هلوسة الصمود وحب الشعوب ... التغيير

مسعود محمد
massoud.mohamad@gmail.com

2011 / 3 / 5

كتبت رويترز " خرج علينا سيف الاسلام القذافي في مقابلة مع التلفزيون الأمريكي، لينفي اجتياح الاضطرابات ليبيا. وقال لل "ايه بي سي"، ان هناك فجوة كبيرة بين الواقع والتقارير الاعلامية". بالأمس شاهدت سيف الاسلام على تلفزيون العربية من خلال شريط مصور بالهاتف الجوال يقفز على ظهر عربة ملوحا بسلاحه مخاطبا انصارا له، يدعوهم للقتال والصمود. السؤال الذي يطرح نفسه ما، العلاقة فيما بين ما قاله ابن القذافي في المقابلة عن الهدوء والتلويح بالسلاح " الجنوب هادىء، الغرب هادىء، الوسط هادىء، وحتى جزىء من الشرق". مشكلة الشعوب العربية أن الغوغائية والنزعات العاطفية كانت هي السائدة دوما على الشارع العربي باستثناء الحالات المستجدة في هذه الأيام (ثورات تونس، مصر، ليبيا). ان الجماهير ومعها القيادات السياسية كانت تصور الأمور وفق رغباتها وتمنياتها، لا كما هي على أرض الواقع. والويل لمن لا يجاري ولا يداري هذا المد العاطفي الغوغائي، ويحاول إعطاء صورة حقيقية لما يجري ومغايرة لتصوراتهم الرغبوية.
القذافي الأب ليس أقل وهما من القذافي الابن فلقد نفي الزعيم الليبي معمر القذافي ان تكون هناك مظاهرات ضده في بلاده، مؤكدا، ان الذين يتظاهرون ضده يتعاطون عقاقير الهلوسة.
وقال القذافي في مقابلة اجرتها معه شبكة "ايه بي سي" الامريكية في مطعم بالعاصمة الليبية طرابلس استغرق اكثر من ساعة "شعبي يحبني ومستعد للموت من اجلي"، مضيفا انه لا يستطيع ان يتنحى لانه ليس رئيسا، او ملكا. القذافي يعلم أن العرب والمسلمين قد أدمنوا على ثقافة التضحيات والخسائر التي صارت مصدراً للتباهي والتفاخر عندهم، حتى أصبحت التضحيات والخسائر بحد ذاتها مكاسب وانتصارات. ولا عجب في ذلك، فشعارهم المقدس: تحقير الحياة وتمجيد الموت. لذلك هو شديد الثقة بأن الشعب سيضحي بحياته ليعيش القائد، فالقذافي ابن المدرسة الأممية ونشيدها يقول " حتى يبقى القائد ماتوا الجنود" الا أن ما لا يعلمه القذافي هو أن الشعوب لم تعد تتحمل مفارقة أن يكون رؤساء البلاد التي فيها أفقر الشعوب العربية، وألأكثر غناء بالموارد الطبيعية، هم الأكثر ثراء في العالم، والاعتراض هنا هو ليس على الثروة، بل على وسيلة تجميع الثروة. لم يكن هؤلاء الرؤساء يعلمون انهم بفسادهم يكسبون الدنيا ويخسرون أنفسهم كما يقول السيد المسيح: (ماذا يكسب الإنسان لو ربح الدنيا كلها وخسر نفسه؟). هذه الخطابات التي هي اشبه بخطابات المهلوسين المتعاطين حبوب الهلوسة، عن النصر الالهي والنصر العظيم والصمود الاسطوري والمقاومة الاسطورية والهروب الاسطوري والاختفاء الاسطوري، والدمار الاسطوري وكل شيء اسطوري باسطوري هي صناعة محور الصمود العربي بامتياز، من فلسطين الى لبنان الى سوريا الى عراق صدام حسين الى ليبيا، وكان القذافي أحد أبرز وجوهه. بمقارنة فيما بين واقع العراق وليبيا حاليا نتذكر، مسؤول الآلة الاعلامية لصدام حسين وحزب البعث المدعو الصحاف ، ففيما كانت دبابات الجيش الامريكي تدخل حرم القصر الجمهوري ببغداد كان الصحاف يتحدث عن انتصارات الجيش العراقي وهزيمة العلوج. والمدرسة الصدامية في العراق ما زالت قائمة فبالرغم من التدمير الهائل ومقتل ما يزيد عن مليون عراقي في عمليات اجرامية اطلق عليها "مقاومة" الا ان هناك من يتحدث عن انتصارات الهية وهمية على العدو الامريكي. من الواضح أن ليبيا لن تشاطر العراق هلوسات الصحاف فقط، الا انها قد تشاطره نفس المصير من ناحية فرض عقوبات كمقدمة لاحتلالها والاستيلاء على نفطها. هلوسة الصمود، لا تقتصر على تيار عربي دون اخر، وسوف تظل موجودة طالما بقي فيها المهووسون المتسلطون الذين لا يعترفون بالهزائم ليس لانها لم تحصل، وليس لان هناك الف الف دليل على حدوثها، وليس لان الكذب والادعاءات الوهمية عن البطولة ظاهرة للعيان، بل لان الطغاة يخافون على كراسيهم ومناصبهم.
بمقاييس الحكم المتزن، المرتكز على الحرية والسيادة والديمقراطية، والقائم على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون، كانت أجزاء عريضة من العالم محرومة منه، لا سيما في جنوب وشرق أوروبا، وأمريكا الجنوبية، وجنوب شرق آسيا، وتميز بذلك الحرمان أفريقيا ، والعالم العربي.
الا أن التطورات التاريخية التي جرت في الثلث الأخير من القرن العشرين، نقلت غالبية تلك الدول إلى نظم دستورية ديمقراطية، وصار مسلما به أن الديمقراطية هي أفضل نظم الحكم، لحفظ كرامة الإنسان وصون حقوقه وتنميته. انطلقت موجة الديمقراطية من أوروبا الجنوبية في سبعينات القرن العشرين (أسبانيا، والبرتغال، واليونان)، وعمت أمريكا اللاتينية في الثمانينات، وتمددت في أوروبا الشرقية في التسعينيات على أثر سقوط المنظومة السوفياتية، ثم ضربت أفريقيا في العقد الأخير، ولا زال مد موجة الديمقراطية متواصلا في إفريقيا، ليبقى العالم العربي عامة في ذيل العالم، في مجال الحكم القائم على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون، لكن مما لا شك فيه أن الموجة السيادية المطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة، التي انطلقت من لبنان العام 2005، وانتفاضة تونس البوعزيزي 2011، وانتفاضة شباب مصر 2011 الذين فرضوا بالأمس على الجيش المصري رفع الحصانة عن الرئيس مبارك، وصحوة شباب ليبيا وانتفاضتهم في بنغازي والانطلاق منها لتحرير ليبيا من البطريريك الذي عيشهم في عزلته اربعين عاما، وشباب اليمن المنتفض بالشارع لأنهم يريدون يَمَنُهُم سعيدا، غيَروا تلك الحقيقة وسيضعون العالم العربي وشعوبه في قمة القائمة. رياح التغيير، التي أطاحت بنظامين عربيين معمرين، خلال أقل من شهر، وعلى وشك الاطاحة بنظام ثالث " ليبيا" ويضع نظام رابع على السكة "اليمن" لن تهدأ قبل أن تحقق أهدافها. حتى الدول التي لم تضربها العاصفة بعد هي معرضة للاهتزاز ان لم تُجرِ اصلاحات جذرية عاجلة. الشباب يريد تغيير النظام أي الحاق بلدانهم بركب العالم المتقدم، حيث الحريات والحقوق. لن يقبلوا بأقل من ذلك، من استطاع من الأنظمة العربية تحقيق تلك الاصلاحات سَلِمَ، والا ستكون في مهب ريح التغيير.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن