أزمة فكريّة أم نضوب فلسفي

سنان أحمد حقّي
cinanahakkee946@yahoo.com

2011 / 10 / 19

أزمة فكريّة أم نضوب فلسفي؟
في ضوء:
المشروع النهضوي العربي: نداء المستقبل
اعداد: مركز دراسات الوحدة العربية
توزيع مركز الحوار العربي
ليس بوسعنا هنا أن نستعرض أسس الإقتصاد الرأسمالي أو الإشتراكي أو كتب ومؤلفات آدم سمث ولا كينز ولا ريكاردو وهيوم ولا أن نستعرض كذلك كتاب رأس المال لكارل ماركس وسواهم فهذه مهمة تتعدّى مجال ومهمةهذا المقال كثيرا ولكن إذا ما أردنا أن نجيب على سؤال محدد وهو مالإشتراكيّة؟ وما الرأسمالية؟ فإن أيسر جواب وأكثرها مباشرة إنما يعود لملكيّة وسائل الإنتاج فإذا كانت وسائل الإنتاج بيد شخص أو شركة أو مجموعة أشخاص ومملوكة لهم ملكيّة خاّصة أي (صرفة) فذاك هو نظام رأسمالي وعندما تكون وسائل الإنتاج مملوكة لقوى الإنتاج الحقيقيّة وهي مجموعة المنتجين الحقيقيين من العمال وما يلحق بهم من قوى عاملة فذاك هو نظام إشتراكي أمّا تملّك الدولة لوسائل الإنتاج باسم الشعب فلا يكون ذاك إلاّ رأسماليّة الدولة لأنها تحلّ محل صاحب رأس المال السابق وكأنه باع ملكيّته وتتصرّف الدولة آنذاك كأي رأسمالي لا يشغله سوى حجم الأرباح واستغلال قوى الإنتاج في سبيل هذا الهدف ويتيح هذا الوضع الجديد أي ( رأسماليّة الدولة) فرصة لا تقدّر بثمن للأشخاص الذين لا يملكون أي رأسمال أن يتسلّقوا سلّم الإنتاج والمال عبر التنظيمات السياسيّة المتنوعة لاحتلال مواقع قياديّة في المؤسسات الإقتصاديّة بدون ثمن( مجانا) ليتصرّفوا برأس المال الذي اصبح بين أيديهم بين ليلة وضحاها وبورقة خفيفة رخيصة.وبعد وقت قصير يعودوا ليتصرّفوا تصرّف الرأسمالي السابق بل ربما بوسائل أقسى تتيحها لهم المؤسسة الحكوميّة بسبب كونها جزء من السلطة نفسها.وليس هذا النظام رأسماليا ولا إشتراكيا وهو النظام الذي يؤسس لتكالب الأفراد على السلطة لأنها وسيلة جديدة للسيطرة على الثروة وعلى رأس المال بدون جهد وبدون رأسمال!
أمّا أن يسأل سائل عن كيفيّة تسليم القوى العاملة دفـّة المسؤوليّة وغالبيتها تفتقر للمؤهلات الفنيّة والإداريّة؟ فنقول حينذاك أن ذلك يعني أن الأوان لم يحن لتسلّم قوى الإنتاج لوسائل الإنتاج (أي لم يحن بعد التفكير بتطبيق الإقتصاد الإشتراكي)وحينذاك نسعى لتأهيل قوى الإنتاج من حيث تلك النواحي حتى تنضج أو أن نعود للنظر في أفكارنا لعلها غير صالحة أو تحتاج إلى مراجعة، ولا يتوجّب في النظام الإشتراكي أن تباشر الدولة إدارة رؤوس الأموال واستثمارها نيابة عن الشعب فهذا ليس صحيح لأن القوى العاملة في المرفق الإنتاجي هي صاحبة الحق بعد أن يؤول إليها الأمر وللدولة حينذاك فقط أن تفرض ضريبة أو نسبة من الأرباح لها لقاء تقديم الخدمات الحكوميّة كما كان الأمر في النظام الرأسمالي.
نعني بكل بساطة أن النظام الرأسمالي يعني ملكيّة وسائل الإنتاج بيد أشخاص أو شركات ( ملكيّة خاصّة) أمّا في الإشتراكيّة فإن وسائل الإنتاج تكون ملك قوى الإنتاج ( العمال وما يلحق بهم) وليست ملكيّة عامّة أبدا أي ليست ملكا عامّا يحق تملّكه باسم الشعب لصالح الدولة،فالمعمل ليس كالشارع أو الطريق حيث تكون ملكيّة الطريق باسم الدولة نيابة عن الجمهور لضمان استخدامه من قبل الجميع بل إن المعمل يكون ملك العاملين فيه مع نسبة من الأرباح تؤول إلى الدولة . أمّا إن أصبحت الدولة هي المالك الحقيقي الجديد بدلا من العمال فإنها ستبقي على النظام الرأسمالي وتستغل العمال لصالحها كما أسلفنا ولا نريد الإسترسال بالمزيد من الإستفاضة.
وقد تؤدّي رأسمالية الدولة كما أسلفنا إلى التكالب على المناصب الحكوميّة للسيطرة على رأس المال والتحكّم بسوق يصبح مناسب للإحتكار وهذا كما لا يخفى من شانه أن يؤدّي إلى التكالب على كراسي الحكم والصراع على البقاء فيها لأطول فترة ممكنة وهذا كلّه لا يخفى على قارئنا اللبيب يؤسس لقيام الإستبداد والتفرّد بالحكم وقيام الدكتاتوريّات وقمع الحريات العامّة وسحق حقوق الإنسان لتوفير قدر أكبر للإستغلال وتحقيق أعظم الأرباح، هذا عدا ما يفرضه الحال من تراجع في القيم الأخلاقيّة والمثُل والقيم العليا وفي الفنون والآداب وسواها من البنى الفوقيّة للمجتمع.
ولهذا يجد القارئ الكريم أن هدف العدالة الإجتماعيّة يوما بعد يوم يصبح أبعد من ذي قبل بل أصعب منالا.
إن الدعوة لإعادة سيطرة الدولة على رأس المال لن تؤدّي إلى أيّة عدالة اجتماعيّة بل ستعيدنا إلى الأوضاع التي ما فتئنا خرجنا لتونا منها وسيتطلب الأمر إعادة هيكلة جديدة وهكذا دواليك ولن يقف الأمر عند هذا فحسب بل أن تفاقم عدد السكان مع تراجع عوائد الثروات الطبيعيّة قد يدفع معظم الشعوب إلى التناحر على لقمة العيش في ظل تدهور الإنتاج وفق صيغ سيطرة الدولة وموظفيها على مجمل رأس المال الوطني ؛ وقد يؤدّي إلى نشوء حروب ونزاعات محليّة وإقليميّة واسعة.
و لمّا كان الإقتصاد هو عصب التنمية الأساسي فإن إعادة العبث به لم يعد مسموح به أبدا ولا حتّى كما كان الأمر قبل سقوط الأنظمة الإشتراكيّة فإمّا أن نبقي على النظام الإقتصادي الرأس مالي مع تنمية القطاع العام الذي تساهم الدولة فيه أو تشارك به بسبب أهميته الإستراتيجيّة وتشريع بعض الأنظمة التي تمنع الجشع والإحتكار وتغوّل القطاع الخاص واتباع ما مناسب مما يُدعى اقتصاد السوق ، وهذا مشروع يفي بمتطلبات التنمية تماما ويضمن شيئا من العدالة الإجتماعيّة ويوفّر فرصة لقيام مشروع نهضوي لا بأس به ويُحافظ على البنى الفوقيّة لفترة لاحقة مطلوبة.
أو الدخول بوعي وجرأة في سياسة بناء نظام إشتراكي تكون فيه وسائل الإنتاج بيد قوى الإنتاج فعلا إن توفر الوعي وتوفرت الخبرات لدى قوى الإنتاج لإدارة كل معمل على حدة كما كان يتصرّف به الرأسمالي أي بصفتهم المالكين الحقيقيين مع ضمان دفع ضرائب للدولة ، وليس ضروريا أن يتم التأميم لوسائل الإنتاج لتؤخذ من الرأسمالي لتعطى لقوى الإنتاج والعمال بل يمكن أن ينضمّ المالك السابق لقوى الإنتاج للقوى الجديدة فالتحوّل الإشتراكي لا يستلزم الطفرات بل التحول التدريجي أشدّ ضمانا وأقلّ مغامرة!
إن أيّة نهضة هي تنمية ولا تقوم النهضة في كل أشكالها وجوانبها ( الإجتماعيّة والسياسية والخدماتيّة) إلاّ على التنمية الإقتصاديّة ولو لعبنا على وتر العواطف والرغبات والمصالح الضيقة الفرديّة منها أو الكتليّة فإن أي عدالة اجتماعية ستكون مجرّد خيال وأبنية في الفضاءالفارغ.
هما طريقان لا ثالث لهما فإمّا طريق التنمية الرأسماليّة المهذّب أي مع القطاع العام والمختلط والتعاوني ومع تشريعات ضروريّة أو الطريق الثاني وهو البناء الإشتراكي الحقيقي والذي وإن لم يمضي فيه أي شعب من الشعوب لحد الآن كما هو مقصود بما أسلفنا ، ولكن ظهور النظام الإجتماعي الإقتصادي الرأسمالي العالمي لم يظهر بانقلاب عسكري ولا بثورة شعبيّة مباشرة بل عبر سلسلة تحولات قامت بها البرجوازية الصغيرة التي تقاطعت مصالحها مع الإقطاع وملاكي الأرض الكبارفبدأت مواجهة طويلة انهزم فيها النظام الإقطاعي واضمحلّ لصالح النظام الذي أقامته البرجوازيّة الناشئة إلى أن وصلنا إلى المجتمع الرأسمالي الحالي وحيث ما زالت بقايا النظام الإقطاعي قائمة لحد الساعة في بعض المناطق وهذا هو ديدن التحولات الإجتماعيّة الإقتصاديّة تاريخيا فحيث توجد الظواهر المتقدّمة فإن الظواهر المتخلّفة أو الأقلّ تقدّما تظل تحاول البقاء ولكن بأشكال تتماهى مع ما يستجدّ. أمّا أن نضع قدما هنا وأخرى هناك فهذه هي لعمري طريقة الغراب في المشي والتي أضاع بها ( المشيتين ) كما يقولون!
وبهذا فإنني أتوجه بالنقد لكل مشروع يقوم على أسس إعادة السيطرة للدولة *على وسائل الإنتاج لأن ذلك لن يتيح أبدا فرصة لأية نهضة كما وضّحنا والمفيد أن نختار بين الطريقين الذين وضّحنا.
وهذاعلى الأقل هو السبيل للخروج من الأزمة الفكريّة التنمويّة لئلاّ نقع في فترة نضوب فكري نصنع معها مشاريع كطواحين الهواء التي كان يراها دون كيشوته.
ملاحظة: قد يكون للحديث صلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ــ قديما قيل : أحمران لا يجتمعان ( أحمر المال أي الذهب وأحمر الدم أي الملك أو الحكم).



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن