أن المقارنة في الطبيعة غير جائز .
في المتباينة الثانية : أليس من المعقول أن يكون الأزلي ، حسب تعريفه ، هو الوجود الحقيقي الفعلي القائم ، الوجود الذي لاوجود بعد كينونته إلا بشروط مليئة ، الوجود الذي يمنح اللاأزلي ركن هويته ، مع أعتراضنا المسبق إن هذا الأخير في وجوده ، بالنسبة للأزلي ، شرط وهمي .
لكن في واقع الحال المعادلة معكوسة تماماُ ، فالتصوريون يفرضون على الأزلي مفهوماُ يتمتع بالبساطة والعمومية والأولية وعدمان الحركة وكأن لاحياة فيه ، مع الأعتبار أنه هو الأول والأخير في طبيعة الوجود .
في المتباينة الثالثة : نحن ، من طرفنا ، نمايز ما بين الأرضي ، والكون المحاذي ، والكون المغاير ، ونقول إن خاصية التصور الأرضي هي بالقطع تتخالف مع التصور الكوني المحاذي الموازي للطبيعة الأرضية ، وهي تتخالف جذرياُ مع التصور الكوني المغاير والمتعارض مع تلك الطبيعة . إذن لدينا أحتمالان ، الأول : إن التصور الكوني ( المحاذي ) قد يتطابق ، هنا وهناك ، من هذه الزاوية أم تلك ، مع بعض مظاهر وظواهر الأرضية بصورة جزئية ، لكنه لامناص من أن يتباين معه ، وعلى الأقل ، في شرطه الفيزيائي – الرياضي – الكيميائي . والثاني : إن التصور الكوني ( المغاير ) لايلتقي مع التصور الأرضي حتى على مستوى تلك الجزئيات ، ليس فقط لأختلاف شرط علاقاته ، إنما أيضاُ لآختلاف شرط وجوده كحيثية فاعلة منفعلة في عناصر مكوناته .
لذلك ، وما التطور الحالي للأرض ( والأنسان ) قد يكون أمتداد طبيعي لأحد أوجه الوجود في الكون (الجغرافي) المحاذي ، أو لأحد أوجه الوجود في الكون ( اللامرئي ) المغاير .
لذلك فإن الأزلية واللاأزلية بالنتيجة مفهومان لاحيثية فيهما ، ولا أدراك بهما ، ولا أعتماد عليهما ، وفارغا المحتوى والمعنى .
بقي أمران في غاية الأهمية ، الأول : إن الأزلية حسب ماركس بحاجة إلى مقدمات خاصة ونوعية أخرى من التحليل والتعريف لذلك أرتأيت أن ألخص ذلك في حلقة خاصة بها ، والثاني : هو إن الفناء مفهوم مضطرب ، غير صريح المعالم ، قد يوهم الباحث بأنفعالات منحرفة لاتجسد المصداقية الفعلية في البحث المعرفي ، أو المجال العلمي ، أو التصور الفلسفي ..
وإلى اللقاء في الحلقة الرابعة .
heybat@maktoob/.com



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن