lموقف الجادرجي من قيادة ثورة 14 تموز

محمد ضياء عيسى العقابي

2011 / 7 / 16


كتب الدكتور فاضل الجلبي، قبل عدة سنوات، مقالاً عن موقف المرحوم الزعيم الديمقراطي الكبير كامل الجادرجي، مؤسس وزعيم الحزب الوطني الديمقراطي، من زعيم ثورة الرابع عشر من تموز / 1958 الشهيد عبد الكريم قاسم. أثار الموضوع الذي كتبه الدكتور الجلبي جدلاً لم أستطع في حينه، لظروف صحية، أن أدلي بما لدي من معلومة هامة حول الموضوع. في هذه السطور سأذكر المعلومة لأهميتها ولابأس من التعريج على ذكر نتائج زيارة قام بها للعراق بعيد إنقلاب 8 شباط الأسود نائبٌ بريطاني وإتصاله بسياسيين عراقيين ديمقراطيين.

بعد إنقلاب 8 شباط الأسود عام 1963 وما رافقته من أحداث فاشية دامية هزت العالم وأوربا بالخصوص، لعبت جمعية الطلبة العراقيين في المملكة المتحدة (مدعومة من التنظيم السري للحزب الشيوعي العراقي في بريطانيا) دورها في تشكيل "اللجنة البريطانية للدفاع عن الشعب العراقي". كان أنشط عضوين فيها هما رئيسها النائب العمالي (من الجناح اليساري) عن منطقة (مانجستر أكسجينج) السيد (ويل كريفثس) الذي قاتل مع الجيش البريطاني في العراق أثناء الحرب العالمية الثانية وأصبح مناصراً، في مجلس العموم، للطلبة العراقيين الذين تعرضوا للإضطهاد في العهد الملكي الطغموي بسبب نشاطهم في جمعية الطلبة العراقيين وبتهمة الشيوعية منذ بداية الثلث الأول من العقد الخامس من القرن الماضي؛ والكاتبة (أثيل مانين) البريطانية وإيرلندية الأصل والمعروفة بدفاعها عن القضية الفلسطينية.

تشكلت، أيضاً، "لجنة الدفاع عن الشعب العراقي" برآسة شاعر العرب الأكبر المرحوم محمد مهدي الجواهري وكان مقرها في براغ ولها فروع في عواصم العالم أينما تواجد عراقيون، وخاصة في أوربا. كنتُ رئيساً لفرع هذه اللجنة في بريطانيا.
(في الحقيقة، ونظراً لخطورة الأوضاع السياسية والإنسانية المأساوية في العراق، كرست اللجنة المسؤولة عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي في بريطانيا جل عملها لمواجهة الموقف ومحاولة تأجيج وتوجيه الضغوط العالمية على الإنقلابيين البعثيين للحد من إنتهاكاتهم لحقوق الإنسان. كان المرحوم هادي أحمد علي المرزا، مسؤول لجنة قيادة التنظيم، مشرفاً على/ وموجهاً لنشاط أعضاء قيادة التنظيم. وكنا أنا ووالرفيقان عدنان الجنابي {حالياً رئيس لجنة الطاقة والنفط في البرلمان العراقي} وطارق الهيمص {حالياً الخبير الإقتصادي في الأمم المتحدة} مسؤولين عن متابعة أعمال اللجنة العراقية للدفاع عن الشعب العراقي، والتنسيق مع اللجنة البريطانية ومع منظمة العفو الدولية (الآمنستي إنترناشنال) وحركة تحرير المستعمرات (إيم.سي.إيف.) وغيرها. أما الرفيق الشهيد خالد أحمد زكي فقد تركز نشاطه تقريباً مع "مؤسسة برتراند رسل للسلام" وأصبح عضواً في مكتب سكرتارية المؤسسة، قبل أن يلتحق في ألحركة المسلحة التي نشبت في أهوار العراق بتدبير القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ليستشهد هناك. وكان نشاط المرحوم يوسف رزين منصباً على جمعية الطلبة العراقيين. )

أفلحت جهود العراقيين في الضغط على الحكومة العراقية لقبول دخول سياسيين وحقوقيين بريطانيين إلى العراق للإطلاع على الأوضاع الإنسانية هناك. كان من بين من ذهب إلى العراق، النائب العمالي والقانوني الحامل للقب "مستشار الملكة" (كوينز تشانسلر) السيد (لزلي هيل) الذي أصدر تقريراً خطيراً قدَّر فيه عدد الموقوفين ب (144) ألف مواطن.

كما أفلحت الجهود في موافقة الحكومة العراقية على إستقبال النائب ويل كريفثس رئيس اللجنة البريطانية للدفاع عن الشعب العراقي. كنا، الجانب العراقي، قد زودنا السيد كريفثس بأسماء وعناوين أهم السياسيين والشخصيات العامة وعلى رأسهم: المرحومين كامل الجادرجي ومحمد حديد والدكتور عبد الجبار عبد الله والدكتور محمد سلمان حسن (كان على علاقة صداقة طيبة بكريفثس منذ أيام العهد الملكي وإضطهاد الطلبة) والمحامية الأستاذة نعيمة الوكيل وآخرين.
إجتمع السيدان كريفثس وكامل الجادرجي. أبلغ الجادرجي كريفثس بأنه لم يشأ أن ينخرط في العمل السياسي مع قادة الثورة العسكريين بقيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم إستناداً إلى تجربته الشخصية السلبية مع العسكر أيام الحكومة التي تشكلت في أعقاب إنقلاب اللواء بكر صدقي في منتصف ثلاثينات القرن المنصرم. وهو يرى أن على العسكر أن يعودوا إلى ثكناتهم بعد أن قاموا بالثورة مشكورين، ويتركوا الأمر للسياسيين.
هذا ما رواه لي شخصياً السيد كريفثس (في الحقيقة لا أذكر بالضبط إن كنت سوية مع الأخ عدنان الجنابي، على أغلب الظن إجتمعت منفرداً بالسيد كرفثس في إحدى القاعات العامة في مجلس العموم).
وكان الأمر الآخر الذي رواه كريفثس عن الجادرجي قوله: "إذا كانت الحكومة السابقة حكومة مجانين فحكومة الإنقلاب هي حكومة مجرمين"

لقد سجلتُ هذه المعلومات، والمعلومات التي ستلي، التي نقلها السيد كريفثس، في تقرير بعثتُ به إلى براغ حيث المقر العام للجنة الدفاع عن الشعب العراقي.

وما زلتُ قد أسهبتُ في الوصول إلى هذه المعلومة، فأجده نافعاً إستكمال بقية مشاهدات النائب السيد كريفثس في بغداد:
ذهبَ النائب إلى السجن الذي قبع فيه المرحوم محمد حديد. أول ملاحظة سجلها النائب هي ما سمعه من المرحوم حديد الذي أعلمه بأن إدارة السجن طلبت منه حلاقة ذقنه وإرتداء ملابس نظيفة وكفى. لم يُعلم بأن زائراً جاء لمقابلته أو السبب وراء طلبهم. إعتبر النائب كريفثس أن ذلك يمثل قمة القسوة واللاإنسانية. في النقاش السياسي، وصف المرحوم محمد حديد حدث الإنقلاب والإنقلابيين والنظام الذي أنتجه بأنه "أكثر نظام دموي إجرامي شهده العراق منذ هولاكو".
لقد أُعجب النائب كريفثس بالدكتور عبد الجبار عبد الله لأنه كان متابعاً للشؤون العلمية وهو في سجنه.
(تشكلت في ذلك الوقت لجنة برلمانية سبقتها لجان عديدة على مدار عدة سنوات لمراجعة النظام التعليمي في بريطانيا ووضع العلوم والبحوث العلمية ككل والعمل على إصلاحها في أعقاب صعود أول قمر صناعي أطلقه الإتحاد السوفييتي إلى الفضاء الخارجي وفي أعقاب الضجة التي أحدثها في المجتمعات الغربية في النصف الثاني من خمسينات القرن المنصرم. أصدرت تلك اللجنة تقريراً علنياً طًرح على الجمهور وعلى مجلس العموم لإتخاذ الإجراءات اللازمة).

قال السيد كريفثس إنه إستلم التقرير و لم يكن قد درسه بعد إستعداداً لمناقشته في مجلس العموم. غير أنه وجد الدكتور عبد الجبار يناقشه في محتواه لأنه كان قد حصل عليه ودرسه قبل الإنقلاب.
المؤسف والمخزي أن النائب علم من الدكتور عبد الجبار بأن إدارة السجن كانت تجبره وآخرين على حمل (تنكات) القاذورات إلى حيث تُرمى.

أعلم المسؤولون الإنقلابيون النائبَ بأن الدكتور محمد سلمان حسن موجود في داره. إستقل النائب سيارة أجرة كانت متوقفة قريباً من الفندق. إعتقد النائب أن سيارة الأجرة كانت مرتبة لتضليله، لأن التاكسي أخذه إلى منطقة المنصور وتوقف عند دار تظهر عليه إمارات الغنى. إستقبلته سيدة الدار وفهم منها أنه كان دار الدبلوماسي المعروف السيد محمد حسن سلمان. كانت ملاحظة النائب (الذي كان يملك مصنعاً للعوينات فكان حاله ميسوراً نوعاً ما، وكان داره يقع في منطقة (ريجموند) المصنفة من بين المناطق الغنية في أطراف لندن بإتجاه منطقة {سري} الأرستقراطية) بعد مشاهدته مستوى البناء والمواد المستوردة من إيطاليا في دار السيد محمد حسن إذ قال لي: "فهمتُ لماذا تحدث عندكم في العراق هذه الهزات السياسية العنيفة. إنه الفارق الطبقي الكبير بين الأغنياء والفقراء. أنا شخصياً لا أستطيع أن أملك داراً كالدار الذي رأيتًه رغم كوني نائباً وصاحب مصنع، فما بالك بالفقير العراقي!!".



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن