مستقبل الجمعيات السياسية

رضي السماك
Radhi-alsammak@hotmail.com

2002 / 8 / 11

 

 

 

تعد البحرين من أكثر البلدان العربية التي ظهرت وترسخت فيها التيارات الفكرية والسياسية الحديثة حيث يعود بروزها وولادتها بوجه خاص الى مطلع النصف الثاني من القرن الماضي ولعبت هذه التيارات بتعبيراتها الحركية السياسية تحت الأرض وبواجهاتها من مؤسسات مجتمع مدني كالأندية والجمعيات الأهلية.. لعبت دورا تاريخيا مهما في بلورة الهوية الوطنية وفي الدفاع عن عروبة البحرين ومن أجل الاستقلال السياسي الوطني الناجز الذي تحقق بوجه عام .1971 كما قدمت هذه التيارات الحركية صفوة من الخريجين والمثقفين والكوادر العلمية في مختلف المجالات ومن ضمنهم نسبة كبيرة تتبوأ اليوم مراكز مهمة في جهاز الدولة الذين لولا هذه التيارات لما نالوا شهادات عليا.

وعلى الرغم من مضي زهاء ثلاثة عقود ونيف على الاستقلال الوطني فإن هذه التيارات الوطنية الفكرية والسياسية على اختلاف مشاربها الايديولوجية وبضمنها تلك الصاعدة الحديثة الولادة التي جاءت وتعززت بعد الثورة الإيرانية عام 1979 ظلت محتفظة بوجودها الفاعل في المجتمع وعلى الساحة السياسية، بغض النظر عن تفاوت وزن قوتها من مرحلة تاريخية الى أخرى. ورغم كل ما تعرضت له هذه التيارات وتعبيراتها الحركية من تحديات وظروف صعبة ومحاولات مستميتة للاحتواء والتصفية أيا كانت أخطاؤها أو تجاوزاتها فإنها كانت عصية على الاقتلاع من الجذور لأسباب موضوعية وذاتية ليس هنا موضع تناولها. وكانت واحدة من النقاط الفائقة الأهمية في انجاح ولادة المشروع الإصلاحي لعظمة الملك ادراكه المبكر - عن بصيرة ثاقبة وبعد نظر - أهمية اشراك وإدماج القوى السياسية التاريخية في هذا المشروع الوطني . وليس خافيا على أحد أن هذه القوى وبفضل وعي وحكمة عظمة الملك السديدة بأهمية اشراكها لعبت دورا مهما في توعية قطاعات وفئات واسعة من الشعب بأهمية الميثاق ومن ثم تحقيق التصويت عليه بشبه الاجماع الذي ترجم بتلك النسبة التاريخية الفريدة من نوعها في عالمنا العربي (98.4%).

واستنادا الى هذه النظرة السديدة اتاح عظمة الملك الى هذه الرموز والقوى فرصة التعبير عن نفسها في أطر علنية مؤقتة في شكل جمعيات سياسية وفق قانون الجمعيات الساري، ونظر العالم الى هذه الخطوة بتقدير عال لمبادرة القيادة السياسية هذه باعتبارها مؤشرات على التوجه إلى تعميق محتوى المشروع الإصلاحي ليشمل ترجمة شعار حق التعددية والشفافية على الأرض في اطر علنية، وكان أن بارك عظمته ولادة هذه الجمعيات والتقى قياداتها المنتخبة، بل أضاف بما يُفهم موافقته الضمنية ليس بقاؤها على حالها كجمعيات سياسية بل تحويلها الى أحزاب شريطة موافقة البرلمان القادم. ومن جانبها فإن هذه الجمعيات وبدعمين معنوي ومادي كبيرين من صاحب العظمة قامت باستضافة مؤتمرات وندوات عربية كبيرة جاءت وفودها للاطلاع على المشروع عن قرب وثمنوا عاليا خطوات المشروع الإصلاحي التي تمت وباركوا لعظمته بها.

ولئن كان يؤخذ في سياق اللغط الدائر حول وظيفة ومستقبل هذه الجمعيات، أي عما اذا هي سياسية أم اجتماعية ذات نفع عام بأنه جدل ينحصر بين جهتين رسمية وشعبية وخاصة أن هذه الأخيرة ينظر إليها بشيء من الريبة لتمسكها بموقفها فإن ثمة آراء لشخصيات بعضها أكاديمية وتبوأت وتتبوأ مراكز علمية تتبع الدولة وهي شخصيات أبعد من أن تحسب بمحاباتها للمعارضة أو الريبة في ولائها للدولة (وعلى سبيل المثال لا الحصر الدكتوران هلال الشايجي ومجيد العلوي).. هذه الآراء لمثل هذه الشخصيات أكدت صراحة أهمية استمرار دعم هذه الجمعيات بصفتها السياسية لتعزيز نجاح مستقبل المشروع الاصلاحي ودمج وتعبئة الناخبين للمشاركة في الانتخابات النيابية. واذا كان قانون الجمعيات الحالي لا يستوعبها فبالإمكان تكييف وضعها بقانون جديد ينبثق عن توصيات لجنة تفعيل الميثاق وهو ما قيل: إنه نوقش على نحو عابر في اجتماعاتها وان "الانشغال" و"الاشتغال" قصد بهما جمعيات النفع العام لا الجمعيات السياسية، والله الأعلم.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن