مقترحات وملاحظات حول المبادئ العامة للنظام الانتخابي الاستثنائي الجزء الثاني

صلاح الداودي

2011 / 3 / 21

المسار التأسيسي مسار ثوري وإبداعي وهو المشروع السياسي للجماهير أو المشروع الديمقراطي للجماهير التي تبدع وتبتكر الاجتماعي والسياسي والمدني في آن واحد سيما وان أساس الدستور الجديد والدستور نفسه هو في عقول الجماهير وهو العقل المشترك لهذه الجماهير ردا مباشرا على مقولة إنهاء الوضع الثوري النابوليونية "لقد بدأت الثورة. لقد انتهت الثورة أيها المواطنون. عودوا إلى بيوتكم ونحن سنحقق لكم أهداف الثورة."، واللبرالية المقصية للاقتدار التأسيسي وللسلطة التأسيسية في حين أن هذه هي المغامرة الجماعية التقدمية الوحيدة وهي الفضيلة النضالية الأرقى والموهبة الثورية الأجل والأجمل بعيدا عن كل وهم حقوقي وعن كل إيديولوجيا حقوقية ذات أساس صوفي تريد أن تعيد إنتاج نفس علاقات السلطة وتنتج نفس علاقات الإنتاج ونفس القوانين عبر نفس الأدوات وضمن نفس التقسيم الاجتماعي للعمل والتفاضل الهرمي لتصبح روح القوانين هي المِلكية المتلحفة بماكياج العدالة والحرية.لا بد إذن من منهج واقعي وإرادة تأسيسية ولا بد من أن تواصل القوى التأسيسية التي هي جماهير الشعب فرض المواجهة مع تفاهة الحد من الديمقراطية ومواجهتها بالديمقراطية اللبرالية المضادة. في حين أن الحديث عن السلطة التأسيسية بالنسبة للثوريين هو لا محالة ولا ريب حديث عن الديمقراطية والديمقراطية المطلقة تحديدا والأكثر وساعة واتساعا واشتراكا كاملا ومتساويا ودائما أيضا.
بهذا المعنى تتماهي السلطة التأسيسية تماما مع مفهوم السياسة نفسه ولا أعمق من أنها تدل على الحالة الديمقراطية التي أصبح عليها الشعب التونسي بمجرد أنه ينزع بعقله وقلبه إلى توجه تأسيسي جماهيري عام بما أن السلطة التأسيسية هي التي تفرض معيارها على السياسة الديمقراطية رغب كل ما تدعيه وجهة النظر القانونية-الحقوقية من أن هذا النمط من السلطة التأسيسية لا بد من أن يبقى مقصيا من مقولاتها بما انه يرفض أن يتم استيعابه داخل نظام هرمي من المعايير والكفاءات. ولنذكّر أن سلطة الشعب الغريبة عن الحقوق والقوانين هي التي علّمت هؤلاء جميعا كل شئ وظلت ترشح بحكمة لا أعرف شيئا فصدّق ذلك الفريق الذي له قدرة عجيبة على التصديق. تقاوم الديمقراطية كل محاولة لدسترتها لأنها قبل سيادة أيّ كان وهيبة أي كان والسياسة أهم من الدولة ذاتها كي لا تكون جثة هامدة أو وحشا متثلجا أو بستان جثث بل هي الدولة ذاتها للمغرومين بكلمة دولة. والطاقات الفاعلة الحية قبل السلطات والنّصب وأهم.
ليس لجاحد إملاء المعايير الأساسية لتنظيم سلطات الدولة بل الكلمة الحق والأعلى لمن يريد أن يؤسس لنظام قانوني بمقتضى حق مطلق لا مجرد ما يسمى الممارسة المنطقية الشكلية التي تبدأ بتحديد السلطة السياسية وإلجامها بزمان ومكان باختزالها في مقولات قانونية فارغة وإعادتها للروتين الإداري واستيعابها في آلة التمثيل قي شكل هيأة كان لا بد أن تكون تأسيسية وفي جمعية كان لا بد لها أن تكون مجلسا ثوريا لان الشكل الوحيد الذي يناسبها في الواقع هو لجان الدفاع الثورية. لكأن المستقبل انتهى وفات وعليه ان يسلّم نفسه للمراجعات الدستورية البائدة والارتكاس والانتكاس الى مجرد الموجود خوفا من الابداع او عجزا. على سيزيفي القانون من أجل ذلك أن يكفوا عن اللعب على نرد العبث وعلى النرجس والياسمين وأن يؤمنوا بالمشترك الديمقراطي وهو ينموا بين الجذور او بلا جذور الا اذا كانوا مسرورين مزهوين بما يفعلون مثل الاغلبية من مثقفي الزور مواطني الأحياء ومواطني الحكومات لا مواطني المَواطن والمواطنة.
ثمة علاقات ديمقراطية جديدة لا بد منها ووقائع تأسيسية لا مناص من الهروب منها بلا رجعة ولا تململ وإلا كانت التبعات والمخلفات القانونية وخيمة وكان تخريب المستقبل السياسي للديمقراطية مفتوحا تحت السماء العارية. ثمة فرق بين العلوم القانونية وبين الفلسفة السياسية والحقوقية وعلوم التاريخ والاجتماع السياسي مثلما هو الفرق بين المعيار والواقع-الحدث وبين الصلاحية والفعالية وبين السياسة-الظاهرة والانطولوجيا السياسية والعدالة السياسية والعدالة الدستورية وبين التعالي من جهة والملازمة المحايثة من جهة أخرى. ان الشعب من طرفين لا من طرف واحد. انه القرار. وقد قرر أن يكون مصير الدولة وليس أرشيفا بشريا في حوزتها أو تاريخا طبيعيا تعلق شهداؤه في أبراج بلاهتها. الشهيد روح ومادة المستقبل وليس صورا في معرض الماركيتنغ السياسي والأمني والعقائدي. لا يعلمنّ منكم أحد ذلك الا في مستحيل حديث الشهيد مع نفسه وهو لو تعلمون فن استغناء كامل عن اية تقنية من تقنيات الدراما المخصصة للأموات الذين هم ابرد من ثلج الجحيم ومن ظل دوغمائية القانون السحيقة وعادات التلاميذ الذين يحسبون ان التلاميذ يصدقون انهم يذهبون الى المدرسة بل هم يحفظون عن قلب قلب عيون الشهيد بلا تواطئ وشائي ولا تكاذب مؤسساتي. لسوف يترجمون دماء شهدائهم الى ضحك متواصل أبعد ما يكون عن الاكتفاء بأقلام وأعواد الصدق في القول والإخلاص في العمل.
ان ما يعتمل في أدمغة كل التونسيين والتونسيات هم ابعد ما يكون عن المحافظة على النظام القانوني الميت لأن الدستور ليس من عمل ومن تدبير من تعينه الحكومة بل هو فعل شعبي دون حواجز ولا نكت ولا موازين. هذا هو جوهر البراديغم الديمقراطي التأسيسي والقيمي. سوف يكون المستقبل هو الذي يفسر كل ما حدث لان المذهب القانوني لا يفقه إلا الماضي بدلا من ان يتحرر ويتقدم وكأن الشعب ليس له سلطة وكأنهم هم الذين سوف يمنحونه السلطة كهبة أو عطية أو حتى رشوة أو اكرامة زكية. فليتأمل الجميع دساتير العالم عبر العصور والمجالس والثورات والأزمنة الثورية والنظم الانتخابية حتى لا نقع ونوقع شعبنا في التظليل والتمويه وفي التحريف فلا يسجل أو يمتنع أو يقرر المقاطعة أو يفرض حقه في التصويت الأبيض أو الملغي أو العقابي أو المسرحي وحتى نتجنب أسوأ السيناريوهات التي يمكن ان تنجر عن الانتخابات المابينية أو انتخابات الدورة الثانية التي قد تؤدي إلى إفساد هذه الانتخابات بنوع من التصويت المتأثر بأغلبية هذا أو ذاك أو بامكانية هذا او ذاك أو هذا مع ذاك أو ضد ذاك... سواء جهة او فئة أو جيلا أو جنسا او حزبا فندخل في منطق الضغط او التفضيل دون الاختيار الفعلي أو تحويل أصوات هذا لذاك نتيجة ما يظهر من مؤشرات فنتورط في منطق الاحتمالية او معركة ومنطق الاصطفاف الجديد علما وان الدورة الثانية تكرس أغلبية القطبين وتؤثر مباشرة على السلوك الانتخابي فيضيع المنطق الديمقراطي والنسبي وعندها لن يتعدى الانتخاب عتبة الاستمالة والاستمالة المضادة كأية انتخابات تافهة او الاحتجاج والاحتجاج المضاد الذي لن يفيد في شيء لان العكس يعني نوعا من الاستفتاء التافه لا الانتخاب وعندها يصبح كل شيء جائز بما في ذلك التصويت بإسناد عدد أو القرعة أو مجرد الاستحسان الاقراري ويصبح المفعول السحري هو المعنى الأصلي الوحيد للتصويت الشعائري واللاواعي الذي لن يناسب أبدا سلامة الجنين الديمقراطي.

صلاح الداودي وغسان عمراوي



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن