ملف دكاترة التعليم المدرسي بعد أسبوعين من الإضراب المفتوح

علي أوعسري
aouasri@yahoo.fr

2011 / 3 / 1

يخوض الدكاترة العاملون في قطاع التعليم المدرسي منذ 18 فبراير 2011 إضرابا عن العمل مصحوبا باعتصام مفتوح أمام وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي للدفاع عن حقوقهم المشروعة في تغيير إطارهم من أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي إلى أساتذة التعليم العالي مساعدين.
إننا هنا لا نتغيا الدخول في تفاصيل ومسببات هذا الإضراب المفتوح الذي جاء في سياق وطني وإقليمي بالغ الحساسية والذي فيه عبر الدكاترة عن التزامهم بالنضال السلمي من أجل إثارة وضعية الدكاترة المأزومة في قطاع التعليم المدرسي وإيصال الرسائل إلى كل الأطراف الفاعلة في منظومة التربية والتكوين بشقيها التعليم المدرسي والعالي، وكذا إلى الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية والنقابية والإعلامية، باعتبار ما يجري في المدرسة والجامعة المغربية يهم كل فئات المجتمع المغربي وقواه الحية.
ما نريد التطرق إليه في هذا المقال هو اقتراح بعض المقترحات العملية الكفيلة بحل هذا الملف في ارتباط وتفاعل مع أراء كل المعنيين بمصير منظومة التربية والتكوين التي تعرف اختلالات عميقة قد تعجل – في حال عدم حل الملفات العالقة وعلى رأسها ملف دكاترة التعليم المدرسي- بكل الطموحات الوطنية في إرساء تعليم حداثي، عقلاني قمين برفع التحديات والرهانات المطروحة على بلادنا من تنمية وتقدم وبناء مجتمع المعرفة الذي بات مطلبا مجتمعيا وتاريخيا لا محيد عنه.
يهمنا في هذا السياق التوجه إلى مختلف الفاعلين في الساحة التربوية من جامعيين وأكاديميين ونقابيين وسياسيين وكذا جمعيات الآباء لوضعهم في صورة التطورات التي يعيشها ملف دكاترة التعليم المدرسي. فبعد حوالي أسبوعين من الإضراب المفتوح لم تتحرك الوزارة لطرح أية مبادرة فعلية تروم إنهاء هذا الإضراب لما فيه مصلحة تلامذتنا المقبلين على اجتياز الامتحانات الجهوية والوطنية. وفي هذا فان الوزارة تتحمل كامل المسؤولية في ما ستؤول إليه أوضاع هؤلاء التلاميذ الذين قد يجدون أنفسهم أمام سنة بيضاء قد تجعل حدا لكل الخطابات الديماغوجية للوزارة في تصديها للهدر المدرسي.
إن الوزارة الوصية، التي فشلت فشلا ذريعا في تدبير مباريات تغيير الإطار التي جرت منذ أكثر من شهرين، لم يعد بإمكانها ما تقدمه لطي هذا الملف الذي بات يتطلب تدخل الجهات العليا لإيجاد مخرج ملائم لهذا المشكل. وإذ نحيط الرأي العام الوطني أن لجوء دكاترة التعليم المدرسي إلى الإضراب المفتوح جاء بعد استنفاذ المدة الزمنية اللازمة للإفراج عن نتائج المباريات المذكورة، فإننا نؤكد من جديد على:
- ضرورة محاسبة المتورطين في التلاعبات التي صاحبت إجراء المباريات مع التذكير على أن أي إلغاء لنتائج المباريات يعد ارتجالا وهدرا للمال العام يستلزم محاسبة المتورطين في هذه التلاعبات. كما أن أي إلغاء لنتائج هذه المباريات يعد تراجعا إلى الوراء. فكيف يعقل أن تقدم الوزارة على حل شامل لهذا الملف في وقت لم تستطع فيه، بسبب من التلاعبات التي أحاطت بهذه المباريات، اجرأة ما تم الاتفاق عليه سابقا وفي حدوده الدنيا، أي الإفراج عن نتائج المباريات.
- إن الدكاترة بإقدامهم على الإضراب المفتوح يكونون قد نقلوا هذا الملف، الذي فيه تتكثف أزمة واختلالات المدرسة والجامعة المغربية، من مرحلة القبول بحل تدريجي إلى مرحلة أخرى أضحى فيها الحل الشامل هو المخرج الوحيد لهذه الأزمة.
- إن الحل الشامل ليس حلا طوباويا ((utopique يصعب تحقيقه، بل انه حل يتطلب من الحكومة المغربية التحلي بالشجاعة الكاملة للاعتراف بالخلل الذي ينخر تدبير الكفاءات الوطنية، خاصة في مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي. ففي الوقت الذي باتت فيه الجامعة المغربية ومؤسسات تكوين الأطر معاقل لكل أنواع الأساتذة غير الحاصلين على الدكتوراه، تجد الدكاترة في قطاع التعليم المدرسي محرومين من حقهم المشروع في ممارسة البحث العلمي الذي لا مدخل له إلا بتغيير إطارهم إلى أساتذة التعليم العالي مساعدين.
- إن النقابة الوطنية للتعليم العالي، التي من المفترض أن تكون الداعم الأساس لملف دكاترة التعليم المدرسي، لم تخرج بعد بموقف صريح يساند نضال الدكاترة المعتصمين دفاعا عن حقوقهم المشروعة. قد نتفهم موقف نقابة التعليم العالي بخصوص ضرورة إجراء المباريات كشرط لولوج الجامعة وفق ما ينص علية قانون 00-01 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، لكن لا نتفهم كيف أن هذه النقابة ضلت صامتة أمام ما يجري من عبث في الجامعة التي أضحى يدرس فيها، بالتعاقد، كل من هب ودب. بل أكثر من ذلك كيف قبلت بولوج أساتذة غير حاصلين على الدكتوراه تابعين للمدارس العليا للأساتذة في إطار إلحاق هذه المؤسسات بالجامعة.
- إذا لم تعمل النقابة الوطنية للتعليم العالي على تجاوز هذه الإشكالية-المفارقة، وهو ما نتوخاه لها، فان خطابها حول الدفاع عن الجامعة وتطوير البحث العلمي فيها قد يفقد مصداقيته، وفي هذا خطر على مستقبل منظومة التربية والتكوين وعلى مصلحة البلاد برمتها.
- إن مصلحة البلاد وما يقتضيه ذلك من اعتماد الكفاءة والشفافية والديمقراطية في إسناد المناصب بالجامعة المغربية ومؤسسات تكوين الأطر يستلزم اعتماد حلول مرنة تستجيب لهذه المرحلة الانتقالية الحرجة التي تمر منها البلاد بشكل عام ومنظومة التربية والتكوين بشكل خاص.
- في هذه النقطة بالذات ندعو من جديد المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي المساهمة في اقتراح ما يراه قمينا بوضع حد لهذه الأزمة التي تعري واقع منظومة التربية والتكوين مع مراعاة استثنائية هذه المرحلة الحساسة وكذا معاناة الدكاترة في قطاع التعليم المدرسي.
- إن الدكاترة في إضرابهم واعتصامهم المفتوحين وصلوا إلى نقطة اللاعودة، وهم في ذلك مقتنعون كل الاقتناع أنهم بصدد تقديم خدمة عمومية للبلاد وليس فقط الحصول على إطار أساتذة التعليم العالي مساعدين، ذلك أن أي حل لهذا الملف سوف ينجم عنه ضخ دماء جديدة في الجامعة المغربية وفي مؤسسات تكوين الأطر التي تحتاج إلى أساتذة حاملين للدكتوراه وليس لدبلومات متواضعة. كما أن إضراب الدكاترة كشف عن الوجه المقنع لما يجري بداخل منظومة التربية والتكوين وفجر أزمة مسكوت عنها. دام الدكاترة فئة طليعية في النضال وفي البحث العلمي.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن