في ((كواليس القمة)) توقع إلغاء نهائي لنص العولمة وإفشال محاولة ربط الاتفاقيات بقوانين منظمة التجارة

حبيب المعلوف

2002 / 9 / 4

جريدة السفير
على وقع التظاهرات الحاشدة التي حصلت يوم السبت الماضي والتي تركت آثارها المدوية في المجتمع الجنوب الأفريقي وفي نفوس المشاركين فيها من مختلف أنحاء العالم والتي تجاوز عددها العشرين ألف شخص، بدأت أمس محادثات رؤساء الوفود الرسمية (من رؤساء دول وحكومات ووزراء) في قمة الأرض، وذلك على وقع حدثين متناقضين أيضا. الأول إيجابي وتمثل بإفشال محاولة ربط جميع الاتفاقيات المتعددة الأطراف والمتعلقة بالبيئة بما تمليه قوانين وقواعد منظمة التجارة العالمية، وذلك بناء على ضغوط عدة قام بها الاتحاد الأوروبي والعديد من المنظمات غير الحكومية الدولية. ولعل هذا الانتصار الجزئي لم يستطيع ان يلغي سيطرة هذه المنظمة ولا قوتها التي استطاعت ان تسيطر على معظم النصوص ولا سيما تلك المتعلقة بالتجارة والعولمة والتمويل...
من جهة أخرى حصل تطور مفاجئ في موضوع العولمة، حيث تم إلغاء النص نهائيا الذي كان مدار خلاف بين البلدان المتطورة مثل الولايات المتحدة الأميركية والبلدان النامية. والمعلوم ان الولايات المتحدة (والاتحاد الأوروبي) ترى في العولمة أنها تساهم في إنماء البلدان النامية عبر تشجيع الاستثمارات وفتح أسواق جديدة، في حين كانت البلدان النامية ترى فيها تهديدا لاقتصاداتها الوطنية ولخصوصياتها الثقافية والحضارية.
من جهة أخرى، بات واضحا أمس، حسب مصادر متابعة، التراجع الكبير الذي سيحصل في قمة جوهانسبورغ عن مؤتمرات سابقة، ولا سيما في مواضيع حقوق الإنسان. فقد بات واضحا أمس التراجع تماما عن الإنجاز الذي تحقق في مؤتمر بالي (الاجتماع التحضيري الرابع للقمة)، ففي هذا المؤتمر كانت مسألتا السلام والحق في الأمن تعتبران جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان، في حين ان النصوص الجديدة باتت تعتبر هذه المسألة مندرجة تحت بند <<سيادة القانون>>، وهذا ما أثار اعتراضات واسعة عند المناضلين من أجل حقوق الإنسان، حيث ان تطبيق القوانين في الدول النامية لا يضمن حقوق الإنسان كما أثبتت التجارب الماضية.
من جهة أخرى أدخل المفاوض العربي نصا، اعتبر نوعا من التسوية، اعتبر فيه <<الاحتلال>> من عوائق التنمية المستدامة، وتم وضع فقرة تتحدث عن الحق في تقرير المصير، وقد وردت هذه الفقرات في آليات التنفيذ وليس في المقدمة كما كان مطروحا.
في موضوع معايير العمل، لا يزال التواطؤ سيد الموقف بين الولايات المتحدة الأميركية بالتحالف مع جميع المدافعين عن النيوليبرالية وبين دول العالم الثالث وبينها الدول العربية، حيث خلت النصوص من هذه المعايير التي بينها إلزامية الضمان وتحديد ساعات العمل والأخذ بالاعتبار مخاطر العمل والوقاية منها، وذلك لتسهيل عمليات الاستثمار الخارجي والداخلي والتخفيف من أكلافه وان على حساب حقوق العمال.
وفي باقي مواضيع حقوق الإنسان ولا سيما تلك المتعلقة بالمياه والصحة والسكن والبنية... حصل بعض التقدم على كل هذه الحقوق ما عدا الحق في المياه، وذلك تحت ضغط العديد من الشركات المشاركة في القمة والتي تعمل على الاستثمار في هذا القطاع المطروح بشكل جدي في جميع أنحاء العالم على طاولة الخصخصة. فقد كان موضوع المياه، وحتى الأمس القريب، يعتبر من الموارد المتجددة التي يجب ان تبقى ملكية عامة وتحت إشراف الدول وملكيتها ايضا، وغير قابلة بالتالي لأي خصخصة، وقد حصل خرق كبير لهذا التقليد بإدخال بدعة ما سمي <<ببيع الخدمة>> أي الحفر والنقل والتوزيع... الخ.
أما المفاجأة الكبرى فقد تمثلت امس ببروز تحالف غريب بين ممثلي الفاتيكان والسعودية وإيران حول موضوع الصحة الانجابية.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان قد زار مساء أمس مقر المنظمات غير الحكومية المتجمعة في النازرك وألقى خطابا دبلوماسيا جدا في قاعة نيلسون مانديلا، جاء ضعيف اللهجة وتوفيقيا، دعا فيه بشكل عام الى الشراكة ما بين منظمات المجتمع المدني والحكومات، من دون ان يأتي بأي موقف قوي وجديد يعبر عن دور الأمم المتحدة المتوقع ولا سيما أمام سيطرة منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي ومن يدعمهما على أعمال القمة بشكل لافت وفاضح وفي العديد من المواضيع.
من جهة أخرى، وفي سياق التحضيرات الجارية لإنجاز الإعلان النهائي الذي سيصدر قريبا عن منتدى المنظمات غير الحكومية التي تشارك في القمة، أشار المدير التنفيذي لشبكة المنظمات الأهلية العربية زياد عبد الصمد، الى ان هذا الإعلان سيتضمن مواقف متقدمة وإيجابية جدا في القضايا العربية ولا سيما ذاك الموقف الذي يؤكد استحالة حصول تنمية مستدامة في ظل الاحتلال.


https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن