المخيمات الصيفية في فلسطين

صلاح عبد العاطي

2004 / 11 / 6

في بداية كل عام جديد تتظافر الجهود في العديد من المؤسسات والهيئات الفلسطينية الأهلية والحكومية والدولية من أجل إقامة مخيمات صيفية للأطفال والفتيان والشباب وتكتسب المخيمات الصيفية أهمية بالغة كونها تأتي في مرحلة الإجازة الصيفية بعد عام دراسي طويل ومنهك تحتاج فيه الفئات المذكورة الى الترفيه واللعب والاستمتاع والاستفادة واستثمار مكتسباتهم من التعلم الرسمي في ظل أجواء تتيح لهم الفرصة للتعبير عن ذاتهم والمشاركة النشطة التي تعزز لديهم المسئولية والديمقراطية ، فالمخيمات الصيفية تشكل محطة لاستقبال عدد كبير من الأطفال والفتيان والشباب خاصة في ظل النقص في عدد المؤسسات والأماكن الترفيهية والاجتماعية والتربوية والثقافية .
يوجد في فلسطين نوعان من برامج المخيمات الصيفية المقدمة للأطفال والفتيان والشباب الأول يختص بمخيمات الأنشطة الصيفية بغير مبيت هو النوع الذي كان سائد قبل فترة الانتفاضة والذي توقف خلال سنواتها الأولى ليعود إلى الساحة بمبادرة من المنظمات الأهلية منذ عام 91 وتتم ممارسة الأنشطة في هذا النوع من المخيمات خلال النهار وعادة ما بين الساعة 8 الى الساعة 2 وبعضها يبقى مفتوحا حتى الرابعة أو السادسة بعد الظهر ويقيم هذه المخيمات المنظمات المعنية بالمجال التربوي الاجتماعي أو وكالة الغوث في أماكن تابعة لهذه المنظمات في رياض الأطفال أو مراكز الشباب والمدارس.
النوع الآخر هي المخيمات الصيفية مع مبيت والتي تشكل نموذج قليل في داخل فلسطين الذي تقوم بها بعض الجهات الأهلية والدولية.
بعد وصول السلطة الفلسطينية بدأت الوزارات وخاصة وزارة الشباب والرياضة والتربية والتعليم والتوجيه الوطني، والمنظمات الأهلية والاتحادات الشبابية بتطوير أنشطة صيفية موجهة للأطفال والشباب وبدأنا نشهد منذ ذلك الحين ظهور بوادر لحركات مجموعات كشفية ذات طابع وطني أو تربوي نشاطي بشكل عام وحتى ديني في بعض الأحيان.
ويستقبل كل مخيم من المخيمات الصيفية بنوعيها في العادة ما بين 100 إلى 200 مستفيد وتستمر لمدة أسبوعين أو ثلاثة أو أربع أسابيع ويساهم بعض المستفيدين في البرامج مالياً بشكل رمزي.

المخيمات الصيفية بواقعها النظري :
يجب على المخيمات الصيفية أن تخدم الأهداف التربوية أن تساهم في عملية التنشئة الاجتماعية وليس فقط أهداف إجرائية تعمل على توفير أنشطة من أجل الأنشطة وقضاء وقت الفراغ وإشغال فقط فترة الصيف.
إن فترة إجازة الصيف للأطفال والفتيان والشباب هي فترة توقف هامة تشهد انقطاعا من وتيرة النظام الدراسي ولكنها أيضاً نفس الفترة التي يقوم بها الأطفال والشباب لتحضير أنفسهم للدخول إلى عام دراسي تالي الذي يعتبر مرحلة جديدة في حياتهم الدراسية والاجتماعية، فيما يخص بعض الأطفال والفتيان والشباب الذين فشلوا في إتمام العام السابق أو مروا بخبرات صادمة خلاله وهي مواقف صعبة تحتاج إلى مساعدة لتجاوزها فإن هذه الفترة لازمة للمرور بسلام لكي يتمكنوا من الاستعداد لدخول العام الجديد بروح إيجابية.
الصيف أيضاً هو تلك الفترة التي يمتلك فيها هذه الفئات وقت فراغ كبير ينظر إليه البعض وخاصة الجهاز التعليمي إلى أن هذا الوقت يذهب سدى وهباء وخاصة أنه في نهايته تأتي البداية الصعبة للعام الدراسي الذي يجب على التلميذ أن يدخل من جديد في نظام تعليم صارم عليه التقييد بجدوله، هذا صحيح في حالة بقاء المشارك في حالة إجازة خلال الصيف لذا عند استغلال الصيف بوتيرته الخاصة لبث الرغبة لدي الأطفال والفتيان والشباب للتعلم واستثمار المكتسبات من التعليم الرسمي يمكن أن يعود بالفائدة على المشارك والتعليم في فلسطين، لذا يجب أن تتم هذه المخيمات بشكل مغاير عن النظام الدراسي فهناك ضرورة لتمكين المشاركين في هذه المخيمات من الاكتشاف والتجربة والتعلم النشط في وقت يعيشه على انه متعة وترفيه هو هنا لتلبية احتياجات الأطفال والشباب النفسية والاجتماعية واحترام حقوقه.
ولا يمكن لذلك أن يتم إلا إذا توفر مشروع تربوي للمخيمات يعده فريق تربوي مختص معد أصلاً لذلك وفق معايير، لمن المخيم الصيفي، ولماذا، وكيف يتم العمل فيه، وما هي الاستعدادات لتوفير إجازة نوعية تلبي احتياجات المشاركين فيها وتخدم الأهداف المتعلقة بتنمية مهارات وقدرات المشاركين من الأطفال والشباب وممارسة حياة الجماعة وتعزيز الحوار بين أبناء المجتمع الواحد أو حتى الأحياء في داخل المجتمع مع الأخذ بعين الاعتبار طلبات المجتمع، والدور الذي يمكن أن يقوموا به من اجل خدمة قضايا مجتمعية.
• إن الأطفال والشباب في المجتمع الفلسطيني يشكلوا ما نسبته 65% وهم محور العملية التربوية والتعليمية التي تستهدف تنشئتهم اجتماعياً ويمكن لهذه الفئات أن يكونوا عنصر تقدم وترقية اجتماعية فمواطنة هؤلاء لابد أن تمر بالضرورة عبر إعطاء الاعتبار والاعتراف بهم كعناصر فاعلة مشكلة للمجتمع وكنتيجة لذلك تبرز مواطنتهم عبر فعلهم اتجاه المجتمع وتأثيرهم بقضاياه.
• في الظروف الراهنة التي يتعرض فيها شعبنا ومجتمعنا بكافة فئاته لإنتهاكات قمعية من قبل الاحتلال الاسرائيلي والتي بدورها أدت إلى زيادة الخبرات الصادمة والمؤلمة لدى الإنسان الفلسطيني نتاج الاغلاق الشامل والحصار والقصف والقتل وأعمال الترويع، هذا أضافه إلى تأثر قطاعات الخدمة الاجتماعية والثقافية التربوية جراء الأحداث الراهنة و الذي بدوره يفرض اهمية كبيرة للمخيمات الصيفية هذا العام والأعوام المقبلة للرد على احتياجات الأطفال النفسية والاجتماعية كون الاطفال والفتيان أكثر الفئات تضرراً

تجربة التدريب المخيمات الصيفية :
يجب علي التدريب ان يرتكز على مبادئ حقوق الانسان ، التي تركز على مشروع تربية يبلور تبعاً لاحتياجات الأطفال والفتيان والشباب وتنبع من فلسفة واستراتيجية التدريب والعمل بالطرق الفاعلة لتسخير كل الامكانيات لإعداد وتدريب العاملين في المخيمات الصيفية ليكونوا أهلاً للعمل فيها مع أطفال وشباب فلسطين.
يتم هذا على أربع مراحل.
المرحلة الأولى : مرحلة التدريب الأولية للمدراء والمنشطين :
بحيث يتم تنظيم دورات تدريب للمدراء والمنشطين من اسبوع الي10 أيام تناول مساق الطفل واحتياجاته وحقوقه وطرق العمل معه وكل ما يختص بفهم العمل مع الأطفال ومساق الإدارة الذي يشمل التخطيط والتنظيم والتقييم والمتابعة للمخيمات الصيفية، ومساق التربية الذي يركز على مبادئها وأهدافها وأهداف المخيم الصيفي ودور المدير والمنشط التربوي ودور المشاركين في الأنشطة والاتصال التربوي والاجتماعات التربوية .. إلخ.
مساق الانشطة والتنشيط التعبيري التشكيلي والمسرحي واللعبي والأدبي، الأنشطة ومشاريع الأنشطة ومشاريع التنشيط، أدوات للعمل مع المشاركين، في نهاية التدريب يقوم المتدربين بإعداد مشاريع تربوية وخطة أنشطة لكل مخيم صيفي تتناول قضايا الأطفال وإشكاليتها وقضايا المجتمع الفلسطيني.
المرحلة الثانية: مرحلة تنفيذ المخيمات الصيفية خلال الصيف والمتابعة التربوية من طرف فريق التدريب وتشمل ثلاثة أيام تحضير مع المدراء والمنشطين العاملين في المخيمات في موقع المخيم وتنفيذ خطة المخيم من 15 يوم إلى شهر ويوم تقييم للمخيم الصيفي المنفذ إلى جانب ضرورة المتابعة الجدية للمخيم من قبل القائمين عليها.
المرحلة الثالثة : مرحلة التقييم وإعداد التقارير عن المخيمات الصيفية.

مع التأكيد على أن المخيمات الصيفية المنفذة لابد أن تقوم من وجهة نظرنا على مبدأ أن الإنسان يتعلم من خلال الترفيه والمتعة في جو من الاحترام والثقة المتبادلة عبر انشطة ترويحية تربوية تعبيرية إرشادية ونحن على قناعة بان ذلك لن يحدث إلا إذا غير القائمين على المخيمات الصيفية من نظرتهم للطفل والفتيان والشباب ولدورهم في العمل معهم هذا هو احد أهداف برنامج المخيمات الصيفية الرئيسية
المخيمات الصيفية المنفذة في فلسطين:
من الملاحظ أن هناك أنواع من المخيمات الصيفية لكنها في الأغلب تتميز بالتالي :
1. أغلبها ينظم وبشكل تقليدي نشاطي للأطفال والشباب وإن كانت هي النقطة الأولى التي أشير إليها كونها باعتقادي تشكل خطر كبير على الأطفال نظراً للأساليب التقليدية التي تستخدم معهم داخلها مع كونها لا تنسجم ولا تتطابق مع أية رؤية تربوية.
2. يختلط مفاهيم الكثير من المخيمات مع مفهوم المدرسة الجامعة فنجد أنشطتها وفعالياتها تعليمية مدرسية بحتة كان المشاركين لم يذهبوا إلى المدرسة وكان العاملين في المخيمات أقدر من المدرسين على تعليم المشاركين هذا النوع لا يختلف عن المدرسة إلا في الشكل والإسم فقط.
3. أهداف المخيمات الصيفية المنفذة كما سمعناها من طرف العديد من المتدربين الذين عملوا في مخيمات صيفية سابقة هي إما اهداف سلوكية بحتة مثل تعزيز روح التنافس والإنضباط أو انها غير واضحة وغير قابلة للقياس ولا تشير أغلبها إلى أهمية المخيم للمشاركين أو لنموهم الذاتي والاجتماعي مثل خلق جيل من الأطفال والشباب قادر على تحمل زمام المبادرة..إلخ، او لشغل وقت فراغ المشاركين فيها.
4. النقطة الرابعة هي المتمثلة بالعاملين فيها، فنلاحظ أنهم من المتطوعين الذين تنقصهم خبرات العمل التربوي مع الأطفال والشباب وتنقصهم مهارات تنفيذ الأنشطة مع المشاركين بالتالي فهم سيتجهوا إلى أمرين الأول إما فرض أنفسهم على المشاركين بالقوة أو أنهم سيتركوا المشاركين ولا يهتموا بهم.

ختاماً إذا ما أردنا أن تكون محاولتنا فاعلة وايجابية في استثمار وتنمية الأنشطة والفعاليات الصيفية يتطلب ذلك منا أن نقيم باستمرار فعلنا وأن نستفيد من تجاربنا ونتجاوز أخطائنا والإعداد للمستقبل بشكل أفضل وهذا يستدعي تكريس الجهد لتنظيم العمل الاجتماعي التربوي الثقافي في فلسطين مع الأطفال والفتيان والشباب بشكل عام ومع التركيز بشكل خاص على العناصر والأطراف الفاعلة فيه وذلك من خلال توفير سياسة اجتماعية وثقافية وتربوية تخص هذا العمل مع الأطفال والشباب خاصة خلال الاجازة الصيفية وفق معايير محددة وواضحة توفر الإطار للعمل وتحدد فيها المنهجية وإطار مهني ينظم عمل المنشطين ويعمل على تجديد وتطوير وتعزيز آليات التدريب المهني المتخصص لإعداد الكوادر والمتطوعين والفاعلين لمساعدتهم على فهم دورهم وتحمل مسؤولياتهم.
ويستدعي ذلك تنظيم جهة تقترح أطر وأنظمة تراعي المحاور السابقة توافق وتصادق على الدورات وتعتمد المخيمات الصيفية حسب هذه الأطر والقوانين بشرط أن تكون صالحة للكل تضع معاير وطنية وتشرف عليها وليس كما هو حادث اليوم من تخبط وغياب في المعايير وعدم الصلاحية لان بعض الجهات الرسمية والاهلية تتاخد من هذا الامر محطات للاستفادة وتكوين العلاقات الشخصية علي حساب العمل العام.
علينا جميعاً بالسعي الجاد من اجل إيجاد مخيمات صيفية تشكل أماكن للإرشاد النفسي والاجتماعي للأطفال تساهم في تقليل حدة الأضرار الناجمة عن الخبرات الصادمة التي تعرض لها الأطفال جراء ممارسات الاحتلال الإسرائيلي القمعية، مخيمات تقوم على الاحترام الكامل للأطفال والفتيان والشباب وتقوم في المقام الأول على ممارسات تطبيقية تؤمن حياة المشاركة والفريق تستهدف تخفيف حدة الخبرات الصادمة لدى ابناء شعبنا خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا.

معاً وسوياً نحو مخيمات وأنشطة صيفية تقوم على احترام حقوق الأطفال والشباب واحتياجات نموهم النفسية والاجتماعية وفق عمل عقلاني واعي تربوي تنموي يؤسس للتغيير الذي نريد.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن