معركة الدولار من العراق إلى كوبا و تداعي الإمبرطورية

ثائر دوري

2004 / 10 / 31

في تشرين الثاني ،2000 بدأ العراق يبيع نفطه مقابل الاورو ، و كان هذا أول خرق للقاعدة التي ترسخت بعد الحرب العالمية الثانية و تنص على استخدام الدولار كعملة في التجارة الدولية . و لأول وهلة بدا هذا القرار غير مفهوم و فسر على أنه خطوة تحد سياسية لا أكثر . لكن مع مرور الوقت و التدقيق في دلالات هذه الخطوة ما لبث المحللون الاقتصاديون و الإستراتيجيون أن اكتشفوا آثارها الخطيرة .
ثبت أن لهذه الخطوة فوائد اقتصادية جمة بالنسبة للعراق فقد استمر الدولار في هبوطه و استمر الاورو في الصعود ففي عام 2001 خسر الدولار ربع قيمته أمام الأورو . كما شجعت الخطوة العراقية بهذا الاتجاه عدد من الدول المترددة على تنويع سلة عملاتها . فأقدمت إيران على تحويل معظم احتياطياتها في البنك المركزي إلى الأورو وألمحت إلى اعتماده لمبيعاتها النفطية كافة. وفي السابع من كانون الأول 2002 تخلت كوريا الشمالية العضو الثالث في "محور الشر" رسمياً عن الدولار وبدأت استعمال الاورو في التجارة. أما فنزويلا شافيز ، التي ليست عضواً في محور الشر لكنها تتعرض إلى ضغط أمريكي كبير للانقلاب على حكومتها الوطنية و هي أيضاً منتج نفطي كبير . فبدأت تفكر بالانتقال إلى الاورو. و هذا ما دعا منظمة أوبك في اجتماعها في اسبانيا في الرابع عشر من نيسان 2002 لتعرب عن اهتمامها في التخلي عن الدولار لمصلحة الاورو.
ماذا يعني قرار التخلي عن الدولار كعملة للتجارة العالمية ؟
إن الولايات المتحدة باعتبارها الوكيل الحصري الوحيد لطبع هذه العملة تقوم بطبع هذه العملة حسب احتياجاتها و بدون رصيد كاف لتغطيتها . و بالتالي فإنه في حال تخلي الدول عن طلب الدولار سيحدث إغراق للسوق به و يقدر الخبراء انه سيفقد 40% من قيمته في حال أقدمت الأوبك ، فقط ، على تسعير النفط بالأورو . و بالتالي ستزداد قيمة المستوردات الأمريكية بشكل كبير و سيزداد عجز الميزان التجاري . فالطلب على الدولار هو الذي يمول العجز . فأمريكا تمول جيوشها و امبرطوريتها و نمط استهلاكها المرتفع من دولار لا رصيد له على الأرض سوى طلب الآخرين عليه باعتباره عملة التجارة الدولية .
و كانت هذه الخطوة العراقية سببا أساسياً من جملة الأسباب أخرى للعدوان الأمريكي على العراق . لقد كانت ضربة أريد لها أن تكون قاسية ، ساحقة ، ماحقة لجعل العراق عبرة لمن يعتبر و بحيث لا يفكر أحد ، لا حاضرا و لا مستقبلا ، بسلوك الطريق العراقي . لكن البذور التي بذرها العراق تأبى إلا أن تنبت في هذا العالم رغم كل محاولات السحق ، و هذا الكلام ليس شعراً ، بل هو واقعي تماماً . فها هي كوبا تسير على الطريق العراق فتقرر اليوم 26/10 منع تداول الدولار و توقف كل تعامل به و تدعو رعاياها في الخارج إلى عدم تحويل العملة إلى كوبا بالدولار .
إذا الفكرة لم تمت . لكن قد يقول قائل إن كوبا صغيرة و لا تؤثر على اقتصاد الولايات المتحدة . نعم هذا صحيح لكن قطرة الماء الصغيرة تستطيع مع الزمن بالصبر و التكرار حفر مجرى لها في الصخر الجلمود . و كل حركات التغيير تبدأ ببذرة هنا و أخرى هناك . قطرة هنا و أخرى هناك سرعان ما تجتمع لتصبح سيلاً هادراً .
لقد صار واضحاً للعيان أن تضحيات العراقيين المحاصرين ، الذين كانوا يتعرضون للقصف و التآمر لمدة ثلاثة عشر عاماً متواصلة ، لم تذهب سدى و أن البذرة التي بذروها لم تمت فهاهي تنش هناك على حدود الولايات المتحدة .
لقد خط العراق طريق البشرية إلى الفجر و لم يكتفي بذلك إنما اليوم يقوم بتعبيد هذه الطريق بفضل مقاومته الباسلة التي مرغت أنف الوحش الأمريكي في الوحل . و إن تضحياته خلال الحصار و اليوم قد بدأت تزهر ربيعاً للبشرية



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن