الاستقرار المبني على ديمقراطيّة حقيقيّة يحتاج وقتا طويلا.. واستقرار الدّيكتاتوريّة كاذب.. ومؤقّت؟؟

رياض الصيداوي

2011 / 10 / 28

كيف يرى الكاتب والباحث التونسي في العلوم السياسية رياض الصيداوي ومدير مركز الوطن العربي للأبحاث والنشر في جينيف المشهد السياسي في تونس بعد إجراء انتخابات المجلس الـتأسيسي؟ الكتل السياسية؟ التحالفات والتوازنات الانتخابية؟ وأي مقاربة سوسيولوجية يقدّمها لما تشهده بلاد عاشت في ظل ديكتاتورية مزمنة.. استفحل أذاها في العقدين الأخيرين.. وهل بالإمكان تخطي هذه الفترة الانتقالية؟ والوصول إلى برّ آمن ومطمئن؟.. «البيان» حاورت رياض الصيداوي الذي تخوض كتاباته وأبحاثه الجريئة في لهيب الأزمات العربية وقضاياها الشائكة وأمراضها المزمنة..

أجرى الحوار طارق البوغانمي

على الفاعلين السياسيين أن يؤمنوا بالعمل الديمقراطي، الذي لا يعني انتزاع سلطة، بل عملية دوران للنخب الحاكمة عن طريق الانتخابات..


_ كيف يتراءى لك المشهد السياسي في تونس ما بعد الثورة؟ هل ما نشهده طبيعي؟ أم موغل في الضبابية؟

المشهد السياسي في تونس اليوم متنوع.. وأيضا مختلف، فتونس تعيش أول تجربة ديمقراطية حقيقية منذ الاستقلال.. تجربة تعددية كاملة وشاملة هدفها الأساسي إعادة بناء الدولة، وإحداث القطيعة الابستيمولوجية مع النظام السياسي السابق…وأكيد أن هناك أخطاء ستحصل إذ أنها التجربة الأولى ولم تنضج بعد حتى يصبح العمل السياسي يعتمد في بعض جوانبه على القواعد الأخلاقية وهو ما لن نصل إليه بسهولة، هناك تخوف اليوم من فوز حركة النهضة.. وهو تخوف معلن لا يخفى على أحد من المتابعين للشأن السياسي في تونس، لكن يجب على الفاعلين السياسيين أن يؤمنوا بالعمل الديمقراطي، الذي لا يعني انتزاع سلطة، بل هو عملية دوران للنخب الحاكمة عن طريق الانتخابات.. اليوم أنت في الحكم.. وغدا في المعارضة.. فشلك ليس أبديا ولكن مؤقت.. تلك هي القاعدة.. اليوم يتميز المشهد السياسي في تونس بالتجاذب بين التيار العلماني والنهضة.. وهذا التجاذب يصبّ في إطار عمليات التعبئة التي تنتهجها بعض الكتل السياسية لإبراز قوتها وتوسيع شعبيتها، وتتم التعبئة عن طريق اتخاذ مواقف شديدة تجاه حوادث بسيطة يستغلها تيار سياسي (حادثة الفيلم الإيراني مثلا…) والمشكل أن الرأي العام ليس عقلانيا ولم يتدرب على أجواء انتخابية ويمكن التلاعب به عاطفيا (من الناحية الدينية على وجه الخصوص)..



المشهد السّياسي يتميّز بالتّجاذب بين التّيّار العلماني والنّهضة.. وهذا التّجاذب يصبّ في إطار عمليّات التّعبئة..

_ماهي توقعاتك كمحلل سياسي للكتل السياسية التي تعتقد أنها ستفوز بأكثر المقاعد في المجلس التأسيسي؟.

هناك فسيفساء سياسية في تونس، وأكثر من 100 حزب على الساحة أنتجتها عملية الكبت التي مارسها النظام السياسي سابقا، جميعهم يبحث عن طموح سياسي وهو أمر مشروع، لكن الواقع يؤكد ان هناك أحزابا قوية ولها إمكانيات سياسية ومادية هامة (النهضة، المؤتمر، التقدمي، التكتل..) وأحزابا صغيرة مجهرية.. وهناك تساؤلات كبيرة حول النهضة وهنالك تحاليل أجنبية أتابعها هنا، التخوف من فوز النهضة ومن السيناريو الجزائري.. النهضة اليوم لها قدرة كبيرة على التعبئة والتنظيم ولها أموال طائلة تتلقاها من الخليج (ملوك ورجال أعمال..) ولها دعم إعلامي تتمتع به دون غيرها (الجزيرة مثلا..) ، ولكن النهضة قد لا تفوز بالنسبة الأكبر من مقاعد المجلس التأسيسي وإذا فازت بـ15% أو 20 % سيكون ذلك أمرا عاديا، ولكن فوزها بنسبة كبيرة يجعل البعض يتحدث عن السيناريو الجزائري فيما تحبذ حركة النهضة السيناريو التركي وترى فيه نفسها ومستقبلها.. نحن الآن أمام تشويق كبير لما سيحدث في الخارطة السياسية والانتخابات ستعطينا صورة أولى عنها… وأكيد أن عدد الأحزاب سيتناقص فيما بعد ولن تبقى إلا الأقوى والجديرة بالبقاء..

-اليوم نشاهد تحالفات سياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في تونس.. هل ستتواصل هذه التحالفات؟ وهل هي مبنية على أسس إيديولوجية أم تحالفات ظرفية ومصالح آنية؟

حركة النهضة والتقدمي الديمقراطي مثلا كانا في صفّ واحد عندما واجها معا قمع نظام بن علي، الآن تحولا إلى خصمين، التحالفات تتغير، حزب العمال الشيوعي والنهضة كانا خصمين دائما واليوم هما متحالفان.. التحالفات ظرفية ومبنية على حسابات سياسية لا غير..



-هناك تحالفات اليوم تطلق على نفسها صفة الحداثة.. في مواجهة من بالتحديد باعتقادك؟

هناك شدّ اليوم بين التيار الحداثي السياسي والتيار النهضوي من جهة والسلفي من جهة أخرى.. تونس تميزت بتجربة حداثية (على المستوى الاجتماعي) تلت حقبة الاستقلال، ثم عرفت حداثة اقتصادية، بقيت الحداثة السياسية وكل الخوف ان تشكك القوى السلفية في المشروع الحداثي لتونس وان تنقلب عليه…

الاستقرار المبني على ديمقراطيّة حقيقيّة يحتاج وقتا طويلا.. واستقرار الدّيكتاتوريّة كاذب.. ومؤقّت؟؟

-هل تعتقد أن تقود انتخابات المجلس التأسيسي البلاد إلى الاستقرار؟ وهل تتوقع أن يكون المسار الانتقالي طويلا؟ أم هو في مواجهة مطبات خطيرة كما يرى شق كبير من الشارع التونسي؟

في نهاية المطاف وسوسيولوجيا الاستقرار الحقيقي هو المبني على الديمقراطية، الديكتاتورية تحقق استقرارا كاذبا ومؤقتا، لكن الاستقرار المبني على ديمقراطية حقيقية يحتاج إلى وقت طويل، الديمقراطية الفرنسية مثلا احتاجت قرنين حتى استقرت، هناك أكثر من 100 حزب، وهناك غليان تلا الثورة التونسية، لكن في الواقع كل ذلك ظاهرة صحية، نتيجة الكبت المطلق الذي عرفه الشعب التونسي، وأغلب فئاته لا تعرف معنى الديمقراطية، لكن التفاؤل هو بوجود عقلانية اقتصادية، فشعبنا لا يعيش على النفط بل هو شعب يعمل وبإمكانه أن يبني وأن يتقدّم…

- أنت تعيش في جينيف.. كيف ترون الانتخابات التونسية هناك وفي أوروبا عموما؟



حسب الصحافة الغربية هناك تفاؤل، تونس البلد العربي الأكثر تهيؤا للديمقراطية حسب تقديرهم، ولكن هناك أيضا تخوف من الأصولية الإسلامية، ومن تكرار السيناريو الجزائري، إذ أن الناخب التونسي لم يتعقلن بعد ومازلت ردود أفعاله عاطفية بالأساس..

-وهل لديك معلومات عن تدخل الغرب بمختلف أجهزته ومؤسساته في اللعبة الديمقراطية في تونس؟ وأي الأطراف يدعم نتيجة لذلك؟

لا يمكن جمع الغرب في سلة واحدة.. هناك واشنطن التي لها علاقات تاريخية مع تونس منذ الحرب الباردة والدعم البورقيبي للشق الرأسمالي، وهناك فرنسا التي كانت تونس إحدى مستعمراتها، والتي تميل عادة إلى المقاربة الثقافية الفرنسية في تونس..

الخوف من فوز النّهضة هو خوف من تكرار السّيناريو الجزائري.. وحان الوقت لإعطاء الحركات الإسلاميّة فرصتها

وحسب علمي فإن واشنطن ستقبل بالحركات الإسلامية وأوباما أكد أنه من حق الإخوان المسلمين في مصر الدخول إلى المعركة الديمقراطية، وواشنطن قد تدعم النهضة، لكن في فرنسا اليسار الفرنسي قد يدعم اليسار في تونس وربما لا يميل إلى الحركات الإسلامية، وفرنسا قد تؤثر على الاتحاد الأوروبي، ولكن النهضة تحمل علاقات جيدة مع تركيا ومع الخليج العربي، ومع لندن بالذات أين قضى زعيمها فترات طويلة من عمره، ولكن النهضة في خطابها (ونحن في العلوم السياسية مضطرون إلى تحليل الخطابات العلنية التي أكدت فيه عدم مساسها بالحريات العامة وبمجلة الأحوال الشخصيات وبالمكتسبات التي حققتها تونس على درب الحداثة)، واعتقد انه آن الأوان لإعطاء الحركات الإسلامية فرصة الحكم لإنهاء هذه الفقاعة الإعلامية، وتقديم نفسها كشهداء وضحايا.. وكما أكدت سابقا فإن أي نجاح انتخابي هو مؤقت.. والعملية الديمقراطية تقوم على نسبية الفشل والنجاح.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن