نحو موقف أمريكي جديد من الشعب العراقي

جعفر المظفر
jafaralmudhafar@yahoo.com

2011 / 2 / 22

أردت من مقالتي هذه أن تحمل أفكارا حول إمكانات قيام علاقات أمريكية عراقية جديدة من شأنها أن تخدم قضية الشعب العراقي, خاصة وأن هذا الشعب بدأ فورانا لا بد وأن يترجمه إلى حالة غضب عارمة في وجه الفساد والتخلف والتزوير والسرقة وكل ما كان أنتجه تحالف الاحتلال والمتعاونين معه من ظواهر مأساوية.
لا أختلف مطلقا مع كل من يعتقد أن الاحتلال لم يأتي إلى العراق لسواد عيون الشعب العراقي وإنما أتي ليحقق أهدافا إستراتيجية ذات طابع عراقي وإقليمي ودولي, وأن الإطاحة بالدكتاتور صدام لم تكن سوى ممرا لتلك الأهداف. عراقيا كان الأمر قد تطلب حينها أن تجري عملية تفكيك أوصال الدولة القديمة بما يفرغ العراق من كل ما يمكن اعتباره خطرا على المنطقة.
ولقد أنجز الاحتلال تلك الصفحة من خلال تعاونه مع أحزاب وحركات ساعدته في تأسيس مناخات ملائمة أدت إلى دخول العراق في مستنقع لم يكن مقدرا له أن ينتج سوى مزيدا من الاقتتال والفرقة والتخلف, ويحول العراق إلى أكثر الدول فسادا في العالم , ولم تأتي مظاهر التخلف تلك اعتباطا وإنما أتت لتعبر عن حالة خلل أساسي في بنية تلك الأحزاب نفسها, وهو خلل لا يمكن إصلاحة مطلقا إلا إذا لم يجري بناء العراق على أسس رصينة لدولة مدنية ديمقراطية علمانية حرة, دون ذلك فإن أية محاولة لإصلاح الوضع الفاسد ستبقى محاولة سطحية وترقيعية ولا تقدم حلا جوهريا لأزمة باتت تطلب هذا الحل وليس مقدرا لها أن تنتهي بدونه.
لقد نجحت هذه الأحزاب في المساهمة بقيادة مرحلة "التفليش" وهي الصفحة الأولى في برنامج الاحتلال, لكنها بدت عاجزة تماما عن الخروج من تلك المرحلة إلى أخرى جديدة تكون من ضمن أهدافها الأساسية بناء دولة بديلة.
وحتى إذا ما قيل أن الخلل لا يكمن في بنية تلك الأحزاب وإنما في معطيات المرحلة وضغوطاتها فسأقول إن حجم الفساد الذي مارسته كان من السعة بحيث يجعل قدرتها على التخلص من تداعياته الأخلاقية أمرا محدودا.
وليس هناك شك أن أمريكا قد حققت الكثير من أهداف الحرب ضد العراق بحيث أنه ما عاد يشكل تهديدا على أي مستوى لمصالحها الإستراتيجية في المنطقة, الأمر الذي يغير بالتالي من طبيعة المرحلة ذاتها, ومن تحالفاتها أيضا, ويجعلنا أمام حقيقة مقدر لها أن تلعب الدور الأساسي في ترتيب تلك التحالفات, وهي أن القوى والمناهج والأفكار التي خدمت أمريكا في مرحلة قضائها على شكل الدولة القديمة ليس في قدرتها إنشاء دولة جديدة وذلك لعجز بنيتها عن تأسيس حالة إيجابية بديلة ولو بالحد الأدنى.
معنى ذلك أن مزيدا من التدهور الذي يعبر عن نفسه بالفساد والتفكك الاجتماعي والسياسي قد لا يكون في صالح أمريكا, التي وإن كان همها سابقا أن لا يكون العراق " أقوى مما يجب " فإنما يهمها أيضا أن لا يكون الآن "أضعف مما يجب".
والحال, إن "معادلة الضعف والقوة" لها اتجاهات متعاكسة في الإفادة والضرر, فحيث يسبب العراق الأقوى مما يجب أضرارا لأمريكا, فإن العراق الأضعف مما يجب يعطي فوائد لأعدائها, وفي المقدمة منهم إيران.
إن مرحلة إنهاء العراق الأقوى مما يجب قد انتهت.
لكن مرحلة منع العراق لكي لا يكون أضعف مما يجب ربما تكون بدأت.
وليس هناك فرصة ولو ضئيلة أن تتحول قوى التفليش إلى قوى بناء, كما وليس مقدرا أبدا ان تظل أمريكا تساند قوى صارت عبئا عليها في عالم تدعي أنها تريده أكثر رخاء وأقل ظلما.
وسواء كانت أمريكا صادقة في دعوتها تلك أم لم تكن فإن المبادرة الآن لم تعد بيدها كما كانت من قبل خاصة وإن العراقيين ليسوا الآن في وارد الصراع الأيديولوجي وليس في نيتهم إعادة بناء عوامل وأسس الصدام معها, لذلك فإن دعوتهم لإسقاط الفساد وإنهاء القوى التي تقف وراءه لا تتقاطع ومصالح أمريكا التي يهمها أن لا يصير العراق أضعف مما يجب لكي لا يذهب حصة لأعدائها, ولا بد أن يهمها أيضا أن لا تبقى ديمقراطيتها في العراق تؤسس لحالات لا تفرق سوء عما أسسته الدكتاتورية ذاتها.
لكن ذلك لن يتحقق ما لم يكن باستطاعة ساحة التحرير أن تلد القوى التي يمكن المراهنة عليها والحوار معها حول مستقبل عراقي خال من الديكتاتوريات ومن المتسترين خلف ديمقراطيات التفليش.
أما أمريكا فأمامها الآن فرصة لغسل بعض ما تسببت به من آلام للعراقيين, فإن لم تقدم على ذلك فسيكون من الصعب عليها تفسير موقفها بخطاب تهاجم فيه الديكتاتورية وتدافع فيه عن الديمقراطيات المشوهة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن