التعليم والتربية الديموقراطية

ايمن عبد العزيز البيلى

2011 / 5 / 12


فلسفة التربية هي قبل كل شيء فلسفة الانسان، وبهذا الشرط وحده تستطيع ان تؤدي التربية رسالتها. وهي العمل على تنظيم الكائن الانساني ووحدته وتأليفه تاليفاً جديداً ومستمراً، وحمايته قبل كل شيء من القوى المختلفة التي تتنازعه في اتجاهات متباينة، ووقايتة من مخاطر تشتت فكره وانحلال ارادته، وبقول موجز طبعه بطابع الوعي بأن تمنحه الاستقلال الذي تتوقف عليه سيطرته على ذاته، وبالتالي على الأشياء،




، ان كلمة التربية Education مشتقة من كلمتين هما: (E=out of وduco=I Lead) اي انها مشتقة من الفعل اللاتيني (استخراج)، بناء على هذا التعريف نقول: إن التربية الفعلية، والاخلاقية، والبدنية والديمقراطية ليست إلا ايقاظاً للوعي الباطني، والفضائل وسائر القوى الكامنة في النفس، وإخراج ما هو موجود بكل قوة الى حيز الوجود الفعلي. والتربية في اللغة العربية مأخوذة من رب ولده، والصبي يربه (رباه) اي احسن القيام عليه حتى ادرك، وفي الحديث (لك نعمة تربيها) أي تحفظها وتراعيها كما يربي الرجل ولده، وفي حديث ابن ذي يزن (أسد تربّب في الغيضات اشبالاً) اي تربى، وهو أبلغ منه، وترب الذي فيه، وترببه وأرتبه، ورباه على تحويل التضعيف، وترباه على تحويل التضعيف ايضاً أحسن القيام عليه، ووليه حتى يفارق الطفولة كان ابنه او لم يكن، والتربيه حسب التعبير الافلاطوني (إعطاء الجسم والروح كل ما يمكن من الجمال، وكل ما يمكن من الكمال) ولعل اوثق تعريف ما ادلى به (جون ديوي)، من انها عملية تكيف ما بين الفرد والبيئة، يقول (التربية هي صوغ وتكوين لفعالية الافراد، ثم صبها في قوالب معينة اي تحويلها الى عمل اجتماعي مقبول من الجماعة).



والديمقراطية طبقاً للاشتقاق اللغوي (سلطة الشعب) انها النظام الذي يجعل السلطة بيد مجموع افراد الأمة، دون اعتبار فوارق الجاه، أوالغنى، او غير ذلك.



الديمقراطية، على هذا، نظام عام يفسح المجال لكل الامكانيات امام كل شخص، انها النظام الذي يخولنا (بصفتنا أشخاصاً). الوسائل الناجعة لكي نحيا (في وعينا وفي سلوكنا) القيم العليا المشتركة، فليست الديمقراطية، اذن، غاية في ذاتها، بل هي ممر للتعالي: (الانتقال من فرد منغلق على ذاته، الى شخص يتفتح باستمرار نحو جميع امتداداته المادية والمعنوية والفكرية.



الديمقراطية بالمنظور النفسي رغبة واكثر من رغبة، إنها الأمنية العميقة التي بدون ارضائها لا يحس المرء بالثقة والأمن، فالإطمئنان اساس السعادة، لأنه ينبع من الضمانة على حصانة حريات الشخص وحقوقه، مع المساواة في الواجبات بين جميع الاشخاص، ان كل المفاهيم النبيلة، من عدالة، وصداقة، وأخوة، وحرية لا تلتصق بالواقع اذا هي لم تنطلق من الاطمئنان، فالديمقراطية رغبة ملحة اصيلة، وامل صميمي عملي، فبترابط الديمقراطية بالاطمئنان تتجذر الديمقراطية في وجداني فتصبح، إذن، واقعاً أحياه، كتجربة شخصية، لا مجرد مفاهيم تفرض علي من الخارج، ويحميها دستور موروث. فالديمقراطية نظام قابل للمناقشة والإصلاح، والحكومة الديمقراطية حكومة تمثيلية غير محتكرة للسلطة التي هي ملك للجميع، وتخضع للنقد الفردي والجماعي، ووجود (الاطمئنان) يفترض ان القوانين التي تبنى عليها اسس الحكم تضمن حرية الاجتماع، وحرية النقد لمراقبة المسؤولين، دونما خوف من اي ضغط خارجي او تعسف هكذا يشعر كل واحد انه يسهم في ذلك بكيفية غير مباشرة لكنها عملية في تسيير شؤون الدولة، والديمقراطية بالمنظور الاجتماعي هى تفاعل مستمر بين الشخص والآخرين، فاذا انبعثت الانظمة الدستورية من وجداننا، وعملت على تقنين تواصلات الاشخاص، دون امتياز، كانت ديمقراطية صحيحة، تتيح للفرد الحريات الضرورية لتكوينه الذاتي، على اختلاف الابعاد، وفي كل المجالات، اذن. التربية الديمقراطية (هي التنشئة الاجتماعية التي يصبح فيها الفرد واعياً ومستجيباً للمتغيرات الحضارية التي تتطلب منه تعديلاً لسلوكه بما يتوافق مع حرية الآخرين واكتساباً لأنماط جديدة من السلوك، تجعله فرداً فاعلاً ومنتجاً في المجتمع يمارس دوره كإنسان متحضر لا يخضع للتعصب الدينى او التطرف الطائفي، بل كأنسان حر واع).



والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف نرسخ مفاهيم الديمقراطية في السلوك الأنساني. ضمن المؤسسة التعليمية؟



يقول المفكر (ت.س أليوت): (تستطيع المدارس ان تنقل الى تلاميذها جزءاً من الثقافة فحسب، ولا يكون هذا النقل مثمراً الا اذا كانت العوامل الخارجية في انسجام تام معها، ولا نقصد بتلك العوامل الخارجية مجرد الأسرة والبيئة بل عوامل اخرى كالعمل، واللعب، والصحافة، والمشاهد العامة، والاستعراضات، ووسائل التسلية والرياضة).



الحقيقة ان المشكلة الحقيقية التي تجابه ترسيخ المفاهيم الديمقراطية في المؤسسة التربوية.التعليمية هي الاداء البيروقراطي للادارة التعليمية ابتداءاً من (المركز) وانتهاءاً با(الفروع) هذا من ناحية ومن ناحية اخرى. انعدام الكفاءة والخبرة في قيادة المؤسسة التربوية (الاختصاص)، فضلاً عن إختزال المهنية بالتسيس. وهذا ما يحول دون التحول الديمقراطي في المؤسسة التعليمية هذا ما يتعلق بالادارة التعليمية، اما بالنسبة للعقل التدريسي المتمثل (بالمعلم) فيفتقر الى مقومات الرؤية والاداء في تنفيذ المنهج وتحقيق الاهداف التربوية بسبب غياب المؤسسة الحقيقية التي تتوفر فيها وسائل اعداده. فضلاً عن غياب المنهج الديناميكي الذي يؤهله لاداء دوره التربوي، ناهيك عن إنغلاق فضاءات الابداع والتطور في اروقة المؤسسة التربوية وانحسار حركة التغيير في الشكل لا في الجوهر وهذا ما يجعل الممارسة الديمقراطية في المؤسسة التربوية تكاد تكون مشلولة او شبه مشلولة.



يرى بياجيه ان الهدف الاول للتربية والتعليم هو تخريج رجال قادرين على انتاج اشياء جديدة وليس اعادة ما انتجته الأجيال السابقة، أي تخريج رجال مبادرين، مبتكرين، ومستكشفين. اما الهدف الثاني للتربية في رأي بياجيه فهو تربية العقول الناقدة التي تستطيع ان تبحث في الاشياء وتحاكمها محاكمات عقلية ولا تقبل كل ما يقدم اليها دون بحث وتمحيص.



اذن لكي نستطيع ان نحقق اهداف التربية الديمقراطية يجب ان يكون الماسك بزمام السلطة في المؤسسة التربوية ديمقراطياً، يقبل النقد، ويصغي للآخرين في مؤسسته ولا يمارس عليهم سادية سلطته، ويكون انموذجاً، يقتدى به في الفرعيات في السلوك الديمقراطي، والامر الآخر اصلاح الكوادر التعليمية من خلال ما يلي:-



1- رفع مستواهم المعيشي ومعالجة الازمات التي تحول دون ارتقاء مستوى اداءهم التعليمي.



2- احترام الكفاءات من التدريسيين. وتحفيزهم على الابداع، وضمان حقوقهم.



3- اعادة النظر بفلسفة الاعداد شكلاً ومضموناً. رؤية وممارسة. وان يكون القائمون عليه من ذوي الخبرة والاختصاص.



4- الاستفادة من التجارب العالمية في ميدان التربية الديمقراطية.



5- اصلاح المناهج بما يتلاءم وروح العصر.



6- اعادة اعمار المدارس وتوفير التقنيات التي تساعد على ممارسة الانشطة اللاصفية لا الإقتصار على النظريات او الافكار المجردة.



7- تدريس مادة حقوق الانسان في المدارسء

القضاء على

8- التطرف والتمييز في المؤسسة التربوية على جميع الاصعدة.ا



9- ترسيخ مبدأ (المواطنة) والتركيز على الهوية الوطنية.



10- عدم تسييس التعليم، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب.



11- فتح دورات مستمرة للمعلمين لاستيعاب مفاهيم الديمقراطية.



12- ان يكون لمنظمات المجتمع المدني دور بارز في اصلاح التعليم.



13- ان يكون للمثقف دور بارز في بناء المناهج واصلاحها.



.



14- ان يكون لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة دور فاعل في تغطية العملية التربوية، وتشخيص الجوانب السلبية فيها، وتقويم مسارها.



15- توفير فرص التعلم لكل افراد المجتمع (مبدأ تكافؤ الفرص) والغاء القيود امام التعليم المستمر.



16- ان يكون لممثلي الشعب في المجالس التشريعية الدور البارز في الاصلاح التربوي عن طريق تعديل البنية التشريعية لتوفر الممارسة الديموقراطية داخل المؤسسة التعلينية وكذا متابعة التطبيق.

محاور ئيسية للتربية الديموقراطية

1- ديمقراطية التعلم: بمعنى ان يتم بناء النظام التعليمي وتنظيم مدخلاته وعملياته وممارساته، بما يحقق تكافؤ الفرص للمتعلم. ويؤدي الى تنمية شخصيته لأقصى ما تؤهله اليه قدراته واستعداداته وميوله، من دون ان يقف وضعه الاجتماعي والاقتصادي حائلاً امام الالتحاق بالتعليم والارتقاء في السلم التعليمي.



2- الديمقراطية في التعليم:- بمعنى ادارة النظام التعليمي وتنظيمه وهيكلته في المستويات الادارية والتنظيمية المختلفة، المدرسية منها والاشرافية والمحلية والمركزية باسلوب ديمقراطي يضمن المشاركة المؤسسية والتفاعل والتعاون مع جميع الفئات ذات العلاقة بالعملية التربوية داخل النظام التعليمي وخارجه.



3- تعليم الديمقراطية:- بمعنى تزويد المتعلم بالمفاهيم والمعلومات والمهارات والقيم والاتجاهات الخاصة بالديمقراطية، عن طريق معرفة التشريعات والمؤسسات والهياكل والممارسات الديمقراطية والنماذج العالمية ذا ت العلاقة، بهدف حصوله على تربية تساعده في المستقبل على ممارسة الحياة الديمقراطية والاسهام في بناء المجتمع الديمقراطي

لادارة الديمقراطية في التعليم 4



تقوم الادارة الديموقراطية على عدة اسس:

1) تنمية شخصية التلميذ والمدرس والمحافظة عليها , فتهتم المدرسة بالمبادئ الذاتية لتلاميذها ومدرسيها بطريقة سليمة

والمدرسة التي تؤمن الإدارة الديمقراطية لا تسعى فقط الى التعرف على الفروق الفردية بين تلاميذها في الميول والقدرات والحاجات , بل وتتخذ تفريد التعليم شهارا لها .

والمدرسون يخضعون الى أهداف ووسائل بدون أنها تحقق هذه الاهداف ولا تفرض عليها سلسلة من التعليمات كما في الادارة الاوتوقراطية التي تنظر للمدرسين على أنهم آله تسيّره هذه التعليمات والقرارات .

2) تنسيق الجهود بين العاملين في المدرسة

إن هذا اللون من التنظيم الجماعي التعاوني تؤمن به المدرسة الديموقراطية وأن جميع العاملين في المدرسة يعملون كمجموعة متعاونة ومتناسقة ولايعملون كإفراد , وان عمل المدرسة يجب أن يكون متكاملا ومتناسقا , وإن كل عضو من أعضاء الهيئة التدريسية يجد ويعمل لايجاد الوسائل الكفيلة والفعالة للتعاون مع زملائة الآخرين ولتنسيق عمله مع البرنامج العام للمدرسة.





3) المشاركة في تحديد السياسات والبرامج المدرسية

تؤون الادارة الديموقراطية باشراك التلاميذ والمدرسين في وضع محددات البرامج والسياسات التي تسير عليها المدرسة , فيشترك المعلم ومدير المدرسة بالقيام بالواجبات والمسؤوليات الإدارية بدلا من الانفراد بالعمل , فلكل عامل في المدرسة حق المشاركة في وضع السياسات الهامة للمدرسة وتنفيذها .

4) تكافؤ السلطة مع المسؤولية

فالمدير يفوّض المدرسين بالقيام بالواجبات والمسؤوليات في المدرسة ويمنحهم السلطات التي تتكافأ مع هذه الواجبات وتسهل عملهم وتضمن نجاحهم





واخيرا فان المرحلة التى يمر بها الوطن تتطلب انجاز ثورته ووضع الاسس التربوية الؤسسة ديموقراطيا وللمعلم المصرى العظيم دور اساسى فى مرحلة البناء الديموقراطى داخل مؤسسته التعليمية وهذا هو دورنا التريخى كبناة وطن

ايمن عبد العزيزالبيلى

وكيل نقابة المعلمين المستقلة ............. مصر



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن