هل تغيرت مصر فعلا؟

مجدى خليل
magdi.khalil@hotmail.com

2011 / 6 / 1

قضيت مؤخرا ثلاثة أسابيع فى القاهرة بعد غيبة دامت أكثر من ثلاثة سنوات. والحكاية ببساطة أننى أفتتحت منتدى الشرق الأوسط للحريات بالقاهرة فى نوفمبر 2007 بمؤتمر حاشد جمع أهم الشخصيات الفكرية والبحثية والأكاديمية فى مصر، وكان عنوان المؤتمر " إلى أين تتجه مصر" . قدم المشاركون وقتها أكثر من ثلاثين بحثا رصينا تتعلق بكافة المناحى الرئيسية لمستقبل البلد، من النظام السياسى إلى الدولة المدنية ومن المرأة إلى الأقباط ومن التعليم إلى التيارات الدينية ومن الإعلام إلى المواطنة ومن العلاقة مع الغرب إلى العلاقة مع إسرائيل، وجاءت الأبحاث فى مجملها متشائمة متطلعة إلى نهاية عهد مبارك الذى نزل بالدولة إلى الحضيض فى جميع المجالات. مكثت بعدها عدة شهور لترتيب أوضاع المنتدى ومرافقا لزوجتى حيث أنها لم تكن قد حصلت على أوراق الإقامة فى أمريكا بعد. طوال هذه المدة لم أتلقى اى اتصالات رسمية سوى فقط من الأجهزة الأمنية المتعددة، قدموا لى خلالها اسهابا مطولا عبر التليفونات يتلخص فى مجمله فى سياسة " العصا والجزرة" المعروفة والتى يتبعونها مع من هم فى مثل حالتى ونشاطى، وهى السياسة التى أفسدت مصر كلها وليس المجتمع المدنى فقط وجعلت معظم الناس تلهث لإرضاء هذه الأجهزة اللعينة ، ولأننى أحمل الجنسية الأمريكية واعيش فى واشنطن فكان كلامهم معى مهذبا ولم تكن العصا ثقيلة وأنما تلخصت فى رسالة مضمونها واضح: تتعاون معنا تاكل ملبن، مش هتتعاون معنا لن يحصل منتدى الشرق الأوسط على اية أموال لمشاريع بحثية وحقوقية حتى من أمريكا التى تحمل جنسيتها وتعيش فيها، ولم يخجل محدثى وهو رئيس قسم الأقباط بأحد هذه الأجهزة الأمنية الهامة من أن يسرد لى أسماء شخصيات قبطية من الداخل والخارج تعاونت معهم وتحولوا إلى نجوم تليفزيون ومليونيرات بشكل غامض لا يعرف احد مصدره، ولأننى غاوى فقر واعتبر أن العمل الحقوقى رسالة وليس مهنة فقد حسمت الموضوع تماما معه، أنا مستقل ولا أقبل التعاون كباحث مع المباحث ، وارفض حتى مجرد المقابلة الشخصية حتى ولو كانت النتيجة هى غلق المركز فى القاهرة، ولن اطيل أو ادعى البطولة كما يسهب الكثيرون بعد سقوط الحكم، فقد أستمر المركز بعدها يعمل بوتيرة ابطأ وبمواردنا الذاتية المحدودة حتى كتابة هذه السطور.
عدت إلى واشنطن بقرار داخلى بأننى لن ارجع إلى القاهرة مرة أخرى إلا بعد سقوط نظام مبارك... وهذا ما حدث. وقد كنت متأكدا من سقوط حكم مبارك أما بالموت أو بالإنقلاب عليه وخاصة إذا اتخذ خطوة جادة نحو توريث أبنه للحكم، وكنت اتوقع أن عام 2011 سيكون عاما حاسما بالنسبة لنهاية هذا النظام خاصة عند الأنتخابات الرئاسية فى نهاية العام، ولكن ثورة 25 يناير فاجأت الجميع وعجلت بالميعاد وقدمت صورة مبهرة للعالم بشكل خرج عن توقعات الجميع، ولكن المؤسف فى القصة كلها أن الثورة أسقطت مبارك وعائلته وبعض أفراد شلته ولكنها لم تسقط النظام ومؤسساته بالمعنى السياسى للكلمة. عندما عدت إلى القاهرة كانت آمالى وآحلامى أن أرى بنية النظام وقد تهاوت أمام هدير الثورة وصيحات الجماهير المليونية الحاشدة، ولكنى ويا للأسف أكتشفت أن قشرة رقيقة جدا قد سقطت من نظام مبارك ونظام يوليو 52 وبقى عمق النظام قائما كما هو لم يتغير، أى أن زيد ذهب وجاء عمرو ولا جديد تحت الشمس. لقد تم فتح رأس الدمل يوم 25 يناير، وكان المأمول تنظيف الصديد المتراكم على مدى عقود طويلة ولكن للأسف هذا لم يحدث، كل العفن مازال موجودا، والأجهزة التى تحكم البلد حتى الآن تريد إغلاق الجرح على هذا الصديد المتراكم لأن دورها يتقلص فى ظل بلد ديموقراطى نظيف وينتعش كلما زاد الصديد والعفن.
هناك خمسة ملفات رئيسية شكلت البنية السياسية لنظام مبارك ورسمت العقود الثلاثة من عهده وهى:
اولا:دولة الاستبداد والطغيان
ثانيا: دولة الفساد الفردى والمؤسسى وشرعنة النهب الأقتصادى
ثالثا:دولة الفتن الطائفية والإعتداءت المتكررة الممنهجة على الأقباط
رابعا:الدولة الأمنية البوليسية المخابراتية
خامسا : دولة الإعلام الموجه والمتردى والذى يشكل جزءا مكملا للمنظومة الأمنية
فهل تغير شيئا فى هذه الملفات الرئيسية الخمسة؟.
الحديث عن هذه الملفات الخمسة يحتاج إلى اسهاب مطول سوف نتناوله فى مقالات مفصلة عن كل محور على حده، ولكن الأجابة المختصرة هى أن الوضع غير مبشر، بعض هذه الملفات تغير قشريا وبقى العمق كما هو،والبعض الآخر لم يتغير وربما ازداد سوءا.
ويبقى الامل والتفاؤل حاضرا ، ومرجعه أن الثورة مازالت فى موجتها الأولى، وأن ميدان التحرير مازال قائما ومازال نشطا، وأن الأقباط نفضوا الكسل وخرجوا من الكنائس إلى الميادين العامة وبات ماسبيرو رمزا مكملا لميدان التحرير، والأهم من هذا كله نفض المصريون الخوف وعرفوا حكمة التاريخ التى تقول أن الفرد وحده لا يستطيع مواجهة الطغيان ودولة الأمن، ولكن عندما تتحد الشعوب تسقط بالتبعية دولة الرعب، لأنها قائمة على زرع الخوف فى النفوس وبث الرعب فى القلوب، وفى نفس الوقت هى فى حالة رعب من الجماهير لأنها تشارك فى الفساد وتحرسه وتعمقه، وتعلم أن الشعوب عندما تزمجر وتغضب تذوب البوبات الحديدية من حرارة زئيرها، وتنهدم الأسوار أمام قوة اندفاعها، وتتكسر النصال أمام قوة عزيمتها.
مصر فى مفترق الطرق... والآمل فى النهاية معقود على قوة الجماهير وحراستها لثورتها حتى تكتمل.
خير الكلام
هيلا هيلا يا مطر أغسلى باقى الشجر الحلم مثل الورد يكبر و الهلال يصبح قمر
هيلا هيلا يا مطر



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن