يا شعب العراق هنيئاً لكم

سيف عطية
saifataya@yahoo.com

2011 / 9 / 4

لقد شاهدنا وسمعنا وقرأنا وكتبنا عن ثورات الربيع العربي كثيراً، وأمطرنا الشعوب المتحررة والتي مازالت تناضل بالتهاني والتبريكات لأنهم والحقيقة تقال فعلاً أهلاً لها بتضحياتهم بالمال والغالي والنفيس من أجل تحقيق حرياتهم وحقوقهم المفقودة والمغتصبة من قبل حكام لا يهمهم إلا حب التسلط وجمع المال على حساب شعوبهم وأوطانهم. لهذا نشاهد وعلى الأغلب عند سقوط الحاكم وسلطته تتحول البلاد الى دولة بدون قانون ، وتتجه الشعوب الى السلب والنهب وإرتكاب الجرائم وتنفيذ الثارات القبلية والتقليدية بمجرد سقوط النظام. إنما دل هذا على شئ فإنما يدل على جبروت الحكومات وتسلطها على جميع المؤسسات المدنيّة والعسكرية، وإن أنظمتها ليست أنظمة دستورية وقانونية تستند على مؤسسات شرعية نابعة من صلب وإرادة الشعب وإذا ما كانت كذلك فهذا يؤدي الى إستمرار الدولة بتوفير الخدمات لشعوبها حتى لو سقط الحاكم أو العائلة الحاكمة.

التلفزيونات العربية والفضائية تهلهل وتمجّد وتغني وتبارك الحركات الثورية وهذا ما حدث ويحدث كما رأينا في تونس الخضراء وشعبها الأصيل في إسقاط نظام زين العابدين بن علي، وكذلك في مصر العربية المناضلة في ثورتها الشبابية التي أودت بإسقاط نظام مبارك. وكذلك الحال في ليبيا البطلة ونضالها وصمودها وتصميمها المتواصل حتى أن سقط القذافي ونظامه المستبد وما زال هذا العقيد ملك ملوك افريقيا مختبأً يعلم الله في اي جحر من جحور الصحراء القاحلة ويعلم الله كم من المليارات إختفت من ميزانية الدولة وقوت الشعب.

وما زالت الشعوب العربية تناضل من أجل أن تتمتع بحقوقها الإنسانية وأن تتحكم بإرادتها الجماهيرية تحت ظل وحماية القوانين والدساتير التي تقررها الشعوب التي حققوها بدمائهم الشريفة وليست أقلام الحكام وما يملكون من الدمى المتحركة. باركت الشعوب والإذاعات والتلفزيونات والكتّاب والشعراء والعلماء والبسطاء بهذا التغيير بكلمات رنّانة ونابعة من الواقع المؤسف لما يدور في هذا الوطن من قتل ونهب وظلم وجور وإرهاب الدولة والمنظمات وحروب متوالية وثورات التي لا ترحم الكبير والصغير والنساء والشيوخ مما تؤدي الى القلق الإقتصادي والسياسي والثقاقي والإجتماعي وبالتالي تراجع حالات الإبداع والتقدم لمواكبة العالم الذي أصبح قرية صغيرة بما قدمته الصناعات الإلكترونية من الإتصال الإجتماعي والإنفتاح على العالم الخارجي الذي أدى ويؤدي الى التوازن الثقافي والعادات والتقاليد وتراجع أو إكتساب بعض الأفكار والعادات والتقاليد سواء قبلنا أم أبينا فهي قادمة لا محالة.

لقد نسيت شعوبنا العربية ثورات وإنتفاضات شعبنا العراقي الذي سبق هذه الدول بسنوات من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل ومنذ الإنتفاضة الشعبانية البطلة التي راح ضحيتها في سنة 1992 أكثر من 300000 قتيل وأضعاف هذا العدد بين معوق ومفقود ولاجئ ومقابر جماعية من الشمال الى الجنوب لا لذنب إلا لشجاعتهم وعزمهم على إزالة نظام صدّام وجلاوزته من سلطتهم الديكتاتورية وتحكمهم بقررارات وموارد شعبهم من غير سائل ولا مسؤول وبإستهتار وإحتقار والنظرة الدونية الى هذا الشعب الأصيل وحتى وصل الحد أن يوماً قالها صدام على شاشات التلفزيون العراقية والعربية بإن الدستور ما هو إلا شخطة قلم من صدام حسين. إن تضحيات الشعب العراقي لا تتوقف ما بعد سنة 1991 وإنما زجهم بحروب خاسرة وغير عادلة منذ سنة 1980 ضد إيران لمدة ثمان سنوات راح ضحيتها أكثر من مليون قتيل من الطرفين ناهيك عن الجرحى والمفقودين وهدر موارد العراق النفطية والزراعية والصناعية تحت قيادة ما كان يسمى "بطل التحرير القومي" و "معركة قادسية صدام". وبعد أن تنفس العراق الصعداء نهاية هذه القادسية المدمرة الطاحنة والقاسية على شعبنا العراقي لم يكن صدام سعيدا من هذا فهل من المعقول أن يحكم من دون حروب وإسالة الدماء؟ مما أدى به الى ضرب شعبه من الأكراد الأحرار المظلومين بالقنابل الكيمياوية وتهجير وقتل الالاف وتهجير مئات الالاف بعوائلهم من دون ذنب ولا سبب إلا لأنهم غير عرب. وهذا ما عمله بأهل الوسط والجنوب من تدمير الأهوار وتجفيفها من أجل إقصائهم لا لشئ إلا لأنهم الأغلبية العربية الشيعية الرافضين لحكم الشر والإجرام والعنف وإرهاب السلطة وأدواتهم من بعثيين وحرس جمهوري وقوات الطوارئ والأمن السري والشرطة والجيش غير مكترث بإرادة الشعب ونضاله حينما قال " إذا قال صدام قال العراق".
لم يكن شر صدام على شعبه وجارته إيران فحسب إنما إلتفت إلى دولة عربية أصيلة صغيرة وهي الكويت ليتشفى بها يبحث عن نصر وبطولات سهلة مهما كان الثمن ومهما كانت الظروف وعلى حساب شعبنا الكويتي الذي كان يتطلع الى العراق بأنه الجدار العنيد لحفظ دولتهم ولم يتوقعوا يوماً بأن صدام سيغدر بهم ويسلبهم دولتهم وأموالهم وقتل وأسر ونهب وشرد من يقف أم لم يقف بوجهه حتى طرده من الكويت ، من قبل الدول الإئتلاف بقيادة أمريكا وهذا مما أدى الى إشعال فتيل الثورة العراقية سنق 1991 وتم إخمادها من قبل حرسه الجمهوري وحزبه المتسلط الوحيد من دون منازع وبقيادة إبن عمه علي حسن المجيد أو ما يسمى "علي كيمياوي" وحدث ما حدث من حصار جائر حتى سنة 2003 عندما أجبر من قبل دول الإئتلاف وبقيادة أمريكا وتم تحرير العراق من هذا الديكتاتور المتوحش وتأسيس دولة حديثة ديمقراطية تتظمن كل أطياف الشعب من عربه وأكراده وسنته وشيعته ومسيحيين وتركمان وغيرهم من حكم الشعب بالشعب وفرح الشعب ورفع شعارات الحرية والديمقراطية.

ولكن الغريب بالأمر لم يشاركه فرحته إخوانه وأشقائه العرب ولم يبارك له ثورته ونضاله وجهاده وتضحياته ولم تكن التلفزيونات العربية والفضائية ولا الكتاب وأشباه المثقفين يباركون هذا الحدث العظيم إنما بدأوا يحاربون هذا التغيير مما وصل بهم الأمر أن يسموا الإرهاب العربي والإسلامي جهاداً ومعارضة ويسمون قطع الرؤوس اليومي نضالاً بأموال وإسناد ومباركة عربية معروفة لإسقاط هذه التجربة الديمقراطية الوليدة حتى لايأتي الدور عليهم وتتوالى سقوط أصنامهم الواحدة تلو الأخرى حتى ما جاء اليوم الذي رأينا به هذا البطل القومي والزعيم الجبار يخرج من جحر من تحت الأرض مختبأً من أن يواجه شعبه وفي منطقته وأهله على يد الجيش الأمريكي ليكون عبرة لمن إعتبر لباقي الحكّام الذين يستهترون بإرادة شعوبهم ومستقبلها.

لقد كانت هذه الإذاعات والتلفزيونات والمنتفعين تبارك الإرهاب والتفجيرات اليومية بحق شعب أصيل بحضارته وصبره ونضاله الذي أدى الى قتل أكثر من نصف مليون عراقي على أيدي الإرهابيين ودورهم السلبي من أجل أن يعم الفساد وزعزعة الأمن وإنتهاز فرصة التغيير في عراق جريح. لم يبارك له أشقائه وإخوته العرب إنما كانوا له قنابل بشرية موقوتة يزرعونها في الشوارع والأسواق والجوامع والحسينيات والأماكن المقدسة والمدنية. لم يترحم على العراقيين الأشقاء ولم يتابعوا نضالهم وثوراتهم كما فعلوا مع الأشقاء في مصر وليبيا وتونس وسوريا واليمن والبحرين. ليس هذا فحسب إنما أصبح الأشقاء العرب يدربوا ويكافئوا ويدعموا الإرهاب بالمال والفتاوى الدينية والسلاح وإرسال مجموعاتهم لتحل بالفوضى في هذا البلد المظلوم والمناضل. لقد باركوا الجلاّد على الضحية وأبدلوا الباطل بالحق بل أطلقوا على شعبنا الضحية بأسماء وألقاب عديدة يوماً بالروافض وآخر بالمجوس والفرس والعملاء والخونة والصفويين وأدخلوا الغرباء وأسموهم بالمجاهدين وأسموا التفجيرات والقتل الجماعي من دون رحمة وإنسانية بالمعارضة.

لك منّا التحيات والتبريكات لنضالكم وتضحياتكم وصبركم يا شعب العراق البطل والصامد مرفوع الرأس على الذل والهوان والظلم والإجرام لكم منّا ألف تحيّة بكل إجلال وإحترام لهذا الشعب الصامد بعربه وأكراده وسنته وشيعته من شماله الى جنوبه على تحدياتكم وإسقاط مراهنات أعدائكم على أن تتفرقوا وتتقاتلوا وتمزقوا عراق سومر وبابل والكلدان واشور وعصر الإسلام الذهبي وعاصمة اخر الخلفاء الراشدين رغماً على المؤامرات والأحقاد وهنيئأً لكم ثورتكم وهنيئاً لكم ديمقراطيتكم الوليدة التي فتحت الطريق لشعوباً عربية من أجل الإنفتاح والتغيير وإسقاط أصنامهم بعد أن أسقطتم أول أصنامهم صدام ومجرميه وأقزامه. تحية إجلال لجميع شهدائك الأبرار تغمدتهم جنات الله وبركاته ولكم منّا السلام.

سيف عطية
Saif Ataya



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن