المراة العربية والثورة.

حميد طولست
hamidost@hotmail.com

2011 / 3 / 26

المرأة والثورة

المرأة والثورات العربية.
الحرية مطلب اجتماعي يحتاجه الجميع، المرأة كما الرجل، ولا احد يستطيع إنكار حقيقة أن مبدأ المساواة فيها، وحق التمتع بها على قدم المساواة، هو مطلب الهي وليس حجة اجتماعية، وأن الحرمان منهما، والحاجة الملحة إليهما تدفع إلى الارتماء في خضم ميادين النضال والمطالبة بها، وأن السلم الاجتماعي والسلام العالمي لن يتحققا إلا بالتوازن فيهما بين الرجال بالنساء وتحرير المرأة مما يكبلها من قيود عظيمة لتقف جنبا إلى جنب مع الرجل في ميادين الحياة المختلفة، لأن المرأة مثلها مثل الرجل وان اختلفت في نواحي الحياة البيولوجية التي ميزها الله بها عنه، بما زرع فيها من مشاعر الحنان والمودة والرقة و متعها بدهاء خلقي رباني، قلما يتمتع به رجال السياسية الكبار. ما يمكنها من خلالها تلك الصفات الوراثية من تغير أمور كثيرة حولها إن هي تخلصت من غبن الحرمان من الحرية وتغلبت على الأعراف الاجتماعيَّة،ضدا على دعاة التخلف والردة الاجتماعية. الذين يضعونها تحت تحكم أسطورة الذكورة الكاذبة، ويحصرون عقلها في الأحكام الجاهزة المسبقة والتوجهات المحددة في الأنوثة والزواج والعفة والإنجاب وتربية الأولاد، وتلبية رغبات الزوج، ويتفننون في استنفار كافة قدرات القوامة المعززة بزخم وعد ووعيد فتاوى شيوخ الظلام لترسيخ عقلية الحجز والتحجير عليها، كالفتوى التي صدرت في السعودية و تلك صدرت في الجزائرمن عبد المالك رمضاني الزعيم الروحي للحركة السلفية ذات النفوذ في الجزائر والمتمثلة في أن (اختلاط الرجال بالنساء أثناء المظاهرات حرام) بغية ثنيهن عن الخروج من قمقمهن والثورة على الموروثات البالية والمفاهيم التي تحط من إنسانيتهن، وتدمير التقاليد العتيقة التي أفرزتها العقلية البائدة والدين السياسوي كسلاح فتاك يُتحكم به في عقول الجهلة من الرجال الذين تتحكم فيهم أسطورة الذكورة الزائفة التي تختزل المرأة في حيز الجسد وعتبرها مجرد وعاء للمتعة. وإني لا اقصد هنا بالحرية، تتجاوز العادات والتقاليد الشرقية ولا الخروج عن التعاليم الدينية الصحيحة، لكن الحرية التي اقصد، هي حرية الرأي وحرية الكلمة وحرية اتخاذ القرار وحرية التعليم وحرية إثبات الوجود في المجتمع الذي تشكل نصفه المكمل والمشارك الحقيقي والفعال في كل مهماته، ومنها الوقفات والانتفاضات الشعبية المطالبة بتغيير الأوضاع التي تعيشها الأوطان العربية في الآونة الأخيرة، من تونس ومصر والجزائر، إلى عمان وصنعاء مرورا بليبيا، وغيرها من البلدان العربية الأخرى. والتي أظهرت فيها المرأة، وفي اللحظة الحاسمة، أنها لن تسمح لأي كان أن يمنعها من أن تكون شعلة ثائرة في مواجهة ما يهدد مجتمعها من أخطار الظلم والقهر، سواء جاء المنع، على شكل هيمنته الرجل على الفضاءات الخارجية لاحتجاجات الشارع ، أو تمثل تتسم به فضاءات الاعتصامات من عنف واندفاع، لجنسها اللطيف بها، رغم ما لديها من طاقات متميزة وإمكانيات هائلة، وعزم ثابت وخارق في اتخاذ قرارت الحضور وإثبات الذات، ولا تنقصها كمخلوق مثابر مبدع خلاق، لا قوة التصميم، ولا الإرادة ولا ترتيب الأفكار، لتنجح في كل المهام مهما صعبت بل إنها تحقق في بعضها ما لا يستطيع أن يصل إليه الرجل، وذلك كلما سنحت لها فرصة التخلص من سجن الموروثات بقوة وثقة.
وعلى الرغم من تواضع مشاركة المرأة، وخجلها في كثير من الأحيان والمواقع، والراجع أساسا لطبيعة المجتمع المحافظ الذي تنتمي إليه، وصعوبة اختلاطها بالشارع العربي الذي تستفحل فيه ظاهرة التحرش بكل أنواعه بما فيه التحرش الجنسي- فالملاحظ أنها أصبحت تلقي بجسدها إلى جانب أخويها الرجل، في غضب تلك الشوارع المنتفضة، وترفع صوتها الطروب بالاحتجاج للمطالبة بتغيير المشهد السياسي العربي، وتحسين ظروف عيش المجتمع، المكون من أبنائهن وبناتهن وأحفادها، وتحررهم من العبودية والظلم والاضطهاد.
وقد لوحظ خروج آلآف النساء من مختلف الأوساط والأعمار والانتماءات، المحجبات والسافرات، إلى ساحات الثورات العربية والمغاربية، لمشاركة شباب التغيير في نضالاتهم، وتعبئة الجماهير وحثها على الثورة سواء على المواقع الاجتماعية، وفي مقدمتها الفيس بوك، والتي تزايد إقبالهن عليها بحدة، أو بالنزول إلى الشارع الذي يبدو أنهن حققن فيه ما لم يحققه الرجال، خاصة في المجالات التي تحتاج إلى حنانهن ورقتهن ونعومتهن، حيث لم يقتصر دورهن على تعليق شعارات الثورة على الصدور والهتاف بها فقط، بل تعدينه إلى مشاركة فعالة وزخم عال أخطر موقفا من رفع الصوت بالاحتجاج أو إشعال النار في الأجساد، والذي لا يمكن لمن تابع أطوار الثورات العربية الأخيرة، إلا أن يندهش من المواقف البطولية التي اضطلعت بها المرأة التونسية -الأكثر تأثرا بما جرى حولها من انفتاح وتغيير مباشرين- ويقف إجلالا أمام مشهد تلك الشابة التونسية الفاتنة بجمالها وأناقتها، والتي انحنت بكل تلقائية على شاب مُلقى على الأرض لتقدم له الإسعافات الأولية عن طريق bouche a bouche، في لحظة إنسانية وطنية تغلب فيها الحس الإنساني/الوطني على كل الاعتبارات الأخرى. ــ ولا يسعه إلا أن يكبر ويعظم ذلك المشهد المؤثّر الذي حملته مجريات "ثورة الياسمين" في تونس، والذي كان تواجد المرأة الفعلي فيها بمثابة عامل هام أظهر قوتها وتأثيرها، والمتمثل في مشهد أم الشهيد محمد البوعزيزي، -الذي أضرم نار الثورة في العالم العربي والمغاربي- وهي متكئة على قبره مرددة في إيمان وثقة: مشهد خارق دشن تحدي المرأة العربيَّة لعزلتها المفروضة، وتمردها على الصورة النمطيَّة التي لا تجعل من الأنثى سوى متعة ووسيلة للإنجاب لا أكثر.
ولم يقتصر الدور النسائي الفاعل خلال الثورات الشعبية على المرأتين التونسيتين الفتاة الفاتنة التي قامت بتمريض من فاجأه رصاص الطغاة، وأم بوعزيزي التي أعطت المثل في حب الوطن والصبر على المر من تحرره، بل تعداهما إلى نماذج كثيرة جدا من ناشطات رائعات نزلن بأعدادٍ كبيرة إلى ميدان التحرير، مستوحيات قوتهن الدافعة من نساء الانتفاضة التونسيَّة التي أطاحت بزين العابدين بن علي، ليلعبن بتواجدهن الفعلي المؤثر، الدور الأساس في انتفاضات منطقة الشرق الأوسط، حتى قيل عنهن (بالمصري) "مفيش ست معملتش حاجة".. حيث امتلأ ميدان التحرير المصري بالمتظاهرات من مختلف الأطياف الاجتماعية والقناعات الدينية، مسيحيات مرتديات صلبانا، ومسلمات منتقبات ومحجبات وغير محجبات من فتيات بدا على مظهرهن ضيق ذات اليد، وأخريات من بنات الطبقات الراقية المقتدرة، عالمات وسيدات أعمال وممثلات شابات ومخضرمات. تتعاونّ جميعهن لتشكيل لجان تفتيش المتظاهرين الوافدين إلى ميدان التحرير للحفاظ على سلامة الموجودين الذين تحولوا إلى معتصمين بقلب الميدان الذي بقين لعدة أسابيع ماكثة فيه يوحد بينهن النضال من أجل الحرية وتنحي مبارك.
ومن بين الأمثلة النسائية اللائي أشعلن إحدى فتائل الثورة الأولى في مصر، الشابة، (إسراء عبد الفتاح) الملقبة بـ«فتاة الفايسبوك» والتي دعت إلى إضراب 6 أبريل 2008 والتي لعبت دوراً مهماً في كشف ألاعيب وأكاذيب الإعلام الرسمي من داخل مبنى «ماسبيرو» مقر التلفزيون الرسمي، حين استضافها برنامج الـ «توك شو» الرسمي (مصر النهاردة) في محاولة ظاهرها تجميلي ليبدو الإعلام الرسمي وكأنه يعرض كل وجهات النظر، لكن باطنها تشويهي، والذي توفقت خلاله عبد الفتاح على الإعلامي خيري رمضان بالحجة والبرهان.
ومن الوجوه التي ظهرت بقوة بقلب الميدان، ذلك الوجه النسائي الشاب الشهيدة سالي زهران التي اعتبرها الفنان "مصطفى التوني": جان دارك المصرية، ووضعت وكالة "ناسا" الفضائية اسمها على إحدى المركبات المتجهة إلى المريخ، وأطلقت "بلدية رام الله" اسمها على شارع في المدينة، والتي كانت صورتها هي وأحمد بسيوني، من أولى الصور التي تم تداولها عبر موقع الفيسبوك، كأول شهداء الثورة، إلى جانب باقي الشهيدات أمثال أميرة من الأسكندرية – كريستين من القاهرة – أميرة محمد إسماعيل – رحمة محسن أحمد من روض الفرج القاهرة – رشا أحمد جنيدي من العمرانية جيزة وغيرهن كثير.
وبعيدا عن تونس ومصر نجد عربيات أخريات قد أبلين بلاء لا يقل عن فعل أخواتهن التونسيات والمصريات اللائي أثبتن خطأ الاتهامات التي طالما وجهت، ولزمن طويل جدا، إلى النساء العربيات على أن النسبة الغالبة منهن غائبة عن الساحة السياسية، إما غرقاً في مشاكل الفقر والحاجة، أو انغماساً في حياة الترف. ولعل أشهر من ساهم في ذلك من ليبيا -رغم أن التقاليد تقضي بالتظاهر بشكل منفصل عن الرجال- السيدة (نجاح قبلان) التي عملت في إعداد شعارات للثورة.. حيث كانت تقوم بجمع اللافتات في قاعة محكمة بنغازي التي تحولت إلى ورشة للثورة، كما تجدر الإشارة إلى المشاركة الفعالة للمرأة اليمنية والدور القيادي الذي اضطلعت به الصحافية والناشطة الإعلامية اليمنية (توكل عبد السلام كرمان) رئيسة منظمة صحفيات بلا قيود، في تنظيمها للاعتصامات والاحتجاجات المطالبة بتنحي الرئيس اليمني علي عبد الله عن السلطة.
ولن أقلل من الأدوار الجليلة للنساء البارزات اللائي شاركن ويشاركن مباشرة في انتفاضات التحرير في مصر وتونس وليبيا واليمن وغيرها من البلدان، إذا أنا قلت أن هناك نوعية أخرى من النساء مخالفة تماما للائي شاهدنا في كل ميادين التحرر عبر الوطن العربي، واللائي يرجع لهن الفضل في الانطلاقة الحقيقية لهذه الثورات، وأنهن هن من كان وراء إشعال فتيل الثورات وتأجيج أوارها وإذكاء لهيبها في العالم العربي حتى جاءت انتفاضات غير المسبوقة، بما مارسنه، من وراء أستار القصور السميكة، من عنف وإهانة وقهر وإذلال وظلم واستباحة لكرامة الشعوب التي تملكن أمورها نيابة عن أزواجهن المغلوب على أمرهم، ولا أدري هل علينا لومهن ومحاسبتهن على ذلك، أم يلزمنا الانحناء أمامهن إجلالا وتعظيما
لأنهن استطعهن التنكر لواقعهن البنائي والوراثي الذي خلقهن الله عليه، وتمردن على صفاتهن الأنثوية الجميلة المفعمة بالحنان والمودة والرقة التي ميزهن الله بها عن الرجال، ليرضين غرورهن المبالغ فيه ويتحولن إلى ديكتاتورات متطرفات، يدفعن شباب الأمم المقهورة إلى الثورة على أوضاعهم وأوضاع شعوبهم، الأمر الذي يستوجب على كل مدون ومؤرخ لهذه الثورات أن يقرّ بأنهن يستحقن على ديكتاتوريتهم تلك كل الشكر والتقدير. أمثال ليلى بن علي التي وإن لم تصل على شرف السبق في إشعال ثورة عبر العالم، لأنه قد سبقها لذلك كل من ماري أنطوانيت، ملكة فرنسا، والملكة نازلي والملكة فريدة وأميرات أخريات في سقوط النظام الملكي في مصر، وإميليدا ماركوس، سيدة الفلبين وإيلينا تشاوشيسكو، سيدة رومانيا... والقائمة طويلة وستتمدد بانضمام السيدة سوزان مبارك لها والتي أفردت لها صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية مقالا كاملا تحت عنوان (وراء كل طاغية امرأة قوية) والذي قالت فيه انه هذه المقولة تنطبق على العديد من النساء المشهورين كـ أسما قرينة الرئيس السوري بشار الأسد و الملكة نور قرينة الملك حسين عاهل الاردن و رانيا زوجة الملك عبدالله...
إلا أن ليلى بن علي والتي كان يرمز إليها في فرنسا بثلاث كلمات:
séchoir, trottoir, pouvoi تبقى أولى إمرأة من تدق -عربيا ومغاربيا- المسمار الأخير في نعش حكم زوجها، بما لعبته من دور أساسي في تأجيج غضب الشعب التونسي الذي خرج عن بكرة أبيه للهتاف بشعار الزين في التركينة والحجّامه تحكم فينا و الحجّامة إشارة إلى مهنة الحلاقة التي كانت تمارسها قبل زواجها بالرئيس الذي كانت سبب خلعه، والتي ما كانت تتخيل، في أسوأ كوابيسها، أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه منبوذة، مطلوب رأسها، وهي التي كانت ترفل في النعيم وتتمتع بالديباج والحلي والحلل وتغرف من أموال الشعب التونسي ملء الأبناك والخزائن.
أما في مصر فقد كانت سوزان مبارك المسؤول الرئيسة في ما آل إليه حال مصر، بسبب النفوذ الكبير الذي تمتعت به وعائلتها، وما اقترفته من فساد واسع النطاق كنتاج ما كانت تعيشه من خوف مزمن من فقدان النفوذ ورعبها المرضي من أن تتحول من السيدة الأولى لمصر، إلي مجرد زوجة الرئيس السابق، والذي كان أحد أهم أسباب مشروع التوريث الكفيل وحده (في نظرها وتخطيطها) باستمرارها في حكم مصر وتحويلها إلى (الملكة الأم) بدلا من أن تعيش علي هامش الحياة بعد موت الرئيس الذي تتحمل كامل المسؤولية في سقوطه، كما أثبتت ذلك صحيفة "القبس" الكويتية التي نقلت السجال الحاد الذي جرى بين مبارك وزوجته سوزان ونجله جمال وتحميلهما مسئولية تنحيته عن السلطة ومجمل ما حصل في مصر من تدهور في كل شيئ.
وأختم مقالتي بقول الله عز وجل في سورة الحشر: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار)" صدق الله العظيم. سورة الحشر - الآية 2.
حميد طولست Hamidost@hotmail.com



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن