حقوق ألإنسان وسلطة الضبط الجنائي في القبض

ماجد احمد الزاملي
majidhady415@yahoo.com

2011 / 6 / 9

القبض من الاجراءات الخطيرة الماسة بحقوق الانسان وحريته الشخصية فالاصل في الانسان البراءة,وتمتعه بكامل حريته,وعدم جواز التعدي عليها,او انتهاكها,او تقييدها,الا في الحدود التي تقتضيها المصلحة العامة وحماية أمن المجتمع,وتحرص دساتير الدول الوطنية وقوانينها الداخلية على احاطتها بسياج متين من الضمانات والقيود,لتحقيق الموازنة بين حق الدولة في العقاب,وحق المتهم في التمتع بحرية وصولا الى تحقيق العدالة,وتحدد القوانين في كل دولة الضوابط اللازمة لتنظيم الحريات الشخصية,بما يكفل التنسيق بين حرية كل مواطن وحريات سائر المواطنين,فضلا عن وضع الضمانات الكفيلة باستعمالها على النحو الذي يحقق مصلحة المجتمع.(1) ونتناول في هذا المطلب :-
1-ماهية القبض
تعد الحرية الشخصية من اهم الحقوق التي يتمتع بها الانسان باعتبارها الشرط الرئيس لممارسة نشاطه وتعبيره عن ذاته,والحرية حالة اصيلة في كل انسان,ولايجوز المساس بها,طالما انه ملتزم بالضوابط التي تضعها الدساتير والانظمة,الا ان هذا لايمنع من ان تفرض احيانا بعض القيود على هذه الحرية,والمساس بها من اجل تحقيق مصلحة المجتمع,وقد يكون هذا المساس صورة سلب حرية الانسان,او تقييدها عن طريق القبض على مشتبه به في جريمة,وقامت تجاهه دلائل كافية على ترجيح اتهامه,ففي هذه الاحوال يعد المساس بالحرية مشروعا لاستناده الى القانون,واستهدافه مصلحة المجتمع ككل في مكافحة الاجرام .

اولا:تعريف القبض في قوانين وانظمة الاجراءات الجنائية العربية
لم تعرف معظم قوانين وانظمة الاجراءات الجنائية العربية(القبض)وتركت ذلك للفقه القانوني,وخرج عن ذلك قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي,حيث عرف القبض في المادة(48.,أصول محاكمات جزائية كويتي)بانه (ضبط الشخص واحضاره ولو جبرا امام المحكمة او المحقق بموجب امر صادر منه او بغير امر في الحالات التي ينص عليها القانون),كما عرفه قانون الاجراءات الجزائية الجزائري في المادة(119أجراءات جنائية جزائري)بانه (هو الامر الذي يصدر الى القوات العمومية بالبحث عن المتهم,وسوقه الى المؤسسة العقابية المنوه عنها في الامر,حيث يجري تسليمه او حبسه فيها )

ثانيا-تعريف القبض في الفقه القانوني
تعددت التعريفات الفقهية لمفهوم القبض,منها انه(سلب حرية شخص لمدة قصيرة,وذلك باحتجازه في المكان الذي يخصصه القانون لذلك)(2)او هو(حجز الشخص لفترة من الوقت لمنعه من الفرار تمهيدا لسماع اقواله بمعرفة الجهة المختصة)(3)
ويبرز هذا التعريف جانب الحرية او حجزها منعا من هرب المراد القبض عليه,وهو من اهم الاسباب الداعية للقبض,ويعرف القبض بانه (سلب الحرية الكامل للشخص,بمعنى الهيمنة المادية عليه,ولو دون امساك به مدة طالت ام قصرت,بقصد احضاره امام السلطة المختصة قانونا باصدار امر بحبسه او اخلاء سبيله)(4) ويشير هذا التعريف الى ان القبض لايستلزم حكما ملامسة الجسم,او الامساك باليد او الملابس,وانما يكفي اظهار القائم بالقبض ما يؤكد سلطته في القبض باستسلام وخضوع المقبوض عليه لارادته.
1-حسن محمد ربيع ,المؤلف -مرجع سابق- ,سلطة الشرطة في القبض على الاشخاص بدون أذن من جهة قضائية ومايشتبه به من إجراءات
2-محمود نجيب حسني –القبض على الاشخاص ,جامعة القاهرة ,مركز بحوث ودراسات مكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين ,ص15
3-محمد محي الدين عوض ,مباديء الإجراءات الجنائية في القانون المصري ,الطبعة 17 ,القاهرة ,دار الجيل للطباعة ,ص 15 .
4-محمد محي عوض –المرجع السابق


وعرف المؤتمر الدولي الخامس لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين بانه(اجراء من اجراءات التحقيق في الدعوى الجنائية,يتضمن اخذ شخص بالاكراه تحت الحراسة لفترة زمنية وجيزة,بسند من سلطة قانونية,بهدف احضاره امام السلطة المختصة ,لتأمر باستمرار وضعه تحت الحراسة,او اطلاق سراحه).(1)
وتشترك هذه التعريفات في ان القبض ينصب على الحرية الشخصية للانسان في التنقل ,سواء كان سلبا كاملا لها ام تقييدا لها,وفترة هذا التقييد غير محددة,الا انه يفترض ان تكون قصيرة باعتباره اجراء احتياطي تتطلبه اجراءات التحقيق,للوقوف على مدى مسؤولية الشخص المشتبه به الذي قامت حوله دلائل كافية على اتهامه بارتكاب جريمة,يكون الهدف منه تأمين مثول هذا الشخص امام السلطة المختصة بالتحقيق لإتستجوبه,فاذا وجدت ما يؤيد اتهامه امرت بتوقيفه بموجب مذكرة توقيف(حبس احتياطي)واما ان تثبت براءته مما يدور حوله من اتهام فتطلق سراحه.

ثالثا-خصائص القبض
تشير التعريفات السابقة الى الخصائص التي تميز القبض عن غيره من الاجراءات الاخرى,فالقبض اجراء من اجراءات التحقيق اصلا ينطوي على تقييد للحرية بالاكراه,واللجوء للقوة اذا استلزم ذلك,ولايكون الا لفترة مؤقتة تنتهي بوصول المقبوض عليه الى يد القضاء.
الاصل ان يصدر امر القبض عن السلطة المختصة بالتحقيق كونها هي القادرة على تقدير توافر الاسباب الداعية لاصدار هذا الامر,وضوابطه القانونية,تحت رقابة محكمة الموضوع.(2) ويجوز لرجل الضبط الجنائي(القضائي)في احوال التلبس ان يأمر بالقبض على المتهم بما له من سلطة مستمدة من القانون مباشرة,ومنحه سلطة تقديرية في ذلك ليتخذ قراره فيما سيطلب من الجهات المختصة امرا بالقبض على احد الاشخاص,بناءا على الاسباب الموجبة والمقنعة لاصدار مثل هذا الامر, أو يمارس من تلقاء ذاته القبض على المتهم المحضر بناءا على توافر المعايير القانونية لديه لمباشرة هذا الاجراء,وتكون هذه المعايير مقنعة عمليا وقا نونية لمباشرة القبض على المتهم الحاضر,او اصدار امر بضبطه واحضار المتهم الغائب.(3)ويدخل هذا الخيار في الاستثناء الوارد على الاصل,حيث يقوم رجل الضبط الجنائي بتقدير وقوع الجريمة,ومدى صلة المتهم بها,وتوافر الحدود القانونية لتقرير القيام بالقبض عليه,عندما يضع قرارا لذاته,وينفذه بنفسه او بواسطة احد اعوانه.(4)
2-القبض تقييد لحرية المشتبه به بالاكراه :
ينطوي القبض على سلب حرية الشخص المقبوض عليه في الحركة والتجوال,وحرمانه من حقه في التنقل كيفما يشاء,ويصبح خاضعا لارادة الشخص الذي قبض عليه,فلايعتد بارادة المقبوض عليه,ولايجوز له مقاومة . -القائم بالقبض احتراما لحكم القانون.(5)حيث تجيز القوانين للقائمين بالقبض اللجوء الى استخدام القوة والاكراه بالقدر اللازم لتنفيذ القبض القانوني,اذا حاول المشتبه به المقاومة او الهرب . .
وتجدر الاشارة الى ان استخدام الاكراه ليس شرطا لوجود القبض,فقد لايتطلب القبض اكثر من افهام الشخص به ومصاحبته للقائم بالقبض طوعا,بينما يستلزم في احيان اخرى الامساك بجسده واقتياده عنوة.(6)فقد يستجيب الشخص المراد القبض عليه ويرافق القائم بالقبض الى المكان المخصص لوضعه فيه,سواء بالموافقة الصريحة,او بالايماء,او التجاوب,دون ابداء تذمر او مقاومة ولا عبر ة لمدة سلب الحرية,فقد تتحقق اغراض القبض خلال فترة وجيزة من الزمن.(7)
1-الاختصاص القضائي لمأمور الضبط (رسالة دكتوراة ) محمد عودة الجبور ,بيروت ,1986 –الدار العربية للموسوعات ,ص 299 1-القبض اجراء من اجراءات التحقيق 2-الجبور,المرجع السابق, ص 299 ,وانظر كذلك,محمد عياد الحلبي(د.ت)اختصاص رجال الضبط القضائي,الطبعة2 ,الكويت,ذات السلاسل,ص210
3-سلطات مأمور الضبط القضائي بين الفعالية وضمان الحريات والحقوق الفردية,عادل ابراهيم صفا,2001,القاهرة,المؤلف,مطبعة النسر 4-سلطات مأمور الضبط القضائي بين الفعالية وضمان الحريات والحقوق الفردية,عادل ابراهيم صفا,2001,القاهرة,المؤلف,مطبعة النسر الذهبي ص 205-206
5-الجبور ,مرجع ,ص 300- 301 6-حسن محمد ربيع-مرجع سابق,ص134
7-الاجراءات الجنائية,احمد زكي ابو عامر,1984,القاهرة,دار المطبوعات الجامعية.ص225

-القائم بالقبض احتراما لحكم القانون.حيث تجيز القوانين للقائمين بالقبض اللجوء الى استخدام القوة والاكراه بالقدر اللازم لتنفيذ القبض القانوني,اذا حاول المشتبه به المقاومة او الهرب .
وقد حاول الفقه الجنائي التمييز بين القبض الذي يتم دون استخدام القوة,والقبض عن طريق استخدامها,حيث وصف الوضع في الحالة الاولى,بانه قبض صوري, وفي الثانية انه قبض حقيقي,الا ان هذا التقسيم واجه نقدا ورفضا عنيفا,فاما ان يكون هنالك قبض او لايكون.(1)
3-القبض اجراء مؤقت
القبض على المشتبه به من الاجراءات اللازمة لمنعه من الهرب او العبث بالادلة ,تمهيدا لاتخاذ بعض الاجراءات في مواجهته,الا ان مخالفته لقاعدة الاصل في الانسان البراءة ,تحتم ان يكون اجراءا مؤقتا يستمر لفترة قصيرة,لحين عرض المقبوض عليه على السلطة المختصة بالتحقيق لتنظر في امر توقيفه احتياطيا او اخلاء سبيله.(2)

























1-محمود نجيب حسني –القبض على الاشخاص ,جامعة القاهرة ,مركز بحوث ودراسات مكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين ,ص15
2-محمد محي الدين عوض ,مباديء الإجراءات الجنائية في القانون المصري ,الطبعة 17 ,القاهرة ,دار الجيل للطباعة ,ص 15 .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن