خواطر ثورية (11): أزمة شعب

ابراهيم القبطي
mideast_spirit@yahoo.com

2011 / 6 / 8

ما يحدث الآن في مصر هو ما ظل يحدث عبر عقود وعقود ، نوع من الإلهاء السياسي المحترف بقيادة المجلس العسكري ، يتم فيه دفع الشعب المصري عامة والأقليات خصوصا إلى نوع من التتويه والتعمية في الحوداث الصغيرة لكي يتم ابتلاع الحوادث الكبيرة ، فطوال الأشهر الماضية خرجنا من دوامة كامليا شحاتة زوجة الكاهن التي أعلن السلفيون إسلامها رغما عنها ، إلى مشكلة "عبير" الفتاة القبطية التي خانت زوجها مع مسلم ، وتسببت في إشعال أحداث كنيسة إمبابة ، ثم مؤخرا المذيعة مريم عبده من قناة CTV التي حاول بعض الهمج الاعتداء عليها أثناء تسجيلها لبرنامج تليفزيوني ، كلها قضايا أشخاص تم تضخيمها لتصبح أمرا عاما يناقشه الشعب المصري كله ، وينسون الانتخابات التشريعية القادمة .
وفي الفترة القليلة الماضية تم تنظيم نوع من الضربات المتعاقبة على الأقباط كأقلية مصرية هامة قد تؤثر على مسار الإنتخابات القادمة ، فتنقلّنا من حرق كنيسة صول بأطفيح إلى حرق كنائس المعادي ، ثم الهجوم على أقباط المقطم بالأسلحة النارية ، ثم حرق الكنيسة القبطية في إمبابة . والمتوقع أن البقية من حوداث الإعتداء ستأتي ولن تتوقف إلا عندما تتم الإنتخابات اتشريعية بنهاية مستحبة للإخوان والسلفيين وبمباركة القيادة العسكرية.
هل كل هذه الأحداث الطائفية يمكن أن تؤثر على مستقبل مصر ؟ لا ليس بالقدر الكافي ، إلا أن تشتعل حربا أهلية ، وهذا ليس مطروحا في الوقت الحالي . اما الانتخابات القادمة لمجلسي الشعب والشورى هي الحدث الأعظم الذي سوف يحدد مصير مصر في القرن الواحد والعشرين ، فهذه النتخابات هي التي سوف تحدد أعضاء البرلمان المنتخب الذي سوف يضع الدستور ، وسوف يحدد الدستور انتخاب الرئيس القادم ، وبهذا سوف يحدد مجلس الشعب القادم المستقبل المصري كله ، أما دولة عصرية أو دولة طاليبانية تعود بالبلاد إلى عصور الجهالة والتخلف العربي في القرن السابع .
وفي الوقت الذي يتم فيه إلهاء الشعب المصري عموما والأقباط خصوصا بتضخيم أحداث الأفراد والإلهاء عن الأساسيات ، بدأنا نسمع عن ظهور بوادر تحالف سياسي بين الأخوان والجماعات السلفية ، من أجل تحقيق أكبر مكاسب في الانتخابات التشريعية القادمة ، حيث كتب عادل حمودة رئيس تحرير جريدة الفجر مقالا في 2يونيو بعنوان " اجتماعات سرية للإخوان والسلفيين في الإسكندرية والمنصورة لتوزيع غنائم مجلس الشعب" ، وأوضح فيه أن القسمة جاءت كالآتي : الإخوان 60% والسلفيون 25% وباقي القوي السياسية من ال"كفار" 15%
وتزامنت هذه الإجتماعات مع تصريحات القيادات البارزة للأخوان مثل صبحي صالح (1) الذي قال فيها موجها كلامه للعلمانيين والقوى الليبرالية "أنتم ما لكمش أرضية فى الشارع.. وافتكروا وانتوا بتطالبوا بتأجيل الانتخابات إننا هنشتغل أكثر فى الشارع.. إحنا جايين جايين وقاعدين قاعدين".
ترى ما مصدر هذه الثقة التي تمنح الإخوان والسلفيون حق تقسيم الكعكة الإنتخابية قبل الانتخابات الفعلية ؟
وما مصدر هذا الاختيال المبالغ فيه على القوى العلمانية والليبرالية والأقليات ؟
المصدر للأسف هو الأغلبية الصامتة الجاهلة سياسيا ، والتي تم تربيتها على التعصب والكراهية ، الأغلبية التي تعلمت عبر وسائل الإعلام المصري الموجه في عصر الرئيس المخلوع . هذا الإعلام الذي حقنهم عقليا بالمسلسلات الخائبة ومباريات كرة القدم ، والبرامج الدينية المتخلفة ، وزرع داخلهم كره مبالغ تجاه الآخر الغير مسلم ، وتعامل معهم بالوصاية ، فحرمهم من التفكير في السياسة وفي حقوقهم ، وفي أسباب تخلفهم الإقتصادي. وهذا الإعلام هو الذي احترف إلهاءهم دائما في توافه الأمور وفي حوادث الأفراد والهوامش ، لا احداث السرقة والنهب والفساد السياسي والديني.
هذه الغالبية المغيبة من الشعب المصري هي التي تعطي الثقة للإخوان والسلفيين في نصر ساحق في الانتخابات المصرية القادمة ، فهؤلاء هم وقود الحركات الإسلامية الذي لا ينضب ، يكفي أن تكفّر أمامهم العلماني والديمقراطي والليبرالي ، لكي تضمن الانتصار الساحق. ولكي يتم مسح هذا التأثير ، لن يكفي عاما أو عامين أو خمس أعوام ...
فماذا ستفعل الأحزاب العلمانية والليبرالية في مواجهة شعب لا يعرف طعم الحرية ، ولا يريد أن يعرفه ؟(2)
أملهم الوحيد في التحالف مع الأقليات والفئات التي سوف تتضرر من وصول الإخوان والسلفيين لمقاعد البرلمان :
أقليات مثل الأقباط والبهائيون والشيعة والأمازيغ والنوبيون والبدو المستفيدين من السياحة واموالها .
وفئات مثل العاملون بالسياحة والبنوك والقطاع الخدمي مثل قطاعات الاتصلات والفن والأثار ....
كل هؤلاء لابد أن يروا ويفهموا أن حكم الإخوان والسلفيين سوف يحكم بالكفر على الفنون ، وبعبادة الأوثان على قطاع الأثار ، وبالفسوق على العاملين في السياحة والخدمات المصرفية .
بل على الأحزاب العلمانية توصيل رسالة إلى كل موظف أو فلاح فقير أن وصول الإسلام المتطرف إلى التشريع هو الخطوة الأساسية في تطبيق شريعة إسلامية بحدود الرجم والجلد و قطع الأيادي والتعزير ، ولن تنجو مصر من عاقبتها ، وما نراه من عزل دولي لحركة حماس في فلسطين ، وللنظام السوداني ، ليس إلا مثال مصغر لما يمكن أن يحدث في مصر . هذا العزل الدولي سوف يحقق مزيدا من العزل الأفريقي وبالتالي عن دول منابع النيل ، مما سوف يزيد من صعوبة حل أزمة المياة الحالية . فماذا سيفعل الفلاح عندما تقل حصته في المياة اللازمة للزراعة (2) ، هل سيكتفي بصلوات الاستخارة وجلب المطر ، والحج إلى البيت الحرام ؟
من المؤسف أن يكون نعش مصر القادم صناعة محلية ، وان يحكم الجهل الشعبي المتفشي على مستقبل مصر بالهلاك ، لأن العسكر زرعوا التخلف والجهل والتعصب الديني بين ربوعه بالإعلام الموجه ، لو وصلت الأغلبية الإخوانوسلفية إلى البرلمان ، وقتها ستفقد الأقليات أي أمل في المساواة والمواطنة ، ووقتها يمكن أن نبشر بحرب أهلية لا نعرف ماذا ستكون توابعها أو نهايتها ، ولكنها ستكون نهاية مصر كما نعرفها ، هذا هو التاريخ ، كما قال المؤرخ الشهير ويل ديورانت :" الحضارة العظيمة لا يمكن ان تنهزم من الخارج إلا بعد أن تدمر نفسها من الداخل" (3)
----------
الهوامش
(1) المقال
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=417588
(2) الشعب المصري هو الشعب الوحيد في العالم الذي قام بمظاهرة في 28 مارس 1954 تنادي بسقوط الحرية والديموقراطية والأحزاب ، حدث هذا تحت سيطرة الجيش وإنقلاب العسكر
(3) في حركة جريئة لها إرهاصات سياسية ، أعلن البابا شنودة عن زيارة وفد قبطي رفيع إلى أثيوبيا لمحاولة حل مشكلة المياة بين مصر وأثيوبيا ، وهذه في عرف السياسة رسالة ضمنية بأهمية الأقباط في تحسين العلاقات الخارجية المصرية .
(4) "A great civilization is not conquered from without until it has destroyed itself from within." W. Durant



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن