العراق بين المطرقة الامريكية وسندان النظام .. والبديل الامثل!

صلاح كرميان
selah.germian@yahoo.com.au

2002 / 8 / 12

 

 

 سيدني

germiyan@hotmail.com

 

ظهرت علامات الارتباك والهلع على سيماه الطفل العراقي عادل عند دخول اعضاء الوفد التعليمي الامريكي الى احد الصفوف الدراسية في المدرسة الثانوية التي اعمل فيها، اثناء  زيارتهم الى استراليا للاطلاع على طرق التدريس فيها، وبعد مغادرة الوفد سارعت الى الانفراد به للاستفسارعن دواعي هلعه وارتباكه وفاجأني بالقول بعد ان تنهد: استاذ انني تصورت ان الهجوم الامريكي قد بدأ. يجدر الذكر بان عادل قضى حياته بعيدا عن وطنه وينتمي الى احدى العوائل العراقية التي عانت التشرد في ايران وقدموا الى بلاد الكنغرو ضمن موجات لاجئي القوارب وقضوا مدة طويلة في مراكز الاحتجاز في استراليا. ان هذا الحادث قد يبدو شيئا عابرا ومتعلق بفرد ما،  ولكنه ينطوي على مؤشرات كبيرة والى ما افرزه الوضع العراقي من الاثار النفسية السيئة على ابناء العراق وخصوصا الاطفال منهم، لاسيما من جراء النتائج المدمرة لحرب الخليج الثانية واثارالضربات الجوية للطيران الامريكي على المنشاءآت والمرافق الحيوية التي ادت الى تدمير البنى التحتية للاقتصاد العراقي وكذلك الحصار الاقتصادي الذي فرض على الشعب العراقي دون النظام.  مما يدعونا الى الحذروالانتباه في هذه الظروف الخطيرة وفي خضم التهديدات الامريكية المتصاعدة ويحتم علينا صياغة قراءة جديدة للاحداث والوقائع التي مرت على العراق.                                                                                                

لاشك ان بقاء نظام صدام على السلطة الى يومنا هذا رغم استهتاره بالقوانين الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول بشنه الحروب المدمرة وعدم تنفيذه للمقررات الدولية الصادرة بحقه وارتكابه الجرائم الوحشية التي قل نظيرها في التاريخ بما فيه استخدام السلاح الكيمياوي وعمليات الابادة الجماعية في كردستان، لهو مؤشر واضح على خبث السياسة الدولية وعدم مبالاتها بالقيم الانسانية وتوكيد لمشاركة الحكومات التي كانت تتعامل مع صدام في تحمل  جزء كبير من المسؤولية في تنفيذ تلك الجرائم. فالسماح لنظام صدام بالاستمرارعلى السلطة بعدما كان ايلا للسقوط لولا ايقاف الحرب اثر طرده من الكويت عام 1991، واعطاءه الضوء الاخضر لاجهاض الانتفاضة الجماهيرية التي اعقبت ذلك بالسماح للقوات العراقية بقصف المدن والقصبات في كردستان وجنوب العراق بالمدفعية الثقيلة والطائرات المروحية، كان خير دليل على عدم جدية امريكا التي تتحكم بالسياسة الدولية في ازاحة صدام وانقاذ الشعب العراقي واقامة حكومة بديلة منتخبة من قبل الجماهيرالمحرومة.                                                           

لا يخفى على احد ان فرض الحصار الاقتصادي على العراق لم يحقق الاهداف التي تدعيها الادارة الامريكية وحليفاتها بشد الخناق على النظام العراقي لاضعاف قدراته العسكرية والاقتصادية بغية اسقاطه، بل كانت لنتائجها اثار سلبية كبيرة على معنويات الجماهير العريضة واضعاف الروح الثورية والمقاومة لديها وانشغالها بالحصول على القوت اليومي او اضطرارهم الى ترك البلاد تحت طائلة الحصار، اضافة الى المآسي التي تتعرض لها من تفشي الامراض وازدياد عدد الوفيات وخصوصا بين الاطفال وكذلك البطالة والفساد الاداري الذي يتفشى في كل مرافق الدولة ناهيك عن الاثار الاجتماعية المتفاقمة، فيما استغل النظام تلك الظروف لاحكام قبضته وتمرير سياساته الاجرامية اكثر من ذي قبل.                                                       

 

لا احد يستطيع التكهن بنتائج السيناريو الذي تعده الادارة الامريكية بمساندة حليفتها بريطانيا بشأن الهجوم المحتمل على العراق، لكن كل الدلائل تشير الى ان امريكا لو نفذت تهديداتها فلن تكون عواقبها لصالح الشعب العراقي، بل لاتتعدى تغيير الوجوه، فما تسمى بالمعارضة العراقية بما فيها المجلس العسكري المنبثق عن الاجتماع الذي عقد في لندن مؤخرا والتي تبارك النوايا الامريكية لاتتعدى كونها جماعات متفرقة لا تمثل الا نفسها وليست لها قاعدة جماهيرية داخل العراق.                                                                                                            

 

أما بقدرما يتعلق الامربالوضع في كردستان فانه في غاية الحساسية نتيجة تربص القوى الاقليمية واستعداداتهم للتدخل عسكريا في المنطقة وخاصة عساكر تركيا بحجة تخوفهم من اعلان دولة كردية رغم تاكيدات زعماء الاحزاب الكردية بالتمسك بوحدة ارض العراق ومطالبتهم بالفدرالية لكردستان رغم كونها لا تمثل المطاليب الحقيقية للجماهير الكردية في حقها المشروع  في  تقرير مصيرها. هناك مخاوف من افلات الاوضاع الى ما لا يحمد عقباها وقد تؤدي الى وقوع اصطدامات دموية بين الاقليات العرقية التي تتواجد في مناطق معينة من كردستان وخاصة مدينة كركوك التي دأبت السلطة على تنفيذ الاجراءات الشوفينية بتغيير طابعها القومي باستقدام مئات الالوف من ضعاف النفوس من العرب المواليين للسلطة وترحيل سكانها الاصليين من الاكراد. وكذلك فان اطماع تركيا في نفط كركوك قد تؤدي الى تحريك العناصر الموالية لها من التركمان لاثارة النعرات القومية بغية عدم استقرار الاوضاع وتمرير سياساتها التوسعية بضم كردستان العراق التي كانت تشكل ولاية الموصل في العهد العثماني والتي تدعي تركيا تبعيتها لها. ولا يستبعد تطبيق الفكرة القديمة / الجديدة بضم كردستان الى الاراضي التركية واعطاء الاكراد نوعا من الحكم الذاتي ضمن اطار الدولة التركية وقد تأتي الاجراءات التركية الاخيرة بالسماح بتدريس اللغة الكردية والبث الاذاعي والتلفزيوني باللغة الكردية ضمن هذا التوجه. وسوف يؤدي ذلك الى حرمان المناطق الكردية من النسبة المقررة البالغة 13% من حصة النفط المقررة بموجب برنامج النفط مقابل الغذاء التي خصصت لمنطقة كردستان.                                                                 

نقول للسادة الذين يبنون الامال على نتائج الضربة الامريكية المحتملة واللاهثين وراء العدالة الامريكية، لو كانت امريكا صادقة في ادعاءاتها بمعاقبة النظام العراقي، لماذا لم ولا تطالب بعزله عن المجتمع الدولي، اما كان اولى بها فرض حصار سياسي واعلامي على النظام واعتباراركانه خارجيين على القانون وتبنيه العمل على اصدار قرارات دولية بغلق سفاراتها وممثلياتها الدبلوماسية وتحريم كل انواع التعامل معه، بدلا من الحصار الاقتصادي الجائر على الشعب المبتلى بسياسة القتل والارهاب. الا تكفي 13 طن من الوثائق والمستندات التي شحنت من كردستان الى امريكا لادانة النظام وعزله دوليا وتقديم المجرمين من اركانه الى المحاكمة امام المحاكم الدولية بادانتهم بارتكاب جرائم ضد الانسانية بما فيهم رئيس الاركان السابق للجيش نزار الخزرجي ومدير الاستخبارات العسكرية السابق وفيق السامرائي المتواجدين حاليا في اوروبا. ان كثير من دول العالم والامم المتحدة كذلك لاتزال تتعامل مع نظام صدام كحكومة شرعية للعراق رغم تدميره للعراق واقامته المذابح بحق ابناءه وتسببه في تشريد الملايين منهم، وان قرار الامم المتحدة رقم 688 رغم كونه قرارا مهما لصالح الشعب العراقي لم يلزم النظام العراقي بتفيذ بنوده،  بل يدعو الحكومة العراقية الى الدخول في الحوار مع الامم المتحدة بشأن الية تطبيقه، وقد ارضخت الامم المتحدة فعلا للشروط التي فرضها النظام ووقعت مذكرة التفاهم معه حول تنفيذ قرار 966. وفي الاونة الاخيرة  اجتمع السيد كوفي أنان السكرتير العام للامم المتحدة مع وزير خارجية النظام للتفاوض بخصوص السماح لعودة لجان تفتيش الاسلحة الى العراق. ففي هذه المرحلة الحرجة يتوجب على كل الخييرين العمل على الاسراع  في اسقاط النظام الصدامي بكل الوسائل الاخرى بما فيها المطالبة بعزله دوليا ودعم الجماهيرالكادحة التي عانت الامريين على ايدي عصابة الاجرام  للقيام بانتفاضة شاملة والانقاض على مؤسسات القمع والارهاب واقامةالنظام الذي يراعي مصالحها الحقيقية،  قبل ان تتحول العراق الى مختبر جديد لاجراء اختبار القوة التدميرية للاسلحة الحديثة التي تنتجها المصانع الامريكية، ولو دخلت القوات الامريكية العراق سوف لن تخرج منها الى الابد وسوف تقوم ببناء القواعد العسكرية لضمان السيطرة الكاملة على المنطقة بأسرها. وقد يكون من نتائج التدخل الامريكي اسقاط صدام ولكن حتما سوف لن يحقق ما يتمناه الجماهير العريضة من ابناء العراق وكذلك الحال بالنسبة لجماهير كردستان.                                                                                                           

 

                                                                               11/8/2002



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن