الإخوان والسياسة

جمال البنا

2011 / 5 / 6

(٢ - ٢)
فى الجزء الاول عرضنا لوجهة نظر المرشد العام المؤسس للإخوان المسلمين عن السياسة وموقف الإخوان منها، وأنهم «وطنيون وليسوا سياسيين ولا حزبيين»، وفى ١٩ فبراير سنة ١٩٧٦ كتب الأستاذ فتحى رضوان مقالاً فى الجمهورية تحت عنوان «قبل أن يغتالوا حسن البنا» كشف عن بعض مشاعر الإمام البنا إزاء النشاط السياسى، فبعـد أن أشار إلى أن الإخوان ساهمت فى الشؤون السياسية بقــدر كبير، وازدادت رغبة غير قليل من زعمائها الشبان فى أن تواصل هذه المساهمة وتزيد منها، قال: «وكانت هذه الرغبة تؤرق الأستاذ المرشد على ما بدا لى لأنه كان يرى هذه المساهمة فرضاً وطنياً على الجماعة يجب أن تؤديه،

ولكنه كان يرى فى الوقت نفسه أن هذه المساهمة بصورتها التى فرضتها الأحداث من جهة، ورغبة عدد من زعماء الإخوان من جهة أخرى قد تحجب الأصل الذى قامت عليه الإخوان وهو كونها جماعة دعوة وإرشاد وتهذيب للنفوس ورد الناس إلى دينهم، واستلهامه فى شؤون دنياهم وآخرتهم ولا يغير من الأمر أن يكون الإسلام ديناً ودولة وسيفاً ومصحفاً، فرسالة جماعة الإخوان المسلمين الأولى هى تقويم الجانب الدينى من حياة المصريين أولاً والمسلمين عامة ثانياً، باعتبار هذا التقويم مدخلاً مباشرًا لتقدم حياة المصريين والمسلمين فى جميع دروب وفروع الحياة، والاستغراق فى العمل السياسى، وما يجره من معارك، لا شك صارف الجماعة، ولو إلى حين عن كفاحها الذى نصبت نفسها له أولاً،

لهذا كله قال الأستاذ حسن البنا إنه فكر طويلاً ليخرج من هذا المأزق الذى أوصلت إليه مجريات الأمور الجماعة، فرأى أن أفضل الحلول هو أن يرفع عن شـُـعب الإخوان المسلمين فى كل مكان اسم الجماعة ويضع عليه اسم الحزب الوطنى، وأن يخير الإخوان بين أن يبقوا فى الجماعة للنشاط الدينى البحت، أو أن ينقلوا نشاطهم إلى الحزب الوطنى، قال ضاحكاً: فيبقى معى الدراويش أما الذين لهم طموح سياسى، ولهم قدرة على تحقيقه ورغبة فى مكابدته فالحزب الوطنى خير ميدان لهم، أطمئن عليهم فيه، وأطمئن أنا إليه، فلم تبد علىَّ الدهشة لسماع هذا الكلام، فقد عرفت منه مرارًا حسن ظنه بالحزب الوطنى، ولطالما سمعته يثنى على جهاد مصطفى كامل ومحمد فريد ويترحم عليهما.

رحمه الله رحمة واسعة، ونفع الناس بدمائه التى سفكت، وبروحه التى أزهقت، وبكل ما قال من أجل خير دينه ووطنه.. انتهى.

وكتب الدكتور توفيق الشاوى وهو من رجالات الرعيل الأول للإخوان وممن ظفر بتقدير قانونى فى كل دوائر القضاء، أنه كتب إلى الأستاذ البنا فى عام ١٩٤٧ مذكرة بعنوان «الإخوان المسلمون فرقة إسلامية وليست حزبًا سياسيًا»، وأن المرشد وافق عليها وأمر بطبعها وتوزيعها على المسؤولين، وأنه سافر بعد ذلك إلى فرنسا وتطورت الأمور، وفى الفترة الحرجة لعلاقة الإخوان بحركة عبدالناصر رأى أنه من المناسب أن يذكر الإخوان بالنقاط الأساسية منها، فقال:

١- ليس من مصلحة الإسلام الذى ندعو إليه ونعمل له أن توضع دعوة الإخوان فى قالب حزبى مهما يكن شعار هذا الحزب أو برنامجه لأن القوالب الحزبية تخضع للقواعد التى تفرضها قوانين وضعية غير مستقرة ومعرضة للتغيير من حين لآخر حسب اتجاهات الحكومات القائمة والدول الوطنية أو القومية الحالية، كما أنها مختلفة فى كل قطر عما هى عليه فى الأقطار الأخرى، فى حين أن الدعوة عالمية.

٢- إن النشاط الحزبى يمكن أن يمارسه الإخوان كأفراد من خلال الأحزاب المعترف بها فى كل بلد، وفى كل وقت، والتى تتعرض للاختلاف والإلغاء والتغيير.. فى حين أن دعوة الإخوان فى نظرنا مستمرة ودائمة وعامة لا يجوز تجزئتها أو تغييرها بحسب اختلاف البلاد أو الأزمان.

٣- الزعم بأن تشكيل حزب للإخوان يعطيها صفة قانونية (شرعية وضعية) هو وهم باطل، لأن ترزية القوانين الوضعية يفرضون على الأحزاب شروطاً (من حيث إجراءات التأسيس وشروط العضوية والبرنامج.. إلخ) تجعل الصفة القانونية والنشاط القانونى للحزب مقيدًا بقيود لا وجود لها فى الإسلام، ولا يجوز لحركة إسلامية أن تدخل فى إطارها، لأنها تخالف مبدأ عموم الإسلام وشموله.

٤- إن النشاط الحزبى فى كثير من البلاد يستلزم استعمال بعض الوسائل والأساليب التى تتعارض مع نقاء المبادئ الإسلامية سواء من حيث عقد تحالفات وقتية وتكتيكية ومرحلية (دون وجود نية صادقة فى الاستمرار)، أو من حيث وجوب تفادى خصومات معينة فى وقت معين بقصد عدم الدخول فى معارك مع جهات معادية فى وقت غير مناسب، بل ومن حيث الحصول على المال للإنفاق على الحملات الانتخابية أو الإعلامية.

٥- إن الإخوان منذ نشأتهم دأبوا على التشهير بالحزبية والتحذير من مضارها سواء فى حالة تعدد الأحزاب الذى يهدد وحدة الأمة، أو فى حالة الحزب الواحد الذى يمارس الديكتاتورية الشمولية باسم «الديمقراطية».

٦- إن الإخوان كحركة مستقلة عن الأحزاب يمكنها متابعة جهودها فى مقاومة التطرف الحزبى ومنع انحراف الأحزاب نحو التعصب والتحزب الممقوت، أو نحو الديكتاتورية الشمولية، أو نحو الأساليب الأخلاقية للكيد لمنافسيهم وتجريحهم والدعاية الكاذبة، أو تقديسهم وتمجيدهم دون حق، أما دخول الجماعة فى المعترك الحزبى فإنه يعرضها لهذه الانتقادات ذاتها بالحق أو بالباطل.

٧- إن الإخوان الذين يشتركون كأفراد فى حزب من الأحزاب القائمة يمكنهم أن يخدموا أهداف الجماعة بصورة أكبر إذا ركزوا جهودهم على فرض مبادئ معينة فى برنامج الحزب الذى يساهمون فيه، مثل هدف «تطبيق الشريعة» أو «الوحدة الإسلامية» أو «العدالة الاجتماعية».. إلخ، ومن حق الجماعة أن تحاسبهم على ذلك وتسألهم عنه دون تدخل فى شؤون الحزب أو سياسته.

٨- إن فكرة تأسيس حزب إسلامى فكرة جوهرية ويجب متابعة العمل بها، بشرط أن تكون باسم فريق من أعضاء الجماعة بصفتهم الشخصية لا باسم الجماعة ولا بديلاً عنها.


٩- إن صدور حكم بإلغـاء قرار حـل «الجماعة» لا يجوز أن نقبل تصوره على أن الجماعة أصبحت حزبًا يطبق قانون الأحزاب من حيث العضوية والبرنامج وإجراءات التأسيس.


١٠- إن إنشاء حزب إسلامى لن يتحقق الآن لأن هناك جهات أجنبية تصر على عدم دخول الإسلام فى المجال السياسى.. ولكن هذا لا يعنى توقف الضغط القانونى والسياسى من أجل هذا الهدف الممنوع.. لأن التسليم بهذه القيود التى يتضمنها قانون الأحزاب يعنى التسليم بالفصل بين الإسلام والسياسة، كما يعنى الإقرار بأن القوى الأجنبية لها حق التدخل فى شؤوننا السياسية أو القانونية أو الإسلامية.


لكن يجب أن يكون واضحًا عند الجميع أن الحزب المطلوب، أو المطالب به، ليس هو جماعة الإخوان بل سيكون حزبًا له ذاتيته كغيره من الإجراءات وبالتالى لا يفرض على الإخوان الانتماء إليه ولا يمنعهم من الانتماء لغيره إن رأوا فى ذلك مصلحة.


١١- إن تجريح قانون الأحزاب الحالى والطعن فيه بعدم دستوريته أو تعطيل بعض نصوصه يجب أن نستمر فيه على الأسس التى أفاض فيها الزملاء الباحثون ولا نستطيع أن نضيف لها شيئاً ذا بال، مع علمنا إن نتيجته ستكون صدور قانون آخر لا أمل فى أن يكون أفضل من هذا القانون إلا إذا تغير النظام وأقيم النظام الإسلامى الأصيل على أساس أن «الإسلام هو الحل».


١٢- الواجب الآن أن نرسم خطتنا للعمل بعد صدور الحكم (سواء صدر بإلغاء قرار الحل أو بتأييده)، وذلك على أساس أن جماعتنا هى حركة إسلامية لا يجوز للقوانين الوضعية أن تفرض عليها نظام الأحزاب ولا قوانين الجمعيات لأنها دعوة إسلامية، وليست حزبًا ولا جمعية.


من هذين المقالين نستطيع أن نقطع أن رأى المرشد المؤسس، ورأى الإخوان الثقات من الإخوان فى وقت الإمام البنا، كان هو الرفض القاطع لتحويل الإخوان إلى حزب، ولكن يمكن لمن يشاء من الإخوان أن يؤسس حزبًا شرط أن يستقيل من الجماعة بحيث يكون الحزب «إسلاميًا» وليس «إخوانيًا»، كما يمكن السماح لبعض الأعضاء بالترشيح، على أن يكون ذلك بصفة شخصية لا باسم الجماعة.


ورأيى الشخصى.. هو أنه لم يجد من الدواعى ما يدعو إلى مخالفة المبادئ السابقة، وأن تكوين حزب يتحدث باسم الإخوان يعرض الإخوان لمآزق عديدة قدر ما يكون على حساب الرسالة الأصيلة للدعوة فى تكوين الأفراد.


جاء فى جريدة «الشروق» (٢٩/٤/٢٠١١) أن الأستاذ صبحى صالح قال فى مناظرته مع الأستاذ عمرو حمزاوى: إذا أرادوا فصل الدين عن الدولة فلابد من إلغاء ٦٠٠ آية من القرآن الكريم، فكيف يحدث هذا إذا كان القرآن لم يذكر كلمة «دولة» بالمعنى السياسى ولا مرة واحدة، وإنما ذكر كلمة «دُولة» بضم الدال «بمعنى تداول الثروة».


gamal_albanna@islamiccall.org

gamal_albanna@yahoo.com

www.islamiccall.org

gamal-albanna.blogspot.com



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن