عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990 - دبلوماسيون يتنبؤون /الحلقة 16 والأخيرة

نزار ياسر الحيدر
nazargroup@yahoo.com

2011 / 9 / 28


عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990

دبلوماسيون يتنبؤون /الحلقة 16 والأخيرة

بقلم : نـــزار يـاســـر الحيـــدر


قبل أن يقدم صدام على غزو الكويت كانت علاقته بالحكومة البريطانية متدهورة بسبب اعدام السلطات العراقية لمن ادُّعي بانه جاسوس بريطاني واسمه ( بازوفت ) وهو من اصل ايراني يعمل صحفيا بعد أن زار العراق أُلقِي القبض عليه واتهم بانه جاء يتجسس على المنشآت النووية العراقية وحكم عليه بالاعدام عام 1989 وتدخلت العديد من الدول للافراج عنه لكن صدام ظهر عشية اعدامه وهو يزور منطقة الهندية فالتقى بامرأة مسنة تجلس في بيتها وسألها امام كامرات الاعلام ( هل صدام حسين يخاف ؟؟) فأجابته وهي لاتعلم لماذا سألها صدام هذا السؤال ( احنا مانخاف ولاصدام يخاف !! ) وفي اليوم الثاني اعلن عن تنفيذ حكم الاعدام بالجاسوس بازوفت وصدم العالم من هذا التحدي الذي ادخل صدام نفسه به ووضع نفسه والعراق بمواجهة كل دول العالم .
لقد احاط صدام نفسه بمجموعة شخصيات لا رأي لها تؤيده على كل قرار يتخذه سواء أكان بالحق أم بالباطل ولاتنصحه عندما يشط او يزل وكان واجبهم التصفيق له في كل الميادين وينقلون له صورة وردية غير صحيحة عن حياة الشعب ويبررون له اخطاءه وينسبونها دائما لاعداء جاهزين على طول الخط فقد قيل ويقال ان اوامر اجتياح الكويت لم يكن يعلم بها سوى ثلاثة أو اربعة مسؤولين من المقربين منه وبدون علم القيادات العسكرية !! ، وشيئا فشيئا تقلصت الحلقة المحيطة به في شخصيته وادارة الدولة بعد تسنمه الحكم عام 1979 كرئيس للجمهورية وأمين سر القيادة القطرية لحزب البعث بعد قيامه باعدام اكثر من خمسة وعشرين من الكادر المتقدم للحزب وطرد عشرات آخرين قبيل تنحي احمد حسن البكر وتسنم صدام المسؤولية الاولى واستمر بذلك خلال الحرب العراقية الايرانية بابعاد العناصر النشطة في الحزب وتقريب ابناء مدينة تكريت وماحولها من عشائر الجبور ثم ابعاد هؤلاء واعدام وتصفية الكثير منهم لاسباب عديدة وتركيز القيادات بيد ابناء قرية العوجة التي ولد فيها وما هي الا فترة حتى بدا يحصر المسؤوليات بيد اولاد عمه واقاربه واولاده وقام بمنحهم الرتب العسكرية والمسؤوليات بالجملة وبدون اي شعور بالمسؤولية واغدق عليهم الاموال والاراضي والمنح والسيارات وميزهم عن غيرهم وتعمد اذلال القيادات العسكرية الحقيقية وصغار ضباط الجيش وكل الموظفين في دوائر الدولة مما أجبرهم على أن يتحولوا تدريجيا الى مرتشين بسبب ارتفاع نسبة التضخم وهبوط قيمة الدينار العراقي وبقاء الرواتب التي يتقاضونها على حالها مما اعطاهم المبرر لتلويث ذممهم وقبولهم الرشوة !!.
لقد كنت التقي ببعض الدبلوماسيين العرب والاجانب الذين عادت وافتتحت دولهم سفاراتها في العراق لان اغلبهم كانوا زبائن لي بمحلي في فندق فلسطين ميريديان وسط بغداد وكانوا يزورونني بانتظام هم وزوجاتهم للتبضع وكنت أدعى إلى اغلب احتفالات هذه السفارات التي تقام في فنادق بغداد الكبرى بمناسبات تلك الدول كالاعياد الوطنية وغير ذلك من المناسبات المختلفة مما فتح المجال للحوار وتبادل الافكار بيني وبينهم بصراحة ، لقد كانوا متذمرين ومتألمين بنفس الوقت على الاحوال المتردية التي وصل اليها العراق وعلى جميع الصعد وكنت دائما اوقع اللوم على قرارات الحصار الجائرة ضد العراق والتي تاثر بها مباشرة الشعب العراقي واضعفته وسلبت قدرته على الاعتراض او ان يكون له رأي مؤثر بينما هم يؤكدون على الحياة الباذخة والمسرفة التي يعيش بها صدام ومن يحيط به ومباشرته ببناء اكثر من خمسة وسبعين قصرا في جميع انحاء العراق ، فكان ردهم مختلفا تبعا لمواقف تلك الدول فمنهم من يتعاطف مع العراق والشعب العراقي ويضع اللوم على الحكومة ومنهم من يساند الحكومة العراقية بالحق والباطل وهم أتباع الدول العربية وخاصة الدول ذات النهج القومي التي تلتقي مع سياسة العراق وخاصة الدول التي ايدت العراق في اجتياح الكويت وهناك دول غربية وصديقة تضع اللوم على سلوكيات الحكومة العراقية وسياستها المتشنجة والمتطرفة والتي لاتنسجم مع النهج الدولي ومسيرة الامن والسلام العالميين .
اتذكر باستمرار الحديث الذي دار بيني وبين السيد ( مصطفى ) سفير باكستان في العراق عام 1995 وهو دبلوماسي محترف دمث الاخلاق عمل في كل قارات العالم كسفير لبلده ويحضى باحترام وتقدير كبير وهو اول من حاول كسر الحصار الجوي المفروض على العراق حيث استحصل حينذاك موافقة الامم المتحدة على انزال طائرة ركاب تنقل زوارا باكستانيين للعتبات المقدسة في مطار بغداد ونجح في ذلك ، لقد سألني سؤالا وطلب مني الاجابة : ( هل يستطيع صدام حسين ان ينقل العراق عبر المحيطات ويضعه بمكان آخر غير مكانه الحالي بعيدا عن ايران وتركيا وسوريا والاردن والسعودية والكويت ؟؟ ... لأنه هل من المعقول ان دولة تتخاصم وليس لها علاقات دبلوماسية مع الدول الست المحيطة بها ولا يملك حتى منفذ له ولشعبه !!! ؟؟) لقد سألني هذا السؤال وطبعا كان جوابي بكلا عندها استطرد السيد مصطفى وقال : (أن اياما عصيبة تنتظر العراق ولا مستقبل لهذا البلد طالما تحكمه هكذا عقول للاسف) . هذا ماكان عليه حال العراق بعد اجتياحه الكويت وما نتج عنه من مأساة يعيشها العراقيون الان بالرغم من ادعاءات الحرية والديمقراطية التي جلبها الامريكان بعد ماقدموا العراق على صحن من ذهب الى ايران نتج عنه طائفية بغيضة أتت على الاخضر واليابس ، وهاهم العراقيون يدفعون الثمن غاليا لالسبب اقترفوه وانما بسبب حكام حكموه لاربعين سنة حكما شموليا دمويا تلبس بالقومية وادعى الإنسانية والديمقراطية وهو عنها بعيد بعد الأرض عن السماء ولم يحصد من وارائها الشعب سوى الهلاك والدمار والتخريب وملايين الضحايا والمهجرين والأمر من كل ذلك أنه مهَّد للاحتلال الأمريكي والغربي وتقسيم الثروات وإحلال قوى الظلام لتجثم على رقاب المساكين الذين استبشروا خيرا بسقوط نظام البعث وقادته الطغاة فلم يجنوا سوى مواعيد عرقوب.


أنتهـــــــــــى




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن