كازا نيكرا : صفعة الخماري في السينما المغربية

حسن طويل
hassan90461touil@yahoo.fr

2011 / 3 / 18

بفيلمه " كازانيكرا" قدم نورالدين الخماري صفعة ميلة لكن مؤلمة لتيار المحافضة و الفصام و التخلف. فلقد عبر من خلال فيلمه عن واقع أغلبية ساكني المغرب الأسود ( وليس مواطنيه ) بلغتهم المبتعدة عن لسان السينما المغربية السائدة ( مثل : مفاتيح السيارة - سعادة الحاج- للا سيدي ...) والقريبة من عنف الواقع الممارس عليهم عبر خلاطة الفقر و الحكرة و التفكيك الأسري . فالفيلم بسرده لجزء من يوميات حياة شابين منتميان إلى الدار الكحلة ( الدار السوداء بدل الدار البيضاء ) , عبر حوار حي وواقعي موجود ويعرفه كل المغاربة , يعكس نمادج حياة أو بالأصح أشباه حياة للجزء الكبير من شباب هذه البلاد و يستفز الحياة المنافقة و المصطنعة لمدعي الطهرانية و حماة التزوير الأخلاقي . فالفيلم كما يعرض إنتقام أبطاله من صعوبة معيشهم عبر عنف الكلمات و العلاقات , ينتقم في نفس الوقت من الصوور البليدة و الفاقدة للحياة الموجودة في شبه الأفلام المغربية السائدة و التي تعطي صورة مصطنعة و مزيفة للعائلة المغربية بحوار ممل و ممزوج بلهجة أغلبها فاسية برجوازية تقليدية و عربية فصحى مشوهة تظهر كل شيء "محترم" ؛فالحاج و الحاجة محترمين و الأبناء محترمين و صاحب المعمل محترم ... كأننا في صالة سينما الأربعاء ( في المغرب تنقل جلسات مجلس النواب في يوم الأربعاء ) التي تعرض أردء العروض السياسية , ممايولد الإحساس بالإشمئزاز و الغتيان ( يشبه ذلك الإحساس في صباح باكر بعد ليلة خمرية رديئة ).
إن الخماري بفيلمه , يريد أن يتصالح المجتمع مع جزء واسع من واقعه , و يعترف بالبار و العاهرة و بائع السجائر و اللص و صاحب المعمل المصاص للدماء , و يقر بوجود الأسرة المبنية على العنف و القهر و الفوارق الطبقية السوريالية . رسالة فيلمه ببساطة هي " إن لم تعترف بوجود شياطينك فإنك تنفي في نفس الوقت ملائكتك". الفيلم هو إنعكاس لأحلام الشباب مثل عادل ( أحد أبطال الفيلم ) بالهجرة لأروبا لإيجاد شيء من الكرامة و قليل من الإستهامات و الإبتعاد عن ملاحقة الشرطة الرمزية و الفعلية و الهروب من الأصوليين المتاجرين بالدين و المرغمين للآخرين بالدخول لجنتهم و الفرار من مشاهد الكبث و السفه المالي للخليجيين الذين جعلوا من المغرب سوقا للنخاسة البشرية . إنه ببساطة صرخة الشباب ضد الحكرة و الفقر و الإهانة و الفصام .
الدار البيضاء في الفيلم هي مدينتين : أغلبية بئيسة تعيش سواد هذه المدينة و أقلية مترفة تعيش بياضها , هي جغرافتين و نمطي حياة . إسم البيضاء فيه نوع من الإستبداد على ساكنة تعيش السواد اليومي و القهر الإستعراضي ليلها طويل و نهارها مقزم . الدار السوداء هي تكثيف و تجسيد لمغرب بإيقاعين : أغلبية مهمشة تحاول العيش و أقلية تحيى البدخ و جنونه .
الفيلم أيضا هو محاسبة للجيل القديم صاحب الصبر إلى حدود العجز أمام الذل و الفقر و الهوان و المتفرج على حياته تمر أمامه بسكوت كبير تنبعث منه رائحة الخوف و الإستسلام , و يتجسد ذلك من خلال حوار أحد بطلي الفيلم مع أبيه بعيدا عن كل شطط إيديولوجي أو شعاراتي يتمحور حول القدرة العجيبة لصبر الوالد على العمل عند صاحب معمل ( نمط سائد في الباترونا المغربية ) يمثل عصارة من مص لدماء العمال و فساد و تدين زائف .
الفيلم في الأخير هو تعبير عن قهر لشبه وطن جعل من شبه مواطنيه على الهامش يعيشون الليل و السواد و يبتعدون عن النور و البياض و يعيشون شيء يسمونه حياة و هو في الحقيقة شبه وفاة .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن