عصام شرف ومهمة إنقاذ الوطن

سعد هجرس

2011 / 3 / 5

لست من أولئك الذين يرفعون شعار »مات الملك.. عاش الملك«، فقد عانينا الأمرين من هؤلاء الذين ألحقوا بالبلاد والعباد أضراراً سياسية واقتصادية وخيمة بسبب هذا السلوك الانتهازى واللاأخلاقى.
أقول هذا بمناسبة استقالة حكومة الفريق أحمد شفيق وتكليف الدكتور عصام شرف رئيساً لوزراء مصر، حيث قام الكثيرون بصب اللعنات على الحكومة الراحلة وكيل المديح لرئيس الحكومة الجديد، فى إعادة إنتاج جديدة للتقليد الانتهازى المألوف »مات الملك.. عاش الملك«.
والحقيقة أن الفريق أحمد شفيق سيئ الحظ.. فقد كان الرجل واحداً من الوجوه القليلة التى حظيت بقبول عام من المصريين، بما فى ذلك بعض الفصائل المعارضة فى ظل النظام السابق، لدرجة أن بعض دوائر المعارضة طرحت – أكثر من مرة - اسم الفريق شفيق كرئيس حكومة بديل للدكتور أحمد نظيف وزعانفه.. ولم يحدث ذلك من فراغ.. بل جاء نتيجة عدد من العوامل، أهمها عدم ارتباط اسمه – فيما اعلم - بقصص الفساد التى كانت تتردد على كل لسان، وإنجازاته أثناء توليه وزارة الطيران، فضلا عن تاريخه المهنى والوطنى المشرف فى صفوف الجيش المصرى.
لكن الرئيس المخلوع حسنى مبارك صنع أذناً من طين وأخرى من عجين إزاء هذه المطالبات بتكليف »شفيق« رئيساً لحكومة بديلة لحكومة نظيف التى أدت سياساتها إلى إصابة غالبية المصريين بالاكتئاب والكرب الشديد.
ولم يتذكر مبارك هذا المطلب إلا عندما ضاق عليه الخناق بعد أندلاع ثورة 25 يناير التى رفعت شعاراً واضحاً وحاسماً هو »إسقاط النظام«.
وقتها فقط تذكر مبارك الفريق شفيق على أمل أن يكون طوق النجاةة له ولنظامه المتهاوى.
لكن مبارك لم يدرك أن هذه استجابة متأخرة جداً، وأن موعدها قد فات بالفعل، وأن الأمور قد تجاوزتها بسنوات ضوئية.
لكن المفارقة هى أن الذى دفع ثمن »فارق التوقيت« لم يكن الرئيس المتنحى ــ أو المنحى ــ وحده، بل إن »لعنة حسنى مبارك« قد أصابت الفريق أحمد شفيق أيضاً.. لأن كل من اقترب من قمة النظام السابق قد احترق.
وكان طبيعياً أن ينسى الناس كل إنجازات وحسنات شفيق المشار إليها، وأن يتذكروا شيئاً واحداً هو أنه قام بحلف اليمين أمام حسنى مبارك.. وعندما سقط مبارك كان منطقياً أن يرحل معه كل من ارتبط به وبالذات فى سنواته الأخيرة المليئة بالدسائس والمؤامرات والسياسات المتغطرسة التى خنقت أى بارقة أمل للإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى.
ومن هنا.. ناهض أغلب المصريين حكومة شفيق منذ اللحظة الأولى ليس كراهية شخصية للرجل وإنما رفضاً لاستمرار النظام السابق بأى صورة من الصور.
* * *
ومن هنا أيضاً جاء الارتياح الشعبى الكبير لاستقالة هذه الحكومة، ثم جاءت الفرحة بتكليف الدكتور عصام شرف بالذات رئيساً جديداً لوزراء مصر.
هذه الفرحة لا علاقة لها بشعار »مات الملك.. عاش الملك« إياه.. وإنما سوغها أكثر من سبب:
أولاً: كان اسم عصام شرف ضمن القائمة المختصرة التى اقترحها تحالف شباب الثورة، وبعض أبرز الدوائر السياسية التى لعبت دوراً مهماً فى ثورة 25 يناير، وتم عرضها على المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وبالتالى.. فإن تكليف عصام شرف يعد من هذه الزاوية استجابة لمطلب شعبى.
ومن هذه الزاوية أيضاً فإن هذا التكليف يمكن أن يكون الحالة الأولى من نوعها فى التاريخ المصرى التى يأتى فيها رئيس للحكومة بناء على طلب الجماهير.. وهذا ليس بالأمر الهين، وإنما هو تطور خطير وعظيم الشأن.
الزاوية الثانية هى أن أول ما فعله عصام شرف بعد تكليفه هو توجهه إلى ميدان التحرير والحديث إلى المصريين الثوار، والتعهد بأن يتبنى مطالب الثورة وأن يبذل قصارى الجهد من أجل ترجمة هذه الأهداف إلى واقع.
هذا أمر يحدث لأول مرة أيضاً فى تاريخ مصر.. حيث يبدو واضحاً أن »الشرعية« الحقيقية مصدرها هو الشارع والإرادة الشعبية الحرة وليس أى مصدر آخر، وأن الأمة هى مصدر السلطات »بحق وحقيقى«.
الزاوية الثالثة: أن التفويض الشعبى، ثم الرسمى، للدكتور عصام شرف ليس نابعاً من فراغ، بل إنه قد جاء نتيجة لتاريخ الرجل وكفاءته العلمية والأكاديمية وسمعته الطيبة وطهارة يده فى الشهور المعدودات التى تولى خلالها وزارة النقل من قبل.
وبدلاً من أن تكون هذه السجايا الطيبة سببا لتكريم عصام شرف ومنحه »وسام شرف«، كانت سببا فى الاستغناء عن خدماته، وإقالته من الحكومة لأنه تجاسر وطالب – مثلاً - بفتح ملفات عبارات ممدوح إسماعيل التى حدث منها ما حدث من كوارث بعد فترة وجيزة من خروجه من الوزارة.
فهذا رجل محترم، نظيف اليد، عالم، مؤمن بالعلم والبحث العلمى ومنحاز للمواطن المصرى العادى »مثلى ومثلك« قبل أى أحد آخر.
الزاوية الرابعة: هى الاستمرارية، فتاريخ مصر وتاريخ الشعب المصرى لم يبدأ يوم 25 يناير عام ،2011 وإنما هو تاريخ متصل من النضال الوطنى المستمر عبر العصور، وعبر النظم والحكومات، ففى كل عهد كان هناك دائماً وأبداً أناس محترمون يناضلون من أجل الحق والخير والجمال.
ونتيجة لهذا التراكم »التاريخى« ظهر جيل 25 يناير.. فهؤلاء الثوار ليسوا نبتاً شيطانياً وإنما هم استمرار لأجمل ما فى مصر، وهو مسيرة نضالها الوطنى والديمقراطى الذى لم يتوقف أبداً رغم جبروت الاستبداد والطغيان.
وضمن هذه المسيرة المجيدة نجد آلافاً مؤلفة من المصريين الشرفاء الذين استشهدوا فى المعتقلات والسجون أو تعرضوا للتعذيب والترويع والتهميش السياسى والاقتصادى والاجتماعى.
من بين هؤلاء الآلاف المؤلفة من الجنود المجهولين الذين لا يعرف عنهم أغلب المصريين اسما ولا عنوانا يظهر اليوم عصام شرف الذى اختار أن ينضم إلى الشعب وأن يشارك فى ثورة 25 يناير.. فكان وجها مألوفا فى ميدان التحرير عندما كان كثير من المثقفين يحسبون خطواتهم ويقدمون قدما ويؤخرون أخرى إنتظاراً لما ستسفر عنه الأيام حتى ينضموا إلى الجانب المنتصر!!
* * *
من كل هذه الزوايا.. لنا أن نفرح بتكليف عصام شرف رئيساً لوزراء مصر، وأن نأمل ألا يخيب ظنوننا.
وفى الوقت نفسه، فإن قلوبنا معه، لأن التحديات التى أمامه أضخم من الجبال، فهو مطالب بقيادة سفينة الوطن فى وقت عصيب وظروف بالغة الصعوبة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
تعالوا نعمل معاً من أجل إعادة بناء مصر التى نهبها النظام السابق وسمم أجواءها وقهر أبناءها وسرق مقدراتها.
ولتسلمى يا مصر.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن