أكل الزعرور في جنة العرعور...!؟

جهاد نصره
jehadnasra@gmail.com

2011 / 9 / 21

ما الذي يجعل غالبية المتدينين المتظاهرين في سورية يصيحون: لبيك يا ـ عرعور ـ ويهرعون إلى الموت المحتَّم...؟ ليس تنظيراً القول إن هذه الجاهزية الاستقطابية العالية تعود في جوهرها إلى التربية الثقافية التي تبدأ فور ولادة الإنسان في بيئته الإسلامية وعلى هذا فإنه ليس صحيحاً البتة ما تقوله معظم أطياف المعارضة ومنظِّروها التجليطيون من أن ما ظهر في الساحة السورية بعد الشهر الأول هو حراك سياسي محض..! أم علي تعرِّف السياسة بأنها فن اجتراح الممكن من أجل الحياة الدنيا في حين أن الموت بالطريقة التي تدعو إليها الثقافة الإسلامية فهو فن الذهاب إلى ربوع الدنيا الآخرة وفي هذا السياق من الطبيعي ظهور أناشيد الموت ( عالجنه رايحين شهداء بالملايين ) و يصل الأمر عند البعض أن يقيموا الأفراح للقتيل الذي يسقط على هذا الطريق...!؟
إن من أخطر مفاعيل هيمنة الثقافة الدينية أنها تعزز جهوزية المتدين للتفاعل مع كل أشكال التحريض والتحشيد وصولاً إلى تلبية نداء الجهاد ـ حين تمَّ افتتاح مكاتب في طهران لتسجيل الراغبين بتنفيذ عمليات انتحارية أثناء الحرب الإيرانية العراقية تسابق مئات الآلاف من الرجال والنساء من كل الأعمار لاقتناص الفرصة الذهبية المتاحة ـ ومن المعروف أنه يجري التركيز في برامج المنظمات الدينية على تعزيز ثقافة الموت بهدف تأهيل الأعضاء وإعدادهم لتنفيذ ما يطلب منهم في الوقت المناسب..! أما عن عموم المسلمين في المجتمع فيتدبر أمورهم المفتون والدعاة ومؤسسات الدولة التعليمية وفي بعض الدول الإسلامية العريقة كالسعودية تقوم هيئة الأمر بالمعروف باستكمال المهمة في الإشراف والمراقبة اللصيقة..!؟ في الدول التي سقطت فيها الأنظمة الحاكمة وكان أولها العراق فإن الأحزاب والمنظمات الدينية أصبحت الرقم الأول الفاعل في الحياة السياسية والاجتماعية أما مصر وتونس وليبيا فإن الجماعات الإسلامية بدأت تفرض هيمنتها بالتدريج ففي ليبيا ظهرت منذ بضعة أيام لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد بدأت نشاطها بتهديد صاحبات صالونات التجميل وصالات الأفراح بغية إغلاق هذه الأماكن إضافة إلى صدور عدة فتاوى كان أولها فتوى عن إلزامية النقاب وتحريم خروج المرأة الليبية للعمل..!؟ في مصر الثورة فإن الأمور سائرة على نفس المنوال وقد ظهر قبل يومين مهدي سعودي الجنسية ادعى أنه قد سُخِّر له الكونان ولديه العديد من القدرات والمعجزات وأنه جاء إلى مصر في مهمة رسمية لمقابلة كبار علماء الدين الإسلامي للتشاور وإيصال الرسالة لهم حول الشروع في فتح الدول العربية وتحريرها من الطغاة وإقامة الحدود وأن بداية التحرير ستكون من مصر..! وفي اليمن فإن القاعدة أصبحت رقماً فاعلاً في معادلة الصراع الدائر..! أما في سورية فلن يختلف المشهد إذا نجح الإسلاميون في فرض وجودهم على الأرض وما يقوله المنظِّرون والمثقفون والسياسيون الذين أعمتهم الأغراض السياسية النفعية عن شبح الدولة المدنية التعددية فإنه لا يساوي قشرة بصلة وتؤكد ـ أم علي ـ على أن تخرصات هؤلاء المستعرضين وتنظيراتهم العقيمة عن قضايا المجتمع السوري لا جدوى منها طالما بقيت بعيدة عن مقاربة جذر المسالة المعرفي الثقافي..!؟ بالفعل ـ أم علي ـ معها حق فكيف للبعض أن يراهن على إمكانية إنتاج دولة مدنية حديثة بمعية جماعات دينية ترفدها المجتمعات الأهلية على الدوام بأجيال جري تأهيلها وتربيتها دينياً فهي تتعلم بدءا من المدارس الابتدائية وصولاً إلى الجامعات عبوراً بالمساجد أن هناك سبع جنان تجري فيها سبعة أنهار.. وأن هناك فتيات جميلات ينتظرن المؤمنين الصالحين وأولهم الذين قتلوا في سبيل الله وأن هؤلاء المرضي عنهم سيصيرون فور دخولهم الجنة جرد مرد مكحلون شواربهم خضر بلج لا يتمخطون ولا يبصقون حتى أنهم حين يضرطون فإن روائح المسك والعنبر ستعبق في المكان..!؟*
وعليه البناء تقول ـ أم علي ـ للنفر المتفائل: إن كافة المقترحات والبرامج والمشاريع التي ظهرت خلال الأزمة قاصرة وخلبية طالما استمرت هيمنة الثقافة الموروثة..!؟ إن جذرالإعاقة في المجتمعات الإسلامية معرفي ثقافي وعلى هذا فإن ما يجري في الدول العربية لا يتعدى الصراع على السلطة ومكتسباتها من واقع أن كافة الأطراف المتصارعة ولدت من رحم هذه الثقافة وهي تتسابق دوماً لتأكيد الوفاء لها بذريعة الوفاء للتاريخ والنموذج التركي خير مثال على ما تقوله ـ أم علي ـ ففي تركيا وبعد ما يزيد عن التسعين عاماً من وجود نظام العلمنة الذي أتاح منظومة حقيقية من الحريات في الفكر والسياسة والاقتصاد والإعلام ولأنه لم يجر انفصام أو قطع مع الثقافة الإسلامية المتوارثة فقد عادت الأحزاب الإسلامية لتظهر ثم لتتسيد المشهد السياسي التركي...!؟
*لمن يرغب في المزيد عن أخبار الجنة يمكن الرجوع إلى: ( من دقائق الأخبار في ذكر الجنة والنار للإمام عبد الرحيم بن أحمد القاضي ).



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن