قل ولا تقل.. أبناء لادن وليس بن لادن

جعفر المظفر
jafaralmudhafar@yahoo.com

2011 / 5 / 2

نعم بن لادن مجرم ومتخلف وسايكوباث أيضا, وهو قد تسبب بأضرار كبيرة للبشرية جمعاء وليس للولايات المتحدة الأمريكية أو البعض من دول الغرب التي تفجرت بعض مقاهيها وحافلات ركابها أو أنفاق قطاراتها.
من الشرق العربي إلى مغربه, ومن باكستان إلى الهند, كان بن لادن وقاعدته رمزا لإجرام تناول الجميع, أطفالا وشيوخا ونساء ورجالا, كهولا وصبايا, وهو لم يفرق بين مسلم ومسيحي أو سني وشيعي, فإن تركز إجرامه على دين أكثر من آخر, أو على طائفة أكثر من طائفة, فليس ذلك دليلا على حبه لدين وكراهيته لآخر, ولا على ولائه لطائفة وحقده على أخرى, وإنما لأنه كان خرفا ومنحرفا ومجنونا وحاقدا على الجميع.
لسنا ننكر أن بن لادن لم يأتي لنا من فراغ ولا سقط علينا كنيزك, نعم هناك في القرآن وفي السنة آياتا وأحاديث كان فسرها بالاتجاه الذي يخدم غرائزه المريضة, وإنه كان ورثها من بيئة وهابية تكفيرية تعج بما لا يوصف من ثقافة التجهيل والكراهية وتنشئة غرائز الإجرام برصيد مفتوح. لكن الصحيح أيضا بأنه ما من دين يخلو من ثقافة قد تفسر بذاك الاتجاه, ليس ذاك لأن الأديان ذاتها تحمل هذه الثقافة وترعاها وإنما لأن الإنسان نفسه ميال وفق بيئته وثقافته الاجتماعية الموروثه ومجمل الضغوطات التي يواجهها, موضوعية أو ذاتية, داخلية أو خارجية, لأن يكيف الثقافة الدينية بالاتجاه الذي يفسره خارج الحالة الصحية للدين نفسه.
فلو صح وإن كانت حالة بن لادن تجسيدا لحالة الإسلام ذاته, فما الذي يمكن أن نقوله بحق اليهودية التي تحفل تعاليمها وتوراتها بكل ما من شأنه أن يشجع الإنسان على القتل حتى لو كان ذلك الإنسان بواحد من عشرة من سايكوباثية بن لادن ومن حجم موروثه الاجتماعي البائس.
من ناحية أخرى فإن المجتمعات المسيحية الغربية لم تكن تجاوزت إلى حد ما أزماتها الإنسانية, على الأقل على صعيد الداخل, بفضل من تسامحية الدين المسيحي نفسه, وإنما بسبب حجر هذه المجتمعات على المؤسسة الدينية التي كانت تسببت للعالم كلها بأضرار فادحة. ولو أن تلك الأضرار كانت اعتمدت لتقييم المسيحية كدين لبات هذا الدين في مواجهة طعونات هي أشد بكثير من الطعونات التي تسبب بها بن لادن للإسلام. لقد حمل السيد المسيح صليبه من أجل رسالته السمائية العظيمة لكن "أبناء لادن المسيحيون" كانوا حملوا ذلك الصليب من أجل قتل الإنسان على أرض المسيح نفسه في حروب صليبية عرف فيها ملوك أوروبا كيف يستثمروا دم المسيح الزكي لصالح أطماعهم السياسية والاقتصادية ويجيشوا المسيحيين البسطاء تحت راية تلك الحروب التي أعادت قتل المسيح مرة أخرى يوميا وبشكل أبشع من قتلته الأولى.
الحقيقة ليس هناك دين مجرم بل أن هناك بعضا من المتدينين هم مجرمون. لكن التأكيد على ذلك وحده لن يحل المشكلة, فتبرئة الدين, أي دين, بهذه الطريقة سوف لن يكفل تنقيته من المتدينين المجرمين, إلا إذا اتخذت في هذا السبيل معالجات من شأنها أن تحد من تدخل الدين في السياسة في عالم لم يعد الصراع فيه كما كان ولا عاد زمانه ومكانه يسمح لأن يكون ساحة للسلفيات من أي دين أتت.
إن محاولة قراءة الإسلام من خلال بن لادن هي تماما مثل محاولة قراءة المسيحية من خلال الحروب الصليبية أو من خلال الحملات الاستعمارية وتماما أيضا مثل محاولة قراءة اليهودية من خلال الصهيونية, ولو أن الغربيين كانوا حاولوا حل أزمتهم مع الكنيسة من خلال المطالبة بتغيير بعض آيات الإنجيل أو التوراة, لما شهدوا حلا بالأساس, ولكان الإجرام الإرهابي قد أستفحل على أيديهم بدرجات أكبر مما تم على يد بن لادن ولظلت الأرض مسطحة حتى يومنا هذا.
وسواء اتفقنا على ذلك أم لم نتفق, أي على نقاء الدين, أي دين, وخلوه من الثقافة الذاتية التي تساعد على الجريمة أو تدعو إليها, فلسوف نتفق بكل تأكيد على أن الحل الأسرع والأضمن والأكفأ لا يكمن في تسفيه ذلك الدين من جهة أو الدعوة لتعديل نصوصه من جهة أخرى, إذ لا أحد يجرأ على أن يفعل ذلك. لكن إبقاء الدين خارج ساحة السياسة وبقاء رجالاته ينشطون داخل أماكن العبادة سوف يكفل للمجتمع القدرة على بناء ثقافة محروسة بقيم وأخلاقية الدين الإنسانية بعيدا عن التوظيف أو قهر الزمان والمكان بجمود النص وتداعياته الذاتية, وبهذا فإن العلمانية ليست دعوة لإبعاد الدين كقيم وتعاليم وروح عن حياة المجتمع وإنما لضمانة أن تأتي من خلال مناهج دنيوية قادرة على إنتاج ثقافة متوازنة ما بين الدين والدنيا, والعلمانية بذلك هي التي تحمي الدين وليس رجالاته.
ثم أن الغرب ليس هو الضحية الوحيدة لبن لادن, بل إن مجتمعاتنا ( الإسلامية والعربية ) كانت ضحية للطرفين في الوقت عينه, فالغرب هو الذي رعى تأسيس القاعد ة من خلال بناء منظومة " المجاهدين " العرب للحرب ضد السوفيت, فهو بالتالي من كان إتقن لعبة توظيف الدين سياسيا في ساحة عمادها القتل وتجيش كل ما في الإسلام من ثقافة حربية أملتها ظروف نشأته لصالح معركته, أي الغرب, ضد السوفيت. وإذا حسب هذا الغرب الأمر بشكل سليم وعادل ومتوازن فلسوف يقتنع بأن بن لادن لم يكن كله سيئا بالنسبة له, فلولاه ولولا ما سمي بالمجاهدين الذين حظوا برعاية غربية لما انتصر الغرب على الإمبراطورية السوفيتية التي كانت شهدت نهاية مقتلها على الأرض الأفغانية نفسها.
نعم لقد تضرر الغرب وأمريكا بالذات من بن لادن, لكن تعالوا نحسب أيضا الفوائد التي تحققت له أيضا, وببساطة سنجد أن المجتمعات العربية والإسلامية كانت تضررت بشكل يفوق مثيلاتها في الغرب, وبحساب الأرباح العظيمة التي تحققت لهذه الأخيرة فسوف نعلم إننا المتضررون الحقيقيون من بن لادن قبل غيرنا.
إن بن لادن الحقيقي ليس هو ذاك الذي قتله الأمريكيون على الحدود بين أفغانستان وباكستان, بل إنه كل أولئك الذين يساعدون على بقائه حيا من خلال تشجيع الحركات السياسية الإسلامية على التطرف كرد فعل على سياسات استعمارية خاطئة, منها ذلك الذي يتجسد بالعدوان المباشر على حقوق شعوب ودول المنطقة, أو ذلك الذي يتمثل بحماية الدول التي تعشش فيها ثقافة الإرهاب.
والمطلوب ليس التخلص من بن لادن بل من أبناء لادن.
وأبناء بن لادن هم كثيرون ومتواجدون في كل الأديان وفي كل البلدان.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن