- الحوار الـمتـمدِّن - : رئةُ الحريةِ ورايــتُــها

سعدي يوسف

2004 / 12 / 9

" الحوار الـمتـمدِّن " : رئةُ الحريةِ ورايــتُــها

كنتُ قبل أيامٍ في جولةٍ ثقافيةٍ بالمملكة المتحدة ، مطوِّفاً في مدنٍ وبلداتٍ عدّةٍ ، أُلقي قصائدي باللغة الإنجليزية ، وأُجيبُ إنْ
سُــئلتُ عن شأنٍ ثقافي أو سياسيّ يخصّ العراق .
في بلدة ساوث وولد Southwold حيث أقامَ جورج أورويل حتى العام 1950 ، سألني رجلٌ بعد انتهاء القراءة :
" أنتَ قرأتَ بالإنجليزية شِـعرَكَ مترجَــماً … لِـمَ لم تكتب نصوصكَ بالإنجليزية رأساً ؟ "
أجبتُــه : سؤالك وجيهٌ . قد أكتب نصوصي مستقبلاً باللغة الإنجليزية ، إلاّ الشِـعر إذْ أن أمره مختلفٌ .
*
واقعُ الحال أنني منذ زمنٍ ، أكتبُ باللغة العربية ، لكنني لا أقرأُ فيها .
أردتُ القولَ إنني أفضِّــلُ قراءة الكتب بالإنجليزية أو الفرنسية ، لا بالعربية ( مستثنياً التراثَ وكُتبَ ثلاثةِ أصدقاء أو أربعة ) ، والسبب في هذا جَـلِـيٌّ لديّ في الأقلِّ :

ليس لديّ وقتٌ كثيرٌ ؛ وما توافَــرَ من وقتٍ لا أريد أن أبدده في قراءة نصوصٍ راهنةٍ باللغة العربية ، الأفضل أن أقرأ كتباً صدرت في ظروفٍ كفلتْ ، عبر التطور التاريخي ، حريةَ التعبير التي لا يمكن أن يتكوّنَ نَــصٌّ حقيقيٌّ خارجَــها . هذه الكتب لن تكون باللغة العربية …
إن منطقتنا كانت ، وظلّت ، منذ عقودٍ ، ساكنةً ضمن حالة إقصاءٍ عن حركة التاريخ واندفاعه إلى أمام . أمّـا الناسُ فقد هُمِّــشوا بعد تكبيلهم بأغلالٍ شــتّـى ، كلُّـها واقعٌ في دائرة العَـوَزِ الواسعة .
العَــوَزُ الأعظمُ هو في الحرية .
صحيحٌ أن حرية الإبداع قد تكون مكتسَــبةً بعد نضالٍ شاقٍّ من لَــدُنِ الـمبدِع ، لكن الحالات تظل فرديةً ، أي أنها ليست الظروفَ الملائمة لإنشاء ثقافةٍ طبيعيةٍ وتطويرها على نطاق أُمّــةٍ أو بلدٍ .
علينا أن نناضل من أجل خلق ظروفٍ أفضل لممارسة حريتنا في التعبير والإبداع .
علينا ألاّ نستسلمَ لما أملاه ويمليه الحكّــامُ وصنائعُـهم في الصحافة المتاحة المموّلة جيداً ، الـمراقَــبة جيداً أيضاً .
هنا يأتي " الحوار المتمدن " ، هذا الموقع الذي أعتبرُهُ رئةً للحرية ، ورايةً …
في هذا الموقع سنظل نكتب ونقرأ ، أحراراً ، بلغاتنا الوطنية .


لندن 1/12/ 2004



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن