مهمات المجتمع المدني الثقيلة

علي محمد فخرو

2002 / 8 / 10

 

 

في المجتمعات غير الديمقراطية، حيث تغيب المؤسَّـسات الإعلامية المستقلَّة عن الدولة، وتهمّش أو تحتوي أحزاب المعارضة، وتقمع جماعات الفكر النقدي الملتزم المبدع، ... في مثل هذه المجتمعات تتحمَّل مؤسسات المجتمع المدني غير السياسية مسؤوليَّـات سياسيَّة مضاعفة تجاه المواطنين والأوطان.
وبالطبع فان هذه الصورة والحالة تنطبق علي المجتمعات العربية بصورة كبيرة. في اعتقادي أن هذه المؤسسات العربية تتحمَّل المسؤوليات التالية، مهما كانت أهدافها الأصليَّة ومسمَّياتها:
فأولاً: جرت العادة أن تراقب السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بعضها البعض لمنع تضارب السلطات ومقاومة الفساد فيها. كما أنها جميعها تحت رقابة قوي المعارضة ووسائل الإعلام. أما في الأرض العربية فان جميع تلك السلطات تنتمي إلي مصدر سلطة واحدة تتمثَّل في فرد أو عائلة أو طائفة أو جيش وبالتالي فالمراقبة الحقيقيَّة وتوازن القوي مفقودة. من هنا تأتي أهميَّة تواجد القوي غير السياسيَّة أو الإعلامية التقليـديَّة المعروفة لتسَّد هذا الفراغ الكبير. من هنا أيضاً تأتي أهميَّة أن تكون تلك القوي في شكل مؤسسات وجماعات مستقلَّة عن الدولة مالياً وتنظيميَّـاً لتستطيع ممارسة أدوار المراقبة النـَّزيهة وفضح المخالفات وإعلام المواطنين وتجييشهم للمقاومة.
ثانياًً: مثلما مطلوب من مؤسسات المجتمع المدني أن تراقب سلطات الدولة، كذلك مطلوب منها أن تراقب بعضها البعض. فليس بخاف علي أحد أن في المجتمع العربي جماعات وتنظيمات غير ديمقراطية في فكرها وممارساتها؟ بل إن بعضها لا يقلُّ في قمعيـَّـته وتوحُّشه عن بعض سلطات الدولة، وأنـَّه يحظي بمباركة ودعم بعض الدوائر الرسميَّة فيما يقوله ويفعله.
إذا كانت مؤسسات المجتمع المدني تريد أن تحُتَرم وتدعم من قبل المواطنين فانها لا تستطيع التخلِّي عن تطهير نفسها وعن مقاومة الفساد والبغي في شقيقاتها، في شكل مناقشات موضوعيَّة وعزل حقيقي لمن يعتدون علي حقوق العباد باسم ممارستهم لحقوقهم.
ثالثاًً: هناك مهمَّة جديدة وثقيلة أفرزتها سلبياَّت العولمة التي بدأت تفوح روائحها الكريهة شيئاً فشيئاً. لنأخذ هنا بعض الأمثلة: هناك أحاديث عن شركات أدوية عالميَّة تصنـِّع وتسوِّق وتجرَّب أدوية وعقاقير في مجتمعات العالم الثالث قبل أن تأخذ حقَّها من الدراسات المخبريَّة الكافية وقبل أن تسمح بتداولها سلطات البلدان التي تنتمي إليها تلك الشركات. هناك مناقشات حول القضاء علي نباتات زراعية عاشت في العالم الثالث ألوف السَّنين لتواجه الفناء اليوم بسبب إدخال نباتات مماثلة، ولكنَّها معدّلة من خلال وسائل التلاعب بهندسة الجينات، إلي تلك البلدان. هناك أسلحة تجرَّب في بلداننا وهناك نفايات ضارة سامَّة تدفن في تربتنا. وهناك الكثير الكثير من هذه الأمثلة.
إن الدلائل تشير علي أن هذه الممارسات تقوم بها في الأساس الشركات المتعدَّدة الجنسيات العملاقة بتواطؤ ومساعدة من قبل قوي جشعة أو فاسدة محليَّة. في ظلَّ غياب التوازنات والمراقبة التي تحدثنا عنها تنتقل المسؤولية الجسيمة هذه، مسؤوليَّة منع هذه الشركات التي تدعمها وزارات خارجيتها ووزارات دفاعها من إجراء تجاربها الإجرامية علي شعوبنا وفي أرضنا، لتقع علي عاتق مؤسسات المجتمع المدني في المراقبة والمقاومة.
إلي أن تنتقل مجتمعاتنا إلي الديمقراطية الحقيقية سيكون قدر كل مؤسسات المجتمع المدني العربية أن تنغمس في السياسة حتي الرأس.




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن