الماوية: نظرية و ممارسة 3 - لندرس الثورة الماوية فى النيبال و نتعلّم منها ( من أهمّ وثائق فترة 1995-2001)

شادي الشماوي
sonson2121@gmail.com

2011 / 2 / 9

الماوية : نظرية و ممارسة - 3 - لندرس الثورة الماوية فى النيبال و نتعلّم منها ( من أهمّ وثائق فترة 1995-2001)


بقلم : شادي الشماوي


لندرس الثورة الماوية فى النيبال و نتعلّم منها ( من أهمّ وثائق فترة 1995-2001)



مقدّمة :
من صميم الأهداف الشيوعية الثورة البروليتارية العالمية بإعتبار الطبقة العاملة و احدة و عالمية فى مصالحها و مصيرها و مهمتها التاريخية . " يا عمال العالم اتحدوا ! " هي الصرخة التى ختم بها ماركس و انجلز " بيان الحزب الشيوعي " المكتوب فى 1848.
و مع بلوغ الرأسمالية مرحلة أعلى هي مرحلتها الامبريالية منذ أواخر القرن التاسع عشرة و إنتصار ثورة أكتوبرالمجيدة سنة 1917 ، غدت حركات التحرر الوطني رافدا من روافد الثورة البروليتارية العالمية كسيرورة واحدة و لكن ذات التيارين أو الطريقين المختلفين ، طريق فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة و طريق فى البلدان الرأسمالية -الامبريالية لذلك غيرت الأممية الشيوعية بقيادة لينين و ستالين الصرخة /الشعار أعلاه ليمسي " يا عمل العالم و شعوبه و أممه المضطهَدة اتحدوا ! " .
و منذ أواسط القرن العشرين تحولت مناطق العواصف الثورية إلى بلدان آسيا و أمريكا اللاتينية و أفريقيا و صار التناقض الرئيسي عالميا هو التناقض بين الإمبريالية من جهة و الشعوب و الأمم المضطهَدة من جهة ثانية .
و تتنزل الثورة الديمقراطية الجديدة/الوطنية الديمقراطية ضمن تيار أو طريق الثورة الديمقراطية الجديدة بقيادة البروليتاريا تمهيدا للتحويل الإشتراكي فالشيوعية.
و الشيوعيون و الشيوعيات و من يدعون ذلك فى عدد الأقطار العربية، قولا ،ل ا يختلفون كثيرا حول التوصيف المقتضب أعلاه غير أنهم ، وعمليا و فى ظل هيمنة التحريفية على الحركة الشيوعية العربية ، يتخلون عن قيادة البروليتاريا للثورة الديمقراطية الجديدة وعن وحدة الطبقة العاملة و الثورة العالميين ( وهما مسألتان تستحقان لوحدهما دراسة بأكملها ) و يضعون جانبا ممارسة أممية هي مساندة حركات التحرر الوطني فى العالم وهي النقطة الأولى التى سنسلط عليها شيئا من الضوء .
فهم و هن منذ عقود و بعض المساندات الخجولة لبعض الثورات كتلك بنيكارغوا و بالفليبين لم نراهم أولوا العناية اللازمة للمسألة حيث صبوا جهودهم فى مساندة النضال فى فلسطين و العراق و لبنان فى نوع من القومجة و الخونجة المترجمتين فى الشعارات و المضامين و التحالفات غير الشيوعية . و التحركات الشعبية و النقابية منها بالخصوص فى المدة الأخيرة بشعاراتها و بياناتها و لافتاتها إلخ أفضل دليل على ذلك.
ومثال لا أسطع منه عن وضع الشيوعيات و الشيوعيين و من يدعون ذلك مساندة حركات التحرر فى العالم جانبا هو مثال الثورة النيبالية التى فرضت نفسها عالميا و حتى فى وسائل الاعلام العربية خاصة فى أفريل 2006 . لعقد، بإقتدار يقود الشيوعيون و الشيوعيات الماويون و الماويات /الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) ثورة ديمقراطية جديدة و يحققون إنتصارات باهرة ماضين قدما فى تركيز السلطة الشعبية على ما يناهز الثمانين بالمائة من البلاد و فى العمل على إفتكاك السلطة عبر النيبال كافة. و الحركة الشيوعية العربية التى تهيمن عليها التحريفية بأنواعها سلكت و تسلك سياسة النعامة تجاهها.
فجرائد أحزاب ومنظمات و مجموعات "شيوعية" تحدثت بإطناب عن ما إستجد فى فينيزولا على سبيل المثال بيد أنها لم تشر لا من قريب و لا من بعيد إلى الثورة فى النيبال و هو أمر منها لا يستغرب ذلك أن الخط الإيديولوجي و السياسي الذى يقود الحزب الشيوعي النيبالي (الماوى) يتناقض تماما مع الخطوط التحريفية و بالتالي الدعاية للثورة النيبالية من شأنه أن يزيد فى عزلة التحريفيين و يفضح خطأ توجهاتهم و يدعم الماويين و الأفكار الماركسية-اللينينية-الماوية .
و ذات الشيئ يمكن قوله بالنسبة الى المجموعات التى تدعي الثورية والتى إنغلقت على ذاتها و خفضت من نظرها الى درجة تحولها الى تيارات نقابية أو شرعوية بعيدة كل البعد عن الأممية البروليتارية و عن الحركة الشيوعية العالمية و بالتالي عن الثورة البروليتارية العالمية و الثورة النيبالية جزءا طليعيا منها قولا و فعلا و الحزب الشيوعي النيبالي (الماوى ) فضلا عن إنخراطه من بداياته الأولى فى منظمة عالمية تعد نواة للحركة الشيوعية العالمية الجديدة الم-الل-الماوية ، لم يدع فرصة تمر إلا و أكد فيها على أنه يدفع الى الأمام بالثورة الديمقراطية الجديدة فى النيبال خدمة للثورة البروليتارية العالمية و يربى الشيوعيين و الشيوعيات و الشعب عموما على ذلك.
أما الشيوعيون و الشيوعيات الماويون و الماويات فعملهم الدعائي و مساندتهم لهذه الثورة محتشم للغاية ، هذا العمل الذى ينبغى أن يتجه حاليا صوب فضح موقف التعمية لدى من يدعون الشيوعية وصوب نشر أدبيات الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و التجربة النيبالية كثورة ديمقراطية جديدة و من هذه الأدبيات و التجربة ستحصل عظيم الفائدة سواء فى خوض الصراع الايديولوجي و السياسي أو فى خوض الصراع الطبقي عموما.
أولا ، حققت حرب الشعب فى النيبال راهنا مناطق سلطة حمراء هي بمثابة منارة عالمية جديدة بعد فقدان البروليتاريا للدول الإشتراكية السابقة، منارة لمن يرنو رفع رأسه ليستلهم من هذا النموذج الحي الرائد و المتقدم الذى بني على قاعدة التراث الثوري للبروليتاريا العالمية و تقييم تجارب الحركة الشيوعية العالمية و الذى يغير العالم ثوريا من منظور البروليتاريا العالمية مؤكدا تهافت مقولة "موت الشيوعية ".
و ثانيا، أثبتت مجددا صحة و حيوية الم-الل-الماوية التى ينبغى أن نجعل منها قائدة الموجة الجديدة للثورة البروليتارية العالمية لنبني العالم الآخر الممكن ، العالم الشيوعي. .
إن التجربة النيبالية قادرة اذا أحسن التعامل معها شيوعيا أن تساهم فى ايقاف نزيف التنازلات و الانحرافات القومجية و الخونجة من ناحية و أن تساهم من ناحية أخرى فى إعادة إن إلى حدود ، تألق الشيوعية كنقيض حقيقي للإمبريايلية معركته معها معركة حياة أو موت (إما إشتراكية و إما بربرية ) و كمشيد حقيقي لمجتمع بديل عادل هدفه النهائي القضاء على المجتمع الطبقي مصدر الإستغلال و الإضطهاد و الحروب و إحلال المجتمع الشيوعي محله .
و لأجل أن نلمس لمس اليد مدى انتهازية المجموعات التى تدعى أنها شيوعية فى الوطن العربي تجاه الثورة النيبالية التى فرضت نفسها عالميا و منذ سنوات، نضع بين أيديكم وثيقة /قرار ليس من الماويين فى العالم وإنما هو قرار صادر (وليس الأول و لا الأخير ) عن منظمات فى ندوة بروكسال العالمية وهي منظمات تجتمع تحت مظلة وسطية، واسعة للغاية و لها خلافات كبرى حول قضايا حيوية من أسماء المنظمات ستستنتجونها :
قرارحول النيبال (موقف الندوة الشيوعية العالمية فى بروكسال ، 2-4 ماي 2004 بصدد حرب الشعب فى النيبال):
منذ 1996 ، يقود الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) حرب الشعب فى النيبال بهدف الاطاحة بالاقطاعية و الهيمنة الامبريالية و انجاز ثورة ديمقراطية جديدة تمهيدا للتحويل الاشتراكي نحوالشيوعية .
خلال سيرورة ثمانى سنوات من حرب الشعب ، قتل عدو الشعب النيبالي المسنود ماليا و عسكريا و لوجستيا من طرف الامبريالية الأمريكية ، قتل أكثر من ثمانية آلاف نيبالي و نيبالية . بيد أنه بالرغم من القمع و الغطرسة الغاشمين ، ما فتأت حرب الشعب تتقدم صوب قيادة الجماهير المضطهدة النيبالية الى الظفر .
نجاح حرب الشعب فى النيبال من نجاح البروليتاريين فى العالم بأسره ، البروليتاريين الذين يقاتلون الهيمنة و النهب الامبرياليين . على هذه الخلفية من الحماس الثوري نوقع على هذا القرار باعتباره :
- تنديدا بتدخل الامبرياليين الأمركايين العسكري و السياسي فى النيبال .
- استنكارا شديدا لوضع الولايات المتحدة الأمريكية للحزب الشيوعي النيبالى (الماوي) ضمن"قائمة الارهابيين".
- ترحيبا بافتكاك الجماهير الثورية السلطة شيئا فشيئا ، فى ظل قيادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي).
- دفعا باتجاه الاطاحة بالنظام الاقطاعي الأوتوقراطي للملك غوانندراشاه ، كلب الامبريالية الأمركية .
- تحفيزا للشيوعيين و الثوريين و الديمقراطيين و القوى المناهضة للامبريالية عبر العالم ليساندوا الحل السياسي الراهن الذى تقدم به الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) ، مؤتمر مداولات ، حكومة انتقالية و انتخاب مجلس تأسيسي .
إقترحته الندوة الثورية النيبالية المناهضة للامبريالية و أمضته المنظمات التالية :
1-الحزب الشيوعي الكندى(الم-الل)
2- حزب العمل الألباني
3-الحزب الشيوعي السويدي (الثوري )
4-حزب العمال العالمي بالولايات المتحدة الأمريكية
5-الحزب الشيوعي الثوري البريطاني الم-الل
6- الجبهة الوطنية الديمقراطية الفليبينية
7- الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
8- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
9- حزب العمال الكوري
10- رابطة الشيوعيين الأندونيسيين
11- حزب العمال البلجيكي
12-الحزب الماركسي –اللينيني التركي /شمال كردستان
13-الجبهة الشعبية الثورية لتحرير تركيا
14- مجلة لالكار البريطانية
15-الحزب الشيوعي الهندي الم-الل جاناسكتي
16- الحزب الشيوعي الهندىالم-الل تحرير

17- الحزب الشيوعي الهندى الم-الل الراية الحمراء
18- منظمة طريق التحريرالاشتراكية /الولايات المتحدة
19- منظمة شعبية كنغولية
20- الحزب الشيوعي الكوبي
21-الحزب العمالي الأحمر /المكسيك
22- اتحاد الشيوعيين الثوريين /فرنسا
23- الحزب الشيوعي الألماني
24- الحزب الشيوعي البنغالي الم-الل/بنغلاداش
25- الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي
26- الندوة العالمية لجنوب آسيا /كندا
27- الندوة العالمية لجنوب آسيا /الولايات المتحدة
28- الحزب الديمقراطي الأفغاني
29- جمعية كارل ماركس المجرية
30-الحزب الشيوعي الم-الل البينيني
31- المنظمة العالمية لمحامى الشعب
32- أوقفوا الولايات المتحدة الأمريكية /بلجيكا


------------------------------
انطلقت حرب الشعب بقيادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) فى 1996 بعدد قليل من المقاتلين و المقاتلات المتسلحين و المتسلحات ببنادق أو سكاكين أو عصي أو غالبا دون سلاح سوى قناعتهم الراسخة بصحة الطريق الثوري المتبع و بخدمة الشعب النيبالي مهما كانت التضحيات و بخدمة الحركة الشيوعية العالمية فى ارتباط عضوي للجزء بالكل فى عملية تطور جدلية للموجة الجديدة من الثورة البروليتارية العالمية تحت راية الماركسية- اللينينية –الماوية كمرحلة جديدة ثالثة و أرقى فى علم الثورة البروليتاري.
و ما هي الا سنوات حتى مرّت حرب الشعب من مرحلة الدفاع الإستراتيجي إلى التوازن الإستراتيجي و دخلت منذ أكثر من سنة مرحلة الهجوم الإستراتيجي و قطعت فى المدة الأخيرة أشواطا عملاقة مما أذهل الملاحظين و جعل الرجعية العالمية من جهة و القوى التقدمية و الثورية عالميا تركز ، كل طبعا من منظوره و وفق غاياته ، إهتمامها على التطورات فى النيبال و على الماوية و ما أبرزته فى سنوات من حرب الشعب من حيوية ثورية سيما و أن حرب الشعب و قد أقامت منذ سنوات مناطق ارتكاز اكتسحت قرابة ال80 بالمائة من مناطق البلاد و هي تحكم سيطرتها عليها و تقيم فيها فعلا سلطة سياسية جديدة ثورية وكذلك برهنت على قدرتها على محاصرة العاصمة كتمندو و عزلها لأيام فأسابيع.
و قد فرضت التطورات على ساحة المعركة السياسية (و الحربية بما هي امتداد للسياسة بوسائل عنيفة) نفسها على الأخبار العالمية و قليلة هي الصحف و الاذاعات و التلفزات التى لم تتحدث عن النيبال و الماويين الذين كانوا موضوع تعتيم إعلامي ، خاصة فى شهر أفريل 2006 الذى شهد إحدى المعارك الهامة ضد النظام الملكي النيبالي المسنود سياسيا و ماليا و عسكريا من قبل الإمبريالية الأمريكية و الهند التوسعية و الإمبرياليات الأوروبية و منها بالخصوص أنجلترا و بلجيكا.
أمام التقدم الهائل لحرب الشعب الماوية فى النيبال و فشل المناورات و مجازر الجيش الملكى فى كبح جماح هذا التقدم على كافة الأصعدة عمد الملك غوانندرا ، فى غرة فيفري 2005 الى إعلان حالة الطوارئ و حل البرلمان و طرد الوزير الأول و تعليق الحقوق الدستورية فى محاولة يائسة لمركزة السلط تحسينا لأداء الدولة و عامودها الفقري الجيش الملكى ضد ثورة الديمقراطية الجديدة التى يقودها باقتدار الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ). بيد أن تكتيك النظام الملكي لإسترجاع أنفاس الدولة الرجعية و توسيع قاعدتها الجماهيرية أفشله الثوريون بسرعة بحكم صمودهم فى المعارك الحربية متسببين فى خسائر فادحة للجيش الملكي و سقوط مريع فى معنوياته و بحكم تصديهم له سياسيا و جماهيريا فى معارك حسب خطط مدروسة إنتهت الى مزيد عزل النظام الملكى و جيشه و إلى تاليا دفع الأحزاب البرلمانية السبعة إلى عقد تحالف تكتيكي مناهض للنظام الملكي ، من أجل نظام جمهوري ديمقراطي ، فى نوفمبر 2005. و بعد مداولات و تنسيق و برمجة خضعت لنقاش ضاف نظمت ، إثر أسابيع من النضالات (اضرابات عامة و مسيرات ...) فى مارس يمكن أن ننعتها ب" حركة أفريل الشعبية " التى امتدت 19 يوما.
فقد نزل عشرات آلاف النيباليين للتظاهر فى الشوارع منذ السادس من أفريل 2006 للاطاحة بالنظام الملكي . و سعي الملك لوضع حد للاضراب العام المبرمج لأربعة أيام ابتداءا من ذلك اليوم بمنع التظاهر و التجمعات العامة و بايقاف المئات ( ايقاف ألف شخص فى اليوم الأول) و الاعتداء بالعنف على الصحفيين و مداهمة المنازل و احتجاز النشطاء ...و فشل فى مسعاه حيث بالرغم من القمع و الإرهاب ، تواصلت المظاهرات العارمة فى العاصمة كتمندو و مدن أخرى مما جعل الحياة العادية تتوقف. و إستمر المد النضالي ليعم سبعين مدينة و يتطور بشكل واسع إلى مصادمات بين المتظاهرين و قوات الشرطة و الجيش التى إستعملت الرصاص الحي متسببة فى جرح حوالي خمسة آلاف شخص وو فاة أكثر من عشرين.
و مثل الطلبة إلى جانب العمال و الفلاحين الذين جاؤوا من قراهم البعيدة إلى المدن جزءا هاما من المساهمين فى المسيرات . و بالطبع لم تغب عن المشاركة الفعالة المجموعات و المنظمات النسائية و ما غاب الأساتذة و لا الأطباء و لا الصحفيين و لا نشطاء حقوق الإنسان و الكتاب و الفنانين مما زاد الحركة إتساعا و عمقا.
خلال هذه الفترة ، فضلا عن العمل السياسي و الصدامى فى الشوارع للمناضلات و المناضلين الماويين ، ودعما لذلك العمل الجبار ،و مع إحترامه إعلان وقفه اطلاق النار فى وادى كتمندو ، نظم جيش التحرير الشعبي الماوي هجمات عدة على قواعد الجيش الملكى فى وسط منطقة تاراي و كبّده خسائرا جمة بشرية و مادية و غنم كمية لا بأس بها من السلاح كما إستولى على مراكز ولايات و أطلق سراح ما يفوق 125 سجينا / سجينة سياسي / سياسية .
وخوفا من فلتان الأمور تماما من يد الملك و عملا بالموقف القائل " لا ينبغى أن يسمح للماويين بالانتصار" ، زادت الإمبريالية العالمية و الأمريكية منها بالخصوص اليد فى اليد مع التوسعية الهندية من الضغط على الملك ليتراجع خطوة إلى الوراء و يعيد البرلمان إلى سالف نشاطه فى تحالف مع الأحزاب البرلمانية السبعة بإتجاه المضي قدما فى إعتبار الماويين قوة سياسية غير شرعية بل إرهابية.
عندئذ، فى هذا الوضع المتفجر الذى ينذر بتداعى نظامه برمته ،إلتجأ الملك إلى المناورة واعدا ، منذ اليوم 16 ل"الانتفاضة " بإعادة البرلمان و الحريات لو توقفت المسيرات غير أن الحركة الشعبية بقيت متمسكة بمطالبها فما كان من الملك ، بعد ثلاثة أيام من مقترحه الأول، إلا أن أعلن إعادة البرلمان فى ظل الملكية متخليا بذلك عن 14 شهرا من الحكم الملكي المطلق .
فهرولت الأحزاب البرلمانية السبعة إلى تعيين جيريجا كويرالا (81 سنة) وزيرا أولا وهو منصب يحتله للمرة الثالثة بينما إعتبر الشيوعيون الماويون النيباليون منذ البداية أن العملية خدعة لبث الشقاق فى صفوف الشعب و المحافظة على النظام الملكي و تمسكوا بأهم المطالب الشعبية : الإطاحة التامة بالنظام الملكي و البرلمان القديم و إعادة صياغة الدستور و إنتخاب جمعية تأسيسية . و ضغط الماويون شعبيا على الحكومة الجديدة فإتخذت قرارين الأول إسقاط تهمة الإرهابيين عن الماويين و جيش التحرير الشعبي و الثاني الدعوة إلى مفاوضات مع الحزب الشيوعي النيبالي (الماوى). لذلك فى أواخر أفريل 2006 أمضى الشيوعيون قرار إيقاف إطلاق النار مع الحكومة على أساس البحث فى إنتخاب جمعية تأسيسية لإعادة صياغة دستور 1990.
كما إستجابت الحكومة لمطلب إطلاق سراح مئات المساجين السياسيين الماويين المحتجزين فى مختلف سجون البلاد فخرج مرفوعي الرأس ينشدون الشعارات الثورية أكثر من 700 سجينة و سجين و لا يزال العمل جاري من أجل إطلاق سراح ما يناهز ال400 من رفاقهم و رفيقاتهم.
و فى 26 ماي إلتأمت محادثات تمهيدية فى كتمندو منتهية إلى ميثاق سلوك إيقاف إطلاق النار متكون من 25 نقطة، فى إطار الإعداد لدورة جديدة من المفاوضات وهي الثالثة بعد فشل مفاوضات سابقة سنة 2001 و سنة 2003.
أما التعبئة و التحركات الشعبية الجماهيرية السلمية فلم تقفا و لا نية لدي الثوريين لإيقافها ففى ماي ، بعد مسيرات حاشدة أمام مقرات الحكومة رغم منع الحكومة التجمعات حول مبانيها و فى ساحاتها ، خلال ندوة صحفية ، تقدم الاتحاد الوطنى لعموم طلبة النيبال – الثوري ، الماوى الإنخراط و التوجه، بمطالب فى تسع نقاط للوزير الأول و ألح أن يلتزم الماويون و الحكومة بتلبيتها قبل الشروع فى المفاوضات بين الجانبين. و تنطوى مطالب الطلبة بالأساس على : 1-ايقاف و محاكمة مغتالي الطلبة و قتلة أبناء الشعب أيام"حركة أفريل الشعبية " 2 - اطلاق سراح السكرتير العام السابق للاتحاد الطلابي و أعضاء سابقين من مكتبه التنفيذي عددهم يناهزالعشرين 3- توفير تعليم عمومي مجاني 4- اعادة تسمية الجامعات و نزع كل ما يتصل بالملك منها (أسماء و تماثيل له و لعائلته)5- انتخاب رؤساء الجامعات.
و فى الأسبوع الثاني من جوان ، أغلق الطلبة الغاضبون جراء اغتيال طالب مدينة جانكيور ، شرقي النيبال . أما الأساتذة الجامعيون و فى الأسبوع ذاته ، بعد شهر من الاحتجاجات ، قاموا باعتصام فى وزارة التربية مطالبين بعزل رئيس جامعة مهندرا سنسكريت وواجهتهم قوات القمع بالايقاف بالعشرات و ضمن الموقوفين و الموقوفات رئيس جمعية الأساتذة و كاتبها العام .
وفى الثاني من جوان 2006 ،شهدت كتمندو تجمعا و مظاهرة من العظمة بمكان إذ نظم الثوريون الماويون صفوفهم و صفوف الجماهير فى سيل بشري غمر العاصمة من كافة نواحي البلاد ليبلغ عدد المشاركين و المشاركات حسب المنظمين 800 ألف. و فى تدخلات القادة الماويين وقع التأكيد على المضي فى طريق الحل السلمى اذا وقع احترام اختيار الشعب لمصيره بحرية . و شددوا على " نحن لم نتعب من الحرب و لا نود التخلى عن الحرب لاقتسام السلطة . اننا نود تحقيق هدفنا عبر طريق أقل دموية ممكن."( قال قائد جيش التحرير الشعبي شرما).و اعتبروا الأحزاب السبعة أحزابا تعمل على الابقاء على الوضع القائم و أنهم القوة الثورية الحقيقية الوحيدة و نبهوا الجماهيرالى أن الملك لم يتراجع سوى خطوة و بامكانه العودة لذا يتعين على الجميع التزام الحذر و اليقظة . و كانت الشعارات مناهضة للملك و من أجل جمهورية ديمقراطية.
و فى تراجع / مناورة أخرى ، ازاء تمسك الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) بالمطالب الأساسية التى مرت بنا و عدم تنازله عنها ، صادق البرلمان على أن ينزع من الملك سلطة اختيار خليفته و تحكمه فى الجيش (ماي2006) كما صادق على سحب حق الفيتو الملكي و تحكمه فى السلطة التشريعية فما عاد على البرلمانيين أن يتشاوروا معه أو أن ينالوا موافقته قبل المصادقة على مشاريع القوانين . ..
و هكذا و قد نبعت السلطة السياسية للديمقراطية الجديدة من بنادق الثوار و الثائرات بقيادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و توسعت و تعمقت تبقى افرازات هذه المعارك الأخيرة حبلى بامكانية فتح الطريق و فسح المجال أمام تحول نظام الديمقراطية الجديدة الى نظام مهيمن على نطاق البلاد كافة...
======================
فى الوقت الذى تطلق الإمبريالية و الرجعية أبواق دعايتها لتزعق بكل ما أوتيت من جهد و قدرة تضليلية بموت الشيوعية و بنهاية التاريخ و فى الوقت الذى إرتد فيه البعض عن المثل العليا الشيوعية و أنكر المكاسب التى حققتها الثورة البروليتارية العالمية فى موجتها الأولى التى إبتدأت مع ثورة أكتوبر و إنتهت بخسارة الصين الماوية بعد إنقلاب 1976 ، و فى الوقت الذى تقدم فيه القوى الظلامية نفسها بديلا لكل من الرأسمالية و الشيوعية و الحال أنها بديلا إمبرياليا ، فى هذا الوقت إنطلق الشيوعيون الماويون فى النيبال فى حرب الشعب فى فيفري 1996 ، بعد دراسة عميقة لتجارب الحركة الشيوعية السابقة و إستخلاص الدروس الإيجابية منها و السلبية ، ليتحولوا اليوم ،إثر سنوات من خوض حرب الشعب إلى منارة متقدمة و طليعية تطبق و تنظر و تطور علم الثورة البروليتارية العالمية :الماركسية –اللينينية-الماوية و تلهم الثوريين فى العالم بأسره.
و على عكس ما حصل فى صفوف جيوش التحرر الوطنى العربية تاريخيا و حتى ما يجرى فى صفوف ما يسمى حزب الله اللبناني الذى إستفاد وهو لا ينكر ذلك من حرب الشعب فى الصين و فى الفتنام ، من ممارسة حرب – ليست حربا شعبية – أَبعَد منها النساء من المساهمة المباشرة فى الحرب كجنديات و كقائدات عسكرية على قدم المساواة مع الرجال وذلك بسبب الأفكار الرجعية التى تحملها هذه الجيوش و يحملها هذا الحزب ، على عكس هذه التجارب التى كرست الدونية الرجعية تجاه المرأة ، توفر لنا تجربة حرب الشعب فى النيبال نموذجا رائعا عن مشاركة النساء على كافة الأصعدة فى تحرير البلاد و العباد ، فى تحرير الوطن و الشعب و المرأة من الإضطهاد و الإستغلال القومي و الوطني و الطبقي و الجندري و نموذجا حيا يشهد على حيوية و ثورية الماوية كمرحلة جديدة ثالثة و أرقى فى علم الثورة البروليتارية العالمية .
واحدة من أهم سيمات حرب الشعب فى النيبال ( وهي فعلا حرب الشعب بمشاركة النساء الجماهيرية إضافة إلى التعويل على الذات و قيادة البروليتاريا و أساليبها و أهدافها ...) كما يؤكد ذلك الرفيق براشندا قائد الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ) هي المشاركة اللامعة للنساء فى هذه الحرب التى تزرع بذور عالم آخرممكن ، عالم شيوعي :
" المفتاح الهام للتطور و النجاح القويين لحرب الشعب فى النيبال هو نهائيا المشاركة الحاشدة للنساء . إن الرجعيين و التحريفيين "مندهشين " اليوم من المشاركة الحاشدة للنساء و الأرقام القياسية للتضحية و الإخلاص و تكريس الذات التى سجلتها فى حرب الشعب . كأول حدث بطولي من نوعه فى تاريخ النيبال وكمصدر إلهام كبير لنساء العالم ، حطمت الأنصاريات سجنا للدولة القديمة . و فى المناطق الريفية الواسعة ، واجهت النساء العاملات بشجاعة وحشية و فظائع الإغتصاب الجماعي غير المسبوق من طرف الأعداء .و حتى عندما سمل العدو أعينهن و حرق أجسادهن بأعنف الطرق، بقيت النساء على صلابة فى قناعتهن بالتحرر . و موضوعيا ،جعلت النساء الرجال خلفهن فى ما يتصل بالتضحية و الإخلاص و تكريس الذات فى حرب الشعب . و اليوم خرجت آلاف النساء من حدود المطابخ لترتقي إلى مرتبة مقاتلات الشعب. وعاشت آلاف النساء بؤسا لا يوصف من أجل دعم حرب الشعب . والآن يقوم الحزب بجهود منظمة ويطبق خططا لتطوير قادة شيوعيات ضمانا لنجاح الثورة .
و نعتقد أن العوامل المحركة لهذه المشاركة الحاشدة للنساء هي السياسة الصحيحة للحزب فى إعطاء نافذة لروح العصيان التى خلقتها الظروف المادية للمجتمع النيبالي . بحكم طابعها الطبقي ، لا تثق البرجوازية أبدا فى قدرة المرأة . و على النقيض منها ،بحكم طبيعتها الطبقية تعترف البروليتاريا بالقوة الكامنة الهائلة للنساء . و من هنا ، البروليتاريا وحدها بمقدورها حقيقة أن تقود المرأة نحو التحرر . ومنذ البداية ، دافع حزبنا عن قضية المرأة كإحدى القضايا الحيوية التى من المرجح أن تحدد مصير الثورة . و بتنظيم المرأة إلى جانب الرجل فى الجيش الأنصاري ، شعرت النساء لأول مرة بأنهن تحررن من مئات السنين من البطريركية الإقطاعية و مسكت مصيرها بأيديها . وشكل الحزب حاليا تنظيما و رسم خططا خاصة لتطوير القيادة النوعية للنساء على ضوء تجربة السنوات الخمس وهو بصدد تطبيق خطة طويلة المدى لتطوير قادة من النساء على قدم المساواة مع الرجال فى لجان الحزب من المستوى المحلى إلى المستوى المركزي و فى مختلف مستويات السلطة الشعبية و فى الجيش الشعبي ، من ضمن النساء المتعرضات للإستغلال و الإضطهاد المزدوجين طبقيا وجندريا . و إنها لقناعة صميمية بالنسبة لنا أن مسألة أن ننشأ شيوعيات نساء بأعداد كبيرة مسألة هامة ليس بالنسبة لنجاح الثورة فحسب بل أيضا للحيلولة دون الخطر المستقبلي للثورة المضادة. "
(حوار مع الرفيق براشندا ، قائد الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ) فى الذكرى الخامسة للإنطلاق حرب الشعب)
إن الشيوعيين الماويين سواء فى النيبال أو فى البيرو أو فى الفليبين إلخ يبذلون وسعهم بهدف إطلاق طاقات النساء خدمة للثورة البروليتارية العالمية إنطلاقا من كون القضية ذات بعد إستراتيجي فلا تحرر للبروليتاريا إلا بتحرر النساء و المجتمع عموما من كافة أنواع الإضطهاد و الإستغلال و لا تحرر فعليا للنساء إلا بتحرر الإنسانية فإضطهاد و إستغلال النساء إفراز لإنقسام المجتمع إلى طبقات متناحرة و بالتالي بالقضاء على الطبقات و تحقيق المجتمع الخالى من الطبقات تتحرر الإنسانية قاطبة . ( للتعمق فى المسألة علينا ب" أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة" – إنجلز)
قضية تحررالنساء قضية إستراتيجية ينبغى أن تعالج منذ بدايات النضال فى سبيل التغيير الثوري و طوال كافة المراحل و لا يجب تأجيلها أو وضعها فى موقع ثانوي كما تم فى تجارب سابقة فالنضال من أجل تحرر النساء يرافق النضال من أجل الثورة على جميع المستويات. و من أهم الدروس المستخلصة من الردة التحريفية فى كل من الإتحاد السوفياتي و الصين الإشتراكيين سابقا درس ضرورة تطوير العمل من أجل تحرير النساء و مشاركتهن فى جميع الميادين حتى تكون واحدة من ركائز مقاومة إعادة تركيز الرأسمالية بإعتبار ما تلحقه بهن هذه الردة من خسائر فادحة فى المكاسب التاريخية المحققة و ما تكسبهن من المضي قدما فى النضال و مواصلة الثورة فى ظل دكتاتورية البروليتاريا صوب تركيز الشيوعية عالميا.
رائدة هي التجربة الثورية البروليتارية للرفاق الشيوعيين الماويين النيباليين حاليا و مثلما أنتجت تجارب الثورة البروليتارية فى القرن الماضي خصوصا قائدات بروليتاريات لامعات على غرار روزا لكسمبورغ و كلارا زتكين...و تشيانغ تشينغ ، فإن فى أتون حرب الشعب فى النيبال تتشكل اليوم قائدات بروليتاريات واعدات .
================
تتعلّق الوثيقة الأولى المصاغة فى 1995 بإستراتيجيا و تكتيك النضال المسلّح فى النيبال كبلد شبه إقطاعي شبه مستعمر مع أخذ الخصوصيات بعين النظر وهي وثيقة تاريخية تعدّ نقطة إنطلاق القرار بالإنطلاق الفعلي فى إعدادات متنوعة لخوض حرب الشعب والوثيقة الثانية هي المنشور الذى وزّع شعبيا و على نطاق واسع يوم إنطلاق حرب الشعب فى 13 فيفري 1996. والوثيقة الثالثة تعبير جلي عن إحتضان الشيوعيين الثوريين الماويين المنضوين صلب الحركة الأممية الثورية لإنطلاق حرب الشعب فى النيبال وإلتزامهم بتقديم ما بوسعهم لدعمها و مساندتها . أمّا الوثيقة الرابعة فهي تتصل بالإقتصاد السياسي لحرب الشعب فى النيبال بمعنى تحليل التركيبة الإقتصادية الإجتماعية شبه الإقطاعية شبه المستعمرة و عرض لبرنامج الثورة الديمقراطية الجديدة .و تقيم الوثيقة الخامسة سنتين من حرب الحرب و المكاسب المحققة و التحولات التى شهدتها ساحات الصراع الطبقي على شتى الجبهات و تأثيراتها على صفوف كلّ من الثوريين و الرجعين .و نتوقف مطوّلا نسبيا عند قضية تحرير المرأة لأهميتها البالغة و قد أفردنا لهذه القضية نصوصا ثلاثة تتناول تباعا مشاركة المرأة فى حرب الشعب فى النيبال و مسألة جعل النساء فى مراكز قيادية فى حرب الشعب و مشاركة المرأة فى الجيش الشعبي .عقب ذلك تجدون نصّ حوار صحفي مع قائد الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) بمناسبة الذكرى الخامسة لإنطلاقة حرب الشعب أجرته معه مجلّة الحركة الأممية الثورية "عالم نربحه" .و فى الأخير تقرأون واحدة من أهمّ الوثائق ألا وهي " القفزة الكبرى إلى الأمام ضرورة تاريخية أكيدة " فيها يجرى تلخيص تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و الحركة الشيوعية النيبالية و قد صدرت عن ندوة حزبية بمناسبة مضي خمس سنوات على إنطلاق حرب الشعب.
لا ريب أن الإطلاع على هذه الوثائق لا بدّ منه إن رام الإنسان فهم السنوات الأولى من الثورة الماوية فى النيبال إلاّ أنّ الإطلاع وحده بالنسبة للشيوعيين الثوريين الماويين غير كاف سيما لمن يتطلّع منهم للإستفادة من واحدة من أهمّ تجارب الثورة البروليتارية العالمية فى أواخر القرن العشرين و بداية القرن الواحد و العشرين حيث يتعيّن إخضاع هذه الوثائق للدراسة و التمحيص لإستخلاص الدروس و رفع الوعي الإيديولوجي و السياسي للمناضلين و المناضلات. و هنا تجدر الإشارة إلى ضرورة الدراسة الجدّية و العميقة لقضية تحرير المرأة و الصراع من أجل توحيد الشيوعيين الثوريين الماويين و علاقته بالصراع ضد التحريفية بكافة أرهاطها و الوحدة و الصراع داخل الحركة الشوعية و مسألة إرتباط الثورة فى بلد معيّن بالأممية و الثورة البروليتارية العالمية و تأثير حرب الشعب على تطوّر الحزب و فضحها للتحريفية جمعاء و مدى أهمية الخطّ الجماهيري و قيادة الشعب فى صنع التاريخ ...و صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي أو عدم صحّته تحدّد كلّ شيئ .و بالتأكيد أنّ الفوائد ستكون جمّة من دراسة جدّية و عميقة لهذه الوثائق إلاّ أنّه يجب التفطّن إلى أنّ هذه الوثائق التى بين أيدينا حملت جوهريا و رئيسيا مظاهرا ثورية و أيضا، ثانويا،أفكارا يعدّها الرفاق النيباليون إضافات لعلم الثورة البروليتارية العالمية و أقلّ ما ينبغى القيام به بهذا الصدد هو طرحها للنقاش من منظور شيوعي ومن وجهة نظرالمبادئ و الأهداف الشيوعية والمنهج العلمي للمادية التاريخية و الجدلية و السعي عمليا إلى متابعة تطوّرها اللاحق و إنعكاساتها على مسار الصراع الطبقي محلّيا و عالميا.

=======================================================

إستراتيجيا و تكتيك النضال المسلّح فى النيبال.
( اللجنة المركزية للحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) / مارس 1995.)
إستراتيجيا و تكتيك النضال المسلّح فى النيبال وثيقة تبنّاها الإجتماع العام الثالث للجنة المركزية للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) فى مارس 1995. إنّها وثيقة تاريخية تمثّل قطيعة مع الخطوط الخاطئة التى سادت داخل الحركة الشيوعية النيبالي لعشرات السنين. و الفهم الذى صاغ هذه الوثيقة هيّأ أرضية الشروع فى حرب الشعب فى النيبال فى فيفري 1996. هذه الوثيقة وردت ضمن "العامل" عدد3 ،وهي مجلّة تابعة للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي)[ ح ش ن – م].
الأرضية التاريخية :
حين نحلّل التاريخ النيبالي من منظور مادي تاريخي ،من الممكن أن نستدلّ بسهولة على أن الشعب النيبالي لم يفتأ يناضل ضد تعقيدات قوى الطبيعة و مشاكل شتّى من صنع الإنسان كي يتمكّن من الحياة و التطوّر. لقد تطوّرت النيبال العصرية عبر الصراع بين غالبية الناس البسطاء و الأبرياء المناضلين من أجل الحياة بسلام على المنحدرات الحادة مع النظام الإقتصادي الطبيعي و الثقافة القبلية من جهة و من جهة أخرى، ضد الهنود الذين تدخّلوا على نحو دوري فى هذه البلاد ، من الجنوب ، بالخصوص منذ حوالي ألف سنة، بتقنية إنتاجهم و فنّ قتالهم الأرقى ، بعد أن ألحق بهم المسلمون الهزيمة.و فى هذه السيرورة التاريخية ، إضطرّ صعود الأمراء و شيوخ القبائل و تواصل الصراع بينهما الناس إلى التدرّب على النضال العنيف الذى أكّده التاريخ. وكان الشعب النيبالي الذى إكتسب براعة فائقة عسكريا و قتاليا خلال التطوّرالتاريخي ، كان قادرا على القتال ببسالة ضد البريطانيين فى الجنوب و الصينيين فى الشمال، الذين كانوا مسلحين جيّدا بالمعرفة و مجهّزين بشكل جيّد بالتقنيات و الأسلحة الحديثة ، فى الحقبة الأخير. و فى المعارك التى خاضوها من أجل إستقلالهم ، قدّم الأطفال و الشيوخ و النساء و الشباب تضحيات و أظهروا شجاعة و ذكاء لم يشهد لهم مثيلا، على أساس أسلحة و تجهيزات مصنوعة فى بلدهم هم. و هذا ما أفزع و أرهب حتى جيوش إمبريالية كثيرة و قادتها و سجّل الشعب النيبالي (الفوركالي) كأحد أكبر المقاتلين فى العالم. إلى حدود يومنا هذا ، سيشعر أي نيبالي حرّ بالفخر حين يتذكّر البسالة القتالية و شجاعة الشعب النيبالي و تضحيته فى ما مضى من التاريخ. إنّها مسألة ليست أهون من الفخر أنّ حتى كارل ماركس ، واضع الإيديولوجيا الشيوعية و قائد البروليتاريا العالمية ، قد ثمّن كذلك التضحية و البسالة و المهارة التى أظهرها شعب النيبال فى تلك الحروب.
غير أنّ القيادة ، فى الماضى و اليوم، قد حوّلت ، بتآمر مع الإمبريالية الغربية و كلابها العميلة ، النيباليين الشجعان إلى جنود مرتزقة. و بالنسبة لنا ، من الضروري أن نوصل هذا الإرث التاريخي إلى الشعب خلال الصراع و تشجيعه على أن يمسك مصيره بيديه هو.
هنا ، حتى بعد تطوير الدولة النيبالية المركزية ، لم يفتأ الشعب النيبالي يكافح و يعارض بطريقته الخاصّة الفظاعات التى ترتكبها الطبقات الحاكمة ، بوجه خاص الراناس و الشاهادى. وجديرة بالملاحظة هي تلك الصدامات المتعدّدة داخل مختلف الطبقات الحاكمة و ثورة لآخان ثابا ضد الراناس. فعلى أساس نموّ وعي الشعب و الثورة عبر العالم ، فى فترة الحرب العالمية الثانية تقريبا ، بدأ الشعب النيبالي كذلك فى النضال بعنف ضد الإضطهاد الذى تقترفه الطبقات الحاكمة. فى هذه السيرورة ، نشأ الحزب الشيوعي فى النيبال و دخلت النيبال مرحلة الثورة الديمقراطية الجديدة ضد الإقطاعية و الإمبريالية . و نهض الشعب من كلّ جهات البلاد ليقاتل بالسلاح ضد الطبقات الهندية التوسّعية الحاكمة و دميتهم "المؤتمر النيبالي" و الملك الإقطاعي الذى تآمر عبر إتفاق دلهى لتحطيم الحركة الشعبية. و فى هذا الإطار ، تُعدّ الثورة المسلّحة التى حدثت فى منطقة بحاراهاوا شأنا بارزا. و حتى بعد ذلك ، إستمرّ الشعب فى المشاركة فى نضالات صغيرة أو كبيرة متجاوزا القانون و الإدارة الرجعيين. و بدأت تبرز إلى الوجود صدامات مسلّحة ضد الطغاة الإقطاعيين المحلّيين فى عدّة مناطق.
من بين هذه الأنماط من الثورات المسلّحة ضد الإقطاعية و التوسّعية ، ذات أهمّية تاريخية هي الثورة المسلّحة التى جدّت بقيادة بهيم داتابانت، فى الجزء الغربي من النيبال-فى سنة 1952-1953 وحدها ، من الهام جدّا رؤية كيف شكّل بهيم داتابايت مئات الفرق المسلّحة و كيف إستطاع أن يقضي على موظّفي الحكومة الفاسدين و كيف تمكّن من أن يستولي على الحبوب من مخازن الحبوب الحكومية و أشياء ضرورية أخرى ووزّعها على الفقراء و الفلاحين المهدّدين بالمجاعة و كيف إستطاع أن يهاجم الطغاة الإقطاعيين الواحد تلو الآخر. تحديدا ، يؤكّد عدم قدرة الحكومة النيبالية على إخضاع هذه الثورة فى حدّ ذاته ، يؤكّد بوضوح مدى تمتعها بالشعبية و بالقوّة . فآلاف الفرق الهندية دُعيت إلى الدّاخل لإخضاع هذه الثورة و قُتل القائد بأبشع الطرق و أكثرها وحشية.و مذّاك فصاعدا بيّنت الطبقة الحاكمة الحالية طبيعتها اللاوطنية و الإستسلامية و الفاشية.
أثناء هذه الفترة ، شرع فلاحون فى علاقة بالحزب الشيوعي يناضلون ضد الإستغلال الإقطاعي فى شتّى مناطق البلاد. و من ذلك ثورة الفلاحين التى تطوّرت فى بارا، بارسا و بالخصوص فى راوتاهات ، كانت ذات أهمّية متميّزة . فآلاف الفلاّحين تحدّوا القانون و الإدارة ليحطّموا سندات ديون الطغاة الإقطاعيين المحلّيين و ليكسروا مخازن قمحهم و يُطلقوا حركة ثقافية مزدرين بغرور الإقطاعيين ، و هكذا تقدّموا كرأس حربة فى نضالات عنيفة. وكاد الفلاحون يفتكون السلطة السياسية المحلّية ، دافعين الملاكين العقاريين الكبار الإقطاعيين المحلّيين إلى فرار مرتبك. مع ذلك، إنّه لمدعاة للأسف أن تدينهم قيادة الحزب آنذاك- عوض أن تحلّل الحرب الطبقية للفلاحين و الثورات المسلّحة التى كانت تحدث فى مختلف جهات النيبال و دون التحرّى فى إمكانية خوض حرب أنصار- على أنّهم متطرّفين و ذهبت لتستسلم أمام الملك. و قد حاولت أن تقصر نفسها فى حدود النضال القانوني ، السلمي و أن تعمل داخل النظام البرلماني. و كان هذا خيانة تاريخية فى إتجاه التحريفية سيكون له الأثر الطويل الأمد على الحركة الشيوعية النيبالية.
حتى بعد ذلك ، تمادت الثورة الشعبية .و تواصلت ثورات الفلاحين المتنوّعة. فى هذه الفترة ، تجدر الإشارة إلى كفاح الفلاحين الطويل ضد الإقطاعيين فى خانيافاس من دهادينغ و النضال الذى خيض بدانغ. و إستمرّت النضالات غير القانونية صغيرة و كبيرة ضد إمضاء معاهدة وقتذاك من طرف ما يسمّى حكومة "المؤتمر النيبالي " المنتخب و ذلك سنة 1959 وضد المتملّقين بتذلّل للتوسعيين الهنود.وقد شُوهدت كذلك نضالات عنيفة فى أماكن مختلفة ضد الإنقلاب الملكي لسنة 1960 و ضد نظام بنشايات بلا أحزاب. حينذاك ، تواصلت حركة الشباب و الطلبة اليساريين بالرغم من السجن و القمع و الرعب المنصبين عليهم.
إنّ النضال المسلّح ل1972-1973 فى جهابا، فى إرتباط بحرب الشعب طويلة الأمد التى إندلعت فى ثورة ضد التحريفية اليمينية المهيمنة صلب الحركة الشيوعية لأكثر النضالات جدارة بالملاحظة.و تمثّل تلك الثورة بالتأكيد التيّار و الروح الثوريين .و الذين إستشهدوا على طريق التركيز الواعي للجمهورية الديمقراطية الجديدة هم شهداء خالدون. ورغم وجود نواقص عميقة فى القيادة بمعنى توجهات برجوازية صغيرة ميكانيكية و مغامراتية "يسارية" ، فإنها ،مع ذلك، كانت ثورة بعيد الأثر ضد الحكم الأوتوقراطي الإقطاعي للملك و ضد التوجّهات اليمينية الإصلاحية التى غدت عميقة الجذور فى الحركة الشيوعية النيبالية. فى النضال المسلّح بغية تحقيق الثورة الديمقراطية الجديدة سيظلّ شهداء ثورة جهابا فى المقدّمة.
فى تلك الفترة تقريبا ، سجّلت النضالات الحادّة ضد الإقطاعيين و المستغِلين شرقي تاراي أي فى سرلاهي و ماهوتاري و سيراها و دهانوشا و سندهولى رقما قياسيا جديدا فى تاريخ الحركة الفلاحية. فى هذه السيرورة ، أيضا، ساهم مئات الآلاف من المزارعين تحت قيادة الحزب فى الصراع الطبقي محدثين نوعا من الفراغ فى السلطة فى القرى. و من الممكن أن نشاهد بوضوح أنّه وُجدت إمكانية الشروع فى سيرورة حرب أنصار إنطلاقا من قاعدة نضال الفلاحين فى تلك الحقبة. بيد أنّه نظرا للخطّ الإصلاحي و التوجهات البرجوازية الصغيرة للحزب، لم يجد الفلاحون سندا فى ظلّ الهجوم الضاري للعملية العسكرية الرجعية. عندئذ إستشهد عديد أبناء الحركة الثورية النيبالية البواسل.
فى الأثناء ، فى تشيتاوان حدثت نضالات فلاحية و منها نضال جوجدى. و فى تلك الثورة أيضا إستشهد عدّة فلاحين شبّان. و إتخذت الحركة التاريخية للطلبة سنة 1979 شكل حركة شعبية عبر البلاد. فى هذا السياق ،شُوهد تطوّر كفاح الفلاحين العنيف فى البلاد قاطبة، الشيئ الذى إنعكس فى موجات نضال فلاحي ضخمة فى مناطق شرق تاراي، المشار إليها أعلاه،و أخرى و منها تلك فى تشيتران و دانغ و بارديا. و قد شاركت قطاعات عديدة من الشعب و ضمنها الفلاحون فى النضال فى البلاد كافة ضد البنشايات و الملكية بتحدّى القانون و الإدارة الرجعيين. و قد أُجبر الملك على تقديم خيار بديل لما سُمّي بالبنشايات غير قابل للإختيار و ذلك بفعل قوّة النضال العنيف من أجل سلطة الشعب- و لو أنّ وراء ما قدّمه الملك تكمن مؤامرة حاكها الملك و القوى الملكية. و ايضا إثر ذلك ، تواصل تيار النضال الشعبي قويا أكثر يوما فيوما، فى سبيل الوطنية و الديمقراطية و أسباب عيش الشعب.
و صارت الحركة الشعبية التاريخية لسنة 1990 التعبير المركزي لكلّ تلك الحركات. هنا ، إلى جانب الصدامات العنيفة التى لا تُحصى عبر كامل النيبال بما فى ذلك فى العاصمة ، بدأت الحركة تخطو نحو الإنهاء على النظام الملكي. فى هذا الصراع التاريخي فَقَدَ المئات من أبناء و بنات النيبال الشجعان حياتهم. و مع ذلك ، عمل الرجعيون الأجانب و معهم الإصلاحيون اليمينيون على الحصول على إصلاحات محدودة و عملوا على التآمر مع الملك ضد المستوى و الروح (العاليين) للحركة و نجحوا فى مؤامرتهم لحرف الحركة عن مسارها. فمن الواضح أنّ نهاية البنشايات بلا أحزاب و إرساء النظام المتعدّد الأحزاب فى ظلّ قيادة الملك هما كذلك نتاج النضال الشعبي العنيف.
و حتى إثر إرساء النظام المتعدّد الأحزاب ، لا يزال الكثير من الناس يرفعون راية طريق الكفاح المسلّح فى سبيل الوطنية و الديمقراطية و أسباب العيش الكريم للشعب. فى هذه الفترة، رأينا أيضا بجلاء ، خلال التحركات القانونية العامة تحت قيادتنا أنّ الناس يسعون إلى تقديم إعانتهم و مساندتهم التامين ، بحماس كبير، عندما توجد هجومات مباشرة ضد الدولة الرجعية و توجد صدامات عنيفة. فى ظرف فترة وجيزة من إرساء النظام المتعدّد الأحزاب ، قد فقد المئات من النيباليين حياتهم فى سبيل تحرّرهم و حقوقهم و منهم قائد هام من حزبنا من دهانوشا و كوادر أخرى عبر البلاد ، قد سقطت أيضا قتيلة.
تطوّر النضال الطبقي الواعي للفلاحين فى المناطق الجبلية الغربية ،و بوجه خاص فى رولبا و روكوم، مجسّدا مستوى عال من النضال الثوري المناهض للإقطاع و الإمبريالية. و بالرغم من القمع و الرعب الرجعيين القاسيين ، لم تبق الحركة متواصلة فحسب بل إنّها أيضا تتقدّم كحركة مقاومة محرزة قفزة نوعية. و قد نجمت عن ذلك النضال بعض العوامل الجديدة داخل الحركة الشيوعية النيبالية و التى ألهمتنا أن نكون أكثر جدّية فى ما يخصّ النضال المسلّح.
من العرض التاريخي الذى مرّ بنا يمكن أن نستخلص الآتي :
1- إنّ الدّعاية الرجعية القائلة بأنّ الشعب النيبالي محبّ للسلم و أنّه لا يريد العنف دعاية مغرضة مطلقا. إنّه لأمر لا نقاش فيه أنّ الشعب النيبالي خاض النضال العنيف من أجل حقوقه ، منذ تاريخ طويل.
2- إلى يومنا هذا ، مهما كانت الإصلاحات العامّة التى تحصّل عليها الشعب النيبالي ، فإنّ وراءها تقف قوّة العنف و النضال غير القانوني للشعب.
3- إنّ الشعب النيبالي واع و حسّاس جدّا بالمسألة الوطنية و أبناؤه يشعرون بالإعتزاز حين يقدّمون حياتهم و هم يقاتلون أفضل لهم من الخضوع إلى ضغوطات الأجانب.
4-منذ 1951 فصاعدا إلى يوم الناس هذا ، إلتحق الفلاحون النيباليون بالأساس و شرائح أخرى من الشعب بعدد لا يحصى من الصدامات العنيفة و المسلّحة ضد الدولة الرجعية ،و الشعور المضاد للسائد قويّ جدّا فى صفوف الشعب النيبالي.
5- إنّ الشعب النيبالي شعب من المقاتلين الكبار فى العالم المعروفين بقدرتهم على تحمّل الصعوبات المادية منها و الجسدية الشديدة أثناء القاتل.
6- لقد كان الرجعيون المحلّيون و الأجانب بمن فيهم العناصر التحريفية ، مرّة فمرّة، يحاولون و يتآمرون ضد التوجّه القتالي للشعب النيبالي. و اليوم تقع المسؤولية على عاتق الثوريين ،مسؤولية الشروع فى الكفاح المسلّح بصفة منهجية و بوعي ضد الإقطاعية و الإمبريالية و وتقع مسؤولية إتمام الثورة الديمقراطية الجديدة على عاتق ممثّلي ذلك الإرث التاريخي العظيم.
الحركة الشيوعية النيبالية و مسألة النضال المسلّح:
فى تطوّر الصراع الطبقي فى المجتمع النيبالي، يمثّل تأسيس الحزب الشيوعي سنة 1949 مكسبا تاريخيا هاما للطبقة البروليتارية فى النيبال. وإن لم يكن الحزب قادرا على إستيعاب فحوى النضال المسلّح و أهمّيته ، فإنه كان قادرا على إتخاذ موقف سياسي واضح للقتال فى سبيل الثورة الديمقراطية الجديدة ضد الإقطاعية و الإمبريالية . و هكذا ، بكلّ ميزاته الطفولية (عدم النضج) ، فإنه قام بدعاية و تحريض من وجهة النظر الشيوعية حول المسألة الوطنية و الديمقراطية و أسباب عيش الشعب و سعى إلى إستنهاض الجماهير ضد الإقطاعية بالأساس فى المناطق الريفية. و بفضل هذه السيرورة فى ظرف وجيز، صار أناس من شتّى جهات البلاد، منجذبين إلى السياسة الشيوعية و بدأ نضال الفلاحين يتّسع فى أماكن مختلفة. و من ضمن تلك النضالات نجد أنّ لحركة الفلاحين فى تاراي أهمّية خاصة. و نظرا لتطوّر نضال الفلاحين أُثيرت داخل الحزب مسألة صحّة الخطّ السياسي بصفة ملموسة. غير أنّ قيادة الحزب ، آنذاك لم تخفق تماما فى قيادة النضال فى إتجاه ثوري فقط و إنّما أيضا ،فى سنة 1955 ، قرّرت أن يقصر الحزب نفسه على نشاطات الدعاية السلميّة للإشتراكية ، فى ظلّ الملكية الإقطاعية. و إنطلاقا من هذه النقطة فصاعدا أصبحت الحركة الشيوعية النيبالية يُهيمن عليها بجلاء الخطّ اليميني التحريفي . ثمّ لفترة طويلة ، إنغمس الحزب كلّيا فى النشاطات السلمية و البرلمانية و الإصلاحية.
فى سنة 1960 ، حتى لمّا فرض الملك القانون الأوتوقراطي فى البلاد بمنع كلّ الأحزاب السياسية ، قصرت قيادة الحزب التى غرقت فى الإصلاحية نفسها على أنواع متباينة من الشعارات البرلمانية المشابهة لتلك التى لدى الأحزاب الرجعية ، عوض تقديم شعارات سياسية و أشكال نضال ثورية. فى هذا الظرف بالذات ، دفع الجدال الكبير بين الصين و الإتحاد السوفياتي و تطوير الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى بقيادة الرفيق ماو ، دفع بطريقة خاصّة إلى نقاش حول ضرورة النضال المسلّح و أهمّية محاربة التحريفية. وإقتفى قطاع من الحزب أثر التحريفية السوفياتية بصراحة و قد وقع فضحه على نحو شامل فى صفوف الشعب بينما أيّد القسم الأكبر من الجيل القديم لقيادة الحزب الرفيق ماو و الصين و طريق الثورة الديمقراطية الجديدة ، ضد التحريفية السوفياتية. كتب بوشبا لال فى وثيقته فى ندوة قوراكهبور حتى " من غير الممكن إرساء هذا النوع من النظام دون خوض ثورة مسلّحة طويلة الأمد" ( مولباثو، ص66).
لكن ، حتى حينذاك، لم تقدر قيادة الجيل القديم لتلك الفترة على تطوير الخطّ السياسي الملموس للثورة و لو من وجهة نظر تكتيكية ، و أخفقت تماما فى تحديد أشكال الصراع الثورية لتحقيقها. بهذا الصدد أظهرت قيادة "المؤتمر الرابع" أقصى الضبابية حول الطريق الأساسي للثورة برفع شعارات سياسية حتى أكثر خداعا و بوضوح إصلاحية و بالحديث عن "الثورة الفلاحية المسلّحة" . جوهريا ، فى ما يتصل بالخطّ السياسي ، تحدث هذا القطاع عن بعض الثورة، و لو أنّه ، فى الممارسة ، إتخذ طابعا إصلاحيا وواصل فى إتجاه إصلاحي كاذب.
فى هذا الشأن ، شهدنا ، بعد إنطلاق كفاح الفلاحين المسلّح فى ناكسالباري ، بقيادة الرفيق شارومازوندار ، فى الهند، إثر الإنتفاضة ضد الحزب الشيوعي الهندي –الماركسي الإصلاحي، شهدنا تأثير ذلك النضال فى صفوف الشباب الثوري فى جهابا ، فى الجزء الشرقي من النيبال. بصفة مشابهة ، هنا أيضا ، إندفع بعض الشباب المتحمّس و الثوري ، فى المنطقة الشرقية ، فى أعمال مسلّحة معلنا الكفاح المسلّح فى ظلّ إستراتيجيا حرب الشعب الطويلة الأمد ، بالثورة ضد التحريفية التى عمقت جذورها فى الحزب. و بالرغم من النواقص الجدّية بسبب الفكر الميكانيكي البرجوازي الصغير و المغامراتية "اليسارية" ، فإنّ العمل المسلّح مثّل ثورة تاريخية خلقت إرتباكا فى صفوف التحريفيين فى الحركة الشيوعية النيبالية و هيكلة دولة الملك الإقطاعية. على الأقلّ ، صارت مسألة النضال المسلّح موضوع جدال كبير داخل الحركة الشيوعية. و لقد لعب نضال جهابا دورا هاما فى إحتداد الصراع الداخلي بين الثوريين و الإنتهازيين الذين ظهروا حديثا فى صفوف المجموعات الإصلاحية الكاذبة المتبعة لخطّ إصلاحي. بدأ الجدال حول ما إذا وجب تبنّى خطّ الكفاح المسلّح أم لا يشقّ طريقه بطرقه الخاصّة صلب "المؤتمر الرابع" ،بوشبالال و منموهان و روهيت و بقية المجموعات.
كان غالبية القادة الإصلاحيين لتلك المجموعات يقدّمون أوهاما لقطاع واسع من قوى اليسار بقبولهم ضرورة الكفاح المسلّح بمعنى مطلق و بالنسبة للمستقبل ، بيد أنهم إستمروا فى تنظيم هجومات شرسة ضد شرارة الثورة الحاضرة المشتعلة بالعمليات المسلّحة. فى ما يخصّ هذه المسألة ، كانت مجموعة "المؤتمر الرابع" ،و على رأسها موهان بكرام ، فى مقدّمة المهاجمين لها بضراوة. و الجوهر التحريفي لموهان بكرام –المعروف بترتيب هجوم هدّام على الثوريين اليساريين لنضال جهابا و بإعطاءه الأولوية لجعل مان موهان أدهيكاي ، المرتدّ الموالى للملك، رئيسا للنواة المركزية- لم يتغيّر و ينعكس جيّدا حتى اليوم فى تحليله للحزب الشيوعي النيبالي الموحّد بإعتباره قوّة صديقة حتى حين تفسّخ و أصبح رجعيا و كذلك فى ممارسته تجاه حزبنا.
بسبب القمع الشديد من طرف القوى الرجعية و الهجمات الضارية للإصلاحيين الكاذبين المعروفين و بالأساس بسبب القيادة البرجوازية الصغيرة و الأفكار الميكانيكية و المغامراتية "اليسارية" لم تستطع إنتفاضة جهابا أن تتطوّر إلى حرب الشعب. و كنتيجة لإختراق من قوى غير متجانسة من مجموعات مختلفة ، بالإضافة إلى التفسّخ البطيئ لقيادة إنتفاضة جهابا نحو التحريفية اليمينية ، وصلوا اليوم حتى إلى درجة الجلوس فى وزارة الملك الرجعية ، على أنه لا تزال سيرورة بناء تيّار ثوري بتصحيح الأخطاء السابقة مستمرّة. فبعض قادة تلك الفترة يرفعون اليوم حتى راية الثورة على الإصلاحية و الرجعية على الرغم من أحكام السجن الطويلة و التعذيب و الإغراء.
و كحصيلة للوضع الوطني و العالمي المعاصر و تأثير نضال جهابا ، نمى الجدال و الصراع الداخلي فى صفوف "المؤتمر الرابع" فى ما يتعلّق بمسألة الشعارات السياسية و خطّ الكفاح المسلّح. و رغم عدم الوضوح النظري و السياسي حيال النضال المسلّح ، فإنّ الرفيق الشهيد آزد نهض أيضا بدور فى هذا الجدال. و أخيرا ، إثر نضال طويل و معقّد ، تمكّنت القوى الثورية الحقيقية داخل الحزب من إنقاذه من ممثّلى الإصلاحية الكاذبة ،موهان بكرام و نرمال لاما، بتقديم شعارات ثورية من أجل السلطة السياسية و حتمية حرب الشعب الطويلة الأمد للتوصّل للسلطة السياسية.و اليوم صار الحزب ناجحا فى صياغة البديل الثوري فى البلاد بإستيعاب كلّ النشاطات الثورية الماضية ( و منها نضال جهابا) للحركة الشيوعية النيبالية. و قد طوّر مؤتمر الحزب التوحيدي نظرة واضحة بهذا الشأن . فى هذه الساعة من التاريخ ، يتعيّن علينا أن نُقرّ بصيغة لا لبس فيها أنّه علينا بعدُ أن نجسّد عملياّ ما قد صٌغناه على نحو صحيح نظريا فى ما يتعلّق بالشعارات السياسية العامّة و الدرب الذى يجب إتّباعه. و السبب الذى يقف وراء هذا ، إضافة لتعقيدات الوضع و الصراع الدّاخلي هو أنّ الحزب لا يزال فى حاجة للمعالجة من المرض البرجوازي الصغير ألا وهو الثورة قولا و الإنتهازية فعلا. و من الضروري إيجاد خطّة ملموسة للتقدّم فى مهمّة الكفاح المسلّح بالقيام بهذا النوع من النقد الذاتي.
طبيعة النضال المسلّح فى النيبال و هدفه والقوى المحرّكة له :
وفق التوجيهات النظرية للماركسية-اللينينية-الماوية والخصوصيات العامة للمجتمع النيبالي ،صاغ حزبنا إستراتيجيا سياسية لإستكمال الثورة الديمقراطية الجديدة بدكتاتورية الشعب الديمقراطية بقيادة البروليتاريا المعتمدة على وحدة العمّال و الفلاحين ضد الإقطاعية و الإمبريالية. و هدف الحزب البعيد المدى هو المرور قدما نحو الثورة الإشتراكية بعد الإتمام المظفّر للثورة الديمقراطية الجديدة كجزء مكوّن للثورة الإشتراكية البروليتارية العالمية و تحقيق الشيوعية من خلال خوض ثورات ثقافية إعتمادا على نظرية مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا. و من الجليّ أنّ طبيعة الكفاح المسلّح النيبالي و توجّهه سيحدّدها هدف الإستراتيجيا السياسية التى ستتّبع. و تبعا لذلك طبيعة الكفاح المسلّح النيبالي و توجّهه قد حدّدهما بوضوح المؤتمر الوطني التوحيدي للحزب ك "خطّ حرب الشعب الطويلة الأمد المستندة إلى إستراتيجيا محاصرة المدينة إنطلاقا من الريف."
هدف النضال المسلّح :
هدف النضال المسلّح هو معالجة التناقض الجوهري بين الإقطاعية من جهة و الشعب النيبالي من جهة أخرى ،و بين الإمبريالية (أساسا التوسّعية الهندية ) من جهة و الشعب النيبالي من جهة أخرى، و الرأسمالية الكمبرادورية والبيروقراطية من جهة و الشعب النيبالي من جهة أخرى، و على المدى القصير حلّ التناقض بين الرجعية المحلّية المتكوّنة من مزيج الطبقات الإقطاعية و الكمبرادورية و الرأسمالية البيروقراطية المسنودة من طرف التوسعية الهندية من جهة و الشعب النيبالي من جهة أخرى. على هذا النحو ، من الواضح أنّ هدف النضال المسلّح سيكون مصادرة أراضى الإقطاعيين والملاكين العقاريين الكبار و توزيعها على الفلاحين الذين لا يملكون أرضا و على الفلاحين الفقراء ، على قاعدة نظرية الأرض لمن يفلحها و مهاجمتهم ( الإقطاعيين و الملاكين العقّاريين الكبار) لهذا الغرض ،و من أجل إجتثاث جذور الإستغلال الإمبريالي من خلال مشاريع مثل الصناعات و البنوك إلخ بأيدى الرأسماليين الكمبرادوريين و البيروقراطيين و المشاريع التى تديرها المنظّمات الحكومية و غير الحكومية و مهاجمتها لنفس الغرض.
هكذا يتجلّى أنّ هدف النضال المسلّح سيكون الإقطاعيين و الملاكين العقاريين الكبار و الرأسماليين الكمبرادوريين و البيروقراطيين.
القوى المحرّكة :
• أ- البروليتاريا : إنّها القوّة المحرّكة الجوهرية للثورة الديمقراطية الجديدة. ولو أنّ القوّة العددية للعمّال البروليتاريين فى الصناعات و المصانع الحديثة للنيبال صغيرة ،فهي ،مع ذلك، فى نموّ. و بالرغم من عددها الصغير ، فإنّ هذه الطبقة المغتربة تماما عن سيرورات الإنتاج الحديثة ووسائل الإنتاج هي الطبقة الأكثر ثورية فى المجتمع. كي تنجح الثورة الديمقراطية الجديدة ، تقع على عاتق هذه الطبقة مسؤولية تاريخية ألا وهي توحيد الطبقات الحليفة الأخرى و قيادتها.
ب- العمّال الزراعيون و الفلاحون المرتهنون و الفلاحون الذين لا يملكون أرضا و الحمّالون و الفلاحون الفقراء و فى حالنا ، فى المدن ، دافعو العربات و الجنركشة و سائقو التامبوس و التاكسي و عمّال النقل و الفنادق إلخ هم المعوّل عليهم و المتماسكون أكثر من ضمن قطاع كبير من السكّان و هم القوّة المحرّكة الأساسية للثورة النيبالية الديمقراطية الجديدة. ( هنا ب "الفلاحين الفقراء" نقصد عموما الفلاحين الذين لا يستطيعون توفير أسباب عيشهم من أرضهم فقط).
• ت- الفلاحون المتوسطون : الذين يعيشون بصعوبة حتى بعد العمل بجهد على أرضهم طوال السنة و الذين يفلحون بعض الأرض بعقد أو على أساس المحاصصة. فى مناطق النيبال كثيرة التلال يفوق هؤلاء الفلاحين عددا طبقات أخرى. بالنسبة للثورة الديمقراطية الجديدة هذه الطبقة قوّة محرّكة هامة.
ث- الفلاحون الأغنياء : أولئك الذين يمكنهم الحصول على أسباب عيش جيّدة من أرضهم ، إنهم قادرون على إستخدام فلاح أو أكثر فى عملهم بالرغم من مساهمتهم بأنفسهم فى العمل بمزرعتهم وهم قادرون على مراكمة جزء من دخلهم عبر الإستغلال . هذه الطبقة طبقة حليفة متذبذبة للثورة الديمقراطية الجديدة.
ج- الطبقة البرجوازية الصغيرة و تتضمّن أساتذة المعاهد و المدارس الثانوية و الطلبة و الأطباء و المهندسين و المحامين و الموظّفين الصغار و التجار الصغار فى المدن و تجّار التجزئة و الحرفيين إلخ. و نظرا لطبيعة سيرورة إنتاجها و ظروفها تبقى هذه الطبقة متذبذبة. و مع ذلك، يمكن لهذه الطبقة أن تلعب دورا مساعدا هاما للثورة الديمقراطية الجديدة . فالإمبرياليون و القوى الرجعية يركّزون اليوم إنتباههم على الإبقاء على مثقفى هذه الطبقة بعيدا عن الثورة.
ح- البرجوازية الوطنية : فى النيبال و لو أنّها ( أي البرجوازية الوطنية) لا تلعب دورا مستقلاّ ، فإنها شيئا فشيئا بصدد التشكّل . هذا النوع من الرأسماليين الذين يشاركون فى الحرف الصغيرة و الصناعات و التجارة الحديثة يجدون أنفسهم من جهة يحلمون بمراكمة الثروة بإستغلال العمّال و من جهة أخرى يدهسهم إحتكار الرأسماليون الكمبرادوريون البيروقراطيون . و من ثمّة تظهر طبعا طابعا متناقضا إزاء الثورة. معتادة على تغيير طابعها حسب الوضع ، ستظلّ هذه الطبقة حليفا متذبذبا للثورة.
و من البديهي أنّه ينبغى للنضال المسلّح أن يصوغ إستراتيجيته و عوامله آخذا بعين الإعتبار الوضع العام أعلاه و طابع العدوّ و القوى المحرّكة للثورة الديمقراطية الجديدة.
مشكل إستراتيجيا و تكتيك النضال المسلّح فى النيبال:
فى العصر الراهن من الإمبريالية و الثورة البروليتارية ، يمارس العدوّ الطبقي أشكالا متنوّعة من الإستراتيجيات التآمرية لإيقاف الثورة فى البلدان المشابهة لبلادنا. و من ضمن تلك الإستراتيجيات، علينا أن نركّز إنتباهنا على الإستراتيجيا التالية لأننا لا نستطيع أن نتوصّل إلى إستراتيجيا صحيحة دون فهم إستراتيجيا العدوّ:
1- بإعتبار مسكه بوسائل الإتصال عبر العالم بأسره فى زمننا هذا ، يشنّ العدوّ حملة تشويه إعلامية بالدعاية المقصودة ضد "الإرهاب" و عن "إنهيار الإشتراكية" و "تفوّق و نجاح" الرأسمالية و بالسعي إلى الخفض من معنويات الشعب من خلال إستراتيجيا الحرب النفسية.
2- إنّه يشنّ حربا ثقافية خبيثة عبر بثّ ثقافة و أدب سوقيين بغية تشويه أذهان الناس و أرواحهم.
3- كلّ القوى الإمبريالية و الطبقات الرجعية الحاكمة بكلّ بلاد تشترك إستراتيجيا فى حملة نشر شبكة من الجواسيس المدرّبين و المجهّزين تقنيا بصفة جيّدة محاولة إختراق الحزب الثوري لغاية تجميع المعلومات و خلق خيالات داخل الحزب و القيام بنشاطات هدّامة و إيقاف و قتل القادة الثوريين الحقيقيين أو ناشطى الحزب.
4- إنهم يخترعون أشكالا جديدة من الإصلاحات و الديمقراطية لأجل مغالطة الشعب سياسيا.
5- فى إطار إستراتيجيا الوقاية ضد الثورة فى بلد مثل بلادنا ، قد نشرت شبكة المنظّمات غير الحكومية بهدف إستعمال بعض الناس من الطبقة الوسطى ،و الحيلولة دون إلتحاقها بالثورة وإيقاع الشعب فى أحبولة سراب الإصلاحية الضيّقة الأفق.
6- إنّهم يشجعون الشباب العاطل عن العمل على التوزّع عبر العالم بأسره للتيه بالهند بإسم الشغل. و يستعمل الشباب كجنود مرتزقة فى الجنود الأجنبية.
7- إنّ الإمبرياليين يلوّثون أذهان الناس عبر الدين ووسائل أخرى بعد الدخول إلى المناطق الريفية بشعارات جذّابة.
8- و إن نهضت الحركة الثورية رغما عن كلّ هذه الأحابيل التى لا تحصى و سواها فإنهم يشرعون فى حملة مجازر جماعية بغيضة ينفّذها جيشهم النظامي القويّ.
بإختصار ، فى العصر الراهن ، إستراتيجيا عدوّ الشعب هي الحرب الشاملة .
فى مثل هذا الوضع ، ينبغى كذلك على إستراتيجيا حزب ثوري يريد أن يمضي قدما فى النضال المسلّح لتحقيق ثورة أن تكون بصفة واضحة مرتكزة على الحرب الشاملة. و لا بدّ لنا من تطبيق إستراتيجيا و تكتيك ضربة بضربة ضد القوى الإمبريالية و الرجعية بالتوحّد مع الشعب فى كلّ مجالات الحياة الوطنية و العالمية. إنّ السلاح الإيديولوجي الماركسية-اللينينية-الماوية الذى قد تأكّد نجاحه فى تحطيم العدوّ سلاح لا يقهر لدى الطبقة البروليتارية. فى ضوء ما تقدّم ، من اللازم تحديد إستراتيجيا و تكتيك الكفاح المسلّح فى النيبال بالتركيز على الوضع العام للعدوّ معًا مع الميزات الأساسية للنيبال و المجتمع النيبالي.
1- إنّ النيبال بلد محوط بالأرض تحاصره من جهات ثلاث التوسّعية الهندية و فى الشمال الصين الإصلاحية . و لو أنّه بلد صغير فى ما يتصل بالمساحة ، فإنّ باقي البلاد، مع ذلك، و بإستثناء 17 % من أراضى سهل التيراي ، مليئ جغرافيا بالهضاب البعيدة و جبال الهيمالايا ذات المناخات و المجموعات الأثنية و الثقافات و اللغات المتنوّعة.
2-فى النيبال، و لزمن طويل، وجدت دولة رجعية ممركزة مجهّزة بجيش عصري و بيروقراطية قارين و قويين. و هذا منصبّ على وجه الخصوص فى المدن. أعداء الشعب النيبالي ليسوا داخل البلاد فحسب و لكنهم حاضرون خارجها أيضا فى شكل إمبرياليين ، بخاصة التوسعيين الهنود.
3-لقد كان تطوّر الإقتصاد و السياسة فى النيبال متقطّعا. يهيمن على النيبال الطابع الريفي و الفلاحون المستغَلون الذين يمثّلون 90 % من مجمل السكّان منتشرون عبر القرى. و لئن كانت سيرورة بناء المدن فى نموّ فعلينا ، مع ذلك، أن نقول إنّها لا تزال محدودة.
4- لقد مرّ الفلاحون النيباليون و قطاعات أخرى من الجماهير بسيرورة أشكال نضال متنوّعة على النطاق المحلّى و أيضا على مستوى البلاد كافة لزمن طويل. وفى صفوف الشعب ثمّة إنجذاب واسع نحو الشيوعية. بيد أنّ تأثير الإصلاحية و التحريفية اليمينية كبير كذلك. وعمليا لم توجد فى النيبال أية تجربة مباشرة للكفاح المسلّح بقيادة الحزب الشيوعي.
5- تشهد الطبقة الحاكمة الرجعية بالنيبال الشبه الإقطاعي شبه المستعمر حيث يوجد النظام الملكي للقرون الوسطى ، أزمة حادّة قد طفقت تعبّر عن نفسها سياسيا و جدّيا.
6- قطاع كبير من الشعب النيبالي موزّع على بلدان مختلفة من أجل الشغل أساسا فى الهند ، عاملين بالجيش و بأنواع أخرى من المهن.
من الخصوصيات التى مرّت بنا ،يمكن تبيّن توجّه و سياسات و تكتيكات الكفاح المسلّح فى النيبال. من الخصوصية الأولى ، يمكن أن نلمس أنّه لخوض حرب فى النيبال لا وجود لا لمجال واسع و لا لأية إمكانية لإستعمال أي بحر، و ليست هناك أيضا غابة شاسعة و لا وجود لأية إمكانية لمساعدة أو مساندة مباشرين من أي بلد مجاور آخر. إلاّ أن الوضع الجغرافي موات كأكثر ما تكون المواتاة لخوض حرب أنصار فى إرتباط مباشر مع الشعب. و بإعتبار أن النضال نضال ضد الإضطهاد الوطني لغالبية القوميات ، فإنّ هذا كذلك سيوفّر قاعدة جماهيرية جيّدة لحرب الأنصار.
و الميزة الثانية تثبت أنّه ليس هناك وضع صدام عسكري مباشر بين قوى العدوّ حول السلطة السياسية ولو وُجد لأمكن للقوى الشعبية المسلّحة أن تستفيد منه لتفتكّ منطقة معيّنة. و هذا يؤكّد بجلاء أنّ الكفاح المسلّح النيبالي لا يمكن أن يتخذ شكل حرب مواجهة أو حرب مواقع ضد العدوّ ، فى البداية. فمن الضروري توسيع قوّة الشعب المسلّح بالهجوم على نقاط ضعف العدوّ تدريجيا و إضعافه عبر هجومات من النوع الأنصاري فى مناطق مواتية للشعب. و عندما ننأمّل الميزتين الأولى و الثانية معا ، نجد أنّه من الممكن التركّز و البقاء بصورة مستقلّة فى بعض المناطق الخاصّة بالضبط مثلما حصل فى تشنغ كانغ –شان الصينية و التمكّن من التوسّع إنطلاقا منها.
و تقيم الميزة الثالثة الدليل على إمكانية الشروع فى حروب أنصار فى أجزاء مختلفة من البلاد و تطويرها بإتخاذ ثورة الفلاحين كحجر أساس و التمركز فى المناطق الريفية و بالإعتماد على الفلاحين و توحيدهم.
و تبرز الميزة الرابعة بوضوح أنّ مساندة الشعب ستنمو إذا تمّ الفضح الشامل للتحريفيين اليمينيين و إذا تمّ إتباع تكتيكات الكفاح المسلّح بحذر.و تشير الميزة الخامسة إلى أنّ سرعة تطوّر النضال المسلّح فى سبيل إرساء السلطة الشعبية الثورية البديلة ستكون أعلى و ستلهم القيام بعمليات جريئة للتوصّل إليها. و تبرهن الميزة السادسة على ضرورة تعبئة النيباليين العاملين فى البلدان الأجنبية – لا سيما أولئك النيباليين العاملين بالهند- بتولّى العمل السياسي فى صفوفهم و إستعمال المنطقة للتزويد بالضروريات المتنوّعة لنجاح الكفاح المسلّح فى النيبال.
و ملخّص كلّ تلك الخصوصيات يبيّن بجلاء أنّه من المستحيل على النضال المسلّح فى النيبال إنجاز قفزة سريعة نحو الإنتفاضة و إلحاق الهزيمة بالعدوّ. غير أنّه من الممكن تماما تحطيم العدوّ فى النهاية عن طريق تطوير منتظم للنضال المسلّح النيبالي. و من هذا ، بمستطاعنا أن نستخلص بصفة واضحة أنّه ينبغى بالضرورة على الكفاح المسلّح النيبالي أن يتخذ إستراتيجيا حرب الشعب الطويلة الأمد و محاصرة المدينة إنطلاقا من الريف. و من الواضح أيضا أنّ ذلك الطريق يمكن أن يُسلك فقط بعد إعارة الإنتباه إلى الميزات الخاصّة ببلادنا.
إنّ المبادئ الجوهرية لهذا الدرب هي : أن نستوعب بصرامة أنّ حرب الشعب هي حرب الجماهير و أنّها يمكن أن تتطوّر فحسب بالتعويل على الجماهير و رئيسيا على الفلاحين و أنّ الجماهير هي صانعة التاريخ، الإعتراف بضرورة و أهمّية مراحل الدفاع الإستراتيجي و التوازن الإستراتيجي و الهجوم الإستراتيجي فى حرب الشعب و القيام بخطط حسب ذلك بتبنّى الدور الإستراتيجي لحرب الأنصار بإعتبارها الشكل الرئيسي و تركيز مناطق إرتكاز لإفتكاك السلطة المركزية، وفوق كلّ شيئ ، فى توجيهات الماركسية-اللينينية-الماوية، ترسيخ قيادة الحزب للجيش و عدم السماح ،مهما كان الثمن ، بنشوء وضع حيث يراقب الحزب البندقية. بتطبيق المبادئ الإستراتيجية الأساسية لحرب الشعب الطويلة الأمد و بالإحجام عن القيام بأخطاء ، بإمكان المرء كشف قوانين حرب الشعب النيبالية . و من المهمّ ملاحظة حقيقة أنّ قوانين الحرب بوسعنا تعلّمها فقط بممارسة الحرب. و الهدف الإستراتيجي و التكتيكي الشامل للحرب هو المحافظة على قوانا و تحطيم قوى العدوّ. لذا ، من الهام أن نكون واضحين منذ البداية حول السياسات التى نحتاج من أجل تطوير حرب الشعب النيبالية بفهم الوضع العام الوطني و العالمي و الخصوصيات المشار إليها آنفا.
فى وضعنا ، هذه السياسات هي : إعطاء الأولوية للعمل بالريف لكن لا يجب التخلّى عن العمل بالمدن، إعطاء الأولوية للنضال غير القانوني لكن لا يجب التخلّى عن النضال القانوني كذلك، إعطاء الأولوية للمناطق الإستراتيجية الخاصة لكن لا يجب التخلى عن العمل المرتبط بالحركة الجماهيرية كذلك، إعطاء الأولوية للصراع الطبقي فى القرى لكن لا يجب التخلى عن الفضح و الدعاية السياسيين كذلك، إعطاء الأولوية لعمل الدعاية داخل البلاد لكن لا يجب التخلّى عن الدعاية العالمية كذلك، إعطاء الأولوية فى البناء للتعويل على التنظيم و القوى الذاتيين لكن لا يجب أن نغفل عن تشكيل وحدة فى العمل للحصول على مساندة و مساعدة من النطاق العالمي، فقط بتطبيق هذه السياسات بإنتباه بالإمكان الشروع فى النضال المسلّح و المحافظة عليه و تطويره. لا يمكن ، فى الإطار الراهن لحرب الشعب، أن تبتدأ لا بإتخاذ نظرة إحادية الجانب و لا بالتشديد بنفس الدرجة على كلّ جوانب العمل. من هذا المنظور ، ستتقدّم حرب الشعب كحرب كلّية.
و سيتوقف التطوّر الناجح لحرب الشعب النيبالية على لا مركزية العمليات المعتمدة على سياسة مركزية و على شنّ عمليات مختلف نقاط العدو المنعزلة و على إستعمال قوّة كبيرة ضد قوى صغيرة بغاية إحراز نصر سريع و على تطبيق تكتيك إضرب و أهرب و على المضيّ قدما فى العمليات الأنصارية فى ظلّ مركزية لمختلف أجزاء البلاد لكن أيضا على إيلاء عناية خاصة و بأسرع ما أمكن و بأفضل طريقة ممكنة و على وضع مسألة إفتكاك السلطة السياسية فى المركز.
بعض المسائل الهامّة المتعلّقة بالإنطلاق فى النضال المسلّح :
كيف يمكن تحويل حزب كحزبنا الذى قد إعتاد ، و لزمن طويل ، على النشاطات الإصلاحية و البرلمانية ، رغم خطّ سياسي واضح و ظروف مادية مواتية و قاعدة جماهيرية مناسبة و نامية ،كيف يمكن تحويله إلى حزب نضال مسلّح؟ هل من المستطاع التحوّل تدريجيا عبر الدراسة و التدريب و النضال الإصلاحي و نضال مقاومة على نطاق ضيّق؟ الآن ، هل نحتاج لأجل ذلك إلى أية قفزة أو قطيعة مع الماضى أو خطوة حيوية أو أي دفع كبير؟ هل يقدر حزبنا أن يبدأ الكفاح المسلّح بسلاسة، دون التسبّب فى أي ضرر للهيكلة التنظيمية الطبقية الجوهرية؟ و إثر الشروع فى حرب الأنصار ، ماذا ستكون نتائجها و كيف ستكون سيرورة تطوّرها؟ بهذا الصدد ، ماذا تثبت الجدلية الماركسية و تجربة الحركة الشيوعية العالمية و تجربتنا الخاصة ؟ دون إيضاح هذه المسائل، لا نملك أن نشرع فى حرب الأنصار.
الماركسية فلسفة صراع. و قانون التطوّر ، وفق الجدلية الماركسية ،هو أن أيّة سيرورة تطوّر فى الطبيعة و المجتمع و الفكر الإنساني تحصل عبر صراع الأضداد و نتيجته البديهية ستتخذ شكل قفزة و أي فكر يرى أيّ نوع من أنواع سيرورات التطوّر بمثابته نظاما عاديا من الزيادة و النقصان و بمثابته نمواّ تدريجيا يجب أن يفضحه الماركسيون بإعتباره تطوّرية برجوازية. و من الواضح أنّ التحوّل من سيرورة إلى سيرورة أخرى لا يحدث تدريجيا بل عبر قفزات ، عبر تغيّر نوعي ، عبر ثورة.
بهذا المضمار يقول لينين إنّ التطوّر هو صراع الأضداد ، توجد بالأساس نظرتين للتطوّر ، تطوّر فى شكل زيادة و نقصان وتطوّر كوحدة أضداد. و لقد أعطى ماو إسم التطوّرية الفظّة لهذا الفكر الذى ينظر للتطوّر كزيادة أو نقصان أو كإعادة و قال عوض ذلك ، إنّ النتيجة الحتمية لوحدة و صراع الأضداد هي التغيّر النوعي- أو القفزة وصاغ ذلك كوحدة- صراع- تحويل.
بصدد نظرية المعرفة ، طوّر ماو نظرية القفزتين ، أي ، القفزة من المعرفة الحسّية إلى المعرفة النظرية و القفزة من المعرفة النظرية إلى الممارسة الثورية. و منهما نعت ماو ظاهرة القفزة من المعرفة النظرية إلى الممارسة الثورية ب "ذات أهمّية قصوى" . حول هذا يقول ماو :" فقط هذه القفزة – القفزة الأولى للحصول على المعرفة ، أو الأفكار و النظريات و السياسات و المخطّطات و الوسائل المبلورة كإنعكاس للعالم الخارجي الموضوعي ، يبيّن الصحيح من الخاطئ. ليس ذلك فقط – فالغاية الوحيدة للبروليتاريا من معرفة العالم هي تغييره".
و إذا ، شدّد ماو على الحاجة إلى القفزة و أهمّيتها فى سيرورة تحويل الفكر إلى ممارسة. ليست القفزة ، التغيّر النوعي و الثورة تطوّرا تدريجيا و إنّما حالة قطيعة أو حالة تحوّل الأضداد الواحد إلى الآخر مثلما أشار إليه ماو حول التغيّر النوعي و سيرورته إلخ ،عندما كان يتحدّث عن الثورة بإعتبار أنّها ليست مهذّبة أو محدودة إلخ.
من هذا ، من الواضح أنّ جوهر الماركسية ، فى هذا الموضوع، هو تحويل الفكر إلى ممارسة. و على الجانب الواعي أن يقيم مخطّطا ليس لتطوّر تدريجي بل مخطّط قفزة. بعد تطوير رأي عن طابع الثورة النيبالية و طّرق تحقيقها على قاعدة الفهم المادي لظروف تطوّر الصراع الطبقي فى المجتمع النيبالي و الوضع العالمي، لن يكون من الماركسية الثورية بل مجرّد تطوّرية فظّة أو إصلاحية برجوازية صغيرة أن نواصل إعادة ممارسة طرق التطوّر التدريجي أو طرق الإصلاح. فمن المستحيل تحويل سيرورة إلى أخرى على نحو تدريجي لأنّه من الضروري إحداث قفزة نوعية. و من هنا، سيتحوّل حزبنا الذى لم يتعوّد على الكفاح المسلّح حتى إثر تطوير أفكار حول هذا الكفاح ، فقط عبر سيرورة الدفع ، القفزة و التغيّر النوعي، إلى حزب قادر على قيادة كفاح مسلّح. و يتناغم هذا مع التجربة الماضية و الراهنة للحركة الشيوعية العالمية.
فضلا عن هذا، علينا إلى ذلك، أن نكون واضحين بشأن هذه القفزة التى ستأتى بتغير كبيرفى هيكلة حزب مثل حزبنا الذى يهيمن عليه أعضاء من الطبقة البرجوازية الصغيرة و الذى أخذ على أسلوب عمل إصلاحي. و هذا الأمر كذلك لن يمرّ بلطف و بسهولة ، سيوجد تغيّر كبير فى الهيكلة الطبقية العامة للحزب بفعل سيرورة مجيئ وذهاب عناصره. و هذه السيرورة ستتجلّى من خلال خسائر و مكاسب كبرى. فى هذه السيرورة ، سيتمّ دفع مقابل عديد أخطاء الحزب و مآخذه و نواقصه بالدم. بعد الشروع فى حرب الأنصار، ستتواصل سيرورة النهوض و السقوط ، الإنتصار و الهزيمة حسب قانون الحرب، على أنّه من المهمّ الإنتباه إلى مسألة أنّ ما أن يقع رفع راية الثورة يتعيّن علينا أن نكون مصمّمين على عدم إنزالها إلى النهاية و إن حدث ذلك دون مثل هذا التصميم فسيعنى خطأ فى حقّ الشعب و سيكون ذلك مناقضا للنظرية الماركسية –اللينينية-الماوية.
عقب تشكيل حزب شيوعي متسلّح إيديولوجيا و له خطّ سياسي ووسائل تحقيقه، المسألة الباقية هي ، واقعيا، مسألة الشروع فى حرب الشعب. لئن نقص الوضوح بهذا المضمار ، لن نستطيع التحرّر من الإصلاحية. و قد أثبت التاريخ أنّ الشعب سيحكم بالإيجابية على كلّ عمل تاريخي يقدم عليه فى سبيل مصلحة هذا الشعب و على كلّ عمل يقام بإيمان عميق بمبدأ " الجماهير هي صانعة التاريخ".
=================
لنتقدّم على درب حرب الشعب فى سبيل تحطيم الدولة الرجعية و إرساء دولة الديمقراطية الجديدة
( نداء الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) إلى الشعب وقد وزّعت من هذا المنشور التاريخي مئات آلاف النسخ عبر البلاد كافة عند الإنطلاق فى حرب الشعب فى 13 فيفري 1996 ).
أيتها الجماهير الشعبية،
يمرّ المجتمع النيبالي حاليا بأزمة خطيرة من الناحية الإقتصادية و السياسية و الثقافية . إلى ماذا إنتهت النيبال ، إقتصاديا ، على أيدى الدولة الراهنة التى ما إنفكّت تتبجّح ،لخمسين سنة ، بالنمو و بناء البلاد؟ إنّها قادت النيبال إلى مرتبة البلد الثاني الأكثر فقرا فى العالم، بعد أثيوبيا. كما وضعت هذه الدولة التى لا تصنع و لا إبرة واحدة بإسم الإقتصاد الوطني و المكتفى ذاتيا،إقتصاد البلاد برمته بين أيدى زمرة من العائلات الرأسمالية البيروقراطية و الكمبرادوريين الأجانب [يقصد بالأخيرين حكّام الهند] . و فى حين أضحت لهذه الزمرة من النهابين ثروات طائلة ، يعيش الأسياد الحقيقيون للبلاد و للثروة الوطنية ، الجماهير الكادحة النيبالية ، يعيشون بعناء حياة ملؤها الحرمان و الفقر. فأبناء الفلاحين و بناتهم وجدوا أنفسهم عرضة للبطالة و الفقر المتناميين و مدفوعين إلى حياة بؤس و عار فى الهند و أجزاء أخرى من العالم بحثا عن كسب القوت اليومي. و بعد تفاقم الديون الخارجية الهائلة لتصبح حتى على كاهل الأجيال النيبالية القادمة ، يغتبط الحكّام الإقطاعيون و الرأسماليون البيروقراطيون بها. و بإسم الخوصصة و السياسات الليبرالية الجديدة بأوامر و لصالح الرأسماليين الأجانب ، تمضى سيرورة رهن البلاد كلّها للرأسماليين الكمبرادوريين و البيروقراطيين بسرعة قصوى.
و كان على الفلاحين ،أساسا، و الذين يمثّلون 90 %من السكّان أن يتحملوا هذا الإنهيار الإقتصادي. و كلّ حكومة جديدة تتشكّل فى ظلّ هياكل هذه الدولة ستدفع بالبلاد إقتصاديا إلى حالة من الإفلاس الأعمق ، مثلما يبيّن التاريخ ذلك.
لأجل الإبقاء على هيمنة ديانة (الهندوسية) و لغة (النيبالية) و قومية (الكاس) ، كرّست هذه الدولة و لقرون التمييز العنصري و الإستغلال و الإضطهاد ضد الديانات و اللغات و القوميات الأخرى و تتآمر بغرض تمزيق قوى الوحدة الوطنية التى هي (القوى) حيوية لتطوير البلاد و أمنها. و على العكس من ذلك ، أمام الإمبريالية و التوسعيين الأجانب [الهند] تذلّلت راهنة لهم الكرامة الوطنية و سيادة النيبال. و بوقاحة تسمح الحكومة للغربان الأجانب بأن يمتلكوا مواردنا من المياه الطبيعية و أن يدوسوا بالأرجل أرض وطننا . إذا سمحنا بتمادى هذه السيرورة لمزيد من الزمن ستكون البلاد و لاشكّ ،فى عيون النيباليين الواعين و الوطنيين الذين لم يبيعوا أنفسهم ، فى وضع غاية فى الخطورة.
لقد أعلنت هذه الحكومة الحرب على تطوّر الثقافة الوطنية للشعب ، مغرقة البلاد فى الثقافة الإمبريالية المنحطّة و الفاسدة و المشوّهة و بذلت القوى الإقطاعية و الإمبريالية قصارى جهدها من أجل إحلال قيم عدمية و فوضوية و فردية محلّ المُثل و القيم الثقافية الديمقراطية. هذه هي مدرسة تآمر الطبقات الرجعية إفسادا للشعب ثقافيا و حفاظا على مملكة نهبهم. كلّ هذا الجوّ من الفساد الثقافي مسؤول كذلك عن تزايد تجارة المخدّرات و التهريب و السرقة و السوق السوداء و النهب و القتل و الإغتصاب فى المجتمع الحالي.
فى ظلّ تشكيلة هذه الدولة المحتضرة ، كان الحكم بأيدى تحالف من البنشاس (مؤيدى الملك) و حزب المؤتمر النيبالي. و كان هؤلاء الحكّام يملون أوامرهم لا على الفلاحين و العمال فحسب ،بل أيضا على شرائح و قطاعات مختلفة أن يعيشوا فى حرمان مستمرّ و عدم مساواة و رعب. و منذ زمن بعيد ، عاملت هذه الدولة المرأة كإنسان من الدرجة الثانية و الآن إستفحل الإغتصاب و إستفحلت المعاملة كبائعة كوكايين و المتاجرة بها كما شنّت حملة دعاية قذرة ضدّها. و النظام التعليمي قائم ليعدّ عبيدا للدولة ، مع أنّه يتضمّن فوضى كبرى. و هكذا أكانوا عمّالا أم فلاحين أم نساء أم معلمين أم ملاكين صغار أم موظّفين من درجة دنيا أم طلبة أم أساتذة أو أناس من طبقات أخرى.، بما فى ذلك البرجوازية الوطنية ، فإنهم جميعا ضحايا دولة الإقطاعيين و الرأسماليين الكمبرادوريين و البيروقراطيين. بإستثناء تغييرات راديكالية على كافة الأصعدة ،كلّ إمكانية إصلاح الآن هي مجرّد خدعة.
إنّ الطبقات الرجعية الحاكمة ، الديمقراطية ظاهريا ، غالبا ما إستعملت بنادقها ضد النشطاء السياسيين أو الجماهير الشعبية التى تدافع عن معتقدات و مبادئ متعارضة مع مصالح هؤلاء الحكّام. و هذه الدولة التى تقول عن نفسها إنّها حارسة "الديمقراطية" عاشت على دم عدد لا يحصى من أبناء و بنات الوطن النيبالي و الأطفال و حتى الشيوخ . و لمّا أعلن الشعب رأيه و تظاهر من أجل الديمقراطية و الوطنية و العيش الكريم، تعرّض مئات الآلاف من النيباليين الذين يناضلون فى سبيل العدالة إلى تعذيب جسديّ لا إنساني و زجّ فى السجون و تعذيب نفسي. و ليس أثناء فترة البنشايات (الملكية المطلقة ،دون أحزاب) فقط ،بل أيضا ،مع الملكية البرلمانية الحالية ،تصاعدت عمليات القتل الجماعي و القمع الفاشي. هذه هي حقيقة من تجربة الشعب النيبالي فى حياته اليومية. و قد تطوّرت هذه السيرورة عبر حملة قمع مسلّح ضد الأبرياء الذين يبحثون عن الحقيقة و العدالة. و العملية المسلّحة الحديثة و إرهاب الدولة الذين شُنّا فى غرب النيبال و أماكن عديدة من البلاد دليل لا يطاله الشكّ على أنّ الطبقات السائدة ماضية بوضوح فى حرب غير عادلة على الشعب. و العمليات المشؤومة التى تقوم بها الدولة الرجعية من إستخدام لأبناء و بنات الفلاحين الفقراء و العمّال كمرتزقة فى الشرطة و الجيش و جرّهم إلى إستعمال الأسلحة ضد أعضاء من عائلاتهم المسحوقة ( آباء و إخوان و أخوات) هي الآن أوضح من أي زمن مضى . لكن مع مرور الوقت ، سيعرف هؤلاء العاملين بالشرطة و الجنود المخدوعون الحقيقة. لا خيار سوى رفع راية الحرب العادلة ضد الحرب غير العادلة.
كيف تمّ الوصول إلى هذه المرحلة من الظروف الحرجة من فقدان الوطنية و الديمقراطية و العيش الكريم و إلى هذا الوضع من الحرب الصريحة للدولة على الشعب؟ ما هو جليّ فعلا ، على أساس تحليل مادي تاريخي و علمي، هو أنّ بذور هذا الوضع مبثوثة فى النيبال منذ زمن معيّن.
مع حلول مرحلة الإمبريالية و الثورة البروليتارية ، ظهر فى النيبال ،مثلما فى كلّ الأمم المضطهَدة تقريبا ، أيضا نظام إجتماعي –إقتصادي شبه مستعمر و شبه إقطاعي يقوم على تحالف الإمبريالية و الإقطاعيين و إبتدأت سيرورة تذللت خلالها الإقطاعية أمام الإمبريالية بينما كانت هذه الأخيرة تسلب الجماهير الشعبية و تحمى النظام الإقطاعي . و تعود هذه السيرورة إلى السنوات 1815-1816 مع إمضاء إتفاقية سوقولي مع الهند البريطانية. والنتيجة الحتمية كانت تخدم الملاكين العقاريين و الإمبريالية. و هذه الحقبة التاريخية الطويلة تمتدّ من ولادة الرأسمال البيروقراطي إلى صعوده ثمّ إلى إنحطاطه.
فى المجتمع النيبالي ، وُجدت سلطة مائة و أربع سنوات من أوتوقراطية رانا ( من 1846 إلى 1950) تحت ذات البنية و تحت الأوتوقراطية الموالية للبنشايات دون أحزاب (من 1960 إلى 1990) و المسمّات ،حاليا، الملكية المتعدّدة الأحزاب (من 1990 إلى يومنا هذا ) تواصلت و حتى ستتواصل تحت ذات اللون من الإدارة. و نتيجة لنضال الشعب النيبالي ضد هذه التشكيلة الإجتماعية-الإقتصادية، رئيسيا، و بسبب التغيرات فى الوضع السياسي العالمي ، ثانيا، صارت أسماء النظام و الحكومة تتغيّر فتصبح تارة ليبرالية و طورا محافظة و الغاية هي إجراء إعادة تقسيم نهب السلطة. غير أنّ التشكيلة الأساسية تظلّ هي هي. و الأحداث السياسية للسنوات 1951 ،1960،1979، 1990 يمكن فهمها فقط إنطلاقا من وجهة النظر هذه. و لو نظرنا فى التاريخ من 1951 فصاعدا ،لوجدنا أنّه من البديهي أنّ فى ظلّ ظهور الإصلاحات الصغيرة التى تنفّذها الدولة الرجعية حدثت دوما أزمات فى كلّ مرّة أكبر بالنسبة للبلاد و الشعب.
بإستمرار ، ناضل الشعب ضد هذا الوضع. و من خلال هذه السيرورة من النضالات ، كان الشعب ضحيّة ليس للقمع المتكرّر و للمؤامرات الرجعية فحسب و إنّما أيضا ضحيّة لخيانة و خداع الإصلاحيين. و اليوم أكبر خونة للشعب هم الذين يسمّون أنفسهم [زورا] شيوعيين (التحريفيين ) الذين يسعون وراء فتات سلطة الدولة الرجعية و يلعقون أحذية الإقطاعية و الإمبريالية. و الشعب النيبالي و تاريخه لن ينسيا بالمرّة هؤلاء الخونة الذين يجلسون على نفس الطاولة مع الرجعيين خائنين ثقة الشعب بتغيير راديكالي و فى الحزب الشيوعي ، يدوسون دم آلاف الشهداء. و من جديد ، إن شدّد إمرء ما على العمل داخل الحدود الضيقة للنضال الإصلاحي فى دولة رجعية ، طال الزمن أو قصر ، سيسقط فى مجرّد خيانة أخرى. و هذه الحقيقة أثبتها التاريخ على نحو لا يقبل الدحض.
و جانب آخر لا يمكن نسيانه هنا هو أنّ القمع المتكرّر و المؤامرات الرجعية معا مع خيانة الإصلاحية و خداعهم أفرزوا ظروفا جيدة لرفع الوعي السياسي للجماهير الشعبية و أفرزوا أنّ الجماهير تتعلّق ،لأجل تحرّرها ، بالإيديولوجيا الثورية الوحيدة الموجودة من خلال الصراع الطبقي للشعب و النضال الإيديولوجي المديد و الحاد ضد الإصلاحية و لإيديولوجيا الثورية التى نقصد هي الماركسية-اللينينية-الماوية. و اليوم ، ينطلق الحزب الماركسي-اللينيني –الماوي الذى تقوده هذه الإيديولوجيا كلّية القدرة و الثورية مثل زهرة جميلة و شذيّة عبر النضال الطويل الأمد للجماهير الكادحة النيبالية، يسقيه دم آلاف الشهداء. و بناء عليه ، يسعى كافة أرهاط الرجعيين و التحريفيين ، المسعورين ، إلى إجتثاث جذور هذا النضال ممّا جعل الجماهير تتخذ الإحتياطات اللازمة من أجل مواصلته و تطويره.
أيتها الجماهير الشعبية،
ما يتّضح من العرض التاريخي السابق و من الوضع الراهن هو أنّ الظروف الحالية للأزمة الحادة التى تمرّ بها البلاد نجمت عن تطوّر التناقضات بين إضطهاد وإستغلال دولة الطبقات الرأسمالية البيروقراطية و الكمبرادورية و الطبقة الإقطاعية للشعب من جهة و من جهة أخرى، نضال الشعب ضدّها بلا هوادة.
و سعيا منها للدفاع عن دولتها الرجعية المحتضرة التى تنخرها الأزمة ، تفرض الإقطاعية و الإمبريالية على الشعب حربا غير عادلة صراحة. و إذا لم يستطع الشعب النيبالي أن يشنّ حرب الشعب العادلة ضد هذه الحرب غير العادلة و أن يمضي فيها حتى الظفر ، سيحكم عليه و على الأمة النيبالية بظلام أكبر و أطول.
واعيا لواجبه تجاه هذه الضرورة التاريخية ، قرّر الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) ، الحزب البروليتاري لأبناء و بنات الجماهير الشعبية ، قرّر الإنطلاق فى سيرورة تحطيم هذه الدولة الرجعية بالقوّة و إرساء دولة الديمقراطية الجديدة. قرارنا هذا ينبع من إحساس خدمة الشعب و الإخلاص له و من إلتزامنا بتطبيق الماركسية-اللينينية-الماوية الكلّية القدرة لأجل تحريرالإنسانية جمعاء ، و للأبد ، من ربقة الإستغلال الطبقي ، كما ينبع ، فى ضوء هذه الإيديولوجيا ، من دراسة تاريخ المجتمع النيبالي. إنّنا واعون تمام الوعي أنّ حرب القضاء على سلاسل عبودية آلاف السنين و فرض دولة الديمقراطية الجديدة ستكون مهمّة عسيرة فيها تقدّم و محن و طبيعتها طويلة الأمد. إلاّ أنّ هذا هو الطريق الوحيد لتحرير الشعب و لمستقبل عظيم ووضّاء. و هذا الطريق ينبغى المضيّ فيه مستعملين كلّ أشكال النضال وفق المرحلة التاريخية لتطوّر النيبال ، رئيسيا، و كما قلنا ،حسب إستراتيجيا محاصرة المدن إنطلاقا من الريف، منجزين الثورة الزراعية كمحور رئيسي و خلال و فى إرتباط بصراع الطبقات فى الريف. و فى إطار ميزان القوى ، ستتقدّم سيرورة حرب الشعب عبر حرب الأنصار الشعبية ، فى مرحلة أولى من الدفاع الإستراتيجي . لنا الثقة كلّها فى أنّ جماهير جميع طبقات و شرائح الشعب ستقدّم مساندة و دعما نشيطين لهذه السيرورة الثورية حتى النصر. و أيضا ،نحن متأكّدون وواعون بأنّ هذا النضال سيلقى كذلك مساندة و دعم الشيوعيين الثوريين و الجماهير المناضلة عبر العالم بأسره و إنّ هذه الثورة بدورها ستساند كلّ هؤلاء الثوريين. و حيث أنّ نضالنا هذا الذى هو رافد من روافد الثورة البروليتارية العالمية ، سيتطوّر للإجهاز على إستغلال و إضطهاد الإنسان للإنسان و بذا القضاء ،و للأبد ، على الحرب عينها. و إرتباطا بهذا ،نودّ أن ننوّه خاصة بالثورة الشعبية القائمة فى البيرو و المرتكزة على الماركسية-اللينينية-الماوية و بالحركة الأممية الثورية و كافة الحركات الثورية فى العالم و القائمة على المبادئ ذاتها.
فى النهاية ، نهيب بالعمّال و الفلاحين و النساء و الطلبة والمعلمين و المثقفين و كلّ الجماهير الشعبية من جميع الشرائح و القطاعات أن يمضوا جنبا إلى جنب فى حرب الشعب هذه إلى إرساء دولة الديمقراطية الجديدة للشعب و أن يقدّموا لحرب الشعب أشكال الدعم و المساندة جميعها.
من حقّنا أن نثور!
لتحي حرب الشعب!
لتسقط الدولة الرجعية!
لتحي الثورة الديمقراطية الجديدة!
المجد للماركسية-اللينينية-الماوية!
مع التحيات الثورية لللجنة المركزية للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي).
=====================================================================
النيبال : رفع الراية الحمراء إلى قمّة العالم
("عالم نربحه")
فى شهر فيفري من سنة 1996 ، حصلت عمليات إنقضاض و هجمات منسّقة فى ثلاث مناطق رئيسية و كذلك فى عدّة مناطق أخرى على طول النيبال. بهذه العمليات المسلّحة التى شارك فيها آلاف النساء و الرجال ، فُتحت صفحة جديدة و بطولية فى تاريخ هذا البلد : إنطلاقة حرب الشعب الموجّهة لكنس الإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية. و تضمّن الطور الأوّلي الذى دام أسبوعين و حسب تقريبا خمسة آلاف عملية من عمليات إنقضاض مأثّرة على معسكرات شرطة المقاطعات الريفية و إستيلاء على ملكية الملاكين العقاريين و عقاب بعض الطغاة الممقوتين، إلى التوزيع الواسع لملصقات على الجدران ولمناشير. خلاصة القول ، نفّذ نوعا معيّنا من النشاط المساند لحرب الشعب فى ستين من الخمسة و سبعين مقاطعة فى البلاد.
وبوحشية ضرب العدوّ الجماهير ، قاتلا حوالي أربعة و عشرين شخصا فى الأسابيع الأولى و ملقيا القبض على المئات و ملحقا الضرر و مرعبا عددا أكبر ، بخاصّة ، فى المناطق الريفية حيث تتركّز القوى الثورية.
فى القلب من هذه المبادرة العظيمة يوجد الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) وهو حزب عضو فى الحركة الأممية الثورية . إنّه الحزب الذى جعل من الممكن أن ينهض المسحوقون والمضطهَدون رافعين السلاح بوجه مضطهِديهم و أن يتحوّل تمرّد الجماهير إلى ثورة واعية هدفها إفتكاك السلطة عبر البلاد كافة.
مفاجأة أم لا:
إنّ العمليات الأوّلية على بساطتها من وجهة النظرالعسكرية البحتة ، جعلت الطبقة السائدة مذهولة كما لو ضُربت ضربة مباشرة على الرأس. فلأكثر من ألف سنة ،كانت الطبقات العليا فى النيبال تعتبر أنّ حقّها فى الهيمنة على الكادحين و إستغلالهم حق إيلاهي. و بالفعل ، يقول ملك النيبال عن نفسه إنّه إنبعاث للإله الهندوسي فيشنوا. و كان من غير الممكن ، بالنسبة للإقطاعين و الرأسماليين البيروقراطيين الذين يحكمون النيبال فى إرتباط بالإمبريالية و عملائها فى الهند ، أن يخطر ببالهم أن يتجرّأ العمال ،و بالخصوص الفلاحون الفقراء الذين يشكلون الغالبية الساحقة من السكّان ، أن يتجرّأوا على إستعمال القوّة ضد حراس النظام القديم.
لكن بالرغم من أنّ البداية الحالية للهجمات أتت كالصاعقة على المضطهِدين ، فإنّ إحتداد الظروف التى ولّدت الثورة كانت فى تصاعد منذ زمن طويل و قد تفاقمت بخطوات حثيثة خاصّة فى السنوات الأخيرة. فمقالان أكاديميان نُشرا بغرض جلب النظر إلى المساندة الواسعة التى يتمتّع بها ، فى النيبال، الحزب الشيوعي البيروفي و الرئيس غونزالو و إمكانيات أن تندلع حرب الشعب بإعتبار الصراع الطبقي الحاد الذى يدور رحاه فى البلاد.
و فضلا عن ذلك ، لم يبقى الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) سرّا تصميمه على الإعداد لحرب الشعب و الشروع فيها. إذ وجدت عديد الوثائق و المقالات و الندوات العلنية محورها هذا الخطّ و كان الآلاف من الناس يعلمون و يشاركون فى عمليات الحزب التحضيرية.
حينئذ لماذا مثّل ذلك مثل هذه الرجّة ؟
نظرا لأنّ أفق الطبقات الرجعية ، فى كلّ البلدان، ينزع إلى الإستهانة بالمضطهَدين و إحتقارهم و لو انّ المستغِلين يخشون إمكانية إنفجار فى المستويات السفلى من المجتمع و يتخذون كثيرا من الإجراءات القمعية الموجّهة للمحافظة على الوضع القائم بالقوّة و العنف ، فإنّهم يعتقدون أنّهم الوحيدين القادرين فعليا على إدارة المجتمع. و هذه النظرة متجذّرة كذلك تجذّرا عميقا فى الهندوسية وهي ديانة الطبقة المهيمنة فى النيبال. و بقدر ما يتخذ تمرّد الجماهير شكلا ثوريا واعيا بقدر ما يغدو هدف الصراع هو إفتكاك السلطة، و بقدر ما تسدّد الثورة و بعمق نحو إجتثاث جذور العلاقات الإجتماعية الرجعية القديمة و تعويضها ، بقدر ما تعتبر الطبقات المهيمنة الثورة كابوسا مستحيلا و لا يقبله العقل، حتى عندما لا تدّخر جهدا لمعارضتها و حرفها عن طريقها و تشويهها و لمّا يفشل كلّ هذا تغرقها فى الدم.
ميزة أخرى للحركة الثورية فى النيبال هي أنّه لأكثر من جيل ، كان قادة شيوعيون يدافعون فى الكلام عن الكفاح المسلّح و عن ثورة الديمقراطية الجديدة ، بينما كانوا يجدون التعلّة تلو الأخرى كيما لا يأخذوا مأخذ الجدّ الإعداد للكفاح إياّه و الإنطلاق فيه. و كان على الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) أيضا أن يتخلّص من الإرث الكبير من الأهداف و مناهج العمل و الأشكال التنظيمية غير الثورية التى كانت تميّز كلّ الحركة الشيوعية النيبالية و لعقود . إنّ االإنطلاق الجريئ فى حرب الشعب هو ، إضافة إلى ذلك ، تفنيد قطعي للخطوط التحريفية و الإنتهازية.
بعض المعطيات الأوّلية
تقع النيبال فى شريط ممتدّ يُغطى منطقة شاسعة من جبال الهيمالايا التى تفصل شبه القارة الهندية عن الهضبة التيبتية (وهي جزء من الصين) . و لئن كانت جبال الهيمالايا أعلى جبال فى العالم (أعلى قمّة ، سغرماتا ، المعروفة فى الغرب ب "قمّة أفريست" ، على إسم ضابط إستعماري بريطاني ، تقع فى النيبال) ، فإنها ممكنة العبور و منذ القدم ، إستعمل التجار دروبا متعدّدة كطرق تجارية. و العاصمة ، كتمندو، تقع على الطريق التجاري الرئيسي الذى ربط تاريخيا التيبت ( و أبعد منها ، الصين) بالهند.
و مع أنّ النيبال بلد صغير نسبيا ، بالخصوص مقارنة مع جيرانه فى الشمال و فى الجنوب، فإنّه فسيفساء من شعوب و لغات و ثقافات مختلفة و تعود غالبية الشعوب و المجموعات اللغوية بالنيبال إلى ما يسميه بعض الإنتروبولوجيون مجموعات "تيبيتو- برمان" فى شرق و شمال جبال الهيمالايا أو مجموعات "الهندو-آرية" فى الغرب و الجنوب. و الثقافات المتعايشة فى النيبال تعكس أيضا تأثيرات متنوّعة . يقال إنّ النيبال موطن ولادة بوذا و الديانة البوذية ، رئيسيا و ليس حصرا فى لونها اللاماي و التبتى ، لا تزال تمارسها نسبة عشرون بالمائة من السكّان.
و يتكوّن نصف سكّان النيبال تقريبا من مجموعات مختلفة من الجنجاتي ( أو القومية الأقلية). و الطبقة النيبالية المهيمنة تعدّ السكان الجنجاتي كلهم "هنودا" لتبرز معاملة هذه الجماهير كجزء من "الكاست الدونية" و لتدافع عن إدّعاءاتها بانّ النيبال "أمة هندية" . و فى الواقع ، ترفض الغالبية من الجنجاتيين إسم " الهندى" و تتبع طقوسا دينية أتيمية ( طبيعية) متنوعة.
لقد ساعدت جغرافيا النيبال على هذه الفسيفساء من الشعوب و الثقافات فالجبال و الوديان الكثيرة التى تشكّل ثلاثة أحواض متمايزة فى النيبال ، أبقت تاريخيا الشعوب المختلفة معزولة عن بعضها البعض. و كان على الفلاحين دوما أن يعيشوا بعناء من فلاحة سفوح الجبال أو من الرعي فى المناطق الجبلية الشاهقة الإرتفاع و المهبارات ليك ( الجبال المتوسطة بين جبال الهيمالايا و سفوحها) تشمل بعض السهول الجيدة لزراعة الأرزّ و فلاحة أخرى على علوّ يتراوح بين ألف و ألفي متر نسبة لمستوى البحر. و غدت هذه المناطق مثل وادى كتمندو و الخصب مقرّا للعديد من النبلاء الإقطاعيين و أن يعصروا صحّة الأجيال المتتالية من الفلاحين. ثمّ ، بينما كان وجود البريطانيين فى شبه القارة الهندية يتتشكّل و يتوسّع تمكّنت أكثر تلك الإمارات الإقطاعية قوّة ، مملكة غوركا التى كان يحكمها بريشفى نارايان شاه ـ تمكّنت من أن تنشأ دولة موحّدة فى النيبال و مدّت حدودها إعتمادا على حروب جبلية ، إلى أبعد من الحدود الحالية للنيبال ( إلى البنجاب فى الغرب و البنغال فى الشرق).
هزيمة مملكة غوركا على أيدى الهند البريطانية فى 1815 و معاهدة سوغولي رسمتا الحدود الحالية للبلاد و قنّنتا الهيمنة الواضحة للهند البريطانية. و كان لمختلف مجموعات الجنجايتيين فى الجبال و السهول المعزولة عن بقية البلاد سلطاتها الذاتية و حافظت على شخصيتها الثقافية الخاصّة ، على أنّها كانت تدفع ضريبة إلى الملك.
و ثمّة ،على طول الحدود الجنوبية مع الهند ، التى تمتدّ على عرض البلاد ، هضبة عرضها خمسون كيلومترا هي معروفة ب "تيراي" ( أو السهل) ليست على علوّ كبير نسبة لمستوى البحر. و تيراي هذه ، فى الوقت الراهن ، منطقة فلاحية ذات منتوج وافر و ذات أرض جيدة وهي عموما ذات موارد مائية لا بأس بها و السكّان الناشطون بها عددهم كثيف ( أكثر من 40 % من النيباليين يعيشون هناك). مع ذلك ، كان سكان تيراي ، إلى القرن الماضى قليلي العدد و غابات الموز كانت تعشش فيها الملاريا و فى النهاية ، كانت نكانا خطرا ، بما فى ذلك بالنسبة لجيوش الغزاة و حدّث و لا حرج بالنسبة للمزارعين الذين كانوا يودّون إستصلاح الأرض قصد الفلاحة. و فى الواقع ، لم يشجّع ملك النيبال على إستعمار تيراي بالذات للإبقاء عليها حاجزا دون الهند البريطانية. إلاّ أن النيبال تحوّل أكثر فأكثر إلى بلد تحت نفوذ بريطانيا العظمى فى أواسط القرن التاسع عشرة (دون أن يصبح مع ذلك مستعمرة) فإتفقت السلط الإستعمارية للهند البريطانية و الحكام النيباليون على فتح تيراي أمام المستعمرين. و كسب الحكام من القماش المصنوع آنذاك فى تيراي بينما سكبت الجماهير عرقها و دمها من أجل التمكّن من جعل المنطقة منتجة ، غير أنّ نظاما إقطاعيا صارما ، لسوء الحظّ ، كبّلها و إلى جانب سكان المناطق الجبلية النيبالية و المنحدرين من السكان الأصليين للغابات ، جاءت نسبة كبيرة من هؤلاء المستعمرين الجدد من مناطق مختلفة من الهند. جميعهم يكوّنون سكان تيراي الحالية.
و الآن ، لا تزال تيراي مثلما هو الحال بالنسبة لبقية النيبال ، فسيفساء ثقافات . و الكثير من السكّان إلى الآن يعتبرون أنفسهم "هنودا" ،حتى بعد أجيال إثر إستصلاح الأرض قصد فلاحتها. و لعبة من الألعاب الشائعة لدى النظام الهندي الرجعي و حكام النيبال الغرض منها تقسيم الناس و دعم مصالهم (النظام و الحكّام ) الرجعية ،هي إستغلال التقسيم بين المسمّين "هنود" و "النيباليين".
وفق الدستور النيبالي ، أكثر من نصف السكّان من الجنجاتيين. و يُستعمل هذا التصنيف تمييزا لهذه الجماهير عن ما يسمى أحيانا "القومية النيبالية الأغلبية". و إن كان العديد من الجنجانيين يقطنون مناطقا بعيدة فى ظروف بدائية ، فإنّ الكلمة ( الجنجانيين ) تنسحب أيضا على النوارس ،أي ، السكّان و التجار السابقين البوذيين من وادى كتمندو و الذين ما زالوا يحتلون مراكزا مفاتيح فى التجارة و الحياة العامة فى العاصمة.و لو أنّ اللغة النيبالية سيطرت فى كافة البلاد لقرنين من الزمن، فإنّ 30% فقط من السكان يتحدثونها كلغة أمّ (وهي لغة تعتمد الكتابة السنسكريتية و لها علاقات لغوية مع اللغات الهندية و البنغالية و عديد اللغات الأخرى من شمال الهند و باكستان و بنغلاداش).
إنّ الحياة قاسية بالنسبة للفلاحين النيباليين الذين يمثلون الغالبية الساحقة للسكّان (حوالي 90 %). و رغم الإصلاح الزراعي بالإسم ، منذ الحرب العالمية الثانية ، فإنّ الملكية الإقطاعية للأرض قويّة فى تيراي و فى السهول الرئيسية للجبال المتوسّطة و كذلك هو الأمر فى كتمندو و بوكارا. يقوم الجنجاتيون بالزراعة البدائية فى المنحدرلت الجبلية و يكسبون قوتهم بمشقّة ذلك أنّهم ،إلى الآن، يعانون شتى ألوان إستغلال الدولة المركزية و السلط التقليدية الجنجاتية.
و تبيّن كلّ "المقاييس " المتعارف عليها لتحديد مستوى الفقر أنّ النيبال واحد من أفقر البلدان العالم. ففى بلد حيث الدخل الفردي ، سنويا، بالكاد يصل إلى بضعة مئات من الدولارات ، يمكن أن يكون ثمن الدجاجة أو البيضة مماثلا لثمنها فى أوروبا. و هذا يعنى أنّ نسبة كبيرة من السكان تعيش سوء تغذية مهما كان المقياس المعتمد.و المنتوجات الصناعية نادرة أو غير متوفّرة لأكثرية السكّان. و بالرغم من أنّ الجماهير النيبالية قد بنت بعملها الشاق منازلا و خدمات صحّية أساسية جيدة مقارنة بالبؤس المنتشر بعدّة بلدان من ما يسمى بالعالم الثالث، فإنّ الظروف الصحّية لأكثرية السكّان هذه تدعو إلى القرف. و حسب وثيقة مؤشرات إجتماعية عن النموّ الصادرة عن البنك العالمي 1988-1993 (آخر ما توفّر لدينا) ، هناك 1290 طبيب لا غير مسجّلين فى البلاد بأسرها ، و يوجد أكثرهم فى العاصمة ليبقى عدد صغير جدّا منهم فى خدمة حولي 18 مليون نسمة فى بقية البلاد. و ينجم عن كلّ هذا معدّل أمل الحياة المحتملة -54 سنة للرجال و حتى أقلّ للنساء 52.2 سنة . لكن هذه المعدّلات تذرّ التراب على الفوارق الهائلة بين سكّان المدن و الفقر فى الريف.
ومعدّل أمل الحياة المنخفض إياه بالنسبة للنساء معبّر جدّا بإعتبار أن التوجّه فى كلّ البلدان هو أن تعمّر النساء أكثر سنوات من الرجال. و هذا دليل على الظروف القاسية للإضطهاد و العمل المضني اللذين تعانى منهما النساء النيباليات و على حوادث الموت بنسب عالية أثناء الولادة (1%) و الزواج عن طريق الإحتجاز ( بعد أن يتمّ التفاوض حول الثمن الذى يقدّم إلى عائلة العروس ، يعنى ، عكس المهر الهندي التقليدي) لا يزال موجودا فى صفوف بعض قطاعات السكّان. و بالنظر إلى أنّ المناطق البعيدة فى النيبال إندمجت بصفة وثيقة أكثر فى إقتصاد السوق ، ظهرت تجارة مربحة قدّمت أعدادا كبيرة من النساء إلى جحيم دور الخناء فى الهند. إلاّ أنه فى مناطق جنجاتية معينة تتمتّع النساء بعدالة أكبر نتيجة لتقسيم العمل الأقلّ تشدّدا و أحيانا نتيجة للهياكل الإجتماعية المشاعية البدائية. لكلّ هذه الأسباب ليس غريبا أن يشارك عدد كبير من النساء فى النضال الثوري.
فى العقود الأخيرة ، إنتشرت و على نطاق واسع صناعة السياحة فى النيبال. فبالنسبة للإمبرياليين "المزايا المميّزة " للنيبال هي مناظرها الخلاّبة و طقسها الممتاز و خاّصة طبعا أجورها البخسة جدّا. و جزء هام من "التطوّر" الحاصل فى النيبال يهدف إلى تحويل البلاد إلى جنّة العطل لسائحي أوروبا و إسرائيل و للأغنياء الهنود.
لأجيال ، أملت صعوبات المحافظة على الذات على ملايين النيباليين الهجرة بحثا عن العمل. و كثيرون هم الذين ذهبوا نحو الهند حيث يعملون فى ظروف أنكى من الإستغلال الفاحش. و ذهاب و عودة ملايين النيباليين إلى و من الهند مسألة محورية إقتصاديا لكلّ من الهند و النيبال وهي ميزة هامة فى الحياة الإجتماعية و السياسية. إذ رغم الفاقة الكبيرة ، فإن ذلك جعل جماهير العمال النيباليين فى تماس مع ثقافة بلدان أخرى و مع ما يحدث فى العالم لا سيما مع الإيديولوجيا التحررية : الماركسية-اللينينية-الماوية. و عبر الهند، ساهم كثير من العمّال النيباليين فى النضالات الثورية ،و عدد كبير منهم منتظمون بقيادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) من خلال منظمات جماهيرية متنوعة يقودها الحزب فى الهند. أيضا هناك الملايين من سكّان المناطق الجبلية الهندية المتاخمة للنيبال يتكلمون تنويعات من النيبالية و يقرنون أنفسهم من قريب بالجماهير النيبالية. و فى جانب منها ، لهذه الأسباب ستكون ثورتا النيبال و الهند مترابطتين.
و عادة وقع إدماج العديد من رجال النيبال فى الخدمات العسكرية الغربية و خاصة فى الجيش البريطاني (و منذ الإستقلال، فى الجيش الهندي ) . و هذه القوات المسماة عامة و على وجه الخطإ "أفواج غوركا" ( نسبة لإسم شعب من شعوب النيبال) نهضت بدور هام فى الآلة الحربية البريطانية و الآن الهندية. فأثناء الحرب العالمية الثانية ، أمضى ما يناهز الخمسون ألفا من النيباليين الخدمة العسكرية فى صفوف الجيش البريطاني لكن ، فى النهاية ، تخلّصوا منهم و لم يعطوهم أجورا مطلقا. و مثّلت عودتهم إلى النيبال عنصرا من العناصر الهامة فى التمردات الديمقراطية على نطاق واسع، بين 1950-1951 . و جانب هام لتلك الممارسة البغيضة جدّا ألا وهي إستعمال المضطهَدين خدمة "لأسيادهم " فى الحرب ، كان إنتشار معرفة المسائل العسكرية و الإستعمال الجيّد للأسلحة الحديثة، بما فى ذلك فى زوايا البلاد الأبعد.
شيء من التاريخ :
من كلكوتا القريبة نسبيا فى الخليج البنغالي ، و التى كانت عاصمة الهند البريطانية إلى بدايات القرن العشرين ، كانت السلط الإستعمارية تضع عينها على النيبال. وفى 1814-1815 ، شنّت الشركة البريطانية للهند الشرقية حربا ضد مملكة غوركا و إقتطعت جزءا كبيرا من الأراضي التى لم يمض زمن طويل على إلحاقها بمملكة بريثنى نارايان شاه. بيد أنّه كان من الصعوبة بمكان على البريطانيين و من غير الحذر لهم أن يحتلوا النيبال عسكريا و لذا ، عوضا عن ذلك ، مارسوا السيطرة على البلاد بأشكال أقلّ مباشرة.
و فى 1846 ، جرى تركيز مؤسسة سياسية حكمت النيبال لمدّة قرن من الزمن و حافظت على مصالح البريطانيين . فإحدى العائلات الإقطاعية الرئيسية فى كتمندو و المرتبطة بالبريطانيين ، عائلة رانا، كانت توفّر "الوزراء الأولين" المتوارثين. و غدى الملوك المتتالون ،من جهة أخرى، مجرّد رموز و كان على كلّ واحد منهم أن يتزوّج من فرد من عائلة رانا بغرض تمديد هيمنته.و أثناء حكم عائلة رانا لمائة سنة ، حدث إدماج النيبال فى النظام الإمبريالي العالمي من خلال إلحاقها ببريطانيا العظمى و الهند البريطانية. و فى الوقت نفسه ،كانت الظروف الإقطاعية المتخلفة إلى أبعد الحدود تميّز نظاما إجتماعيا – إقتصاديا ظلّت فيه الجماهير مستثناة من كلّ الحياة السياسية المعاصرة .
و فقط إثر الحرب العالمية الثانية و التمرّد الثوري الذى صاحب الهزيمة التى منيت بها القوى الإمبريالية الفاشية و الإضعاف الكبير الذى لحق الإمبريالية البريطانية ، فقط إثر ذلك، تداعت ، فى الأخير ، "الراناركية" ( كما تسمّى عادة هيمنة عائلة رانا) ، إذ نفّذ الملك ،و بمباركة من البريطانيين ، إنقلاب قصر ضد عائلة رانا الكريهة كي يحوّل وجهة الغليان الشعبي.
و فى سنة 1947 ، إنقسمت الهند البريطانية إلى أمّتين ذات إستقلال شكلي : الهند و الباكستان و صار الخضوع النيبالي التقليدي للهند البريطانية إلى خضوع لنظام نهرو الجديد فى دلهى الجديدة.
حينذاك تأسس حزبان سياسيان هما حزب المؤتمر النيبالي و الحزب الشيوعي النيبالي (تأسّس الحزب الشيوعي النيبالي فى أفريل من سنة 1949). جوهريا ، كان حزب المؤتمر النيبالي حزب الإقطاعيين الكبار و البرجوازيين الموالين للهنود. و لئن كان الحزب الشيوعي النيبالي محطّ آمال و تطلعات الطبقة العاملة و قطاعات من الفلاحين و قطاع كبير من الطبقة الوسطى ، فإنّه لم يكن يملك و لا حتى عند تكوينه برنامجا و إيديولوجيا ثوريين. و فى سنة 1951 ، طبخت دلهى الجديدة ميثاقا ( معروف ب "الميثاق الثلاثي" بين الملك و عائلة رانا و دلهى الجديدة) للقضاء على التمرّد الثوري الذى كان يطالب بالديمقراطية فى البلاد. و إقتضى الإتفاق إلغاء منصب الوزير الأوّل الوراثي و عزّز دور الهند فى السيادة على النيبال و ركّز برلمانا . و تحصل الملك على سلطات واسعة من ضمنها سلطة حلّ البرلمان و الحكم عبر المراسيم.
و عقب تداعي "الملكية المزدوجة" نمت حركات جماهيرية داخل شرائح مختلفة من الشعب. و فى البداية ، ندّد الحزب الشيوعي النيبالي بالإتفاق الثلاثي و تصدّر بعض النضالات ضد هذا الإتفاق. و سجّلت بعض النضالات المسلّحة فى صفوف الفلاحين و كان على رأس نضال من النضالات الهامّة ، فى بداية الخمسينات فين دوتا بنته وهو موال للشيوعية على أنّه لم يكن عضوا بالحزب. و لم تقوى الشرطة و لا الجيش النيبالي على إلحاق الهزيمة به. عندئذ كان على الجيش الهندي أن يهزم قوات بنته و أن يقطع رأسه.
قاد الحزب الشيوعي النيبالي نضالات فلاحين فى تيراي و إتخذت بعضها شكل الكفاح المسلّح. و لسوء الحظّ ، خانت قيادة الحزب الشيوعي النيبالي ،و خاصة سكرتيرها العام ، مان موهان آديكاري الذى توصّل فى ما بعد إلى منصب وزير أوّل سنة 1994 على رأس الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الماركسي-اللينيني) ، خانت تلك القيادة النضالات (مزيدا عن هذا لاحقا) حيث أمضى آديكارى إتفاقا سرّيا مع الوزير الأوّل آنذاك فيه يتعهّد الحزب الشيوعي النيبالي بالإعتراف بالملكية على أمل أن يرفع عنه الحظر.
فى سنة 1960 ، نظّمت إنتخابات برلمانية. و إنصبّ جهد آلة الحزب الشيوعي النيبالي على الميدان الإنتخابي و لم يكسب سوى أربعة مقاعد فى البرلمان الذى هيمن عليه حزب المؤتمر النيبالي. و فى فترة حكم حزب المؤتمر النيبالي ، خضعت النيبال حتى أكثر لهيمنة الهند ، إذ تمّ توقيع إتفاقيات عديدة بموجبها تسلّم موارد طبيعية ثمينة ، و بخاصة التحكّم فى الإحتياطات المائية النيبالية الضخمة ، إلى الطبقة السائدة فى الهند . و إلى ذلك ، عارض الوزير الأوّل النيبالي طلب النيبال الإنضمام إلى الأمم المتحدة متذرّعا بأنّ ذلك لم يعد ضروريا بما أنّ "الأخ الأكبر" (الهند) كان عضوا.
و بعد ثمانية عشر شهرا لا غير من حكم حزب المؤتمرالنيبالي ، و مع التصاعد السريع لغضب الجماهير ، حلّ الملك البرلمان و القى القبض على كافة القادة و الناشطين السياسيين . فأحلّ نظام البنشايات محلّ البرلمان. و كان هذا النظام الجديد يقترح تركيز سلط الحكم فى القرى و القيام بإنتخابات محلّية حسب عادات السلطة الأبوية. و فى القمّة من هرم السلطة ، يعمل ممثّلو المجالس السفلى كمستشارين لدى الملك. و هكذا جرى إقصاء كلّ الأحزاب السياسية و جدّ بالخصوص قمع متواصل للأحزاب الشيوعية.
الحركة الماوية :
ذات أهمّية حاسمة كانت المعركة العظيمة ضد التحريفية المعاصرة و التى خيضت بقيادة ماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني ضد زمرة خروتشوف الذى كان على رأس الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي. و لم يُمارس خطّ ماو تأثيرا عميقا على الجماهير فى النيبال فحسب بل كان للإنطلاقة الثورية العالمية الكبرى التى صاحبت الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى الأثر العميق على الحدود بين النيبال و الهند.
ففى سنة 1967 ، إندلع التمرّد الشهير بناكسلباري وهو إسم للمنطقة التى تحمل نفس التسمية وهي كائنة فى الجزء الشمالي من الدولة الهندية للبنغال الغربي ، غير بعيد جدّا عن دار جيلغ حيث توجد قرية ناكسلباري على بُعد بضعة كيلومترات فقط من الحدود الشرقية للنيبال. عندئذ ، لا يستغرب أن يمتدّ تأثير تلك الحركة بسرعة إلى المناطق المجاورة من النيبال. و فى سنة 1971، فى منطقة جهابا ، شرقي النيبال، إنشقّ جزء محلي من الحزب الشيوعي النيبالي و شرع فى نضال مسلّح من الطراز الناكسلباري. و مع أنّ الحركة إكتست دلالة تاريخية عظيمة ،فإنها لم تستطع أن تطوّر حربا شعبية. و ندّد قادة الحزب الشيوعي النيبالي بالحركة معتبرينها "يسارية متطرفة" ، بالرغم من أهميتها. و إزاء ضربات العدوّ ، منيت الحركة بالهزيمة و تفسّخ قادتها السياسيون ، و بعد ذلك ، إنضموا من جديد إلى الحزب التحريفي.
فى سنة 1974 ، إنعقد المؤتمر الرابع لحزب الشيوعي النيبالي و تبنّى الماركسية-اللينينية-فكر ماو تسى تونغ إيديولوجية له. و إستخلص أن على النيبال أن تمرّ بثورة الديمقراطية الجديدة و أن ّ هذه الثورة لا يمكن إنجازها إلاّ عبر الكفاح المسلّح. إلاّ أنه ، فى الوقت نفسه، لم يوضّح المؤتمر طبيعة النضال المسلّح الذى يجب خوضه.
و قاطع الحزب الشيوعي النيبالي بحزم إستفتاء سنة 1980 الذى كان الملك قد إقترحه ردّا على النهوض الجديد لحركة الجماهير. و فى 1981 ، أدان الحزب الإنقلاب التحريفي فى الصين.
بات نورمان لاما سكرتيرا عاما للحزب فى سنة 1978 و عمل بقوّة لأجل أن يتبنّى الحزب خطّ "الإنتفاضة العامّة" فى تعارض مع الخطّ الماوي لحرب الشعب الطويلة الأمد. و بينما كان ينتظر هذه "الإنتفاضة العامة" ، دافع لاما عن المشاركة فى إنتخابات البنشايات فطرده الحزب سنة 1983 و غيّر الحزب إسمه إلى الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) . و إلتحق هذا الأخير بالحركة الأممية الثورية منذ ولادتها سنة 1984.
و تبنّى المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) ، سنة 1985 ، على نحو جليل طريق حرب الشعب الطويلة الأمد إستراتيجيا للثورة فى النيبال و حتى نادى بالتحضيرات فى هذا الإتجاه. فكان هذا الموقف يعكس الإرادة المتّقدة للغالبية العظمى داخل الحزب للقيام بالثورة. بيد أنّ مشاكل عدّة فى الخطّ السياسي و الإيديولوجي حالت دون أخذ الحزب مأخذ الجدّ مهمّة الإعداد لحرب الشعب و شنّها. و كان من ضمن الأخطاء خطآن إثنان :
1- بدأت قيادة الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) فى المعارضة بشكل صريح أكثر فأكثر للماركسية -اللينينية-الماوية معتبرة أنه بالنظر إلى أن العالم لا يزال فى مرحلة الإمبريالية التى وصفها لينين ، فإنّه من غير الممكن للإيديولوجيا الثورية الماركسية-اللينينية أن تتوصّل إلى مرحلة ثالثة و أرقى (الماوية). و فضلا عن ذلك ، كان قادة الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) ينادون بأنّ ماو إقترف عدّة أخطاء ذات أهمّية ،و بخاصة ، كانوا على إختلاف مع النقد الذى وجّهه ماو لبعض أخطاء جوزيف ستالين و نواقصه و لتجربة بناء الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي فى ظلّ قيادته. و لم يقدر قادة الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) على إستيعاب تجربة الثورة الثقافية إستيعابا تاما و إستخلاص الإستنتاجات المناسبة.
2- طوّر الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) أطروحة أنّه من المستحيل أن تقاد حرب الشعب بنجاح فى النيبال إلاّ إذا إندلعت أوّلا فى الهند. و حسب حجّة "الجبلان اللذان لا يهزمان" ،على حرب الشعب فى النيبال ( وهو بلد محاط بجبال الهيمالايا من جهة و الهند من الجهات الثلاث الأخرى) أن تواجه حتما القوّة الهندية و لن يكون لها أمل فى الإنتصار عليها. وجهة النظر هذه ترى فقط قوّة الطبقات السائدة فى الهند و لا ترى نقاط ضعفها و، على وجه الخصوص ،الجماهير الثورية بالهند ، هذه الجماهير التى تحقد على تلك الطبقات و تعارضها. سيعارض الرجعيون الهنود الحرب الثورية فى النيبال ، لكن جماهير الهند ستساندها . إنّ المحاججة الواحدة الجانب للخصوصيات الجغرافية غير المواتية (دون مخرج على البحر) أنكرت المظاهر المواتية إلى أقصى درجة ، مثل الأرضية الجبلية المناسبة لتطوير حرب الشعب.
و حصل إنشقاق داخل صفوف الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) سنة 1986 أفرز : شقّ معروف ب "اللجنة التنظيمية المركزية" و شقّ آخر معروف ب "اللجنة المركزية" . و ظلّت المجموعتان ناشطتان داخل الحركة الأممية الثورية ، إذ ساندتا بحيوية حملات الحركة الأممية الثورية و لا سيما حملة مساندة حرب الشعب فى البيرو و إكسابها شعبية و التى (الحملة) لقيت تجاوبا كبيرا لدى العماّل و الفلاحين و المثقفين الثوريين فى النيبال.
لفترة من الزمن ، كانت الخطوط فى صفوف الحركة الشيوعية النيبالية تتمايز . ضمن اللجنة التنظيمية المركزية ،و خاصة ضمن اللجنة المركزية شبّ صراع جاد حول مشكل كيفية خوض حرب الشعب الطويلة الأمد فى ظروف النيبال. و أخذت "اللجنة المركزية " تطوّر نقدا أدقّ لأخطاء قادة "اللجنة التنظيمية المركزية" ( إلى الآن معروفة بإسم "الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال)) و أهمّ من ذلك ، تبنّت الماركسية-اللينينية-الماوية و ناضلت من أجلها فى تعارض مع نظرة "اللجنة التنظيمية المركزية "القائلة بأنّ ماو لم يطوّر الماركسية-اللينينية إلى مرحلة جديدة و أرقى.
و منذ 1990 ، هزّ تمرّد جماهيري آخر النيبال حيث إنتفض الملايين مطالبين بالإجهاز على الملكية المطلقة. و لمواجهة الغضب الشعبي المتنامي عقد الملك على جناح السرعة إتفاقا مع حزب المؤتمر النيبالي و المجموعات التحريفية الرئيسية (التى كانت تنسّق مع حزب المؤتمر) للسماح بإنتخابات برلمانية لأوّل مرّة بعد عشرات السنين. و كان على الأحزاب الرجعية و الإصلاحية أن تقبل ، فى مقابل ذلك، بإستمرار الملكية التى عوّضت نظامها البنشايات دون أحزاب إلى "ديمقراطية متعدّدة الأحزاب". و رُفع الحضر عن الأحزاب السياسية و جاءت مرحلة من النشاط السياسي الكثيف عبر البلاد كافة و ضمن جميع شرائح المجتمع.
فى صفوف الحركة الشيوعية النيبالية و فى ظروف الموجة الثورية ، إحتدّت كذلك سيرورة الإصطفاف و الإستقطاب فى مجالين أساسيين. فى ديسمبر من سنة 1991 ، تكوّن الحزب الشيوعي النيبالي (مركز الوحدة) من مجموعة "اللجنة المركزية" للحزب الشيوعي النيبالي و من قطاع من "اللجنة التنظيمية المركزية" للحزب الشيوعي النيبالي و مجموعة لاما و مجموعة مسماة "التنظيم البروليتاري الكادح" ووافقت الحركة الأممية الثورية على مطلب إنضمام الحزب الشيوعي النيبالي (مركز الوحدة) و بقي الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) هو كذلك حزبا منخرطا فى الحركة. و بسرعة جمعت منظّمة جماهيرية وطنية ، الجبهة الشعبية المتحدة ، بقيادة الحزب الشيوعي النيبالي (مركز الوحدة) جمعت أعدادا كبيرة من الأتباع فى المناطق المدينية و المناطق الريفية على حدّ السواء.
هذا من جهة و من جهة أخرى ، إتحدت المنظمات التحريفية الرئيسية فى النيبال ضمن الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الماركسي-اللينيني) و تسميته الشائعة الوحدة الماركسية –اللينينية. و ضمّت هذه الوحدة الم-الل "القادة التاريخيون" للحركة الشيوعية النيبالية مثل مان موهان أديكارى الذى خان نضال الخمسينات و آخرين كانوا قد شاركوا فى نضالات من الطراز الناكسلباري فى بداية السبعينات و الذين تحوّلوا فى ما بعد إلى مواقع التحريفية اليمينية.
و فى سنة 1991 ، أجريت أوّل إنتخابات برلمانية بعد عقود.عندها ، دعا الحزب الشيوعي النيبالي(ماشال) إلى المقاطعة ، بينما إرتأى الحزب الشيوعي النيبالي (مركز الوحدة) المشاركة فى الإنتخابات عن طريق الجبهة الشعبية المتحدة. و فاز حزب المؤتمر النيبالي ب110 من ال250 مقعدا و حازت الوحد الم-الل على المركز الثاني ب69 مقعدا .أمّا الجبهة الشعبية المتحدة فكسبت تسعة مقاعد فى المجلس و مقاعدا أخرى فى المجالس النيابية العليا. و شارك كلّ من "مركز الوحدة" و "ماشال " فى الإنتخابات المحلّية لأجل عديد المقاعد فى المجالس المحلّية و الدوائر التربوية إلخ و فاز "مركز الوحدة" بأكثر من ألفي مقعد و حصل" ماشال" على أكثر من ألف.
و نظرا إلى انّ الغليان السياسي بالبلاد دفع الجماهير إلى الحياة السياسية ، كانت هذه الجماهير تطالب بتغييرات فى حياتها. و هنا يتعيّن القول إنّ الحكومة الجديدة لم تقم بأيّة شيء للتخفيف من ظروف الفقر الرهيبة و لا هي وضعت حدودا لنظام الملكية الإقطاعية الرجعي. و مع حكومة حزب المؤتمر تعزّزت حتى أكثر الروابط مع النظام الرجعي الهندى و الإمبريالية.
و عند إلقاء القبض على الرئيس غونزالو فى سبتمبر 1992 ، شنّت الأحزاب المنخرطة فى الحركة الأممية الثورية حملة واسعة للدفاع عن حياة الرئيس غونزالو تبعا لمتطلبات تلك اللحظة و إستجابة لندء لجنة الحركة الأممية الثورية. و كان أن تغلغلت تلك الحملة تغلغلا عميقا فى صفوف العمّال و الفلاحين و المثقفين الثوريين النشطاء فى العاصمة و فى المدن الأخرى. فلم تعكس مساندة الرفيق غونزالو مساندة الحزب الشيوعي البيروفي و الأممية البروليتارية فقط ، بل عكست أيضا ، رغبة الجماهير النيبالية فى التمرّد فى حرب ثورية. ففى عديد منازل الفلاحين الفقراء ، كانت الزينة الوحيدة على الجدار البسيط صورة كبرى للرئيس غونزالو. كما أحيا "مركز الوحدة" وعلى نحو عظيم مائوية ماو. و إستغلّ الذكرى لدراسة الماوية و نشرها ، و بخاصة منها تعاليم ماو بصدد حرب الشعب الطويلة الأمد.
و فى 1994 ، أجريت إنتخابات برلمانية جديدة و قرّر "مركز الوحدة" و طالجبهة الشعبية المتحدة" التى يقودها مقاطعتها. و فى المناطق التى كان فيها "مركز الوحدة" قويّا ، لا سيما فى منطقة رولبا غربي النيبال ، كانت المقاطعة ناجحة غاية النجاح. و غيّر حزب "ماشال" موقفه و قرّر المشاركة فى الإنتخابات البرلمانية و فاز بمقعدين.
الفائز الأكبر كان الوحدة الم-الل التى شكلت الحكومة . و أشارت الصحافة العالمية إلى إنتخاب ما يسمّون ب"الشيوعيين " على أنّه أحد الأمثلة القليلة عن "الصعود السلمي للشيوعيين إلى السلطة". و فى الواقع ، ما كانت الوحدة الم-الل شيوعية إلاّ بالإسم و توصلها إلى السلطة كان يعنى القبول بإدارة جهاز الدولة القديم (بإستثناء المكوّن الأكثر أهمّية ، الجيش الذى ظلّ بحزم تحت سيطرة القصر) بإسم القوى الإستغلالية. لم تحاول أن يتحدّى جدّيا علاقات الملكية القائمة. و إن كان يحلو للوحدة الم-الل الحديث عن ماركس و لينين و ستالين و حتى أحيانا عن ماو ، فإنّها فى الواقع لعبت ذات الدور الذى لعبه الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) فى الدولة المجاورة للبنغال الغربية. فلقد حكم الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) تلك الدولة لعقود وهو مسؤول بالخصوص عن إغتيال مئات الشيوعيين الثوريين ،و من ضمنهم الرفيق شارو مازونبار الذى كان المبادر بتمرّد ناكسلباري و مؤسس الحزب الشيوعي الهندي (الم-الل) . و هذا إنّما يدلّ على أنّه من الوارد جدّا أن نحمي مصالح الطبقات السائدة و فى الوقت نفسه أن نستعمل جملا ماركسية أو نعلّق رايات قادة بروليتاريين ثوريين أموات.
و إمتدّ عمر حكومة الوحدة الم-الل إلى نوفمبر 1995 عندما أدّى تغيّر فى التحالفات البرلمانية إلى سقوطها و تشكيل حكومة جديدة أعضاؤها من حزب المؤتمر النيبالي.
الماوية هي المفتاح:
فى تلك الأثناء ، تواصل التمايز فى الخطوط السياسية فى صفوف الشيوعيين الحقيقيين و فى ماي سنة 1994 ، قرّر "مركز الوحدة" طرد مجموعة لاما و تغيير إسمه إلى الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي). و لم يكن ذلك تغييرا فى الإسم فحسب ، بل مثّل إفرازا لنضال طويل خاضه الرفاق لتوحيد الحزب حول خطّ ماركسي-لينيني- ماوي صحيح . و جعل كسب صراع الخطين الإجتماع العام الثالث للجنة المركزية فى مارس 1995 قادرا على أن يتخذ القرار التاريخي فى الإنطلاق فى حرب الشعب. ذلك انّ الموقف السابق لمركز الوحدة فى 1991 ( موقف الإنطلاق فى حرب الشعب) ظلّ موقفا مجرّدا بسبب "اللامايين" فى الحزب الذين عارضوا الإستعداد لحرب الشعب و كانوا يدعون إلى الإستمرار فى المشاركة فى البرلمان.
إثر إتخاذ ذلك القرار الخطير ، كرّست قيادة الحزب جهودها لتحقيق التحوّل الإيديولوجي و السياسي و التنظيمي الضروريين للتمكّن من شنّ حرب الشعب. و رغم عديد النضالات طوال عقود خيضت ضد لون فآخر من الإنتهازية و التحريفية ، كان عليها أن تخوض إلى النهاية صراعا فى سبيل توطيد موقف ماركسي-لينيني-ماوي صحيح.
ومثلما قالت قيادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) : " ثمّة ضعف خاص فى مستوى شيوعيى النيبال. لقد أصابت غالبيتها التدرّجية . و يعود هذا إلى الحركات الجماهيرية و إلى أنّ نضال الجماهير سيتحوّل فى مستقبل ما بعيد إلى نضال مسلّح. و هذا غير صحيح و يتناقض و الجدلية الماركسية ( إنّه تدرّجية ، تطوّرية مبتذلة) . قانون الجدلية الجوهري هو وحدة الأضداد. و لقد حصل نقاش فى المؤتمر و حاجج اليمينيون أنّ الوحدة دائمة و الصراع مؤقت. و الآن ، يوجد هؤلاء خارج الحزب ، إلآّ أنّ هذه النقطة لا تزال تمثّل مشكلا بالنسبة للحزب. إنّ التطوّر يتمّ عبر قفزات و طفرات ... عقب الصراع ضد اليمينيين ، تمسّكنا على نحو أفضل بالفكرة الماوية وحدة- صراع- تحويل. قانون التطوّر ليس حاصل عملية الجمع و لا هو باقى عملية الطرح و إنّما هو قفزات نوعية.
جوهريا ، نرى أنّ الفلسفة و الإيديولوجيا و التنظيم حاسمين بالنسبة للإنطلاق فى حرب الشعب و كسر الحلقة المفرغة للإصلاحية (مدرسة الثورة فى الكلام و الإصلاحية عملياّ ،مدرسة ميّزت حزب ماشال القديم. لذا ينبغى أن نقطع جذريا مع طريقة تفكيرنا و عملنا و أسلوب تنظيمنا و إلاّ لن نقدر على أن ننطلق فى حرب الشعب. و لقد درسنا تجربة بلدان أخرى ،و على وجه الخصوص أعمال ماو و علينا أن نستوعب أهمّية الفلسفة و الإيديولوجيا. و بالفعل ، هذا جزء من مشكل الإنطلاق فى حرب الشعب. إنّ الأشياء لا تتطوّر تدريجيا ، بل عليها أن تحدث قفزة. و نضالات الجماهير لوحدها لن تمرّ إلى النضال المسلّح . و لا يكفى أن نحقّق تقدّما فى المجالات التنظيمية الأخرى فقط و إنّما يجب ان نحدث قطيعة فى أسلوب عملنا.
فى إرتباط بهذا و ما نحن بصدد التشديد عليه هو أنّ السيرورة الثورية لا تتطوّر فى خطّ مستقيم بل بشكل متعرّج و هناك نجاحات مثلما هناك إخفاقات .نحن... لا نستطيع أن نقول إنّنا بقفزة وحيدة سنتمكّن من أن نتحرّر من كافة النفايات التحريفية للماضى. ذلك أنّه ثمّة سيرورة جدلية للتطوّر: منعطفات و منعرجات ، تقدّم و تراجع إلخ فنجاح فى النهاية لكن مع إنتكاسات مؤقتة."
طوال هذه الفترة و مذّاك ، شارك الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) بنشاط فى الحركة الأممية الثورية لا فى حملاتها العامة فحسب ، بل كذلك فى حياتها الداخلية الخاصّة. و لقد تداخلت أيضا النقاشات حول تبنّى الحركة الأممية الثورية للماركسية- اللينينية- الماوية فى ديسمبر سنة 1993 و تطوّر النضال الذى تفجّر داخل الحزب الشيوعي البيروفي ضد الخطّ الإنتهازي اليميني ، تداخلت مع تقدّم الحزب. و قد أشار الحزب فى ما يتصل بصراع الخطين فى البيرو :" لا يمكن للثوريين أن يبقوا مكتوفى الأيدى بينما يتمحور الصراع حول مثل هذه المسائل السياسية و الإيديولوجية الكبرى ذات الإنعكاسات العالمية".و تحدث عن "إرتباط و دلالة مباشرين" لتلك المسائل بالنسبة للثورة فى النيبال.
و فى السنوات الأخيرة ، شنّ قادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) حملة واسعة النطاق لدراسة الخطّ الماوي حول حرب الشعب الطويلة الأمد و تطبيقها على الواقع النيبالي الملموس و من ذلك دراسة التاريخ العسكري للنيبال و نقاط قوّة العدوّ و نقاط ضعفه و خصوصيات التشكيل الطبقي النيبالي و التاريخ و الجغرافيا و ما إلى ذلك. غير أنّ مفتاح حلّ الخطّ العسكري ،حسب كلمات قيادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) رئيسيّا كان التشبّث بالماوية و النضال من أجلها."
بعد أن تشبّث الحزب تشبّثا راسخا بالموقف الماركسي- اللينيني- الماوي فى ما يتعلق بحرب الشعب الطويلة الأمد ، إعتنى بالإعداد المنهجي ، سياسيا و إيديولوجيا و تنظيميا ، لأعضائه و مناصريه. فلقد تمّ صراع مع الأعضاء لإدخال التغييرات اللازمة بطريقة تجعل الحزب قادرا على الإنطلاق فى حرب الشعب و الإستمرار فيها . و أيضا جرى حفز أشخاص آخرين لمساعدة الحزب كمتعاطفين.
علاوة على ذلك ، أقيمت إعدادات عسكرية ملموسة. على سبيل المثال ، حصلت العملية الشهيرة جدّا ، عملية الإستيلاء على أربعين ألف من المتفجرات و مائة كلغ من القنابل ، أيّاما فقط قبل الإنطلاق فى حرب الشعب . و على الرغم من عملية "الإستعادة" التى أقيمت لها دعاية واسعة و التى إعتمدت على مساعدة الكلاب و الطائرات المروحية ، فإنّ المواد المتفجّرة لم تستعد ، بل وُزّعت على جناح السرعة ، عبر البلاد بأسرها.
و فى مناطق التأثير الكبير للحزب ، فى المنطقة المتخلّفة و الفقيرة إلى أبعد حدّ ، غرب النيبال لا سيما روكوم و رولبا ، تفاقم الصراع الطبقي تفاقما بليغا، فى الأشهر الأخيرة من 1995 و بدايات 1996. ذلك أن النظام شنّ حملة قذرة سمّاها "عملية روميو" هدفها إقتلاع جذور وجود الحزب فى تلك المناطق و خاصّة جذور القوّات العسكرية التى أنشأت بقيادة الحزب. و قبل بداية حرب الشعب ، ألقت القوى الرجعية القبض على حوالي الألف من أعضاء الحزب و المتعاطفين معه من الفلاحين و العمّال و عذّبتهم.
فكان أن أشعلت الحملة القمعية الإجرامية حميّة الجماهير . فطالبت منظمات حقوق الإنسان و طالب حتى بعض عناصر الطبقات السائدة ( مثلا ، قطاعات من الحزب التحريفي الوحدة الم –الل) بوضع حدّ للإرهاب الحكومي. و عُقدت إجتماعات جماهيرية مناهضة للقمع و مساندة للبرنامج الأساسي للحزب عبر البلاد كافة . فى العاصمة ، شارك خمسون ألف شخص فى تظاهرة سياسية و شارك فى تلك الإجتماعات الحاشدة ،عبر البلاد كافة ، قرابة المائتي ألف شخص. و قدّم وفد من الجبهة الشعبية المتحدة بقيادة بابوران باتاراي و بنبا بهوسال مذكّرة للوزير الأوّل طالبت فيها بالوقف الفوري لحملة القمع و عرضت المطالب الثورية للشعب.
فى تلك الظروف من الإحتداد المتصاعد للصراع الطبقي ، إتخذت قيادة الحزب القرار الجريئ بالإنطلاق فى حرب الشعب فى 13 فيفري . و فى أعقاب إتخاذ هذا القرار و "عبور النهر" بدأت حياة جديدة كلّيا بالنسبة للحزب و أعضائه. و دخل حوالي الألف من ناشطى الحزب فى السرّية عند الإنطلاق فى حرب الشعب.
الإنطلاق فى حرب الشعب :
أُحصيت خمسة آلاف عملية ، كبيرة منها و صغيرة ، فى مناطق الغرب و الوسط و الشرق و فى وادى كتمندو النيبال ، أي ، على خمسة و ستّون بالمائة من البلاد. فى اليوم الأوّل شُنّت سبع عمليات واسعة النطاق. و فى روكوم و فى منطقة سندهيلي ، شرق النيبال، تمّ الإستيلاء على معسكرات شرطة بعد أن إستسلم المدافعون عنها. و فى معسكر آخر ، فى رولبا ، تواصل تبادل إطلاق النار لساعات طوال قبل أن ينسحب الأنصاريون إنسحابا منظّما . و فى مكان آخر من شرق النيبال هُوجم إقطاعي كبير كان يعُدّ نفسه ملكا محلّيا و تمّ الإستيلاء على ملكيته و أُتلفت بيانات ملكية أراضيه. و فى المنطقة الوسطى من البلاد، تعرّض بنك فلاحي كان جزءا من مشروع رأسمالي بيروقراطي يهدف إلى مصّ دماء الفلاحين بإسم التطوّر الريفي. و فى منطقة غوركا نجحت قوّات يقودها الحزب فى تحطيم مصنع مشروبات كحولية يملكه كمبرادوري ، على الرغم من الوجود غير المنتظر لخمسة عشر شرطيا سكرانا. و فى المنطقة ذاتها جرت مهاجمة مقرّ منظّمة كئيبة شهيرة ، منظّمة "إعانة" من الإمبرياليين الأمريكان وهي تحمل إسم "لننقذ الأطفال". و حدث هجوم رمزي على مصنع الكوكا كولا قرب كتمندو.
ميزة هامة لإنطلاقة حرب الشعب كانت الهجمات على بنوك القروض الفلاحية و مصادرة و حرق وثائق ديون و قروض متنوّعة. و فى بعض الحالات إفتكّ مئات الفلاحين بقيادة قوّات أنصارية نظامية و أحرقوا وثائق قروض من الأسياد الإقطاعيين الكبار والبغيضين جدّا. و تقدّر قيمة وثائق القروض بأكثر من مائتي ألف دولار وهو مبلغ معتبر جدّا لدى الفلاحين النيباليين.
و إضافة إلى الهجمات ، شُنّت حملة دعاية وطنية. ففى مئات القرى ، نُفّذت مسيرات ساهم فيها آلاف النساء و الرجال على حدّ سواء. و قد كان المشاركون فى تلك المسيرات التى نظّم عدد منها ليلا مزوّدون بالسلاح و بقيادة مجموعات أنصاريين. و فى ما بين أربع و خمسين قرية من المقاطعات و فى العاصمة ، نفّذت قوّات يقودها الحزب المهمّة التى باتت الآن غاية فى الخطورة ألا وهي إلصاق معلّقات و الكتابة على الجدران مساندة لبداية الحرب. كما وُزّعت مئات الآلاف من المناشير و معها خمسون ألف ملصقة كبيرة. و أهداف حملة الإنطلاق فى حرب الشعب هي :
أ- ترسيخ سياسة الكفاح المسلّح.
ب- عمليّا ، ترسيخ أنّ الشكل الرئيسي للصراع هو العمليات المسلحة و الشكل الرئيسي للتنظيم ، فى المرحلة الراهنة من النضال ، هو مختلف أنواع السرايا المنظّمة.
ج- إعداد القواعد تطويرا لمناطق أنصارية.
لمّا كانت أخبار إنطلاقة حرب الشعب تنتشر عبر البلاد ، غمرت الجماهير الفقيرة و قطاعات أخرى من الشعب موجة من الحماس. تحوّل حُلم التمرّد ورفع السلاح فى وجه المضطهِدين البغيضين أخيرا إلى واقع !
و جاء ردّ الحكومة الرجعية بشنّ حملات إرهاب واسعة النطاق فى مناطق تأثير الحزب. و حتّى فى العاصمة ، شُنّت حملة رهيبة بغرض التفتيش عن قادة الحزب و أعضائه . و لقد إستشاطت الحكومة غضبا حينما إكتشفت أنّ الغالبية قد إختفت دون أن تدع أي أثر! و فى غياب إمكانية وضع يدها على عديد كوادر الحزب ، ألقت الشرطة القبض على الجماهير الثورية يمنة و يسرة. و حتى منعت بيع شريط كاسات أغانى ثورية ممّا جعل سعره فى السوق السوداء يتضاعف ،حسب الصحافة.
وفى صفوف الحكومة و القصر تفشّى الرعب. فإستدعى الوزير الأوّل كافة الأحزاب السياسية البرلمانية الكبيرة ،و خاصة الحزب التحريفي الوحدة الم-الل ، كي يعبّروا عن نبذهم للتمرّد. و الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) هو بدوره ، ندّد بالتمرّد معتبرا إيّاه "سابقا لأوانه" و " يساريا متطرّفا" .و هكذا فى السيرورة الثورية عينها ، كانت القوى السياسية تنقسم إلى الذين كانوا يرغبون فى قبر النظام القديم و الذين كانوا يرغبون موضوعيا فى الدفاع عنه.
و فى نفس الوقت الذى أحدث فيه تمرّد الجماهير إضطرابا فى صفوف الطبقة السائدة ،و إثر الطور الأوّلى الذى إمتدّ على عدّة أسابيع من الهجمات المنسّقة ، توصّلت قيادة الحزب إلى أنّ الإنطلاقة فى حرب الشعب عرفت نجاحا باهرا و أخذت تستعدّ للأطوار التالية. فى البدء ، تبجّح العدوّ بإيقاف القوّات الشعبية المؤقت للعمليات المسلّحة. لكن فى الواقع ، كان الحزب و القواّت التى تحت إمرته يستعدّان للإضطلاع بنضال جديد و من مستوى أرقى ألا وهو الشروع فى حرب الأنصار.
فى مارس من سنة 1996 ، إجتمع المكتب السياسي للجنة المركزية بقيادة السكرتير العام للحزب ، الرفيق براشندا ، إجتمع ليلخّص سيرورة الإنطلاقة فى حرب الشعب و يصوغ مخطّطات للمستقبل. و جاء فى وثيقة هذا الإجتماع : " فى هذه اللحظة يتركّز إنتباه الجماهير الواعية سياسيا و المجموعة المثقفة و آخرين على مسألة المخطّط الموالى الذى ينبغى أن يكون للحزب و على ما إذا كنّا سنتمكّن من المحافظة على ما وُلد حديثا و من تطويره. فى هذا الإطار ، علينا أن نعير إهتماما كبيرا للنقاط التالية :
1- ... إنّ العدوّ يريد أن يجرّنا إلى حرب حسم سريع و نحن نريد تجنبها و جعل الحرب طويلة الأمد ...و العدوّ يريد أن يستفزّنا و أن يضعنا فى مواجهة ملائمة له و نحن نريد مطاردته و إرهاقه و مهاجمته فى نقاط ضعفه و فى المكان و الزمان الملائمين لنا و حسب مخطّطنا.
2- ...على سياستنا و برنامجنا أن يضمنا علاقتنا المتبادلة المستمرّة مع الجماهير لأنّ لا مصلحة أخرى للحزب سوى مصلحة الجماهير...
3- ...علينا أن نشنّ نضالا سياسيا وإيديولوجيا لا هوادة فيه ضد نزعة دفع الحزب فى إتجاه المغامراتية أو الإستسلام. و فى الوقت الراهن من هجمة العدوّ ، النزعة الإستسلامية هي الأخطر على الحزب.
4- ...سيرورة حرب الشعب الطويلة الأمد هي سيرورة بناء الحزب الثوري و النضال الثوري و السلطة الثورية و الجيش الثوري- من البسيط إلى المعقّد...و الآن من الضروري أن نركّز جهودنا على تطوير حرب الأنصار بصفة مخطّطة و أن نعتمد على مبدأ حرب الشعب الطويلة الأمد و على ظروفنا الملموسة".
متسلّحا بالخطّ المعروض أعلاه، أنجز الحزب تحضيرات حثيثة لرفع النضال إلى مستوى أرقى. فى حين واصل ألفا شرطي نظمتهم الحكومة تنظيما عسكريا سطوتهم الإرهابية ، فى مناطق تأثير الحزب، إذ تعمّمت حالات إغتصاب النساء و حرق المنازل و ضرب الأطفال و الشيوخ. و فى "مناطق الصراع" ، إعتُبر كلّ الرجال الشبان أنصاريين و تحتّم على عدد كبير منهم الخروج من قراهم و الفرار إلى الغابات و الجبال المجاورة. عندئذ نهضت النساء بالمسؤولية الرئيسية فى تنظيم الإنتاج الفلاحي و فى مقاومة الجماهير فى القرى. و فضلا عن هذا ، إلتحقت عشرات النساء بالقوات الأنصارية النظامية.
و مع نهاية شهر جويلية ، كان الرجعيون قد قتلوا أزيد من خمسة و أربعون شخصا عبر البلاد كافة و القوا القبض على المئات. و عرض العدوّ جوائزا بآلاف الدولارات لمن يوفّر له معلومات عن مكان قادة حرب الشعب. و مع ذلك ، فى جويلية ،ظهر عامل جديد: نُفّذت ثلاث كمائن جيدة التخطيط ضد الدوريات البوليسية فى المناطق الريفية غرب النيبال.و من الواضح أنّ القوات التى يقودها الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) وهي نواة جيش شعبي ، تمكّنت من مقاومة حملة القمع و حتى قامت بهجمات مضادة.
و فى غالبية الأحوال لم تكن المجموعات الثورية تملك عتادا كبيرا و إنّما بعض الأسلحة الحديثة و إستخدمت ، رئيسيا ، أسلحة صيد بدائية و بنادق و أسلحة بيضاء (مثل السكاكين) و حتى الحجارة. إلاّ أنّها إعتمدت على تكتيك مواجهة "عشرة لواحد " ، مراعية أن يكون إلى جانبها عامل المفاجأة و المعنويات العالية و الذكاء الأرقى المتأتّى من علاقاتها الوثيقة بالجماهير. و من هنا ، إستطاعت حتى المجموعات الأقلّ تسلّحا من إلحاق الهزيمة بالدوريات العدوّة و الإستيلاء على أسلحتها، على غرار ما حدث فى عديد الكمائن فى صائفة 1996. إنّ الحزب الشيوعي النيبالي(الماوي) يطبّق تعاليم ماو فى التعويل على القوى الذاتية و الحصول على السلاح ، رئيسيا، بإفتكاكه من العدوّ.
هجمات تحريفية ضد الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي):
فى الأثناء ، إنشغل تحريفيو الوحدة الم-الل بإعانة من الآخرين ، بتشويه المكاسب الكبرى للشيوعيين الحقيقيين فى النيبال و أسرعوا لدعم النظام القديم ، على نحو يذكّرنا بتنظيم "الوطن الأحمر" السيئ الصيت الذى عارض حرب الشعب فى البيرو منذ البداية ، بينما كان يدّعى أنّه "ماوي".
لقد صرّح السكرتير العام للوحدة الم –الل ، فى لقاء عالمي فى بروكسال : " إنّ العنف و التمرّد المسلّح ليسا أبدا رغبة الكادحين و الحزب الشيوعي ...نحن رأينا أن الحركات الجماهيرية المقاتلة تستطيع كذلك أن تحرز تغيّرا فى النظام دون سفك دماء من هذا القبيل... إنّ عالم اليوم مغاير كثيرا للأحداث الشيلية و الأندونيسية.
و النظرة الضيقة و الدغمائية و الذاتية و الإنعزالية و التطرّف و الرومانسية البرجوازية الصغيرة و نفاذ الصبر و المصالح الشخصية تسيطر على الذهنيات المتطرّفة و تجعلها تتصرّف كالمتعصّبين. و فى الواقع، مثل هذه الأعمال تضرّ بالثورة و تضعف الثوريين وتعزلهم و تطلق يد الأنظمة الرجعية."
نتيجة لهجمات الوحدة الم-الل الوقحة ضد الثورة ، شوهد فرار على نطاق واسع من صفوف المنظمات التحريفية و الإنتهازية وعدد فى تزايد من الأعضاء القاعديين و المتعاطفين يلتحقون بقضية حرب الشعب.
و لم يكتف تحريفيو الوحدة الم-الل بالهجوم بالكلمات المجرّدة و إنّما أيضا ساعدوا الحكومة على تشكيل "مجموعات الدفاع الذاتي" مشابهة للدوريات التفتيشية سيّئة الصيت فى البيرو لمعارضة التمرّد.
و عليه ، نرى الآن "الجدالات النظرية" داخل الحركة الشيوعية النيبالية ( وهي فى حدّ ذاتها جزء من نضال أوسع عالميا بين الماركسية و التحريفية يسعى بعض الأشخاص لإستبعاده على أنّه مجرّد "تاريخ" ) يشتدّ مرّة أخرى ليكشف من هم الثوريون و من هم أعداء الثورة. و مثلما لم يجر الإنطلاق فى حرب الشعب إلاّ إثر صراع مديد و مرير وضار ضد الإنتهازية ، من الجليّ أنّ التحريفية فى النيبال و فى العالم ، ستظلّ تبذل كلّ ما فى وسعها لإيقاف الثورة فى النيبال.
و على عجل هاجمت الطبقات الحاكمة المعادية للثورة الجماهير بما أنّها كانت تعتقد أنّها بإستعمال تكتيكات ثنائية من الإرهاب و الخدعة ستقوى على حرف الثورة عن طريقها. فإضافة إلى أنّ الطبقات السائدة النيبالية كانت تبعث شرطتها المنظّمة تنظيما عسكريا للقتل وبثّ الإرهاب فى المناطق الريفية ، كانت كذلك تحاول أن تكبّل الجماهير بحججها عن الحلّ "السياسي" للتمرّد. و قام الوزير الأوّل بسبر آراء حول المفاوضات.
و أعلن الحزب :" إنها لجريمة فى حقّ البروليتاريا الإنطلاق فى نضال مسلّح دون القناعة الصلبة بالمضي فيه إلى النهاية. لن نسمح أبدا أن يُصبح هذا النضال مجرّد أداة لإدخال إصلاحات جزئية... أو أن ينتهي إلى إتفاق لا غير للضغط على الطبقات الرجعية ". فالمشاركة القوية للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) فى دحض الخطّ الإنتهازي اليميني فى البيرو قد زادت من توطيد قدرة الحزب على الردّ على تلك التكتيكات الثنائية المضادة للثورة و على التشبّث بقوانين الحرب.


المستقبل:
عامل هام فى الشهر و السنوات القادمة سيكون الدولة الهندية الرجعية إذ أنّ النيبال مرتبط بالنظام الإمبريالي العالمي ، رئيسيا و إن لم يكن حصرا عبر الهند. و لزمن طويل ، إعتبرت الهند أنّ النيبال محمية تابعة لها و من الأكيد تقريبا أنّها ستتدخّل عسكريا حينما تعتبر ذلك ضروريا. و ثمّة أيضا سوابق عدوان هندي على جيران صغار ، مثل غزو دول من الهيمالاي ، بوتان و سيكين اللتان ليستا بعيدتين عن النيبال. و ألحق الجيش الهندي بالقوّة سيكين بالدولة الهندية. على أنّه يتعيّن على حكّام الهند أن يفكّروا مليّا و بجدّية فى كلّ حركة يأتونها نظرا للكره الشديد الذى ولدوه لدى كلّ الطبقات و الشرائح فى النيبال. و هذه المسألة غاية فى الأهمّية بإعتبار أنّ حزب المؤتمر ، الدمية فى أيدى الهند، فى السلطة.
و أضيفوا إلى ذلك ، أنّ الطبقة السائدة فى الهند منشغلة بتناقضات متفجّرة على أراضيها هي نفسها و تعرف أنّ عدوانا مباشرا على النيبال سيؤدّى إلى معارضة شرسة من قطاعات هامة من الثوريين و التقدّميين فى الهند و فى كلّ جنوب آسيا. و بالنسبة للوقت الراهن ، لم تجب الهند ، بل عرضت بعض "الحلويات" على النيبال و على سبيل المثال، عرضت أن تقلّص المراقبة الحدودية إلخ. و لا أحد على سذاجة بحيث يعتقد أنّ الهند ستقف موقفا سلبيا ملاحظا بينما تتقدّم الثورة فى محميتها بالهيمالايا.
أمّا سادة النيبال الإمبرياليون الغربيون فأسرعوا إلى إعلان موافقتهم على مخطّطات متنوّعة ، مثل بناء طرقات جديدة لها بداهة إنعكاسات عسكرية. وإسرائيل التى تلعب دورا خاصا فى مساعدة و تدريب جهاز القمع و أجهزة المخابرات النيبالية و لا شكّ ستقف إلى جانب الثورة المضادة.
لقد إندلعت حرب الشعب فى النيبال فى وضع عالمي له أهمية خاصّة ، وضع أعلن فيه الإمبرياليون و الرجعيون "الإنتصار النهائي" على الشيوعية. و فى دوائر كثيرة ، يسخر من إمكانيات الشروع فى حرب ثورية و الإستمرار فيها. و هناك هجمات على الحقائق المعترف بها المتصلة بالنضال المديد للماركسية ضد التحريفية و مثال ذلك النضال ضد الخطّ الإنتهازي اليمينب فى البيرو. و إندلاع حرب الشعب الحقيقية يقودها حزب ماركسي-لينيني-ماوي منخرط فى الحركة الأممية الثورية سيعزّز الخطّ البروليتاري على الصعيد العالمي و سيمثّل ضربة للتحريفيين المختالين الذين راهنوا على إمكانية "إنتقال سلمي" بالنيبال و يتبجّحون بمعجزات البرلمان.
و كما هو معلوم، من المستحيل التنبؤ بمستقبل مسار حرب الشعب فى النيبال. دون شكّ سيكون الصراع ضاريا و متداخلا و ستوجد منعرجات و منعطفات ، بيد أنّ أمل الثورة قد تحوّل الآن إلى قوّة ماديّة و الجماهير يقظة كما لم تكن من قبل أبدا و قطاعات إجتماعية عريضة ، على سبيل المثال لا الحصر ، الجنجاتيين المسحوقين و فلاحون فقراء آخرون يتطلّعون إلى الإلتحاق بالحزب و تنظيماته الجماهيرية. حين يُطلق برنامج ملموس هدفه القضاء على إضطهاد المعذّبين فى الأرض، حين يُطلق الحقد الكامن لأولئك المعذّبين فى الأرض ضد الإضطهاد و حين تنير الإيديولوجيا العالمية الماركسية-اللينينية-الماوية السبيل أمام النضال المسلّح للشعب فإنّ قوّة جبّارة تتحرّر وهي قادرة على كنس كلّ ما هو هَرِم و رجعي.
ومثلت صور مئات الآلاف من الفلاحين و العمّال النيباليين وهم يتمرّدون و يقاتلون أعداءهم مصدر إلهام عظيم للجماهير المضطهَدة فى العالم كافة. و هذا يبيّن الدور الحاسم و الحيوي للإيديولوجيا الثورية الماركسية-اللينينية-الماوية و يزيد فى الدفع نحو تشكيل و تعزيز الأحزاب و التنظيمات الماركسية-اللينينية-الماوية المتحدة فى إطار الحركة الأممية الثورية. إنّ إنطلاقة حرب الشعب فى النيبال خطوة مقدامة و بطولية نحو الأمام فى سبيل الثورة العالمية.
===================================================================
أساس الاقتصاد السياسي لحرب الشعب فى النيبال
الرفيق (د) بابورام باتاراي
"عندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة المادية درجة معينة من تطورها ، تدخل فى تناقض مع علاقات الانتاج الموجودة أو مع علاقات الملكية – و ليست هذه سوى التعبير الحقوقي لتلك – التى كانت الى ذلك الحين تتطور ضمنها . فبعد أن كانت هذه العلاقات أشكالا لتطور القوى المنتجة ، تصبح قيودا لهذه القوى .و عندئذ ينفتح عهد الثورة الاجتماعية." كارل ماركس / لينين" كارل ماركس".
01) الإطار و المقدمات النظرية :
لقد إنطلقت حرب الشعب المسلحة فى النيبال منذ 13 فيفري 1996 تحت قيادة الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) و هدفها المعلن هو إرساء نظام إقتصادي إجتماعي ديمقراطي جديد بالإطاحة بالتشكيلة الإقتصادية الإجتماعية و الدولة الحاليين . و هذا ينبغى فهمه على خلفية أن النيبال إنزلق إلى مرتبة ثانى أفقر دولة فى العالم بالنظر إلى التطورات المادية و الثقافية ف 71 بالمائة من سكان النيبال يوجدون تحت حد الفقر المطلق و 46،5 بالمائة من الدخل القومي بيد 10 بالمائة من الأغنياء . و اكثر من 60 بالمائة من مجموع السكان أميين و ما يفوق 90 بالمائة من مجموع السكان يعيشون فى المناطق الريفية . و 81 بالمائة من قوة العمل تشتغل بالفلاحة المتخلفة أو هم فى بطالة مقنعة و 10 بالمائة فى بطالة تامة و 60 بالمائة لا يعملون إلا جزئيا . و الشيئ نفسه بخصوص نسبة نمو إنتاج الحبوب الغذائية وهو أهم إنتاج وطنيا ، و نسبته تراجعت فى الثلاثين سنة الماضية . وتتفاقم الديون التى تمثل أكثر من 60 بالمائة من الناتج القومي الخام مع مرور الزمن . و بالتالي من الطبيعي للجميع أن نكون متطلعين لمعرفة كيف ستعالج حرب الشعب الثورة و الديمقراطية الجديدة المشاكل الهائلة المشار إليها أعلاه. و ليس سرا أن الدولة الرجعية الحالية كانت طوال الخمسين سنة الماضية ترفع شعارات جذابة متنوعة مع ثمانية مخططات خماسية بإسم حل هذه المشاكل إلا أنه إثر كل مخطط أو حملة تعمقت أكثر خطورة هذه المشاكل و الوضع الإقتصادي الإجتماعي للبلاد إزداد إنزلاقا مقارنة ببلدان أخرى. فى هذا الإطار ، من الضروري كشف السبب الأصلي أو العامل الذى يقف وراء هذا الوضع و توفير حل علمي عوض النظر ببساطة إلى العوارض الخارجية للمشكل و معالجتها جزئيا أو جانبيا . لهذا لا بد من إيجاد الحل بتحليل المشكل بطريقة مادية تاريخية أو مفهوم الماركسية-اللينينية –الماوية للإقتصاد السياسي . و اليوم ، هذا بالضبط ما تسعى حرب الشعب الماوية فى النيبال لإنجازه.
فى سيرورة إنتاج الحاجيات الضرورية إستجابة للحاجيات المادية و الثقافية يستعمل الناس بعض الأدوات و التكنولوجيا ( أي قوى الإنتاج) . و فى هذه السيرورة يتم تركيز علاقة مختلفة بينهم (علاقات إنتاج) . و من التركيب التفاعلي لقوى الإنتاج و علاقات الإنتاج يولد نظام إجتماعي معين ( أي نمط إنتاج) . و التناقض بين قوى الإنتاج الدائمة التغير و علاقات الإنتاج يفرز تحولا فى تطور المجتمع. عموما ، بما أن تطور قوى الإنتاج باعث تحرك أسرع وتطور علاقات الإنتاج تطور قوى الإنتاج و هذا يؤدى إلى تأخر المجتمع و تشوهه . و فى ظل مثل هذا الوضع يغدو من اللازم تحطيم علاقات الإنتاج القديمة و إيجاد علاقات إنتاج جديدة بدلا عنها . فقط بهذه الطريقة من الممكن تجاوز التشويهات و العوائق السائدة و تطوير عوضا عنها قوى إنتاج جديدة و إعطاء دفع للأمام لتقدم المجتمع . هذه هي سيرورة الثورة الإجتماعية و هذا زمنها . فى المقابل ، تسعى الطبقات الرجعية الحاكمة و حلفاؤها لتطوير القوى المنتجة بإستعمال خطوات إصلاحية متنوعة ، دون تحطيم علاقات الإنتاج القديمة التى صارت عائقا دون التطور . و هكذا ، تاريخيا ، الطريق الأول للتطور يعرف بالطريق "الثوري" و الثانى هو الطريق "الإصلاحي" . مع ذلك ، سيظل الطريق "الإصلاحي" قادرا على الإستمرار طالما ثمة إمكانية تطوير قوى الإنتاج داخل علاقات الإنتاج القديمة و مع إستنزاف تلك الإمكانية يضحى الطريق "الثوري" ضروريا و حتميا. و من المهم هنا فهم أن فى النيبال تجرى محاولة إرساء نظام ديمقراطية جديدة بتحطيم النظام القديم عبر حرب الشعب طويلة الأمد بقيادة الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) و أن هذه المحاولة أتت لما اخفقت كافة محاولات إنجاز إصلاحات ضمن النظام شبه الإقطاعي و شبه المستعمر القديم الذى طالما هزته الأزمة هزا.
و من المهم تسجيل أن الحركة التى تولدها التناقضات الداخلية ذاتها كامنة فى جميع الأشياء فى العالم وهي العامل الحاسم فى تطور المجتمع ( أي بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج) . مع ذلك ، فى ظروف معينة ، يؤثر تدخل قوى خارجية على سيرورة التطور الداخلي بطرق لها دلالتها. و بخاصة مع قدوم الرأسمالية و مرحلتها الأعلى ، الإمبريالية ، بسبب سيرورة الإحتكار الملازمة لتطور الرأسمالية ( إبتلاع كافة الرساميل الصغيرة من قبل الأخطبوط الذى ينشره الرأسمال الكبير فى إعادة إنتاج موسع للرأسمال) اليوم ، ليس من نظام إجتماعي فى العالم خارج تأثير التدخلات الإمبريالية و لا يمكن إلا أن يكون كذلك. و بقدر ما تكون التشكيلات الإجتماعية بدائية و متأخرة بقدرما يكون تأثير التدخلات الإمبريالية فى سيرورة تطورها الداخلي هداما. و بصورة خاصة فى مجتمعات على وشك الإنتقال من الإقطاعية إلى الرأسمالية الكمبرادورية و البيروقراطية ( أي رأسمالية مزيفة عميلة للرأسمال الإحتكاري الأجنبي و تشتغل فى النشاطات المالية و التجارية عوضا عن النشاطات الإنتاجية و تتخذ طابعا إحتكاريا منذ البداية بالإعتماد على الدولة لا على الرأسمالية الصناعية ). لهذا من اللازم تحطيم العلاقة مع الإمبريالية الخارجية و إحداث تحويل تدريجي فى علاقات الإنتاج الداخلية عبر الوسائل الثورية .
إضافة إلى ذلك ، من المهم إدراك العلاقات المتبادلة الجدلية بين سيرورة تطور المجتمع و الهيكلة الفضائية / الجغرافية و ذلك لأنه إلى جانب تطور السيرورة الإجتماعية ، تحدث تغييرات فى الهيكلة المادية أيضا رغم أن طبيعة التغير و نوعيته يمكن أن يكونا متمايزين أو ليسا فى مستوى التشكيلة الإجتماعية . و بصدد طبيعة السيرورتين و نوعيتهما ، سيكون أكثر علمية أن ننظر فى الهيكلة المادية على أنها "تعكس " أكثر التشكيلة الإجتماعية و الفضائية فى ترابطهما المتبادل كتشويه أو أزمة السيرورة الإجتماعية تنعكس فى الهيكلة الجهوية عبر تطور جهوي غير متساو إلخ. من خلال هذا فقط يمكن فهم أهمية حرب الشعب طويلة الأمد الماوية القائمة على إستراتيجيا محاصرة الريف للمدينة.
إنطلاقا من الشرح المقتضب أعلاه للمقدمات النظرية ، بالإمكان تحليل العلاقات الطبقية الخارجية و الداخلية للمجتمع النيبالي و المشاكل الإقتصادية و الإجتماعية و الفضائية الناجمة عن ذلك و بالإمكان تقييم مدى معالجة حرب الشعب لهذه المشاكل.
02 ) العلاقات الخارجية الإمبريالية و التوسعية :
2-1 / الإضطهاد الإمبريالي :
العصر الراهن هو عصر الإمبريالية أو الرأسمالية الإحتكارية . و نظرا للتطور اللامتكافئ و اللامتساوي ، صار رأس المال و الثروة مجتمعين بأيدى حفنة من البلدان الإمبريالية الغربية و الشمالية حيث غالبية بلدان الشرق و الجنوب ( أي آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية ) تشكو التخلف و الفقر و البون بين الأغنياء و الفقراء لم يكن أبدا بهذا الإتساع فى تاريخ الإنسانية إلى الآن . و تمادى هذا البون فى الإتساع حتى أكثر إعترفت به إحصائيات المنظمات الإمبريالية عينها . مثلا، فقط جملة المبيعات السنوية لمائتي شركة عالمية كبرى للبلدان الإمبريالية يفوق الإنتاج القومي الخام لجميع البلدان بإستثناء إقتصاديات تسعة منها غنية ( هي الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان و ألمانيا و فرنسا و بريطانيا و روسيا و إيطاليا و كندا و أستراليا) ووحدها تملك ثلث ثروة العالم . و كذلك كانت فروقات الدخل بين بلدان العالم الأكثر غنا و الأكثر فقرا عقد الستينات قدرت بثلاثين مرة بينما غدت فى التسعينات أكثر من ستين مرة .
و على النطاق العالمي يتخذ إبتلاع البلدان الإمبريالية لثروة البلدان المضطهدة شكل أرباح التجارة فى السلع و الخدمات إلخ. لهذا مهما كانت إستثمارت رأسمال القوى الإمبريالية فى البلدان المضطهَدة عبر طرق و أطراف متنوعة على غرار البنك العالمي و صندوق النقد الدولي إلخ و عبر طرق خاصة مثل الشركات العالمية التابعة لبلدانها و حكوماتها ، فإنها تمتص من البلدان المضطهَدة رأسمال أضعافا مضاعفة إلى المراكز الإمبريالية بوسائل مختلفة . و علاوة على ذلك ، تسببت البلدان الإمبريالية فى تشويه السير العام لتطور البلدان المضطهَدة و جعلته تابعا لها. و من جهة أخرى ، وفق منطق "قانون الغابة" و قانون الإمبرياليين ثمة على الدوام تنافس شرس فى صفوف المجموعات الرأسمالية الإحتكارية من أجل توسيع نفوذها و ثمة حرب من أجل الحفاظ على مجالات ( أو مناطق) نفوذها الإقتصادي الخاصة أو من أجل إعادة تقسيم مناطق العالم الإقتصادية. و هذا يبين أن بعد نشوء الإمبريالية ، حدثت فى القرن العشرين الحالي ، حربان عالميتان ( و ما يفوق ال160 حربا حدثت بعد الحرب العالمية الثانية ). و عدد الناس الذين فقدوا حياتهم فى الحروب بلغ ستة أضعاف ،فى هذا القرن ، مقارنة بحروب القرن التاسع عشر السابق . و يبرز إنفاق الإمبرياليين ألف بليون دولار أمريكي سنويا على التسلح
( تقريبا نصف هذا المال تنفقه الولايات المتحدة الأمريكية وحدها) العلاقة بين الإمبريالية و الحرب. لهذا السبب تسمى الإمبريالية أيضا "عصر الحرب الرأسمالية ". و هكذا ن فى النهاية ، تزداد التناقضات بين الإمبريالية و الأمم المضطهَدة حدة و من جهة أخرى ، تدفع الإمبريالية العالم بأسره بإتجه الحرب. فى ظل مثل هذا الوضع ، يمسى ليس طبيعيا فحسب و إنما أيضا حتميا بالنسبة للأمم المضطهَدة أن تخوض حرب تحرير بالإعتماد على إستراتيجيا التعويل على الجماهير المضطهَدة و ليس على إستراتيجيا التعويل على رأس المال و الأسلحة أو التكنولوجيا.
و يظل النيبال واحد من أشد الأمم المضطهَدة فى العالم إضطهادا. و كون النيبال إنزلقت من المرتبة الثلاثين فى عداد البلدان الأفقر فى السبعينات إلى مرتبة البلاد الثانية الأفقر فى العالم يشير الآن إلى وضع البلاد الذى يرثى له. و فقر هذه الدولة و تخلفها لا يعزى إلى نقص فى الموارد الطبيعية أو إلى كسل الجماهير الكادحة و إنما يعزى إلى العلاقات الطبقية الداخلية و الخارجية وهو أمر يمكن البرهنة عليه بمقارنة موقع النيبال قبل معاهدة سوقاولى شبه الإستعمارية و بعدها مع بلدان أخرى فى العالم معاصرة لها . فالنيبال الواقع بين الدولتين العملاقتين ، الصين و الهند ، و الذى يحده جنوبا و غربا و شرقا الهند على مستوى الهيملايا ،تاريخيا ، إضطهده بداية الإستعمار البريطاني و بعد الخمسينات إضطهدته عديد القوى الإمبريالية و رئيسيا تضطهده التوسعية الهندية . منذ معاهدة سوقاولى إلى الآن بقي التطور الداخلي للنيبال مقموعا و مشوها بسبب التأثير الخارجي الهدام للإمبريالية أو / و القوى التوسعية . و كل المؤشرات الإقتصادية و غيرها للتطور الإجتماعي تؤكد ذلك . و غدت سيرورة التخلف و التشويه و التبعية أحدّ بصورة خاصة بعد الخمسينات حين إرتبط النيبال بالإمبريالية عبر التجارة و التمويل و غيرها من الطرق. و مع إرتفاع الديون الخارجية اليوم إلى ما يزيد عن 150 بليون روبي و بلوغ العجز التجاري تقريبا 50 بليون روبي ( وهو ما يعادل الميزانية السنوية) تفاقمت التبعية فى كافة المجالات الإقتصادية و ما إلى ذلك . و يوفر هذا مؤشرات كافية عن الإضطهاد الإمبريالي . حسب تنصيص صندوق النقد الدولي ، كل بلد تفوق ديونه الخارجية 200 إلى 250 بالمائة من إجمالي تجارته الخارجية و تصير نسبة خدمات ديونه أرفع من 20 بالمائة من تجارته التصديرية يعد فى وضع "حرج" .مع ذلك ، فى النيبال ، كلا المعياران قفزا فى 1994 -1995 ذاتها إلى أكثر من 600 و 35 بالمائة تباعا . و عليه ، ما من شك أن وضع النيبال بات حرجا و فظيعا جراء وقوعه فى الشرك الإمبريالي, و صار هكذا من الضروري خوض حرب الشعب فى سبيل التحرر من الإضطهاد الإمبريالي و المضي قدما على طريق التطور بالتعويل على الذات . من زاوية النظر هذه ، حرب الشعب فى النيبال جزء من حركة التحرر الوطني العالمية المناهضة للإمبريالية.
2-2) الإضطهاد التوسعي :
أبرز مظهر مباشر للإضطهاد و الإستغلال الإمبرياليين العالميين فى النيبال هو الإستغلال و الإضطهاد التوسعيين. فالتوسعية هي سيرورة إستغلال و إضطهاد الإقتصاد الأصغر و الأضعف من قبل إقتصاد أقوى لم يتطور إلى مستوى الإمبريالية و لكنها تستمد قوتها من مساندة القوى الإمبريالية الخارجية و دولتها هي الخاصة . و كذلك بإعتبار أن سيطرتها لا يمكن الحفاظ عليها على قاعدة المنافسة الرأسمالية تستعمل القوة التوسعية الإكراه غير الإقتصادي ( مثل الإكراه العسكري و السياسي و الثقافي إلخ) لصيانة مناطق نفوذها التى هي سجن قوميات مضطهَدة مختلفة . و إستغلت و إضطهدت عديد البلدان المجاورة فى جنوب آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية بمساندة القوى الإمبريالية كالولايات المتحدة و أنقلترا و اليابان و فرنسا و إيطاليا و ألمانيا و روسيا إلخ أو شركات عالمية معا مع دولتها المركزية الخاصة و قيادتها العامة بدلهي . و قد أبقت التوسعية الهندية ولا تزال النيبال سوقا أسيرا لها من خلال معاهدات غير عادلة مفروضة عليه ، فى أوقات متفرقة ، مستفيدة من أن النيبال تحاصره الهند من ثلاث جهات و أن النقل و المواصلات و العلاقة التجارية مع العالم غيرممكنة إلا عبر الهند . و تاريخيا ، فى 1816 ، فرضت الهند البريطانية معاهدة سوقاولي على النيبال جاعلة إياه شبه مستعمرة و بالتالي أعاقت طريق النيبال إلى الإستقلال و التطور بالتعويل على الذات و إبتدأت سيرورة تخلف إقتصادي إجتماعي
( أي تطور مشوه و تبعي ) . و لئن وجب عقد مقارنة بين مؤشرات التطور الإقتصادي بالضبط قبل و بعد معاهدة سوقاولي ، يغدو هذا واضحا للغاية . مثلا ، قيل تلك الفترة ، كان النيبال مكتفيا ذاتيا فى الإنتاج الصناعي الأساسي كمصانع القطن و النحاس و الأدوات النحاسية و الأدوات المنزلية و التسلح العسكري ( بما فى ذلك البنادق الحديثة) و السكر و سواها و الحبوب الغذائية .
لكن النيبال اليوم بات فى تبعية كلية و هذه السيرورة لم تحدث فجأة و إنما إنطلقت مع معاهدة سوقاولى ثم إحتدت بصورة خاصة إثر الإتفاق التجاري النيبالي الهندي لسنة 1923 ( الذى جعل النيبال "سوقا مشتركا " للهند) و بلغ القمة فى عقود المعاهدة شبه الإستعمارية لسنة 1950 مع ما يسمى الهند "الحرة" . و حاليا، بالأساس عبر معاهدة 1950، تحافظ التوسعية الهندية على إحتكارها شبه الإستعماري والتجاري و الصناعي و المالي و الجبائي على النيبال و الإضطهاد و الإستغلال التوسعيين فى مختلف المجالات تماديا عبر التجارة المنظمة و معاهدات الديوانة و معاهدات و إتفاقيات أخرى معتمدة على العلاقات غير العادلة الكامنة الناجمة عن معاهدة 1950. و للعلاقات شبه الإقطاعية أبعاد متعددة الأشكال مثل الأبعاد الإقتصادية و السياسية و العسكرية و الثقافية و ما إلى ذلك . و فى النيبال لإستغلال التوسعيين الهنود و إضطهادهم أيضا طابع متعدد الأشكال . و مع ذلك ، فى النهاية كافة الأشكال المتنوعة غايتها الإستغلال و الإضطهاد الإقتصاديين . و فى النيبال كذلك ، الإقتصاد هو المظهر الأهم و الأكثر بوحا لإضطهاد التوسعية الهندية و إستغلالها.
تقليديا ، دأبت التوسعية الهندية على إستعمال النيبال كسوق أسير لسلعها الصناعية . لذلك إلى الخمسينات ، حوالي 95 بالمائة من التجارة الخارجية النيبالية كانت تتم غالبا مع الهند. و فى العقود التالية ، بتصاعد التدخل المباشر للقوى الإمبريالية الأخرى فى النيبال ، تراجعت نسبة التجارة مع الهند إلى حوالي 30 بالمائة غير أن هيكلة التجارة فى معظمها لا تساعف النيبال (أنظر/ أنظرى جدول 1) . إضافة إلى ذلك ، من الهام تسجيل أنه نظرا للحدود المفتوحة بين النيبال و الهند فإن ثلث التجارة تقريبا تجرى بما لا يساعف النيبال و بصورة لاقانونية و بالتالي حجم التجارة مع الهند هو دائما أعلى مما تقدمه الإحصائيات الرسمية. و إذا كان على المرء أن يحكم من خلال هيكلة التجارة فإن نسبة النيبال فى التصدير و التوريد إلى و من الهند قبل معاهدة سوقاولى ، كانت أرفع بخمس مرات لصالح النيبال و بقيت إلى سنة 1923 و إثر معاهدة 1950 ، غدت تقريبا سبع مرات ضد النيبال . و هكذا ، من الواضح أن مع التصاعد الدائم للعجز التجاري فإن الإقتصاد النيبالي يختنق بشراك التوسعية الهندية على نحو لا رجعة فيه. ثانيا، إذا كان على المرء أن يحلل هيكلة سلع التوريد و التصدير فإن النيبال يبدو مصدرا لسلع أقل قيمة مضافة و بالأساس منتوجات فلاحية غير مصنعة أو نصف مصنعة (64 بالمائة) بينما يورد من الهند حوالي 75 بالمائة منتوجات صناعية لها قيمة مضافة أعلى و هذه النسبة تفاقمت مع مرور السنين ضد النيبال . و من ثم نرى سيرورة الإضطهاد و الإستغلال الإمبرياليين عبر "التبادل اللامتكافئ" تعمل فى حال النيبال أيضا. و ثالثا ، بما أن معاهدة 1950 شبه الإستعمارية توفر "معاملة وطنية " للرأسماليين الإحتكاريين الهنود كي يقيموا فى النيبال و يتعاطوا النشاطات الإقتصادية على قدم المساواة مع المواطنين النيباليين ، فإنهم قادرون على إحتكار الإقتصاد النيبالي كليا. و حاليا ، لمجموعة مكونة من عشرة أنفار تقريبا من الرأسماليين ذوى المليارات المقيمين بالهند ( لا سيما موروريس) السيطرة الأساسية على الصناعة و التجارة النيباليين . ووفق تقديرات باحث هندي قام بدراسة قبل فترة قصيرة من الزمن ، حوالي 80 بالمائة من الإقتصاد و التجارة النيباليين يمسك بها رأسماليون هنود أو ذوو أصول هندية . و دأبت الدولة التوسعية الهندية على وضع حدود لتسهيلات المبادلات العالمية الشيئ الذى حال دون تمتع بلد مغلق كالنيبال بها. و عبر ذلك ، مكنت لنفسها تكرارا الهيمنة على الإقتصاد النيبالي لفرض شروط تجارية على التصدير و التوريد مناوئة و غير عادلة. و ينعكس هذا بشكل دوري ، كل عقد ، فى الصراع الذى يظهر عند تجديد معاهدة التجارة و العبور حينها يحتج الشعب النيبالي على ذلك.
و مظهر هام آخر فى جعل النيبال سوقا أسيرا للتوسعية الهندية هو أن الشركات العالمية لمختلف البلدان الإمبريالية مثل الولايات المتحدة و أنقلترا و اليابان و ألمانيا إلخ تبيع سلعها المصتعة فى فروعها المركزة بالهند إلأى النيبال أو تفتح فروعا بالنيبال تابعة لفروعها الهندية . فعلى سبيل المثال ، منتوجالت الشركات العالمية المرتكزة فى الهند مثل باطا ( الأحذية) هواشت ( الأدوية) و بركتوا و قامبل ( صابون و شكلاطة إلخ ) و نستلى ( منتوجات القهوة و الحليب إلخ) و بركبوند ( شاي ) إلخ و منتوجات المشاريع المشتركة بين الهنود و الشركات العالمية كماروتى سوزوكى ( السيارات) و هيروهندا ( الدراجات النارية ) إلخ تباع فى النيبال . و كذلك ، فتحت شركات عالمية فروعا فى النيبال تابعة للفروع الهندية على شاكلة الليفر الهندوسي ( صابون...) . و على هذا النحو تتوغل الإمبريالية العالمية فى النيبال بالركوب على حصان التوسعية الهندية . و هذا التوغل المزدوج و الإضطهاد الإمبريالي و التوسعي لم يعيقا تطور الصناعات الوطنية النيبالية فحسب بل خلقا كذلك وضعا فيه يتم القضاء على الصناععة تلو الأخرى . و تلك الصناعات التى برزت منذ الثمانينات وهي المصدر الرئيسي لبلدان من العالم الثالث ( أكثر من 92 بالمائة من مجموع الصادرات ) مثل الزرابي و الثياب الصوفية سيطر عليها التوسعيون الهنود بصورة مكشوفة أو غير مكشوفة و ذلك لتحكمهم فى المواد الأولية و اليد العاملة و رأس المال و التجارة . و أيضا يوجد القطاع السياحي الذى يمثل الصناعة الأساسية للخدمات التى تدر العملة الأجنبية ، يوجد هو الآخر تحت سيطرة الرأسماليين الهنود . و هذا يبينه أن من ضمن النزل ذات الأربع أو الخمس نجوم ،و على رأسها كافة النزل ذات الأربع و الآن الثلاث نجوم ، المساهمون فيها من الرأسماليين الهنود . (بما فى ذلك واحد يملكه كليا الهنود) و أن علاقات صناعة السياحة المتقدمة منها و المتأخرة مرتبطة حميميا بالإقتصاد الهندي.
علاوة على جعل النيبال السوق الأسير للسلع المصنعة ، الميزة الأخرى للإستغلال و الإضطهاد التوسعيين الهنديين على الموارد الطبيعية النيبالية لا سيما الموارد المائية الغنية . فمعظم الأنهار التى تروى سهول غنجاتى الشمالية الأكثر سكانا تعبُر النيبال و المورد الأرخص و الأسهل للطاقة التى تحتاجها الهند للتصنيع المستقبلي و الإستهلاك العام يمكن أن يكون الموارد المائية الهائلة للنيبال الذى له ثانى أكبر مورد ماء ممكن فى العالم ( من ضمن الطاقة الكامنة المقدرة ب 83 ألف ميغاوات من الطاقة المائية فقط 0.5 بالمائة قد إستُغل إلى الآن ) . لهذا كان التوسعيون الهنود فى الماضى يستحوذون على الموارد المائية النيبالية بالأساس موارد الري من خلال إتفاقية شرادارن لسنة 1920 و إتفاقية كوسى سنة 1954 و إتفاقية كنداكي لسنة 1959. مع ذلك ، ، فى 1996 ، عبر ما سمي " إتفاقية مشروع تطور ماهاكالي المندمج " وضعوا يدهم تماما على جميع نهر ماهاكالي للري و التحكم فيه . و كانت الإتفاقيات السابقة كوسى و كنداكى مجرد معاهدات شبه إستعمارية حيث أنها حرمت تيراي مطمور حبوب النيبال من الري بصبها كافة ماء الري فى الهند عبر سدود شيدت بالضبط على الجانب النيبالي للحدود (و لا تسمح إلا بكمية ضئيلة جدا من الماء نحو النيبال و تمنع بناء سدود أخرى فى أعلى النهر لمسافة هامة ). و إتفاقية ماهاكالى الحالية ، مع ذلك ، إتخذت شكلا مميتا أكثر من الإستغلال و الإضطهاد شبه الإستعماريين بالحديث عن العدالة نظريا ولكن عمليا بضمان إحتكار التوسعيين الهنود للماء و الكهرباء وعوض ذلك ، فرضت آلاف البليونات من الروبي من الديون الخارجية على النيبال . أضف إلى ذلك ، عبر "البيان المشترك" للعاشر من جوان 1990 ، فتح التوسعيون الهنود الباب لممارسة الإحتكار على أهم الموارد المائية النيبالية مستقبلا بالتصريح بأن جميع أنهار النيبال " أنهارا مشتركة " مع الهند أيضا .
و شكل آخر مميت من إستغلال التوسعيون الهنود و إضطهادهم يلاحظ فى صيغة توجيه شباب النيبال البريئ و المجتهد و المناضل فى الجبال نحو الخدمات الحريصة على كسب المال و قطاعات أخرى نحو العمل البخس الثمن و بالتالي الحفاظ على الفلاحة شبه الإقطاعية بالنيبال حتى أكثر تبعية لها. و هذه السيرورة من إستغلال اليد العاملة و العمل المؤقت و "التعويل" ( أي أخذ الإبن مكان الأب!) فى إتساع و كان للهجرة التى بدأت بالضبط إثر إتفاقية سوغاولى الأثر المأساوي على التطور التاريخي للبروليتاريا الصناعية والرأسمالية الوطنية فى النيبال.
وجعلت المحافظة على السوق المشترك و فتح الحدود على إتفاقية التجارة لسنة 1923 و "الإتفاقية السلمية و الأخوية " لسنة 1950 النظام المالي و النقدي النيبالي تابع تماما للنظام المالى و النقدي الهندي و كان لهذا الأثر الضار على تطور رأس المال الوطني و تصنيع النيبال .
فى هذا الإطار الشامل لا مجال للشك فى أن 180 سنة من العلاقة المتصلة شبه الإستعمارية مع التوسعية الهندية أثرت سلبيا و على نحو هدام على تطور العلاقات الطبقية و الهياكل الإقتصادية الإجتماعية الداخلية و جوهريا على تطور الرأسمالية الوطنية فى النيبال، لذا من أهم أهداف حرب الشعب الماوية هي كسر السلاسل شبه الإستعمارية و إرساء نوع جديد من الرأسمالية الوطنية ( أو الديمقراطية الجديدة ) بتعبئة الشعب من جميع الفئات و الطبقات التى ترزح تحت كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد شبه الإستعماريين .
03) العلاقات الإجتماعية و الفضائية (الجهوية ) الداخلية :
بما أن التطور الإجتماعي يتأثر بالتدخل الإمبريالي و التوسعية و لو أن السبب الأساسي و القاعدة الأساسية للتطور ينبغى رؤيتها فى العلاقات الطبقية الداخلية أو علاقات الإنتاج ، من الضروري البحث عن جذور التخلف و الفقر و عدم التوازن الإقتصادي الإجتماعي الجهوي و الإنحطاط الثقافي للنيبال فى العلاقات الإجتماعية و الجغرافية ( الفضائية ) كيما نبلغ طريق التحويل التقدمي . عامة الوضع الحالي للنيبال فى سيرورة إنتقالية من الإقطاعية إلى الرأسمالية بيد انه تم قمعه و إنحط إلى وضع شبه إقطاعي و شبه مستعمر بسبب التدخل الخارجي الإمبريالي/التوسعي و العلاقات الطبقية الرجعية الداخلية . و كذلك، للنيبال خصوصياته الجغرافية و التاريخية مثلما يعكسها كون أن من مجموع المساحة 79 بالمائة يمثل منطقة جبلية و فقط 21 بالمائة سهول. و له تنوع هائل جغرافي و إثنيّ و لم يشهد تاريخيا أي تجربة إستعمار مباشر و فى السنوات ال225 الأخيرة ، كان يملك دون إنقطاع دولة مركزية لنفس الطبقات الرجعية إلخ. فى هذا الإطار ، سيكون من المفيد تحليل التشكيلة الإقتصادية الإجتماعية الحالية للنيبال و المشاكل التى تثيرها و ذلك على ضوء بعض العلاقات الأساسية الإجتماعية و الجغرافية .
3-1/ العلاقات شبه الإقطاعية و التخلف فى الفلاحة :
إن القاعدة الإقتصادية الأساسية للمجتمع النيبالي الحالي هي الفلاحة. و ذلك لأن أكثر من 81 بالمائة من قوة العمل فى البلاد تشتغل بالفلاحة و ما يناهز نصف الناتج القومي الخام مصدره القطاع الفلاحي. لذا يترك مستوى تطور القوى المنتجة و الإنتاجية فى الفلاحة تأثيرا حاسما على تطور الإقتصاد ككل و تنهض علاقات الإنتاج القائمة فى الفلاحة بدور حاسم فى تحديد طبيعة الهيكلة الإجتماعية بصفة عامة .
إن قوى الإنتاج فى الفلاحة النيبالية فى غاية التخلف وهي تقريبا بدائية فى طبيعتها . قبل كل شيئ ، تعكس طبيعة وسائل الإنتاج مستوى تطور قوى الإنتاج . و بقدر ما يكون مستوى تطور الفلاحة متدن و أكثر تخلفا بقدر ما يحتاج إلى التعويل على وسائل إنتاج تقليدية مثل الأرض و الإنسان و الحيوان و الأدوات البدائية و ما سواها . و بصورة عامة، إلى اليوم ، ما يقارب 99 بالمائة من الإستثمار العام فى الفلاحة النيبالية يتم فى الأرض و عمل الإنسان و الحيوان و الأدوات البدائية و حوالي واحد بالمائة فقط يستثمر فى وسائل الإنتاج الحديثة ( كالآلات و السماد و الأدوية المضادة للحشرات و البذور ذات الإنتاج العالي إلخ) . فى قمة هذا ، ، كون ما يفوق 81 بالمائة من قوة العمل فى عموميتها تشتغل فى الفلاحة يشير إلى مرحلة بدائية فى الإقتصاد إعتبارا لفائض العمل الذى يبذر فى شكل عمل مقنع أو عمل جزئي و فى النهاية له تبعات ضارة على الإنتاج الوطني ككل . لذلك بقدر ما يكون الإقتصاد متطورا بقدر ما تكون عكسا النسبة المائوية لقوة العمل المشتغلة فى الفلاحة ضعيفة و يوجه العمل الفائض إلى قطاعات لها إنتاجية أوفر على غرار الصناعات و الخدمات. ( و على سبيل المثال ، فى الولايات المتحدة أقل من 7 بالمائة من مجموع قوة العمل تشتغل بالفلاحة ). بينما الوضع فى النيبال هو أن معدل ثلاثة أشخاص يشتغلون فى هكتار واحد من الأرض و فى المناطق الجبلية يبلغ المعدل حتى تسعة أشخاص فى الهكتار. و كذلك ، مؤشر هام آخر لتطور قوى الإنتاج فى الفلاحة هو توفر سهولة الري . فى النيبال ، إلى سنة 1991/1992 فقط 13 بالمائة من مجموع الأرض المزروعة ( من 26 مليون هكتار) بما فيها 18 بالمائة فى منطقة تاراي و فقط 8 بالمائة فى المنطقة الجبلية كان لديها سهولة فى الري المتواصل. و هذا لا يعود إلى أي نقص طبيعي فى الماء أو إلى الطوبوغرافيا الجبلية و إنما إلى أسباب إجتماعية محضة ، وهو ما يؤكده بالأساس تقرير قدمه سابقا بنك النمو الآسيوي و حسبه 60 بالمائة من مجموع الأرض المزروعة فى النيبال بما فيها 80 بالمائة فى تاراي و 25 بالمائة فى الجبال ، يمكن أن تتوفر لها سهولة الري. و بسبب نقص الري جوهريا ، تقدر كثافة المحصول فى النيبال بفقط 90 بالمائة ( أو أقل من المحصول فى السنة ) وهو ما يشير إلى المستوى المتدنى للغاية لتطور القوى المنتجة فى الفلاحة. و أيضا ، تبين الهيكلة البدائية للإنتاج الفلاحي و تراجع معدل الإنتاج المستوى المتدنى للقوى المنتجة فى الفلاحة. فبقدر ما يكون المجتمع متخلفا أو درجة تقدمه متدنية بقدر ما يكون معدل إنتاج القيم الإستعمالية متدنيا أو منخفضا. من هذا المنظور ، فى النيبال ، 80 بالمائة من الإنتاج الفلاحي العام حبوب غذائية و إنتاج زهيد من المحاصيل المحولة نقدا إلى حد انه مركز فى مناطق محدودة من الجهة الشرقية لتيراي. و المظهر الأكثر إزعاجا هو تراجع معدل الإنتاج الفلاحي حيث أنه وفق الإحصائيات الرسمية للعقد 1984/1985 إلى 1994/1995 المعدل العام لنمو الإنتاج الفلاحي كان سالبا (-) 0.68 بينما كان بالنسبة للحبوب الغذائية سالبا(-) 7.23 و حتى ضمن ذلك كان المحصول الرئيسي للأرز سالبا (-) 16.17 بالمائة . و عليه صار النيبال الذى كان فى يوم ما بلدا مصدرا للحبوب الغذائية الآن بلدا موردا للغذاء. و التوريد الصافي للحبوب الغذائية المقدر ب 3.5 بليون روبي فى السنة الجبائية 1994/1995 من الهند و بلدان أخرى يؤشر إلى ذلك. و تحويل غالبية المحافظات الجبلية التى كانت عادة ذات إكتفاء ذاتي فى الحبوب الغذائية إلى محافظات عاجزة غذائيا يوفر مؤشرا كافيا عن الوضع المنحط و الباعث على الفزع للفلاحة فى المناطق الجبلية . و المؤشر الأهم عن تطور قوى الإنتاج فى الفلاحة هو إنتاجية الأرض و العمل و معدل نموهما. مع ذلك ، من غير الصعب إدراك أن المستوى المتدنى للغاية لإنتاجية كل من الأرض و العمل فى النيبال حيث نسبة السكان للمساحة عال جدا و إستعمال الري و الإستثمار المعاصر فى الإنتاج ضعيف جدا و حسب تقرير يعود إلى بضعة سنوات خلت ، معدل إنتاج الهكتار ل 10 محاصيل كان 2700 روبي بالأسعار المتداولة بينما كانت إنتاجية العمل (السنوية ) فقط 1461 روبي . هذا المستوى المتدنى للغاية للإنتاجية يتراجع أكثر كل سنة و بإستثناء بعض محافظات منطقة تيراي الشرقية ، وضعية الفلاحة حرجة جدا و باعثة على الفزع عبر البلاد لا سيما فى المناطق الجبلية. ما هو إذا السبب الأساسي الذى يقف وراء المستوى المتدنى للغاية لقوى الإنتاج و إحتداد أزمة الفلاحة وهي العامود الفقري لإقتصاد البلاد و الهيكلة الإجتماعية ؟ لأجل هذا لا بد من تحليل علاقات الإنتاج فى القطاع الفلاحي. أهم وسائل الإنتاج فى الفلاحة هي الأرض ووضعية ملكية الأرض القابلة للزراعة تحدد نمط تنظيم إنتاج فائض القيمة و إستخراجه و إستعماله ( أي علاقات الإنتاج) . و فى غياب أرقام علمية و معلومات يمكن الركون إليها حول توزيع الأرض فى النيبال ، يمسى من الصعوبة بمكان إنجاز تحليل موضوعي للعلاقة بالأرض غير أنه بالإمكان تقديم بعض التعميمات إنطلاقا من المعلومات المجمعة من مصادر حكومية أو شبه حكومية أو غير حكومية. و الصورة الأولى التى يتحصل عليها الإنسان حول العلاقة بالأرض حاليا بالنيبال عموما هي أن توزيع الأرض غير عادل و غالبية عريضة من السكان لا أرض لها أو ضمن من لا أرض لها تقريبا أو ضمن وضع الفلاحين الفقراء.
و بشأن نسبية توفر الأرض القابلة للزراعة و إنتاجيتها فى النيبال ، إذا كان لزاما تحديد الذين يملكون أقل من هكتار واحد من الأرض ك "فلاحين فقراء " و الذين يملكون من هكتار إلى أربعة ك "فلاحين متوسطين" و الذين يملكون أكثر من أربع هكتارات ك " فلاحين أغنياء " أو "إقطاعيين " فبالتالي حتى المعلومات المعتمدة على الإحصائيات الحكومية تقول لنا إن حوالي 70 بالمائة من الفلاحين الفقراء لا يملكون سوى حوالي 45 بالمائة من الأرض و حوالي 5 بالمائة من الفلاحين المتوسطين يملكون ثلاثين بالمائة من الأرض ( أنظر / أنظرى الجدول 2 ) . ووفق التقرير الأوثق الذى قدمه إخصائي من منظمة الأغذية التابعة للأمم المتحدة وهو أخصائي أتى إلى النيبال لتقييم تبعات "الإصلاح الزراعي " الذى لقي إشهارا كبيرا فى 1964 ، فإن وضع العلاقات بالأرض فى النيبال إزداد إبتعادا عن العدالة حتى أكثر. و حسبه 8 بالمائة من سكان النيبال لا يملكون أرضا مطلقا و 25 بالمائة من الفلاحين المتوسطين يملكون 25 بالمائة من الأرض و 10 بالمائة من الفلاحين الأغنياء يملكون 65 بالمائة من الأرض. و فى تاراي ، اولئك الملاكين العقاريين الكبار الذين يملكون أكثر من عشرة هكتارات فيجمعون بين أيديهم أكثر من 50 بالمائة من مجموع الأرض ، بينما فى الجبال ، يمثل الفلاحون الفقراء أكثر من 80 بالمائة من السكان ( أنظر / أنظري الجدول 3 ) . و هكذا من السهل رؤية أن السبب الرئيسي للتطور المتدنى لقوى الإنتاج فى الفلاحة النيبالية هو نقص إمتلاك الأرض لدى الغالبية الكادحة من الفلاحين فى حين أن النسب العريضة للأرض مركزة بين أيدى الحفنة غير الكادحة من الأشخاص .
إلى جانب ملكية وسائل الإنتاج ، كيف ينظم العمل و كيف يتم توزيع المنتوجات و كيف يتم إستهلاكها سيعين العلاقة الطبقية الإجتماعية و سيعين فى النهاية علاقات الإنتاج الإجتماعية . ففى الفلاحة النيبالية ثمة قلة من الإحصائيات التى يمكن الركون إليها بهذا الشأن. مع ذلك ، يمكن رسم صورة عامة عن العلاقات الطبقية فى الفلاحة النيبالية بتعميم المعلومات الواردة من المصادر الحكومية و شبه الحكومية و غير الحكومية. و لا شك أن هنالك أغلبية من "الفلاحين الملاكين " الذين يملكون قطعا صغيرة من الأرض و الذين يعملون على أرضهم هم . غير أنه بما أن حتى أولئك الفلاحين الذين يملكون قطعة أرض مساحتها أكبر من عشرة هكتارات و لم يذهبوا و لو مرة إلى مزارعهم يعدون "فلاحين ملاكين " حسب الإحصار الفلاحي الرسمي، من غير الممكن الإعتقاد بان عدد " الفلاحين الملاكين " قد تصاعد من 60 بالمائة فى 1961 إلى 80 بالمائة فى 1971 ( أنظر / أنظرى الجدول 4) . و ذلك بسبب أنه من أجل التلاعب بقانون الملكية قام غالبية الملاكين العقاريين بتصريحات خاطئة بأنهم كانوا يفلحون أرضهم هم و بالتالى تضخمت أعداد "الفلاحين الملاكين ".و حتى الآن و لأسباب مختلفة
( مثلا ، العجز البدني نظرا للمرض أو كبر السن أو إشتغال أفراد آخرين من العائلة فى أعمال أخرى إلخ ) لم يؤجر كبار الملاكين العقاريين فحسب بل أيضا الفلاحون المتوسطون أراضي لمستأجرين للفلاحة عوض فلاحتها بأتفسهم إلا أن فى إحصائيات الحكومة جرى تسجيلهم بإسم "الفلاحين الملاكين " عوض المستأجرين . من وجهة النظر هذه ، الأرقام التى قدمها تقرير أخصائي من منظمة الأغذية و الذى وفقه عدد "الفلاحين الملاكين " هو 65 بالمائة و الأرض التى يفلحونها هي 49 بالمائة ، هذه الأرقام يمكن قبولها بإعتبارها الأقرب للحقيقة ( أنظر/ أنظري الجدول 5 ) . و بإستثناء أولئك الذين يفلحون أرضهم عبر عمل عائلتهم الخاصة ، فإن البقية أجروها لمستأجرين و يفلحونها بأشكال مختلفة من العمال المسخرين أو العمل المأجور. و لأن حقوق المستأجرين إلى الآن لم تضمن فى البلاد و عدد المستأجرين غير المسجلين يفوق بكثير المستأجرين المسجلين، ليس ممكنا تقديم تقدير لعدد المستأجرين و حجم الأرض التى يفلحونها. و حسب الإحصائيات الفلاحية الأساسية للحكومة التى تنجز كل عشرية منذ 1961 إلى 1991 فإن عدد المستأجرين كنسبة مائوية لعموم الأسر الفلاحية يبدو متأرجحا بين الأقصى 40 و الأدنى 10 و الأرض التى يفلحونها كنسبة من الأرض القابلة للفلاحة يبدو متأرجحا بين الأقصى 2 والأدنى 6 وهو كما أشرنا أعلاه بوضوح فى أدنى جوانبه . و تقرير منظمة الأغذية الدولية ذو الدلالة يبين عدد أسر المستأجرين 30 بالمائة و الأرض التى يفلحونها 24 بالمائة بينما حسب دراسات أخرى قامت بها منظمات غير حكومية، يبدو عدد المستأجرين 40 بالمائة و الأرض التى يفلحونها 30 بالمائة. من تجربتنا العملية الخاصة ، نعتقد أن التقديرات الأخيرة أقرب إلى الحقيقة .
و جغرافيا ، نسبة "الفلاحين الملاكين " أعلى فى المناطق الجبلية و "المستأجرون " فى تيراي و تيراي الداخلية وهو أمر طبيعي ببساطة بإعتبار توفر الأرض القابلة للفلاحة و كثافة السكان وفق ظروف الإستئجار ، تناهز نسبتهم 2/3 المستأجرين يفلحون الأرض على قاعدة إقتسام المحاصيل و البقية على أساس ريع محدد نقدا أو عينا و ظروف الحيازة الأخرى . فى تقاسم المحاصيل ، يقدم المستأجرون فقط من ثلث إلى سدس الإنتاج .
و بالرغم من أن نظام الإستئجار يوجد فى ظل نمط الإنتاج الرأسمالي كذلك ، فإنه فى ظل نظام الإستيجار النيبالي ضمن تقاسم المحاصيل ، يضطر المستأجرون لفلاحة أرض أخرى تلبية لحاجياتهم المعيشية أكثر منه للحصول على ربح رأسمالي و حقوق المستأجرين غير مضمونة و نسبة الريع عالية و المستأجرون مرتبطون بالملاكين العقاريين و نسبة الربح العالية على القروض و ظروف خدمة العمل الأخرى إلى جانب إستيجار الأرض . لكل هذا ، علاقة العمل هذه من نوع شبه الإقطاعي و طبيعتها رجعية. و بالتالي من الجلي أن النمط الرئيسي لإستخراج فائض القيمة فى الفلاحة النيبالية ( و فى كافة قطاعات الإقتصاد ) هي العلاقة شبه الإقطاعية و العلاقة نفسها تنهض بالدور الرئيسي فى النمو دون المستوى الضروري و تخلف الفلاحة النيبالية ( و بالنتيجة الإقتصاد بأسره ). إلى جانب الفلاحين الملاكين و المؤجرين ، الباقي تقريبا خمسة بالمائة من الملاكين العقاريين يستعملون عمل السخرة و العمل المأجور لفلاحة باقى العشرين بالمائة من الأرض. و نظام العمل السخرة المعروف ب "هروا" و "كامايا" إلخ يوجد فى منطقة تاراي الوسطى و الغربية و يوجد نظام زراعة الأرض من خلال العمل المأجور الموسمي فى شرقي تاراي و مناطق حول المراكز المدينية. و نظام العمل السخرة حيث يبقى العمال تحت المراقبة كالأقنان المجبورين على العمل فى الأرض هو شكل و إمتداد للنظام الإقطاعي القروسطي و من زاوية النظر هذه هو علاقة من أكثر العلاقات بدائية و تخلفا فى الفلاحة النيبالية. و رغم أن نظام العمل المأجور بالأساس طبيعته رأسمالية فبخصوص النيبال ، حجمه الكمي ليس فقط صغيرا فعلا و لكنه أيضا إذا كان على المرء تحليله فى العمق ، سيكون من العسير فى غالبية الأحيان أن نقبل به على أنه علاقة رأسمالية تقدمية ذلك أن غالبية الذين يفلحون بهذه الطريقة، يقومون بذلك ليس بغرض إعادة الإنتاج الموسعة لرأس المال فى القطاع الفلاحي نفسه و إنما يقومون بذلك إما للعيش على نطاق ضيق و إما للإستثمار فى فائض القيمة الفلاحي فى التجارة أو التمويل فى المناطق المدينية. و نتيجة لذلك ، لا نراه يلعب أي دور له دلالته فى تطوير قوى افنتاج فى الفلاحة. و بصورة عامة رغم أن علاقات عمل متنوعة توجد فى الفلاحة النيبالية، فلا شك أن العلاقة شبه الإقطاعية تظل العلاقة الرئيسية و المحددة نوعيا وكذلك كميا. و هنا لا بد من أن نكون واضحين حول أنه بالرغم من أن الفلاحين الملاكين الصغار يمثلون عدديا الأغلبية فإنه بحكم إرتباطهم بسلاسل مختلفة من الإستغلال الإقتصادي و غير الإقتصادي الذى يقف وراءه الملاكون العقاريون و المرابون و الطغاة الإقطاعيون، فإنهم غير "أحرار" و ليس لديهم وضع إجتماعي مستقل كما يبدو ظاهرا وهم مدفوعون للإستجابة لقوانين علاقات الإنتاج شبه الإقطاعية المهيمنة القائمة .
إضافة إلى ملكية الأرض و علاقة العمل فى سيرورة الإنتاج ميزة الدور الرجعي للرأسمال المرابي أيضا إضطرت الفلاحة النيبالية لتركن فى وضع شبه إقطاعي و أخرت سيروة التطور. مستغِلِين الأفضلية غير المشروعة لهذا الوضع ، يوفر المرابون الإقطاعيون قروضا للفلاحين بنسب أرباح عالية و بشروط إضطهادية و بإيقاعهم فى حلقة مفرغة من التداين و يعززون الإستغلال شبه الإقطاعي عبر دفوعات أرباح خدمة بالعمل . و تمادت هذه الممارسة لزمن طويل فى المناطق الريفية. حديثا ، مدار هذا الإستغلال كان يتحول تدريجيا نحو المرابين التجار من المربين الإقطاعيين ،دون أن يخفف أبدا من إضطهاد الفلاحين سواء كميا أم نوعيا. زيادة على ذلك ، هذا الشكل التقليدي من مراباة رأس المال ، لعقود عديدة منذ دخول الرأسمال المالي الإمبريالي القطاع الفلاحي فى شكل رأس مال بيروقراطي بمساندة من الدولة الأداة الأساسية للرأسمال البيروقراطي هو بنك التطوير الفلاحي الذى يحقن الرأسمال المالي الإمبريالي إلى القطاع الفلاحي النيبالي المتخلف بنسب أرباح عالية ( أي 19 بالمائة ). و هذا يمثل 85 بالمائة مما يسمى القروض النظامية. و مع ذلك ، وفق دراسة القرض الريفي الحالي الذى أجراها بنك أسترالي ، حتى الآن 8 بالمائة من القرض الريفي تحت مراقبة المرابين التقليديين و الرأسمال البيروقراطي النظامي قادر على إختطاف نصيبه وهو 20 بالمائة ووفق نفس الدراسة ، أكثر من ثلثي الفلاحين واقعين فى أحبولة الديون لدى المرابين التقليديين" و "النظاميين " و يعتمد الفلاحين الفقراء أكثر على المرابين "التقليديين" الذين يطالبونهم بأضعاف ( فى الواقع ثلاث أو أربع مرات أكثر ) نسب الأرباح من نسب "النظاميين " و كذلك إن أردنا تحليل أغراض القروض التى يقدمها بنك التطوير الفلاحي ، نلاحظ أنه عوض الإستثمار فى قطاعات مثل الري إلخ التى ستدفع بتطور قوى الإنتاج ، فإن المزيد و المزيد يستثمر فى مثل قطاعات"التسويق الفلاحي " الذى سيجعل الفلاحة النيبالية مجرد تابع للإمبريلية العالمية. و على هذا النحو ، من الواضح أن فى الفلاحة النيبالية قد فرضت علاقات الرأسمالية البيروقراطية الجديدة فرضا على العلاقات القديمة شبه الإقطاعية لكن ، بدلا من تطوير قوى الإنتاج فى الفلاحة جعلها مشوهة و تابعة لا غير .
و يتمظهر تخلف العلاقات الإقطاعية فى قطاع الفلاحة النيبالية من جهة فى تفشى بطالة مقنعة و تخلف نتيجة خنق فائض العمل فى العمل المنتج و من جهة أخرى فى هجرة على نطاق واسع للعمل الموسمي و المؤقت من المناطق الريفية إلى المناطق المدينية و بخاصة إلى الهند ليعوض المهاجرون نقص الدخل فى المزرعة مع مداخيل من غير المزرعة و بالتالي تأبيد السيرورة الرجعية لإعادة إنتاج العلاقات شبه الإقطاعية . و تبعا لدراسة لجنة التخطيط النيبالي ، أنجزت قبل وقت قصير ، من مجموع أيام العمل فى المناطق الريفية بقي ما يناهز ال63 بالمائة غير مستغل. و النتيجة حوالي ثلث قوة العمل فرت نحو الهند كيد عاملة موسمية أو مؤقتة بهدف تعويض مكاسب المزرعة. ووجود هذه البطالة المقنعة و إنعدام التشغيل هو فى آن معا سبب و نتيجة لتخلف الفلاحة و دون نقل هذا النطاق الواسع من فائض العمل إلى القطاع غير الفلاحي فإنه غير ممكن تماما تطوير القطاع الفلاحي و الإقتصاد ككل .
منذ الخمسينات ، جرت عديد محاولات إدخال إصلاحات على الفلاحة النيبالية دون تحطيم العلاقات الطبقية الأساسية أو تطوير قوى الإنتاج بالحفاظ على علاقات الإنتاج القائمة. و إثر الحرب العالمية الثانية و بصورة خاصة إثر نهاية حكم الرانا ، فى الخمسينات و الستينات ، جرت محاولات فى ظل هيكلة الدولة القائمة بهدف تنفيذ "إصلاح زراعي " والقيام بإصلاحات تدريجية دون تحطيم الهيكلة الإقطاعية القديمة و تسهيل توغل الرأسمال المالي الإمبريالي , كذلك جرت أيضا محاولات لتطبيق مخططات "تطور " نمو موجه مختلف معتمدا على نموذج "الثورة الخضراء" التى كانت تهدف لتشق طريقها إلى بلدان العالم الثالث التى إضطهدتها البلدان الإمبريالية عبر البنك العالمي و صندوق النقد الدولي. و بعد فشل ذلك النموذج و فهم الخطر المتصاعد لثورة الفلاحين فى البلدان المضطهَدة مثل برامج "برنامج تطوير المزارع الصغرى " و التى أتى بها الإمبرياليون من خلال البنك العالمي فى السبعينات طبقت أيضا فى النيبال .
و عقب الثمانينات ، مع شعار الإمبريالية "العولمة " و "التحرير" مرة أخرى طبق جهاز الدولة سياسات و برامج مثل جعل الفلاحة "موجهة للتصدير " و "موجهة للمؤسسة ". لكن هذه السياسات و البرامج لم تعمل كما أرادوها كالسحر المخرج للأرواح الشريرة من الأجساد ، إذ من غير الممكن تحسين أو تغيير الإقتصاد الذى تضطهده الإقطاعية و الإمبريالية فى ظل إدارة الإمبرياليين و فى ظل إدارة الإقطاعيين و الرأسماليين البيروقراطيين فلم يحصل التحسين والتغيير فى النيبال أيضا. و عليه، بالنيبال يوجد إقتصاد فلاحي يتميز بتفشى الفقر و البطالة المقنعة و التشغيل الجزئي و إنتاجية متدنية جدا و نسبة نمو فى تراجع و تخلف عام. و الطبقات الحاكمة و مخططوها دأبوا على محاولة تغطية هذا الوضع الذى يرثى له للإقتصاد الفلاحي بتقديم إعتذارات الجغرافيا الجبلية و المناخ غير الملائم إلخ. بيد أن الحقيقة هي بالضبط عكس ذلك بما أن الأرض و الماء و العمل المناسبين الذين تحتاجهما الفلاحة بالكاد يوجد أفضل منهما فى مكان آخر مثل النيبال. و من هنا الهدف الرئيسي لحرب الشعب فى النيبال و أساسها هو تطوير قوى الإنتاج فى الفلاحة و إرساء قواعد التطور الشامل للإقتصاد بتركيز علاقات إنتاج جديدة و تقدمية بعد تحطيم علاقات الإنتاج الرجعية السائدة التى تسندها الدولة الرجعية .
3-2/ إنحطاط الصناعة و توسع رأس المال الكمبرادوري و البيروقراطي :
إن أهم معايير قياس الإقتصاد و تطور المجتمع هو معيار مدى التصنيع و نوعيته لأنه خلافا للفلاحة المرتبطة أكثر بوسائل الإنتاج الطبيعية، ترتبط الصناعة أكثر بوسائل الإنتاج التى يصنعها الإنسان و يمكن لسيرورة الإنتاج أن تنظم على مستوى واسع و بمرونة أكبر و من ثم يكون تطور المجتمع ككل أسرع نظرا للنمو السريع للإنتاجية الإجتماعية. و بقدر ما يكون مستوى تطور المجتمع أرقى بقدر ما تكون مساهمة قوة العمل العامة فى الصناعة أوسع و يكون قسط الإنتاج الإجتماعي للصناعة أوفر. و رغم أن جذور الصناعة الخفيفة ووجودها كملحق و جزء من الفلاحة يمكن ملاحظته منذ المجتمع البدائي، فإن ظهور و تطور المعامل الصناعية العصرية على نطاق واسع حدث مع حلول المجتمع الرأسمالي. تاريخيا ، ولادة الرأسمالية الصناعية رافقتها سيرورات عديدة ملازمة أي سيرورة التراكم الرأسمالي البدائي الناتج عن تركيز فائض الإنتاج الإجتماعي من القطاع الفلاحي الإقطاعي القديم كرأسمال بأيدى فئة قليلة من الرأسماليين التجاريين، و سيرورة حرمان المنتجين الصغار للمجتمع الإقطاعي القديم من وسائل إنتاجهم و تحويلهم إلى عمال أحرار يبيعون قوة عملهم ، و سيرورة إنتاج وسائل العيش ووسائل الإنتاج كسلع يتم تبادلها فى السوق الحرة. بكلمات أخرى، من الضروري للرأسمالية الصناعية أن تكون ملازمة لها "طبقة رأسمالية " تستثمر رأس المال فى سيرورة الإنتاج بهدف الحصول على أرباح متصاعدة بإستمرار، و "طبقة بروليتارية حرة" يمكن أن تنتقل إلى أي مكان لبيع قوة العمل دون أي عائق، و "سوق حرة " أين يمكن بيع السلع المعيشية ووسائل الإنتاج و يمكن شراء المواد الأولية اللازمة للإنتاج الصناعي على النقيض من السوق المحدود للطبقة العليا الصغيرة الحجم و التى تستهلك سلع الترف فحسب. و لأسباب عدة ، إذا غاب أحد هذه العناصرالثلاثة أو غابت كلها أو نقصت فعندئذ من غير الممكن تطوير الصناعة الرأسمالية. و بالعكس ، نشوء رأس المال التجاري و تطوره حدث منذ بداية المجتمع الإنساني من خلال تبادل السلع التى كان يتطلبها التفاوت و التنوع فى الإنتاج لدى مختلف المجتمعات. و كذلك إحتاج التفاوت فى الإنتاج ضمن مختلف المنتجين داخل نفس المجموعة إلى قروض أحيانا و قاد إلى ولادة رأس المال المرابي ( أو رأس المال المنتج للأرباح الذى صار يسمى رأس المال المالي إثر ولادة البنوك المعاصرة ). كلا الرأسمالان لا يساهمان فى سيرورة الإنتاج ، مع ذلك يساعد رأس المال التجاري فى تحقيق قيمة رأس المال بجعل المنتوج يصل المستهلكين و لهذا فهو يختلس جزءا من أرباح رأس المال المنتج و رأس المال المالي يختلس جزءا من أرباح رأس المال المنتج فى شكل أرباح للإعانة على الإستثمار المسبق. و بسبب هذا حين يعملان داخل نمط الإنتاج الرأسمالي و فى ظل هيمنة رأس المال الصناعي ، ليس للرأسمال التجاري و الرأسمال المالي قوة مستقلة كبيرة و يلعبان دورا تقدميا فى المجتمع . لكن فى المجتمع الإقطاعي ، ما قبل الرأسمالي أو شبه الإقطاعي يقدمان نفسيهما على أنهما لاعبان مستقلان و طفيليان فى شجرة ليس إلا ، و بقدر ما يكون حجمهم كبيرا بقدر ما يكون تأثيرهم هداما و سلبيا على تطور المجتمع . إثر نشوء الإمبريالية العالمية ، تحول رأس المال التجاري و المرابي أو رأس المال المالي لمجتمعات ما يسمى بالعالم الثالث الإقطاعية و شبه الإقطاعية ، تحول إلى رأسمال كمبرادوري و بيروقراطي عميلا لرأس المال الإمبريالي . و ينهض توسعه بدور سلبي مزدوج فى الأمم المضطهَدة عبر،من جهة ، إعاقة تطور الرأسمالية الصناعية الحرة ،و من جهة أخرى ، عبر نقل رأسمال ما يسمى بالعالم الثالث نحو مراكز الإمبريالية العالمية فى شكل أرباح فائقة الحد فى التجارة و فى شكل فوائد. على هذه الخلفية ، سيكون من المفيد تحليل إنحطاط الصناعات التقليدية و قمع نمو رأس مال الصناعة الوطنية و توسع رأس المال الكمبرادوري و البيروقراطي فى النيبال.
3-2-1/ كما تمت الإشارة إلى ذلك فى الجزء السابق ، إلى بداية القرن العشرين ، كانت حالة الصناعة التقليدية فى النيبال تبعث تماما على التفاؤل إلا أنه عندما شُرع فى إستيراد البضائع المصنعة دون ضوابط من الهند البريطانية ، أخذت الصناعات تموت تدريجيا .
فى خضم الأزمة الإقتصادية الإمبريالية الشاملة للثلاثينات و مع طلبات السلع المصنعة التى خلقتها الحرب العالمية الثانية ، تركزت براناقار جوت ميلز فى 1936 . و دفعت عصرا من الصناعات المعملية المعاصرة فى النيبال. مع ذلك ، إن كان علينا أن ننظر فى تطور الصناعات فى النيبال بعد ستين سنة مذاك ، نجدها فى وضع من التخلف المستمر. و اليوم دور الصناعة فى إقتصاد البلاد لا يؤبه له تماما. و هذا يثبته حجم الإنتاج الوطني المتدنى جدا و أنه عوض أن ينمو فإنه يتراجع أو هو فى ركود. مثلا ، من مجمل قوة العمل المشتغلة فى مختلف النشاطات الإقتصادية ، النسبة المائوية للذين يشتغلون فى الصناعة هي 2،19 فى 1952/54 و 1، 32 فى 1971/72 و مجرد 1،25 فى 1991/92 . و الشيئ ذاته ، من الناتج القومي الخام ، نسبة مساهمة القطاع الصناعي كانت مجرد 15،63 فى 1964/65 و 9،60 فى 1974/75 و 6،01 فى 1984/85 و 10، 33 فى 1994/95 بينما فى الإقتصاديات المتطورة ، كلا النسبتان أعلى من 40 بالمائة. إلى جانب الحجم الضئيل و الذى لا يؤبه له للقطاع الصناعي بشكل مطلق ، تُشير الهيكلة الصناعية أو نوع إستعمال و كمية السلع المنتجة أيضا إلى تخلف كبير ووضع مشوه للصناعة النيبالية . ففى النيبال ، إنتاج السلع الأساسية ( مثل الإسمنت و الكهرباء إلخ ) و سلع رأس المال ( مثل التجهيزات الفلاحية ، الآلات إلخ) و السلع الوسطية ( مثلا مواد البناء ، الأسلاك ، الورق إلخ ) الأساسية للتطور الإقتصادي العام ، متدن للغاية. و فى حين أن إنتاج السلع الإستهلاكية و على رأسها السلع الإستهلاكية غير الدائمة ( مثلا المواد الغذائية ، الكحول ، السجائر، إلخ ) عال جدا مقارنة بالإنتاج العام ( أو أكثر من 80 بالمائة من الإستثمار الرأسمالي العام و أكثر من 60 بالمائة من العدد الجملي للصناعات و العمال ). و بينما إنتاج سلع الترف الإستهلاكية غير الدائمة ( مثل الجعة و الخمر و السجائر و المشروبات الخفيفة إلخ ) الذى تستهلكه الغالبية من الطبقات الوسطى و الدنيا متدن و نسبته فى تراجع ، مثلا سنة 1993/95، إنتاج الجعة و المشروبات الخفيفة ( الكوكاكولا و البيبسى كولا) كان مرتفعا بحيث أنه كان بالمستطاع توزيعها بنسبة لتر لكل فرد من مجموع سكان النيبال ، فى حين كان إنتاج مصنع القطن يوفر مترا من القماش لكل ثلاثة أشخاص و فقط يتوفر حذاء واحد لثلاثين شخصا. وعلى رأس هذا ، خلال العقدالأخير، إزداد إنتاج الجعة خمس أضعاف بينما تراجع إنتاج مصانع القطن و الأحذية إلى الثلث.
و الصناعات التى تدرّ الربح السريع و التى ليست لها ضمانات إستقرار( كالفولاذ الذى لا يتآكل فى الستينات، و صناعة الزربية و الثياب فى الثمانينات) تترنح و تضمحل فى لمح البصر مقارنة بالصناعات المعتمدة على المواد الأولية و العمل و السوق المحليين أو التى لها قيمة مضافة أكبرداخل البلاد. هذه الصناعات الأساسية التى تركزت فى البلاد على مستوى الدولة بإعانات خارجية زمن صراع الحرب الباردة العالمية فى الستينات هي الآن فى وضع يرثى له بحكم غض النظر عنها او الفساد أو هي تباع بسعر بخس للبرجوازية الكمبرادورية. غالبية المصانع تقفل أبوابها إما لنقص المواد الأولية أو لأنها غير قادرة على منافسة السلع الأجنبية و تقريبا 50 بالمائة من الصناعات تستعمل أقل من 55 بالمائة من قدرتها الجملية،حتى بعد الثمانينات ، زمن حملة "الليبرالية " التى حازت دعاية كبرى بدفع من الإمبريالية العالمية . و لم تستثمر الشركات العالمية رأسمالا بالقدر الذى تتوقعه الطبقات الحاكمة ، بالعكس نجد تلك الشركات تستثمر أكثر فى القطاعات التى تعود عليها بربح أوفر بمعنى فوائد أوفر سريعة و ضخمة مثلما هو الحال بالنسبة للجعة و الكحول و المشروبات الخفيفة ( بيبسى كولا و كوكاكولا) و النزل إلخ. و كذلك ، تنمو الصناعات المزيفة التى تركب القطع المستوردة فقط ( كالتلفزة و الراديو إلخ) او لا تفعل سوى إلصاق العلامات التجارية. بصورة عامة ، جرت إعاقة الرأسمال الصناعي الوطني و تطور فقط نوع مشوه و تابع من الصناعات المزيفة و التى لا جذور لها إلى حد ما. و ليس من العسير فهم الأسباب التى تقف وراء هذا التخلف و الإنحطاط فى صناعات النيبال. و العامل الرئيسي وراء هذا هو ، فى النهاية ، وجود العلاقات شبه الإقطاعية و تخلف الفلاحة فى البلاد من جهة و من جهة أخرى ، نقص تطور ملازم لرأس المال و العمل و السوق الذين يتطلبهم تطوير الرأسمالية الصناعية و ذلك نظرا للتدخل الإمبريالي و التوسعي.
قبل كل شيئ ، تاريخيا ، فى النيبال ، بإعتبار أن مراكمة بدائية لرأس المال من الفلاحة و القطاع التجاري تركزت بايدى الإقطاعيين الكبار من الطبقات الحاكمة و البرجوازية الكمبرادورية القاطنة بالهند و لأنه حتى الآن لا يزال يتمادى نفوذها على الإقتصاد وهو يعيق تطور الطبقة الرأسمالية الوطنية. و على سبيل المثال ، بدأت أول صناعة عصرية براتناغار ، جوت ميلز ، و بتعاون مشترك بين مروارى هندي يسمى رادها كيشان شاماريا و الوزير الأول آنذاك جودها شمشار ، و حتى اليوم فى غالبية الصناعة الكبرى و التجارة ذات الإستثمار المشترك للعائلة الحاكمة رانا-شاها و الممرواريين لا يزالون موجودين . تستثمر هذه الطبقة الكمبرادورية التعاون الكلي مع التوسعية الهندية و تجد فائدة أهم فى الإستثمار فى التجارة الخارجية أو العمل كعملاء رأس المال الأجنبي من أن تطور الرأسمالية الصناعية الوطنية. و بما أن هذه الطبقة بالذات كانت تتمتع بسيادة الدولة إلى حد الآن ، لم يكن ممكنا ظهور أي طبقة رأسمالية وطنية مستقلة أخرى . ثانيا ، تطوير طبقة عاملة مستقلة لم يحدث فى البلاد . و ذلك بحكم أن العمال نصف البروليتاريين مرتبطين بالفلاحة شبه الإقطاعية المتخلفة و فائض العمل من المناطق الريفية ، يهاجرون إلى المدن الهندية ليشتغلوا كعمال مؤقتين أو موسميين و عمال من الهند ياتون ليعملوا فى الصناعات داخل البلاد و فى تاراي بالخصوص. و ثالثا ، بسبب تخلف الفلاحة و هيمنة الفقر على الريف لم يتمكن سوق داخلي مناسب للسلع المنتجة صناعيا و المواد الأولية الصناعية من التطور ، و أي سوق داخلي وجد أسيرا للإمبريالية و التوسعية و جراء التفاوت الإقتصادي إلى حد أقصى فى البلاد ، لا قدرة شرائية لغالبية الشعب و هكذا مهما كان العدد المحدود للصناعات التى تفتح أبوابها فإنها تنتج سلع الترف لا غير لإستهلاك العدد المحدود من الأغنياء و بما أن هؤلاء الأخيرين محدودين فإن توسع الصناعات لا يمكن أن يزدهر. أما بالنسبة للسوق الخارجي فإنه من ناحية، بفعل تدنى الإنتاجية لا يمكن للصناعات النيبالية أن تدخل بيسر فى المنافسة و من ناحية ثانية ، لا يوفر التوسعيون الهنود سبيلا للوصول إلى السوق الهندي و ذلك بوضع جملة من العوائق أمام التجارة و النقل و هم أيضا يحولون دون بلوغ سوق ما يسمى بالعالم الثالث.على هذا النحو، ضمن العلاقات و التشكيلة الطبقية الداخلية و الخارجية القائمة يستحيل تطوير رأس المال الصناعي الوطني فى النيبال و تصنيع البلاد وهو ما يثبته الفراغ و الفشل التامين لشعار تصنيع البلاد طوال الستين سنة الماضية .
3-2-2/ على أنقاض إنحطاط و تراجع رأس المال الصناعي الوطني العامل بالإنتاج فى البلاد ، مضى توسيع رأس المال التجاري المرابي و المالي العامل فى التوزيع فحسب و مضى تسهيل هروب رأس المال الوطني بإتجاه البلدان الأجنبية عبر الربح التجاري أو الفوائد ، يتراكم بنسق سريع مشكلا راسمالا كمبرادوريا و بيروقراطيا ، فى العقود الأخيرة. و مع أن الحجم المطلق لرأس المال التجاري و المالي فى المجتمع الذى تهيمن عليه الفلاحة المتخلفة شبه الإقطاعية و الإقتصاد المعاشي ليس متينا بعد ، فإن نسبة توسعهم كانت سريعة و غدت أسرع حتى أخيرا. و على سبيل المثال ، ضمن قوة العمل المشتغلة فى مختلف القطاعات الإقتصادية ، تلك المشتغلة فى التجارة و "قطاع الخدمات" ( رغم أن " قطاع الخدمات " لا يشمل الخدمات المالية فحسب و إنما يشمل أيضا خدمات إجتماعية أخرى ) مثلت 4،51 بالمائة فى 1952/54 و 4، 97 بالمائة فى 1970/71 و 8، 32 بالمائة فى 1990/91 . و كذلك فى الإنتاج الوطني، نسبة التجارة و قطاع الخدمات كانت 12،81 بالمائة سنة 1964/65 و 14،34 فى 1974/75 ،و 27،23 بالمائة فى 1984/85 و 31،30 بالمائة فى 1994/95 . و نسبة النمو الأسرع إثر الثمانينات يمكن إرجاعها لما يسمى سياسة "الليبرالية" وليس من الصعب فهم الطبيعة الأساسية ذات الإلهام الأجنبي و الرجعية لهذا النمو .
و إذا كان علينا أن ننظر فى حالة رأس المال التجاري فى النيبال، بالرغم من أن تاريخه عريق فإن حجمه و تأثيره، مع ذلك، لم يكونا بتلك الأهمية فى الإقتصاد فى عمومه. لكن الخصوصية الجوهرية لرأس المال التجاري فى النيبال هي أنه، منذ البداية الأولى ، تعين دوره أكثر فى التجارة الخارجية منه فى التجارة الداخلية. و من هنا، بما أنه لم يكن مرتبطا بسيرورة إنتاج البلاد، تحول إلى رأس مال كمبرادوري بدلا من التحول تاريخيا إلى رأس مال صناعي وطني. و يعزى هذا بالأساس إلى أن النيبال يوجد على الطريق التجاري بين التيبت و شمال الهند و من ثم هيمنت تجارة التخزين هنا بالضبط منذ البداية و بعد فتح طريق التيبت عبر سيكين بداية القرن العشرين و بعد إغراق الأسواق النيبالية بالسلع المصنوعة فى المعامل الهندية تزاوج رأس المال التجاري النيبالي مع التجارة مع الهند. و حتى الآن، حجم التجارة الداخلية فى البلاد ضئيل لأن 30 بالمائة فقط من الإنتاج فى القطاع الفلاحي يوجه نحو السوق ووفق دراسة أنجزت فى المدّة الأخيرة، فإن التجارة الداخلية لا تساوى إلا 15 روبي للفرد المقيم فى البلاد ،شهريا. لكن مقابل هذا ، حجم التجارة الخارجية نمى أيضا مع تجارة التوريد و بالأساس بشكل مكثف. ففى سنة 1964/65 ، كانت نسبة التجارة الخارجية من الناتج القومي الخام 16،75 بالمائة ( و ضمنها ساهمت تجارة التوريد ب 11، 32 بالمائة ) و فى 1994/95 تضاعفت نسبته مرتين و نصف المرة و بلغت أحيانا ما يفوق 40، 13 بالمائة (و ضمنه كانت تجارة التوريد تمثل 31،52 بالمائة) .
و كذلك ، يتأتى ما يناهز ثلث ميزانية مداخيل الدولة من التجارة الخارجية و أيضا أساسا من التعريفة الجمركية لتجارة التوريد و تعتمد ضرائب المبيعات التى تقدر ب 60 بالمائة من مداخيل ميزانية الدولة على القطاع التجاري. من هنا يتضح أن الدولة نفسها مسؤولة عن توسع راس المال البيروقراطي. و بالرغم من أن السياحة التى تعتبر أحد أهم مصادر الكسب فى التبادل مع الخارج تسمى "صناعة خدمات " بما أن أغلب المواد المستعملة فيها تورد من البلدان الأجنبية و 50 بالمائة من المرابيح العامة تعود إلى البلدان الأجنبية فإن شكل السياسة الحالي يجب إعتباره مجرد جزء من الرأسمالية البيروقراطية .
بصورة عامة ، إن كان علينا أن نحلل هيكلة رأس المال التجاري النيبالي ، ليس ثمة من شك فى أن طبيعته "كمبرادورية " نظرا لأنه يساعد بالأساس فى تحقيق قيمة للرأسمال الأجنبي ببيع سلع الإمبرياليين و التوسعيين الصناعية. و أيضا بحكم بقائه " مستقلا " عن سيرورة الإنتاج داخل البلاد و يساهم فى عبور رأس المال العالمي نحو البلدان الأجنبية فى شكل ربح تجاري، من الجلي أن لتوسعيته التأثير السلبي و الهدام على تطور الإقتصاد الوطني. و بإعتبار أن التجار الهنود و الإقطاعيين المقيمين بالنيبال إحتكروا رأس المال التجاري النيبالي ( مثلا 75 بالمائة من مجموع مبيعات التجارة فى كتمندو و تاراي بين أيديهم و لغالبية النزل السياحية إستثمارات مشتركة بين عائلات رانا –شاهو الهنود إلخ ) ، فإن رأس المال التجاري بدل أن يندمج فى سيرورة الإنتاج الداخلية يتركز فى التجارة الخارجية التى تحددت بتلبية طلبات السلع الإستهلاكية لحفنة من الطبقات الغنية إلخ . إن رأس المال التجاري النيبالي قد تحول إلى رأس مال كمبرادوري عوض أن يطور رأس المال الصناعي الوطني. و من هنا إن لم يقع تصحيح هذه السيرورة بتحطيم رأس المال الكمبرادوري و بتغذية رأس المال الوطني ، من غير الممكن تطوير إقتصاد البلاد .
و فى ما يتعلق برأس المال المالي ، فإن رأس المال المرابي يحصل على فوائد عالية و يتكفل بخدمات أخرى وهو جد تقليدي لزمن طويل و حتى الآن لديه شبكة واسعة فى المناطق الريفية. لقد نشأ رأس المال المالي المعاصر المنظم ،مع ذلك ، فقط بعد إنشاء البنك النيبالي محدود الضمان فى 1937. بيد أنه إلى الستينات ، من جهة ، كانت العملة الأجنبية تحت مراقبة بنك الهند الإحتياطي فى حين كان داخليا ، رأس مال المرابين الأفراد هو المصدر الأساسي لكافة القروض. و إثر إنشاء شركات مالية متنوعة ( كشركة التطوير الصناعي للنيبال و بنك تطوير الفلاحة إلخ ) و بنوك تجارية فى ظل حماية الدولة و إستثمار رأس المال الأجنبي فى نهاية الخمسينات و فى الستينات، توسع رأس المال البيروقراطي فى شكل رأس مال مالي بنسق أسرع. وفى الستينات، مثلت أملاك جميع الشركات المالية 14بالمائة فقط من الناتج القومي الخام لكن فى التسعينات، زاد ليبلغ حوالي 50 بالمائة. و إبان الثمانينات ، شرعت البنوك الأجنبية فى ولوج البلاد و فى السنتين الأخيرتين ، أنشأت ثمانية بنوك أجنبية و معها تضاعفت أموال البنوك التجارية تقريبا بعشر مرات من 7.7 بليون روبي إلى 75.99 بليون روبي. غير أنه إذا كان علينا أن نبحث فى هيكلةهذا النمو السريع لرأس المال المالي ، لن يكون من الصعب كشف طبيعته الرجعية. أولا ، بدلا من أن يستثمر الإقطاعيون و الرأسماليون البيروقراطيون التجاريون فى مشاريع الإنتاج الصناعي الموجه ، يستثمرون فائضهم من الفلاحة و الأرباح من التجارة فى هذا اللون الجديد من الربى حيث يمكن تحقيق الفوائد الأعلى و العائدات السريعة. و يفضى هذا إلى تخلف الفلاحة و الصناعة. ثانيا، بما أن غالبية إستثمارات المؤسسات المالية (تقريبا 50 بالمائة) توظف فى قروض الإستهلاك فى قطاعات الفلاحة و الصناعة المنتجة ، فلهذا تداعيات سلبية على التطور الإقتصادي البعيد المدى. ثالثا ، بحكم أن هذه المؤسسات المالية تابعة فى الأساس لرأس المال المالي الإمبريالي ، فإن عبرها سيغادر رأس المال البلاد و بالتالي سيحبط تطور رأس المال الصناعي فى البلاد. و كون نسبة توسع رأس المال المالي سريعة ، لا علاقة إيجابية له الآن بتطوير الفلاحة و الصناعة فى البلاد ،و يؤكد بصورة قاطعة الطبيعة الرجعية لرأس المال المالي هذا .
و مثال آخر عن تدخل رأس المال المالي الإمبريالي و نشاطاته التخريبية فى صورة رأس مال بيروقراطي ما يسمى إعانة أجنبية . فبعد الخمسينات ، و بداية دخول رأس المال الإمبريالي و التوسعي بإسم الإعانة الأجنبية ، تزايد حجمه فى العشريات التالية و معه إزداد القرض الخارجي كله و إزدادت تبعية البلاد كذلك. و بالنتيجة ، أضحى النيبال الآن تخنقه حلقة مفرغة من أحبولة الديون التى تتطلب مزيدا من القروض الأجنبية لتسديد الديون الخارجية. ففى سنة 1970/71، كان الدين الخارجي 15 روبي للفرد الواحد لكن بعد 25 سنة من "التطور" أي فى 1994/95 إرتفع الدين الخارجي للفرد بما يعادل 400 مرة ، إلى أكثر من 600 روبى و ربع مدخول الميزانية السنوية ينبغى صرفه خدمة للديون الخارجية. و أيضا ، كيفية تزايد التبعية الخارجية للبلاد يبين أن سنة 1975/76 ، كان 408 بالمائة من مجموع "ميزانية التطوير" معتمدا على القروض و الإعانة الخارجيين ، فى 1994/95 تعمقت التبعية إلى 61.60 بالمائة.إضافة إلى ذلك ، كان الهدف الرئيسي للقروض الخارجية ، إلى جانب الحصول على الفوائد ، توسيع الأسواق الإمبريالية و التوسعية. و هذا ما تؤكده الأربعون سنة الأخيرة حيث إستعملت أكثر من 60 بالمائة من "الإعانة الخارجية " فى مجال النقل و الإتصالات. كما و تم ضخ بلايين الروبى فى النيبال فى المناطق الريفية بإسم المنظمات غير الحكومية و المنظمات العالمية غير الحكومية إمتدادا لخطة الإمبريالية فى التحكم بالأزمة المستفحلة فى الأمم المضطهَدة إثر السبعينات و الحيلولة دون تحولها إلى إنتفاضات ثورية .
و هكذا لأجل تطوير رأس المال الصناعي الوطني بتحطيم رأس المال الكمبرادوري و البيروقراطي و تعبيد الطريق أمام التطور بالتعويل على الذات قطعا مع التبعية ، بات التحويل الثوري للمجتمع و سيرورة حرب الشعب حتميان .
3-3. التفاوت الجهوي و المسألة القومية :
تحدث السيرورات الإجتماعية فى مجال جغرافي و من هنا يتمظهر التقسيم الإجتماعي للعمل فى التقسيم الجهوي للعمل. تاريخيا ، بدأ التقسيم بين المدينة و الريف مع التقسيم الإجتماعي للعمل. لهذا ، مع سيرورة التطور التاريخي للمجتمع ، تأخذ سيرورة تنظيم أو تغيير المجال الجغرافي مجراها هي الأخرى. بكلمات أخرى، وفق نمط الإنتاج و التوزيع و الإستهلاك فى المجتمع ، تتجدد هيكلة تبلور التجمعات السكانية والنقل و الإتصال الإنسانيين و الهيكلة الجهوية ككل. ففى المجتمعات ما قبل الرأسمالية لا سيما فى نمط الإنتاج الإقطاعي ، فى هذه المجتمعات التى تقوم أولا على الفلاحة ( وفيها الأرض وسيلة الإنتاج الرئيسية لا يمكن نقلها من مكان إلى آخر)، و فيها لتبادل السوق دور لا يؤبه له،هنالك هوة ضئيلة بين المناطق على المستوى الجغرافي ذلك أنه لا توجد سوى بعض المدن كحصون عسكرية أو مراكز إدارة سياسية و مراكز إستهلاك لطبقات إجتماعية طفيلية صغيرة جدا و بقية طبقات الشعب المنتجة تعيش ضمن قرى ريفية صغيرة أو مراكز سكانية واسعة الإنتشار. وعليه ، الهيكلة الجهوية ذات المركز الواحد التى تتميز بمدينة كبيرة فى المركز و قرى ريفية صغيرة متجانسة حولها هي خاصية من خاصيات المجتمع الإقطاعي. وفقط بعد حلول نمط الإنتاج الرأسمالي، تطورت المدن الكبرى العصرية كمراكز للإنتاج و التوزيع و الإستهلاك و أخذت تحصل تغيرات لم يسبق لها مثيل. مع هذا ، حصل تفاوت جهوي و تطور غير متكافئ كتمظهر جغرافي للتفاوت الإجتماعي الناجم عن سيرورة التوجه نحو المركزة و الإحتكار الكامنة فى الرأسمالية. و يمكن تشبيه الهيكلة الجهوية للمجتمع الإقطاعي أو شبه الإقطاعي المرتبط بعلاقة إستعمارية أو شبه إستعمارية مع الرأسمالية الإحتكارية العالمية ( أي الإمبريالية ) يمكن تشبيهها بالهيكلة الهجينة الإقطاعية و الرأسمالية بمعنى آخر ،من جهة ، فى مرحلة تخلف ريفي تغلب الأرض الفلاحية الداخلية بينما ثمة مراكز مدينية محددة و جزر من "التطور" الظاهري الذى يراكم فائض الإنتاج الإجتماعي من المناطق المتخلفة و ينقله إلى البلدان الأجنبية و يورد المنتوجات الأجنبية ليوزعها عبر البلاد كافة. هذا الوضع من التطور غير المتكافئ ينشئ لدى الجهات المضطهدة و المتخلفة وعيا بالهوية الجهوية و الحكم الذاتي أو الإستقلال. وهو عادة ما يتخذ شكل مسألة قومية. و لأن الذين يقطنون مناطق الجهات المتخلفة و المضطَهدة هم غالبا السكان الأصليون و حيث ثمة تزاوج بين المنطقة و اللغة و الإقتصاد و الثقافة المشتركين ، فإن مثل هذا الإضطهاد الجهوي يعبر عن نفسه كإضطهاد قومي و على هذا النحو تتداخل المسائل الجهوية و القومية بصورة لا فكاك منها. و هذا ( التطور الجهوي المتفاوت) هو السبب الأساسي لإحتداد المسألة القومية حتى أكثر بعد نشوء الرأسمالية أو الإمبريالية. و بالضبط على ضوء ما تقدم ينبغى أن نفهم المسألة الجهوية و القومية فى النيبال الذى يمر بمرحلة إنتقالية من الإقطاعية إلى الرأسمالية .
حتى الآن ، فى النيبال ، يعيش 90 بالمائة من مجموع السكان فى المناطق الريفية و فقط 10 بالمائة يعيشون فى المناطق المدينية و هذا مظهر من التقسيم الجغرافي للعمل المناسب للتقسيم الإجتماعي للعمل فى المجتمع شبه الإقطاعي المعتمد على الفلاحة ( فى حين أن فى المجتمعات المتطورة 80 إلى 90 بالمائة من السكان يعيشون فى المدن و فقط حوالي 10 إلى 20 بالمائة يعيشون فى القرى). فى 1953/54 ، كان السكان المدينيون فى النيبال 3 بالمائة و بعد أربعين سنة ، بلغوا 10 بالمائة وهو أمر لا أهمية له بأي معيار. مع ذلك ، سيرورة التمدين و نمط تطور نظام النقل و الإتصالات فى الأربعين سنة الأخيرة يشيران إلى بعض التغييرات الهامة فى النيبال. ففى 1952/54 من عشر مراكز مدينية يقطنها أكثر من 5000 ساكن ، خمسة كانوا فى وادى كتمندو و خمسة فى تيراي . بتوزيع سكان المدن ، فى كتمندوا ، 83 بالمائة و فى تيراي 17 بالمائة . إذا كان علينا أن ننظر فى تاريخ إرساء بعض المراكز السكانية فى تاراي على إثر توسع السكك الحديدية الهندية إلى حدود تاراي من النيبال ، مع نهاية القرن التاسع عشر، عندئذ لا يمكن تسمية المراكز السكانية بالمراكز المدينية سوى كتمندو و للتيور و مهاكاتابور و من ثم كان مجمل السكان المدينيين فى النيبال متجمعين بوادى كتمندو. هذه الهيكلة المدينية الريفية و كيفية توزعها تتوافق فى غالبيتها مع الهيكلة الإحادية المركز فى المجتمع الإقطاعي غير أنه من 33 مركز سكاني، تعد رسميا "مراكز مدينية" فى شكل بلديات ، فى 1991 ، ثلاثة توجد بوادى كتمندو و 22 فى تيراي و 8 فى المناطق الجبلية و توزع سكان المدن فيها تباعا 35 بالمائة و 53 بالمائة و 12 بالمائة . و هكذا، من الجلي أن بعد الخمسينات، كان الإقتصاد النيبالي يزداد وقوعا فى شرك الإمبريالية و التوسعية و كتعبير مادي عن ذلك ، نمت كالفقاقيع المراكز "المدينية" على طول الحدود الهندية و الهيكلة الجهوية العامة للنيبال بدأت توجه إلى الخارج. و على الرغم من ذلك ، ظلت الأولوية السابقة لوادى كتمندو كعاصمة جهوية محدودة نسبيا. و هذا الوضع يؤكده أكثر كون إنسياب حركة المرور على الطرق وجوبا و أنظمة الإتصالات هي بالأساس موجهة نحو كتمندو و ثم نحو مدن تيراي و كون ضمن مجمل حركة مرور العربات فى البلاد تمثل تلك التى تتوجه إلى وادى كتمندو و تعود منها 40 بالمائة. تعكس مثل هذه الهيكلة الجهوية الإحادية المركز و الموجه للخارج الهيكلة الإجتماعية شبه الإقطاعية و شبه الإستعمارية و سيرورة التطور غير المتفاوت والمشوه للبلاد .
لئن حللنا وضع تطور الجهات الأساسية جغرافيا فى البلاد و نسق هذا التطور،فإننا نلاحظ صورة باعثة على الفزع للتخلف المطلق من جهة و النمو اللامتكافئ و تشوه التطور من جهة أخرى. عمليا ، يمكن تقسيم النيبال إلى جبال الهيمالايا و جبال تيراي و سهولها ( بما فى ذلك تيراي الداخلية ) من الشمال إلى الجنوب و إلى كوشى غنداكا و كرنالي و أترشادس من الشرق إلى الغرب ووادى كتمندو الموجود داخل منطقة نصف جبلية كمنطقة على حدة بسبب خصوصيات تطورها التاريخي. تاركين جانبا فترة ما قبل التاريخ ، إذا كان علينا أن نعاين تاريخ الثلاثة آلاف سنة الماضية ، فإنه يبدو أن العامود الفقري شرق-غرب المنطقة الجبلية المركزية فى الوسط هو أول منطقة أساسية للسكن و كان وادي كتمندو أكثر المناطق تطورا. و فقط إثر نهاية القرن التاسع عشر حين تم إقتلاع غابات بصورة فاحشة بتيراي ( بما أن الأهمية الإقتصادية للأرض الغابية الخصبة بتيراي تم دوسها مع توسع السكك الحديدية الهندية إلى الحدود) و بالخصوص بعد القضاء على المالاريا فى الخمسينات ، أخذ عدد السكان فى تيراي ينمو و ضمن المناطق الجبلية. قبل إرساء الدولة المركزية ، كان مستوى التطور تقريبا متماثلا فى كل الأماكن . مع ذلك ،فى ما بعد ، غدت منطقة غنداكا فى الوسط أكثر تطورا لأنها كانت أقرب إلى مركز الدولة المركزية و كانت الموطن الأصلي للبيروقراطية الرئيسية العسكرية و غير العسكرية و كذلك كانت مليئة أحواضا و هضابا مناسبة للفلاحة مقارنة بمنطقتي كوزى و كرنالا و هما بعيدتان عن أن تكونا حصن الدولة المركزية. و كون 60 بالملئة من عموم سكان البلاد ،قبل الخمسينات ، كانوا يعيشون فى الجبال ( بما فى ذلك فى الهيمالايا) و 5 بالمائة فى وادى كتمندو و 35 بالمائة فى تيراي ، يشير بوضوح إلى أن المنطقة الجبلية كانت المنطقة السكنية الأساسية إلى حينذاك. إلا أنه ، مع التسعينات ،شهد توزع السكان فى مختلف الجهات تغيرا فصار 42 بالمائة فى الجبال و 11 بالمائة فى وادى كتمندو و 47 بالمائة فى تيراي . و فى إطار إستمرار طبيعة الإقتصاد المعتمد على الفلاحة و غياب مستوى تصنيع ذو دلالة فى أي مكان، من الواضح أن نقل السكان هذا ليس نقلا عموديا قطاعيا واسعا ( أي من الفلاحة إلى الصناعة ،وهو أمر تقدمي تاريخيا ) و إنما مجرد نقل جغرافي عبر المناطق ( أي من الفلاحة إلى الفلاحة ). و هكذا ، لن يحل النزوح من فلاحة الجبال إلى فلاحة تيراي المشكل لبعض الوقت الشيئ الذى يزيد فى الواقع من تأخير تطور منطقة الجبال التى تشكل منطقة واسعة ( أي 79 بالمائة من مجموع المساحة) .
أما بصدد التيار المتصاعد للنزوح نحو منطقة العاصمة ، وادى كتمندو، فإنه إلى حد ما يعود توفر فرص عمل غير فلاحي و أساسا يعود إلى الإنتقال البائس للفلاحين نصف البروليتاريين ك " لاجئين غير شرعيين". مع هذا، بسبب مركزة كافة الخدمات الإقتصادية و الإجتماعية تقريبا بما فيها الإدارة المركزية و التسهيلات المادية فيها ، يتسرب الإقطاعيون الريفيون و الأغنياء الجدد عبر البلاد بأسرها إلى كتمندو ليستثمروا فوائضهم الفلاحية فى نشاطات مالية و تجارية أو فى مشاريع عقارية. ومن مؤشرات تدفق رأس المال من البلاد جميعها صوب كتمندو وكون هذه الأخيرة هي نفسها تستهلك أوفر قسط من "التطور" تقدمها هذه الأرقام : 60 بالمائة من الإيداعات و 50 بالمائة من قروض البنوك التجارية تتمركز فى كتمندو و ثلث التجارة الداخلية للبلاد يتم فى كتمندو و69 بالمائة من الإستثمارات فى النزل السياحية تجرى فى كتمندو و 60 بالمائة من العربات ذات المحركات فى البلاد مسجلة فى كتمندو و 60 بالمائة من الصناعات موجودة فى كتمندو أو حولها إلخ . على العكس من هذا ، لا تتوفر فى المناطق الجبلية و أغلب المناطق الريفية البنية التحتية الأساسية مثل الطرقات و الماء و الكهرباء إلخ و الخدمات الإجتماعية مثل التعليم و الصحة إلخ .
و حين يقع حساب نسبة التطور المركب للمحافظات، يلاحظ أن محافظات وادى كتمندو ( أي كتمندو ، لالتبور و بهاكتابور) توجد على رأس القائمة و محافظات شرق تيراي ( أي مورانق ، سنساري و جهابا ) تأتى فى المرتبة الثانية و محافظات مثل برسى و كاسكى و بنكى و شتوان إلخ ذات المراكز المدينية الكبرى تأتى فى المرتبة الثالثة و بقية محافظات تاراي تأتى الرابعة و المحافظات الجبلية فى أسفل السلم. حتى ضمن محافظات المناطق الجبلية، المحافظات فى كرنالي و أترشاد هي الأكثر تخلفا. و هكذا ، مع التخلف العام لكامل البلاد ، فإن التفاوت بين الجهات يتفاقم ضمن التوزيع الحالي شبه الإقطاعي و شبه المستعمر و إن لم يجر تصحيح سيرورة التطور الأحادي المركز و الموجه للخارج ، من الأكيد أن الإختلافات الجهوية ستكون أحدّ مستقبلا.
و الجهات المضطَهَدة داخل البلاد هي أولا المناطق التى يقطنها السكان الأصليون منذ الحقب البعيدة. و هؤلاء السكان الأصليون سيطروا على الجهات التى كانت دولا قبلية مستقلة سابقا لتشكل الدولة المركزية ، فى أواخر الجزء الثاني من القرن الثامن عشر، صاروا الآن فى وضع أكثر تخلفا و إضطهادا نظرا للإستغلال الإقطاعي الداخلي و الإضطهاد الخارجي شبه الإستعماري. لقد خلفوا وراءهم سيرورة التطور التاريخي بسبب إعاقة طريقهم نحو التطور المستقل و فرض إضطهاد إجتماعي ثقافي إلى جانب إضطهادهم الإقتصادي من قبل قوى أتت من خارج البلاد مستندة إلى الدولة. و من هنا ، من الطبيعي تماما أن ظهرت مسألة الإضطهاد الجهوي للمنغول المسيطرين على شرق و وسط و غرب المناطق الجبلية أو أرسترو-درافيد بينما سيطر الأرسترو-درافيد على داخل تيراي و مناطق تيراي ، فى شكل إضطهاد قومي. هنالك ، المسائل الجهوية و القومية متداخلة الواحدة مع الأخرى. و بالإظافة إلى ذلك ، مشكل الكاس الذين يهيمنون على منطقة أقصى غربي كرنالا يمكن أن يبدو مسألة جهوية بدلا من مسألة قومية و يجب معالجتها تبعا لذلك. و هكذا ، حسب الوضع الملموس ، من الضروري معالجة مشكل الجهات و القوميات المضطهَدَة بتوفير حكم ذاتي جهوي و قومي.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------الجدول 1 : تجارة الإستيراد و التصدير فى النيبال / مبوبة حسب البلدان و السلع ( 1994-1995)/ قيمة بمليون روبي
مجموع التجارة بلدان أخرى الهند البلاد
إستيراد/تصدير :
نسبة مائوية إستيراد/تصدير :
نسبة مائوية إستيراد/تصدير :
نسبة مائوية سلع
16427.32437.414.84
25.0713.16
100.00100.00 19861.31276.413.92
- 44.401.90
- 68.09.11.34 -5242.1216141.22
- 22.2164.14
- 31.9188.66 قيمة
نسبة مائوية للسلع
نسبة مائوية بالبلاد
49084.515461.33150
- 47.9186.38
- 100.00.100.00 248624914253.257.33
- 555895.10(++)
- 68.3392.19 -15545.91208.17.77
- 74.7735.86
- 31.677.81 قيمة
نسبة مائوية للسلع
نسبة مائوية بالبلاد
-14.90.10.67
- 0.020.0
-100.00100.00 -11.70.185
-0.20.00
- 78.52100.00 - 3.20.0
-0.200.0
- 21.480.0 قيمة
نسبة مائوية للسلع
نسبة مائوية بالبلاد
65526.717898.827.32
-100.00100.00
-100.00100.00 44735514529.732.48
-100.00100.00
- 68.2781.18 20791.23369.116.20
- 100.00100.00
- 31.7318.82 قيمة
نسبة مائوية للسلع
نسبة مائوية بالبلاد

(++) ملاحظة من المنتوجات الثانوية المصدرة ل"بلدان أخرى" زرابي صوفية و ثياب جميعها تمثل 92 بالمائة
و المصدر هو بنك أسترا النيبالي ، قسم التجارة الخارجية /1995.
الجدول 2 : توزع الأسر و المساحة التى تحتلها / عقار الأرض بالنسبة المائوية .
1991 1981 1971 1961
مساحة اسر مساحة اسر مساحة اسر مساحة اسر حجم العقار
0.0 1.17 0.0 0.37 0.0 0.80 0.0 1.43 لا تملك أرضا
30.5 68.63 17.33 66.32 27.20 76.77 24.03 73.89 أقل من 1.0 هكتار
50.8 27.68 46.13 28.05 39.29 18.39 35.68 19.56 1-4 هكتارات
18.7 2.51 36.54 5.35 33.74 4.03 41.42 5.13 أكثر من 4 هكتارات
100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 المجموع

الجدول 3: التوزع الجغرافي للأسر و المساحة المملوكة بعد "الإصلاح الزواعي " حسب حجم العقار بالنسبة المائوية :

الجبال الغربية الجبال الشرقية غربي تيراي شرقي تيراي وادي كتمندو حجم الملكية الجهوية
أسر مساحة أسر مساحة أسر مساحة أسر مساحة أسر مساحة
25.71 76.17 44.51 91.33 1014 14.61 5.63 43.27 39.90 80.28 أقل من هكتار واحد
57.45 22.65 25.81 6.98 12.41 36.52 29.20 41.28 60.10 19.72 1-5 هكتارات
4.12 0.50 14.64 1.34 32.14 29.21 15.77 7.5 - - 5-10 هكتارات
12.63 0.64 - - 54.31 19.66 49.40 7.95 - - أكثر من 10 هكتارات
100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 100.00 المجموع
المصدر : زتمتن ،م أ (1973)، تقييم الإصلاح الزراعي فى النيبال ، وزارة الإصلاح الزراعي ، حكومة جلالته فى النيبال، كتمندو ( ص 93-94).
الجدول 4 توزع ملكية الأرض حسب أنواع الحيازة و المناطق (1961و 1971)
المجموع ملاك مستأجر فلاح مالك نوع الحيازة
مساحة أسر ملك / اخر أسر مساحة أسر مساحة أسر
-

100.00 -

100.00 -

13.91/8.02 -

15.63 -

1.56 -

2.30 -

76.50 1961/ -
1971/ 82.00 مناطق جبلية عالية
100.00

100.00 100.00

100.00 27.56 /13.68

9.74/ 5.68 31.43

9.63 2.19

0.67 2.95

1.03 56.56

84.26 1961/-65.62
1971/ -89.32 جبال
100.00

100.00 100.00

100.00 27.64 /29.85

15.84 / 13.09 49.61

25.77 7.51

12.89 12.19

19.96 35.00

58.19 1961/38.13
1971/ 54.27 وادى كتمندو
100.00

100.00 100.00

100.00 16.12 /9.89

5.27/ 4.96 18.14

5.95 14.43

8.60 10.52

5.35 59.56

81.22 1961/ -71.34
1971/ -88.88 تيراي الداخلية
100.00

100.00 100.00

100.00 21.42 / 16.75

11.18 / 10.87 37.60

22.95 12.25

7.99 15.00

8.46 49.58
69.96 1961/ -47.40
1971/ -68.59 تيراي
100.00

100.00 100.00

100.00 22.64 /15.72

10.62 / 9.32 33.19

14.61 9.79

6.48 7.17

4.38 51.84

73.65

1961/ -59.64
1971/ -80.99 النيبال

- ملاحظة :" مناطق جبلية عالية" مدمجة مع" جبال " فى أرقام 1961 / المصدر : المكتب المركزي للإحصاء / الإحصاء الفلاحي النيبالي ( 1961/1971) كتمندو.
الجدول 5 :
توزيع حيازة الأرض بعد "الإصلاح الزراعي " ( المصدر : زامان م ، أ (1973)، مصدر ذكر سابقا . )

معدل حجم الملكية بالهكتار--- الأرض المزروعة 100.00 الأسر التى تملك أرضا 100.00 مجموع الأسر
92.2 ملكية الأرض/ نسبة مائوية
18.33 26.91 3.31 1.8 إقطاعيون
1.67 49.11 56.22 62.0 فلاحون ملاكون
1.64 15.36 20.70 19.1 ملاكون غير مستأجرين
1.74 8.62 10.77 2.3 فلاحون مستأجرون
- - - 7.8 فلاحون لا يملكون أرضا
100.00 100.00 100.00 100.00 المجموع
-----------------------------------------------------------------------------
4.0) سياسة الديمقراطية الجديدة : برنامجها الاقتصادى و سيرورتها :
من التحليل أعلاه لظروف التطور الاجتماعي و الجهوي و سيرورته ، من الجلي أن العائق الأساسي أمام تطور قوى الانتاج الاجتماعية هو العلاقات الطبقية الداخلية و الخارجية أو علاقات الانتاج الاجتماعية ، فى ظل الوضع شبه الاقطاعي و شبه المستعمر. من هنا يستحيل المضي قدما بالمجتمع النيبالي تاريخيا فقط عبر الاصلاحات أو تغيير البنية الفوقية فحسب و الابقاء على قاعدة المجتمع القديم بتمامها. لقد بات من الضرورة التاريخية ارساء نوع جديد من نظام الانتاج الرأسمالي الموجه نحو الاشتراكية أو الديمقراطية الجديدة بتحطيم نمط الانتاج القديم شبه الاقطاعي الذى تستعبده الامبريالية و التوسعية. بصيغة أوضح، ان التاريخ يدفعنا الى أن نقول وداعا للطبقات الاقطاعية و الكمبرادورية و البيروقراطية المعيقة لتطوير المجتمع من مجال التاريخ النيبالي و الى أن نسلم مسؤولية تنظيم شكل جديد و أرقى من النظام الاجتماعي (أي العمال و الفلاحين و البرجوازية الصغيرة و البرجوازية الوطنية ). و حرب الشعب هي الوسيلة الحتمية لهذا التغيير الثوري التاريخي للديمقراطية الجديدة. و ترمى حرب الشعب المخاضة فى ظل قيادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و بمساهمة مشتركة من جميع طبقات المجتمع التقدمية، ترمى الى بناء قاعدة ديمقراطية جديدة بعد القضاء على القاعدة شبه الاقطاعية و شبه المستعمرة للمجتمع و فى الأخير ترمي الى نوع مجتمع خال من الطبقات و من الاستغلال. و يمكن تقديم سياسة التطوير الاقتصادي و برنامج و سيرورة مثل هذه الثورة الديمقراطية الجديدة كالتالي :
4.1) سياسة تطوير الاقتصاد:
ستكون سياسة تطوير الاقتصاد الأساسية فى الثورة الديمقراطية الجديدة للنيبال كما يلى:
أ) تغيير ثوري لعلاقات الانتاج :
ستغير السياسة الاقتصادية الأساسية لثورة الديمقراطية الجديدة فى النيبال علاقات الانتاج القديمة من أجل تطوير قوى الانتاج اعطاء نسق أسرع لتطوَر المجتمع عموما. رغم وجود علاقة ترابط بين علاقات الانتاج و قوى الانتاج وأن أي تغيير فى احداهما يؤثر فى الآخر إلاَ أنه فى العلاقات المتخلفة شبه الاقطاعية و شبه المستعمرة ، فى المرحلة الحالية للمجتمع النيبالي، غدت المعرقل الأساسي لتطور شكل جديد و أرقى من نمط انتاج رأسمالي. فى هذا الوضع ، محاولات التشديد على قوى الانتاج فحسب (أو رأس المال و التكنولوجيا و الخارج أيضا!) و المحافظة على علاقات الانتاج القديمة كما هي لن يكون رجعيا تماما فحسب و إنما أيضا ثبت فشله عمليا. و عليه ستكون السياسة الجوهرية للثورة مصادرة وسائل الانتاج التى كانت بأيدى الطبقات الرجعية و بالأساس الأرض التى كانت بأيدي الاقطاعيين و رأس المال الذى كان بايدى الطبقات الرأسمالية الكمبرادورية و البيروقراطية و بالتالي وضعها بأيدي القوى التقدمية ( أي العمال و الفلاحين و البرجوازية الصغيرة و البرجوازية الوطنية ) و تنظيم نمط الانتاج بطريقة جديدة. و فقط بتحرير المبادرات الثورية لغالبية الجماهير الكادحة و التقدمية سيكون من الممكن التغيير الثوري لإقتصاد متخلف مثل الاقتصاد النيبالي . لهذا بالمستطاع القول إن شعار " القيام بالثورة مع دفع الانتاج " الذى رفعه ماو العظيم سيكون صالحا للنيبال أيضا. مع ذلك ، بسبب تخلف الدولة شبه الاقطاعي و المستوى المتدنى جدا لتطور قوى الانتاج فى النيبال ، فإن الشكل الرئيسي لعلاقات الانتاج الجديدة لن يكون الاشتراكية فى بدايته بل سيكون من نوع رأسمالي و فقط بعد المرور بمرحلة انتقالية يتم انجاز التحويل الاشتراكي. فى المرحلة الديمقراطية الجديدة، ستكون الصناعات الثقيلة و الأساسية و الشركات الكبرى ملكية اجتماعية للدولة و ستكون بعض وسائل الانتاج الكبيرة ملكية مشتركة للدولة و الأفراد و ستوجد، فى الفلاحة ، ملكية خاصة للفلاحين و فى الصناعة و التجارة الصغيرتين و المتوسطتين ، ستوجد ملكية الصناعيين و التجار.
ب) التطوير المستقل و التعويل على الذات :
سياسة التطوير الرئيسية الأخرى فى اقتصاد الديمقراطية الجديدة ستكون التطور المستقل و التعويل على الذات متحررا من اضطهاد الامبريالية و التوسعية و استغلالهما. إن تطوَر البلاد غير ممكن دون تحرير ذاتها من قيود الامبريالية و التوسعية لأن سيرورة التخلف فى النيبال تسارعت بعد خنقه بعلاقة غير متكافئة و استغلالية مع الامبريالية العالمية و بصورة خاصة مع التوسعية الهندية و النيبال حاليا واقع فى أحبولة لا مخرج منها هي الديون الخارجية و عجز تجاري لا يحتمل و تبعية و سلب على كافة الأصعدة من قبل الرساميل الأجنبية و الشركات العالمية. و من ثم ، عوض سياسة التطور الحالية المشوهة و التابعة ، سيتم اتباع سياسة موجهة نحو الداخل و معوّلة على الذات بالاعتماد على الموارد الطبيعية و رأس المال و العمل و التكنولوجيا و السوق المحليين. و هذا لا يعنى بالمرة أنه لن توجد روابط إقتصادية مع البلدان الأجنبية أو لن يستعمل العلم و التكنولوجيا العصريين كما يدعى زورا الامبرياليون و عملاؤهم . و ستكرس سياسة صيانة التجارة و العلاقات الأخرى مع الكل على قاعدة المساواة و الفائدة المتبادلتين و الحاجيات الوطنية و استعمال التكنولوجيا المعاصرة الى المدى الممكن. غير أن قابلية النجاح عمليا فى هذه العلاقة سيرتبط بسياسة القوى الأجنبية حيال الدولة الثورية.


ت) التطور المخطط :
السياسة الهامة الأخرى ستكون جعل تطوَر الاقتصاد مخططا عبر التقدير العلمي لموارد البلاد المتوفرة و الممكنة التوفر من جهة ، و الحاجيات المادية و الثقافية للمجتمع من جهة ثانية. حاليا، ما يسيطر هو توجه انتاج سلع و توزيعها بطريقة فوضوية بغرض تحقيق أرباح للحفنة من الرأسماليين الاحتكاريين و من أجل سوق غير محدد تحت سلطة الامبرياليين و التوسعيين بإسم ما يسمى السوق الحر أو من أجل الاستهلاك البارز لطبقة محدودة من المجتمع . لهذا ، من جهة ، ثمة تبذير كبير فى جزء هام من وسائل الانتاج و موارد المجتمع و من جهة أخرى ، غالبية المجتمع محرومة حتى من الحاجيات الأساسية الدنيا. و من هنا ، إنه لصحيح ، بكل مقاييس المنطق الاقتصادي و الفائدة الاجتماعية، تنظيم الاقتصاد عمليا و بطريقة مخططة حسب حاجيات المجتمع ، ضد مثل هكذا نمط من الانتاج الفوضوي المبذر و اللاانساني. مع ذلك ، بينما نتحدث عن التطور المخطط ، لا بد لنا من أن نكف عن توجه ذكر التجارب السلبية للاتحاد السوفياتي السابق (بخاصة بعد 1956) و ذكر رؤية اقتصاد تحت التصرف. هنا التطور المخطط يعنى ايجاد اقتصاد موجه للجماهير حقا و فعالا يعمل تحت قيادة و توجيه ممركزين و مبادرة و إدارة لا مركزية وهو الى حد بعيد ما مورس فى الصين زمن ماو.
ث) التطور المتوازن:
و ستكون سياسية الديمقراطية الجديدة الاقتصادية الهامة الأخرى اقامة تطور متوازن اقتصاديا و جغرافيا بالمحافظة على توازن و تناغم سليمين بين الريف و المدينة ، بين الجبل و تاراي ، بين الفلاحة و الصناعة ، بين الصناعة الخفيفة و الصناعة الثقيلة العصرية الخ. حاليا ، ثمة تفاوت و عدم توازن بين المناطق الاقتصادية و الجغرافية. و التطور المتوازن للبلاد سيتحقق بالقضاء على الاحتكار الاقتصادي ما قبل الرأسمالي و الرأسمالي البيروقراطي و بإعطاء حكم ذاتي قومي و جهوي للقوميات و الجهات المضطهَدة و المناطق الجغرافية و بإتباع استراتيجيا التطور الشامل المخطط. إن الاستراتيجيا الأساسية للتطور المتوازن ستعتمد على اعتبار الصناعة قطاعا قياديا و الفلاحة قاعدة فى تطور الاقتصاد و فى إطار التطور الجهوي ، سيجرى اتباع سياسة " تمدين الريف" و ليس " ترييف المدن".
4.2 ) برنامج تطوير الاقتصاد :
لمعالجة الانحرافات و المشاكل الاقتصادية الخطيرة السائدة فى البلاد ، ستطبق البرامج الاقتصادية بصراحة تامة و كحملة وطنية لصيانة السياسات الأساسية أعلاه أثناء سيرورة الثورة الديمقراطية الجديدة و إتمامها .
أ) الاصلاح الزراعي الثوري :
فى بلاد شبه إقطاعي معتمد على الفلاحة مثل النيبال ، تعنى الثورة الديمقراطية الجديدة فى الأساس الثورة الزراعية. لذا الاصلاح الزراعي الثوري هو أعظم و أهم برنامج إقتصادي للثورة الديمقراطية الجديدة. و الهدف الرئيسي للاصلاح الزراعي سيكون :
1- أقصى الاستعمال للمقدرة الانتاجية لغالبية الفلاحين و التسريع فى تطوير قوى الانتاج الاجتماعية بجعل الفلاحين الذين لا يملكون أرضا أصحاب أرض و بتوفير وسائل الانتاج (الأرض،القرض و هكذا) للفلاحين الفقراء.
2- رفع الانتاج الاجتماعي بالاستعمال الأقصى لوسائل الانتاج المبذرة أو المستعملة بأقل من قدرتها (الأرض ، رأس المال النقدي ،الخ) التى هي بأيدى الاقطاعيين الآن.
3- توفير رأس مال و مواد أولية لتصنيع البلاد برفع الانتاج الفلاحي و بتنويع الفلاحة .
4- ضمان السوق الداخلية المناسبة للصناعة بإغناء الفلاحين الذين يمثلون غالبية سكان البلاد الخ
الاستراتيجيا الرئيسية للاصلاح الزراعي ستكون دفع العلاقات الرأسمالية بالتحطيم التام للعلاقات الاقطاعية و شبه الاقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية السائدة فى الفلاحة. ستكون أولا مرتكزة على سياسة " الأرض لمن يفلحها ". بكلمات أخرى، أرض هؤلاء الاقطاعيين (و كذلك غوتيس) الذين لا يضعون عملهم أو رأسمالهم بالأرض سيتم مصادرتها دون تعويض و توزيعها على الفلاحين الذين لا أرض لهم و الفلاحين الفقراء و سيصبح المزارعون ملاكى الأرض. مع ذلك ، الأرض التى هي على ملكية الفلاحين المتوسطين أو الأغنياء لن تصادر لكن ستحدد و يطبق حد أقصى لملكية الأرض و حق الايجار و نسبة الريع . الى جانب هذا ، ستلغى كل أشكال الديون على كاهل الفلاحين الذين لا أرض لهم و على الفلاحين الفقراء كليا و ستلغى خدمات العمل و أشكال أخرى من الدفعات المفروضة عليهم. و بغاية تعزيز إنتاج الفلاحة و انتاجيتها و لصيانة القطاع الفلاحي المتخلف من منافسة القطاعات الصناعية و التجارية و المالية ، ستحدث ظروف ري مؤسساتية مناسبة و ظروف استثمار عصري (مثلا ،سماد ،بذور ، مبيدات حشرات،آلات...) و قروض و سوق وذلك لصالح المزارعين و بهدف ضمان السعر المناسب للمنتوجات الفلاحية وستطبق السياسة المالية الضرورية على مستوى الدولة .
و ستكون سيرورة تطبيق برنامج الاصلاح الزراعي الأهم و الأكثر عملية و ثورية. و ليس ممكنا تكريس برنامج الاصلاح الزراعي الثوري دون جعل الفلاحين واعين و منظمين اذ أنهم عرضة للاضطهاد و الاستغلال منذ سحيق الزمن و هم متخلفون ثقافيا. لهذا سيتعين الانطلاق فى التعاون من تجمعات الفلاحين المحليين و تعبئة الجماهير الواسعة للفلاحين للاعداد للقياسات المحلية لملكية الأرض و للتحقق من الوضع الطبقي للفلاحين (أي الذين لا أرض لهم ، الفقراء و الفلاحين المتوسطين و الأغنياء و الاقطاعيين ) و دورهم فى القرية و لتحديد المزارعين الحاليين و تطبيق الاصلاحات الزراعية على نطاق القرية. و كذلك ، سيطبق برنامج الاصلاح الزراعي على مراحل ( أي بمعنى كل من الطبقات الاجتماعية و المناطق الجغرافية !) و بإتخاذ الخصوصيات المحلية بعين النظر تماما. فى هذه السيرورة سيمارس أقصى الحذر من أجل تجنب كل من الأخطاء "اليسارية" و" اليمينية ". و سيولى انتباه خاص عند تطبيق برنامج الاصلاح الزراعي لتعبئة 70 بالمائة من الفلاحين الذين لا يملكون أرضا و الفلاحين الفقراء بنشاط الى جانب الاصلاح الزراعي الثوري و يجذب 25 بالمائة من الفلاحين المتوسطين و الأغنياء الى مساندة الاصلاح الزراعي أو يحيّدوا و ينجز برنامج الاصلاح الزراعي حصرا ضد 5 بالمائة من الاقطاعيين و الرأسماليين البيروقراطيين من ال2.8 مليون هكتار من الأرض القابلة للفلاحة المتوفرة فى الوقت الحاضر فى البلاد اذا تمت مصادرة فقط على الأدنى 40 بالمائة من الأرض التى على ملكية ال5بالمائة من الاقطاعيين و الرأسماليين البيروقراطيين و سيغدو فائض الأرض 1.0 مليون هكتار. و اذا وزعت هذه الكمية على 70 بالمائة من الفلاحين الذين لا يملكون أرضا و عائلات الفلاحين الفقراء فستحصل كل عائلة على أكثر من 0.5 هكتار و اذا وزعت على 44 بالمائة من الذين لا أرض لهم و أشباه البروليتاريين ( أي الذين يملكون أقل من 0.5 هكتار فإنهم سيحصلون تقريبا على هكتار لكل واحد). و الآن ، لفقط 0.25 مليون هكتار من الأرض سهولة الري المستمر بينما حسب تقدير التقنيين ،1.4 مليون هكتار من الأرض بالامكان ريّها. اذا عبأ الكم الهائل من فائض العمل المتوفر لجلب سهولة الري ل1.15 مليون هكتار أرض إضافية ، فإن حتى ضمن حدود المستوى التقني الحالي للانتاج يمكن للانتاج الفلاحي أن يتطور لعديد أضعافه. و من هنا لا شك أن تحولا مثيرا فى قطاع الفلاحة و فى الاقتصاد إجمالا لا يمكن أن يحدث إلاّ عبر الاصلاح الزراعي الثوري فى البلاد.
ب) التصنيع الوطني :
فى الثورة الديمقراطية الجديدة ، البرنامج الاقتصادي الهام الآخر يتصل بتصنيع البلاد بنسق سريع وجعل الصناعة القطاع القيادي للاقتصاد . و الأهداف الرئيسية للتصنيع ستكون :
1- رفع الانتاج و الانتاجية الاجتماعيين العامين للعمل و للاقتصاد كافة عبر تحويل فائض العمل العالق فى القطاع الفلاحي شبه الاقطاعي المتخلف الى استعمال منتج .
2- فسح المجال أمام تطور نمط انتاج أرقى (أي نمط انتاج رأسمالي و اشتراكي ) فى الفلاحة و فى النهاية فى كافة الاقتصاد بإنتاج السلع الرأسمالية الضرورية للقطاع الفلاحي و بتقديم أسواق لمنتوجات فلاحية و توفير تشغيل منتج لفائض العمل فى القطاع الفلاحي
3- الحيلولة دون هروب رأس المال خارج البلاد و إنهاء التبعية لإنتاج السلع الرأسمالية الضرورية و السلع الأساسية و السلع الوسطية و السلع الاستهلاكية.
4- تشجيع التصدير بإنتاج السلع ذات الأفضلية مقارنة بغيرها فى التقسيم العالمي للعمل .
5- الاستجابة للحاجيات العليا المادية و الثقافية للمجتمع إلخ.
إن التنسيق بين الرأسمال و العمل و السوق الأساسية للتصنيع الوطني سيتم أولا من خلال سيرورة التحويل الثوري للمجتمع القائم. و من أجل المراكمة البدائية لرأس المال ، رأس المال الناجم عن القطاع الفلاحي و الموضوع عبثا بين أيدى الاقطاعيين أو الذى يبذر فى الاستهلاك الترفي أو فى الدوران لأهداف ريعية و رأس المال بأيدي الرأسماليين الكبار الكمبرادوريين و البيروقراطيين ، سيتمتع بصورة كبيرة ، الصناعيون الصغار و الوطنيون و التجار الصغار و المتوسطون و رأس المال البرجوازي الوطني، وهم محدودي العدد، بالصيانة و التشجيع و ستشجع أقصى المراكمة الرأسمالية فى القطاع الفلاحي و استثمارها فى الصناعة. و فى النهاية ، سيكون قطاع الفلاحة المصدر الأساسي لرأس المال للتصنيع. و سيشدد على تصنيع العمل المكثف بما أنه سيوجد رأس مال قليل و فائض عمل داخل البلاد لزمن طويل آت. و سيولى انتباه لتطوير و استعمال التكنولوجيا المحلية. و سيشدد على ملاءمة القدرة العظيمة للطاقة المائية للبلاد من خلال مشاريع كهرمائية صغيرة للتزويد بالطاقة الصناعية الضرورية و لضمان التعويل على الذات و التطور المتصل الحالي دون تلويث. و منذ البداية، ستولى عناية مناسبة لمستوى التربية التقنية الأساسي و لمتوسط إنتاج العمل الماهر و قدرة الانسان التقنية التى ستكون الحاجة اليها متزايدة معا مع سيرورة التصنيع. أما بخصوص سوق المواد الأولية و المنتوجات الكاملة التصنيع ، فإن سياسة أولية للتعويل على السوق الداخلية ستشجع من جهة ، و سيضمن التزويد بالمواد الأولية بالتشجيع على انتاج الأعشاب الطبية و تربية الحيوانات و البستنة و الانتاج الزراعي للبيع و تحويل المعادن الخ ، مستفيدين تماما من التنوع الجغرافي و من جهة أخرى ، سيخلق السوق الضروري للمنتوجات الصناعية بالقضاء على التفاوت الاجتماعي و الاقتصادي الموجود و تنمية القدرة الشرائية لعموم الجماهير. هكذا سيسرع فى خلق سوق كبير للوسائل المعيشية ووسائل الانتاج للجماهير العامة عوض السوق الضيق الحالي لسلع الترف الموجهة فقط للطبقة العليا المحدودة العدد مما سيسرع سيرورة التصنيع. و كذلك ، ستتخذ اجراءات خاصة مثل الغاء المعاهدات غير المتكافئة و مراقبة الحدود المفتوحة و ستتخذ الدولة سياسات مالية للتعريفات الجمركية حماية للصناعات الوطنية ضد التدخل الامبريالي العالمى و لا سيما التوسعية الهندية و هيمنتها.
و من البديهي أن تلعب الدولة دورا خاصا فى سيرورة تصنيع النيبال بسبب ظروف البلاد شبه الاقطاعية و شبه المستعمرة و نظرا للتخلف الفاحش لوضع قوى الانتاج. و بالرغم من ذلك سيكون طابع التصنيع فى مرحلة الديمقراطية الجديدة رأسماليا أكثر منه اشتراكيا. و الدولة ستقود و ترشد التصنيع الشامل عن طريق ملكية الصناعات الأساسية و المؤسسات المالية و عبر التخطيط المركزي و السياسات الجبائية /المالية. و من جهة أخرى، ستوجد ملكية خاصة و مبادرة خاصة فى صناعات معاصرة أخرى، صناعات صغيرة و محلية و تجارة صغيرة و متوسطة. و هكذا فقط بالتحرر من الاضطهاد الامبريالي التوسعي فى ظل قيادة و ارشاد دولة تقدمية سيمكن احداث تطوير الرأسمالية الصناعية فى النيبال و القاعدة بالامكان اعدادها لبناء مستوى اجتماعي أرقي.
ث) التوازن الجهوي و التطور المندمج :
و تتمثل سياسة الثورة الديمقراطية الجديدة و برنامجها و تطويرها الهامين الأخريين فى تنسيق التطور الاقتصادي و التطور الجهوي منذ البدايات الأولى و ضمان التطور المتوازن و المندمج عبر البلاد. و عناصر هذه الاستراتيجيا الرئيسية هي :
1- التسريع فى نسق التطور الاجتماعي بالقيام بالاستعمال الأقصى للامكانيات الانتاجية لمختلف المناطق الجغرافية.
2- جعل الاقتصاد معوّلا على الذات و حمايته من خطر التدخل و الاضطهاد الخارجيين عبر لا مركزة اقتصاديا و جهويا.
3- توجيه المجتمع نحو مرحلة أكثر تقدما و ديمقراطية بضبط الاستقطاب الاجتماعي و الجهوي .
4- ضمان تطور متصل عبر تكافل القطاعات الاجتماعية المختلفة و الجهات الجغرافية الخ. فمن أجل تطور جهوي متوازن و متكافل ، ستكرس مثل هذه البرامج : التحكم فى الاستقطاب بين الريف و المدينة و تطوير العلاقات التفاعلية بين المناطق الجبلية و منطقة تاراي بالتيقن من تقسيم العمل بينها و تركيز مناطق انتاج معتمدة على تطور مندمج للصناعة الثقيلة و الخفيفة و الفلاحة و تعزيز الاستقلال الوطني فى المناطق حيث تهيمن القوميات المضطهَدة و تطبيق الحكم الذاتي الجهوي و الحكم الذاتي المحلى فى المناطق المضطهَدة و البعيدة ، وما الى ذلك. فى الأنظمة الاجتماعية القديمة و بخاصة بسبب مركزة الخدمات الأساسية الاقتصادية و الاجتماعية و المادية و البنية الأساسية ، فقط فى بضعة مراكز مدينية و ضمن سكان لا رقابة عليهم ، يحدث تمركز فى مدن كبرى مما يفرز " ترييف المدن". ضد هذا ، ستتوفر فى النظام الديمقراطي الجديد ،الخدمات الاقتصادية و الاجتماعية و المادية فى المناطق الريفية و ستتبع سياسة " تمدين الريف ". و هذه السياسات و البرامج ستكرس عبر تطوير مندمج و اجراءات ضرورية اقتصادية و سواها.
4.3 ) سيرورة التحويل الثوري :
تحويل نظام اجتماعي الى آخر أو انكار [نفي] الجديد للقديم يحدث على الدوام بالقوة و بقفزة ثورية و حرب الشعب هي وسيلة انكار القديم بقوة الجديد و قفزة جديدة باتجاه نظام (اجتماعي ) جديد و أرقى. و ستوجد خصوصيتان اثنتان هامتان لسيرورة التحويل الديمقراطي الجديد عبر حرب الشعب طويلة الأمد فى النيبال.
أ) السيرورة الجدلية للتحطيم و البناء :
لأن المجتمع النيبالي الحالي فى مرحلة شبه اقطاعية شبه مستعمرة و فيه يسود تطور غير متكافئ و مستوى متدن من التطور المادي و الثقافي ، من الضروري تحطيم نمط الانتاج القديم شيئا فشيئا ابتداءا من الناحية الأضعف و تعويضه بنمط انتاج جديد من الأصل، من المكان نفسه (أي استراتيجيا حرب الشعب طويلة الأمد). بكلمات أدق ، بما أن التناقض الأحد فى المناطق الريفية ، سيشرع فى سيرورة تحطيم الهيكلة القديمة و ايجاد هيكلة جديدة انطلاقا من تلك المناطق الريفية ، مع تطور حرب الشعب فى النيبال ،ستنجز سيرورة تحطيم علاقات الانتاج القديمة و ايجاد علاقات جديدة بصورة متلازمة ومن الأسفل. و طبقا لذلك، ستحطم العلاقات شبه الاقطاعية القائمة فى المناطق الريفية و تكرس عوضا عنها سياسة الاصلاح الزراعي الثوري و التصنيع و التطور المتوازن على قاعدة ديمقراطية جديدة .مع ذلك ، دون تعزيز سلطة الدولة الجديدة لن يكون ممكنا تطبيق البناء الاقتصادي و حتى إن طبق ، لن يكون من الممكن الحفاظ عليه. لهذا ستنطلق سياسة تنظيم نظام الانتاج الديمقراطي الجديد من الأسفل مع مرحلة تطوير سلطة الدولة الجديدة و لن تطبق كليا إلا بعد افتكاك سلطة الدولة عبر البلاد[كافة].
ب) الرأسمالية الانتقالية و الثورة الدائمة :
إن نظام الديمقراطية الجديدة فى الأساس نظام رأسمالي بيد أنه ، فى المرحلة الحالية للامبريالية و فى وضع تخلف شديد لقوى الانتاج فى النيبال ، يستحيل تطوير نظام رأسمالي على الشاكلة القديمة و جعله مستقرا و ليس ممكنا بصورة خاصة لمالكي القطع الصغيرة من الأرض و رأس المال الصغير أن ينميا الانتاجية بالعمل فرديا وبحماية أنفسهم من هجمات احتكارات رأس المال الكبير. من ثم فقط عبر التعاون التدريجي الفلاحي و عبر صيانة الدولة للصناعة أو المضي بصورة منظمة قدما على طريق المشركة ، فقط هكذا ، بإمكان المنتجين الصغار الكثيفي العدد أن يحافظوا على وجودهم و أن ينموا إنتاجيتهم . بهذا المعنى ، نظام الديمقراطية الجديدة نظام رأسمالي انتقالي و تناقضاته ينبغى معالجتها عبر شكل أرقى من النظام الاشتراكي. و لذلك لن تكون ممكنة معالجة المشاكل و التناقضات الجديدة التى تظهر فى المجتمع على مستوى أرقى إلآ عبر سيرورة الثورة الدائمة . و سيرورة حرب الشعب فى النيبال حلقة من سلسلة مثل هذه الثورة الدائمة لحل مشاكل المجتمع. و الهدف الرئيسي و الأساسي لحرب الشعب فى النيبال هو بالتالي تطوير قوى الانتاج الاجتماعية و بلوغ شكل أرقى من المجتمع من خلال ثورة دائمة فى القاعدة و البناء الفوقي أو بوضع " السياسة موضع القيادة ".
==================================================================
سنتان مهمّتان من التحويل الثوري.
(براشندا / ماي 1998 – "العامل" عدد4)
1- مقدّمة : أنهت سيرورة التحويل الثوري للمجتمع النيبالي الحالي شبه الإقطاعي و شبه المستعمر عبر حرب الشعب سنتين من عمرها. فى هذه الفترة ، طبّق الحزب بنجاح مخطّطين إستراتيجيين لبداية حرب الشعب و مواصلتها و راهنا يُطبّق المخطّط الإستراتيجي الثالث. الآن ، تركّزت حرب الشعب كخيار ثوريّ وحيد فى النيبال مكسّرة الدوائر المتعدّدة لقمع الثوريين و معارضة التحريفيين. فى سيرورة تحطيم السلطة القديمة و بناء السلطة الجديدة ، توصلت حرب الشعب فى الوقت الحالي إلى مرحلة الممارسة المحلّية للسلطة الديمقراطية. و بخلق تأثير و نقاشات حادّة فى كلّ مظهر من مظاهر الحياة الوطنية و من الناحية العسكرية ، توصّلت حرب الشعب إلى مرحلة تطوير مناطق أنصارية. وبوضعها أسس هيكلة دولة جديدة فى شكل جبهة ثورية موحّدة لجماهير من طبقات مختلفة و قوميات و مناطق مضطهَدة لقرون ، تبيّن حرب الشعب ، فى سيرورة تطوّرها، طريق محافظتها على ذاتها و تطوّرها و إنتصارها. عوضا عن ثقافة الدولة القديمة الفوضوية الفاسدة و الدنيئة و الإحتيالية و الذاتية إلى أقصى حدّ ، طوّرت حرب الشعب ثقافة جديدة جماعية و شامخة تعتمد على التضحية و الإلتزام الإيديولوجي والتضحية بالذات. و فوق كلّ شيء ، لعبت حرب الشعب وسط سيرورة قمع شديد و مقاومة السنتين الأخيرتين ، دورا متميّزا فى التحويل الثوريّ.
إلى الآن ، ضحّى 90 من أفضل أبناء و بنات الشعب بحياتهم لكتابة هذه البطولة التاريخية. ويتحدّى آلاف المقاتلين الثوريين ببسالة السجن و الإضطهاد و التعذيب الفظيع من النظام الرجعي.و يغذّى مئات الآلاف من الناس هذه السيرورة التاريخية بأمثلة لا تحصى من التضحية و الإخلاص و التضحية بالذات.
لم يكن طريق تطوّر الثورة و إنتصارها أبدا فى خطّ مستقيم و يسير و لا كان هادئا فى أيّ مكان . إنّ القانون الجدلي للتطوّر يقول لنا إنّ الثورة تتقدّم فى كلّ الأماكن و فى كلّ لحظة ، فى خضمّ معارضة و ثورة مضادة شديدتين و عبر إرتفاعات و إنخفاضات و خسائر و إنتصارات. و تجربة السنتين الأخيرتين من حرب الشعب ليست إستثناءا. و حالياّ، بمناسبة مضيّ سنتين مجيدتين و الدخول فى السنة الثالثة من تحدّيات حرب الشعب ، من المهمّ تلخيص مكاسبنا.
2- سنتان من حرب الشعب ووضع الدولة الرجعية :
فى مرحلة البداية من تاريخ حرب الشعب ، إستخفّت الطبقة الرجعية المهيمنة النيبالية و أيضا الطبقات الرجعية فى العالم ، بالدور الكبير للشعب. و نظرا لموقعهم الطبقي ، غالبا ما يتجه الرجعيون فى كافة أنحاء العالم إلى إحتقار القوى الشعبية و إلى إرهابها. من وجهة نظرها "قالت" الطبقات المهيمنة الرجعية إنّها ستحطّم القوى الشعبية فى شهر و نصف الشهر أو فى شهرين و لجأت إلى إرهاب الدولة بإيقافات واسعة النطاق و بالتعذيب و النهب و القتل الجماعي. وواصلت الجماهير و الحزب و المقاتلون الثوريون المقاومة و قدّموا أمثلة تاريخية فى الإخلاص و التضحية.
ماذا كانت النتيجة ؟ كانت النتيجة كما يحدث مع الحركات الثورية الحقيقية فى كلّ العالم تتطابق و القراءة الإيديولوجية الماركسية-اللينينية-الماوية التى لا تهزم.
لقد إعتقد الحكّام الرجعيون أنّهم سيقدرون على إخماد نار حرب الشعب بسهولة ملتجئين إلى القتل الجماعي و القمع و الإرهاب بيد أنّه مثلما بيّن العلم و بيّنت التجربة التاريخية ، قتل الجماهير لا يخمد نار الثورة و إنّما يسعر لهيبها. و الإرهاب الذى إندفعت فيه الدولة نزع القناع عن ما يسمّى بديمقراطية الدولة الرجعية و دستورها و حقوق الإنسان فيه و ساعد الجماهير على التعرّف على طبيعتها الفاشية. لم تكشف الحملة القمعية الفاشية طوال السنة أزمة الدولة فقط و إنّما كذلك عمّقتها حتى أكثر. بعد عام من القمع إنتبه العدوّ إلى أنّ هناك حتى موجة أكبر من التعاطف مع حرب الشعب و التعاون معها. فالآلاف يعوّضون المئات و يعوّض مئات الآلف الآلاف! يعلمون أنّه لن يكون من اليسير القضاء على حرب الشعب بما أنّها جوهريا نوع جديد من الحرب.
إلى جانب تفاقم أزمة الدولة المتعفّنة للطبقة الرجعية ، فإنّ هذه السيرورة الكبرى لحرب الشعب قد جعلت التناقضات بين كتلها السياسية المختلفة تحتدّ. لقد إحتدّت المناورات من أجل السلطة بين عديد الزمر البرلمانية التى تطبّق أوامر مختلف النهّابة الإمبرياليين و التوسعيين. و فى إطار هذه الأزمة و بالضبط إثر الإحتفال بالسنة الأولى المجيدة و بداية السنة الثانية من حرب الشعب ، تشكّل تحالف جديد ضمن الدولة الرجعية يتّسم بالفساد و الإنحطاط و النفاق و الخنوع. و الحكومة الجديدة –بمشاركة الزمرة المرتدّة للحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الم-الل) تحت قيادة جزّارى بنشيّتى- أضحوكة حتى بالنسبة للمكاسب المحدودة للحركة التاريخية للشعب سنة 1990. و سلكت الحكومة إستراتيجيا جديدة من القمع الممزوج بالمؤامرات الدبلوماسية ضد حرب الشعب. بهذه الإستراتيجيا ، إعتقدت فى البداية ، بأنّ حرب الشعب كانت "مشكلا سياسيا" و أنّه يمكن حلّه عبر "الحوار". مع ذلك ، فى الواقع قامت بإعدادات لتشديد القمع حتى أكثر فشكّلت عدّة لجان و بالخصوص لجنة إستخبارات. وقد كشفت الجماهير مؤامرة عامة للحكومة الجديدة حين طلبت هذه الأخيرة إستصدار مشروع قانون ضد الإرهاب و قامت بتعبئة قواها المسلّحة ضد الشعب و إن لم يوجد تغيّر فى الوضع الموضوعي.
على أساس تعاليم الماركسية-اللينينية-الماوية والمبدأ الشامل لتطوّر الحرب الثورية و خصوصيات تطوّر حرب الشعب فى النيبال، تنبّأ الحزب بعدُ بإمكانية أن يعبّئ العدوّ جيشه ضد حرب الشعب. و للتصدّى لذلك ، أعدّ الحزب كلّ مناضليه و مقاتليه و إلى حدّ ما الجماهير مسلّحا إياهم بجملة من الإستراتيجيات و التكتيكات السياسية و العسكرية. و بما أن الحزب كان يعتبر أنّ تعبئة الجيش ضد حرب الشعب علامة على تقدّم حرب الشعب ، من الناحية العسكرية، إستعدّ لفرص أعظم و تحدّيات أكبر.
و شنّت الجماهير العريضة حملة وطنية من الإحتجاج على قرار الحكومة الرجعية إقتراح ما يسمّى مشروع قانون ضد الإرهاب و تعبئة الجيش ضد حرب الشعب و هكذا تمكّنت من وضع المشروع فى الأرشيف، فى الوقت الحاضر. وفى شهر و نصف الشهر فحسب ، كُشفت الطبيعة الفاشية للحكومة الجديدة. و أهمّ حتى، لأوّل مرّة إستطاعت الجماهير الشعبية العريضة أن تحدّد و تفهم الطبيعة الرجعية للزمرة المرتدّة التحريفية –الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الم-الل).أمام غضب الشعب ،كان على الحكومة أن تتراجع. و إستخلصت الجماهير بصفة صحيحة أنّ ذلك و لدرجة معينة مثّل إنتصارا لمبادرتنا.
و قد بثّت فيهم هذه الأحداث الذعر، شرع الإقطاعيون و الإمبرياليون فى البحث عن شكل آخر للمحافظة على دولتهم. فى هذا الإطار بدأوا السيرورة المقيتة جدّا من شراء و بيع التقدّميين رئيسيا و سجنهم و إختطافهم بتدخّل التوسعيين الهنديين و على مذبح مصالحهم ! و ظهر نفاق ديمقراطيتهم البرلمانية إلى السطح حتى أكثر. و مرّة أخرى ، شُوهد أنّ البرلمان و البرلمانيون ليسوا أكثر من حظيرة خدم الإمبريالية و الإقطاعية.
فى النهاية ، تشكّلت حكومة تحالف بين الفاشيين القدامي البانشاس و حزب المؤتمر و هم خونة مشهورين و قتلة جماهير و عملاء التوسعيين الهنديين. فى بيانها العلني الأوّل ، أعلنت هذه الحكومة الجديدة المكروهة و المنبوذة للغاية من قبل الناس ، أعلنت سياستها فى إيقاف حرب الشعب و صرّحت أنّها "ستقضى" على حرب الشعب فى غضون أشهر ثلاثة. و تعمل الحكومة الجديدة وفق إستراتيجيا سياسة تستخدم الدوريات بقيادة نفس الأشخاص تحت إسم لجان الدفاع الشعبية لإغتيال الكوادر الثورية فى هجمات مباغتة و بثّ الدعاية المغرضة و السوداء ضد قيادة حرب الشعب و تعبئة فيالق شرطة و جيش كبيرة جدّا فى حملة وطنية من القمع غير المعلن و الإيقافات و التعذيب و القيام بهجمات مسلّحة ضد النشاطات السلمية لمختلف التنظيمات الجماهيرية. و هكذا ، إلى جانفي 1998، قد قتلت هذه الحكومة المتكوّنة من عملاء موالين للهند 9 مقاتلين ثوريين و من ضمنهم الرفاق دهنراج بون و سوك بهادور روكا و برام بهادور روكا و بهيم براسات أوهارتى من منطقة رولبا و الرفيقة كامالا بهات من منطقة خوركها و الرفيق بادام بهادور روياكا من منطقة خاخار كوت.
و مع ذلك، فالمظهر الأهمّ هو الموجة الجديدة من المساندة التى لم يشهد لها مثيل لحرب الشعب و التى تتصاعد فى إطار تلك النشاطات و التصريحات الحكومية. يتقدّم آلاف الفلاحين و النساء و الطلبة و المثقّفين بسرعة كبيرة فى سيرورة النضال القتالي. و العمليات العسكرية لأنصارييى الشعب لم تتوسّع فقط على نحو كبير بل وصلت أبعادا جديدة. هذا ما أكّده النجاح الحديث للأشكال الأرقى من العمليّات الأنصارية المنجزة فى روكوم و دهادينغ، ضمن مناطق أخرى.
وسط كره و غضب و مقاومة شعبيين تحدث دراما أخرى هي تشكّل تحالف جديد ضمن الدولة الرجعية. فى شكل حوار لا معنى له حول إجراء إنتخابات فى نصف المدّة النيابية أو القيام بدورة إستثنائية للبرلمان، كما تدور صراعات من أجل السلطة بين القصر الملكي و الولايات المتحدة و الهند.
على مذابح هيمنتهم الخاصة و نهبهم البحت ، يخترق توسعيو الهند و الإمبريالية الأمريكية بصفة مفضوحة المجموعات الرجعية ، مثل القصر الملكي و حزب "المؤتمر النيبالي" و الح الش الن الموحدّ (الم -الل) و حزب رسترايا برانا تنترا. و حاليا، الأمر واضح وضوح الشمس فى كبد السماء أنّ تناقضات و صراعات بين مختلف الزمر الرجعية هي جوهريا إنعكاس للصراعات من أجل السلطة بين الكتل الإمبريالية و التوسعية.
فى هذا النزاع بين حرب الشعب و الدولة الرجعية، يبرز أن هذه الأخيرة تتداعى نحو موتها و انّ السيرورة العظيمة لحرب الشعب تتجه نحو الإنتصار. و الدولة الرجعية الحالية تقف وراء إفلاس البلاد و الشعب و تتسبّب فيه و تمثّل حرب الشعب راية الإنقاذ و تحرير البلاد و الشعب. و اليوم ، يتآمر الإقطاعيون و التوسعيون و الإمبرياليون عبر عملاءهم النيباليين و الحزب الش الن الموحد (الم –الل) و القصر الملكي و حزب رستريا ليندفعوا فى قمع أشدّ ضد الجماهير و حرب الشعب. ليس من الممكن تحقيق إنتصار سهل فى حرب الشعب . و لتحقيقه ، لا بدّ من مشاركة أكبر للجماهير ووحدة أكبر لها. أمام حرب الشعب إمكانيات عظيمة للتقدّم و فى نفس الوقت أمامها تحدّيات كبرى.
إلى الآن ، تبنت الطبقة الرجعية إستراتيجيا الحملات السياسية من التشويه الإعلامي و حملات عسكرية من المحاصرة و السحق ضد حرب الشعب. و لأجل صدّ هذه الحملات ، تتبع حرب الشعب على المستوى السياسي إستراتيجيا " تكذيب الشائعات " ، و على المستوى العسكري إستراتيجيا "كسر الحصار و مقاومته".
يجب ألاّ نظنّ أنّ إخفاقات مختلف المجموعات السياسية الرجعية إخفاقات للدولة الرجعية عموما. إن لزم الأمر ، يمكن للدولة الرجعية أن تتخلّص من المجموعات السياسية الحالية حتى تمارس الطغيان الأقصى اللازم ضد الشعب. فحسب بالإستعداد لمواجهة الدولة الأكثر دموية ، من الممكن أن يضطلع الثوريون بدورهم التاريخي . و الرئيسي هو الجرأة على الإنتصار متحدّين الموت، على قاعدة المبادئ الثورية للماركسية-اللينينية-الماوية و الإلتزام تجاه الشعب. و مهما كان الطريق صعبا و شاقا فإنّ تحطيم الدولة الرجعية و إنتصار الشعب سيتحقّق فى الواقع.
3- دور حرب الشعب فى تطوير أدوات الثورة الثلاث:
أ – الحزب :
لقد لخّص الرفيق ماو أنّ الثلاث أدوات السحرية للثورة الديمقراطية الجديدة هي الحزب و الجبهة الموحّدة الثورية و الجيش الشعبي. و لو أنّ النظرية شاملة ، فإنّ التطوّر الخاص لهذه الأدوات الثلاث مرتبط بخصوصيات التطوّر التاريخي لكلّ بلد. هنا لا يمكن قبول فكر ميكانيكي متهاون . و من المعلوم جيّدا أنّ من الأدوات الثلاث ، الحزب هو الأداة الرئيسية التى تقود الإثنتين الأخريين. لقد لعبت حرب الشعب التى ما فتأت تتقدّم منذ سنتين دورا تاريخيا فى تطوير و تحويل الحزب. فى بلد شبه إقطاعي و شبه مستعمر مثل بلدنا و فى عصر الإمبريالية و الثورة البروليتارية سيرورة إطالة حرب الشعب هي أيضا سيرورة التحويل الثوري للحزب. إنّنا نميّز تجاربنا الخاصّة ، مقارنة مع عقد من الحديث و الخطب المثالية إذ ساهمت تجربة سنتين من حرب الشعب بصفة عظيمة فى التحويل الثوري للحزب.
لقد ساهمت حرب الشعب بدرجة كبيرة فى تحوبل الحزب و تطويره و من ذلك تعزيز وحدة الأذهان و القلوب فى صفوف الحزب و رفع وعي الحزب و مستواه الإيديولوجي و السياسي إلى مستوى أرقى مطوّرة الميزات الخاصّة بالثورة النيبالية و قيادة كلّ الحزب نحو تطوير ثقافة بروليتارية ثورية من تفان و إخلاص و تضحية لازمة لقيادة ثورة الشعب و تعميق الوعي بشأن العلاقة الجدلية و المعالجة الصحيحة للصراع الطبقي و الصراع الداخلي و تعزيز و توسيع العلاقات بين الجماهير و الطبقات و الحزب و القيادات نوعيا ورفع دور الحزب و مسؤوليته و الإعتراف به فى البلاد و فى العالم.
لقد كان من شأن مقاومة الدولة الرجعية و القمع الفاشي و الهجمات الخسيسة للتحريفيين القدامي و الجدد ، أن سرّعت فى التحويل الثوري للحزب. و من جديد يتأكّد أنّ تطوّر الحزب كممثّل ثوري للطبقة البروليتارية يتمّ فى خضمّ سيرورة حادة من الصراع الطبقي و الصراع الإيديولوجي.
مرتكزا على خلاصة تجربة حرب الشعب و نجاحاتها و حدودها ، يبذل الحزب جهده كيما تكون دروس الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى نقطة إنطلاقه للحيلولة دون أن يُغيّر الحزب لونه و كيما يثوّر نفسه و ينضج أكثر أمام النشاطات القمعية و الإنشقاقية و التآمرية للرجعيين و الإنتهازيين. من أجل التحويل المستمرّ للحزب إلى قيادة للثورة و من أجل الدفاع عنه كجسد و إيديولوجيا و لأجل توسيع علاقته بالجماهير و توطيدها ، لا وجود لأية وسيلة علمية أخرى فى عالم اليوم سوى تعاليم الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. الحزب وحدة أضداد و طالما سيوجد الحزب ستوجد كذلك وحدة و صراع أضداد. و بقدر ما يتطوّر الصراع الطبقي و يتعقّد أكثر ، بقدر ما سيتطوّر الحزب أكثر و سينمو أكثر تعقّده. فى هذا الإطار ، سيكون من اللازم ممارسة واسعة مستمرّة للديمقراطية الواسعة فى صفوف الحزب و خارجه للمحافظة على نوعيته الثورية و للإطاحة بشتّى تمظهرات التحريفية و الإنتهازية. لذلك، يمكن للحزب أن يدرك بجلاء من خلال تجارب سنتين من حرب الشعب ، أنّه إن لم يتبع نظام تكوين عدد لا يحصى من مواصلى المسيرة الثوريين من الكوادر القاعدية و من الجماهير ، سيكون من غير الممكن الإطاحة بالإقطاعية و بالإمبريالية و بالتحريفية. مكسب هام هو أنّه جرى الإعتراف بضرورة تطوير وعي الكوادر و الجماهير و مبادرتها ل" إطلاق النارعلى القيادة العامة " للإنتهازية و كذلك للإضطلاع بدور قيادة الثورة الكبرى للشعب ضد إستغلال و إضطهاد الإقطاعية و الإمبريالية و خيانة التحريفية.
ب- الجبهة الثورية المتحدة :
وفق النظرية الثورية ، نجاح الثورة الديمقراطية غير ممكن دون الجبهة الثورية المتحدة العريضة لطبقات و قطاعات و شرائح عريضة من الشعب مناهضة للإقطاعية و الإمبريالية بقيادة البروليتاريا . و أيضا ، من الواضح أنّ أساس هذا النوع من الجبهة المتحدة سيكون و يجب أن يكون الوحدة بين العمّال و الفلاحين.
هذا من ناحية و من ناحية أخرى، ستتنوّع سيرورة البداية فى الجبهة الثورية المتحدة و تطوّرها حسب ظروف مختلف البلدان. فى النيبال ، أكبر تمظهر للإنتهازية كان بصدد مسألة الجبهة المتحدة. رغم أنّه على المستوى النظري ، كان حزبنا يصيغ منذ بعض الزمن ، خطّا ثوريا حول المسألة ، فإنّه لم يتوصّل إلى وضعه موضع الممارسة و لم يكن من الممكن أيضا القيام بذلك دون الإنطلاق فى حرب الشعب. و الآن تبيّن تجارب حرب الشعب إطارا واضحا للمظاهر التكتيكية و الإستراتيجية للجبهة الثورية المتحدة . و إعتبارا للخصوصيات التاريخية للنيبال و لتجارب السنتين من حرب الشعب ، ستكون الجبهة المتحدة الموسّعة للطبقات و الجماهير المضطهَدة و القوميات المضطهَدة و سكاّن المناطق المضطهَدة تعبيرا ملموسا عن جبهتنا الثورية المتحدة. ولهذا الإستنتاج أهمّية تاريخية عظيمة.
هذا سيسحق "الوحدة" الحالية التى تفرضها سلطة الدولة الإقطاعية الموالية للهند و المعتمدة على عدم المساواة و إضطهاد الطبقات و القوميات و المناطق و سيفتح المجال لبناء وحدة جديدة مرتكزة على قيم الديمقراطية. لحرب الشعب الآن تأثير كبير على الطبقات و الجماهير المضطهَدة من العمال و الفلاحين و النساء إلخ ، ضمن مختلف القوميات المضطهَدة و الكاست و الداليت و ضمن سكّان المناطق المضطهَدة فى الغرب البعيد و فى تيراي.
بالنسبة للحزب ، من الضرورة التاريخية أن يعير أقصى الإهتمام للنضال ضد إضطهاد القوميات و المناطق كجزء ديمقراطي لا يتجزّأ من الصراع الطبقي و من الثورة الديمقراطية .إلى أن تتمّ إعادة دمج الحقوق السياسية و الإقتصادية و الدينية و اللغوية و الثقافية لمختلف القوميات ( الحقوق التى إغتصبت فى مسار تشكيل الدولة الإقطاعية الممركزة) و إلى أن تُضمن مشاركتها التامة فى الدولة الديمقراطية الجديدة و إلى أن تخلق قوّة وحدة وطنية كبرى مؤسسة على الديمقراطية سيكون من المستحيل تقطيع أوصال الإمبريالية و الإقطاعية.
للتوصّل إلى هذه الوحدة الوطنية الكبرى ، الموقف البروليتاري الوحيد الصحيح هو الإعتراف بحقّ القوميات المضطهَدة فى تقرير المصير، بما فى ذلك حقّ الإنفصال السياسي. لذلك أقرّ حزبنا بصرامة بحق تقرير المصير لمختلف القوميات المضطهَدة بغاية ضمان مشاركتها كجزء ضروري من الجبهة الثورية المتحدة و بالتالى ما إنفكّ الحزب يتخذ مبادرات لوضع الحكم الذاتي موضع الممارسة لدى القوميات كبرنامج ملموس فى الوقت الحاضر.
فى المرحلة الراهنة من تطوّر حرب الشعب ، يعمل الحزب فى المناطق أين تُبنى الدولة الديمقراطية على تطبيق مفهوم الجبهة المتحدة و على المستوى المركزى فى سبيل بناء الجبهة المتحدة كأداة نضال ضد إضطهاد الطبقات و المناطق و القوميات. و بهدف ضمان إنتصار الثورة ، من المهمّ نشر مفهوم الحزب للجبهة المتحدة فى صفوف العمّال و الفلاحين و القوميات و الكاست المضطهَدة و سكاّن المناطق المضطهَدة و إيجاد شكل تنظيمي له فى أقرب وقت ممكن و على أفضل وجه ممكن.و فى المجال الإيديولوجي ، لا بدّ من خوض نضال حتّى أكثر صرامة ضد تحريفييى اليمين الذين يعقدون تحالفات إنتهازية بإسم الجبهة الموحّدة.
ج- الجيش الشعبي :
إنّ حرب الشعب التى تتقدّم رافعة شعارات ماركسية-لينينية-ماوية مثل "بدون جيش شعبي لن يكون هناك شيء للشعب" و "الأداة الرئيسية للدولة هي الجيش" و "فى الثورة الديمقراطية الجديدة، الشكل الرئيسي للتنظيم هو الجيش و الشكل الرئيسي للنضال هو الحرب" إلخ ، تنهض بدور هام فى تشكيل الجيش الشعبي. تتحوّل الآن الجماهير بصفة منهجية من جماهير عزلاء من السلاح إلى جماهير مسلّحة مرتكزة على المبدأ الثوري القاضي بتعلّم القتال أثناء الحرب ذاتها. و بتطبيق إستراتيجيا و تكتيك الحرب الشاملة فى إطار وضع غير متكافئ للغاية بين القوى العسكرية للعدوّ من جهة و الشعب من جهة أخرى ، ما فتأت حرب الشعب تدفع سيرورة بناء جيش وفق خصوصيات البلاد.
مع تطبيق عديد القوانين الملموسة للعلاقات الجدلية بين العمل العلني و العمل السرّي و بين النشاطات الريفية و الدينية و النضال القانوني و غير القانوني و النشاطات السياسية و العسكرية و التحرّكات و التعبئة الجماهيريتين ، ما إنفكّت حرب الشعب تطوّر عقيدتها و نظريتها العسكرية و قوّة الجماهير.
4- دور حرب الشعب فى تطوير التنظيم الثوري للجماهير و الحركة الجماهيرية :
دفع الإنطلاق فى حرب الشعب و تطوّرها اللاحق تطوّر التنظيم و الحركة الجماهيرية الثوريين. وقبل كلّ شيئ ، أفرزت موجات جديدة من التنظيم و الحركة الجماهيرية الثوريين فى وجه التحريفيين الجبناء الذين لا يرون إمكانيات تطوّر الحركات و التنظيمات الثوريين أبعد من حدود الإصلاحية و البرلمانية و الذين يهنّئون أنفسهم لإحتكارهم لهذا المستنقع المتعفّن بعد بداية حرب الشعب.
و راهنا ، يشعل العمّال و الفلاّحون و النساء و الطلبة و المعلّمون و المثقّفون الداليت و القوميات المضطهَدة و الناشطون فى مجال الثقافة بإندفاع و حماس جديدين ، بنار التنظّم و النضال كحلفاء لحرب الشعب. و تنبعث موجات حركات و تنظيمات جماهيرية ثورية فى كلّ البلاد، غالبيتها فى المناطق الرئيسية للصراع متحدّية الإرهاب الدموي الذى تقترفه الدولة الرجعية و متحدّية ضروبا من الجبناء من التحريفيين المرتدّين.
هل شوهدت مرّة فى التاريخ المعاصر للنيبال مثل هذه المبادرة المفاجئة من آلاف النساء العاملات فى المناطق الريفية اللاتى رفعنا راية العصيان متحدّيات جميع أنواع الصعوبات؟ هل يستطيع التحريفيون الجبناء أن يفهموا مرّة المشاركة البارزة و الكبرى للنساء كمقاتلات و قائدات أنصاريات تتحدّى الموت بوعي و إرادة؟ فى خضمّ الإرهاب الذى أطلقته دوريات ترعاها الحكومة و الشرطة و الجيش تساهم الآن آلاف النساء العاملات من كلّ المناطق الأبعد فى إجتماعات و ندوات نسوية ، شاقة الماء و الأرض و مناضلة من أجل حقوقها . هذا ما شيّد العلاقة الجديدة بين حرب الشعب و الحركة الجماهيرية. أن تكون النساء هي المجموعة الأكثر إلهاما فى هتين السنتين الأخيرتين من حرب الشعب يعدّ إنتصارا واضحا للثورة.
حاليا، ، يظهر جوّ جديد من الإجتماعات و الندوات و النضالات التى يعقدها الفلاحون عبر البلاد بأسرها. بجلاء قد أثّرت حرب الشعب تأثيرا كبيرا إذ يتخذ الفلاحون الفقراء مبادرة كبرى للحصول على آلاف القنطارات من الحبوب و الزراعات و الأراضي و لتحطيم عقود العمل المزوّرة من قبل عديد الملاكين الإقطاعيين. و يكتسب مئات الآلاف من فلاحي المناطق الرئيسية للصراع ممارسة السلطة الديمقراطية الجديدة مقاومين بصرامة الإغتيال الجماعي و النهب و الإرهاب الذى ينفذه العدوّ. هل شوهدت قبل هذا مشاهد مماثلة فى الحركة الشيوعية النيبالية ؟ من الواضح أنّ مع إتخاذ طريق الإصلاح الزراعي الثوري بشكل واع و مخطّط فى أجزاء متنوّعة من البلاد، سيحرق لهيب نضالات الفلاحين الثورية كلّ علاقات الإنتاج الإقطاعية. و كذلك ، يمضى الشباب و الطلبة الثوريون إلى الأمام مشيّدين تنظيمات و نضالات عبر البلاد كافة و متحدّين إغتيالات العدوّ و إيقافاته و تعذيبه.وقد ولّدت حرب الشعب طاقات و تضحيات و مبادرات جديدة لدى الطلبة و طوّرت نوعيّا، فى صفوفهم ، معنى المسؤولية تجاه البلاد و الشعب.
مع تقدّم حرب الشعب ، ما برح وعي جديد بالنضال من أجل حقوقها و تحرّرها يظهر داخل قوميات مضطهَدة : الماقارس و القورونقس و التامنقس و الناوارس و الثارنس و الريس و الليمبوس و المادهيسيس . لقد سرّعت حرب الشعب فى تشكيل عديد جبهات التحرّر الوطني و توسيع منظمات القوميات المضطهَدة. و الآن مع تطوّر حرب الشعب ، برزت موجة من التنظّم و النضال داخل الكاست و الداليت أسرع و على مستوى أوسع. إنّ الداليت ينتفضون ضد الطغيان السافل للدولة الإقطاعية ، للكاست العليا الهندوسية.
علاوة على ذلك ، فى غمار حرب الشعب ، إضطلع المعلّمون و الأساتذة و المثقفون بأكثر وعي و نشاط بمسؤولياتهم تجاه البلاد و الشعب. و هذا تغيّر له مغزى : آلاف المثقفين بصدد الإندماج فى مساندة السيرورة التاريخية الكبرى لحرب الشعب وهم بصدد التنظّم ضد الهيكل الإجتماعي المنخرم و فساد الدولة الرجعية و طغيانها.
على الجبهة الثقافية ، تدفع حرب الشعب مبادرة الناشطين الثوريين فى الحقل الثقافي كما تدفع وحدتهم ضد النفاق الرأسمالي و التحريفي و التحريفي الجديد الراهن. و فى حقل الأدب و الفنّ و الثقافة ، تدفع حرب الشعب مباشرة إلى تشكيل جيش ثقافي جديد. والدور الذى تنهش به الجبهة الثقافية فى إنخراط مئات الآلاف من الناس فى حرب الشعب لم يسبق له مثيل.
داخل البلاد و خارجها و بخاصة ، فى الهند ، أفرزت حرب الشعب روحا و صلابة جديدتين لدى المنفيين النيباليين حيث أنهم ينشدون التنظّم و المساهمة فى حرب الشعب. و قد تزايد تأثير الحزب و عمله فى صفوف مئات الآلاف من المنفيين النيباليين.
و على نفس الشاكلة ، تضطلع حرب الشعب اليوم بدور هام فى إجتذاب المهندسين الزراعيين و الأطبّاء و المهندسين و المحامين و الناشطين فى مجال حقوق الإنسان إلخ إلى ثورة الديمقراطية الجديدة.
من كلّ هذه الأحداث ، من الواضح أنّ حرب الشعب لا تضعف حركة الجماهير و تنظيمها ، بل بالعكس تماما ، تعزّزهما و تدفع توسّعهما و تطوّرهما نوعيا. و من تجربة السنتين الأخيرتين ، يبدو جليّا أن التحريفيين ما إنفكّوا يعرقلون التطوّر الثوري لتنظيم الجماهير و حركتها متحدّثين كالببغاء عن الحركات الجماهيرية و لكنّهم يعبدون الإصلاحية و البرلمانية.
5- كيف تعرّى حرب الشعب التحريفيين:
لم تحقّق الحركة البروليتارية ، فى أي مكان من العالم، نجاحا للثورة دون خوض صراع إيديولوجي حاد ضد التحريفية. و إحدى الشروط الأساسية لتطوّر الثورة النيبالية و نجاحها هو كذلك تحرير الجماهير من سمّ التحريفية المميت.و لقد كرّر الرفيق لينين أنّه من المغالطة القتال ضد التحريفية المعاصرة بنقاشات نظرية فقط. سيمكن الإطاحة بالتحريفية رئيسيا بتطوّر صراع الطبقات ، إلى جانب النقاشات الإيديولوجية. و القتال ضد التحريفية ليس بسيطا و لا تافها ذلك أنّها تغلغلت بعمق فى الحركة الشيوعية النيبالية فى العقود الخمس الأخيرة و سمّمت فكر مئات الناس النزهاء.
و مثلما قال لينين إنّه تطوّر الصراع الطبقي ( هنا فى شكل حرب الشعب) رئيسيا إلى جانب الجدالات الإيديولوجية هو الذى قضى على التحريفية ( بكلمات إنجلز "الجبل الهائل من النفايات") .
و اليوم ، زرع شبح حرب الشعب رعبا أزيد داخل التحريفيين الجدد و القدامى منه داخل الرجعيين القدامى و هجماتهم الجامحة ضدّها تبيّن أن جبل النفايات التحريفية يشتعل. بالضبط إثر الإنطلاق فى حرب الشعب روّج التحريفيون الجدد منهم و القدامى الأخلاق المشتركة للوفاق الطبقي و أظهروا طابعهم الحقيقي واضعين ثقتهم فى الدعاية الإقطاعية و الإمبريالية و مشكّكين فى التضحية و المبادرة الكبيرتين للجماهير و ملحقين العار بها. إلى ذلك، نزعوا القناع عن ماهيتهم معيرين صوتهم للدولة الرجعية و معيدين كالببغاء إتهامات بالإرهاب و التطرّف ضد حرب الشعب. و بالإضافة إلى قيادة الح الش الن الموحّد (الم –الل) تفسّخت لتصبح رجعية القيادات الجديدة التحريفية التى تسمّى نفسها من المدافعين عن "الديمقراطية الجديدة" و عن "فكر ماو" و التى تخدم الدولة الرجعية ضد حرب الشعب و هكذا كشفت عن طابعها الحقيقي. فى هذا المضمار من المفيد التذكير بموهان بكرام الذى تفسّخ و صار هامشيّا بسبب طابعه الخاص التحريفي الدنيئ و المنافق و الذى تقدّم الجميع معلنا أنّه سيتمّ القضاء على حرب الشعب فى غضون 10 أشهر. هذا من ناحية و من ناحية أخرى ، عندما رأى التحريفيون القدامى منهم و الجدد أن حرب الشعب – رغما عن إرادتهم- تتوسّع كلّ يوم أكثر ، شرعوا كالببغاء فى تكرار أنّ قوّة رجعية تحرّض على حرب الشعب ، على نفس منوال حزب المؤتمر و القصر الملكي اللذان كانا يتراشقان التهم بالشيئ ذاته. يشتكى التحريفيون من أنّ الرجعيين لم يقدروا على قمع حرب الشعب التى كانت بالفعل تقاوم مجازر الدولة الرجعية و إرهابها.
لمّا دخلت حرب الشعب سنتها الثانية تحوّلت إلى سيرورة حيوية بالنسبة لمئات الآلاف من الأشخاص و أخذت تتحدّى حتى أكثر الدولة الرجعية ممّا أثار سيرورة إلتحاق كوادر نزيهة فى الخندق التحريفي بحرب الشعب و مساندتها بصفة مفتوحة أو خفيّة. أمام هذا الوضع ، يعاضد التحريفيون القدامى بشكل مفضوح الدولة الرجعية فى كيفية قمع حرب الشعب. و القيادات التحريفية الجديدة ، فى صراع من أجل مستقبلها ، لعبت لعبة الرجعيين: دفعتهم ضد حرب الشعب مهوّلة الأمور بشأن أحداث لا أهمّية لها على النطاق المحلّى.
دخلت حرب الشعب سنتها الثالثة ، بعد أن عاشت سنتين و إنتصبت خيارا ثوريا وحيدا فى البلاد. و بالنسبة للدولة الرجعية تمثّل حرب الشعب الآن أكبر عائق أمامها.و يبدو من السخرية أن ينعت حزب المؤتمر النيبالي و حزب رستريا براجا تنترا و مجموعة الم-الل المتحدين و حتى قادة الح الش النيبالي (ماشال) و مركز الوحدة و اليد باليد مع الإمبرياليين و التوسعيين ، أن ينعتوا حرب الشعب بالإرهابية. لكن هذه حقيقة دائما ، العناصر التى تفسّخت إيديولوجيا و سياسيا تصير إصلاحية و برلمانية تقف ضد الحركة الثورية. حتى إثر إنتصار ثورة الشعب ، سيواصل مثل هؤلاء الناس معارضتها. و من المعروف جيّدا أن فى روسيا و فى الصين ، هاجم التحريفيون الذين يقولون إنّهم شيوعيون البلاشفة و الماويين ، حتى إثر إفتكاك السلطة.
واليوم ، تتسلّق حرب الشعب قمما حتى بينما تعرّى كلّ نفايات التحريفيين الجدد منهم و القدامى. و هكذا ، طالما يسترشد الثوريون بالماركسية-اللينينية-الماوية و طالما يستمرّون فى الولاء للشعب و يسيرون نحو تحرير البلاد و الشعب ، لن تستطيع الهجمات السامّة للتحريفيين إيقاف تطوّر حرب الشعب. مع مرور الزمن ، ستجرى تعرية التحريفيين تعرية كلّية. الثورة ستنتصر. تطوّر سنتين من حرب الشعب أثبت ذلك إثباتا دامغا.
6- حرب الشعب و توسيع العلاقات العالمية و تعزيزها :
قبل الإنطلاق التاريخي لحرب الشعب ، صرّح الحزب : " الثورة النيبالية جزء لا يتجزّأ من الثورة البروليتارية العالمية و ستخدم الثورة العالمية". و الآن ، مع سنتين من التجربة على كاهلها ، نرى أنّ هذا التصريح مطلق الصحّة. من المعلوم أنّ حزبنا عضو منخرط فى الحركة الأممية الثورية التى تبذل وسعها لبناء "أممية جديدة". فى هذه الفترة ، تطورت علاقتنا مع لجنة الحركة الأممية الثورية و أحزاب أخوة آخرين منخطرين و توطّدت نوعيا. بداية ، مثّلت حرب الشعب و تطوّرها اللاحق ،من جهة، مصدر إلهام ، ومن جهة أخرى، نالت حرب الشعب فى النيبال مساندة معنوية من كلّ الأحزاب. فى سيرورة تطوّرهما ، باتت مسؤولية حزبنا العالمية و مسؤولية الجماهير الثورية فى النيبال أكبر نوعيا.
فى الوقت الحاضر ، تتطوّر علاقتنا ليس فحسب مع الأحزاب المنخرطة فى الحركة الأممية الثورية و إنّما أيضا مع تلك الأحزاب و المنظّمات خارج الحركة الأممية الثورية . و على النحو ذاته ، مع تطوّر حرب الشعب فى النيبال ، تتوسّع العلاقات مع المنظّمات الثورية التى تخوض نضال التحرّر الوطني ضد الإمبريالية و التوسعية. و صار تطوّر العلاقات و التأثير العالميين لحرب الشعب ، وهي ذات طابع طويل الأمد ، مظهرا ملموسا من الثورة النيبالية. إنّنا نعتزّ كبيرالإعتزاز بان تنال حرب الشعب ،فى مثل هذا الوقت القصير، مساندة حارّة و حبّ من ملايين الجماهير الثورية عبر العالم و أن تغدو مصدر إلهام لها.
إلى ذلك ، بينما تدفع حرب الشعب علاقتها مع الثوريين على المستوى العالمي ، يحبك الإمبرياليون و التوسعيون و الرجعيون من كلّ صنف مؤامرات و دسائس ضدّها. بهذا المضمار ، من المهمّ أن نأخذ بعين النظر تعاليق الطبقات المهيمنة فى الهند و الإمبرياليين الأمريكان، الجندرمة العالميين. عديد مؤامرات هذه القوى و إجراءاتها القمعية ضد حرب الشعب و الحزب الذى يقودها ظهرت إلى الضوء و تلك القوى تحثّ رئيسيا عملاءها ، الطبقة المهيمنة و عديد المجموعات الرجعية فى النيبال بهدف قمع حرب الشعب. على هذا النحو ، مثلت حرب الشعب صفعة كبرى للنظام الإمبريالي العالمي الذى يشكو أزمات إقتصادية و سياسية جديدة. و الآن ،من الواضح أنّ حرب الشعب ستنهض بدور تاريخي فى تطوّر موجة جديدة من الثورة العالمية ،فى المستقبل المنظور.
لم يشرع تقدّم حرب الشعب فى تعرية التحريفية الوطنية فحسب و إنّما كذلك التحريفية العالمية. فقد كانت حرب الشعب ضربة موجعة للتحريفيين القدامى منهم و الجدد الذين لا زالوا يسبحون فى المستنقعات العفنة للإصلاحية و البرلمانية و قد خانوا الحركة الثورية الشعبية فى العالم قاطبة. من كلّ هذا تبرز هجمات الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) و هجمات الحزب الشيوعي الهندي و هجمات المرتدّين التحريفيين ضد حرب الشعب الماوية فى النيبال.
راهنا ، فى كثير من البلدان ، تُقام الإعدادات الأخيرة للإنطلاق فى حرب الشعب الماوية. و يسرّ كثيرا الثوريين النيباليين أن تساعد تجارب بداية حرب الشعب و مواصلتها مباشرة فى تلك الإعدادات.والآن ، طلب عمّال ثوريون من مختلف أنحاء العالم المجيئ إلى النيبال و المشاركة فى جبهة القتال بغية المحافظة على حرب الشعب و تطويرها و إستخلاص دروس عملية. هذه هي التمظهرات الأسمى للتأثير العالمي لسنتين من تطوّر حرب الشعب.
و إذن تمثّل حرب الشعب من جهة تحدّيا جديدا للإمبريالية و التحريفية العالميتين و من جهة أخرى ،مصدرا للإلهام الثوري للشيوعيين و للجماهير الشعبية. و يتطلّب هذا الوضع من الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و من المقاتلين الثوريين و عموما من الجماهير النيبالية مسؤوليات عالمية قطعا أضخم. لقد تحوّلت المناطق المتقدّمة و تحوّل الشهداء الكبار و كلّ المقاتلين الثوريين لحرب الشعب الآن إلى ملكية مشتركة لكلّ الشيوعيين الثوريين فى العالم قاطبة. و ألهم هذا المعنى من الجدّية و المسؤولية الثوريين النيباليين تطوير حرب الشعب و رفعها إلى أعلى حتّى و تقديم أمثلة حيّة عن الإخلاص و التضحية.
7- خاتمة:
إنّ السيرورة العظيمة لحرب الشعب تتقدّم مولّدة قوة تغيير ثوري عتيدة فى جميع مجالات المجتمع. و يتآمر الأعداء و الإنتهازيون داخل البلاد و خارجها لقمع هذه السيرورة العظيمة من التغيير الثوري و سحقها. و الشيوعيون الثوريون و الجماهير داخل البلاد و خارجها ينظّمون صفوفهم حتّى أكثر و على مستوى أرقى للمحافظة على هذه السيرورة و لتطويرها. هكذا ، فتحت السنتان من حرب الشعب الأبواب أمام إمكانيات تاريخية من جهة بينما ،من جهة أخرى ، ظهر وضع معارضة أهمّ من قبل الأعداء و الإنتهازيين.
إنّ الثورة لا تتبع الإرادات الذاتية لأي أحد بل تتبع الطريق الجدلي لتطوّرها الذاتي. مع سنتين من حرب الشعب فى رصيده ، زاد حماس الحزب – وبصلابة كبيرة و تفان و مسؤولية و إلتزام أكبر تجاه المبادئ الماركسية-اللينينية- الماوية التى لا تهزم- للإضطلاع بمسؤوليته التاريخية فى تحرير الجماهير.
لنتحد خدمة للشعب النيبالي العظيم و تحريره!
مهما كانت الطريق صعبة و متعرّجة فإنّ إنتصار الشعب أكيد!
==================================================================================
مشاركة النساء فى حرب الشعب فى النيبال
- --------------------------------------------- 1-----------------------------------------------
مسألة تحرير المرأة و متطلبات الواقع الحالي
(براشندا، 1996)
فى مجتمع النيبال شبه الإقطاعي شبه المستعمر القائم على الثقافة الإقطاعية الهندوسية الأبوية ، حقيقة هو واقع خضوع المرأة للإضطهاد الأكثر تعاسة بسبب سلطة دولة الطبقات الإقطاعية و البرجوازية البيروقراطية و الكمبرادورية . إجمالا ، وضعت المرأة النيبالية فى موقع المواطن من الدرجة الثانية. رغم الحديث عن نيل المرأة لحقوق فى ما يسمى ديمقراطية الطبقة الرجعية فى يومنا هذا ، فإن المرأة النيبالية أكثرتعاسة بحكم إشتداد الإتجار بالنساء و إغتصابهن و قتلهن . لقد كان الحكام الحاليين الذين يتشدقون بحرية المرأة بعيدا عن الممارسة ، كانوا غير قادرين حتى على خط قانون عادل. فى الواقع ، لن يصوغوا قانونا و حتى لو كتبوا ،عمليا لن يوفروا للمرأة حقوقها .و ذلك لأن سلطة الدولة الحالية مؤسسة على مفهوم و تقليد جعل النساء عبيدا.
الشرط الأولى للمساواة بين المرأة و الرجل فى الحقوق هو حقها المتساوى فى الملكية . فى غياب المساواة الإقتصادية و الحرية لا يكون الحديث عن تطور المرأة و الحرية بما فى ذلك على المستوى الإجتماعي و السياسي سوى خدعة و مؤامرة. إن تطور الحقوق الأخرى و حرية المرأة يمكن تحقيقهما عبر الحق الإقتصادي و الحرية بالذات. و نضال المرأة من أجل الحقوق الإقتصادية ليس مسألة يمكن أن تظفر بها لوحدها. لذا من الأساسي تركيز سلطة دولة الديمقراطية الجديدة الشعبية بالإطاحة بالدولة الحالية القائمة على إستغلال و إضطهاد جميع الشعب الكادح بما فيه المرأة. و بالتالي ترتبط قضية تحرير المرأة وثيق الإرتباط بقضية تحرير المجتمع برمته .
وراء نجاح أو فشل أي نظام إجتماعي و أي ثورة إجتماعية ثمة مدى و مستوى مساهمة المرأة . فى بلد معين و فى زمن معين و فى ظرف معين يكون الإنتصار فى قتال الجماهير الشعبية الواسعة ضد الإستغلال و الإضطهاد السياسيين و الثقافيين من جهة مشروط بمساهمة المرأة و هذا فقط هو الذى يسطر طريق تحرير المرأة ، من جهة ثانية .
إن الحديث عن حق المرأة فى غير إرتباط بسيرورة الثورة الديمقراطية الجديدة فى نيبال اليوم لا يمكن أن يكون إلا مؤامرة من العناصر المعادية للثورة. و فى نفس الوقت تصبح العناصر المغرقة فى الرجعية و الإنتهازية نشطة فى هذا الضرب من المؤامرات فى النيبال. نشاط هذه العناصر ينمو بالنظر إلى خوف سلطة الدولة المبنية على الإستغلال و الإضطهاد من إمكانية الإطاحة بها برفع مشاركة المرأة فى سيرورة الثورة الديمقراطية التى تتقدم بقوة فى النيبال. و ينغمس كافة المستغٍلين و المضطهٍدين داخل البلاد و خارجها فى عمليات ضخمة قصد إبعاد المرأة عن النضال الثوري من أجل تحررها الحقيقي. ما يدعى بالندوات النسائية العالمية و أنواع مختلفة من الإجتماعات و الإتفاقيات و الإتحادات و المؤسسات الحكومية و غير الحكومية و كافة وسائل الإعلام إستغٍلت بهذا الغرض . ويتآمرمحركو الثقافة السوقية و الفاسدة بغاية حرف المرأة عن واجبها . فى النيبال ، يتدفق الرأسمال الإمبريالي الأجنبي بإسم تطوير ما يسمى مهارات المرأة و حملة محو الأمية إلخ لأجل الحيلولة دون وعي المرأة بالضرورة التاريخية لتغييرالوضع بالبلاد .
وحملة شراء ذمم حفنة ممن يسمونهم النساء الأذكياء و المتعلمات من النخب و من الطبقة البرجوازية الصغيرة تقف وراءها الطبقات الزنات و المغتصٍبة والنهابة عبر العالم بأسره .
إن قضية المرأة النيبالية ليست قضية ما يسمى تطوير المهارات و محو الأمية ذلك أن حتى من لديهن مهارات و متعلمات و اللاتى يبخسن حقهن و هن عاطلات عن العمل إضطرت إلى الحياة حياة تعسة و غير محترمة فى الهند و فى مختلف أصقاع العالم. و بالتالي، لا تعدو قضية تطوير المهارات و محو الأمية أن تكون سوى خدعة رجعية تنضح إدعاءات و عبثية . قضية اليوم هي قضية التحرر من سلطة الدولة الرجعية المعتمدة على الأبوية الهندوسية. و من الضروري أن يفهم بعمق أن جميع الحركات المضحكة المستعملة لإلهاء الشعب عن حرب تحرير فى هذا الظرف هي معادية للشعب، عبثية و تآمرية .
فى نيبال اليوم ، يعمل الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) بجدية لقيادة تحرير كافة الجماهير الكادحة و ضمنها النساء فى ثورة ديمقراطية جديدة. و تقوم الجبهة الشعبية المتحدة بحملة عبر البلاد كافة مساندة له. صارت سلطة الدولة الرجعية المتداعية فى أزمة شاملة. و بقدر ما تشتد أزمتها بقدر ما تناهض بجنون حركة تحرير الشعب . لقد دفعت البلاد إلى وضع خصاصة و فوضى و إرهاب فى كل مكان . و الآن غدى لجوء الشعب إلى إستعمال القوة ضد هذه الدولة أمر لا مناص منه. لهذا يدعو الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ) كافة الشعب للإستعداد للمضي قدما فى طريق حرب الشعب .
فى هذا الوضع ، مسألة القتال بالبنادق وليس التوجه إلى الحكام الوحشيين لتقديم مطالب هي التى أضحت أمرا رئيسيا كي يتم التحرير الحقيقي للمرأة النيبالية . فمنذ خمسين سنة ما إنفكت المرأة النيبالية تطالب الدولة سلميا بحقها لكنها لم تستطع أبدا أن تكسب حقها و بالأحرى إزدادت أوضاعها سوءا . و الشيء نفسه يمكن قوله بخصوص كافة قطاعات الجماهيرية . و من هنا يتأكد أن الحق ليس شيئا يكتسب بالمطالبة و إنما الطريقة الوحيدة لنيله هي إفتكاكه . و لن يرسخ حق الشعب إلا بالقضاء على سلطة هذه الدولة القائمة على البنادق . و شرط تحرير المرأة هو المشاركة فى سيرورة حرب الشعب لتقرير المصير معا مع تقرير مصير الشعب بأسره . ما نحتاجه اليوم هوالتصدى لمؤامرة جميع العناصر التى تتجه نحو إلهاء الشعب عن المشاركة فى سيرورة حرب الشعب و كذلك نحتاج التعاون مع حرب الشعب و مساندتها كل من موقعه .
و التاريخ سيثبت أن النساء الواعيات و البطلات و صانعات التاريخ هن تلك النساء اللاتى تلعبن دورا نشيطا فى حرب التحرير و فى كسر قيود العبودية التى تعود إلى آلاف السنين . الآن سيقيم التاريخ النساء ليس على أساس ما يسمى المهارات و التعليم الإقطاعي و البرجوازي و إنما على أساس الدور الذى تنهض به فى تغيير المجتمع تغييرا راديكاليا.
--------------------------------------------------- 2----------------------------------------------------
مشاركة المرأة فى حرب الشعب فى النيبال
الرفيقة برفاتي(1999)
"كل من له أدنى إطلاع على التاريخ يعلم أن التغيرات الإجتماعية الكبرى لا يمكن أن تحدث دون مساهمة النساء " - ماركس
مقدمة :
منذ الإنطلاقة الأولى لحرب الشعب المسلحة فى النيبال فى 13 فيفيرى1996، بقيادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي)، إستشهد حوالي 800 شخص منهم تقريبا مائة من النساء. إلى جانب مئات الرجال ، تقاسي النساء أيضا سجنا قاسيا و العديد منهن إختطفت و مفقودات و إغتصبت،و عذبت أخريات. وإنتشرت الآن الشرارة التى إندلعت من محافظات روكوم و رولبا فى غرب النيبال إلى كافة أركان البلاد .
و اليوم حتى الحكومة ووسائل الإعلام الأجنبية مضطرة للإعتراف بهذا. غير أن ما أذهلهم هو درجة مشاركة المرأة فى حرب الشعب فى النيبال. و ينبغى فهم هذا على قاعدة أن النيبال بلدا شبه إقطاعي و شبه مستعمر له إقتصاد إقطاعي مسيطر و 88 بالمائة من عموم السكان الذين يعيشون فى المناطق الريفية و 81 بالمائة من السكان يعملون فى القطاع الفلاحي و الفلاحة تمثل 42 بالمائة من الدخل القومي الخام للبلاد . علاقة الأرض الإقطاعية يمكن معاينتها من أن 65 بالمائة من الفلاحين الفقراء يملكون 10 بالمائة و حسب من الأرض بينما 10 بالمائة من الفلاحين الأغنياء و الملاكين العقاريين يملكون 65 بالمائة من الأرض. و هذا يعززه الميز الجندرى فى علاقات الإنتاج بين الرجال و النساء ذلك أن النساء محرومات من إرث ملكية أهلهم .

مصادر إضطهاد النساء :
1- الإضطهاد الإقتصادي للنساء:
إن الإضطهاد الإقتصادي للنساء متجذر بعمق فى أسلوب الإنتاج الإقطاعي و شبه الإقطاعي الحالي الذى يهيمن عليه الإنتاج الفلاحي الصغير. و بما أن الأرض الحالية التى هي بطبيعتها البطريركية المتسلسلة أهم مصادر تناقضات النساء. و الإغتراب صلب علاقات الإنتاج الحالية يتمثل فى أنه رغم تحمل أعمال مفروضة مزدوجة على مستوى البيت و المزرعة ، فإن النساء قانونيا ليس بمقدورهن إمتلاكها على قدم المساواة مع نظراءهن الرجال. و كذلك لا يمكنهن وراثة حق إيجار الأرض على قدم المساواة مع الرجال و بالنتيجة لا يملكن حق المعاملات البنكية و من هنا مزيد تحديد قدراتهن على تحسين وضعهن الإقتصادي مما يضعهن إستراتيجيا فى موقع معاكس مقارنة بالرجال. فى قمة هذا ، نجد علاقات بقايا القرون الوسطى مثل القنانة فى منطقة تيراي و عبودية الدين فى تاراي و المنطقة الجبلية التى تجعل النساء فى موقف المعوز بما أنه عليهن عادة أن يقدمن الجنس "طوعا "و خدمات البيت للملاك العقاريين ، إضافة إلى العمل بمزارع هؤلاء. ورسخ الإضطهاد الإقتصادي للمرأة أكثر المستوى المتدنى للقوى المنتجة فى الفلاحة النيبالية المتأخرة للغاية و لها بالكاد بعض المداخيل المعاصرة. فالعمل فى الفلاحة ،هكذا ، يهيمن عليه الجهد الإنساني و يعضده عمل الحيوان و بإستعانة بأكثر الأدوات بدائية مثل المنجل و المعزقة و الرفش إلخ . و على رأس هذا الغياب نجد غياب البنية التحتية الأساسية داخل البيت ( كغياب الوقود و مصادر المياه و الإرتباط بالتحويل اليدوي للمنتوجات الفلاحية ) الشيئ الذى يجعل من عمل البيت مرهقا و مستهلكا للوقت. وإنه لأمر معروف جدا أن فى مجتمع غير متكافئ ، بقدر ما يكون العمل شديدا بقدر ما يكون على كاهل المرأة. و من أعوص المشاكل نظرا لطبيعة الفلاحة المعاشية ووضع شبه البطالة الذى عممته الزراعة البعلية ، ثمة هجرة كبيرة للذكور القادرين على العمل نحو المناطق المدينية للنيبال و الهند و عليه يبقون وراءهم نساءا و أطفالا يشتغلون فى الأرض و البيت. و بإمكان المرء بسهولة أن يستدل من هذا على أن النساء هن حجر الزاوية فى الإقتصاد الفلاحي المعاشي الريفي. و لأن النساء مهمشات على مستوى البيت ، فإنهن يتقاضين أجرا أدنى و أحيانا يكون أدنى إلى حد نصف المبلغ المدفوع للرجال مقابل العمل نفسه و القدر نفسه من العمل بالمزرعة .
و موقع المرأة فى المناطق المدينية ليس بأحسن حال. إذا كانت المرأة فى المناطق الريفية تشكو من الإضطهاد الإقطاعي القروسطي المتخلف، فإن المرأة فى المناطق المدينية ترزح تحت الإضطهاد الإمبريالي المعاصر. إنهن لا يتقاضين الأجر المناسب و هن عادة مستغلات جنسيا فى مصانع كدح بأجر زهيد يديرها رأسماليون بيروقراطيون تقف وراءهم القوى الإمبريالية و التوسعية مثلما هو الشأن فى مصانع الملابس و الزرابي إلخ .
2- الإضطهاد الإجتماعي للنساء :
لا ينبغى أن نلتمس جذور إضطهاد المرأة فى البنية الإقتصادية فحسب بل أيضا فى البنية الإجتماعية و الثقافية و كذلك لا ينبغى أن نلتمس إضطهاد المرأة فى حياتها الإنتاجية فحسب بل أيضا فى حياتها التناسلية. تعود جذور إضطهاد المرأة الإجتماعية بعمق إلى الدين الهندوسي الذى تدعمه الدولة و الذى يدافع عن القوانين البراهمانية الإقطاعية المستندة إلى نظام الكاست الذى ينتقص المرأة فى علاقتها بالرجل. و هكذا ينظر إلى النساء على أنهن "بنات " قبل أن تصبحن "زوجات " إلى أن تلقين حتفهن ك"أمهات " أطفال (بالخصوص أولاد) لا غير .
و بسبب قانون التسلسل البطريركي للنيبال أعلى النسب فى تفضيل الطفل [الذكر ] فى العالم . و يترتب عن هذا مواجهة النساء للميز من المهد إلى اللحد. و يتمظهر هذا فى نسبة وفاتهن العالية إذ تتوفين أصغر سنا من الرجال (52 سنة بالنسبة للنساء و 55 سنة بالنسبة للرجال). و علاوة على ذلك ، للنيبال إحدى أعلى نسب موت الأمهات فى العالم (875 عن مائة ألف ). و له أيضا أعلى نسبة وفاة أطفال : تقريبا طفل من عشرة يلقى الموت قبل بلوغ سنة من العمر. كل هذا فضلا عن الزواج المبكر و الحمل المبكر و تعدد الحمل مما يتطلب الكثير من صحة النساء النفسية منها و البدنية. و لأن النساء ينظر إليهن كوسيلة للحصول على إبن أو أبناء لوراثة الملكية الخاصة، تجد أنفسهن من هنا مدفوعات دفعا إلى أبعد مدى للحصول على أبناء حتى على حساب صحتهن بغية تأمين حياتهن الزوجية و ضمان قسطهن من الأرض من خلال أبنائهن. و على هذا النحو ، حين لا تنجبن أبناءا تتركن تقريبا أو تقاطعن إجتماعيا أو يتم الزواج من أخريات ذرات لهن .
ويجعل نظام الكاست النساء المنتميات إلى كاست الأنتوشبل حتى أكثر عرضة للأذى إقتصاديا و إجتماعيا و جنسيا. و بالفعل قبضة الثقافة الهندية على المجتمع شديدة إلى درجة أنها أثرت حتى على النساء اللاتي تنتمين إلى مجموعات غير هندية أقل إقطاعية
3- الإضطهاد السياسي للنساء :
إن إضطهاد النساء السياسي متجذر فى الإقتصاد البطريركي البرلماني الملكي الحالي. فإستخدام العرش الملكي عبر التسلسل الذكوري ، معا مع إعتبار الملك على أنه إلاه حي ، يجعل من العناصر الذكور أقوى سياسيا من العناصر الإناث فى المجتمع. و من ثم الرجال هم الحكام و النساء المحكومات حتى داخل البيت. و يمثل الملك هكذا بطرياركا جسدا و روحا. و بالتالي بخلاف ما فى بلدان أخرى جمهورية برجوازية حيث للنساء على الأقل الحق القانوني فى ملكية الوالدين ، ليس للنساء فى النيبال و لا حتى هذا الزاد القانوني مما يضعهن إستراتيجيا فى موقع غير موات فى الدخول للحياة السياسية ضمن النظام السياسي الحالي. و على هذه الصورة ، فى السياسة الرأسمالية تستعمل النساء فى النهاية كمصدر لبنك الإنتخاب عبر روابطهن مع الذكور. و صار النظام الرأسمالي الحالي الذى يقتضى مالا و رأسمالا لكسب الإنتخابات عقبة وكداء أمام النساء. و تلك النساء المحدودات العدد اللاتى إستطعن ولوج عالم السياسة هن إما أرامل أو زوجات أو بنات السياسيين المعروفين من قبل .
النساء و الثورة الديمقراطية الجديدة :
"لا حركة ثورية دون نظرية ثورية "- لينين .
لنساء النيبال أسبابهن فى القتال من أجل الثورة الديمقراطية الجديدة إذ هي تعالج إضطهادهن الإقتصادي و الإجتماعي و السياسي فى شموليته. و مثلما أشير إليه سابقا، مصدر إضطهاد النساء الإقتصادي هو قبل كل شيئ عدم تمكينهن من إمتلاك الأرض على قدم المساواة مع الرجال. و هذا ما تعالجه مباشرة الثورة الديمقراطية الجديدة حيث الناحية الإقتصادية المركزية هي الثورة الزراعية. فى ظل هذا النظام ينجز إصلاح زراعي ثوري تحت شعار " الأرض لمن يفلحها ". إلى جانب هذا، ترسى العلاقة الثورية بالأرض بين الرجال و النساء تحت شعار " الحق المتساوى فى الملكية ".و هكذا سيمكن حق النساء فى الملكية ، فى المناطق الريفية ، من أن يصبحن جزءا هاما من الإقتصاد الفلاحي الريفي. و فى المناطق المدينية، سيسمح لهن هذا الحق بوراثة الأرض المدينية ووسائل الإنتاج الأخرى مثل مؤسسات الصناعة و التجارة إلخ و من هنا تضحى النساء جزءا من النظام الإقتصادي المديني مما سيعد الأساس الأول لتحررهن الإقتصادي و سيؤثر بصورة هامة على المجالات الأخرى الإجتماعية و السياسية .
و بما أن نظام الديمقراطية الجديدة نظام مناهض للإقطاعية ، فإنه سيبعد مرة واحدة اللون الديني التى صبغت به الدولة محولا إياها إلى دولة لائكية. و مع نهاية الحكم الإقطاعي البراهماني الهندي ، ستغدو النساء مستقلات ثقافيا عن الرجال. وهو ما سيطيح تدريجيا بالحيف ضد البنات جاعلا لهن نفس الأهمية داخل البيت. و فى ظل النظام الديمقراطي الجديد لا مجال للتوافق مع الملكية الإقطاعية التى هي رمز الحكم البطريركي و عوضا عنه ستشكل النساء كمجموعة من المجموعات الهامة ، إلى جانب مجموعات مضطهَدة أخرى داخل حكومة الجبهة الموحدة المناهضة للإقطاعية و الإمبريالية . لذلك لنساء النيبال أسباب للقتال بكل ما أوتين من قوة لتركيز نظام الديمقراطية الجديدة .
و ستحطم الثورة الديمقراطية الجديدة بطبيعتها المناهضة للإمبريالية العلاقات غير المتكافئة مع البلدان الإمبريالية و التوسعية مخلصة النساء من مصانع الأجر الزهيد أين يتم إستغلالهن جنسيا و إقتصاديا . و بالتالى ستتوفر أرضية القضاء على الدعارة و الفكر الإستهلاكي و معاملة النساء كسلع فى النيبال .
التيار الثوري فى صفوف التنظيم الجاهيري :
مدركة جوهر الثورة الديمقراطية الجديدة و ضرورتها لتحرير النساء ، أرست التنظيمات النسائية و بوجه خاص " الجمعية العامة لنساء النيبال (الثورية ) " تيارا ثوريا فى صفوف الحركة النسائية فى النيبال. و يجب فهم هذا على أساس أن حركة النساء فى النيبال يمكن توصيفها بصورة واسعة فى ثلاثة تيارات متباينة .
أولا ، التيار اليميني و الرجعي الذى يخدم بوضوح مصلحة القوى الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية . إنه يتحدث عن تحرير المرأة لكنه يساند نظام الملكية الدستورية و يدافع عن الديانة الهندية التى تمولها الدول الإمبريالية . إنه يتبرم من معاملة النساء كسلعة إلا أنه لا يتجرأ على التظاهر ضد عروض الجمال إلخ . وهو يندد بالعنف الثوري غير أنه يتغاضى عن عنف الدولة وهو أقرب إلى الأحزاب الحاكمة من مثل " المؤتمر النيبالي " و [الحزب] " الما-اللينيني الموحد" و الأحزاب " الم-اللينينية " .
و التيار الثاني تيار تحريفي . فى الكلام يبدو التحريفيون ثوريون لكن فى الفعل يمارسون الإصلاحية . يقولون إنهم جمهوريون بيد أنهم منهمكون فى النظام الملكي البرلماني. ينددون بنشاطات المنظمات غير الحكومية المحلية و العالمية نظريا غير أن العديد من عناصرهم عمليا يشاركون فى مثل تلك النشاطات. إن هذا التيار أقرب إلى مجموعات ك"ماشال" و "مركز الوحدة " إلخ .
و التيار الثالث ينتمى إلى التيار الثوري و تمثله " الجمعية العامة لنساء النيبال(الثورية )" وهو أقرب إلى الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ). و قد إتخذ موقفا جليا بصدد إعتبار أن تفوق الذكور نتاج الملكية الفردية . و لهذا التيار وضوح تام حول طبيعة الدولة الحالية التى تحافظ على الإضطهاد الطبقي و الإضطهاد الجندري . و إتخذ كذلك موقفا جليا ضد المنظمات غير الحكومية المحلية و العالمية كلاما وفعلا لأنه يعتبر هذه المنظمات إمتدادا للقوى الإمبريالية و التوسعية هدفها النهائي هو إعداد الأرضية لتوسيع أسواقهما و فى الوقت عينه تسجل مدى نمو الحركة الثورية الحقيقية للشعب. متبعا سياسة الوحدة و الصراع ، أقام هذا التيار تحالفات عريضة مع قوى أخرى، لاسيما مع القوى المناهضة للإقطاعية و الإستعمار للتظاهر ضد عروض الجمال و الأدب البرنوغرافي و بيع الكحول إلخ و قد شكل تحالفا واسعا للتظاهر ضد إضطهاد الدولة للنساء و بوجه خاص الإغتصاب و التعذيب المقترف ضد المتعاطفات مع حرب الشعب. فى حين نددت المنظمات الأخرى بالعنف ، تعتبر منظمة " الجمعية العامة لنساء النيبال (الثورية ) " شرعية الإجراءات الدفاعية للجماهير ضد الدولة الحالية المعتمدة على القوى المسلحة .
مشاركة المرأة فى حرب الشعب فى النيبال:
" النساء نصف السماء " - ماوتسى تونغ
فى النيبال ، يمكن إرجاع المشاركة النشطة للمرأة فى الحرب إلى أيام الحملة التوسعية للدولة الإقطاعية الممركزة فى نهاية القرن الثامن عشرة وبداية القرن التاسع عشرة ، و بصورة خاصة إلى سنة 1815 ، فى معركة نالا بانى فى دهارادون (شمال الهند الحالية ) حيث أبدت النساء النيباليات و الأطفال ، إلى جانب الرجال ، مقاومة بطولية ضد الجيش البريطاني الذى لم يكن يفوقهم عددا و حسب بل عُدة أيضا و رغم كل ذلك لم يستطع (البريطانيون ) أن يستحوذوا على حصن كالنغا إلا فى محاولتهم الثالثة إثر تكبد الجانب البريطاني خسائرا جمة .
و كذلك جرت تعبئة النساء خلال الحركة المعادية للرانا التى نظمتها مختلف الأحزاب المناهضة للرانا ، أثناء السنوات 1947-1950 ، و التى بلغت منتهاها بالإطاحة بنظام الرانا سنة 1950. و أيضا ، ساهمت النساء مساهمة نشطة فى الحركة الديمقراطية لسنة 1990 و التى أنهت ثلاثين سنة من حكم الحزب الواحد للملكية الأوتوقراطية " بنشايات " ليعوض بنظام الملكية البرلمانية. مع ذلك ، فى جميع هذه الحركات كانت النساء بالأساس من العائلات السياسية المعروفة أو من النساء المدينيات المتعلمات و كانت أساسا من المناطق المدينية .
فقط بعد إنطلاق الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ) فى حرب الشعب ، أخذت النساء ، جوهريا النساء الريفيات فى التعبئة. و اليوم ، النساء مقاتلات محترفات فى حرب الأنصار. و إرتقت الأسلحة التقليدية مثل الحجارة و المنجل و القضيب الحديدي التى كانت النساء تستعملها ضد الأعداء فى الحركات السابقة، إرتقت اليوم إلى بنادق و مدافع و رشاشات. فى السابق ، كان ينظر إليهن على أنهن مجرد مساعدات أو قوة إحتياط للحركات السياسية إلا أنهن اليوم قادة و آمرات فرق أنصارية مكونة من رجال و نساء. و ينبغى فهم هذا التطور على قاعدة أن البند العاشر من ميثاق الجيش سنة 1960 ، الجيش التابع للحكومة النيبالية ، يمنع إنضمام النساء إلى الجيش الملكي النيبالي . مدركا وضع الإستغلال المزدوج للنساء ، توجه لهن الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ) بوجه صحيح كي تطلقن طاقتهن المضطهدة بصورة مزدوجة لمهاجمة النظام المسؤول عن وضعهن المأساوي الحالي . فى كل فرقة أنصارية ، كرّس الحزب سياسة إنضمام على الأقل إمرأتين أنصاريتين (فى كل فرقة أنصارية ثمة تسعة إلى إحدى عشرعنصرا) .و النساء الأنصاريات يعملن كمقاتلات بالليل و نهارا بالدعاية و الإنتاج .
و حيث تتطلب الأوضاع ذلك ، تشكلت فرق أنصارية من النساء لكن هذا إستثناء و ليس القاعدة و جدير بالذكر ما حدث فى رولبا إذ كانت فرقة أنصارية من النساء مسؤولة عن القضاء على طاغية إقطاعي معروف بإستغلاله الجنسي للنساء. و فى كل مستويات القرية و المنطقة و المحافظة ، تمت تعبئة النساء فى ظل منظمة نسائية جماهيرية. و فى المناطق الثورية الحصينة، جرى إرساء محاكم شعبية أين إضافة لحالات أخرى، تم النظر فى حالات إستغلال النساء. و كان للجنة دفاع القرية و منظمة النساء الجماهيرية و الشعب تأثيرا مزدوجا فعولجت عديد حالات إغتصاب أرض الأرامل و المرأة الوحيدة و أعيدت الأرض لصاحباتها من خلال هذه المحاكم . كما وقع تأديب عديد الأزواج المقصرين الذين تعودوا السكر و ضرب زوجاتهم أو ممارسة تعدد الزوجات مستغلين النساء جنسيا. حالة لها دلالتها فى محافظة برفات تستحق الذكرإذ مثُل أستاذ تعليم ثانوي مشهور بإستغلاله النساء جنسيا وهو يعدهن بالمساعدة على إيجاد أكفاء لزواجهن ، مثل أمام المحكمة الشعبية و إضطر للوقوف فالجلوس و شد أذنيه لدقائق عدة و إضطر للإعتذار عن جرمه و أطلق سراحه مع تحذيره من العواقب الوخيمة إن إستمر فى جرمه .
و حيث النساء غير منخرطات مباشرة فى قتال حرب الأنصار ، فإنهن تعملن كقوة مساندة لحرب الشعب . إنهن تعملن كمنظمات و داعيات و ناشطات ثقافيا و موفرات اللوجستية و ممرضات للمقاتلين و الكوادر المجروحين و أعوان إستخبار و غطاء لكوادر الحزب و المقاتلين و زائرات و مصدر إلهام للسجون و عائلات الشهداء . و إنهن كذلك يتدربن على الإعداد المحلي للبنادق الرشاشة .
و لأن النساء ، ثقافيا ، مقترنات بالعمل البيتي ، كانت الناشطات أكثر فعالية فى تعبئة الجماهير فى المناطق الجديدة بما أنهن تستقبلن بسهولة على مستوى البيت. و سهل هذا للكوادر الرجال كسب إمكانية دخول البيوت فى مناطق جديدة. و قد لوحظ عموما أنه فى الأماكن أين تتم تعبئة النساء المحليات ، تصبح مثل هذه الأماكن فى النهاية قواعدا راسخة لإسناد الحركة. و إلى ذلك ، بفضل دور المرأة المتنوع داخل و خارج المنزل ، فهي توفر غطاءا جيدا لعديد الأعمال اللوجستية و الإستخباراتية لكوادر الحزب و الأنصاريين .
و بشأن إلتزام النساء الصلب تجاه حرب الشعب ، فقد رأينا أنهن تأخذن وقتا لتقرير الإلتحاق بالحركة بيد انهن حين يلتحقن بها تتمسك بها على نحو أرسخ من الكوادر الذكور. و لاحظنا وجود حالات أقل من الإستسلام و الهروب من أرض المعارك الحربية. و رأيناهن فضلا على ذلك ، أقل نزوعا إلى كشف أسرارالحزب .
و هكذا لمسنا أنهن أكثر إصرارا و صبرا من الرجال ( بالرغم من أنهن متأخرات نسبة للرجال فى معارفهن النظرية ). فى هذه الحركة أي بالنسبة لهن ، ليست المسألة مسألة التخلص من الإضطهاد الطبقي و حسب و إنما أيضا من الإضطهاد الجندري ذلك أن كسر السلاسل المزدوجة يتطلب قوة أكبر و إرادة قوية .
و النماذج البطولية التالية للنساء تبين بالمثال الأدوار المختلفة التى كانت و لا تزال تضطلع بها النساء فى حرب الشعب فى النيبال :
- دلمايا يونجان : أول إمرأة مقاتلة قدمت حياتها فى الهجوم المسلح الناجح على بيثان . قتلت وهي تشغل قنبلة . و ما يجعل إستشهادها حتى أكثر دلالة هو أنها تنتمى إلى القومية المضطهَدة التانغ .
- لالى روكا : كانت ناشطة إجتماعية و مساعدة صحية فى محافظة رولبا البعيدة . إختُطفت من مقر صحى و أطلق عليها النار. "ذنبها" أنها فضحت بنشاط الدور الرجعي للمنظمات غير الحكومية فى منطقتها .
- بندايا شولاغاي : إمرأة شابة فى حالة متقدمة من الحمل جري تعذيبها فى سجن شرطة لأنها كانت تمد الأنصاريين فى الغابات بالطعام . و ترتب عن التعذيب ولادة سابقة لأوانها للطفل مما أدى فى النهاية إلى موته و موتها هي بعد بضعة أيام.
- سنسارا بودا : زوجة ناشط حزبي عُذّبت أمام إبنها و لكنها لم تركع هي الأخرى. عندها قتلتها الشرطة بفضاضة مبقية الطفل جريحا .
- كامالا باطا: أستاذة رئيسة " الجمعية العامة لنساء النيبال (الثورية ) " بمحافظة غوركا .إغتصبتها و قتلتها قوة كومندوس خاصة من الشرطة المسلحة عندما كانت عائدة من عمل جماهيري فى صفوف نساء فى قرية .
- دوفى كهادكا : إنها تمثل رمزا حيا للإضطهاد البربري للدولة. إغتصبت تكرارا فى سجن شرطة مما أدي إلى تشريط رحمها. إغتصبت لأنها لم تستجب لضغط الشرطة بغرض أن تمضى شهادة وفاة أخيها الذى كان يذوى فى السجن. و اليوم هي على قيد الحياة و هي تعمل بهمة ضمن حرب الشعب .
شنييا لاما ، نرمالا ديكوتا ، منجو كوار و سوفدرا سبكوتا مع ثلاثة آخرين ذكور ناشطين ثقافيا قتلتهم الشرطة بتحريض مباشر من القادة الرجعيين التحريفيين فى " الما-الل الموحد " . "ذنبهم" أنهم كانوا يستنهضون و ينظمون القرويين بثقافة تقدمية .
إضافة إلى هذه الأمثلة أعلاه ، نقلت تقارير من المناطق الثورية الحصينة الإغتصاب الجماعي للنساء و أحداث النقل الجوي لهن فى الطائرات المروحية لتغتصبن فى مكان آخر و تقتلن . فى المراحل الأولى ، عذبت النساء و إغتصبت لكن الآن التيار الحديث هو قتلهن كذلك. و هذا يعنى أن حتى القوات المسلحة الرجعية إعترفت الآن هي الأخرى بمشاركة النساء فى مستويات مختلفة من حرب الشعب .
دور حرب الشعب فى تغيير النساء:
"حرب الشعب حرب شاملة " - ماوتسى تونغ
أثرت حرب الشعب على النساء بطرق متنوعة . قبل كل شيئ ، أحدثت حرب الشعب تغيرات جوهرية فى الحياة العائلية لنشطاء الحزب. سابقا ، قبل إنطلاق الحزب فى حرب الشعب ، كانت ثمة عديد التناقضات نظريا و عمليا فى علاقة بالقضايا الجندرية داخل البيت و الحياة الإجتماعية خارجه. مثلا ، التفضيل الكبير للأولاد
و تزويج البنات المدبر و ممارسة تعدد الزوجات بينما يتم الدفاع عن زوج واحد بصورة صارمة للمرأة و ممارسة عادات ثقافية إقطاعية كالصوم فى تواريخ مقدّسة و ممارسة عدم لمس المرأة أثناء العادة الشهرية
و كاست أدنى من الناس و التمسك الشديد بالملكية الخاصة و إحالة النساء إلى النشاطات المنزلية بينما ينهمك الرجال فى النشاطات السياسية إلخ كلها كانت سائدة. إلا أنه اليوم مع إنطلاق حرب الشعب عديدات هن النساء اللاتى غادرن المنزل مع أزواجهن ليلتحقن بالحركة تاركين الأطفال لنظام إعانة تعويضي. وغدت تلك النساء اللاتى قررن البقاء بالمنزل أكثر إستقلالية إقتصاديا و هن أوفر تسييسا بدافع الظروف و الجهود الذاتية للحزب بغاية تسييسهن و بدافع الجو السياسي العام الذى خلقته حرب الشعب. جعلت عمليات التفتيش المتكررة
و الإستجوابات و التعذيب و أحيانا حتى الإغتصاب جعلت منهن أكثر تحديا و عداءا لآلة الدولة. و لم ينج حتى الأطفال من مثل هذه الهجمات و هكذا تسيسوا فى سن مبكرة. فنجدهم يؤازرون بنشاط لجان دفاع القرية
و يشاركون فى النشاطات الثقافية و يساعدون فى أعمال الدعاية و الإستخبار إلخ.
و بما أن أغلب الذكور القادرين جسديا دخلوا فى السرية فى المناطق الثورية الحصينة ، بقي النساء و الأطفال يفلحون أرضهم و يواجهون قوات البوليس. فقلب غياب الرجال عن البيت الأدوار الجندرية السابقة. فعلى سبيل المثال ، نجد النساء اليوم تحرث المزارع الفلاحية وهو أمر غير مسموح به دينيا . و نجدهن تخدمن سطوح منازلهن وهو شيئ غير مقبول فى العادات الثقافية. و اليوم ، تتحدى النساء فى المناطق الثورية ، مراسيم الترمل لما تقتل قوات البوليس أزواجهن. و من جهة أخري ، يسعى الحزب بوعي إلى تحويل مصابهن إلى مصدر قوة للإنتقام من القتلة .وهذه الأيام تنقل الصحف مثل هذه القرارات النسائية .
و لنتناول حال سنجيتا بودها القاطنة برولبا . قتلت قوات البوليس زوجها سنة 1997 . و نقلا عنها ، عملت فى منزل أبيها عندما أوقف. والآن بعد قتل زوجها ،إنتقلت إلى الغابة لتلتحق بحرب الأنصار إنتقاما من قتلة زوجها . و كذلك ، حولت حرب الشعب فعلا الإحتفال الهندي الرجعي [تيج] إلى شكل مغاير ألا وهو أرضية ثورية للدعاية لمساندة حرب الشعب و فضح قمع الدولة فى النيبال .
و جعل غياب الرجال معا مع فظاعات البوليس النساء أكثر تعاونا فيما بينهن. و البارز هو شن الحزب حملات من أجل نظام سوق مرتكز على المجموعة و العمل التعاوني مثل نظام "البرما " ( تبادل تقليدي للعمل يمارس داخل بعض المزارع العائلية )على نطاق أوسع و بناء طرق جديدة و صيانة القديمة منها و إيجاد مصادر مياه للمجموعة و جمع العلف و الوقود بالإعتماد على المجموعة و تركيز "شوتارا" جديدة (حدائق عمومية )إلخ. و لنأخذ مثال "شوتارا" جديدة بُنيت على مفترق محافظتي رولبا و ساليان و القرويون هم الذين أنجزوها تذكارا للشهداء من النساء المحليات كوماري بودها و سنسارا بودها و لالى روكا .
و أعانت الفلاحة الجماعية بخاصة أولئك الذين بالفعل هم معيل وحيد للبيت حيث الأزواج فى أماكن أخرى سواء خدمة لحرب الشعب أو ذهبوا للعمل فى مراكز مدينية بعيدة . وفى بعض الأماكن تمكنن حتى من كسب قلوب أمثال العائلات اللاتى عناصرها الذكورية فى خدمة الرجعية العسكرية و البوليسية .
مع خدمتها المصالح الشعبية ، تشعر النساء الآن بأكثر آمان فى منازلهن الخاصة و خارجها بما أن الأزواج المخطئين و الرجال المتجولين يعاقبون كما يجب و صارت النساء أوفر وعيا لحقوقهن القانونية و لإضطهاد الدولة. و من جهة أخرى ، فضح نهب و إغتصاب قوات البوليس و الحماية التى توفرها الدولة للمعتدين
و المغتصبين ، فضح الطابع الطبقي و العنف الجندري للدولة و شحذ وعي الجماهير .
و كانت ضحايا الإغتصاب فى السابق توصم بالعار إلا أنه اليوم ، مع تقنين الإغتصاب و القتل اللذان تقترفهما الدولة ، إتخذ المعنى السابق للعار معنى كره طبقي و عصيان ضد آلة الدولة. و جعلت الهرسلة الجنسية دون تمييز حتى نساء رجال البوليس و الطبقة الحاكمة غريبات عن الدولة القائمة من ناحية و من ناحية أخرى وطدت التعاون فى صفوف الجماهير المضطهَدة فى وجه الدولة .
وفرت حرب الشعب خيارا ثوريا للشباب المتطلع للأفضل رجالا و نساءا . و حياة النساء و لا سيما فى المناطق الريفية ،رتيبة إلى درجة إعادة نفس شكل نشاطات التوالد. و نظرا لتدبير الزواج فى سن مبكرة جدا ، فليس بأيديهن من وسيلة للهروب من دائرة حياة الفريسة. و بالنسبة للنساء الطموحات للمغامرة خارج القرية يعنى ذلك تقريبا الوقوع فى شرك الدعارة أو الإتجار بهن بإتجاه الهند.( يقدّرأن حوالي مائة و خمسون ألف إمرأة من النيبال يتاجر بهن فى المراكز المدينية بالهند!) أو تقع فى مغازات الكدح بأجر زهيد حيث تتفشى الهرسلة الجنسية. و هكذا بالنسبة للنساء الطموحات ، توفر حرب الشعب مناسبة تحد للعمل جنبا إلى جنب مع الرجال و على قدم المساواة و لتثبت جدارتهن عقليا و جسديا.
ووفرت حرب الشعب ،بالإضافة إلى ذلك ،خيار حياة كريمة لعديد النساء المخذولات إجتماعيا و للنساء اللاتى خذلهن أزواجهن و للنساء اللاتى تركن مخذولات فى وقت الشدة ، بعد فقدان العذرية بسبب المحتالين و للنساء اللاتى لم يقدرن على الزواج و تجدهن يعاضدن حرب الشعب على مستويات شتّى . فبالنسبة لهن ، الموت البطولي فى خضم حرب الشعب أروع من أي موت يفرضه عليهن المجتمع .
و ساعدت حرب الشعب على إرساء قواعد تقدمية فى حياة الشعب. و الآن الجيل الجديد من الناشطات من النساء يتحدى نظام الزواج التقليدي المدبر و ينزع أكثر فأكثر نحو الزواج عن حب على أساس إيديولوجي . و لم تعد النساء تركع من أجل الحصول على الأبناء . و هن فى الواقع يحددن عدد الأطفال للأدنى الممكن كي تواصلن نشاطاتهن الثورية. و الرجال أحسن معاملة و تعاونا فى تسيير حياة الأسرة. و الآن الزواج المحدد بزوجة واحدة فرضه الحزب على الرجال. و لذلك يعاقب الرجال الذين يعثر عليهم متورطين فى علاقة غير جائزة ولا يقع التسامح معهم .و اللاتى لهن أسباب للطلاق يشجعن على الطلاق و الزواج من جديد. و ثمة حالات زواج من جديد. و النساء و الرجال الذين فقدوا أزواجهن /أو زوجاتهم فى الحرب تزوجن/تزوجوا من جديد . و مثل هذه الحالات و إن كانت محدودة فالحزب يشجعها .
و دفعت حرب الشعب كذلك نحو الإنتاج الأدبي الخلاق للنساء. و بالنتيجة تتقدم عديد النساء الجديدات لتتقاسم تجاربهن فى حرب الشعب و فضائع البوليس إلخ بكتابة مذكراتهن و قصائد و مقالات بارزة و مقالات نظرية فى الجرائد و المجلات .
و فضحت النشاطات التمويهية للمنظمات غير الحكومية المحلية و العالمية مثل آماميلان كندرا (مراكز تجمع الأمهات ) التى تنشر معابدها الدين بإسم تنظيم النساء ، فضحتها و أفقدتها ثقة الناس فيها.
و لأن النيبال بلد التنوع ، فإن حرب الشعب قد أثرت على النساء من مختلف القوميات كالهندوآريات و التيبيتوبرمان و غيرهن بطرق متنوعة . لقد ساعدت حرب الشعب النساء الهندوآريات على كسر سلاسل الحيلة الإقطاعية المنغلقة التى فرضتها الديانة الهندوبوريتانية بإطلاق طاقاتهن المضطهَدة . و لقد ساعدت التيبيتوبرمان و النساء الأخريات اللاتى لهن حرية نسبية ولهن حقوق أوفر فى إتخاذ القرارات كما قدمت لهن حياة لها معنى بإعطائهن فرصة رفع التحديات. ولم تكسر حرب الشعب قيود إضطهادهن الطبقي و الجندري و حسب و إنما أيضا إضطهادهن القومي . و قد أثرت حرب الشعب بوجه خاص على مجتمع درجات الكاست حيث النساء مستغلات إقتصاديا و إجتماعيا و سياسيا و جنسيا و ذلك بإطلاق كرههن ضد الدولة .
و غيرت حرب الشعب نوعيا و كميا الحركة النسائية فى النيبال. فبينما قلبت جغرافيا الحركة النسائية من المراكز المدينية إلى المناطق الريفية ، فإنها داخل المناطق المدينية غيرت نوعيا الحركة النسائية من حركة تدعو إلى إعطاء النساء مزيدا من الحقوق و الأعمال إلى حركة نسائية واسعة لها أفق طبقي محوري . و اليوم ، قضايا أوسع على غرار إضطهاد المرأة و حقوق الإنسان الخاصة بالمرأة و إضطهاد الجماهيرإلخ ينصب عليها الإهتمام إلى جانب قضايا أخرى . و يلاحظ أيضا أن الإغتصاب الجماعي المتفشى ضد النساء الريفيات و الذى تقترفه الدولة يؤثر فى النشاطات النسائية فى المدن كذلك . و تساهم النساء الآن فى منظمات حقوق الإنسان لتثبت إهتمامهن بالإعتداء على حقوق الإنسان و بالخصوص حقوق المرأة و الطفل . و أدت مثل هذه الفظاعات التى تقترفها الدولة فى المناطق الثورية الحصينة إلى بعث مجموعة خاصة من ست صحفيات لإستقصاء وضع المرأة فى رولبا و روكوم و محافظات أخرى . و قد عرت المجموعة فظاعات إطلاق يد الحكومة فى وسائل الإعلام المحلية و العالمية .
و دفعت حرب الشعب مختلف المنظمات النسائية (وهو أمر إمكانية حصوله كانت ضئيلة قبل بداية حرب الشعب ) صوب الإتحاد حول الأرضية نفسها لتنظم مسيرات إحتجاجية أو ندوات صحفية مشتركة ضد قمع الدولة و مسيرة ضد عروض الجمال إلخ. إلتقاء سبع منظمات نسائية موالية لأحزاب سياسية متباينة لتنظيم مسيرات إحتجاجية ضد الإغتصاب المتفشى و تعذيب ديفى كاوكا فى سجن شرطة أحد الأمثلة على ذلك .
دور الحزب الثوري فى إستنهاض النساء :
فى الإطار العام للنيبال ، تمثل الإقطاعية التناقض الرئيسي الذى على النساء مواجهته . و نتيجة لذلك تنزع بقايا القيم الإقطاعية إلى التسرب حتى إلى الهيكل التنظيمي للحزب مما يؤثر على النساء بوجه خاص لأنه عليهن القتال على جبهتين من منظور طبقي و من منظور جندري . و يغدو هذا باعثا على التحدى بخاصة للنساء
و للتنظيم الحزبي عندما لا يجري قبول المرأة فى قيادة مختلف اللجان و الوحدات الأنصارية بسهولة بسبب الأفكار المسبقة الإقطاعية. وهنا تصبح سياسة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) تجاه تشجيع مشاركة النساء فى حرب الشعب على كافة الأصعدة مهمة . والشيئ ذاته ، مع تصاعد التأثير الإمبريالي فى المناطق المدينية ، هنالك خطرأن تنزلق النساء بإتجاه التأثير النسوي و التذبذب الإنعزالي . وهذا صحيح بوجه خاص بالنسبة للنساء المتعلمات المترفهات اللاتي إلتحقن بحركة العصيان ضد الهيمنة الإقطاعية فى البيت. و بحكم خلفيتهن الطبقية ، من الممكن أن يكن أكثر حساسية للقضايا الجندرية منها للقضايا الطبقية. و هذا إن لم يُستقصى يمكن أن يؤدى إلى الإصلاحية أو إلى إنحراف يميني داخل الحزب. و من ثم ، على الحزب أن يواجه هذا الخطر بجعل العنصر الطبقي هو الذى يلعب الدور القيادي فى الحركة النسائية . و لا يمكن تحقيق هذا ما لم يتبع الحزب " الخط الجماهيري " الحقيقي كما دعى إليه الرئيس ماو فبواسطته يعمق الحزب جذوره فى صفوف المقهورين و فى ذات الوقت لا يخلق تناقضا عدائيا مع القوى المناهضة للإقطاعية و الإمبريالية . و ينبغى مع ذلك ، أن نكون حذرين من تأجيل القضايا الجندرية بسبب المغالاة فى الحماس تكريسا للوعي الطبقي و مما يمكن أن يقود إلى المغامرتية و الإنعزالية " اليسارية " فى الحزب. ولذلك ، يجب معالجة هذين التيارين المتطرفين بجعل النساء المتعلمات المترفهات أوعى طبقيا و النساء الفقيرات (و الرجال على نحو خاص) أكثر حساسية للجندرية . و أيضا علينا أن نكون نظريا واضحين حول أن هدف التنظيم النسائي و حصرا التنظيم الماركسي-اللينيني-الماوي هو أساسا إعداد النساء الناشطات اللاتى هن بالأساس واعيات طبقيا و هن إلى ذلك حساسات للجندرية كي تستطعن فعلا أن تمثل أنفسهن فى منظمات جماهيرية أخرى و فى الجبهات المتحدة المحلية .
موضوعيا ، توجد أرضيات عديدة لمشاركة النساء فى حرب الشعب . مع ذلك ، ذاتيا ، لا زالت متأخرة وراء الرجال بحكم التاريخ الطويل من الخضوع و المستوى التعليمي المتدنى و قلة التفاعل مع العالم الخارجي إلخ . من هنا ، يظل التعويل الذاتي للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) على أعضائه من النساء فى غاية الحيوية .
و اليوم تواجه حرب الشعب وضعا جديدا حيث الرجال و النساء الشبان و الشابات يقاتلون معا على الجبهة الحربية و فى أعمال تنظيمية سرية. فى مثل هذا الوضع ، ينبغى أن تعالج القضية الجنسية أخلاقيا بطريقة لا تسقط معها المرء فى الفوضى بإسم الحرية الجنسية. كذلك لأن الثقافة المهيمنة ثقافة إقطاعية يتعين علينا أن نكون واعين بأن الفكر المحافظ عادة ما يسيطر بإسم تحديد الحرية الجنسية. و لذا أصدر الحزب بعض القواعد و الضوابط لمعالجة مثل هذه الأوضاع. و فى الواقع ، يتم تشجيع قيم و قواعد ثقافية جديدة للقطع مع الثقافة الإقطاعية المنحطة .
و دخلت حرب الشعب اليوم مرحلة إعداد قواعد الإرتكاز و بات التحدي يكمن الآن فى جعل قوة النساء ليس لتحطيم المجتمع القديم وحسب و إنما أيضا لبناء مجتمع جديد تقدمي . و يمكن إنجاز هذا بالسماح لهن بالمشاركة فى نشاطات إنتاجية و فى جهاز إتخاذ القرار فى النواة المحلية للدولة الديمقراطية الجديدة المناهضة للإقطاعية
و الإمبريالية فى قواعد الإرتكاز المنظورة . و علينا ألا ننسى أن عدم حل أو إرجاء قضايا النساء على مستوى الحزب يعيق القضية البروليتارية على المدى البعيد بما أن النساء هن القوة الأكثر إضطهادا ضمن الطبقات و المجموعات المضطهَدة . ستؤثر مثل هذه النواقص فى النهاية على الخط السياسي للحزب بمعنى تحوله إما إلى خط يميني أو خط يسراوي . و هنا ينبغى أن نرسخ فى الأذهان روح الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى حياة الحزب منذ البداية. و بالتحديد شعار "من حقنا أن نثور " يجب أن يكون الشعار الموجه الذى يسلح النساء لتتمرد ضد الإقطاعية فى المجتمع و لتقاتل التيارات اليمينية و اليسراوية داخل الحزب .
خاتمة :
الحرب فى حد ذاتها و الحرب الطبقية بصفة خاصة مدرسة كبيرة للجماهير بمعنى أنها تفضح الطبيعة البطريركية للدولة البرجوازية –الإقطاعية . وهذا صحيح فى النيبال حيث النساء تعاقب ثلاثا لتحديهن الهيكلة الطبقية و الهيكلة البطريركية للدولة القائمة بالتعذيب و الإغتصاب و القتل .
و بما أن إضطهاد غالبية النساء يعود إلى العلاقات الإقتصادية الإقطاعية و الثقافة الإقطاعية المتخلفة
و الإضطهادية (و الثقافة الإمبيرالية الفاسدة فى المناطق المدينية ) و جهاز الدولة البطريركية ، يمكن أن تكون النساء قوة يُعول عليها فى الثورة الديمقراطية الجديدة المناهضة للإقطاعية و الإمبيرالية. و النساء أيضا قوة يمكن التعويل عليها أكثر من غيرها فى دفع الثورة الديمقراطية الجديدة نحو الشيوعية ذلك أن تحررهن النهائي لا يمكن تحقيقه إلا بعد القضاء على الملكية الخاصة وهو أمر غير ممكن إلا فى ظل الشيوعية. وغدت قضية النساء مسألة هامة بالنسبة لكافة الطبقات و فى الحرب الطبقية الراهنة ، يسعى الإمبرياليون لإستعمال النساء كصانعات سلام للحفاظ على الوضع القائم بينما تصلب القوى الماركسية-اللينينية-الماوية النساء لتضرب بعنف النظام الذى كان مسؤولا عن إستغلالهن المزدوج .
بالتالي لننادي :
" يا نساء العالم العاملات إتحدن . ليس لكن ما تخسرنه إلا سلاسلكن المزدوجة !!"
-----------------------------
"تيج": يوم صيام طويل مفروض على النساء بقصد الصلاة من أجل طول عمر أزواجهن و بالنسبة لغير المتزوجات فإنهن يصمن ليصلين من أجل الأزواج الأهل لذلك. و النساء ترتدين ثياب عرس و تتجملن و تغنين فى هذا اليوم فى الأماكن العمومية ./.
--------------------------------------------------3-----------------------------------------------------
مسألة جعل النساء فى مراكز قيادية فى حرب الشعب
(الرفيقة برفاتى،عضوة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و رئيسة قسم النساء التابع لهذه اللجنة المركزية-2003)
مقدمة :
تتطور حرب الشعب النيبالية التى إنطلقت فى فيفري سنة 1996 بقيادة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) عبر طفرات و قفزات. و الآن عمت نار الثورة جميع أطراف البلاد فحسب الأرقام التى قدمتها الحكومة ذاتها تركزت حرب الشعب فى 73 مقاطعة من أصل 75 بالنيبال . و هذه الإنتصارات لم تكن لتتحقق لولا تعبئة الجماهير التى تشكل العمود الفقري لحرب الشعب .
و فى هذا الإطار كانت تعبئة النساء بشكل خاص جلية للغاية. لقد كانت السباقات فى كسر جدار الصمت المطبق على كافة البلاد بتنفيذ الإضراب التاريخي الأول فى النيبال إثر إنطلاقة حرب الشعب فى 13 فيفري 1996 و قد تجرأت فى الثامن من مارس 1996 منظمة نساء النيبال (الثورية ) على عقد ندوة – رغم التهديدات بالإيقاف – لمناقشة الحاجة الملحة لقيام ثورة شاملة للقضاء على إضطهاد النساء . على إثر هذه الخطوة الجريئة إندفعت تنظيمات جماهيرية أخرى فى التعريف ببرامجها الخاصة .
و كانت نساء الداليت بمقاطعة كاليكوت الواقعة غرب النيبال السباقات فى الإستيلاء على بنادق القوات المسلحة الرجعية لتضعها بأيدى اللجان المحلية للحزب مما سمح بتسريع نسق حرب الشعب فى هذه المنطقة .
و فى مارس 2001 شكل الهروب الأول و التاريخي الذى حققته ست نساء كن معتقلات بسجن على درجة عالية من المراقبة بمقاطعة كولخا ، شكل حدثا إستثنائيا و ربما لا مثيل له فى التاريخ العالمي .
و منذ إعلان حالة الطوارئ فى نوفمبر 2001 ، كانت منظمة النساء إلى جانب منظمة الطلبة ضمن المنظمات الجماهيرية الأكثر نشاطا و طليعية فى الحركة . و قد أجبرت الحملة الناجحة ضد الكحول فى أكتوبر 2001
و التى هزت البلاد بأسرها ،الحكومة على التفاوض مع منظمة نساء النيبال (الثورية) .
إضافة إلى ذلك ثمة أمر مثير آخر ألا وهو أنه قبل أن يعلن الرجال داخل الحزب تخليهم عن ممتلكاتهم العائلية كانت نساء رولابا قد باشرت تطوعهن بحليهن وممتلكات شخصية أخرى لصالح المؤسسات المحلية للحزب . وبعد إعلان حالة الطوارئ تزايد إغتصاب النساء و إغتيالهن و إختطافهن. ومع ذلك ما إنفكت مشاركة النساء فى حرب الشعب تتصاعد.
و اليوم تتوفر قاعدة مادية موضوعية لتطوير جعل النساء فى مراكز قيادية على مستوى كافة الجبهات . واعيا بهذا الواقع ، قرر الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) إنشاء قسم خاص بالنساء تابع للجنة المركزية للحزب .
و وظيفة هذا القسم هي إعداد سياسات تسمح للنساء بتطوير وجودهن على أعلى مستوى بعدد متعاظم وإلتحاقهن بالنشاط السياسي على الجبهات الثلاث ،الحزب و الجيش و الجبهة الموحدة .
مسألة جعل النساء فى مراكز قيادية فى صفوف الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي)
إكتست مسألة بلوغ النساء مراكز قيادية أهمية فى النيبال مع تعويض الجبهات الثورية الموحدة مؤسسات الدولة الرجعية على نطاق القرية و المحافظات . كانت النساء تلتحق بالحركة بأحجام غير مسبوقة إلى عهدئذ
و كانت تبرهن عن روح مقاومة و تضحية و إخلاص خارقين للعادة ، لكن كانت تنقصهن المعارف و التقنية الضروريتين للنهوض بمهام قيادية .و مع تركيز المجلس الشعبي الثوري الموحد على المستوى المركزي لضمان تنسيق جميع الجبهات على مختلف المستويات ، صارت هذه المسألة دقيقة جدا. و من جهة أخرى ، عندما كانت تملك مستوى أعلى من التكوين العسكري داخل جيش التحرير الشعبي ، بحثت النساء أنفسهن عن طرح مسألة تطويرتأهيل النساء لمراكز القيادة و إكتست هذه المسألة أهمية أكبر حتى مع بلوغ التنظيم العسكري مثلما هو الحال الآن ، مستوى اللواء و منذ وجود كتائب و سرايا نساء ، أمكن ملاحظة أن الرجال يواصلون نشاطهم فى الميدان العسكري إلى سن الأربعين و أكثر بينما لا تستطيع النساء المضي إلى أبعد من سن 25 سنة إلا بصعوبة . و فى الوقت الذى كانت فيه الظروف الموضوعية على الساحة تتطلب تطوير قدرات الكوادر النساء القيادية ، فى صفوف الحزب ذاته كان يدور نقاش نظري حول دور النساء فى الحركة الشيبوعية العالمية .
خلال الندوة الوطنية الثانية و أثناء تحليل و تلخيص إنجازات حرب الشعب النيبالية و طريق براشندا ، كان دور النساء فى التأسيس لمواصلة الثورة و دورهن فى الوقوف فى وجه الثورة المضادة موضوع نقاش عميق . فى الواقع تركيز قسم خاص للنساء نتاج لطريق براشندا. و تمحور النقاش حول دورهن فى أدوات الثورة الثلاث و بما أن الحزب هو الرئيسي بين الأدوات الثلاث ، نالت مسألة تكوين نساء ثوريات قائدات فى الحزب الشيوعي عناية خاصة .
مسألة القيادة و النساء :
فى الأساس القيادة هي تعبير مركز عن القيادة الإيديولوجية السياسية و بالتالي داخل حزب شيوعي، القيادة الإيديولوجية هي التى تحدد نوعية القيادة . و هذه النوعية تتطور فى خضم صراع طبقي متواصل و صراع داخل الحزب و صراع داخلي . لا يمكن لقيادة محنكة حقا أن تبرز إلا فى البلدان حيث يدور صراع طبقي
و حيث سلامة الحزب تتأتى من صراع داخلي فى الحزب ، صراع يتطلب مستوى عال من تغيير الأفراد بفضل صراع داخلي مستمر . روزا الوكسمبورغ و ألكسندرا كولنتاي و كلارا زتكين و تشيانغ تشينغ إفراز لصراع طبقي حاد للغاية و لصراع داخل الحزب فى ألمانيا و روسيا و الصين .
و من ناحية أخرى ترتبط مسألة القيادة بكل من الحاجة الموضوعية و عامل الصدفة. فى العلاقة الجدلية بين الإثنين ، صحيح ان الوضع الموضوعي يجعل من الضروري بروز قائد ، بيد أن مسألة معرفة من سيظهر كقائد تبقى للصدفة. عند هذا الحد من القضية تغدو مسألة بلوغ النساء مراكز قيادية أعقد. لقد رأينا أن الحركات الشيوعية الثورية نجحت دوما فى تفجير غضب النساء ، و لكنها كانت غير قادرة على توجيه هذه الطاقة صوب تشكيل قائدات شيوعيات قادرات على مواجهة الصعاب مهما كانت. و قد طرح السؤال آلاف المرات : لماذا توجد قلة من النساء كقائدات فى الأحزاب الشيوعية بينما قدمت الماركسية تحليلا جد دقيق لإضطهاد النساء و قدمت حلا للمسألة؟ و من هنا السؤال : لماذا لا يلعب عامل الصدفة لفائدة ظهور نساء قياديات فى الأحزاب الشيوعية رغم الظروف الموضوعية المواتية . تحليل عميق يفرض نفسه.
إلتحاق النساء المجال السياسي إلتحاقا متأخرا
منذ عصر العبودية ، تمكن رجال الطبقات ذات الإمتيازات من تطوير قدراتهم فى مجال الشؤون السياسية للدولة . وقد طوّروا أنفسهم كقادة على حساب نساء مختلف الطبقات و على حساب الرجال العبيد . وهذا مستمر بشكل أو آخرإلى يومنا هذا. وهنا من المناسب التذكير بأن إنجلز شرح أن إلغاء النظام الأموي مثل أكبر هزيمة تاريخية عالمية للجنس الأنثوى و أن الرجال أخذوا زمام الأمور حتى فى البيت . فأهينت المرأة وصارت مستعبدة و أسيرة شهوة الرجل و تعمل على إنتاج الأطفال . بمقتضى حقهم فى الملكية ، إستولى الرجال على القيادة و فقدت النساء الحق الأموي . صارت النساء مقادة . و كان تقسيم العمل السائد عصرئذ يخص الرجال بالعمل الفكري بينما يوكل للنساء العمل اليدوي بما سمح للرجال بمراكمة خبرة طويلة فى ميادين تحليل
و تلخيص العالم فى حين إقتصر عمل النساء على الأعمال المنزلية محدودة القيمة . وبإحتكار الرجال مجالات المعرفة إنطلقوا بنشاط ليس فى فهم العالم فقط بل فى تغييره أيضا . و يجب التذكير بأن النساء لم تحصل على حق الإنتخاب إلا بعد الرجال بزمن طويل . و حتى اليوم فى القرن الحادي و العشرين ، فى ظل حكم إقطاعيين دينيين من عهد آخر مثل طالبان أفغانستان ( الذين إستبدلوا اليوم بتحالف إقطاعيين جدد تحت إمرة حميد كارازاي ) وفى ظل حكم المشايخ فى بلدان الخليج ، لا تزال النساء مبعدات من المجالات العمومية . و حتى فى البلدان الغربية ، بالرغم من كل الضوضاء التى يثيرها مناصرو قضية المرأة ، لا نجد سوى القليل من النساء على رأس الأحزاب السياسية . فى حالة النيبال منذ ولادتهن ليس للنساء أية حق فى القيادة بسبب النظام الإقطاعي و الملكي السائد. كل هذه العوامل تتراكم و تأثر على النضال من أجل بلوغ النساء مراكز قيادية فى الأحزاب السياسية . وهذا صحيح بوجه خاص بالنسبة للأحزاب الشيوعية و إن كان تاريخها ذاته نسبيا فى بداياته و الذين هم مع ذلك جد متعارضين مع التيار الذى تمثله الأحزاب السياسية الرئيسية .
نمط الإنتاج القائم ليس مشجعا :
تقوم البنية التحتية و البنية الفوقية للمجتمع الحالي على نظام عام للإستغلال و على نظام خاص لإستغلال وظيفة التناسل والعمل المنزلي للنساء .فى ما يتعلق بعلاقات الملكية ، فإن النساء مسؤولة عن الحفاظ على ملكية الرجل وهي التى ستعطي أبناءا لزوجها يتوارثون هذه الملكية عينها حسب خط ذكوري . والبنية الفوقية السائدة بأسرها و كذلك النظام الإجتماعي و الثقافي و السياسي تعمل من أجل هذا النظام الإستغلالي. مثلا ليست مؤسسة الزواج سوى رباط يهدف إلى تأبيد هيمنة الرجل على علاقات الملكية . و بالنسبة للنساء يمثل هذا الرابط تهميشا يجعل منهن عبيدا للمنزل . و للأسف يسرى هذا أيضا على الشيوعيين و إن كان بدرجة أقل .
فى النيبال ، بفضل حركات تقدمية قوية ، برزت من فترة إلى أخري مناضلات بعدد وافر إلا أنه يبدو أنهن تتوارى بمجرد بلوغهن الشهرة . تبقى مؤسسة الزواج واحدة من أبرز الأسباب التى تفسر إبعاد قيادات نسائية ذات مستقبل واعد . و يبدو أن حرب الشعب تغير هذا النموذج و لكن مع ذلك ، حتى فى صفوف حرب الشعب يبدو أن بقاء النساء فى مواقع قيادية يصبح غير متأكد حين تتزوج و تقرر الإنجاب. و يعود ذلك إلى أن النظام الإقطاعي و الأبوي أكثر رجعية فى بلدان مثل النيبال منه فى النظام الأبوي الرأسمالي فى البلدان الأكثر تقدما. لذا غالبا ما تكون حياة النساء الشيوعيات حين تتزوج معقدة .
و مع أن مفهوم الملكية الخاصة يتلاشى شيئا فشيئا مع تقدم حرب الشعب ، لا تزال الجذور الثقافية الإقطاعية تتسرب بأشكال إلتفافية على غرار التقسيم التقليدي للعمل المبرر بإسم الحاجة . إلى هذا ينضاف العبئ الذى تتحمله النساء من طرف واحد عندما يصبحن أمهات . مع كل طفل يولد تغرق النساء أكثر فى العبودية البيتية . فى الواقع ، تشكو عديد النساء اللاتى أنجبنا أطفالا من كون الأطفال يجعلونهن فى وضع يشبه من يتلقى إجراءات تأديبية ذلك أنهن ينقطعن عن أنشطة الحزب لمدة زمنية طويلة . و هكذا تسقط عديد المناضلات الشيوعيات فى النسيان منذ زواجهن من رفيق من إختيارهن. و الأمر كذلك لا سيما فى المناطق التى يهيمن عليها الرجعيون لأن النساء لا يتمتعن بأية دعم من الجماهير و من الحزب طوال السنوات التى تنهض فيها بوظائف التناسل . بالمقابل من المشجع رؤية أن المشكل فى طريقه إلى الحل فى مناطق الإرتكاز مثل رولبا و روكوم حيث تقدم الجماهير مساندتها للتخفيف من عبئ الأمومة عن النساء القياديات. و مظهر آخر من المجتمع الإقطاعي النيبالي هو الضغط الشديد الممارس على النساء المتزوجات كي تنجب أطفالا و بالخصوص أولادا. مع إنطلاق حرب الشعب، إختفى هذا المظهر جزئيا غير أن الضغط يظل مع ذلك كي تلد على الأقل طفلا.
و ثمة أيضا تيار ينحو نحو ممارسة نوع من الضغط على النساء الكوادر حتى تتزوج علنيا أو سريا بسبب الريبة الثقيلة التى تنتشر إزاء النساء العازبات مما يضطرهن إضطرارا للزواج أو للزواج قبل الأوان . و ثمة أيضا تيار إعتبار الجنح الجنسية أخطر من الجنح السياسية .
نضال النساء أعقد من نضال الرجال :
المشاركة فى الصراع الطبقي و فى الصراع داخل الحزب و فى الصراع الداخلي غير كافية بالنسبة للنساء الشيوعيات. يحدث غالبا أن تجد أنفسهن أقلية بينما تنتمى إلى الخط الأغلبي داخل الحزب . و لأنهن نتاج هذا المجتمع ذى الهيكلة البطريركية ، فإن صراعهن الداخلي صراع ضد أنفسهن كأفراد و كذلك صراع ضد القدرية و عقدة النقص و عقدة الذنب إلخ. و عليهن أن تواجه صراعات أصعب حتى حين تكون عازبات أو مطلقات أو تزوجت لعدة مرات . توثيق هذه المسألة وفير فى مقالات ألكسندرا كولنتاي .هي نفسها مثال جيد عن التمرد ضد هذا النوع من الزواج . لقد تركت زوجها الأول و إبنها لتتفرغ أكثر للعمل الثوري ثم تركت زوجها الثاني الشيوعي المحافظ . معارضتها للزواج التقليدي جعلتها تواجه صعوبات خاصة بالمجتمع البرجوازي و أيضا صعوبات نابعة من المحافظين من الشيوعيين . لهذا تعرف ألكسندرا كولنتاي ب" نظرية كأس الماء" (النظرية القائلة بأن الجنس ينبغى أن يكون ببساطة و سهولة شرب كأس ماء ) لدي المحافظين من الشيوعيين أكثر منها بمساهماتها فى الحركة الشيوعية و فى الحركة النسائية و حركة البروليتاريا الشيوعيين . لنتفحص مثالا آخر هو مثال تشيانغ تشينغ التى كان عليها أن تواجه تشويهات الصحافة و الشخصيات البرجوازية بسبب زيجاتها السابقة
و حتى داخل الحزب لم تكن تعامل بصفة ودية للغاية . وأجبرت على القبول بإبعادها سياسيا ل32 سنة فى مقابل زواجها من ماو. و قد إتخذ هذا القرار حينما كان اليميني ليو تشاوشى ضمن القيادة العامة للحزب .
مظاهر من القيم البطريركية فى صفوف الحزب الشيوعي
بما أن الحركة النسائية نتاج الثورة البرجوازية فغالبا ما تنزع الأحزاب الشيوعية نحو الحساسية حين يتعلق الأمر بمشاكل النساء . تستسلم هذه الأحزاب للقيم البطريركية مع القبول شكليا بتحرير النساء . و يتمظهر هذا بأشكال متنوعة. فمثلا ، عوض إعتبار النساء بمثابة شريكات متساويات و موثوق بهن على المدى البعيد فى صفوف الحركة الشيوعية ، لا يقدم لهم البعض إلا دور الدعم فى الحركة الشيوعية . و بالتالي يولى الحزب أهمية مبالغ فيها للصراع الطبقي غالبا على حساب النضال ضد إستغلال المرأة و ينسى العلاقة الجدلية بين الإثنين . سجلت حالات تأخير فى تشكيل منظمات نساء و حتى الحل المؤقت لمنظمة نساء كانت قائمة. ووجدت حالات حيث وقع رفض أن إعطاء الحرية الضرورية لجبهة النساء كي تصيغ مخططاتها و برامجها الخاصة حارمينها هكذا من قدرة المبادرة و الإبداع. وهو ما يؤدى فى آخر المطاف إلى الإغتراب و إلى ذهنية التبعية داخل الحزب. والشيئ ذاته يحصل عندما لا يتم التنسيق بين برنامج النساء و برنامج الحزب. و بالتالى يعطى برنامج الحزب الأولوية نسبة لبرنامج النساء . و نلاحظ الفكر المحافظ داخل الحزب فى تكليف الكوادر النسائية بمهام توصف بالأنثوية . و هكذا لم تستطع المشاركة فى صياغة سياسة الحزب فى ميادين أخرى .
عمليا ، يجرّ هذا إلى العفوية التى تناقش مشاكل المرأة و لا تمر إلى التطبيق لأنه يترك للظروف اللعب لصالح التناظر للحصول على درجة أرقى . لمسنا عادة عدم تدخل الحزب ضد التقسيم التقليدي للمهام بين الرجال
و النساء بمعنى ترك الرجال يتكفلون بالعمل الفكري بينما تنهض النساء بالعمل اليدوي . و يتمظهر هذا فى مساواة صارمة ترفض رؤية الظروف و الحاجيات الخصوصية للنساء وهو ما يبرز حتى أكثرحين العادة الشهرية أو حينما تكون النساء حواملا.

نقص فى المجهود الفردي للكوادر النسائية :
على النساء أن تواصل خوض النضال ضد الإضطهاد المزدوج. ولكن بما أنهن لا تقمن بالجهود الفردية الكافية فإنهن تتوقفن فى منتصف الطريق. مثلا ، خاضت بنجاح النضال ضد القيم الإقطاعية و لم تخض دائما الصراع الطبقي . و حيث خاضت صراعا طبقيا لم تستطع خوض الصراع داخل الحزب و بعدم المشاركة أو المشاركة البسيطة فى الصراع داخل الحزب ، فقدت ذكائهن الإيديولوجي. و هكذا لم تستغل النساء فرصة المساهمة فى عمل صياغة تمشى الحركة الشيوعية رغم أن لذلك عظيم الأهمية لتحررهن . نقص مجهودهم الفردي بيّن فى مجالات عدة . ففى الميدان الإيديولوجي تجدهن فريسات للبراغماتية و الإقتصادوية و الإنعزالية لأنهن لا تولى الجدية اللازمة للدراسة النظرية و بسبب الظروف الموضوعية فى الماضي ، لا تساهم بما فيه الكفاية فى الصراع الداخلي فى الحزب فى سبيل تغيير هذه الظروف الموضوعية بالذات .
فى المجال العملي ، عادة ما تبدى النساء تبعية و تطبق توجيهات الحزب بشكل أعمى دون طرح أسئلة ، بالضبط كما كانت تطيع أباءهن قبل زواجهن ، و أزواجهن فى ما بعد و فى الأخير أبناءهن لمّا تترمل. و من هنا تصير ضحية الظروف وهو ما يظهر فى الأمومات غير المرجوة التى تقلقهن حتى أكثر عندما توجد النساء على ساحة المعركة .
و هناك مظهر آخر هو إتباع النساء بصورة عمياء للخط السياسي لأزواجهن عوض صياغة خطهن الخاص مما ينعكس على إستقلالية حياتهن السياسية . و بعدم الدفاع عن حقوقهن تسقط النساء فى فخ التقسيم التقليدي للعمل و بالنتيجة تصبح ناقلات مباشرة أو غير مباشرة للأفكار التقليدية و الرجعية التى تقود للثورة المضادة . إنها ترى عادة الزواج و الأمومة فترة إستراحة فى مسارهن السياسي و العسكري كما لو أن الأمر يتعلق بعمل مؤقت. وأيضا تلتحق طواعية بعمل الزوج فى ميدان شغله هو و تخسر بالتالي خيوط عملها الخاص السابق .
و ينبغى أن نلاحظ أن النساء تستغرق وقتا أكبر حتى تستقر فى ميدان عملهن . لذلك يؤثر عليهن التغيير المستمر للمكان و للعمل أكثر من تأثيره على الرجال . و كنتيجة لجميع هذه الإتجاهات السلبية تتطور لديهن عقدة الدونية وهو أمر مضاد لتخصيب الثورة .
لا يتخلى الرجال طوعا عن إمتيازاتهم الخاصة :
بينما للكوادر النساء صعوبات فى فرض أنفسهن ، للرجال صعوبة فى التخلى عن موقعهم المتميز الموروث من الهيكلة الأبوية . و يظهر هذا بألف وجه و وجه . مثلا فى قبولهم الشكلي لبلوغ النساء مصاف الكوادر بينما فى عمقهم لا يقبلون ذلك . و تشهد بذلك التأخيرات فى دفع النساء إلى مراكز القيادة داخل الحزب و جيش التحرير الشعبي و الجبهة . و كذلك فى فقدان الصبر أمام الأخطاء التى ترتكبها النساء و النقص فى إحترافهن . إنهم يجعلون عادة النساء تعتنى بالمشاكل الخاصة بالنساء . و نلاحظ ذلك فى عدم إهتمامهم بقراءة ما يتعلق بالمسائل النسائية كما لو لم أنهم غير معنيين . لا يقرؤون الأدب الخاص بمشاكل النساء و لايشاركون كذلك فى صياغة برامج الجبهة الجماهيرية للنساء . و يتخذ كل هذا أحيانا شكل الحماية المبالغ فيها للكوادر النساء على المستوى الأمنى فى حين أن ذلك ليس ضروري حقا كما يتخذ شكل تولى مسؤولية العمل الفكري عوض النساء . و مظهر آخر لهذا الأمر هو تمسكهم بالتقسيم التقليدي للمهام أي عدم التخلي عن إحتكارهم للعمل الفكري مبعدين النساء نحو الأعباء المنزلية اليومية .و رافضين التخلي عن وضعهم ذى الإمتيازات ، يميل الرجال إلى إحباط زوجاتهم المفعمة بالحماس و المتطوعات للنهوض بمهام مستقلة تبعدهم كثيرا عن أزواجهم .
الخط السياسي و مسألة النساء القياديات:
إنها إيديولوجيا الحزب الشيوعي و خطه السياسي هما اللذان سيسمحان بتقييم نوعية القياديات الشيوعيات اللاتى ستظهر و سيحددان طريق تحرير النساء . لقد أفرز الخط السياسي الصحيح الذى صاغه الحزب الشيوعي و على رأسه الرفيق لينين قياديات شيوعيات لامعات مثل ألكسندرا كولنتاي و كلارا زتكين و آنيسا أرمادا
و كروبسكايا إلخ . إنه خط سياسي صحيح لأنه سمح لقياديات شيوعيات مثل كلارا زتكين و روزا لكسمبور غ بإعتماد يوم عالمي للمرأة يحتفل به مذاك العالم بأسره ، بعد أن تبنت هذا القرار الندوة العالمية الأولى للنساء الإشتراكيات فى ستوكهولم فى 1910. و هذا الإحتفال من صنع البرجوازية (بطريقتها) مثلما هو من صنع الشيوعيين اليوم أيضا.
متبعة خطا سياسيا صحيحا ، فضحت الشيوعية روزا لكسمبورغ برنشتاين و قاتلته فى كتابها ." ثورة أم إصلاح إجتماعي " و فى ما بعد كان نضالها ضد كاوتسكى هو الذى جعلها معروفة لدى الشيوعيين الثوريين فى العالم بأسره . وهي التى نبهت لينين إلى خطر البيروقراطية داخل هياكل الحزب إذا لم يتم فهم مسألة المركزية الديمقراطية بطريقة جدلية و فى الظروف الخاصة بالبلد الذى يطبقها . مع ظهور الثورة المضادة فى البلدان الإشتراكية سابقا و التوجهات البيروقراطية التى تريد من وقت إلى آخر أن تخرب الأحزاب الشيوعية التى تخوض حرب الشعب ، يتخذ تنبيه روزا لكسمبورغ طابعا راهنا .
الشيئ نفسه ، كان الخط السياسي الصحيح الذى صاغه الرفيق ماو وهوعلى رأس الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى هو الذى سمح بالتعبير عن غضب النساء . كانت إمرأة هي المبادرة بتعليق لافتة /دازيباو يفضح ليو تشاوشى و مباشرة بالصراع ضد الخط اليميني بالقيادة العامة . و الثورة الثقافية هي التى سمحت للرفيقة تشيانغ تشينغ (التى كانت محرومة من صفتها القيادية ) بالبروز كواحدة من أكثر المقاتلات صرامة ضد الرأسمالية إلى وفاتها (أو إغتيالها) . و ينبغى كذلك تذكر أن ليوتشاوشى اليميني هو الذى أعطى أمرا برجوع النساء إلى منازلهن بغية معالجة مشكل البطالة الذى كان يلوح فى الأفق وذلك عندما كان ضمن القيادة العامة . و السياسة اليمينية للبريسترويكا و السياسة الرأسمالية لدنك سياو بينغ هي التى أعادت شيئا فشيئا المتاجرة بالنساء مع عودة الدعارة و مسابقات الجمال إلخ فى روسيا و فى الصين .
إضافة إلى ما قيل لا ننسى أن النساء بفعل إنقسامهن إلى عديد الطبقات و أن النساء الشيوعيات تنقسم كذلك إلى خطوط يمينية و وسطية و ثورية . بسبب السياسة المعدية لتحرير العاملات التى يتبناها الخط اليميني و الخط الوسطي ، فإن النساء اللاتى كن تعلن تبنيها لمثل هذه الخطوط وجدت أنفسها فى آخر المطاف مهمشة فى حزبهن و تمت إدانتهن خارج الحزب بسبب موقفهن المعادي للنساء . بينما ظلت النساء اللاتى إخترن الخط الثوري ،حتى و إن لم تستطع تحقيق الإنتصار للثورة فى بلدهم الخاص ، ظلت رموزا شعبية . وهو ما ينطبق على روزا لكسمبورغ التى تظل القيادية الشيوعية الأكثر شعبية إلى يومنا هذا. لقد جرى إغتيالها قبل أن تحقق حلمها مما جعلها حتى أكثر إحتراما كقائدة شيوعية صارمة . على ذات المنوال ، كان الموقف الصلب لتشيانغ تشينغ التى دافعت عن الخط الثوري لماو حتى وهي سجينة هو الذى أكسبها صفة البطلة التى لا تهاب شيئا.
و تجدر الملاحظة أن النساء الشيوعيات كن على الدوام فى الواجهة فى النضال ضد التحريفيين . لعل السبب يعود إلى أنهن تمسكن جمر البيروقراطية التى تعزز بدورها القيم البطرييركية التى هي بدورها ترفض مشاركة النساء فى الميدان السياسي. كما تجدر الإشارة إلى أنه فى بلدان ما يسمى بالعالم الثالث مثل النيبال حيث التفرقة الطبقية ليست جد واضحة ، فإن الصراع داخل الحزب يمكن أن يتخذ أحيانا شكل الصراع الجندري أو الإثني أو الجهوي و المشكل الجندري يمكن حينئذ أن يتحول إلى عنصر هام فى الصراع الطبقي . و فى هذه الحال ستكون لأبعاد المشكل الجندري بالتأكيد إنعكاسات على مستوى الصراع الطبقي .
الملكية الخاصة و مسألة النساء القياديات :
بإستمرار تلتحق الجماهير النسائية عبر موجات للمساهمة فى الحركة الثورية و بالتالي توجد إمكانية بروز نساء قياديات نتيجة طبيعية . لكن يبدو أن هذه الموجة و العدد الممكن من النساء القياديات تنشح عندما تنجح الثورة أو تكون الثورة قد فشلت . و السبب الرئيسي لهذه الظاهرة هو مفهوم الملكية الفردية . طالما وجدت ملكية خاصة ،على النساء الإعتناء بشؤون المنزل و تبقى الملكية الخاصة للرجل و هذا بالرغم من كافة الثورات الممكنة . لذا يكتسي مفهوم مواصلة الثورة حتى الشيوعية أهمية إستراتيجية بالنسبة للنساء لأنه لن يتم إلغاء الملكية الخاصة إلا فى هذه المرحلة ، فاتحة هكذا المجال أمام الإبداع النسائي . و من هنا تأتي أهمية القيام بجهود واعية فى صفوف الأحزاب الثورية التى ستلعب دورعامل الدفع إلى حين بلوغ الشيوعية . لا يمكننا عندئذ أن ندع للصدفة وحدها بروز قياديات شيوعيات و إنما علينا أن نسهر بوعي على أن تستطيع التفتح و الحياة و التعلم و على أن ندافع عنها.
بعض تجارب نساء قياديات فى النيبال:
تمخض الإعتراف بأهمية النساء الثوريات و دورهن فى حركة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) عن نتائج مشجعة . فاليوم ثمة بعض النساء فى اللجنة المركزية لحزبنا و ثمة العشرات على المستوى الجهوي و المئات على مستوى الإقليمي و عشرات الآلاف فى مناطق الإرتكاز و فى الخلايا . فى جيش التحرير الشعبي ، هنالك عديد النساء القائدات و نائبات القادة فى مختلف الأقسام ،الفرق ، الألوية و السرايا و الميليشيا.و هنالك أقسام متكونة من النساء فقط ضمن الفرق النسائية و الألوية النسائية والمليشيات النسائية تعمل على الساحة . لجنة الشعب الثوري المتحدة التى هي مجلس تنظيمي للحكومة المركزية فى حالة جنينية يشمل على أربع نساء من أصل 37 عضوا. و مشاركة النساء على كافة المستويات فى مجالس الشعب تمت عبر التفويض.
لتقديم مثال فقط عن مشاركتهن على مختلف الأصعدة لنأخذ العدد الجملي لنساء المنظمات النسائية الجماهيرية فهو يصل إلى ستة مائة ألف. و على المستوى العسكري ،هنالك عشر نساء قادة سرايا فى القوة الرئيسية و إمرأتان فى قيادة الفيالق فى القوة الثانوية و عديد النساء فى قيادة مليشيات القوة الأساسية . و قد شنت النساء حملة
" فى كل قرية ، وحدة ، منزل ، صديق ". و ساهمت هذه الحملة فى تنظيم و تسييس القرى الواحدة بعد الأخرى . كذلك فى ميدان الإنتاج ، شنت حملة سميت :"حيث توجد علاقة ، يوجد تنظيم ، وحيث يوجد تنظيم يوجد إنتاج ". إذا شاركت النساء فى النشاطات الإنتاجية وساهمت بحيوية فى المحاكم الشعبية حيث كانت تتم محاكمة ومعاقبة السكارى و المتلاعبين ومحتقري النساء و الغشاشين . فى هذه المحاكم ، كانت المليشيات المتكونة من النساء تساهم بشكل كبير إلى جانب القرويين . يمكن أن نقول إن هذه هي الأسس الموضوعية لبروز النساء القياديات اللاتى نضجن فى المنطقة الغربية .
و اليوم يجرى تشجيع النساء على التمرد بعدد متزايد ضد الزواج المفروض و الزواج غير المناسب من وجهة النظر السياسية . مثلا، بدأت الرفيقة شيلبا مسيرتها قائدة فرقة أنصاريين وأصبحت بعد ذلك عضوا فى نيابة اللجنة الجهوية للحزب و فى النهاية نائبة رئيس اللجنة الشعبية على مستوى المحافظة . و توفيت وفاة بطولية بينما كانت تعد كمينا للقوى المسلحة الرجعية فى ماي 2002 . و تجرأت على فضح زوجها الذى إرتد عن الثورة بعد أن وقع فى الأسر و طلقته .
و ثمة توجه متنامى لإعادة تزويج الأرامل . و مفهوم عائلة الشهداء يشمل اليوم زوجات الرفاق الشهداء اللاتى تزوجن من جديد و لم تتخل عن القضية الثورية . وهو ما ساعد أرامل الشهداء على الزواج دون الإحساس بعقدة الذنب. مثلا الرفيقة شيلو تلك التى كانت تقود النساء اللاتى قمن بالهجوم التاريخي على سجن غوركا فى مارس 2001 تزوجت من جديد من رفيق آخر حينما فقدت زوجها بهيم سان بوكارال الذى قدم حياته ببطولة وهو يحاول حماية الرفيق باسو ، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) و أول شهيد من صفوف المكتب السياسي.
و تجدر الإشارة إلى أن الرفيقة بهول مايا ب.ك. التى كانت قائدة سريّة فى الكتيبة التى قامت بالهجوم التاريخي على ثكنات دنك فى 23 نوفمبر 2001 إستشهدت فى نفس الوقت هي و زوجها الرفيق بيجوك فى هذه المعركة بالذات . و يمكن أن نضيف أن المفوض السياسي للهجوم على ثكنة ستباريا فى دنك فى أفريل 2002 هي إمرأة .وخلال إعلان حالة الطوارئ و التعبئة العسكرية ، إستشهد عديد الأزواج و الزوجات و البنات و البنين على الجبهة و هذا يبين جيدا درجة التسييس داخل العائلة فى النيبال.
خاتمة :
يمكننا إذا أن نستخلص أن لبلوغ النساء الثوريات مراكز القيادة فى الحزب الشيوعي أهمية إستراتيجية لأنهن قوة منغرسة فى الجماهير ، قوة يمكن التعويل عليها على المدى الطويل و قوة ستدفع إلى الأمام الحركة الشيوعية فى الثورة الديمقراطية الجديدة حتى الإشتراكية ، ومن الإشتراكية حتى الشيوعية مع إضمحلال الدولة و الملكية الخاصة . حينها سيكون التحرير التام للنساء مضمونا .
بصدد علاقة الشيوعية بتحرير النساء ، قالت إناسا أرماند مثلا إن تحرير المرأة لا يعقل دون الشيوعية
و بالتالي إن الشيوعية لا تعقل دون التحرير التام للنساء . إن مفاهيم من حقنا أن نثور و الثورة الثقافية ومواصلة الثورة فى ظل دكتاتورية البروليتاريا عموما و السياسة المرتكزة على الجماهير إلخ، كافة هذه المفاهيم و تطبيقها هامة جدا بالنسبة للنساء نظرا لتعرضهن للإضطهاد المزدوج. هذا الإضطهاد المزدوج و الوعد القديم الذى لم يتم أبدا الوفاء به، وعد المساواة الذى قطعته الطبقات السائدة بما فيها اليسار التحريفي ،يجعلهن متحليات باليقظة و على إستعداد لمعارضة كل ثورة مضادة و كل تحريفية لأنهن لمسن أن مكتسباتهن فى مجال حقوق النساء تتآكل شيئا فشيئا مع كل إجراء رأسمالي إتخذه الحزب[ التحريفي ] فى روسيا و فى الصين .
يجب على الشيوعيين أن يعوا تمام الوعي أنه إذا لم نناضل بإستمرار ضد القيم البطريركية ،رغم الحملات التصحيحية ، ستتسرب البيروقراطية تدريجيا إلى الحزب . و بقرطة الحزب تعنى إنعزاله عن الجماهير . إن صار الحزب هدفا فى حد ذاته ، يخدم وجوده كحزب ، فإنه فى النهاية سيعزز التحريفية . و الحزب سيصبح طليعة الطبقة المستغِلة عوض أن يكون طليعة الطبقة المستغَلة . و لن يمثل أي أفق تحرر للطبقة المستغَلة و للنساء .
من أجل أن تنمو الحركة الشيوعية ، لا يكفى أن تنتج شيوعيات قياديات لامعات مثل روزا لكسمبورغ و كلارا زتكين ، فمن المهم كذلك أن تنتج زوجات شيوعيات مثل كروبشكايا و تشيانغ تشينغ اللاتى كن قياديات فى مجالاتهن و اللاتى ظللن واقفات بصلابة إلى جانب أزواجهن الذين هم ذاتهم قياديين مرموقين فى الحركة الشيوعية . لم توفر لأزواجهن فقط الراحة و الرفقة بل ساهمت أيضا بنشاط فى صراع الخطين داخل الحزب . و نحتاج فضلا عن ذلك إلى نساء مثل جيني ماركس التى بقيت صلبة كالحجر إلى جانب زوجها أوقات الشدة الشخصية و السياسية و التى دعمته بكل ما أوتيت من جهد . وذلك لأنه من أجل الحفاظ على مكاسب الثورة و الإستمرار فى التقدم ، لا نحتاج إلى قياديات ثوريات فحسب بل نحتاج ايضا ان يتلقى قياديينا الرجال الدعم و الحماية اللازمين . لا ننسى كذلك أن الثوريين مثل كارل ماركس و إنجلز و أوغست بابل و لينين و ماو إلخ هم الذين قدموا تحليلا عميقا لإضطهاد النساء و أشاروا إلى طريق تحريرهن .
كما ينبغى أن نسجل أمرا آخر هو أن النساء الشيوعيات تعرف أن كل خطوة إلى الأمام فى سلطة الشعب البروليتاري تناسب خطوة نسبية إلى الأمام فى سلطة النساء . و على الرجال الشيوعيين أن يعرفوا أن الثورة و المكاسب لا يمكن أن نضمنها و أن نطورها إلا بقدر ما تكون النساء أكثف فأكثف عددا فى إلتحاقهن بصفوف الثورة وبصفوف قيادتها . إضافة إلى ذلك ، بالضبط مثلما تحتاج الحركة البروليتارية إلى مشاركة جميع الذين يتمردون على طبقتهم ، تحتاج حركة النساء مشاركة جميع الذين يتمردون على طبقتهم و أيضا على أفكارهم المسبقة الخاصة الجندرية . و بناءا عليه، فإن التحالف بين الرجال و النساء الثوريين ليس فقط أمنية و إنما أيضا ضرورة تاريخية . وهو ما يجعل حتى أكثر ضرورة بروز شيوعيات ثوريات قياديات .
و فى الأخير من المهم عدم نسيان ملاحظة أبداها ماو و مفادها : كونوا غير راضين فالعالم ملك لغير الراضين. و هذه الملاحظة تنسحب حتى أكثر على القياديات الثوريات اللاتى ينبغى أن تخوض صراعهن الداخلي. /.
------------------------------------------------4-------------------------------------------------------
مشاركة المرأة فى الجيش الشعبي
( الرفيقة برفاتى ،2004)
" لا شيئ مستحيل فى هذا العالم إذا تجرأتم على صعود الجبال "- ماو تسي تونغ
مقدمة : عندما شرع الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) فى حرب الشعب التاريخية فى 1996 ، لم نكن نملك من أدوات القتال سوى بضعة عصي و مناجل و "خوكريس" و شيئا مثل مسدسين إنثين (1) . بعد ثماني سنوات ، صار جيش التحرير الشعبي مع ذلك يمتلك عتادا فائق التقدير . و بالطريقة نفسها سنتذكر أنه فى المرحلة الأولى لحرب الشعب ، كانت قوانا القتالية قليلة العدد و لم تكن تنشط بالأساس إلا فى إطار عمليات الدفاع عن النفس . و لكن الآن غدى جيش التحرير الشعبي متكونا من فيلقين (2) و سبعة ألوية و تسع عشرة كتيبة و عديد الفرق و الأقسام ،هذا بغض النظر عن عشرات الآلاف من المليشيات (نساءا ورجالا) التى يقودها .
عند الإنطلاقة لم تكن القوات الأولية التى نشرها الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) تواجه سوى الشرطة المحلية ،بينما الآن على الأنصاريين و الأنصاريات أن يقاتلوا الجيش الملكي النيبالي بأسره وهو يلقى المساندة من الولايات المتحدة (لهذا نفضل تسميته الجيش الملكي للولايات المتحدة ).
أكثر ميزات حربنا الشعبية أهمية هي بالتأكيد المساهمة الخارقة للعادة للنساء فى صفوف جيش التحرير الشعبي و مشاركتهن المباشرة فى القتال . أثناء الإجتماع الموسع الثالث للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) الذى إنعقد فى 1995 قبل إنطلاق حرب الشعب ، تقرر أنه ينبغى أن تشارك على الأقل إمرأتان فى كل فرقة تتشكل . و اليوم ،تعد النساء ثلث أعضاء جيش التحرير الشعبي .إنهن الآن قائدات مساعدة فى بعض الكتائب و قائدات و قائدات مساعدة فى عديد السرايا و الأقسام و بعضهن تحتل مركز المفوض السياسي فى مستوى أو آخر . و الإستشهاد الحديث للرفيقة سابان شيالا التى كانت تقود سرية من جيش التحرير الشعبي فى 17 سبتمبر 2003 يقدم لنا مثالا ساطعا عن المكانة التى صارت تحتلها النساء الآن . فقد قدمت الرفيقة شيالا حياتها للثورة بينما كانت تقاتل الجيش الملكي فى منطقة بيانغ –جمكوت الواقعة غربي البلاد.
مع مضي الوقت ، شاهدنا أيضا عددا كبيرا من النساء المساهمات فى نشاطات أنصارية مدينية جريئة ،على غرار الإستيلاء على أموال بنوك وتصفيات إنتقائية و حركات تحطيم أملاك و بناءات الدولة ،لا سيما فى الهضبة المركزية لتيراي والعاصمة كتمندو و مراكز مدينية أخري . و على مستوى المليشيات ،يتأكد أن مساهماتها ببساطة خارقة للعادة ، متجاوزة عادة مساهمة الرجال . فضلا عن ذلك ، تنهض النساء بدور هام فى حماية المجالس الثورية الشعبية التى تركزت فى عديد الجهات و المقاطعات و تشارك كذلك فى تعزيز مناطق الإرتكاز حيث تقوم بمهام مختلفة فى البناء.
لهذا أضحت النساء جزءا مساهما فى ما يمثل هيكل الدولة الجديدة الناهضة حاليا. و تكريس شعار "مواطن /مواطنة ، جيش " الذى رفعه المجلس الثوري الشعبي الموحد فى توجيهاته الحديثة لإدارة السلطة الشعبية جعل حتى أكثر نجاعة مساهمة النساء فى العمل العسكري.
و اليوم ، بلغت حرب الشعب مرحلة تستعد فيها للمرور من مرحلة التوازن الإستراتيجي إلى مرحلة الهجوم الإستراتيجي. و بإعتبار أن الفترة القادمة ستكون حاسمة فى الثورة النيبالية ، من المهم أن نعمم و نلخص تجربة النساء المقاتلات فى صلب جيش التحرير الشعبي و أن ندرك جيدا مدى الحدود و التحديات التى تواجههن . لكن قبل أن نخوض فى ذلك بالتفصيل لنعرض بداية كيف ساهمت النساء فى مختلف الحروب التى تتالت إلى يومنا هذا.
النساء و الحرب :
مع إضمحلال المجتمعات الأموية البدائية ، تحول التناقض بين الإنسان و الطبيعة إلى تناقض فى صفوف الإنسان ذاته و إتخذ بوجه خاص شكل حروب طبقية . و أدى التملك الفردي للثروات و البحث عن الربح الفردي إلى حصر دور النساء فى الأدوار البيولوجية المرتبطة بالحفاظ على الطبقات الإجتماعية و إعادة إنتاجها . فى مثل هذا الإطار ، كانت مساهمتهن فى الحروب محدودة ،غالبا ، فى مجرد دور معاضد .
لقد إستعملت النساء عادة لمجرد رفع معنويات الفرق المتحاربة (هكذا حين يبعث بالممثلات المحترفات و غيرها من شهيرات النساء إلى حقل المعركة ) و إستعملت أحيانا كصارخات ( من أجل السخرية من " فقدان الرجولة " لدى المقاتلين الأعداء ) و كمساعدات على المستوى اللوجستي (هذا ما حصل على نحو واسع خلال الحروب العالمية الأولى و الثانية ) و كممرضات (مثل فلورنس نايتنغال ) أو حتى كجسوسات (و يدل على ذلك المثال الشهير لمارتا هارى) . المرات القليلات التى وجدت فيها نساء تساهم بنشاط فى القتال هي المرات التى كان فيها ذلك بطريقة محدودة و إستثنائية جدا، مثلما هو الحال بالنسبة لاكسمى باي فى الهند التى قاتلت مضطرة أو مثلما هو الحال بالنسبة لجان دارك فى فرنسا ، المدفوعة بفقدان الأمل .و حتى لما حدث ذلك ، كان على هذه النساء أن تلبس ثيابا ذكورية و أن تخفي هويتهن الحقيقية.
والحالة التى نالت إشهارا واسعا هي حالة الأمازونونيات اللاتى قاتلن فعلا إمبراطورية الداهومي فى القرنين 18 و19. هذه الحالة كانت نتيجة عمل مأتاه فقدان الأمل من قبل الملك الذى وضع كتائب كاملة من النساء خلف قواته بهدف خداع العدو موهما إياه بأن قواته كانت أهم مما هي عليه فى الواقع . فقط بعد أن وجدت أنفسهن مضطرة للمساهمة فى القتال ، إكتشف الملك أنه بإمكانهن أن يكن كذلك مقدامات كالرجال فأدرجهن بالجيش النظامي.
أقرب منا حتى ،هنالك نساء منظمة نسور إيلام التاميل و اللاتى أدمجن هي الأخرى فى الجبهة العسكرية لكن فقط بعد أن أثبتن قدراتهن فى نشاطات المساندة اللوجستية أو فى قوى خاصة مكلفة بمعاضدة فرق الرجال.
النساء و الحروب الطبقية :
كان لزاما إنتظار ظهور الحروب الطبقية الثورية حتى نشاهد أخيرا إرتفاعا له دلالته فى مساهمة المرأة فى النشاطات العسكرية . فقد صارت هذه الظاهرة ممكنة لأن الحروب الطبقية تهاجم مباشرة العلاقات الإقتصادية الإجتماعية الإضطهادية و علاقات الإنتاج و الفقر التى تؤثر على النساء أكثر حتى من الرجال . و للحروب الطبقية علاقة مباشرة بالصراع ضد إضطهاد النساء ذلك أنها لا تزلزل أسس الدول الرجعية فحسب و إنما تزلزل كذلك كل الهيكلة العائلية التى هي ذاتها متخفية بعمق خلف الدين .
على عكس الحروب الأثنية و الدينية و الجهوية لا تخلق الحروب الطبقية إنقسامات فى صفوف الشعب ، بالعكس بقدر ما تتطور بقدر ما تتجه نحو العالمية . إنها تستقى قوتها من النشاط الجماعي للجماهير و بالخصوص الجماهير المضطهَدة (وضمنها تعد غالبية النساء ) . إضافة إلى ذلك ، تمثل كل من الدكتاتورية التى تمارسها الدول الثورية ضد المضطهدين و توسيع الديمقراطية لصالح الجماهير ، محور جاذبية قوي بالنسبة للنساء . و الدول الثورية لا تعزز الأدوار الإنتاجية للمرأة فقط بل كذلك تحمى أدوارها التناسلية . بما أن الإضطهاد متجذر بأكثر عمق من إضطهاد المجموعات المضطهَدة الأخرى فإن النساء تفهم بسهولة ضرورة فرض حرب طبقية واسعة و ممتدة . و هكذا ، يزخر التاريخ بأمثلة مساهمة النساء فى الحروب الطبقية .
وتعد المشاركة المباشرة لنساء البروليتاريا فى كمونة باريس فى 1871 أول حلقة كبرى فى صراع النساء المضطهَدات. و يؤكد وقوفهن إلى جانب رفاقهن الذكور عندما رمتهم القوى الرجعية بالرصاص درجة الحقد عليهن الذى ولدته مشاركتهن فى الثورة .
و كذلك كانت مشاركة النساء فى القتال فى الإتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية خارقة للعادة بأتم معنى الكلمة . و الأرقام التالية تعطينا مؤشرا جيدا على ذلك:
" تبين الإحصائيات الرسمية أن 800 ألف إمرأة كانت ضمن عناصر الجيش الأحمر بينما كانت 200 الف أخريات ضمن القوى غير النظامية (متكونة من أنصاريين و أنصاريات ) و هذه الإحصائيات تساعدنا على تأكيد أن النساء كانت تشكل حوالي 8 بالمائة من إجمالي العناصر العسكرية للإتحاد السوفياتي (التى كانت تعد 12 مليونا ) . من هذه ال800 ألف إمرأة ،حوالي 500 ألف إشتهرت بمشاركتهن فى جبهة القتال بينما إتبعت 250 ألف أخرى تمرينا عسكريا فى مدارس الكمسمول "(3)
وفى الصين، تكونت مليشيات نسائية خاصة فى المناطق التى كانت تحت سلطة القوى اليابانية حينما كانت تحتل البلاد، و فى ما بعد قاتلت هذه المليشيات الجيوش البيضاء التى كانت تواصل الهجوم على الحدود الصينية إثر ولادة الصين الشعبية.
و أخيرا، تميزت حرب الفتنام أيضا بمشاركة كبيرة للنساء . صورة الجنود الأمريكان ذوى الهيئة القوية بالتأكيد و لكن الذين سيطرت عليهم الفتناميات الصغيرات الحجم و الناقصات تجهيزات ما إنفكت إلى اليوم تسبب الكوابيس لقادة الولايات المتحدة . و ما نذكره هنا يعطى فكرة عن مساهمة النساء فى حرب التحرير الفتنامية سواء على المستوى الكمى أو النوعي :
" لقد إرتقت السيدة دِنَه إلى مرتبة جنرال لجيش التحرير الشعبي الفتنامي على قاعدة الإنجازات التى حققتها كمؤسسة لجبهة التحرير الوطني و قائدة لإنتفاضة بَن تَرِي. و كانت تسميتها تعكس أيضا مشاركة النساء ذات الدلالة فى صفوف جيش التحرير الشعبي الفتنامي [...] اللاتى كانت تمثل حوالي 40 بالمائة من قادة الكتائب" (4)
مشاركة النساء فى حرب الشعب طويلة الأمد :
" النساء مشتل الحرب " -هو شي منه .
بما أن الإضطهاد الطبقي و الجندري الذى تتعرض له النساء إضطهاد طويل الأمد ، فإن آفاق حرب الشعب طويلة الأمد تتكشف جذابة بالنسبة لهن . حتى و إن كانت حرب الشعب طويلة الأمد أولا و قبل كل شيئ طريقة تهدف لإقامة دولة الديمقراطية الجديدة ، فإن سيرورة تطورها تسمح بتحقيق تغييرات مستمرة . و تسمح أيضا بكسر الثقافة الإقطاعية و مقاومة الثقافة الإمبريالية . وهكذا تساعد حرب الشعب طويلة الأمد النساء على تحقيق ذواتهن بصورة تامة و على تحقيق حياة أوفر كرامة .
حرب الشعب هامة بشكل خاص بالنسبة للنيبال حيث يتطلب الأمر من النساء أن تنجز قفزة جبارة ماضية من الأبوية الإقطاعية و القروسطية مثلما هي موجودة اليوم (العذراوات،بخاصة، موضوع عبادة دائم) إلى ثورة الديمقراطية الجديدة . و هذه القفزة إلى الأمام تفترض فترة طويلة من التحول فى طريقتهن الخاصة للنظر إلى الأشياء .
ما يميز حرب الشعب عن المناهج الأخرى فى الحرب تعلم الحرب عبر القتال ووضع الإيديولوجيا فى المصاف الأول نسبة للأسلحة و بناء قواعد إنطلاق و تطوير المبادرة المحلية و التعويل على الذات و المحافظة على القوى و إستهداف العدو و مهاجمته حيث يكون الأضعف و الإنسحاب حيث نكون فى وضع ضعف و بالخصوص المبادئ الأساسية التى لخصها ماو فى صيغته الشهيرة "صيغة الستة عشر حرفا" ( "العدو يتقدم ،نتراجع، العدو يتوقف،نهرسله،العدو يتعب ،نوجه له ضربة ، العدو يتراجع ،نطارده") : كافة هذه الميزات بمقدورها أن تدفع نحو مشاركة النساء . حرب الشعب طويلة الأمد هي الإستراتيجيا العسكرية للقطاعات الأضعف فى المجتمع المناضلة ضد سلطة دولة أقوى بكثير من هذه القطاعات الأضعف.
بوجه خاص، يتناسب جيدا مفهوم قواعد الإرتكاز مع نضال تحرير المرأة . و هكذا يمكن وضع المكاسب و النتائج التى تحصلن عليها بفضل نضالاتهن موضع الممارسة فى الحال ،حتى قبل أن تضع الحرب أوزارها. فتكريس المساواة فى الحقوق فى ميادين الملكية و التعاونيات و المزارع الجماعية و فتح المطاعم و رياض الأطفال، مثلا، تتكشف ممكنة تماما. و يغدو كذلك ممكنا ضمان عدد معين من مراكز القيادة للنساء فى صفوف أجهزة الدولة الجديدة فى طور التشكل . و يعطى التطور المحتمل للحرب نحو تركيز التشكيلات العسكرية الأكثر تقدما النساء مجالا كافيا للعمل من أجل القدرة على إستيعاب و تصحيح و تحسين قدرات النساء على الإنتفاضة فى زمن تبين فيه عناصر السرعة و المفاجأة و تركيز القوى بهدف ضمان الإفتكاك النهائي لسلطة الدولة المركزية محدٌّدة . ( لنلاحظ أن فى عالم اليوم الأكثر فأكثر إستقطابا ،يجب أن تأخذ إمكانية و حتى ضرورة المزج بين حرب الشعب طويلة الأمد والإنتفاضة بعين الإعتبار منذ بداية النضال المسلح ، علما أن فى البلدان المتخلفة ، ينبغى التشديد مع ذلك على حرب الشعب طويلة الأمد بينما فى البلدان المتقدمة ، يظل الطريق الأساسي الإنتفاضة). لهذا يجب النظر فى مسألة مساهمة النساء فى كل من حرب الشعب طويلة الأمد و الإنتفاضة من وجهة نظر إستراتيجية . و تكتسى حرب الشعب بالنسبة للنيبال أهمية أكبر حتى.
توفر الظروف النيبالية الخاصة مثل أنه ليس للنساء أية حق فى الملكية و أن الدولة تخلت عنهن بفضاضة فى الوقت الذى تمثل فيه مع ذلك حجر زاوية الإقتصاد الفلاحي المعيشي ، قاعدة مادية خصبة لإنخراطهن الجماهيري فى جيش التحرير الشعبي . بينما يضطرالرجال للقيام بالخدمة العسكرية أو الهجرة نحو مناطق مدينية فى النيبال و حتى فى الهند كي يجدوا عملا ما ، فإن النساء تجد أنفسهن مضطرات للإعتناء لوحدهن بالأطفال و الشيوخ فتصبح فعليا القائمات بالعائلات ذات العائل الواحد و عليهن تغذية عائلاتهن فى المناطق البعيدة و الوعرة .
واحدة من الظواهر التى تحبطهن إلى درجة عالية و تدفعهن إلى الإنتقام هي ظاهرة تعدد الزوجات التى تتطور حتى أكثر فى مثل هذه الظروف و التى تفرض عليهن أتعابا مضاعفة . هذه الظاهرة تجعل من النساء المتعاطفات مع جيش التحرير الشعبي كثيرات العدد و تحث بناتهن على الإلتحاق بصفوفه حين لا تصبح هن بالذات مقاتلات لوقت كامل .
و أدى الضغط الذى يدفع النساء إلى الزواج فى سن مبكرة أكثر فأكثر (لأجل التخلص من أعباء العفة ) كذلك إلى أن إلتحقت عديد البنات من الأصل الهند-آري بجيش التحرير الشعبي فبالنسبة لهن جيش التحرير الشعبي وسيلة جيدة لكسر سلاسل الإقطاعية. و بالطريقة ذاتها ، فى ما يتعلق بالنساء من أصل تيباتو-برمان و إن كانت نسبيا أحرارا فى إختيار أزواجهن ، فإنهن تنتهين لا محالة إلى أن تجد أنفسهن فى حلقة مفرغة من حياة روتينية و قاسية ، مكرسة تحديدا للتناسل فبالنسبة لهن أيضا يوفر جيش التحرير الشعبي فرصة الحصول مباشرة على تجربة أرقى و حرية أكبر .
علاوة على ذلك ، يوفر جيش التحرير الشعبي نهجا جديدا لنساء قومية التارو اللاتى تحررن حديثا من العبودية فى منطقة تاراي . كانت هذه النساء مستغَلة ليس إقتصاديا فحسب و إنما أيضا جنسيا من طرف رجال الكاست الأعلى البراهمانيين و شهاتريس الذين يعيشون فى الجبال المحاذية . بتسليح النساء الداليت ، قدم لهن جيش التحرير الشعبي وسائل قتال نظام الكاست المفرط فى التصلب و الذى ينظر إليهن و يعاملهن حتى بأكثر عنف من لو كن كلابا.
وعلى عكس الرجال ، لنساء النيبال إمكانيات ضئيلة فى الحصول على عمل فى المراكز المدينية للبلاد (هذه المراكزالتى هي مع ذلك قليلة التطور إلى حد كبير) و فى الهند المجاورة ، كل ما يمكن الأمل فيه هو التعرض للسرقة و البغاء . لذا، تجد غالبيتهن أنفسهن فى الخلفية فى الأرياف و فى المناطق الريفية و بالتالي تغدو هذه النساء هدف الجيش الملكي الذى يمارس السرقة و يضرم النار فى منازلهن و مواشيهن و محاصيلهن (حين لا يقرر هؤلاء المرتزقة ببساطة إغتصابهن و قتلهن) . و نجم عن هذه الظاهرة الواقعية جدا إرتفاع نسق إنخراط النساء فى جيش التحرير الشعبي : إنهن يعتبرن الإنخراط فيه طريقة جيدة للإنتقام من عديد الإعتداءات التى تعرضن لها و التى لا زلن يتعرضن لها.
إذن ، توجد نساء النيبال فى نفس الوضع الذى وصفه ماركس فى حديثه عن البروليتاريا : ليس لديهن ما تخرسرنه سوى سلاسلهن!
دور جيش التحرير الشعبي فى تغيير المقاتلات :
" إن الثورة الشيوعية تقطع من الأساس كل رابطة مع علاقات الملكية التقليدية ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطورها ،كل رابطة مع الأفكار و الآراء التقليدية ." ماركس و إنجلز ،" بيان الحزب الشيوعي" ،1848
يساهم جيش التحرير الشعبي فى تغيير وضع النساء ليس فقط على المستوى الجوهري بل أيضا على المستوى العملي .إنه يساعدهن كذلك على كسب الإحترام و الكرامة الذين حرما منهما على الدوام .لمدة طويلة جدا ،إعتبرت النساء من التحصيل الحاصل و لمدة طويلة جدا تعرضت للعنف بصمت ،على النطاق الخاص و أيضا على النطاق العام. و اليوم لم يعد الهوليقانس و ثقيلي الظل والمعتدين على النساء يتجرؤون حتى على الإقتراب من النساء فى مناطق حرب الأنصار إلا إذا كانوا مصحوبين بالقوى المسلحة الرجعية .
لقد حوّل جيش التحرير الشعبي هذه النساء غير الآمنة إلى منتفضات حقيقيات . و قد خلصهن من كل اللباس الذى فرضه الإقطاع لأجل إرتداء ثياب عملية و صالحة للجنسين . و غدت مقاتلات جيش التحرير الشعبي واعيات ليس لتطورهن الإيديولوجي فحسب و لكن كذلك لتطورهن الجسدي . تعي النساء جنسانيتهن و مسائل الزواج و الإنجاب التى لها إنعكاس مباشر على نشاطهن السياسي و العسكري .

بإمكاننا أن نقول دون أن نخطأ إن جيش التحرير الشعبي ساعد النساء على كسر الجدران الأربعة للمنازل حيث كانت سجينات و إنه ساعدهن على السفر و التنقل عبر البلاد كافة . وسمحت مساهمة النساء فى جيش التحرير الشعبي بتوسيع مجال نشاطهن لتمر من الرحم إلى العالمية . من عبيد منازل "فى الخفاء" صارت مقاتلات ثوريات محترفات تنهض بوضوح بأعباء مواقع مسؤوليات وهو ما عزز قوتهن الجسدية وكذلك الذهنية، سامحا لهن بتطوير طريقة تفكير أكثر موضوعية تلبى طلبات حياة قتال صارمة .
فى السابق ، لم تكن النساء تدرك حتى مفهوم الزمن : كانت تعمل من الفجر إلى نهاية اليوم ، و أحيانا حتى إلى ما بعد منتصف الليل و لكن الآن صارت تعدّ مستلزمات توقيت القنابل الموقوتة ...فى السابق ، كل ما كانت تحفض "إطلاقه" هو شعر الآخرين و الآن يعلمهن جيش التحرير الشعبي إطلاق النار بأسلحة من العيار الثقيل...
و كانت النساء ورعات و خاضعات و أمست مقاتلات شرسات ! فى السابق ، كانت تمد آذانهن لإلتقاط الإشاعات الرائجة و اليوم ، تستمعن إلى الإذاعة و تبحثن عن الأخبار الوطنية و العالمية . فى السابق ، المرات الوحيدة التى يسيل فيها دمهن هي خلال العادة الشهرية و الآن يسيل دمهن فى سبيل الإطاحة بالنظام الملكي المسنود من قبل الإمبريالية الأمريكية !
بتعزيز أنفسهن على المستوى الإيديولوجي و بتطوير قدراتهن القتالية ،حققت النساء كذلك تحويلا فى لغتهن الجسدية . منهن ترشح ثقة بالنفس و كرامة . كانت أميات فأضحت الآن تعبر بلغة غنية بمفردات إيديولوجية و عسكرية . و بمستطاعهن ختاما النظر للأشياء من منظور فلسفي و كذلك النظر للحياة و الموت كوجهين لعملة واحدة ينبغى التعاطي معهما حسب الضرورة و الخطر . الآن تدرس النساء الجدلية و تقدر على رؤية ما هو إيجابي فى وضع سلبي و العكس بالعكس. إنهن تتعلمن قانون التناقض و تقدرن على أن تفرق بين التناقضات الرئيسية والتناقضات الثانوية ،و ما هو نسبي و ما هو مطلق و المراكمات الكمية و الطفرات النوعية .

لقد غدت مقاتلات جيش التحرير الشعبي الآن معتادات على مفاهيم مثل طبيعة العلاقات بين الدولة والحكومة ، بين الإمبريالية و بلدان ما يسمى بالعالم الثالث و بين الإمبريالية الأمريكية و بقية القوى الإمبريالية . على مستويات متعدّدة، يمكن أن نعتبر النساء أعضاء جيش التحرير الشعبي بعدُ أكثر تقدما من النساء المشاركات فى التنظيمات الجماهيرية التى يقودها الحزب . فنسق تغيير النساء فى الجيش سريع إلى درجة أنهن تترددن فى مغادرة ساحة المعركة حين تطرأ مشاكل صحية أو أي وضع آخر يمكن أن يعلل نقلهن إلى جبهة أخرى .
كل هذا يذكرنا بجملة لينين الشهيرة التى تقول إن الحرب تغير فى عشرة أيام ما يتغير عاديا فى عشر سنوات على الأقل.


دور المقاتلات فى تغيير جيش التحرير الشعبي :
لم تكن مشاركة النساء فى جيش التحرير الشعبي صحية لهن فقط و إنما أدت إلى توطيد ضخم للطابع الجماهيري للجيش . فقد جعلت منه النساء جيشا شعبيا حقا و بأتم معنى الكلمة . حيث ساهمت مشاركتهن بصورة عظيمة فى جعل الجيش قادرا على توسيع نشاطاته و معاركه وحتى توسيع تنظيم العمل الإنتاجي .
ساعدت النساء ، بمعنى ما ، فى " تلطيف " جيش التحرير الشعبي إذ أدخلت أحاسيس الشفقة فى ما يظل عموما حياة قتال صارمة للغاية . و لكن فوق كل شيء ، حطمت مشاركة المرأة فى صفوف جيش التحرير الشعبي صورة الذكورة التقليدية للقوى المقاتلة . بهذا ، خولت لجيش التحرير الشعبي السباحة بأكثر فعالية فى محيط الجماهير فالنساء تقيس حرارة الماء و بالتالي يتوصل جيش التحرير الشعبي للسباحة كالسمكة فى البحر بشكل ألطف.
قوة قتالية :
مشاركة النساء فى جيش التحرير الشعبي حولتهن إلى قوة أكثر تصميما و أكثر إنضباطا و ثقافة و من يدري إلى أين تمضى بهن. فى الساحة ، إنتبهنا عموما إلى أنه حيث ينحو رجال إلى التخلى عن القتال ،نجد النساء مستعدات لمواصلته ، و حيث يكون رجال مستعدين لتسليم الأسلحة ،تقبض النساء على الأسلحة بقوة أكبر و هذا حتى فى الظروف الأصعب . و هكذا بينما يتجه رجال إلى التردد تحت التعذيب ،تنحو النساء نحو المقاومة إلى النهاية حتى و إن كانت حياتهن هي الثمن .
و إنتبهنا أيضا إلى أنه فى حين كان رجال يترددون أحيانا فى الهجوم ،تنزع النساء إلى الهجوم دون البحث عن أعذار . قليلة هي المرات التى ترفض فيها النساء أداء المهمة الموكلة لهن : إنهن تحاول على الأقل مرة قبل التخلى . زيادة على ذلك ، حينما تحصل تراجعات تبرزن أوفر صبرا و تظل باردة الأعصاب بصورة أسهل بينما يصبح الرجال عصبيين بيسر و سريعي الإثارة العصبية و إلتزامهن و تفانيهن فى العمل يساعدان على النضال ضد التوجه نحو الأسهل الموجود لدى الرجال.
إضافة إلى ذلك ، تمخض عن مشاركة النساء ما يمكن وصفه ب "المطهر الذاتي" فى صفوف جيش التحرير الشعبي فالإدمان على الكحول واللعب و التسليات البخسة الثمن و الإغواء السهل جميعها لا تتناسب مع مشاركة المرأة . و ساهمت النساء كذلك فى رفع معنويات الفرق فى نفس الوقت الذى حطت فيه من معنويات جيش العدو. فى آخر المطاف ، رفعت مساهمة المرأة مستوى الوعي العام لجيش التحرير الشعبي ، بمعنى الوعي الطبقي و أيضا وعي الواقع الجندري . و تعزز هذا الوعي بوجه خاص بعد ان قامت القوات الرجعية بالتعذيب الوحشي والإغتصاب و القتل الوحشيين للمقاتلات.
فضلا عن ذلك ، خولت مشاركة النساء فى جيش التحرير الشعبي الإقتراب بيسر من عائلات أعضاء جيش العدو . و من هنا تضاعفت قوة جيش التحرير الشعبي فى الإقناع سواء إقناع رجالهن بهكذا طريقة برفض قتال جيش التحرير الشعبي أو حتى بدفع رجالهن للهروب و الإلتحاق بصفوف الجيش الثوري . كما خولت مشاركة النساء لجيش التحرير الشعبي بأن يمد شبكته الإستخباراتية على النطاق المحلى . علاوة على ذلك ،سرع إنضمام النساء لجيش التحرير الشعبي سيرورة الوحدة و التداخل بين مختلف الكاست و المجموعات الإثنية و المجموعات الجهوية فالزواج بين الأثنيات مسموح به تماما ( على خلاف ما يوجد فى المجتمع المدني ) . و بهذا تقلصت الإختلافات الأخرى ما عدا الإختلافات الطبقية و يملك جيش التحرير الشعبي الآن طابعا متميزا بأكثر تنوع قومي و لغوي و إثني و تعدد الأعراق بكثير. و هذا يتعارض بصورة كبيرة مع الوضع السائد داخل الجيش الملكي و قواته المنقسمة على أسس إثنية ودينية و جهوية و كاست و طبقية.
فى الأخير ، دعمت مشاركة النساء فى جيش التحرير الشعبي الوقاية ضد الإتجاهات العسكراتية و كذلك الإتجاه صوب السلوك ك" أنصاريين متنقلين" يعوضون الجماهير و يغيبون تسليحها .
قوة تنظيمية:
واحد من الإختلافات الجوهرية بين جيش شعبي و جيش رجعي هو أن الجيش الشعبي يتحرك كذلك كقوة سياسية و تنظيمية . و بالفعل ، من الممكن القول إن جيش التحرير الشعبي جيش إيديولوجي بوجه عسكري . فى المناطق المناوئة ، جيش التحرير الشعبي هو الذى ينظم الجماهير و ليس جيش العدو ، فى هذا المستوى تتكشف مشاركة المرأة حيوية بوجه خاص . ذلك أن الجماهير تتقبل بيسر أكبر وجود المقاتلات النساء نسبة لوجود الرجال ، إنها تتوصل إلى تجاوز خوفها الأولي (و العادي) تجاه قوة عسكرية مثل قوتنا. و على النحو ذاته ، يجعل وجود النساء فى المحاكم الشعبية أقرب بصورة خاصة إلى النساء اللاتى تود تركيز عدالة و مساواة . و هذا كله يرفع من القوة التنظيمية لجيش التحرير الشعبي .
و يجعل الطابع المتعدد الأثنيات و المتعدد الأعراق و المتعدد الجهات و المختلط لجيش التحرير الشعبي ، معززا بالزواج بين الأثنيات و إعادة زواج المترملات ، يجعل من جيش التحرير الشعبي قاطرة إجتماعية حقيقية تزعزع الثقافة الإقطاعية المتصلبة للمجتمع النيبالي . و تبرز لنا التجربة أن مشاركة النساء فى صلب جيش التحرير الشعبي سهلت إعادة الإعتبار لعناصر من عائلات رجعية كانت فى البداية قد فرت من قواعد الإرتكاز . وبإعتبار أن إدارة العلاقات والتناقضات فى مجال الأسرة كانت مجالا تقليديا من إختصاص النساء، فإنهن إكتسبن قدرات فى هذا الميدان و بإمكانهن أن تستخدمها فى إطار جيش التحرير الشعبي.
قوة إنتاجية :
وجود قواعد إرتكاز فى الوقت الذى تستمر فيه حالة الحرب يسمح لجيش التحرير الشعبي بالعمل كقوة إنتاجية . بهذا الصدد ، سمح إنخراط النساء فى جيش التحرير الشعبي بتنويع حقيقي فى الإنتاج . و بتشريك النساء فى أشغال البناء المخصصة تقليديا للرجال (مثل بناء الطرقات و الجسور و المساكن و قنوات الري إلخ) و بالعكس بدفع الرجال نحو المساهمة فى الأعمال التى كانت فى السابق من مملكة النساء (تجميع العلف و الوقود و إعداد الطعام و الأعمال المنزلية إلخ) تمكن جيش التحرير الشعبي من الشروع فى كسر التقسيمات التقليدية بين العمل الفكري و العمل اليدوي و بين العمل فى المجال العام و العمل فى المجال الخاص و من هناك تمكن من الترويج إلى ثقافة جديدة تقدمية فى صفوف الجماهير .
و تمخضت مشاركة النساء فى جيش التحرير الشعبي كذلك عن تحول العمل الإنتاجي إلى عمل أسهل و أمتع
و أكثر تعاونا وتعلقا به لدى الجماهير و مرض أكثر لكافة شرائح السكان – نساءا ورجالا ،أطفالا و شبانا، مسنين و معاقين . و هكذا يحدث بصورة عادية أن يساعد جيش التحرير الشعبي العائلات ذات المعيل الوحيد لأجل إتمام أعمالها لا سيما فى فترة الحصاد. و بحكم وجود النساء فى صفوفه ، تجد الجماهير من الأسهل الإقتراب من جيش التحرير الشعبي و تأتمن النساء على مشاكلها على نحو أيسر .
و يتأكد معنى التشديد على وضع أن جيش التحرير الشعبي جيش شعبي حقا و بالتالي جيش مختلف عن الجيش القديم المحترف ، اللاشعبي و البيروقراطي و المنعزل ،جيش الطبقات الرجعية يتأكد معنى هذا التشديد بإعتبار إعترافنا الفعلي بالطابع الإستراتيجي لمشاركة المرأة . إن إلتحاق النساء بجيش التحرير الشعبي لا تجعل الجيش الشعبي أكثر فعالية و أكثر بروزا فقط و إنما تجعل منه بخاصة مؤسسة راديكالية و هيكليا متباينة بإمكانها أن تصد العادات القديمة الموروثة عن جيش ممركز و محبوس فى مراكز قيادته.
النساء المقاتلات فى مواجهة الجيش الملكي :
"إعرف عدوك و إعرف نفسك ، و ستقدر أن تخوض دون خطر مائة معركة ". سوانتسي(5)
أحد أهم التناقضات التى تواجه القوى المسلحة الرجعية أينما كانت فى العالم هو أنه بينما تمتلك جهاز قمع فى خدمة الطبقة السائدة ، فهي مع ذلك مضطرة إلى التعويل على الطبقات المضطهَدة لملئ صفوفها . و تحاول الجيوش الرجعية أن تحل هذا التناقض بهيكل قيادة قوي و ممركز و بيروقراطي للغاية ، بيد فقط حفنة من الضباط بأعلى الدرجات ( تنحدر غالبيتهم من الطبقات و الجماعات المهيمنة – كاست ،جنس ،أديان ، جهات ، مجموعات لغوية إلخ) يسمح لها بأخذ القرارات. ثم يتم توصيل أوامرهم إلى الجنود العاديين الذين ينحدرون عادة فى غالبيتهم من الطبقات المضطهَدة و الذين عليهم أن يقوموا بالأعمال القذرة و الشاقة و الخطرة .
و قد إحتكرت السلطة فى صفوف المؤسسة العسكرية، على الطبقات السائدة أن تعمل لأجل تحطيم ،إن أمكن قول ذلك ، هذا النوع من الوشائج و التضامن ذو الطبيعة الطبقية الذى يمكن أن يوجد بين الجنود البسطاء و الجماهير . إنها تتوصل إلى ذلك بوسائل تهدف لتعنيفهم و إهانتهم عن قصد بهدف جعلهم يتصرفون على هذا المنوال و يتحولون بدورهم إلى أناس لا رحمة لديهم تجاه الجماهير .
هنا تتنزل قضية النساء فهن فى آن وسائل و ضحايا هذا العنف .
أولا ، يغدو العنف الذى يضطر الجنود لممارسته ضد إخوانهم طبقيا أسهل بما هو إمتداد بسيط للعنف الأسري الموجود بعد و المضمن فى التعليم العسكري .
ثانيا ، مثل هذا النوع من الحركات الموضوعية ضد أهداف أسهل يساهم فى جعل الجنود يشعرون بمشاعر تفوّق يرفع معنوياتهم وذلك فى غياب أية إيديولوجيا تعلل تصرفهم .
ثالثا ، ينتهى بهم حجزهم لمدة طويلة على أسس عسكرية منعزلين إلى جعلهم غير آمنين إزاء خطر فقدانهم قريناتهم ، و يتجه الرجال حالئذ إلى تقنين خيبات الأمل ضد النساء الثوريات اللاتى لا يترددون فى إغتصابهن و قتلهن.
و أخيرا ، يتغذى الجيش الرجعي من إيديولوجيا دينية تعتبر النساء المنتفضات نساءا زنديقات تستحق العقاب و بقسوة. هذا المزيج من الأسباب يجعل من الجيوش الرجعية لكافة البلدان ضمن المؤسسات الأكثر عنفا و الأكثر كرها للنساء و الأكثر لاشعبية ممكنين.
فى النيبال ، يمثل الجيش الملكي فعلا إحدى المؤسسات المكروهة أكثر ضمن مؤسسات الدولة الرجعية وهذا صحيح بالنسبة للجماهير عموما و بالنسبة للنساء خصوصا وهو صحيح حتى أكثر بالنسبة لمقاتلات جيش التحرير الشعبي و ذلك لأن الجيش الملكي يمثل قاعدة إرتكاز تقليدية للنظام الملكي و كان يستعمل بإستمرار لسحق مختلف التحركات الديمقراطية التى توالت حتى 1951 (تاريخ قلب نظام الرانا الأوليغاركي ).
مع مرور الوقت ، صار الجيش الملكي أقل فأقل شعبية و فرض نفسه كأداة فى خدمة الإمبريالية الأمريكية خاسرا هكذا الميزات القليلة لجيش وطني . فى أعين النساء ، يمثل الجيش الملكي فضلا عن ذلك أداة دفاع عن الأبوية الإقطاعية التى يكرهون أيما كره و التى تبقيهن فى الجهل و العتمة و الدين و النسيان .و أما بالنسبة لمقاتلات جيش التحرير الشعبي ، تحديدا ، يبدو لهن الجيش الملكي قوة عدوة ضدها ليس عليهن أن تخضن حربا طبقية فقط و لكن أيضا حربا جندرية لوضع حد للإغتصاب و التعذيب و الموت .
فى العالم بأسره ، تتجه الطبقات الرجعية طبيعيا نحو الإستهانة بقوة الشعب : هذه ظاهرة عالمية . و الأمر حتى أكثر بداهة حين يتعلق بالنساء . و هكذا ، فى النيبال ، نزع الجيش الملكي نحو الإستهانة بقوة مقاتلات جيش التحريرالشعبي . مع ذلك ، يشهد هذا الوضع تغيرا . فى بدايات حرب الشعب ، كانت الشرطة [الأولى فى مقاتلة الأنصاريين] تتعامل بأكثر جدية مع الرجال و كانت تنحو بإتجاه " تسامح " تجاه النساء بينما كانت بلا رحمة إزاء الرجال . عوض قتل النساء ، يتم سجنهن و أحيانا يتم إغتصابهن .
منذ عسكرة قوى الشرطة ، شهدنا إرتفاعا محسوسا لعدد الإغتصابات و حالات التعذيب للنساء و البعض جري حتى قتلهن ،على نحو متفرق . و أخيرا مع دخول الجيش الملكي مسرح الأحداث ، إرتفعت بصورة مدهشة عمليات العنف الموجهة ضد النساء و الآن كل من المقاتلات و كوادر الحزب الأنثوية و حتى مجرد المتعاطفات ضحية للإغتصاب والقتل. و برزت حتى ظاهرة الإغتصاب الجماعي ( و تجرى محاولة السكوت عنها ) .
على الدوام، كانت للجيش الملكي نظرة جنسية لمقاتلات جيش التحرير الشعبي . إنه يعتبر أن النساء لم تلتحق بالأنصاريين إلا للحصول على إشباع من طبيعة جنسية من قبل رفاقهن الذكور . لقد حدث غالبا أن صرح أطباء الجيش الملكي فى تبرم لوسائل الإعلام ب"إكتشاف " واقى ذكري فى الغابات و مناطق الحرب الموجودة تحت سيطرة جيش التحرير الشعبي . أدت التصرفات المسيئة و البذيئة التى تصدر عن جنود الجيش الملكي تجاه مقاتلات جيش التحرير الشعبي إلى جعل النساء حتى أكثر وعيا بوضعهن و إلى تعزيز تصميمهن على القتال من جهة و من جهة ثانية على حث رجال جيش التحرير الشعبي على إرادة الإنتقام لهن بشراسة أعظم .صيرت الإغتصابات الوحشية و التعذيب و القتل الذين يطالون مقاتلات جيش التحرير الشعبي، صيرت الرفاق الذكور أكثر حساسية حتى لإضطهاد النساء و تعززت هكذا وحدة طبقة المضطهَدِين ضد الجيش الرجعي .
و بالفعل ،أعطى العنف المتزايد الممارس ضدهن الكثيرات من النساء دفعا نحو إرادة الإلتحاق بصفوف جيش التحرير الشعبي فالإلتحاق بالجيش الشعبي يعد طريقة جيدة للإنتقام من إبتزازات الجيش الملكي لهن و لأقربائهن .
و الجدير بالملاحظة هو أن الجيش الملكي شرع أخيرا فى القيام بالإشهار لحث النساء على الإلتحاق بصفوفه . إلى أي مدى سينجح هذا فى رفع قدرته الضاربة ؟ بالإمكان بعد أن نقيم على ضوء محاولات مشابهة أنجزت فى بلدان أخرى .
الطابع الطبقي و التفريق الجنسي المتعمقين فى قوات الجيش الرجعي يمثلان عائقا جديا أمام تحقيق مشاريع من هذا النوع. تبقى النساء اللاتى تنخرط فيه عامة فى وضع ملحق لهن فيه قيمة تزويقية أكثر منها قيمة قتالية . كون أنه لا يتم إنتدابهن على قاعدة الإختيار و إنما كرد فعل على تصاعد مشاركة النساء و جماهيريا فى الصراع الطبقي و فى نضالات الشوارع و فى مختلف حركات الصراع و فى الحروب الثورية التى تتطور ، يحول ذلك إلى ظاهرة جوهريا عملية و تكتيكية و مؤقتة . و الأمثلة التالية تقدم لنا لمحة .
لنتفحص أولا مثال نساء الجيش الإسرائيلي اللاتى يتحدث عنهن عادة و من المهم إماطة اللثام عنهن . رغم أنهن مجندات فعليا فإنه لا يبعث بهن أبدا إلى القتال (6) . تستعمل كقوة تجهيز ، رئيسيا فى الميدان المدني ، مثل الممرضات و مساعدات تمريض و موظفات فى المكاتب و سائقات شاحنات (على الأقصى ) إلخ . و فى البلدان الغنية مثل الولايات المتحدة ، قليلة هي المناسبات التى تبعث فيها النساء للجبهة و التجربة تبين انه حينما يحدث ذلك ، يتجه الرجال الذين يوجدون إلى جانبهن إلى إرادة حمايتهن بشكل مفرط مهما كان الثمن ( وهو أمر فى عمقه مهين هو الآخر) على حساب أهداف مهامهم .
زيادة على ذلك ، تسجل وسائل الإعلام بإستمرار حالات العنف اللفظي و الهرسلة الجنسية و حتى الإغتصاب الذى تتعرض له الجنديات من قبل زملائهن الرجال . هكذا ، أمر من أمرين : إما أن يظهر الرجال حماة أكثر من اللازم تجاه النساء أو يستعملوهن كأدوات جنسية .
فى بلدان ا يسمى بالعالم الثالث مثل الهند ، أتعس حتى هي تجربة النساء فى القوات المسلحة الرجعية . تقع إهانتهن و الكتيبة التى إليها تنتمى النساء عرضة بشكل منظم لسخرية الرجال .(7)إن الطبيعة الطبقية للقوات المسلحة الرجعية و مفاهيمها البطريركية و هياكلها البيروقراطية لا تخول مشاركة تامة و كاملة للنساء فى مناطق القتال. يمكن أن نكون بعد متأكدين من أن تجربة النساء فى الجيش الملكي النيبالي لن تذهب أكثر من ذلك. و فى الواقع ستكون دون شك أسوأ بإعتبار أن هذه المؤسسة تستمد قوتها من المؤسسة الأبوية الأقدم و الأكثر رجعية أي النظام الملكي .
التحديات التى تواجه النساء المقاتلات :
" نضال ففشل ،فنضال جديد ففشل جديد ،فنضال جديد أيضا ،و هكذا حتى النصر ،ذلك هو منطق الشعب ،وهو ايضا لن يخالف هذا المنطق أبدا " ماو تسى تونغ ،" أنبذوا الأوهام و إستعدوا للنضال" .
كل تجربة جديدة ، مهما كانت ، لا سيما حين يتعلق الأمر بكسر العادات القديمة الجامدة محكوم عليها بأن تعرف بعض المشاكل غير المتوقعة و أن تولد تحديات جديدة . و هذا ليس أقل صحة فى الميدان العسكري مثلما هو حال النيبال حيث تشارك النساء فى جيش التحرير الشعبي لأول مرة إلى جانب الرجال . لذا عليهن أن تواجه تحديات عديدة .
المفهوم البطريركي :
إن المفهوم البطريركي الإقطاعي لا يعترف بالنساء كاشخاص بأتم معنى الكلمة بل لا ينظر إليهن إلا فى علاقة بقدراتهن التناسلية. لهذا المفهوم بالتأكيد صدى فى صفوف جيش التحرير الشعبي بشكل أو بآخر و هذا حتى إذا حاولنا النضال ضده بالتربية السياسية . و يبرز ذلك فى التوجه لدى الرجال نحو الإستهانة بقدرات رفيقاتهن (8). حتى عندما تكون قد أثبتت جرأتهن ، ينحو الرجال نحو عدم رؤية ذلك كظاهرة مؤقتة ستضمحل لما تتزوج و تنجب أطفالا.
ثمة توجه قوي صوب إعتبار أي توعك أو أي مرض فى إرتباط بنظامهن التناسلي و الذى يملى عليهن راحة مؤقتة كعلامة ضعف جسدي لدي النساء . وهكذا ليس نادرا إرتياء الزواج ك"حل" للمشاكل التى تعرفها . و ينزع بعض الرجال أيضا إلى إعتبار النساء اللاتى تبلغ مراكز قيادية داخل جيش التحرير الشعبي قد بلغت ترقيتهن ليس بفضل منجزاتهن و قدراتهن و إنما لأن "الحزب قرر ذلك". و عليه ، لا يظهر الرجال نفس الحماس فى تركيز سلطة هذه القائدات مثلما يظهروا ذلك إذا تعلق الأمر بالرجال الذين تقع ترقيتهم . مظهر آخر لهذا التوجه المستهين بقدرات النساء يحدث أحيانا عندما يتم إقصاؤهن من صياغة المخططات و السياسات و يقصر دورهن بالأحرى فى مهام أنثوية تقليديا. وعلى النساء عادة أن تعمل مرتين و حتى ثلاثة مرات أقوى من الرجال لتركيز سلطتهن داخل الجيش العشبي ، لحسن الحظ توصلت إلى ذلك فى غالبية الأحيان إلى الآن .
مشكلة قلة المبادرة :
بينما ينزع الرجال أحيانا إلى إظهار ثقة بالنفس مغال فيه ، عادة ما تجد النساء صعوبة فى أخذ المبادرة . حتى و إن كانت لديهن كافة القدرات الضرورية ، يحدث أن تفضل أن تترقب أن يتحرك الرجال قبلهن. إن النساء مواضبات و منضبطات و على إستعداد دائم للتضحية فى المهمة و لكن لما يتعلق الأمر بصياغة مخططات جديدة و إستعمال أسلحة جديدة أو نقاش مسائل الخط السياسي، غالبا ما تتهرب .و النتيجة أن إنتهت إلى تقليص أنفسهن بأنفسهن فى المهام الأنثوية تقليديا ، بدلا من رفع تحديات جديدة. و تتجه النساء كذلك إلى الموافقة على أن تكون ضحايا الظروف و هكذا حين لا تعتنى بتخطيط حملهن ، تحرم أنفسهن من المواصلة الضرورية لتطويرقدراتهن فى القيادة .
و أخيرا و بالرغم من أنهن تمتلكن تجربة غنية على الأرض فإن النساء لا تندفع فى تنظيم عملهن بصرامة و فى خلق علاقات مما يساهم فى تهميشهن أكثر .
بسبب الإضطهاد البطريركي الإقطاعي الذى تتعرض له منذ نعومة أظفارهن ، تنحو النساء أكثرمن الرجال نحو التألم للنزاعات الداخلية مما يدفع بهن أحيانا إلى التعبير بطريقة " الأزمات " و إلى إصدار تصرفات توصف بالهستيرية . إن أفقهن الضيق أحيانا يتمظهر بشكل أقوى حين يكون النزاع بينهن . و يتخذ ذلك شكل الغيرة و الشك المعبر عنه تجاه قيادة رفيقة أخرى و شكل تقدير أكبر لرأي الرجل نسبة لرأي المرأة .
مشكلة تواصل القيادة و تطويرها فى صفوف جيش التحرير الشعبي :
لقد حققت نساء النيبال قفزة هائلة بالمرور من المطبخ إلى ساحة المعركة. مع ذلك ، تضع مشكلة تواصل القيادة و تطويرها على الجبهة العسكرية أمامهن بعدُ عديد التحديات. و هكذا مع أن المرات التى يرى فيها رجال تجاوزوا سن الأربعين لا يزالون نشطاء فى القتال ليست قليلة ، لا نشاهد سوى عدد قليل من النساء تتجاوز أعمارهن الخمسة و العشرين سنة. و بما أن تطوير قدرات القيادة فى جيش لا يمكن أن تكون إلا نتيجة عمل طويل الأمد مرتبط إرتباطا وثيقا بممارسة صارمة و مديدة فإن قلة التواصل التى تعترى النساء (نظرا لواقع أدوارهن التناسلية ) من الممكن أن تحرمهن من بلوغ مراكز قيادية. و هذا يفسر فى جزء منه تقلص عددهن مع الصعود فى هرم جيش التحرير الشعبي .
بينما تحدد الدولة القديمة القائمة (الرسمية ) السن الأدنى لزواج النساء بثمانية عشرسنة ، رفع جيش التحرير الشعبي السن الأدنى لزواج النساء إلى العشرين مما سمح للعديد منهن فعلا بان تخصص مرحلة أهم لتحصيل معارف و قدرات جديدة بيد أنه لأن جيشنا لم يحدد السن الأدنى للإنجاب فإن البعض منهن شهدت حملا سريعا و بالتالى تأثرت مواصلتهن للعمل العسكري . تقف عديد العوامل فى خلفية هذه الظاهرة و ينبغى الخوض فيها على المستوى الفلسفي و الإيديولوجي و الجسدي و أيضا العملي.
و من هنا ،لاحظنا أن شركاءهن هم الذين عادة ما يلحون على النساء كي تنجب أطفالا و هن فى سن مبكرة . و يبدو أن خطر الإصابة بجروح و الشك بشأن بقاءهم على قيد الحياة فى وضع حرب هو الذى يدفع الرجال إلى إرادة التأكد من إمكانية أن يبقوا أثرا جسديا. قد يسمح لهم نضج سياسي اكبر بفهم ان أثرهم الإيديولوجي أهم . و لو أن المقاتلات عموما لا تحبذ أن تصبح أمهات و هن صغيرات السن فإنهن تنتهى إلى القبول بالوضع و تنجب على الأقل طفلا . و هذا بالرغم من الدرجة العالية لإحتمال فقدانهن الحياة و الإصابات بالذات كمقاتلات.
هكذا حتى و إن كان المقاتلون و المقاتلات لا تنقصهم الشجاعة و مستعدون لتقديم حياتهم للثورة فإنهم يترددون فى التضحية بأبوتهم /أو أمومتهم .
نظريا ، تطرح مشكلة مواصلة تطوير القيادة فى صفوف جيش التحرير الشعبي بمعانى حتى أكثر تعقيدا بإعتبار أن على النساء أن تعالج تقسيما للعمل طبيعيا مرتبطا بأدوارهن التناسلية . و مسائل الحرية و الضرورة التى ينبغى طرحها يتعين معالجتها بصورة صحيحة و بطريقة جدلية . تتطلب الحياة الصارمة و التى يكتنفها الشك من جانب فقدانها ،هذه الحياة التى يفرضها وضع الحرب، تتطلب من الرجال و النساء أن يوافقوا على التضحية بالأبوة و الأمومة ،على الأقل لفترة محددة . لكن هذا لا يمكن فرضه بالقوة فلا يمكن أن يكون إلا نتيجة وضوح إيديولوجي أكبر.
عمليا ، يجب أن نشير كذلك إلى أن الإستعداد الضعيف و الثقة المهتزة فى إجراءات تخطيط الحمل ساهمت هي الأخرى فى حصول حمل غير مرغوب فيه . ثم إضطر عبء العناية بالأطفال الذى يقع على كاهل النساء غالبا بصورة إحادية و غياب خدمات الحضانة المناسبة ، إضطرا بعض النساء إلى مغادرة جيش التحرير الشعبي . لحسن الحظ ، خول تطور حرب الشعب تطوير خدمات حضانة لعائلات الشهداء و الشهيدات
و المقاتلين و المقاتلات لكامل الوقت الأنصاريين و الأنصاريات فى المناطق الجهوية الخاصة التى أقيمت للغرض لا سيما فى محافظتي رولبا و روكوم. و فى مناطق أخرى فتحت أيضا دور حضانة .
علاوة على ذلك ،سمح التوسع السريع لجيش التحرير الشعبي بإرساء أقسام تابعة حيث يستطيع الرفاق
و الرفيقات التوجه مؤقتا فى حال التعرض لإصابة أو مرض و حيث تستطيع النساء بصورة خاصة أن تنقل عندما تصبح حوامل دون أن يتعين مع ذلك مغادرة صفوف الجيش . لما يحدث ذلك و رغم أنهن تفقدن بعض المهارات التى إكتسبتها على الجبهة العسكرية ، تستطيع على الأقل إستغلال الفرصة لإكتساب مهارات أخرى . و تحافظ المقاتلات اللاتى توجد فى هذا الوضع إضافة إلى ذلك على موقعهن الكامل فى صفوف الجهاز العسكري و تبقى على رابطة مع ما يجدّ على الجبهة . ومن هنا بإمكانهن العودة للإندماج بصورة أيسر و أسرع إلى مهامهن عندما يسمح الوضع بذلك.
المشاكل الصحية :
تعد المشاكل الصحية تقريبا الأهمّ ضمن المشاكل التى تواجه المقاتلات و المقاتلين . لحسن الحظ ، يبدو أننا صرنا أكثر فأكثر حساسية للمشاكل الصحية للنساء . و يتكشف بوجه خاص أن النساء اللاتى تلتحق بصفوف جيش التحرير الشعبي قد عانت على نحو أقسى من الرجال من نقص التغذية قبل الإلتحاق بالجيش . صرامة الحياة العسكرية و عدم إنتظام التموين بالغذاء يجعلهن هكذا حتى أكثر عرضة للمشاكل . و هذا بديهي بالخصوص فى فترة العادة الشهرية حين تكون لهن حاجيات غذائية إضافية .
عموما ، نسجل أننا لم نعر بعدُ بما فيه الكفاية إنتباها للمشاكل الصحية التى تتعرض لها النساء . ذلك أننا بعدُ ننزع إلى عدم أخذ الإضطرابات المرتبطة بالعادة الشهرية بعين الإعتبار و إلى عدم معالجتها . و لو أن بعض التدخلات و الإجراءات الوقائية البسيطة للغاية من شأنها أن تحسن الوضع .
حدث أن أخفت النساء عمدا مشاكلهن أو آلامهن (حتى عندما كان المفوضون و القادة الرجال مهتمين براحتهن بوضوح) فقط لأنهن كن يخشين الإضطرار إلى الغياب عن تمرين عسكري أو عن عملية واسعة النطاق . و يبلغ الأمر بالنساء غالبا إلى حد أن تفكر بأن منبع "ضعفهن" هو الرحم ذاته ،و أن الصعوبات التى تواجههن أثناء فترة العادة الشهرية "تؤكد" أنهن أضعف من الرجال وأن الرجال أقوى لأنهم أطول و أكبر حجما و أكثر عضلات إلخ .
غير أنه ما ينبغى فهمه هو أن العادة الشهرية ذاتها و الحماية التى توفرها للرحم ضد الأمراض الوبائية تجعل النساء فى الواقع بيولوجيا أقوى من الرجال. و الشيئ نفسه ، لئن كان صحيحا أن الرجال قادرون عموما على إظهار قوة أكبر لمدة قصيرة ،فإن النساء غالبا ما تبين قدرة تحمل أكبر . لذا من غير المجدي مقارنة قوة الرجال بقوة النساء بالتحديد لأن القوتين من طبيعة مختلفة . و بالتالي ، ينبغى أن نرتقى بمعارفنا داخل جيش التحرير الشعبي بعلم التشريح و خصوصيات الرجال و النساء فى ميدان الصحة كي ندرك جيدا أين تكمن قوة و ضعف كل منهما و أيضا كي نكف عن النفخ فى المشاكل التى تواجه النساء فى فترة العادة الشهرية ،بينما يتم الصمت عن المشاكل التى تطرأ للرجال حينما يكونون فى القتال ( يحدث أن يبدى الرجال رغبة فى التبول)...
من الصحيح التأكيد على أن مفاهيم "الجنس الضعيف" و "الجنس القوي " مفاهيم ذاتية تماما . و هذه المفاهيم التبسيطية تخلف آثارا تضر بكل من الرجال و النساء . على كل حال، ليس الرجال و النساء فى مناظرة ضد بعضهما البعض : إنهم و إنهن مطالبون بالتكامل عوض التخاصم .
جميع هذه التحديات التى تواجه النساء المقاتلات فى صلب جيش التحرير الشعبي يجب تناولها بجدية خاصة
و أن من أدوات الثورة الثلاث ،فى جيش التحرير أين بالتأكيد تجرى التغيرات بأوفر سرعة . نسق التغيرات التكتيكية التى تتم و الحركية و المرونة المتطلبة تجعل من جيش التحرير الشعبي مركز و محور التناقضات
و إمكانيات التغيير و التحويل . و بالفعل غالبية التناقضات رجال-نساء وجدت صداها داخل جيش التحرير الشعبي . و حلها سيساعد على المدى البعيد فى معالجة التناقضات من ذات النوع التى ستطفو على الجبهات الأخرى. لهذا يمثل القرار الأخير الذى إتخذه الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ) ببعث قسم للنساء داخل جيش التحرير الشعبي خطوة إلى الأمام قيمة للغاية .
مسائل الخط السياسي و إنعكاساتها على النساء فى الجيش :
" صحة الخط الإيديولوجي و السياسي أو خطأه هي المحددة فى كل شيئ . إذا كان خط الحزب صحيحا، سيسوى كل شيئ .[...] لكن إذا كان الخط خاطئا ، سنخسر حتى ما كنا كسبناه ." ماو تسى تونغ ، "ملخص أحاديث مع رفاق مسؤولين فى أماكن مختلفة" ، 1971.
الحرب أرقى أشكال معالجة التناقضات بين الطبقات و/أو الأمم التى تتعارض . و الموقف الطبقي الذى يتبناه جيش يتكشف بالتالى مطلق الحيوية بالنسبة للجيش الثوري كما بالنسبة للجيش المعادى للثورة . من أجل القيام بالثورة و كبح الثورة المضادة ،من الأساسي إذا تسييس الجيش الشعبي.
مع ذلك ، لا يمكن لخط سياسي أن يكون كافيا فى حد ذاته لضمان النجاح لو لم يعكس كذلك على المستوى التنظيمي . و هذا صحيح فى حال الجيش الشعبي ففى الوضع الحالي ،تتجاوز مسائل الضرورة فى الغالب مسائل الحرية مما يمكن أن يسفر عن تطور نوع من الأفكار المحافظة العسكرية الضارة بمشاركة المرأة . حاليا ، ثمة ثلاثة إتجاهات كبرى فى صفوف جيش التحرير الشعبي : 1- الإنهزامية اليمينية و2- الدغماتحريفية
و 3- التطبيق العلمي و الخلاق للماركسية –اللينينية –الماوية وما نسميه "طريق براشندا" . (9)
الخطر الرئيسي الذى يواجه الحركة الثورية راهنا يتأتى من الخط الإنتهازي اليميني الذى يغالي فى قوة العدو و يستهين بقوة الشعب . و فى جيش التحرير الشعبي ، تساهم الإستهانة بقوة النساء فى هذا التيار الذى يتمظهر كذلك فى الإتجاه نحو إستعمال النساء كقوة مساعدة فقط و هكذا ، لا تستغل طاقتهن إلا على المستوى التكتيكي بينما القدرات الخصوصية التى حصلتها و ميزاتهن الخاصة مع ذلك ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لجيش التحرير الشعبي.عوض البعث بهن إلى الجبهة ، يتم حبس النساء فى أدوار المساندة ،مثل جمع المعلومات
و المراسلات و الرعاية الطبية إلخ. و عندما يصادفهن الحظ فى الإلتحاق بالجبهة فإن أقل تردد أو أقل عارض من العوارض يستعمل ل" تبيان " عدم قدرتهن على القتال .
إن المقاربة الإنتهازية اليمينية براغماتية للغاية و هذا أكثر بداهة بصدد الجنسانية الأنثوية . لا يبذل اليمينيون أي مجهود لمحاولة تأخير الزواج و لتخطيط الحمل مع أن لهما تأثيرا مباشرا على قدرة النساء القتالية . و حينما تصبح إمرأة حاملا ، يعتبر الأمر مشكلا يهمها هي "شخصيا" و يصبح تعلة لنقلها إلى قسم مدني من أقسام جيش التحرير الشعبي أو لمنظمة جماهيرية يقودها الحزب .
بالإعتماد بثقل على كون هذا النوع من المشاكل جزء من الواقع الموضوعي الذى تعيشه النساء (واقع ناتج أساسا عن البطريركية الإقطاعية السائدة فى النيبال ) يهمل الإنتهازيون اليمينيون وضع السياسة فى مصاف القيادة ، لفائدة سياسة براغماتية تبحث عن إيجاد "حل" خاص لكل مشكل يظهر و يطال النساء فى صفوف الجيش و فى نهاية المطاف ، تنتهى هذه المقاربة ببساطة إلى إنكار الدور الإستراتيجي لمشاركة النساء فى جيش التحرير الشعبي .
و نظرا لأن الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) حاليا فى حالة حرب فإن التوجه الإستسلامي اليميني لا يتجرأ دائما على التعبير عن نفسه بصراحة لذا يتخذ غالبا شكل الدغماتحريفية التى تبدو ظاهريا على اليسار أكثر لكنها مع ذلك يمينية فى الأساس. و لا يتردد هذا الإتجاه فى تقديم توجيهات راديكالية و مواقف تبدو متطرفة ،لا سيما بالقَسَم فقط بالطبقة العاملة و فقط بها .
لا يأخذ الدغماتحريفيون بعين الإعتبار إلا ما قرأوه فى المؤلفات الكلاسيكية و يهملون كذلك المشاكل الخصوصية التى تواجهها النساء و التمييز الجنسي الذى هم ضحيته فى مناطق الحرب. إنهم يعتبرون الأمومة و المسائل المرتبطة بالتناسل فرصة أخرى كي تبرهن النساء على صلابتهن ( "فى ساحة المعركة و فى ساحة المهد" يقولون ) . ويذكرنا هذا بمفهوم المرأة الخارقة للعادة /سوبر إمرأة الذى طوره الرأسماليون منذ زمن بعدُ (المرأة الكاملة، فى المكتب كما فى المطبخ).
بإسم نوع من الرومانسية الثورية ، يهمل المدافعون عن وجهة النظر هذه الصعوبات العملية الحقيقية التى تواجهها النساء و من هنا حينما لا تتوصل المقاتلات إلى كافة النتائج المرجوة ،يتم سحبهن من الجبهة تدريجيا ، لنقلهن إلى مكان آخر، كل هذا بدعوى الضرورة . مثلهم مثل اليمينيين ، يسقط الدغماتحريفيون هم أيضا فى فخ نفي الدور الإستراتيجي للنساء فى الجيش الشعبي بالإعتماد على الجهود الذاتية فحسب الهادفة لطلب مشاركتهن دون أخذ الواقع الموضوعي بعين النظر. ويخفق الدغماتحريفيون فى تحويل إيديولوجيتهم (هذا إذا بالكاد أظهروا إيديولوجيتهم على الورق) إلى قوة مادية حقيقية و يشجعون على تطور مفاهيم عسكراتية داخل جيش التحرير الشعبي .
أولئك و تلك اللاتى يطبقون الماركسية –اللينينية –الماوية و طريق براشندا بشكل خلاق يحللون المشاكل و التحديات التى تواجه النساء فى جيش التحرير الشعبي بطريقة ديالكتيكية . ينبغى أن نواجه المشاكل المرتبطة بالإضطهاد الخاص بالنساء فى إطار أوسع للإيديولوجيا الماركسية –اللينينية-الماوية . يعتبر الماويون الحقيقيون الأمومة و مسائل التناسل لا كمسائل خاصة بالنساء بل كتحديات تهم الثورة بأسرها و بالتالي الحزب بأسره. إنهم وإنهن سيعملون على معالجتها بشكل جدلي بالتخطيط للحمل و مراقبته أو بجعل الحمل بعيدا زمنيا عن الذى يليه، حسب مستوى وعي النساء و المهام التى تنهض بها و المواقع التى تحتلها و الوضع الملموس السائد فى المكان و الجهة الذين توجد بهما إلخ .
بهذه الطريقة ، يتوصل الماويون إلى أن يبينوا فى وجه هذا المجتمع الإقطاعي أن مصير النساء لا يجب أن يحدد بوظائفهن البيولوجية ! كون أن فى كل وقت يمكن أن يوجد مقاتلو و مقاتلات جيش التحرير الشعبي فى وضع حياة أو موت يجعل منهم و منهن أناسا أقوياء للغاية من وجهة النظر الإيديولوجية مما يحث على تطوير ثقافة جديدة و أفكارا جديدة ستلقى القبول بأكثر سهولة بقدر ما تكون علمية .
خاتمة
" نحن من دعاة القضاء على الحرب ، إلا أنه من غير الممكن القضاء على الحرب إلا بواسطة الحرب."
ماو تسى تونغ " قضايا الحرب و الإستراتيجيا "،1938.
إن حرب الشعب حرب دفاعية. و عليه عوض الدخول فى سباق التسلح بلا حدود و القاتل (مثلما تفعل ذلك الدول الرجعية فيما بينها ،لا سيما البلدان الإمبريالية )،تبحث حرب الشعب الماوية قبل كل شيئ عن أن تنزع سلاح جيش العدو (خاصة لتتسلح ). هذه الطبيعة الدفاعية فى جوهرها لحرب الشعب تشجع على مشاركة النساء.
واقعيا ، تمثل الحرب فى حد ذاتها عملا عنيفا تجاه الرجال و النساء . و بالفعل، هي عمل عنيف ضد الإنسانية جمعاء. فكرة وجود دائم لجيش منعزل عن بقية المجتمع فى حد ذاتها فكرة ضارة جدا على المدى البعيد بالنسبة لكل مجتمع يستحق هذا الإسم و بالنسبة للمقاتلات و المقاتلين هم ذاتهم . بيد أنه فى عالم أكثر فأكثر إستقطابا
و إنقساما على أسس طبقية ، غدت الحرب ضرورة لا مفر منها بالنسبة للبروليتاريا . فى مرحلة أولى ، الحرب ضرورية للنضال ضد صانعى الحروب الإمبرياليين ثم ستكون ضرورية كذلك حين يتعلق الأمر بحماية الديمقراطية البروليتارية المحققة عبر صراع مريرضد أسماك القرش الإمبرياليين الذين سيسعون إلى مهاجمتها باللجوء إلى تدخل عملاءهم .
و تمسى الحرب حتى أكثر إلحاحا بالنسبة للنساء المضطهَدات ضحايا العنف الطبقي و الإمبريالي و الأبوي .
و تشعر النساء حتى بأكثر عمق بالحاجة إلى خوض حرب لوضع حد لكافة الحروب كيما تحول دون التقاتل بين الجماعات وتصون مستقبل الإنسانية .
نعلم أنه فى وضع حرب ، من المناسب بصورة خاصة مهاجمة العدو فى النقطة الأضعف. و فى البلدان الإقطاعية مثل النيبال ، تمثل قضية المرأة بالضبط نقطة الرجعية الأضعف. وهو ما يمكن ملاحظته من الصعوبة التى تجدها جيوشها فى إنتداب نساء ( و حين تتوصل إلى ذلك ، مثلما مر بنا ، فإن النساء قلما تضطر للقتال لأسباب متنوعة ) .
و بالعكس ، يعتبر الجيش الثوري أن مشاركة النساء مسألة إستراتيجية . و عليه يشجع النساء على التحول ليس إلى مقاتلات فحسب و إنما كذلك إلى منظمات سياسية و إجتماعية . و بالفعل ، ولدت مشاركة النساء فى جيش التحرير الشعبي فى النيبال كمّا من الفرص الجديدة فى الصراع فى سبيل تحريرهن وأثرت بصورة كبيرة تجربة الحركة الثورية .
لن تستطيع الإيديولوجيا الرجعية التى تستمد قوتها من النظام الأبوي و من الملكية الفردية و من الدين أبدا أن تقود النساء إلى مستوى مشاركة مثلما تسمح به حرب الشعب . فى غياب إيديولوجيا علمية ، تعتمد الرجعية على الدين و القيم الأبوية لترفع من معنويات جيشها مشجعة هكذا جنودها على مهاجمة حتى بأكثر وحشية النساء الثائرات (بالإغتصاب و التعذيب و الإغتيالات ). وقد أبرزت الجرائم التى إقترفها الجيش الرجعي النيبالي بوضوح كبير طابعه الطبقي و أيضا طابعه الجنسي العميق. و من هنا ساهمت هذه الجرائم و تساهم فى تعزيز التحالف الطبقي بين الرجال و النساء . كما ساهمت ايضا فى فضح دور الجيش الملكي الذى يقدم نفسه كحارس للمصالح الوطنية للبلاد و لكنه ،واقعيا ، يخوض حربا طبقية عنيفة لا سيما ضد النساء ، بعيدا عن ما يدعيه من توفير الحماية لهن. بذلك بيّن الجيش أنه فقد كل شرف و كرامة .
و تعيد تجربة النساء فى جيش التحرير الشعبي كذلك طرح الرؤى الحسيرة النظرللمدافعات عن المرأة السكتاريات-الإنعزاليات اللاتى لا ترى النساء إلا ضحايا للحرب عوض فاعلات فى التغيير و التحويل . و تحطم صورة النساء المسالمات التى تحاول هذه المدافعات عن النساء تقديمها . أما النساء الثوريات فلا تساند سلم المقابر المؤبدة و المطلقة : إنهن ترنون إلى التوصل إلى سلم عبر الصراع المرير ، بالنضال ضد النظام الأبوي و الأعداء الطبقيين . بالسكوت عن الإغتصابات الجماعية والتعذيب و الجرائم المقترفة ضد النساء الثوريات لأجل مهاجمة العنف الذكوري الأسرى فحسب ، أظهرت هذه المدافعات عن النساء الطابع المزيف لوجهة نظرهن التى تدعي مهاجمة "جميع الرجال " (ما عدا العسكريين بالطبع) و توحيد "جميع النساء " ( لكن بالخصوص غير الثوريات...).
إن المدافعات عن النساء السكتاريات ينبغى أن تعي مع ذلك أن الإغتصاب و التعذيب و الإغتيالات التى تقترفها الدولة الرجعية تفرز بالعكس تلطيفا للإنقسامات الموجودة فى صفوف الشعب بين الرجال و النساء .
و من جهة أخرى يوفر جيش التحرير الشعبي إطارا يمكن للنساء فيه ان تعبر مباشرة عن شعور الإنتقام من الذين إعتدوا عليهن و إغتصبوهن و عذبوهن و أهانوهن . و هذا يتضارب على نحو كبير مع المقاربة الإصلاحية للأحزاب و التنظيمات غير الحكومية التى تدعو إلى التحالف مع الطبقات الرجعية ،هذه المقاربة التى تنتهى بالتنكر لإمكانية أن تحقق النساء العدالة بإرجاء الإمكانية إلى زمن غير مسمى . فى الواقع ، وفر جيش التحرير الشعبي أسنانا لحركة النساء ، جاعلا من تحريرهن ممكنا و عمليا !
لقد إستخلصنا من التجربة الماضية أنه مثل الدولة الثورية ذاتها ، يمكن لجيش شعبي أن يفسد هو الآخر ،بعد إنجاز الثورة و أن يتبقرط و أن يغترب عن الجماهير . وسيلة من وسائل محاربة هذا التوجه هي وضع الدولة
و الجيش الشعبي تحت المراقبة المستمرة و سلطة و تدخل الشعب . عسكرة الجماهير تتنزل ضمن هذا الأفق .
و هذا أهم حتى فى العالم الإحادي القطب الذى نعيش ضمنه اليوم حيث السعي ل "زعزعة"حكومة قائمة أينما كانت على الكوكب من قبل أي حركة مقاومة ثورية أو وطنية مهما كانت، لا يمكن إلا أن يستدعي تدخل الإمبرياليين اليانكيين . و قد رأينا أنه أينما تدخلوا ، لا يفرقون بين القوى الثورية و الجماهير : فى العراق كما فى أفغانستان لا يتردد الإمبرياليون فى الإغتيال العنيف لجماهير الشعب .
فى هذا الإطار ، تمسى مشاركة النساء فى القتال حتى أكثر أهمية إستراتيجية . إذ تمثل النساء المجموعة المضطهَدة الأوفر عددا ذلك أننا نجدها ضمن جميع شرائح المجتمع . و هن أيضا فى موقع القلب من الهيكل الإجتماعي .إذن تقدر النساء أن تساهم بيسر أكبر فى عسكرة الجماهير الشعبية . و بما أن النساء هن الأخيرات فى كسب تحررهن ، فإنهن لن تتردد فى المثابرة على القتال النشيط لدفع الثورة إلى النهاية ،أي إلى بلوغ التحرر التام . و هكذا ، ستفرز مشاركتهن فى جيش التحرير الشعبي ليس التسريع فى حدوث الثورة فحسب و إنما أيضا التسريع فى سيرورة مواصلة الثورة .
فضلا عن ذلك ، ستساعد مشاركتهن فى الحيلولة دون بقرطة جيش التحرير الشعبي بما أن هذه البقرطة ستذهب فى الإتجاه المعاكس لمشاركتهن . و ستثبط مشاركة النساء عزيمة الإتجاهات نحو تطوير جيش متخندق منعزل عن الجماهير و ستشجع بالأحرى خلق جيش حقيقي من المشاة. و من المحتمل أنها ستساعد كذلك فى دمقرطة الجيش الشعبي. وهذا جميعه سيساهم ،على المدى البعيد ، فى إضمحلال الجيش نفسه مما سيوجد ظرفا مواتيا لإضمحلال الدولة .
نستشف عندئذ إلى أي درجة مشاركة النساء مطلقة الأهمية الإستراتيجية بالنسبة لجيشنا للتحرير الشعبي !
----------------------------------
1- والأدهى أن واحد فقط كان يعمل فى الواقع و كنا نسميه بلطف "الشيخ".
2- فى أوت الماضى ، بعد نشر هذا المقال ، أعلنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) تشكيل فيلق ثالث فى صفوف جيش التحرير الشعبي .
3- جوشوا س قولدشتاين ، الحرب و الجندر، المملكة المتحدة ، كمبريدج ،(الناشر) ،2001 ،ص65.
4- مارى آن تتروولت " النساء و الثورة فى فتنام " ضمن كتاب كهلين بارى "نساء فتنام فى مرحلة إنتقالية " لندن ،صحافة مكميلان ، ،1966 ص 47.
5- منظر عسكري من الصين القديمة غالبا ما إستشهد به ماو .
6- مصدر 3، ص 86 .
7- سنتوش سنغ " مهانات حتى كجنديات : فيلق النساء فى س ر ب ف" فى "مانوشى " عدد135، 2003، ص16.
8- الرفيقة يلو التى قادت الهروب من سجن غوركا و التى كانت بعدُ قائدة فرقة قبل سجنها ، روت لى شخصيا أن الرفاق الذكور أضاعوا حينها فرصة الهروب فقط لأنهم لم يكونوا على ثقة بالمخطط الذى أعدته السجينات ! لقد حفرت هذه الأخيرات حتى نفقا خاصا للسماح للرجال بالهروب . لنتذكر بأنه خلال هذا العمل البطولي الذى حدث سنة 2001 ، هربت ست نساء من سجن على درجة عالية من الحراسة .
9- "براشندا" هو الإسم الحربي للقائد الرئيسي للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) . يحدد الحزب طريق براشندا ب" مجموعة الأفكار التى تطورت إلى الآن من خلال تطبيق الماركسية –اللينينية –الماوية على الظروف الملموسة للنيبال" .
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------


مهما كان الطريق شائكا فإن إنتصار الثورة البروليتارية أكيد .
(حوار مع الرفيق براشندا ،قائد الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ) فى الذكرى الخامسة للإنطلاق حرب الشعب – أجرته معه "عالم نربحه")
إننا لمسرورون بأن نقدم هنا لقاءا صحفيا مع الرئيس براشندا ، قائد الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ) و حرب الشعب فى النيبال .
--- الرئيس براشندا ، نود أن نشكرك لتقديم لقاء صحفي لمجلتنا . قيادتنا قد تابعت تقدم حرب الشعب منذ بدايتها بعظيم إهتمام و الحماس . كيف تفسرون النجاح الرائع فى تقدم حرب الشعب و إستنهاض الجماهير ، فى مدة خمس سنوات فحسب؟
براشندا: قبل كل شيئ ، أشعر بالإعتزاز و أعبر عن إمتناني العميق تجاه "عالم نربحه" المجلة المتمكنة جيدا كسلاح إيديولوجي قائد و هام بأيدي البروليتاريا العالمية ، و ذلك لإتاحتها لى الفرصة للقاء صحفي . و بعميق التقدير للمساندة الأممية الحقيقية للحركة الأممية الثورية و حزبنا نفسه عضو فيها ،لإنطلاق حرب الشعب النيبالية و الدفاع عنها و تطويرها وهي فصيل من جيش البروليتاريا العالمية . و أتمنى لكم إطراد التقدم فى مهمتكم التى من أجلها تبذلون جهدكم .
ثمة عوامل محددة ذاتية و موضوعية وراء النجاح الباهر الحالي الذى حققته حرب الشعب النيبالية . أثناء الفترة القصيرة من خمس سنوات ، علمتنا الماركسية-اللينينية-الماوية و علمنا الواقع الموضوعي أن فى عصر الإمبريالية و الثورة البروليتارية ، هنالك قاعدة موضوعية عالمية عموما للإنطلاق فى حرب الشعب و الدفاع عنها و تطويرها فى البلدان المضطهَدة و المتخلفة لما يسمى بالعالم الثالث . و المشكل الأساسي فى تطبيق إستراتيجيا حرب الشعب الطويلة الأمد فى مثل هذه البلدان ، فى رأينا ، هو مشكل الإعداد الذاتي .و المظهر الرئيسي للإعداد الذاتي هو مسألة تطوير حزب شيوعي مناضل من نوع جديد يرتكز على الم-الل-الماوية . و اليوم ،التطور السريع لحرب الشعب لا مناص منه بعد حل مسألة القيادة عبر الصراع الشديد ضد التيارات الغريبة عن الحركة البروليتارية و بالأساس التحريفية اليمينية .و بالنسبة للجماهير ، لا بديل عن العصيان و الثورة نظرا للقاعدة الموضوعية للإستغلال و القمع و الفقر المنتشرين فى بلدان ما يسمى بالعالم الثالث شبه الإقطاعية و شبه المستعمرة . فى النيبال ، إتجهت جهودنا الأولى نحو الإستيعاب الصحيح لعلم الم-الل-الماوية .لذلك بذلنا جهدا بارزا لربط أنفسنا بالصراع الإيديولوجي الشاق و الباعث على التحدي الذى كان يخوضه الشيوعيون الثوريون الحقيقيون فى العالم ضد الثورة المضادة الصينية إثر وفاة الرفيق ماوتسى تونغ . و آخذين الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى أرقى تعبير للصراع الطبقي الواعي كنقطة إنطلاق لنا ، إنكببنا على الدراسة الجدية . و قد درسنا بحماس خاص الصراع الإيديولوجي الذى ظهر فى سيرورة تطور الحزب الشيوعي البيروفي و فى صفوف الحزب الشيوعي الثوري بالولايات المتحدة الأمريكية و فى بلدان أخرى . و من خلال التفاعل الإيديولوجي المتصل مع لجنة الحركة الأممية الثورية حاولنا أن نطلع على التيارات الرئيسية فى العالم اليوم للتوصل للفهم الجماعي الأرقى للأممية البروليتارية . و كذلك ، سعينا لإستخلاص دروس من المظاهر الإيجابية و السلبية للحركات الثورية و الوطنية بمختلف البلدان بما فيها الهند و الفليبين و تركيا و سريلنكا و بلدان أخرى . بإختصار ، مندفعين بتعطش للمعرفة ، إجتهدنا فى تسليح الحزب إيديولوجيا لأبعد حد ممكن بالوعي البروليتاري المتقدم.
و إرتبطت سيرورة البحث عن الوضوح الإيديولوجي هذه على منوال واحد بالصراع الطبقي للجماهير النيبالية و الصراع ضد مختلف ألوان الإنتهازية اليمينية . و إنطلاقا من الوعي المتقدم للبروليتاريا العالمية ، طبقنا أشكالا متنوعة من الخط الجماهيري لتطوير فهم و توق الشعب النيبالي للحرية . و طبقا لمبدأ التوحد مع الجماهير مهما كانت الظروف ، كرس الحزب تكتيكات مختلفة ، مفتوحة و سرية ، قانونية و غير قانونية ، متقدما و متراجعا إلخ . و لخصنا تجارب الإنشقاق و الوحدة داخل الحركة الشيوعية . و كي نوسع روابطنا بالجماهير شددنا على تطوير تنظيمات جماهيرية متباينة و ندوات متنوعة و ما إلى ذلك . فى أثناء هذه السيرورة، إتبع الحزب سياسة الصلابة الإستراتيجية و المرونة التكتيكية بجدية خاصة .
فى الأخير ، بعد بحث جاد فى الدروس الم-اللل-الماوية و الخصوصيات العالمية و الوطنية القائمة ، جسد الحزب إلتزامه النظري فى المسيرة العظيمة نحو الشيوعية و أعلن حرب الشعب فى 13 فيفري 1996 عبر صدمة من العصيان على طول البلاد وعرضها. و وصلت حرب الشعب القمة الحالية إثر إتمام خطط إستراتيجية ستة معتمدة على مثل هذه السياسات الأساسية التالية : أعمال لامركزية ضمن خطة و قيادة مركزيتين ، توازن بين الهجمات السياسية و العسكرية ضد العدو ، تنظيم الجماهير و تعبئتها فى أسرع و أفضل وقت ممكن مثلما دعا إلى ذلك الرفيق ماو .
برأينا ، السر الحقيقي وراء التطور السريع لحرب الشعب هو مزج علم الثورة البروليتارية بحاجيات الشعب النيبالي و روحه القتالية . بكلمات أخرى ، العامل الرئيسي و الحاسم لهذا التطور هو صحة الخط الإيديولوجي و السياسي للحزب .
--- فى الأشهر الأخيرة ، قرأنا تقاريرا حول العمليات العسكرية للقوات المسلحة الشعبية على نطاق جديد تماما ...أين وصل الأمر الآن فى ما يتعلق ببناء جيش شعبي؟
براشندا: لقد سعى الحزب جاهدا لتطوير جيش شعبي وفق المبادئ الم-الل-الماوية : "بدون جيش شعبي ، لن يكون هناك شيئ للشعب"، "من فوهة البندقية تنبع السلطة السياسية ". و" بحر من الجماهير المسلحة " ،وهي متطلبات الثورة . وعملت سياسة الحزب على تطوير قواعد إرتكاز و مناطق حرب أنصار عبر البلاد كافة و بناء جميع القوى المسلحة من قوات أساسية و قوات ثانوية و قوات قاعدية [محلية ] . فى تركيز شكل تحركاتنا ، رتبنا الأولويات تباعا الأول فالثاني فالثالث فالرابع كالآتي : الكمائن و التلغيم فهجوم كومندوس و غارات فأنواع مختلفة من الإتلاف فالقضاء على العدو إنتقائيا.
لضمان المشاركة الجماهيرية المباشرة فى نشاطات مسلحة ، شجع الحزب على التحركات الجماهيرية المسلحة و الدعاية المسلحة أيضا كجزء من الحملات العسكرية . و لعبت مثل هذه الحملات دورا هاما فى ضمان مشاركة الجماهير فى حرب الشعب . متبعا مبدأ " تعلم الحرب عبر خوضها " يجد الجيش الشعبي نفسه الآن فى وضع يسمح له بالقيام بعمليات ناجحة على مستوى كتيبة مؤقتة [مئات من الجنود] كتشكيل عسكري و سريات قارة و مؤقتة لها قيادات جهوية مختلفة فى البلاد و عشرات الفصائل النظامية و مئات الفرق النظامية فى المعركة. أما بخصوص القوات الفاعلة ، فإن عموم الجماهير إلتحقت بالمليشيات الشعبية بالآلاف . و تتقدم سيرورة الإلتحاق بالتشكيلات العسكرية المتنوعة بنسق سريع نسبيا لذلك قرر الحزب فى المدة الأخيرة أن ينظم هذه الهيكلة الواسعة للقوات المسلحة الشعبية الشيئ الذى أدى إلى نجاح إفتكاك مراكز قيادة العدو فى المقاطعة و ثكنات أخرى لقوات الكومندوس . نظمنا كل هذا تحت قيادة موحدة و مركزة أكثر . و تبعا لذلك ، تم إقرار مبدئي بإرساء مركز قيادة عامة و هيئة قيادة و أن تسمى القوات المسلحة الثلاث جميعها بجيش التحرير الشعبي و أن يعلن ذلك للعموم و أن يشدد على تطوير حرب متحركة و أن يلجأ للمركزة و اللامركزة و النقل حسب الحاجيات إلخ . و هذا بهدف تحويل كل قرية إلى خندق ضد العدو . و هزت العمليات العسكرية البلاد هزا.
--- أين وصل أمر بناء السلطة الشعبية الجديدة ؟ و ما هو نوع الحكومة القائمة بمناطق الإرتكاز؟
براشندا: بعد سنة فحسب من إنطلاق حرب الشعب ، وضعت مسألة تنظيم السلطة الشعبية المحلية على جدول أعمال الحزب . مذاك حصل وضع فراغ فى السلطة فى عديد المناطق الريفية لغرب النيبال . فى مثل هذه المناطق ، نشأت نواة سلطة شعبية جديدة فى شكل لجان شعبية متحدة تحت قيادة الحزب . و إثر الإنتصارات العسكرية الأخيرة للجيش الشعبي وجد العدو نفسه منزويا فى مراكز القيادات العليا للمقاطعة فى المنطقة الغربية و كذلك فى مقاطعات أخرى من البلاد . على هذا النحو ، صارت قطاعات واسعة من البلاد نوعا من المنطقة المحررة . طبعا ، هي ليست محررة كليا بما أن القوات العسكرية الأساسية و الأخيرة للعدو لم تلحق بها الهزيمة بعد . مع ذلك ، فى مقاطعات مختلفة فى منطقة الإرتكاز الأساسية غرب النيبال ،جرت بعد إنتخابات محلية و على مستوى المقاطعة ، إنتخابات أعضاء الحكومة الشعبية . وتتخذ مثل هذه الحكومات الشعبية المحلية شكل حكومة ديمقراطية موحدة لقوى وطنية و ديمقراطية و يسارية مناهضة للإقطاع و الإمبريالية .و بينما إنتخبت الجماهير الحكومة المحلية مباشرة ، إنتخب ممثلو سلطة الشعب المحلية الحكومات الشعبية للمقاطعات و تمارس هذه الحكومات المعروفة باللجان الشعبية الموحدة المحلية ،جوهريا كل من صلوحيات صياغة و تنفيذ السياسات الراجعة بالنظر للأجهزة التشريعية و التنفيذية و القضائية . و حتى تنسق مختلف الوظائف تحت سلطتها . و تتشكل هذه الحكومات تحت قيادة الحزب ، من دوائرمتنوعة كدوائر البناء و دوائر التعاونيات و دوائر الإصلاح الزراعي و دوائر المحافظة على الغابات و دوائر الأمن العام و دوائر التربية و الثقافة و دوائر الصحة إلخ . و منذ البداية تم تركيز نظام إعفاء ممثلى الجماهير المنتخبين من مهامهم إن إقتضت الحاجة ذلك . و فى الوقت الحاضر ، نمت اللجان الشعبية الموحدة المحلية ليس فى قاعدة الإرتكاز الأساسية غرب النيبال فقط و إنما أيضا فى قواعد الإرتكاز فى ظل كافة القيادات الجهوية فى البلاد .
و إستجابة لضرورة التطور الجديد ، قرر الحزب الآن أن يشكل جهاز جبهة موحدة سينهض بدور حكومة ديمقراطية جديدة منظما اللجنة على المستوى المركزي للدفاع عن الحكومة الشعبية المحلية و تعزيزها و توسيعها و التنسيق معها . و المسألة الهامة التى ينبغى الإشارة إليها هنا هي أن الحزب لم يكف عن التشديد على تطور الجبهة الموحدة مثل الجبهة الموحدة للشعب من مختلف الطبقات و الكاست و القوميات و المناطق التى يضطهدها الإقطاع و الإمبريالية ، حسب الظروف الخاصة للمجتمع النيبالي . و بينما يدافع عن حق القوميات المضطهدة فى تقرير المصير ، تقدم الحزب فى تجسيد برنامج حكم ذاتي لشعوب مختلف القوميات و المناطق المضطهدة . و تعكس هذه السياسة و هذا البرنامج سياسة ثورية من "الوحدة و الصراع" على أساس ديمقراطي ضد سياسة العدو :" فرق تسد".
و إنها لقناعة راسخة لحزبنا أن اللجنة المركزية المنظمة للحكومة الشعبية لن تنسق بين الحكومات الشعبية المحلية فحسب بل ستنهض أيضا بدور هام فى الإعداد للإنتفاضة فى المستقبل.
--- فى مناسبات عدة ، تحدث الحزب عن إمكانية مفاوضات مع سلطة الدولة القديمة . هل تتفضل بشرح فكرتكم بهذا الصدد؟
براشندا: أعتقد أن مسألة التفاوض مع سلطة القديمة مسألة حساسة للغاية فى صفوف الحركة الثورية . فمن الواضح من تجربة الثورة منذ التاريخ الماضي إلى يومنا هذا أن الطبقة الحاكمة الرجعية ما فتأت تستغل مسألة المفاوضات كسلاح لمغالطة الجماهير بغاية إحداث إنشقاق فى الحركة الثورية و إعداد أرضية لمجزرة واسعة النطاق . علمتنا الم-الل-اللماوية أن التفاوض أو عدم التفاوض مع سلطة الدولة القديمة مرتبط بالتحليل الملموس للظروف الملموسة . و العامل المحدد الرئيسي فى هذا هو الدفاع عن المصالح الجوهرية للشعب و للثورة . مبادرتنا الرائدة فى مسألة التفاوض هي تجارب و تلخيص تجارب معاهدة بريست ليتوفسك فى ظل قيادة لينين و مفاوضات تشونكينغ فى ظل قيادة ماو .
نعتبر مسألة التفاوض جبهة قتال ينبغى أن تتصدى لها الحركة الثورية فى ظروف ملموسة معينة . و قد إنخرطنا فى نقاش و دراسة جديين لمشكلة التفاوض على ضوء التجارب السلبية الماضية و الحالية بما فيها تجربة البيرو . حول هذه المسألة ناضلنا من جهة ضد الدغمائية الضيقة و من جهة ثانية و رئيسيا ضد الإنهزامية اليمينية و سعينا جهدنا لتطوير مفهوم م-ل-ماوي داخل الحزب و فى صفوف الجماهير عموما .ومثّل بيان ...و نصوص تقاتل الخط الإنتهازي اليميني فى البيرو عواملا محركة هامة فى هذه السيرورة . إننا جادون غاية الجد فى أن لا يكون للحزب و للجماهير كافة وهم حول التفاوض حتى و إن وقعت قيادة الحزب الأساسية بين أيدى العدو .
نعتقد أنه ينبغى فهم هذه المسألة بصورة صحيحة فى إطار الظروف الخصوصية لميزان القوى العالمي الحالي بين الثورة المضادة و رئيسيا فى إطار الوضع السياسي الملموس فى النيبال . إنه لبديهي أن قوة الثورة ذاتيا أضعف فى الوقت الحالي . و قيادة ثورة بروليتارية نحو الإنتصار فى بلد صغير و فقير على شاكلة النيبال مهمة تبعث على التحدى و لا شك . وإستعمال أقصى المرونة التكتيكية فى المناورة يمينا و يسارا و التقدم و التراجع ضرورة حتمية تفرضها الأوضاع. و قد تقدمت حرب الشعب النيبالية بنسق سريع بفضل الموازنة المناسبة بين الصلابة الإستراتيجية و المرونة التكتيكية و بين الهجوم السياسي و الهجوم العسكري .
و اليوم تبلغ الدولة الرجعية فى النيبال قمة أزمتها السياسية . و الآن حرب الشعب محور السياسة الوطنية .فكل زمرة من الزمر البرلمانية تمر بأزمة حادة لتناقضاتها الداخلية و النقطة الأولى على أجندا الجميع هي حرب الشعب . بسبب هذه الأزمة أحدثت الطبقات الحاكمة جلبة منذ البداية الأولى بأنها مع التفاوض و تآمرت لتجلب إلى جانبها الطبقة الوسطى المدينية . فى هذا الوضع ، بغرض عزل العدو الأساسي و تربية الطبقة الوسطى ، أوضحنا أننا لسنا ضد التفاوض فى حد ذاته و أننا مستعدون للقتال على طاولة المفاوضات لو تحققت شروط معينة وهو ما بعث نقاشا جديا آخر فى السياسة الوطنية . و فى الأخير ، تمت تعرية المؤامرة وراء عجيج المفاوضات و قطاع واسع من الجماهير جرى كسبه إلى جانب حرب الشعب وهو ما لخصناه على أنه سياسة ماو فى " قتال مثل بمثل " .
و حاليا نخطو إلى الأمام فى تركيز حكومة شعبية مركزية . و تأتى العمليات العسكرية المدوية الأخيرة نتاج الشعار ذاته و الخطة ذاتها . و يترافق مع هذا نداؤنا لحل النظام البرلماني و الدستور لأجل عقد ندوة لكل القطاعات و تشكيل حكومة إنتقالية كتكتيك آني . و قد أوضحنا أنه إذا كانت الدولة القديمة على إستعداد للتفاوض حول هذا الحل السياسي ، فإننا على إستعداد لذلك . فى الإطار الحالي للسياسة بالنيبال ، كان لهذا الشعار دور بليغ فى عزل الكتلة المتشددة للطبقات الحاكمة و تربية الجماهير أكثر ضد النفاق البرلماني و الإرتقاء بحرب الشعب إلى علو جديد فى التطور . و من المهم فهم أنه لو تحققت سياسات الحزب و برنامجه فى المفاوضات ، لو تطلب الوضع ذلك ،فإن إنتصار حرب الشعب فى النيبال يمسى أقرب .
فى النهاية ، نود أن نؤكد أنه لا يوجد سبب لأن نكون تحت طائلة أي وهم أو أن نكون متخوفين من مسألة التفاوض و هدفه التقدم بحرب الشعب و الثورة نحو الإنتصار . إننا واثقون أننا نقوم بتطبيق خلاق للم-الل-الماوية ضد الإنتهازية اليمينية و الدغمائية الإنعزالية بغرض إلحاق الهزيمة بالعدو فى جبهة التفاوض أيضا ، بينما نمسك المبادرة التامة بأيدينا فى وضع من الإنتصار المتواصل لحرب الشعب .
--- بعض قراءنا تساءلوا عن الإختلاف بين سياستكم فى التفاوض و سياسة الخط الإنتهازي اليميني فى البيرو .
براشندا: لا يمكن عقد أي مقارنة مهما كانت بين مفهومنا الذى عرضنا أعلاه و الخط الإنتهازي اليميني فى البيرو . و قد أدهشنا قليلا أن البعض من أصدقاءنا فى الخارج لهم أوهام كبيرة كهذه و فجوات فى فهم الوضع الحقيقي فى النيبال و سياسة الحزب . فى هذا الإطار ، نأسف لأننا لم نكن قادرين على شرح الوضع السياسي الملموس و جوهر سياسة الحزب قبل الآن .
تحدث الخط اليميني الإنتهازي فى البيرو عن مفاوضات من منظور القضاء على حرب الشعب فى حين أننا تحدثنا عن القتال على جبهة المفاوضات كذلك بهدف التقدم بحرب الشعب نحو الإنتصار . و الخط الإنتهازي اليميني فى البيرو ظهر فى شكل إستسلام من داخل السجن ، مع خليط من مؤامرة العدو فى وقت شهدت حرب الشعب تراجعا جديا على إثر إعتقال العدو للقيادة الأساسية بينما نتحدث نحن عن المفاوضات بمبادرة تامة بأيدينا نحن و بهدف تحطيم العدو ، فى وقت تتقدم فيه حرب الشعب على مسار سريع و منتصر . و فى حين خان الخط الإنتهازي اليميني الأهداف الثورية و الهمة الثورية للجماهير ،فإن حديثنا عن التفاوض جعل الجماهير تتمرس سياسيا لتساهم بشكل أوسع فى الثورة ضد العدو . و فى حين أن الخط الإنتهازي اليميني فى البيرو إفراز لعقلية منهزمة فإن حديثنا عن المفاوضات تكتيك تقدمنا به بصورة واعية و متزنة ، بعد إستخلاص دروس من نفس التجربة السلبية فى البيرو . لهذا ثمة إختلاف كإختلاف الليل و النهار بين الإثنين . و لا أعتقد أنى فى حاجة لأن أضيف إلى هذا أي شيئ آخر.
--- كيف ترون العلاقة بين الثورة الديمقراطية الجديدة فى النيبال و النضال القائم فى بلدان أخرى ؟
براشندا: الثورة الديمقراطية فى النيبال جزء لا يتجزأ من الثورة البروليتارية العالمية و من ثم لها علاقة حميمية لا تنفصم بحركات التحرر الوطني و الحركات الديمقراطية و الإشتراكية فى بلدان أخرى . تحدد الميزات الأساسية لعصر الإمبريالية و الثورة البروليتارية و سيرورة الإستعمار المجرم لسلب العالم عبر الرأسمال المالي تحت تسمية مستعارة هي العولمة الليبرالية الإمبريالية و التأثير الهائل للتغير النوعي فى تكنولوجيا المعلوماتية و بخاصة تكنولوجيا الألكترونيك ، تحدد العلاقات الخصوصية داخل الحركات الثورية فى مختلف البلدان . و هذا الوضع قد عظم بصورة أعمق الأهمية العملية للنظرية العظيمة للأممية البروليتارية . و قد أعد الوضع الراهن للتأثير العالمي الفوري لأي حدث إيجابي أو سلبي فى أي زاوية من الأرض الأرضية المادية للشيوعية العالمية بخطى سريعة مذهلة . وزاد هذا الوضع كذلك من عظمة سيرورة الثورة فى بلد معين فى ممارسة التأثير على الحركة الثورية فى بلدان أخرى . لذا من الضروري أن نبذل مجددا الجهود الواعية كثوريين بروليتاريين لتعميق الثورة العالمية على قاعدة الأممية البروليتارية .
لقد قدرنا عميقا ،فى إطار حرب الشعب فى النيبال أن تطور هذه الحرب لا يمكن تصوره فى معزل عن تجارب الحزب الشيويعي البيروفي و الحزب الشيوعي الثوري للولايات المتحدة الأمريكية و الحركة الأممية الثورية و الثوريين فى الهند و تركيا و إيران و الفليبين و بلدان أخرى ،منذ وفاة الرفيق ماو . و لا يمكن تصور النسق السريع الحالي لولا مساندة الشيوعيين الثوريين و شعوب مختلف البلدان المحبة للحرية و بوجه خاص الحركة الأممية الثورية ، طوال مرحلة الإنطلاق التاريخية لحرب الشعب . لهذا إعتبرت الثورة الديمقراطية الجديدة فى النيبال قاعدة إرتكاز للثورة العالمية ،اممية فى المضمون ووطنية فى الشكل . و قد ناشدنا جديا تطوير تضامن حميمي مع النضالات فى بلدان أخرى مهما كانت درجة تطورها فى سبيل التعلم من تجاربها و نشر تجاربنا . و إلى الوعي بهذه المهمة الأممية البروليتارية يعود إبرازنا بجدية خاصة للمفهوم اللينيني لإلتحام الحركة البروليتارية بحركة التحرر الوطني ،فى الكنفرنس/ الندوة الوطني الثاني لحزبنا.
--- ما هو هدف نضالكم ؟ فيما يختلف عن نضال القوى الوطنية فى أجزاء أخرى من جنوب آسيا ،مثلا ؟
براشندا: إنه لواضح و جلي أن الهدف النهائي لحركتنا هو المساهمة فى تحقيق الشيوعية المجيدة بالقضاء على كافة أشكال إستغلال الإنسان للإنسان من على وجه الأرض . و بالضبط قبل الإنطلاقة التاريخية لحرب الشعب أوضحنا إلتزامنا النظري بأن هذه الحرب ستتقدم كجزء لا يتجزأ من الثورة البروليتارية العالمية و بأن الأسلحة لن توضع جانبا حتى بلوغ البناء النهائي للشيوعية . و الأكثر أهمية ، ينبغى أن نفهم أن فقط بسير البروليتاريا التى تمثل آخر طبقة ثورية فى التاريخ قدما فى ظل قيادة الم-الل-الماوية ، الإيديولوجيا البروليتارية العالمية التى لا تهزم ، فقط هكذا بالإمكان بلوغ هذا المستقبل الوضاء للإنسانية .
فى آسيا الجنوبية ، تقاتل قوى وطنية متنوعة وهي إفراز حالة التطور الإجتماعي تقاتل بجسارة من أجل حق تقرير المصير . مثل هذه النضالات الوطنية غير قادرة على إستيعاب خصوصيات عصر الإمبريالية و الثورة البروليتارية . وتتمثل محدوديتها فى عدم إستيعابها أنه من غير الممكن تاريخيا لأي حركة تحرر وطني أن تحرز النصر دون أن تكون جزءا من حركة البروليتاريا العالمية فى ظل قيادة البروليتاريا . و بالمقابل فإن إخفاق حركة التحرر فى توفير قيادة صحيحة لطموحات الشعب هو ضعف من الأحزاب السياسية البروليتارية . و ليست حركات التحرر فى حد ذاتها عبئا على كاهل حركات البروليتاريا و إنما هي صديقة يتعين قيادتها على أساس الم-اللل-الماوية . و من الجلي أيضا أنه دون قيادة الأحزاب السياسية البروليتارية ستنتهى حركات التحرر الوطني إلى أن تكون أداة لا غير فى يد زمرة إمبريالية أو أخرى . إن لم تكن جزءا من الثورة البروليتارية فإنها بالتالي تكون بالتأكيد جزءا من الإمبريالية . هذا هو المصير التاريخي لحركات التحرر .
و فى النيبال ، لم نكف عن التأكيد على فهم مسألة التحرر الوطني ،منذ زمن الإنطلاقة التاريخية لحرب الشعب ،وفق المبدأ اللينيني لإلتحام حركة التحرر الوطني مع الحركة البروليتارية . و الفكرة وراء مفهوم "فدرالية سوفياتية جديدة على مستوى جنوب آسيا" كما صاغتها الندوة الوطنية الثانية لحزبنا هي هدف إستراتيجي لتوفير قيادة بروليتارية لطموحات الشعوب فى حركة التحرر لهذه المنطقة . ومن المهم تسجيل هذا.
--- سجل عديد الملاحظين مشاركة حاشدة للنساء فى النضال الثوري فى النيبال . ما هي دلالة ذلك ؟
براشندا: المفتاح الهام للتطور و النجاح القويين لحرب الشعب فى النيبال هو نهائيا المشاركة الحاشدة للنساء . إن الرجعيين و التحريفيين "مندهشين " اليوم من المشاركة الحاشدة للنساء و الأرقام القياسية للتضحية و الإخلاص و تكريس الذات التى سجلتها فى حرب الشعب . كأول حدث بطولي من نوعه فى تاريخ النيبال وكمصدر إلهام كبير لنساء العالم ، حطمت الأنصاريات سجنا للدولة القديمة . و فى المناطق الريفية الواسعة ، واجهت النساء العاملات بشجاعة وحشية و فظائع الإغتصاب الجماعي غير المسبوق من طرف الأعداء . و حتى عندما سمل العدو أعينهن و حرق أجسادهن بأعنف الطرق ، بقيت النساء على صلابة فى قناعتهن بالتحرر . و موضوعيا ،جعلت النساء الرجال خلفهن فى ما يتصل بالتضحية و الإخلاص و تكريس الذات فى حرب الشعب . و اليوم خرجت آلاف النساء من حدود المطابخ لترتقي إلى مرتبة مقاتلات الشعب. وعاشت آلاف النساء بؤسا لا يوصف من أجل دعم حرب الشعب . والآن يقوم الحزب بجهود منظمة ويطبق خططا لتطوير قادة شيوعيات ضمانا لنجاح الثورة .
و نعتقد أن العوامل المحركة لهذه المشاركة الحاشدة للنساء هي السياسة الصحيحة للحزب فى إعطاء نافذة لروح العصيان التى خلقتها الظروف المادية للمجتمع النيبالي . بحكم طابعها الطبقي ، لا تثق البرجوازية أبدا فى قدرة المرأة . و على النقيض منها ،بحكم طبيعتها الطبقية تعترف البروليتاريا بالقوة الكامنة الهائلة للنساء . و من هنا ، البروليتاريا وحدها بمقدورها حقيقة أن تقود المرأة نحو التحرر . ومنذ البداية ، دافع حزبنا عن قضية المرأة كإحدى القضايا الحيوية التى من المرجح أن تحدد مصير الثورة . و بتنظيم المرأة إلى جانب الرجل فى الجيش الأنصاري ، شعرت النساء لأول مرة بأنهن تحررن من مئات السنين من البطريركية الإقطاعية و مسكت مصيرها بأيديها . وشكل الحزب حاليا تنظيما و رسم خططا خاصة لتطوير القيادة النوعية للنساء على ضوء تجربة السنوات الخمس وهو بصدد تطبيق خطة طويلة المدى لتطوير قادة من النساء على قدم المساواة مع الرجال فى لجان الحزب من المستوى المحلى إلى المستوى المركزي و فى مختلف مستويات السلطة الشعبية و فى الجيش الشعبي ، من ضمن النساء المتعرضات للإستغلال و الإضطهاد المزدوجين طبقيا وجندريا . و إنها لقناعة صميمية بالنسبة لنا أن مسألة أن ننشأ شيوعيات نساء بأعداد كبيرة مسألة هامة ليس بالنسبة لنجاح الثورة فحسب بل أيضا للحيلولة دون الخطر المستقبلي للثورة المضادة .
يتكون المجتمع النيبالي من خليط من الجماعات الإثنية الآرية و غير الآرية . و من جهة الإضطهاد داخل العائلة ،فإن النساء المنحدرات من الجماعات الآرية عرضة لفضائع شديدة ترتكبها البطريركية الإقطاعية الهندية بينما النساء من القومية المنغولية و القوميات الأخرى تشكو أقل نسبيا من البطريركية و بما أن حركتنا منغرسة أكثر فى الحزام غير الآري من غرب النيبال ، أعان ذلك ثقافيا على مشاركة أوسع للنساء . و فى الجماعة الآرية ، لوجود إستغلال أكبر و فضائع أعظم ضد النساء ، قدمت حرب الشعب نهجا ملموسا لتحرير النساء و سجلت مشاركة متصاعدة للنساء من هذه الجماعة كذلك . و هكذا تسارعت وتيرة مشاركة المرأة من الجماعتين الإثنتين المختلفتين .
--- فى المدة الأخيرة عقد حزبكم ندوته الوطنية الثانية .ما هي أبرز مكاسب هذه الندوة ؟
براشندا: بكسر مؤامرة العدو و عديد حملات التطويق و الإبادة ، تمكنا تاريخيا بنجاح من إنجاز ندوة حزبنا الوطنية الثانية . و بات هذا النجاح التاريخي للندوة هو ذاته صفعة قوية للعدو . و المغزى التاريخي لهذه الندوة يكمن فى قراراتها الهامة العظيمة الدلالة التى لخصها الحزب على أنها نتاج حقبة .
الموضوع الأساسي للندوة كان التلخيص الإيديولوجي المستند إلى تجارب السنوات الخمس من حرب الشعب و رسم التوجه المستقبلي لحرب الشعب. لقد كانت الندوة ناجحة كليا فى تحقيق هدفها بتبنيها بإجماع تلخيصها الإيديولوجي فى شكل"طريق براشندا" من خلال وثيقة "القفزة الكبرى إلى الأمام : ضرورة تاريخية أكيدة " . وعرضت هذه الوثيقة جملة أفكار الحزب كتلخيص للحركة الشيوعية العالمية و تحليل خصوصية الوضع العالمي الراهن و الدروس المستفادة منها و قرار حول جنوب آسيا و تلخيصا عاما لتاريخ النيبال و عرض جديد لتاريخ الحركة الشيوعية النيبالية و تقييما جديدا لتاريخ الحزب و تلخيصا لأدوات الثورة الثلاث و نقاشا للخط الجماهيري و قرار حول المكسب العظيم و فى الأخير خطوطا عريضة للخطة المستقبلية. وحدت هذه الوثيقة التى وقع إقرارها بالإجماع من خلال ممارسة ديمقراطية بروليتارية من نوع راق و نقاش حي، وحدت الحزب على أساس جديد . لهذا لخص الحزب الندوة كندوة وحدة وإنتصار .
عقب نشر قرارات الندوة ،لا سيما القرار حول "طريق براشندا" حدثت ضجة كبرى داخل صفوف الكتلة الرجعية و التحريفية بينما خلقت موجة من الحماس فى صفوف الجماهير الثورية. و تمثل الإنتصارات العسكرية المحققة فى الفترة الموالية شأنها شأن التجمعات و المسيرات الجماهيرية الناجحة التى شارك فيها مئات الآلاف من الناس تمثل تحويلا لقرارات الندوة إلى قوة مادية .
--- كيف تغير الحزب ذاته منذ بداية حرب الشعب ؟
براشندا: مثلما قال الرفيق ماو فإن حرب الشعب ليست فنا فى القتال ضد العدو فحسب و إنما هي أيضا وسيلة للتطهير من الداخل . و قد أوضحنا هذا بالضبط منذ البدايات الأولى . وأثبتت خمس سنوات من التجربة هذا عمليا. أولا ،أفرز إنطلاق حرب الشعب تغيرا نوعيا فى البنية التحتية للحزب و أسلوب عمله . ثانيا ، مع تطور حرب الشعب ، إستطاع الحزب أن يركز على الطبقات الجوهرية و حصلت تغيرات فى التكوينة الطبقية لكوادر الحزب . ثالثا ، حررت حرب الشعب كوادر حزبية لا تحصى من الإرث الإصلاحي القديم مما أعطى تدفقا جديدا من الحياة للحزب و لا يزال يعطى . رابعا، خرجت حرب الشعب منتصرة على تيار آلوك بما فى ذلك الإنحرافات الإنعزالية و الفوضوية [فى إشارة إلى نضال خاضه الحزب ضد قائد سابق إرتد، آلوك] و عبر هذا أوجدت جوا من الوحدة الجديدة على أساس جديد . خامسا ، أعدت حرب الشعب القاعدة المادية لتنفيذ حملة تصحيح حزبية. سادسا ، جعلت حرب الشعب الحزب فى صفوف الجماهير الحزب الثوري الوحيد فى البلاد بأسرها . سابعا ، رفعت حرب الشعب و لا تزال تساهم بطرق متنوعة فى سيرورة البلترة الإيديولوجية و المادية .
--- لقد أولت ندوتكم عناية فائقة لبعض المسائل التاريخية للحركة الشيوعية العالمية . لماذا تعتقدون أن مثل هذه الدراسة ضرورية ؟ ما الدروس التى تقدمها بالنسبة للمستقبل ؟
براشندا: فعلا ، أولت ندوتنا الوطنية الثانية عناية خاصة للتعلم من تاريخ الحركة الشيوعية العالمية . و قد بلغت ذروة الإنتصار التاريخي فى القتال من أجل سلطة الدولة ،لماذا واجهت طبقتنا مثل هذا التراجع الكبير فى العالم ؟ هذه المسألة فى حد ذاتها غاية فى الأهمية .
من الأكيد أننا كنا نقول إن ذلك نتيجة لقوانين المدّ و الجزر فى الصراع الطبقي و للخيانة الغادرة للتحريفيين و لمؤامرة الإمبرياليين. مع ذلك، هذا التفسير ليس كافيا لتأدية الحقيقة كلها وهو لن يستطيع أن يولد الثقة فى صفوف الجماهير من أجل الثورة .
العامل الرئيسي فى تطور أي شيئ أو أي سيرورة سيكون دوما باطنيا. من وجهة النظر هذه ، المسألة الحساسة هي إكتشاف إلام يرجع إخفاق ممثلي طبقتنا الثوريين فى الماضى فى إيلاء النظر[لمسائل معينة ] أو ما كانت نقاط ضعفهم فى المسائل الإيديولوجية. بإستعمال تليسكوب و مكروسكوب الم-الل-الماوية، نقدر أن نكتشف ذلك . و قد ركزنا نظرنا على هذا الموضوع ، بعد خمس سنوات من التجربة و فى سبيل نجاح الثورة و التذكر الدائم لضرورة إتقاء خطر الثورة المضادة مستقبلا. فى هذه السيرورة ، إتخذنا تجربة الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى نقطة إنطلاق لدراستنا. هكذا ، فى سيرورة الدراسة و النقاش ، لفتت إنتباهنا مسألة تقييم الرفيق ماو لأخطاء الرفيق ستالين على أنها تقدر بثلاثين بالمائة .
عندئذ ، حاولنا أن نعمق حتى أكثر تقييم الرفيق ماو بأن الرفيق ستالين و إن كان ماركسيا –لينينيا عظيما و مخلصا ، فإن لديه قدرا لا بأس به من الميتافيزيقا و الذاتية و الدغمائية فى فهم الفلسفة المادية الجدلية . بهذا فتح حزبنا الباب أمام دراسة مسائل على غرار مسألة : لماذا لم يتمكن مفهوم الرفيق ستالين للحزب من إستيعاب "وحدة الأضداد " و ساعد فى ولادة الخوجية و قام بعديد الأخطاء فى فهم طبيعة الصراع الطبقي و فى إدارته فى ظل الإشتراكية و أعطى توجيهات / تعليمات خاطئة فى مناسبات عدة بصدد العلاقة بين الإشتراكية السوفياتية و الثورة العالمية . و جانب الحقيقة حين عمّم الحاجة السوفياتية إلى تشكيل جبهة موحدة ،أثناء الحرب العالمية الثانية كما شدّد بصورة إحادية الجانب على تطور الإنتاج و تطوير القوى المنتجة ضمانا لنجاح الإشتراكية ،و كانت لديه بعض المشاكل فى إستيعاب المفهوم اللينيني لإلتحام حركات التحرر الوطني للبلدان المضطهَدة بالحركات البروليتارية و أيضا لم يقدر أن يستوعب أهمية مساهمة الثورة الصينية و مساهمة الرفيق ماو و ما إلى ذلك.
عبر تجربة الصراع الطبقي و الصراع الإيديولوجي ، توصلنا إلى رؤية أن عديد المجموعات و القادة القدماء بالنيبال الذين يناصرون "فكر ماوتسى تونغ " كانوا ينظرون للماركسية من زاوية دغمائية خوجية . إنهم ينظرون للرفيق ستالين و يفهمونه ليس بأعين ماو بل بأعين أنور خوجا مما أعاق تطور الثورة النيبالية لعقود. و حتى الآن ، على المرء أن يناضل ضد هذا التوجه . و نعتقد أن الحركات الشيوعية فى كافة بلدان العالم تقريبا قد واجهت هذا المشكل سواء بحجم صغير أو كبير . فى هذا الوضع ، لا يتعين أن يوجد أي تردد من طرف الجيل الجديد من الشيوعيين الثوريين فى التعلم من أخطاء الرفيق ستالين . وذلك لأن اليوم قد تمت تعرية المحتويات الرجعية للتروتسكية و التحريفية و الخروتشوفية و الأوروشيوعية و "الخوجية " و "وسطية هوشيه منه " و "جوشى " كوريا الشمالية و التيارات الخاطئة الأخرى . على الأقل الآن ، لا وجود لخطر مثل هؤلاء التحريفيين . و بالإستفادة من جهودنا المخلصة نتعلم الدروس من التاريخ . و بالمقابل ، جهودنا فى تعلم الدروس من التاريخ ستساعدنا بقدر عظيم فى فهم الم-الل-الماوية بأكثر صرامة و فى توفير قيادة ناجحة للثورة و فى الحيلولة دون خطر الثورة المضادة مستقبلا .
--- تحدثت الندوة عن "طريق براشندا" . هل تشرح لنا بإيجاز هذا المفهوم ؟
براشندا: من خلال تطبيق حقيقة الم-الل-الماوية العالمية على الخصوصية النيبالية و بخاصة من خلال تلخيص تجربة خمس سنوات من حرب الشعب ، إستنتجت الندوة جملة من الأفكار وقع تطويرها فسميت "طريق براشندا" . لقد وضع الحزب هذا المصطلح لأنه يمثل التعبير المكثف للقيادة الجماعية و القيادة الصحيحة و المستمرة للرفيق براشندا . يعتبر الحزب طريق براشندا إثراءا للم-الل-الماوية لإعطاءه تحديدا ملموسا .و أطلقت الندوة على مجموعة الأفكار هذه طريق براشندا وهي أوسع من الخط العام للحزب و لكنها لم تتطور بعد إلى مستوى "فكر" . و قد حدد الحزب طريق براشندا فى الإطار النيبالي كعلاقة جديدة بالماركسية الخلاقة ، فى تعارض مع كل من التحريفية اليمينية و الإنعزالية الدغمائية . و لخصت الندوة بطريقة صائبة دور شهداء حرب الشعب الخالدين و الجماهير الشعبية و المقاتلين الثوريين و صفوف الحزب جميعه و الفريق المركزي من القادة و الحركة الأممية الثورية ،معا مع الشيوعيين الثوريين فى العالم ، لخصت دورهم جميعا فى تطوير طريق براشندا بما هو جملة من الأفكار الخاصة . و الحزب واثق من أن تلخيص طريق براشندا سيخدم الثورة العالمية برسم توجه المضي قدما فى مسيرة الثورة النيبالية .
--- ما علاقة حزبكم بالحركة الشيوعية العالمية ؟
براشندا: عميقة بوجه خاص هي علاقة حزبنا بالحركة الشيوعية العالمية . و بالفعل كون حزبنا منذ 1984 ، سنة تشكل الحركة الأممية الثورية عضوا نشيطا يؤكد هذه العلاقة . و الحركة الأممية الثورية هي التى ألهمتنا الكثير و ساعدتنا التجارب الشامخة لحرب الشعب فى البيرو. جوهريا ، حرب الشعب فى النيبال ثمرة مجهود مشترك لحزبنا و الحركة الشيوعية العالمية بفضل سيرورة من النقاش و التفاعل المتصلان فى سياق كافة سيرورة الإعداد لحرب الشعب و الإنطلاق فيها و تطويرها . و تعكس هذه الحقيقة خصوصية علاقتنا و عظمتها . إلى جانب هذا ، حافظنا على علاقة وثيقة مع الأحزاب الثورية الهندية التى مدت لنا يد العون بصورة كبيرة فى مختلف موجات تطور حرب الشعب فى النيبال .
إن حزبنا و جماهيرنا بأسرها أوليا أهمية كبرى لهذه العلاقة مع الحركة الشيوعية العالمية . و قد قلنا و لا نزال إن فشل حرب الشعب فى النيبال إن واجهت تراجعا كبيرا فإن ذلك لن يعكس فشل حزبنا فحسب و إنما سيعكس أيضا فشل الحركة الشيوعية العالمية إلى حد بعيد . من هذا المنظور ، من البديهي أن علاقتنا مع الحركة الشيوعية العالمية مغايرة نوعا ما لمثل هذه العلاقة فى الماضى . و إننا لواثقون من أن مع تطور الحركة الثورية فى ظل قيادة الإيديولوجيا العظيمة للم-الل-الماوية و الأممية البروليتارية ستخدم هذه العلاقة الثورية العالمية على نحو أعمق حتى .
--- كيف ترون علاقة الثورة فى النيبال ببقية منطقة جنوب آسيا ؟
براشندا: نظرا للظروف الملموسة لجنوب آسيا إقتصاديا و سياسيا و ثقافيا و جغرافيا ، نعتقد أنه من اللازم أن تمارس السيرورات الثورية لكل البلدان فى هذه المنطقة بطريقة منسقة . و قد شددنا و لا نزال على أهمية التنسيق بين الحركات الثورية على مستوى جنوب آسيا فى إطار تغدو فيه المنطقة مركزا هاما للثورة العالمية و أن الإمبرياليين و لا سيما الإمبرياليين الأمريكان يضعون أعينهم الشيطانية على هذه المنطقة و الطبقات الحاكمة التوسعية الهندية التى تحلم بأن تكون الجندرمة الكبيرة فى المنطقة تركع أمام الإمبرياليين الأمريكان . و عبر المضي فى هذا النهج من المجهودات المشتركة ، أشرنا إلى إمكانية تطوير "فيدرالية سوفياتية جديدة على مستوى جنوب آسيا " فى المستقبل . و قد نظرنا بجدية فى أهمية التقدم بالثورة فى جنوب آسيا وفق هذه الإستراتيجيا العظمى . و الثورة النيبالية و حزبنا حافظا و لا يزالا على علاقة نشطة مع الأحزاب و الحركات الثورية فى الهند و بنغلاداش و سريلنكا . بهذا الشأن ، نعتقد أن الأحزاب الثورية و الثورة الهندية سيلعبان الدور الأهم .
--- أي مقترحات تقدمون للرفاق فى بلدان أخرى الذين جهدهم للإنطلاق فى حرب الشعب أو تطويرها ؟
براشندا: لكافة هؤلاء الرفاق الذين يسعون جديا لتطوير جبهات قتال متنوعة داخل حملة واحدة من الثورة البروليتارية العالمية ، نود و من الجبهة الحربية بالنيبال ، أن نوجه إليهم أفضل الأماني بأن ينجح هؤلاء الرفاق تماما فى تطبيق المبادئ العالمية للم-الل-الماوية على الأوضاع الخصوصية كل لبلده. و مهما كانت الطريق شائكة فإن إنتصار الثورة البروليتارية العالمية أكيد.
--- شكرا... ./.
======================================================================

" القفزة الكبرى الى الأمام ضرورة تاريخية أكيدة "
( مقتطفات من الوثيقة التى تبنتها الندوة الوطنية الثانية للحزب الشيوعي النيبالي (الماوى ) فى فيفري 2001 )
الحركة الشيوعية العالمية و دروسها التاريخية
مع الرأسمالية ولدت البروليتاريا الطبقة العالمية الأخيرة و الثورية فى التاريخ فى أوروبا و عّبد ظهورها ضد الرأسمالية الطريق امام بروز الماركسية . فقد اكتشف كارل ماركس ذو الموهبة الخارقة للعادة ، الى جانب صديقه الحميم فريديريك انجلز، نظرة البروليتاريا للعالم أي المادية الجدلية و المادية التاريخية. و لم يكن هذا الاكتشاف العلمي المعروف بالماركسية جوهريا سوى تلخيص فائق للتجربة و المعرفة التى توصل لهما الانسان طوال آلاف السنين. و قد تم تلخيص هذا العلم بهدف ثوري هو تغيير العالم و ليس فقط تفسيره مما أدى الى ثورة لم يشهد لها مثيل فى فكر الانسان و وفر هذا العلم أداة علمية لفهم العالم و تغييره و للنضال ضد كافة ألوان الدغما ووساوس المجتمع و شروره.
و قد أثبتت الماركسية بما لا يدع مجالا للشك كيف تقوم علاقة انتاج إجتماعية تربط بين الناس فى أثناء تطور قوى الانتاج فى سيرورة الانتاج و اعادة الانتاج تلبية للحاجيات المادية و كيف أن التطور العام للتاريخ اثر المشاعية البدائية هو تاريخ صراع طبقات محدد بقوانين علمية معينة. ..
فاضحا السبب الحقيقي للاستغلال الرأسمالي و مراكمة رأس المال بأيدى زمرة من الرأسماليين فى المجتمع ، صاغ ماركس النظرية العظيمة لفائض القيمة. وأوضحت الماركسية كيف أن الرأسمالية خلقت حلقة مفرغة من الاستغلال بتحويل عمل الانسان الى شيئ غير حي لأجل كسب مزيد الأرباح و فى الوقت نفسه كيف يتم تطوير كتيبة ضخمة من طبقة االبروليتاريا المعاصرة التى تحفر فى الأخير قبر الراسمالية.
و آخذة بعين الاعتبار التطور غير المشهود لقوى الانتاج و التناقض بين سيرورة الانتاج الجماعية و الملكية الفردية ، ووضع مسؤولية الثورة الاجتماعية على كاهل البروليتاريا، قدمت الماركسية مُثلا عليا علمية لمجتمع شيوعي ذهبي بتحطيم الطبقات و الدول و بالقضاء على كافة أنواع استغلال الانسان للانسان . ووضع ماركس
و انجلز المبادئ الأساسية لإستراتيجيا البروليتاريا التى ينبغى إتباعها لتحقيق المبادئ العليا أو المجتمع الشيوعي. إجمالا جرت صياغة الرؤى الجوهرية لدكتاتورية البروليتاريا و الدولة الاشتراكية كحاجة حتمية للمرحلة الانتقالية من الرأسمالية الى الشيوعية و ضرورة الثورة العنيفة و كذلك ضرورة تحطيم الدولة الرأسمالية القديمة و مفهوم تسليح الجماهير. وطوال حياته كلها ، ناضل انجلز بشراسة ضد التيارات البرجوازية التى ظهرت داخل الحركة العمالية و من أجل توطيد النظرة العلمية. مقابل مفهوم القومية البرجوازية المستخدم لضمان النظام
و الحاجة للسوق، رفعت الماركسية راية الأممية البروليتارية. و مطلقة الحناجر بشعار" يا عمال العلم اتحدوا!" بصوت عال ، أسست الأممية الشيوعية الأولى بمبادرة من ماركس و انجلز و تحت قيادتهما. و هكذا نشرت الأفكار العلمية ل"بيان الحزب الشيوعي" فى صفوف العمال و فى الوقت نفسه ، ناضلت بضراوة ضد مختلف التيارات الانتهازية التى ظهرت داخل الحركة الشيوعية العالمية. و فى هذا السياق ، تمكنت البروليتاريا فى باريس (فرنسا) للمرة الأولى فى التاريخ من افتكاك السلطة عبر الثورة المسلحة. و تلك الثورة التاريخية المعروفة عبر العالم بأسره ب"كمونة باريس" لم تثبت المبادئ الأساسية للماركسية فحسب بل كذلك ساعدت ماركس و انجلز على تعميقها بتلخيص التجارب. و رغم أنها إمتدت لفترة قصيرة ، 72 يوما ، بسبب أخطاءها الصميمية ، فان ماركس و انجلز أعلنا أن تجاربها ستعيش الى الأبد.
و إنه لمن الملفت بوجه خاص أن وجهات نظر ماركس و انجلز حول كمونة باريس مثلت مصدر الهام تاريخي حتى يومنا هذا لاقترانها بالنضال ضد التحريفية و الانتهازية داخل الحركة الشيوعية العالمية. و نظرا لهزيمة كمونة باريس و مؤامرة الانتهازيين من الداخل ، جرى حلّ الأممية الأولى. و مع ذلك ، بعد وفاة ماركس
و استجابة لحاجة الوضع الجديد ، إلتأمت الأممية الشيوعية الثانية مرة أخرى تحت قيادة انجلز فى 1889 و لعبت دورا له دلالته فى نشر الماركسية فى المرحلة الأولى. لكن بعد وفاة انجلز، ركع قادة الأممية الثانية و خاصة كارل كاوتسكى أمام البرلمانية البرجوازية و خانوا المبادئ الثورية للماركسية. و فى خضم الصراع المديد ضد الاصلاحية و البرلمانية ، تشكل حزب بلشفي و خاض صراعا ثوريا من نوع جديد فى ظل قيادة لينين و أنجز ثورة اشتراكية فى روسيا سنة 1917. و فى سبيل الدفاع عن تعاليمها العلمية و خلال صراع حياة أو موت ضد التحريفية ، تطورت الماركسية الى ماركسية –لينينية. و شدد لينين تشديدا عاليا على أن النضال ضد الرجعية يمر حتما عبر النضال ضد الانتهازية. و رفع فلسفة المادية الجدلية الى مستوى أرقى. و قد تم شرح أعمق أن مبدأ وحدة و صراع الأضداد هو المبدأ الجوهري الوحيد للديالكتيك. و بتحليل و بحث خصائص الامبريالية ، ساهم لينين نوعيا فى حقل الاقتصاد السياسي و حدد العصر الجديد بأنه " عصر الامبريالية و الثورة البروليتارية " مما أسهم بصورة كبيرة فى صياغة استراتيجيا الثورة و تكتيكاتها. صحيحة كذلك هي تحاليله التى أثبتتها فى ما بعد الأحداث حتى اليوم . و لينين لم يغنى الماركسية فقط فى الجوانب العامة للاشتراكية و النضال ضد التحريفية
و توحيد الفلاحين من أجل الثورة فى البلدان المتخلفة و معنى الثورة الديمقراطية التامة ووجهة النظر البروليتارية حول حق الشعوب فى تقرير مصيرها و الثورة البروليتارية لقيادة حركة التحرر الوطنى فى بلدان الشرق و تطوير صراع العمال و الجماهير فى البلدان الرأسمالية فى المرحلة الامبريالية و إنما رفعها أيضا الى مستوى أرقى من التطور.
لقد خلقت ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى موجات نضال لم يشهد لها مثيل فى العالم اذ شعرت الجماهير المضطهَدة لقرون أنها وجدت طريقا جديدا للتحرر الحقيقي. و بمبادرة من لينين و تحت قيادته ، فى 1919 ، تشكلت الأممية الثالثة مقاومة بشراسة نظرة الامبرياليين و الرجعيين، تشكلت بغاية صهر الثورة العالمية بطريقة منظمة. و متخذا الدولة الاشتراكية السوفياتية المؤسسة على جزء كبير جدا من الكرة الأرضية كقاعدة انطلاق، شدّد لينين على التقدم بالثورة العالمية. و جرى التفكير جديا فى الثورة فى ألمانيا ضمن البلدان المتطورة .
و مصرحا بأن الثورة البروليتارية فى البلدان المتخلفة ذات الأغلبية من الفلاحين" صعبة و عظيمة جدا " ، أكد على تطبيق المبادئ العامة للشيوعية وفق الوضع العياني للبلد المعني. و بالنتيجة ، تمت صياغة مفهوم " الثورة الوطنية الديمقراطية" بما هي نضال ضد الاستغلال الاستعماري و شبه الاستعماري كذلك فى مثل هذه البلدان . مع ذلك ، شدد لينين على أنه على الشيوعيين الثوريين فى البلدان المعنية أن يعملوا وأن يطوروا استراتيجيتهم للثورة بأنفسهم . فى هذا الوضع ، ينبغى ايلاء عناية خاصة لتأكيد الكومنترن بقيادة لينين على أهمية التطبيق الخلاق للمبادئ العامة للأممية البروليتارية و الماركسية بطريقة مناسبة للميزات القومية لمثل هذه البلدان.
و نحن فى زمن يحتاج بعد الى صراعات داخل الحركة الشيوعية العالمية ضد هذا التيار الذى يمثل حتى اليوم، من جهة ، القومية السكتارية بتعلة المميزات القومية و من جهة، التيار التروتسكى الذى يقوض المميزات القومية بتعلة الأممية و دلالة هذا النضال بديهية.
اثر وفاة لينين ، قاد ستالين الحركة الشيوعية العالمية. و قد أفاد الحركة البروليتارية بالنهوض بمهام تاريخية مثل إلحاق الهزيمة بالتصفوية اليمينية التى ظهرت فى شكل ما سمي بالثورة الدائمة لزينوفياف و كاميناف
و بالأساس تروتسكي و ركز اللينينية معززا الإتحاد السوفياتى بالفلاحة الجماعية و التطوير الاقتصادي المخطط و وجه ضربة قاضية للفاشية الهتلرية أثناء الحرب العالمية الثانية و لخص تجارب تطور الاقتصاد السوفياتى و قاد الحركة الشيوعية العالمية بأسرها طوال حوالي ثلاث عقود.
غير أنه لا ينبغى أن نغفل أن لدى ستالين فعلا سادت عديد نقاط الضعف و بالنتيجة تسببت فى مشاكل جدية . و بينما ننقد ذلك، لا بد أن ننطلق طبعا من تقييم ماو لستالين حيث قسم أفكاره و منجزاته الى مظهرين و أعلن أن سبعون بالمائة منها صحيحة و ثلاثون بالمائة خاطئة.
فى الصين، متقدمة على قاعدة الخط العام للثورة فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة ما قبل المرحلة الرأسمالية كما وضعها لينين خلال الفترة الأولى للأممية الثالثة و مأثرة بصورة كبيرة على ميزان القوى العالمي ، نجحت الثورة الديمقراطية الجديدة عبر نضال عقود. و مثّل نجاح الثورة فى منطقة واسعة من العالم يقطنها سكان كثيفي العدد نموذجا جديدا للبلدان شبه الاقطاعية و شبه المستعمرة ما قبل الرأسمالية. و مثلما نادى بذلك لينين، نهض الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو بمهمة " صعبة و عظيمة جدّا " فى الثورة فى بلدان الشرق بتطبيقه الخلاق للمبادئ العالمية للماركسية-اللينينية على مميزات البلاد الخاصة. و فى هذا الاطار ، أثرى الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو علم الماركسية و طوّره. فنظرية المعرفة و التناقض فى مجال الفلسفة و تحليل الرأسمالية البيروقراطية فى مجال الاقتصاد السياسي و تطوير استراتيجيا الثورة الديمقراطية الجديدة و شمولية مبدأ حرب الشعب و المفهوم الملموس للحزب و الجيش و الجبهة المتحدة جميعها تبين إثراء الماركسية-اللينينية.
و فى خضم سيرورة الثورة ، كان على ماو أن يناضل بشدة ضد الانتهازية اليمينية و " اليسارية " من ضروب متنوعة و ضد العناصر التى أرادت أن تنقل ميكانيكيا التجارب الأجنبية مثل لى لى سان و وانغ مينغ
و تشانغ كوو –تاوو الخ . حين ينظر فيه عن كثب يبدو نضال ماو ضد لى لى سان ووانغ مينغ الخ ، فى جوهره ، مرتبطا بالنضال ضد التمظهرات المتعددة للتفكير المادى الميكانيكي و أساليب عمل ستالين و الكومنترن رغم أنه لم يبح بذلك أبدا. و يحذر ماو من خطر التفكير المادى الميكانيكي و الميتافيزيقي الذى وجد فى الحزب الشيوعي الصيني و الحركة الشيوعية العالمية ليس فقط عبر سياسة الوحدة و الصراع المعمول بها فى حال الجبهة المتحدة لكن أيضا عبر أعماله الكبرى مثل " فى التناقض" و " فى الممارسة العملية " و " لنصلح دراستنا " و " إصلاح أساليب الحزب " و " حول الديمقراطية الجديدة " الخ .
فى صلب الحركة الشيوعية العالمية ، حدد ماو الحزب كوحدة أضداد و ليس كوحدة صماء و متجانسة
و أوضح أن صراع الخطين داخل الحزب هو فعلا و على الدوام القوة المحركة لحياة الحزب.إضافة الى ذلك ، شارحا العلاقة المتبادلة بين الصراع الطبقي فى المجتمع و صراع الخطين فى الحزب ، قدم تفسيرا علميا بأنه طالما وجدت طبقات سيوجد حزب و طالما وجد حزب فإن الصراع الايديولوجي سيسيطر. و قد أعلن أن مفهوم الوحدة الصماء مضاد للجدلية و نبذه بشكل قاطع. فنظرته للحزب أضافت بعد ا جديدا للنظرة اللينينية للحزب المناضل من النوع الجديد. حسب ماو، يجرى دوما صراع بين الأفكار الصحيحة و الأفكار الخاطئة داخل الحزب و فى مرحلة معينة تظهر الأفكار الخاطئة كتحريفية و تتحول الى صراع عدائي مع الثوريين و إن سادت الأفكار غير البروليتارية فى الحزب ، يتغيّر لون الحزب بأسره لذلك على الشيوعيين أن يقوموا دائما بتثوير الحزب عبر صراع الخطين.
و على هذه الصورة ، حركت الثورة الصينية ، معتمدة على الأفكار الماركسية-اللينينية ، ملايين العمال و الفلاحين فى طريقهم صوب التحكم فى مصيرهم. ووضع الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو برنامجا للثورة الاشتراكية بالضبط بعد نجاح الثورة الديمقراطية الجديدة فى ظل قيادة البرليتاريا. وفى أثناء االسيرورة التاريخية للثورة الاشتراكية، زادت التناقضات حدّة بين الثوريين من جهة و أولئك الذين قد تأثروا بالطابع البرجوازي للثورة الديمقراطية الجديدة و التحقوا بها من جهة أخرى. وبالضبط فى تلك الفترة ، توفي ستالين فى الاتحاد السوفياتي. فإستولت التحريفية الخروتشوفية على القيادة فى المؤتمر العشرين بإنقلاب مضاد للثورة فى الاتحاد السوفياتي و جرت إعادة تركيز الرأسمالية. و قد نجحت زمرة خروتشوف فى قلب الإشتراكية و دكتاتورية البروليتاريا بتعلة النضال ضد عبادة شخصية ستالين. فأذهل هذا الحدث الثوريين عبر العالم كافة. باثة الرعب من الأسلحة النووية ، نبذت زمرة خروتشوف الدور الحاسم للشعب فى صنع التاريخ. كما دعت زمرة خروتشوف المرتد للوفاق الطبقي عوض الصراع الطبقي باسم الثلاث "سلمية " و غلّفت دعايتها الصارخة للبرلمانية البرجوازية بالإمكانية التى نبعت من تغير الوضع العالمي. و عزّزاليمينيون الصينيون وقد شجتعهم إعادة تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي، هجومهم ضد الثوريين فى الحزب. و حدث بتغ ته هوى مثال حي عن ذلك.
فى مواجهة الوضع المعقد ، فكر ماو جديا فى الصراع الطبقي فى ظل الإشتراكية و رفع راية الصراع ضد التحريفية المعاصرة لخروتشوف خارج البلاد و الانتهازية اليمينية فى صفوف الحزب الشيوعي الصيني. و فى خضم الصراع الضاري ، صاغ ماو ، بتحليل علمي للصراع الطبقي فى ظل الإشتراكية مفهوم مواصلة الثورة فى ظل دكتاتورية البروليتاريا كمبدأ للحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية و قاد الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى تعتبر ثورة جماهيرية لم يسبق لها مثيل فى كامل تاريخ البشرية. بهذه الثورة التى هزت الأرض هزا ، سلّح ماو الطبقة العاملة بسلاح جديد للحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية فى المجتمع الاشتراكي. و جعلت هذه المساهمة ماو منظّرا لمرحلة جديدة ، ثالثة و أرقي فى الماركسية أي الم-الل- الماوية. و وقفت هذه الثورة العظمي حاجزا دون إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين لمدة عشر سنوات.
و رغم نجاح أتباع الطريق الرأسمالي فى إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين عبر مؤامرات الثورة المضادة لأسباب متنوعة قومية و عالمية ،إثر وفاة ماو ، فإن أهمية المبدأ الذى طوّره ماو لم تتراجع البتة بل بالعكس باتت حجر زاوية للثورات مستقبلا.
و اللافت للنظر هنا أن ماو ، بعد أن نجحت زمرة خروتشوف فى إعادة تركيز الرأسمالية فى الاتحاد السوفياتي دون أي مقاومة جدية ، ناضل ، من جهة ، من أجل المحافظة على مكاسب الإشتراكية الأولى فى العالم و من جهة أخرى ، واصل جديا دراسة الهنات التى تسببت فى الخسارة التى لا تعوض. و فى هذا الاطار، علينا أن نفهم دفاعه عن ستالين ضد هجمات خروتشوف و تفسيره عديد أخطائه و هناته. حيث أن تقييم ماو لستالين يقف فى آن ضد التحريفية اليمينية التى أنكرته كليا و التحريفية الدغمائية السكتارية التى تقبل حتى أخطاءه و هناته. فى الحركة الشيوعية العالمية ، التيار الأول قاده تروتسكى و تيتو و خروتشوف الخ بينما التيارالآخر قاده أنور خوجا الخ. و نقطة هامة أخرى ينبغى تسجيلها هي أن الأوروشيوعية ، بتعلة معارضة مفهوم ستالين للوحدة الصماء و البيروقراطية، شرعت فى معارضة علم الماركسية ، المادية الجدلية المتكامل ذاته من زاوية برجوازية تعددية فوضوية.
حين كان السجال حامي الوطيس داخل الحركة الشيوعية العالمية و كان خروتشوف يترأس عصبة التحريفية المعاصرة، الى جانب الامبريالية و يشوّه سمعة ستالين من زاوية مضادة للثورة ، كان من الضروري للغاية الدفاع عن ستالين بالتشديد على مظاهره الصحيحة و الايجابية جوهريا ذلك أن القيام بذلك لم يكن يخص ستالين فحسب و إنما يشمل الحركة الشيوعية بأسرها و الإشتراكية و عموما الماركسية-اللينينية ذاتها. و اليوم تغيّرت الأوضاع كثيرا إذ سقطت تماما التحريفية الخروتشوفية التى تحوّلت فى ما بعد الى إمبريالية إشتراكية ، مع إنحلال الاتحاد السوفياتي وفى الصين إستولى الخروتشوفيون الصينيون على السلطة عبر إنقلاب مضاد للثورة و أعادوا تركيز الرأسمالية إثر وفاة ماو ، و لا وجود حاليا لأي دولة إشتراكية فى العالم .
فى هذه اللحظة ، يجد الثوريون أنفسهم عالميا أحرارا من الضغوط السياسية ، أحرارا فى إستنتاج لبّ التجارب التاريخية و تقع على كاهلهم مسؤولية كبيرة ألا وهي الاضطلاع بما يجب عليهم من عمل صعب و لا شك. فى هذا السياق ، علينا أن نذهب عميقا فى ما تمت الإشارة اليه فى مطلع الرسالة المعنونة "حول مسألة ستالين" إبان السجال الكبير الذى دفع اليه الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو ضد التحريفية الخروتشوفية. إنه يؤكد أن موازنة أعمال ستالين مسألة مبدئية هامة تعنى كل الحركة الشيوعية العالمية و لها إنعكاسات على كافة الطبقات فى كل بلاد و هي لا تزال موضوع نقاشات كثيرة يومئذ و للطبقات المختلفة و أحزابها و مجموعاتها السياسية مواقفها المختلفة و من المرجح أنه لن يمكن التوصل الى حكم نهائي حول هذه المسألة فى القرن العشرين.
و القرن الذى تحدث عنه الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو إنتهى و دخلنا بعد فى القرن الواحد و العشرين . وعلينا أن نركز إهتمامنا على الدفاع عن السبعين بالمائة من المآثر الايجابية لستالين و إستغلال الدروس المستخلصة من الثلاثين بالمائة من أخطائه.
مثلما تم التأكيد عليه فى مكان آخر من هذا المقال سيكون من المفيد أن نتخذ من أخطاء ستالين التى كانت ثانوية فقط دروسا تاريخية حتى ... يحذر منها الشيوعيون و يتجنبوا إعادة السقوط فيها أو يقترفوا أخطاء أقل جسامة . و نقطة هامة أخرى هي أن أخطاءه تنطوى على مظهرين هما الأخطاء التى ما كان من الممكن تجنبها نظرا لغياب تجربة سابقة لدكتاتورية البروليتاريا و الأخطاء الناجمة عن الأخطاء الايديولوجية. ما كان ممكنا تجنب الأخطاء الأولى أما الأخطاء الثانية فكان بالامكان تفاديها. ضمن تعداد أخطاء ستالين ، يتم التأكيد فى المقال نفسه من السجال الكبير ("حول مسألة ستالين") :" حاد ستالين بإتباع طريقة تفكيره عن المادية الديالكتيكية و وقع تحت رحمة المثالية و النزعة الذاتية فيما يتعلق بقضايا معينة ، وهكذا إبتعد أحيانا عن الواقع وعن الجماهير. و فى النضال داخل الحزب و خارجه خلط كذلك فى مناسبات معينة و حوّل مسائل معينة بين نوعين من التناقضات مختلفين فى طبيعتهما هما التناقضات بين أنفسنا و العدو و التناقضات فى صلب الشعب ، كما خلط بين الأساليب المختلفة المطلوبة لمعالجة هذه التناقضات. و أثناء قيادة ستالين لقمع الثورة المضادة نال عدد كبير من المعادين للثورة ما إستحقوه من عقاب. و لكن فى الوقت نفسه عوقب عدد من الأبرياء بصورة خاطئة. و فى عامي 1937 و 1938 تعدّى نطاق قمع المعادين للثورة حدوده و مثّل هذا خطأ. وفيما يتعلق بتنظيم الحزب و الحكومة، لم يطبق ستالين بصورة كافية المركزية الديمقراطية البروليتارية بل خرقها الى حد ما. كما إرتكب بعض الأخطاء فى معالجة العلاقات بين الأحزاب و الأقطار الشقيقة ، و كذلك أخطأ النصح أحيانا فى الحركة الشيوعية العالمية. و نجمت عن هذه الأخطاء بعض الخسائر التى لحقت بالاتحاد السوفياتي و الحركة الشيوعية العالمية. "
على قاعدة تجارب الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و الماوية و الحركة الشيوعية العالمية المعاصرة ، من البديهي اليوم أنه رغم أن ستالين كان ماركسيا –لينينيا عظيما، فإن أخطاءه الايديولوجية أثرت أيما تأثير على الحركة الشيوعية العالمية ذاتيا. بكلمات محددّة، كانت لديه بقدر كبير هنات فى تفكيره فى فهم المبادئ الجوهرية للديالكتيك ووحدة و صراع الأضداد و التعاطي معها. و إعتباره الحزب الشيوعي وحدة صماء، عوضا عن وحدة أضداد قاده الى أخطاء فى تشخيص طبيعة العلاقات و طرق التعامل مع صراع الخطين داخل الحزب.
وبالنتيجة ، تم ، على أساس نمو إقتصادى سريع من خلال القضاء على الملكية الخاصة و الفلاحة و التصنيع الجماعيين ، إعلان أن لا وجود لتناقض طبقي عدائي فى المجتمع السوفياتي وهو أمر يخرق مبادئ الماركسية-اللينينية.
و جعل مثل هذا التحليل ستالين يفكر على نحو إحادي الجانب أن تهديد المجتمع السوفياتي لا يمكن أن يأتي سوى من التدخل و المؤامرة الخارجيين. و التشديد على إمكانية ثورة مضادة بتدخل و مؤامرة خارجيين ، عوض إعارة الإنتباه المناسب لكيفية نشوء رأسمالية جديدة داخل الحزب الشيوعي عينه فى المجتمع السوفياتي و كيفية التصرف تجاهها ، خرق أحيانا الأطروحات الأساسية للينين حول العلاقة بين بناء الاشتراكية فى بلد واحد و تطور الثورة العالمية وهي الأطروحات التى طوّرها فى الفترة الأولى من حياة الكومنترن.
رغم أنه لا وجود لنية خبيثة أبدا، فإن التأكيد على الحفاظ على المجتمع السوفياتي من التهديد الخارجي قوّض فى واقع الأمر الأممية و بالغ فى دور القومية الروسية ممّا خلق تشويشا جمّا حول فهم الثورة العالمية و عمل الكومنترن و تطويرهما.
و لا بدّ هنا من التذكير بأن لينين لما شكّل الكمنترن ، شدّد على مفهوم الثورة العالمية و الحزب الشيوعي العالمي وعلى أن كل شيئ يجب أن يكون مندرجا ضمنه ، بيد أن الثورة العالمية فى ظل ستالين غدت جزءا من المجتمع السوفياتي عوض أن يكون الأمر عكس ذلك. هذا ما أشار اليه ماو بالنصيحة الخاطئة لستالين فى الحركة الشيوعية العالمية و قد إتخذ ستالين من الفلاحة و التصنيع الجماعي و التطوير السريع للإنتاج و قوى الانتاج بفضل التخطيط المركزي فى المجال الاقتصادى ، إتخذها أساسا لضمان نجاح الاشتراكية و ظل يشدّد عليها بشكل إحادي الجانب ممّا قوّض أهمية معالجة الاختلافات السائدة فى المجتمع و تثوير علاقات الانتاج. و هذا ما ساعد على تطور طبقة برجوازية جديدة مثلتها فى ما بعد زمرة خروتشوف المعادية للثورة من داخل صفوف الحزب. و هكذا أرسيت دكتاتورية البرجوازية مطيحة بدكتاتورية البروليتاريا .
و قد إستنتج دروسا من أخطاء ستالين الناجمة عن الحدود التاريخية و الهنات الايديولوجية ، درس ماو بجدية الاقتصاد السياسي و فرز مظاهره الايجابية و السلبية ليرفع مبادئ الماركسية- اللينينية المتعلقة بالصراع الطبقي فى المجتمع الاشتراكي إلى درجة عالية جديدة بهدف الحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية. فقدم نموذجا جديدا للإقتصاد الاشتراكي يقتضى أن يكون المرء أحمرا و خبيرا و المشي على الرجلين معا الخ. إن ملكية الانتاج الجماعية وحدها لا تضمن نجاح الإشتراكية لأن عديد أنواع الإختلافات كتلك بين العمل الفكرى و اليدوي و بين المدينة و الريف و الانتاج السلعى للمرحلة الامبريالية مستمرّ فى المجتمع وهو ما فتأ يخلق القاعدة المادية لنمو الطبقة الرأسمالية الجديدة. لذلك أوضح ماو أن خصائص كل من الشيوعية و الرأسمالية موجودة فى ظلّ الإشتراكية و بالتالي يبقى خطر إعادة تركيز الرأسمالية قائما. و قد قدّم بإقتدار الحقيقة العلمية التى تفيد بأن السير نحو الشيوعية ممكن بالتحكم فى الرأسمالية عبر سيرورة من الثورة الدائمة بعد إفتكاك البروليتاريا للسلطة السياسية للدولة.
و بناءا على هذا المبدأ ، قاد الشعب فى ممارسة حق الثورة ضد أتباع الطريق الرأسمالي داخل الحزب الذين كانوا يدافعون عن الخط الخروتشوفي القائل بأنه لأمر جيد أن تصبح غنيا. و قد رسم خط تمييز دقيق بين الثوريين الماركسيين من جهة و التحريفيين من جهة ثانية بمبدأ الثلاث إفعل و الثلاث لا تفعل: " على الرفاق أن يمارسوا الماركسية و ينبذوا التحريفية و أن يعملوا للوحدة لا للإنشقاق و أن يبرهنوا على صراحتهم و إستقامتهم و لا يحيكوا المؤامرات و الدسائس". مع شعار : " أطلقوا النار على القيادة المركزية للبرجوازية " دعى الشعب لغزو معاقل التحريفية. إبان الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، عبر النضال ضد المرتدين أمثال ليو تشاوتشى و لين بياو و دنك سياو بينغ ، طوّر أكثر المنهج الجدلي للوصول الى وحدة جديدة على أساس جديد فى صفوف الحزب من خلال سيرورة وحدة- صراع- تحويل و شدّد على الحاجة الى تشكيل لجان حزبية إنطلاقا من مبدأ ثلاثة فى واحد من شيوخ و كهول و شباب لأجل ضخّ دم جديد فى الحزب. مع ذلك ، ما كان ممكنا كنس كل اليمينيين الذين توصلوا إلى مراتب عليا فى الحزب و الحكومة بحكم شتى التأثيرات السلبية للحركة الشيوعية العالمية و الحدود التاريخية للصراع الطبقي و نظرا لأن فضحهم قد ابتدأ إجمالا بصورة متأخرة. غير أن هذا أبرز أهمية المبدأ المصاغ. إن بعض الناس لا يستوعبون مدى تعقد فترة الثورة الثقافية و يلومون ماو لحلول وسط فى الفترة الأخيرة ، و هذا خاطئ تماما. فقد كان يشجع صعود الثوريين كتشانغ تشنغ و تشانغ تشن تشياو لبّا ثوريا للحزب و كان فى الواقع يقود ما سمي مجموعة /عصابة الأربعة ، هو الذى كان الأبعد نظرا .
بهذا الصدد يمكن إثارة سؤال هام هو لماذا لم يقم ماو بأية مبادرة لبناء أممية شيوعية جديدة بالرغم من أنه كان يملك تجربة فى خوض الصراع التاريخي ضد التحريفية الخروتشوفية و قيادة الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى؟ إجابة على ذلك من الممكن الإشارة الى عديد التجارب السلبية للكومنترن فى مرحلته الأخيرة إلآ أن هذا ببساطة لا يمكن أن يمثل العامل الأهم. بالفعل كان ماو يقود إيديولوجيا الحركة الشيوعية العالمية بخوضه الصراع ضد التحريفية الخروتشوفية و يقود الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و يساند ويعاضد و ينشر حركة التحرر الوطنى و الثورات الديمقراطية الجديدة و الإشتراكية عبر العالم كافة. بيد أنه، موضوعيا، كانت ثمة صعوبات عملية جدية فى إعطاء شكل تنظيمي للصراع . فمن ضمن الصعوبات تلك الأبرز هي الأحزاب
و المنظمات الشيوعية الدغماتحريفية و الوسطية و الشوفينية بألبانيا و فتنام و كوريا الشمالية الخ والتى كانت ترفض المساهمات العالمية لماو. و ما كان ممكنا تشكيل الأممية الشيوعية بتجاهل كل تلك الأحزاب و المنظمات حينذاك. إلا أن الوضع تغير كثيرا حيث لا وجود الآن البتة لأية دولة إشتراكية فى العالم. و رفع الثوريون الحقيقيون راية الماوية كمرحلة أرقي من الماركسية-اللينينية. و موجة جديدة من الثورة تتراءى فى الأفق . و حاليا ، الماركسية-اللينينية-الماوية موجودة كأساس إيديولوجي لبناء أممية شيوعية جديدة. و على كل الشيوعيين أن يمضوا قدما و بجدية فى إعطاءها شكلا تنظيميا عبر الصراع الطبقي و الايديولوجي. واليوم ، ظهرت الحركة الأممية الثورية نواة لها و من واجب كل منا أن يعمقها و يطوّرها كما ينبغى إيلاء إهتمام خاص لإدارة النقاشات و التفاعلات مع الثوريين خارج الحركة الأممية الثورية لتوحيد هم داخل الحركة.

الى جانب إنجاز ذلك، على الشيوعيين الثوريين أن ينظروا بجدية فى تجارب الكومنترن و يتفحصوا مسائل تقييم المؤتمرين السادس و السابع للكومنترن و الحرب العالمية الثانية و حل الكومتنرن و الإقتراحات المقدمة للأحزاب الشيوعية لعديد البلدان لتشكيل حكومة مع البرجوازية المعادية للفاشية و نقد لينين للمليرندية ... و موقف الأحزاب الشيوعية لليونان و إيطاليا و فرنسا و إسبانيا و الهند و الصين الخ و دور ستالين الخ . هذه المسائل بمثابة تحديات أمام الحركة الشيوعية العالمية. و الماوية قد قدمت بعدُ الأساس العلمي للإجابة على هذه المسائل و لذا يحتاج الشيوعيون الثوريون فى العالم الى التسريع فى المبادرة للتعلم من التجارب الإيجابية و السلبية للماضي مطبّقين الماوية.
بعض خصوصيات الوضع العالمى الأساسية
لا يزال التحليل الأساسي الذى صاغه لينين لخصائص الإمبريالية ، بالضبط قبل ثورة أكتوبر الروسية العظيمة، صحيحا. فحسب هذا التحليل ، العالم فى عصر الإمبريالية و الثورة البروليتارية حتى اليوم. و فى عالم اليوم، ثمة أربعة أصناف من التناقضات الأساسية ألا وهي التناقض بين البرجوازية و البروليتاريا و التناقض بين الإمبرياليات من أجل النهب و السلب و التناقض بين الإمبريالية و البلدان و الشعوب المضطهَدة و التناقض بين النظام الرأسمالي و النظام الإشتراكي. و من بين هذه التناقضات ، ليس التناقض الرابع على السطح الآن بيد أنه لكل تجربة الماضى و ضمانا للمستقبل لزاما علينا أخذه بنظر الإعتبار بإستمرار. و الثورة الإشتراكية تنجر عن التناقض الأوّل وهي حلّه و التناقض الثانى يقود إلى الحرب العالمية لأجل إعادة تقسيم العالم لكنه لا يحل بصورة دائمة. مثلما قال ماو، على البروليتاريا أن تسعى للحيلولة دون إندلاع الحرب قدر الإمكان لكن إن لم تستطع ذلك، عليها أن تمارس سياسة تحويل الحرب العالمية الى حرب ثورية. و التناقض الثالث يقود الى حركات التحرر الوطنى و ينتهى التناقض بنجاحها.
من ضمن تلك التناقضات ، التناقض بين الإمبريالية و البلدان و الشعوب المضطهدة هو التناقض الرئيسي عالميا اليوم. و عليه، ينبغى للحزب أن يكون واضحا بشأن المسائل الإيديولوجية و السياسية المتصلة بتحديد التناقض الرئيسي عالميا لأن تيارا خاطئا قوض و أنكر الأهمية التاريخية لحركة التحرر الوطني و نعتها بالإنعزالية القومية ساد داخل الحركة الشيوعية العالمية. و أكثر من ذلك، أثرت فيها التحريفية التروتسكية وعلى الخصوص الخروتشوفية الى درجة كبيرة. و الشيء الأول الذى يجب تسجيله هنا هو أنه فى سيرورة تطوّر عصر الإمبريالية و الثورة البروليتارية وبناء الإشتراكية الروسية و تشكيل الكومنترن بغرض التقدم بالثورة العالمية و صياغة إستراتيجيتها ، أكد لينين أن الثورة البروليتارية و حركة التحرر الوطنى ينبغى أن يلتحما
و الإلتحام سيكون مهمّة تاريخية هامة. أما الإمبريالية فوقفت حاجزا دون الثورة الإشتراكية بخلق طبقة أرستقراطية حتى فى صفوف الطبقة العاملة لها نسبة من أرباحها التى لا تحصى، هذه الأرباح المستخرجة من إستغلال بلا رحمة و نهب لجماهير البلدان المستعمَرة و شبه المستعمَرة فى العالم. لذلك ، موليا الإهتمام اللازم لأهمية إلتحام حركة التحرر الوطنى مع الثورة البروليتارية ، بادر بشعار " يا عمال العالم و شعوبه المضطهَدة إتحدوا!". و قد ركز أقصى إنتباهه على حركات تحرر البلدان المضطهَدة بما فيها الهند و الصين. و على هدي تحليل لينين هذا ، طوّر ماو فى الحركة البروليتارية العالمية مفهوما شاملا لأهمية حركة التحرر الوطنى و مسألة قيادتها .
إن الامبريالية ما إنفكت تضاعف من إستغلالها و إضطهادها و قمعها السياسي لشعوب البلدان المضطهَدة بإستخدام طبقاتها الحاكمة الرجعية و ما إنفكت تكدّس أرباحا طائلة من خلال اليد العاملة و المواد الأولية الرخيصتين . هذا بالضبط ما جعل الوضع مؤهلا للثورة الديمقراطية الجديدة فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية لذلك صرّح ماو أن هذه المناطق تمثل مراكز إعصار الثورة العالمية و أصر على أن الثورة هي التيار الأساسي فى العالم . و صرح بأن التناقض بين الإمبريالية و الأمم المضطهَدة هو التناقض الرئيسي فى العالم. و قد إستوعب الحقيقة التاريخية التى مفادها أن حركة التحرر الوطنى غدت جزءا لا يتجزأ من الحركة البروليتارية العالمية ، طوّر ماو المنهج الإستراتيجي لإرساء القيادة البروليتارية لها. و رغم التغيرات الهامة فى الشكل ، لا يزال تحليل ماو صحيحا جوهريا حتى اليوم.
أثناء الحرب الباردة ، صرفت الإمبريالية الإشتراكية الروسية و الإمبريالية الأمركية أموالا طائلة على الأسلحة بغرض توسيع تأثيرهما و فى واقع الأمر تحولتا إلى قوى عظمى. و قد فرضتا ألوانا متنوعة من الحروب المحدودة جغرافيا على البلدان المضطهَدة و كادت حربا عالمية ثالثة تندلع .إلا أن الإمبريالية الإشتراكية الروسية لم تقدر على المحافظة على شكلها القديم بسبب الأزمة الإمبريالية و إنهارت سياسيا و إقتصاديا . و على سبيل التورية التهكمية ، نشرت الإمبريالية الغربية هذا الإنهيار على أنه إنهيار الشيوعية و إحتفلت بسعادة بهيمنتها ذات القطب الواحد .
فمكّن هذا الحدث الإمبريالية الأمركية نهائيا من فرص أوفر للنهب المباشر و الإستغلال و التدخل فى "العالم الثالث " و العالم قاطبة مما سرّع فى تحريك لا مثيل له للرأسمال المالي على النطاق العالمى وهو ما قد نادت به الإمبريالية على أنه "عولمة ". و عبر هذه الأخيرة إستدرجت الإمبريالية كل إقتصاد البلدان المضطهَدة و أملت أوامرها و ضغطت على الطبقات الرجعية الحاكمة لتلك البلدان كي تتبع السياسة الليبرالية بهدف التسريع فى سيولة رأس المال. و من خلال عمالقة الإقتصاد مثل البنك العالمى و صندوق النقد الدولى إلخ ، أوجدت الإمبريالية جوا تلعب فيه دور الموجه و المراقب للشؤون الإقتصادية للبلدان المضطهَدة . و صارت الإمبريالية الأمركية بالأساس أكثر فأكثر تشجيعا على الإستيلاء على أرباح طائلة بمزجها بين التقدم غير المسبوق فى العلم و التكنولوجيا بما فى ذلك الألكترونيك باليد العاملة الرخيصة فى ما يسمى بالعالم الثالث .
و مع ذلك ، فى النهاية ، ماهي النتيجة الموضوعية للحملة الإمبريالية " للعالم ذى القطب الواحد" و "العولمة" و "الليبرالية"؟ تجربة السنوات العشر الماضية قد بينت حقيقة أنها تعمق التناقضات بين مختلف الطبقات و بين البلدان الغنية و البلدان الفقيرة. حتى وفق المعطيات ( التى هي فى أحسن الأحوال متلاعب بها لتتماشى و مصالح السلطة المعنية) التى أعدتها الإمبريالية ، تملك البلدان الغنية التى يقطنها 25 بالمائة من سكان العالم 80 بالمائة من ثروة العالم بينما لا يملك 75 بالمائة سوى 20 بالمائة. و اليوم ، يعيش 2,5 مليار إنسان فى فقر مدقع و مليار من البشر يعيشون حياة بؤس شديد ، تحت المستوى العام لخط الفقر. و 80 مليون من سكان العالم مضطرون لمغادرة بلدانهم سنويا بحثا عن لقمة العيش. و أكثر من 20 مليون طفل مدفوعون للعمل دفعا. إن التناقض الطبقي يحتدم حتى داخل البلدان الإمبريالية. و حتى فى الولايات المتحدة الأمريكية ، الأولى إجراما فى العالم ، يشكو أكثر من 20 مليون إنسان فقرا مدقعا. و الميز العنصري و عدم المساواة و البطالة و فقدان المسكن و فقدان الضمان الإجتماعي و إضطهاد المرأة الخ تتفاقم يوما بعد يوم، وهي تثير إستياء الشعب من فترة لأخرى و لقمعه تضطر الطبقات الحاكمة إلى إستعمال قوى عسكرية خاصة و إستنباط إستراتيجيا جديدة. و فى أوروبا الغربية ، صارت البطالة مقننة و يجد الشعب نفسه مدفوعا إلى نضالات شوارع بسبب العوز و التضخم المالى.
القمع و الإرهاب و المسيرات الدينية و الطائفية ضد إستياء الشعب و حركة التحرر الوطني و الحركة الإشتراكية المتصاعدين فى كل مكان فى بلدان ما يسمى بالعالم الثالث غدت الخبز اليومي للإمبرياليين و الرجعيين.
و قد برز بصورة رائعة التحطم التام لقناعهم السياسي الرافع ليافطة الديمقراطية البرلمانية إبان المسرحية الأخيرة لإنتخابات الولايات المتحدة. و إن دعى بلد ما حتى إلى بذرة من حرية الإقتصاد و السياسة ، لا يتأخر الإمربياليون فى فرض قلب إقتصاده، عامدين إلى الضغط السياسي و التدخل العسكري و المجازر الجماعية .
و تدخلهم فى العراق و يوغسلافيا و فلسطين و المكسيك و بلدان أخري من آسيا و افريقيا و أمريكا اللاتينية يؤكد ذلك.
بنت الإمبريالية آلية عملاقة من القوات العسكرية و الاستراتيجية لصيانة "النظام العالمى " الجديد. فالإمبريالية الأمركية طورت استراتيجيا النهب للسيطرة الاقتصادية و هيمنتها العامين. و حسب معطيات ميزانية الدفاع ، خصصت الإمبريالية الأمركية 262 بليون دولار للدفاع فقط وهو ما يمثل تقريبا نصف الميزانيات فى العالم. و عندما نضيف إليها ميزانيات حلفاءها مثل بلدان حلف الناتو و اليابان و اسرائيل و كوريا الجنوبية، فانه يفوق 80 بالمائة من الميزانيات فى العالم. و قد باتت الولايات المتحدة مركز القيادة الأساسي لتجارة الأسلحة . و نجحت الإمبريالية الأمركية ، من خلال مجمعها الصناعي العسكري ، فى سلب العالم و خداع شعبها بتوزيع جزء قليل من مسلوباتها عليه. و قد وضعت فى حالة إستنفار قوات عسكرية هائلة فى الخليج و شبه الجزيرة الكورية لتقاتل إيران و العراق و ليبيا و سوريا و كوريا الشمالية و كوبا و كلها جميعا تخصص ميزانية دفاع تقدر ب15 بليون دولار لا غير. و مثلما أكد لينين بصدد الإمبريالية ، أعطت الولايات المتحدة الأولوية لقوتها العسكرية لتواصل هيمنتها السياسية و العسكرية على حلفائها وهي تعزز نشاطاتها بهيمنتها العسكرية العامة فى بلدان كالهند و الصين بغاية الإستيلاء على الذخيرة الضخمة من اليد العاملة و المواد الأولية الرخيصة. و على رأس ذلك ، طورت و لا تزال بسرعة التحالف الإستراتيجي مع التوسعية الهندية. و تتكاثف سحب سوداء من النهب الضخم و المجازر الجماعية فى جنوب آسيا . و فتح فرع للأف بي آي فى دلهى دليل على ذلك. ..
مع ذلك ، أشارت الأحداث كذلك الى أن الإمبرياليين ، موضوعيا ، و بالأساس الإمبرياليين اليانكيين ، ينغمسون تماما فى تناقضات مع البلدان و الشعوب المضطهَدة. و لو أنه ليس هنالك فى الوقت الحالى نزاع بين القوى العظمى، إثر نهاية الحرب الباردة ، فما سمي حلم القطب الواحد لا يمكن أن يمسي أبدا صحيحا مثلما تبين ذلك الصدامات العلنية و السرية و النزاعات حول المصالح الإقتصادية و السياسية بين الولايات المتحدة و السوق الأوروبية المشتركة و اليابان و روسيا. مع هذه الأزمة تتعزز إمكانية ثورة ملايين الجماهير يوما فيوما.
و من واجبنا جديا أن نعير إهتماما للوضع المتميز التالي و إن خلقته الإمبريالية بنية شيطانية لنهب الأرباح فى العالم الحالى . أولا ، لقد ضمن ربط التقنية العالمية باليد العاملة الرخيصة لأعداد ضخمة من الجماهير التسريع فى وعي الشعب للتحول من عالم الحاجة إلى عالم الحرية. ثانيا، مع العولمة نهبا للأرباح ، ضيق التطور غير المسبوق فى مجال تكنولوجيا المعلوماتية و بخاصة الإلكترونيك، ضيق العالم جاعلا إياه وحدة قرية صغيرة.
و بالتالى من المرجح جدا أن حدثا فى مكان ما سيكون له كبير الأثر سلبا أو إيجابا على العالم قاطبة و العكس بالعكس. ثالثا ، إن النظام الإمبريالي العالمي لإنتاج الأسلحة و توزيعها يلعب بطريقة مباشرة دورا فى الإعداد التقني لحرب الشعب على المستوى العالمى. رابعا، يوفر الإنتاج غير المحدود و عولمة السيرورة الإجتماعية لهذا الانتاج ، بصورة غريبة ، أساسا ماديا بطريقة سريعة للمبدأ الشيوعي للعمل حسب الطاقة و التوزيع حسب الحاجة. خامسا ، و بالأساس ، تعد الإمبريالية بإزدياد حدة الصراع الطبقي و رئيسيا التناقض بين الإمبريالية و البلدان و الشعوب المضطهَدة الى أبعد حد ، تعد لوضع ثوري ، موضوعيا ل80بالمائة من شعوب الأرض.
و سيقود التناقض الداخلي للإمبرياليين و التطور غير المتكافئ بما هو خاصية كامنة للرأسمالية ، تطور هذا الوضع الموضوعي إلى الثورة فى بلدان آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية التى ستشكّل مراكز إعصار الثورة.
هذه الخاصيات تشير بوضوح إلى أن القرن 21 ينبغى أن يكون قرن الحروب الشعبية و إنتصار النظام الإشتراكي العالمى. علاوة على ذلك ، فإنها تشير أيضا إلى أنه حصل تغير ذو دلالة فى التصور السائد لنموذج الثورة فى الثمانينات. حاليا ، مزج إستراتيجيا الإنتفاضة المسلحة و الحرب الشعبية الطويلة الأمد معا بات أمرا جوهريا. دون القيام بذلك ، تبدو الثورة الحقيقية تقريبا غير ممكنة فى أي بلد.
الضرورة التاريخية اليوم هي التقدم بالثورة العالمية عبر حرب الشعب وفقا للمميزات الخاصة لكل بلد و تطوير أحزاب شيوعية حقيقية على قاعدة الماركسية-اللينينية-الماوية لأجل قيادة الجماهير فى مختلف البلدان. و هذه المسؤولية لن ينهض بها طالما لم يعترف بمساهمات ماو العالمية فى الثورة العالمية و لم تركز الماركسية-اللينينية-الماوية إيدلوجيتها القائدة.
و الوضع الجديد لم ينئ يعد الأرضية الايديولوجية و المادية لتشكيل أممية شيوعية جديدة للتقدم بالثورة العالمية مستخلصين دروسا من التجارب الماضية. و تمثل الحركة الأممية الثورية المكونة على أساسا مبادئ الماركسية-اللينينية-الماوية بغرض التنسيق بين الحركات الثورية لمختلف البلدان و التقدم بالثورة العالمية خطوة هامة فى هذا الإتجاه. و قد تطورت من خلال تجارب الحركات الثورية و الصراعات الإيديولوجية لمختلف البلدان. و تبقي أمام الحركة الأممية الثورية تحدّيات جدية للنهوض بأممية جديدة ، على غرار تطوير فهم متكامل عبر التلخيص العلمي للحركة الشيوعية العالمية و بوجه خاص الكومنترن و الحرب العالمية الثانية و دور ستالين، و النضال ضد إنحراف التطرف الأممى التروتسكي الذى يقوض حركة التحرر الوطني من جهة ، و إنحراف التطرف القومي الذى يقوض الأممية البروليتارية ، من جهة أخرى ، و التعاون لتطوير الأحزاب الماوية الحقيقية فى مختلف البلدان و التوحد مع كل الأحزاب الثورية الموجودة عبر الصراع الخ. و لمواجهة هذه التحديات بنجاح ، يحتاج جميع الثوريين البرليتاريين الحقيقيين إلى التسريع بمبادراتهم لإنشاء أممية جديدة . و الهام هو الفهم الصحيح لطبيعة التناقض بين الإمبريالية و البلدان و الشعوب المضطهَدة و تركيز الأممية البروليتارية كقيادة لحركة التحرر الوطني . ذلك أن ثورة عالمية معزولة عن النضال لتركيز معنى الثورة العالمية تقوم فى أي بلد متخلف من بلدان آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية ثورة غير ممكنة تماما.
و فى الختام ، من البيّن الجلي من تحليل الوضع العالمي أن النظام العالمي للإمبرياليين نظام فاسد ، بربري و إرهابي وهو ليس إلا كابوسا جاثما على كاهل البشرية جمعاء. و ينمو أكثر فأكثر شرط مادي لتحقيق المُثل العليا الشيوعية و القضاء التام على إستغلال و إضطهاد الإنسان للإنسان ، و ينضج و الأحزاب السياسية البروليتارية فى حاجة إلى القيام بمبادرات من قمم جديدة قصد التقدم بشجاعة بالثورة العالمية. ينبغى أن يكون القرن الواحد و العشرون قرن الثورة العالمية و ينبغى أن تكون قائدتها الايديولوجيا الماركسية- اللينينية-الماوية.
حول الوضع فى جنوب آسيا
لقد عاش جنوب آسيا وفيه يقطن 20 بالمائة من سكان العالم ، معاناة كبيرة من الفقر والفاقة و الأمية و البطالة بسبب القمع الإقطاعي و الإمبريالي. و شعوب هذه المنطقة و لسنوات عدة قدمت الفداء و التضحيات فى التحرر الوطني و الحركات الديمقراطية فى سبيل التقدم و التحرر و ينبغى إستيعاب أن كلا من القمع الإقطاعي
و الإمبريالي و النضال العادل للشعب ضده يبلغان قمة و يقودان إلى صدام فاصل. و بقدر تصاعد النضال الثوري للشعب بقدر ما تركع الطبقات الرجعية الحاكمة فى النيبال و الهند و سيريلنكا و باكستان و بنغلاداش أمام الإمبريالية و يتزايد إستغلال الشعب و قمعه و يشتد إرهاب الدولة. و تواجه كل الطبقات الحاكمة لكل بلاد فى هذه المنطقة تناقضات حادة مع حاجيات و تطلعات الجماهير. و تزلزل حركات التحرر الوطنى المسلحة و الحركات الديمقراطية و حرب الشعب المنطقة كافة زلزلة. و تطوير حركة ثورية ماوية ترفع تحديات جدية أمام الطبقات الرجعية و تمثل بديلا ملموسا بالنسبة للجماهير هو مظهر إيجابي آخر لهذه المنطقة.
ما إنفكت طبقة الرأسمال الإحتكاري الهندى الحاكمة وريثة الإمبريالية البريطانية تتبع سياسة توسعية من الضغط و التدخل و تعطيل التطلعات الوطنية للشعوب و البلدان المجاورة. لقد بذلت وسعها لتقمع بالبنادق و إرهاب الدولة طموحات شعب كشمير و دول الشمال الشرقي و الحركات الديمقراطية الجديدة فى آندرا و بيهار و شددت الضغط و التخريب و الأنشطة الإستفزازية مكرسة إستراتيجيا جعل النيبال و بوتان و بنغلاداش و سيريلنكا مثل سيكيم جديد. قصد عزل الباكستان بعد نهاية الحرب الباردة و تحقيق إرادتها فى الهيمنة على المنطقة، ركعت الطبقات الحاكمة الهندية أمام الإمبريالية الأمريكية و فتحت لها أبواب الإستغلال الفاحش للشعب فى المنطقة بتعلّة الليبرالية. و قد كانت الطبقة الحاكمة للهند تحثّ على تنفيذ مخطط السيد الإمبريالي لمحاصرة الصين و جعلها تستسلم كليا واضعة الهند رهن طوعها. و قد كانت تقوم بإستمرار بتدخلات فى الشؤون الداخلية للبلدان المجاورة بغرض أن تبوء عملاءها العرش بصورة متناهية الوضوح و تمضى قدما فى مشروع تحويل المنطقة الى "سيكيم". و حاكت مؤامرات لربط حرب الشعب فى النيبال القائمة منذ خمس سنوات بالباكستان و الصين و المهربين و بالتالي مغالطة الشعب الهندي .
إنها لميزة للطبقة الحاكمة الهندية أن تتآمر لإستغلال الطموحات المشتركة للثورة الديمقراطية الجديدة ضد الوضع شبه الإقطاعي و شبه المستعمر و إستغلال الطبيعة المتنوعة للوضع الجغراسياسي و العلاقات الإقتصادية و السياسية و الدينية الراسخة فى صفوف الشعب تاريخيا و ذلك لتحقيق طموحها الهيمني على المنطقة. و كانت الطبقة الحاكمة للهند و طموحاتها وراء ستار سياسة مشابهة و طبيعة قمع و مؤامرات إرهابية مشابهة تمارسها الطبقات الحاكمة لكل بلدان هذه المنطقة. و يولد هذا الوضع المختلف طبيعة فريدة للحاجة للوحدة فى نضال عادل لشعب كل دول المنطقة و إمكانيتها و أهميتها. و نظريا ، يمكن مشاهدة تحول إمكانية الإلتحام المباشر لحركة التحرر الوطني و حركة البروليتاريا كما أكد على ذلك لينين ، الى واقع أيضا هنا. فبحكم فرادة الوضع الاقتصادي و السياسي و الثقافي و الجغراسياسي و مسك الرأسمالية الإحتكارية الهندية الأمور دون منازع ، سيكون من الصعب للغاية لأي بلد لوحده فى هذه المنطقة أن ينهى بنجاح الثورة الديمقراطية الجديدة و حتى إن نجحت فى معالجة مختلف التناقضات ، سيكون غير ممكن تقريبا أن تظل قيد الحياة. لذا يحتاج الثوريون لأن يركزوا إهتمامهم بجدية على أن بلدا معينا أو منطقة من بلد معين ينبغى تحريرها عبر قوة النضال المشترك و المتقاطع للشعب فى هذه المنطقة بعد مرحلة التطور غير المتكافئ و أن هذه المنطقة المحررة أو البلد المحرر لا يملك أن يلعب إلا دورا خاصا كقاعدة إرتكاز للثورة فى المنطقة كلها. هنا بالضبط ، على الثوريين جميعهم فى المنطقة أن ينتبهوا لمجهود لينين فى تعميم ثورة أكتوبر الروسية العظيمة لسنة 1917 و تأسيس الاتحاد السوفياتي و تجربته. و من الواضح أن التحرير الحقيقي لن يكون ممكنا إلا اذا صار جزءا من الثورة العالمية و خادما لها على أساس الأممية البروليتارية. و يبقى تحدى تطبيق المبادئ العالمية للماركسية-اللينينية-الماوية على خصوصية حركات التحرر الوطنى و الحركات الديمقراطية للمنطقة تحت قيادة الفكرة و الطموح العظيمين للأممية البروليتارية ، يبقى هذا التحدى مهيبا. و توحيد نضالات حق الأمم فى تقرير مصيرها و الحركة البروليتارية وحده القادر على مواجهة هذا التحدى. و لإستيعاب هذا على الوجه الصحيح ، علينا جديا أن نفكر مليّا فى مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية الذى صاغه لينين إثر تأسيس الاتحاد السوفياتي و فى الفترة الأولى للكومنترن و مفهوم الثورة الديمقراطية الجديدة الذى صاغه ماو.
حينما نفكر فى هذا ، نظرا للوضع المتميز للمنطقة ، يغدو جليا أنه لا مناص للشيوعيين الثوريين من أن يستنبطوا إستراتيجيا متكاملة ضد الطبقات الإحتكارية البرجوازية الحاكمة للهند و عملائها فى مختلف البلدان . هذه الحتمية دقت باب ضرورة تحويل المنطقة الى فيدرالية سوفياتية جديدة للقرن ال21. و من هنا ، يقتضى الأمر من الثوريين الماويين لمختلف بلدان المنطقة أن يناقشوا من هذا العلو و يضعوا فهما موحدا و إستراتيجيا متكاملين و هيكلا تنظيميا من نوع متميز و مخططات نضال بعيدة و قريبة المدى.
إن الخصوصيات الإقتصادية والسياسية و الثقاقية و الجغرافية و نمو الحركة الشيوعية و التأثير الواسع النطاق على المنطقة لحركة نكسالباري التى قادها شارو ماجوندار ضد التحريفية المعاصرة و العلاقات الأخوية و تبادل الأفكار و التعاون التقني المتنامي فى صفوف الثوريين الماويين و البرامج المشتركة على المستوى الشعبي ... كلها تعدّ قاعدة ملموسة لتحقيق هذه الضرورة التاريخية. و من الواضح أن بقدر تطور النضال الثوري تتعزز المؤامرة المعادية للثورة و بالتالي ثمة حاجة الى تطوير مجهودات متكاملة فى صفوف الثوريين .
ستضطلع سيرورة تطبيق المبادئ العامة للماركسية-اللينينية-الماوية على خصوصية المنطقة بدور فعال فى خوض النضال ضد المؤامرة الإمبريالية الأمركية فى المنطقة ، خاصة فى الهند. و هكذا ستكون للمبادرة الموحدة لهذه المنطقة كجزء لا يتجزأ من الثورة العالمية مساهمة هامة فى الثورة العالمية. من هنا، تأتي الحاجة الى تعاون جوهري لا سيما للحركة الأممية الثورية و قوى ثورية أممية أخرى للتقدم بالسيرورة بشكل طبيعي و علمي . مع ذلك ، الشيئ الهام هو المبادرة المسؤولة لثوريي المنطقة هم أنفسهم. الطريق صعب و مليئ تحديات بيد أن المستقبل وضاء و انتصار الأممية البروليتارية و جماهير الشعب أكيد.
حول تلخيص الحركة الشيوعية النيبالية
لم نكف عن نقاش و تقييم سيرورة تطور الحركة الشيوعية النيبالية. و غايتنا الوحيدة من القيام بهذا هي تجاوز التحريفية بالتلخيص العلمي للتاريخ عن طريق الماركسية-اللينينية-الماوية و الوعي الجديد للصراع الطبقي و لضمان إنتصار الثورة بتسريع سيرورة الإستقطاب الثوري . لذا شددنا على جعل الخط الإيديولوجي و السياسي قاعدة للتقييم لأنّنا نعتبر نقطة إنطلاقنا الإستنتاج العلمي بأن الخط الإيديولوجي و السياسي يحدد كل شيئ. وبحكم الوعي الجديد المعتمد على التلخيص مع نمو الحركة الثورية و الحاجة الى تسريع الحركة ، نحتاج لأن نبدي مثل هذه الملاحظات تكرارا.
ما فتئنا نعتبر تأسيس الحزب الشيوعي النيبالي الذى ألهمته الحركات الثورية المعاصرة العالمية و الوطنية حدثا تاريخيا له دلالة بعيدة المدى. و نعتبر أيضا أن البيان و الخطة و البرنامج الأوائل للحزب حول الثورة الديمقراطية ضد الاقطاعية و الإمبريالية سليمين فى الأساس. إلا أنه فى ما بعد ، إنحرفت قيادة الحزب عن المبادئ الجوهرية للبيان و الخطة و البرنامج. والعامل الأهم فى هذا كان التفكير غير البروليتاري البرجوازي الصغير للقيادة كما بيّن الحزب. و قد ظهر فى المؤتمر الأول للحزب فى 1953 ، و إتخذ شكلا تنظيميا منسقا
و معلنا فى 1955. و بقيت هذه الإصلاحية البرجوازية الصغيرة مهيمنة على الحركة الشيوعية النيبالية لعقود كذيلية. و مثّل التخلى عن ضرورة تطوير نضال ثوري مستقل على أساس قيادة البروليتاريا ووحدة العمال
و الفلاحين فى الثورة الديمقراطية البرجوازية ، مثل الميزة الأساسية للتحريفية النيبالية. فقد خرقت المبادئ الجوهرية للماركسية-اللينينية-الماوية حول القيادة البروليتارية فى الثورة الديمقراطية الجديدة و خصوصيات عصر الإمبريالية و الثورة البروليتارية. و نتيجة لذلك ، تحوّل الحزب الى آلة للقيام بالإصلاحات و تحقيق الأهداف الإستراتيجية لمجموعات رجعية متباينة.
و يمكن إعتبار تأثير الحركة الشيوعية العالمية و بوجه خاص الهندية سببا آخر لذلك. و من اللافت أن الحزب الشيوعي الهندى قرر ، بنصيحة من ستالين ، أن يتراجع عن النضال المسلح التاريخي تلنغانا. و تطور فى صفوف قيادة الحزب تفكير تحريفي تجاه حرب الشعب طويلة الأمد على أنها " تطرف يساري" .و بما أن الحركة الشيوعية حركة أممية ، من الطبيعي تماما أن تؤثر تموجات الحركة الأممية فى الحزب الشيوعي فى كل بلد. و فى المصاف الأول ، لا ينبغى أن ننسى نفوذ العلاقات المستمرة بين الشيوعيين فى الهند و النيبال.
و كذا حين سقطت قيادة الحزب فى الذيلية متخلية عن ضرورة القيادة البروليتارية للحركة الديمقراطية ، ظهرت التحريفية الخروتشوفية فى الإتحاد السوفياتي، التحريفية المعاصرة و نظريتها البرلمانية للتحول السلمي، داخل الحركة الشيوعية العالمية. و مثلما هو منتظر كان لها الإنعكاس الجدى على الأحزاب الشيوعية ، عبر العالم كافة. ساعدت هذه التحريفية العالمية الفظيعة تطور التحريفية لدى قيادة الحزب فى النيبال فى أن تصير أوضح بصورة متناهية و سريعة. حينها ، طغي تيار رايامجهي كإستسلام مجدد. و لما رفع الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو راية النضال ضد التحريفية الخروتشوفية ، نشأ جدال حول الخط الإيديولوجي و السياسي فى النيبال هي الأخرى. و باتت الحركة الشيوعية العالمية منقسمة بجلاء الى كتلتين : التيار التحريفي الخروتشوفي
و التيار الثوري الماوي . فى البداية ، نهض الرفيق بوشبا لال شراستا بدور هام فى النشر المنظم للتيار السياسي الثوري الماوي .(والرجاء الانتباه الى أنه كان يعارض التحريفية التى تطورت فى رايامجهى و مانهومان الخ منذ المؤتمر الأول ، غير أنه كان يعوزه الوضوح الإستراتيجي و التكتيكي اللازم ليقطع بحسم مع التحريفية و يقود الحركة الثورية) .
بعيد ذلك ، إندلعت الثورة الثقافية الربوليتارية الكبرى ضد التحريفيين البرجوازيين فى الصين ، تحت قيادة ماو مزلزلة العالم بأسره. و من الطبيعي أن كان للثورة الثقافية التأثير المباشر فى النيبال أيضا. حيث لعبت دورا هاما فى توليد أمواج من الحماس فى صفوف الشباب و الطلبة و الثوريين.
بالفعل ، وفرت الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى أرضية صلبة لإعادة تنظيم الحزب فى النيبال على قاعدة الخط الثوري. و بالضبط حينها ، جرت محاولات لتحقيق ذلك و من زوايا مختلفة. ومن ضمن هذه المحاولات محاولة بوشبا لال عبر كنفرنس عوراكبور و محاولة النواة المركزية سنة 1970 و محاولة الثوريين الشبان عبر إنتفاضة جهابا هي الأكثر أهمية. و هذه المحاولات الثلاث جميعها إنطوت على مبادئ جوهرية متشابهة ، مثل إعتبار الماركسية-اللينينية- و فكر ماو تسي تونغ مبادئا مرشدة و مساندة الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و معارضة التحرفية الخروتشوفية و إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة فى ظل قيادة البروليتاريا ضد الإقطاعية و الإمبريالية و ضرورة النضال المسلح لجعل الثورة تنتصر. و بالتالي ، غدت تلك الفترة من التاريخ بوجه خاص محطّ أنظار كافة الشيوعيين الثوريين اليوم. و المسألة الرئيسية التى علينا أن نلفت النظر إليها على الخصوص هي لماذا ما كان ممكنا إيجاد حزب واحد موحد رغم الجو العالمي الملائم الذى أفرزه ماو و أفرزته الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين و رغم التشابه الإيديولوجي فى الثلاث محاولات المشار إليها أعلاه؟
و على أساس تجربتنا و تفكيرنا الحاليين ، نعتقد بصلابة أنه كان ممكنا أن يتشكل حزب واحد موحد و كان لزاما تشكيله. و لئن حصل ذلك ، كان من المؤكد أن يوجد وضع الحركة الشيوعية النيبالية و الثورة الشعبية فى مرحلة أرقي. من ثم ، بات من مهمة الشيوعيين المخلصين لهذا البلد أن يبذلوا قصارى الجهد للتفكير جديا فى تلك الفترة التاريخية و لدراستها و ربط الحلقات غير المترابطة. إننا كحزب يقود حربا شعبية عظيمة ملتزمون بأن نقوم بأوفر المبادرات مسؤولية للنهوض بمهمتنا. و فى الوقت نفسه ، ندعو كافة الشيوعيين المخلصين
و الحقيقيين المتفرقين فى مجموعات مختلفة لأن يتمعنوا بعمق فى هذه القضية و أن يصنعوا موجات جديدة من الإستقطاب .
فى ما يتصل بمسألة التغلب على العقبة الأساسية لوحدة الحزب حينها ، علينا أن نبحث عنها فى الخط الإيديولوجي و السياسي و أسلوب عمل القيادة المعنية آنذاك. و هكذا بالرغم من نقص التجربة و تضمنها بعض عناصر التفكير الميكانيكي فإن مركز التنسيق الذى ظهر مع إنتفاضة جهابا كان أصوب و أرقي نسبة الى أخرى فى خطه الايديولوجي و السياسي ، لا سيما فى الروح الثورية. و قد رفع راية الثورة طبقا لروح الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، ضد التحريفية التى كانت مهيمنة على الحزب منذ 1953. و سدّد ضربات للتحريفية التى هي ثورية فى الكلام و تحريفية عمليا. و لعبت إنتفاضة جهابا ، جوهريا ، فى الحركة الشيوعية النيبالية ، الدور نفسه الذى لعبته إنتفاضة نكسالباري فى فضح التحريفية داخل الحركة الشيوعية الهندية و فى تركيز المساهمات العالمية لماو. و بالتالي ، لا يمكن إتهام إنتفاضة جهابا بالإنشقاقية إذ هي وفرت واقعيا أرضية لوحدة الثوريين .
من منظور الخط الإيديولوجي و السياسي و الإلتزام بالهدف و جهود بوشبا لال فى إعادة تنظيم الحزب ، كانت إيجابية كذلك. و بالفعل، ساعدت أفكار بوشبا لال و خطه السياسي ، فى كليته ، ساعدت الثوريين و ليس التحريفيين. إذن وضعه ضمن الكتلة التحريفية لا يعدو كونه تمريغ له فى الوحل ذلك أن أعماله و مساهماته على غرار نشر الماركسية و الدور القيادي التاريخي فى تأسيس الحزب الشيوعي و تشييده على أساس القيادة البروليتارية للثورة الديمقراطية البرجوازية و صياغة البيان الأولى و الخطة والبرنامج ، الى جانب ، التأكيد على النضال الثوري للفلاحين و الوقوف الدائم مع النظام الجمهوري و الإلحاح على حرب الشعب الطويلة الأمد
و معارضة التحريفية المعاصرة و الدفاع عن المساهمات العالمية لماو و بذل النفس للثورة طوال حياته
و المجهود الحقيقي لشرح مادي لتاريخ النيبال الخ، كلها تبيّن أن بوشبا لال شرسثا كان قائدا شيوعيا مخلصا للحركة الشيوعية النيبالية. و بما أن الشيوعيين الثوريين حطوا من مقامه على أنه يميني أمكن للتحريفيين التجرأ على تحريف مساهماته و من ثم إستعمالها لمصالحهم الخاصة الدنيئة. قطعا ، كان يشكو من بعض النقائص الإيديولوجية و السياقية. و من هذه النقائص نقيصة ليبرالية فى التطبيق العملي للخط السياسي و نقيصة مادية ميكانيكية فى تحليل الطابع الطبقي للمؤتمر النيبالي و نقص الجدية بخصوص التخطيط العام لتطوير النضال المسلح و الجيش الشعبي، هذه أهم نقائصه. بيد أن هذه النقائص وحدها لا تكفي لوصفه باليميني فى الإطار النسبي و قتذاك. مقارنة بمساهماته كافة تقف أخطاؤه ضئيلة جدا عموما. و رغم بعض النقائص ، كان قائدا شيوعيا مخلصا. لذا ، على الشيوعيين الثوريين اليوم أن يناضلوا بصلابة ضد التحريفية بأشكالها المتنوعة و لكن ذات الجوهر الواحد، التحريفية التى تستخدم شخصيته لمصالح برلمانية دنيئة أو تشوّهه بإعلان أنه عميل
ومرتد يميني و عليهم أن يكرموا ذكرى الرفيق بوشبا لال دون أي تردد.
حينذاك ، كانت النواة المركزية ، إيديولوجيا ، فى غاية الإلتباس و الخصام. فأول شيئ و الأهم هو أن النواة المركزية لم تكن واضحة تماما حول النموذج الروسي للإنتفاضة المسلحة العامة و النموذج الصيني لحرب الشعب الطويلة الأمد ، فى علاقة بالثورة الديمقراطية الجديدة و النضال المسلح و مثّل هذا إنتقائية. ثانيا، أعلنت الثورة الديمقراطية الجديدة برنامجا أقصى و قدمت الحكومة الوطنية و القوى الديمقراطية برنامجا أدنى بصدد الخط السياسي الرئيسي على هذه الصورة ممارسة نوعا من التحريفية الجديدة . ثالثا ، حينها ، ساورتها مخاوف تجاه بوشبا لال و منتفضى جهابا نظريا و عمليا تجاه المؤتمر النيبالي و لذلك ساعدت الملكية الأوتوقراطية
و دكتاتورية البنشايات آنذاك. رابعا، فى ما يتصل بالتناقض الرئيسي ، صرحت من جهة بوجود تناقض متساو بين الشعب النيبالي من جهة و الرجعية المحلية من جهة ثانية و بين الرجعية المحلية و التوسعية و بصورة غير مباشرة لطفت من النضال ضد أوتوقراطية البنشايات. عموما ، يمثل تفكير منموهان و موهان بكرام آنذاك إيديولوجيا الإنتقائية و التحريفية الجديدة و الخط الموالي للملك داخل النواة المركزية. و هنا يجب التذكير بأن منموهان نهض بدور هام فى تحويل الحزب الى الإتجاه التحريفي و الموالي للملك منذ المؤتمر الأول. فضلا عن ذلك ، كان موهان بكرام يدافع أيضا عن ذلك. و لئن تحدثوا عن ماو و الكفاح المسلح ، فإن ذلك ما كان سوى غلافا لإخفاء تحريفيتهم. لكن فى ما بعد ، عزف منموهان حتى عن ذلك الغلاف و عرض تحريفية مفضوحة و تفكيرا مواليا للملك و غدى سلبيا على نحو كلي. مع ذلك ، وشّى موهان بكرام بنشاط هذه التحريفية الجديدة الإنتقائية بجمل ثورية و أرساها أثناء المؤتمر الرابع. فخلق إرتباكا إيديولوجيا هائلا داخل الحركة الشيوعية النيبالية طوال عقد من الزمن. و المظهر الإيجابي الوحيد للمؤتمر الرابع هو التحليل السليم للطابع الطبقي للمؤتمر النيبالي إلا أنه لا ينبغى التغاضي عن أن فى القيام بذلك ، ما كان يحرك قيادة المؤتمر الرابع آنذاك هو هدف معارضة الثوريين و ليس هدف ثوري. و اليوم ، يبدو الأمر بديهي فى سياسة موهان بكرام و تعامله مع البرلمانية و فاشية المؤتمر النيبالي .
من حالة الخط الإيديولوجي و السياسي و أسلوب العمل المذكورين أعلاه يتضح أن ما وقف حاجزا دون إمكانية تشكيل حزب موحد على أساس الخط السياسي الثوري الذى تطور بتأثير من الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين ، ليس إلا الخط الإنتقائي التحريفي الجديد الذى أرساه منموهان و موهان بكرام و رئيسيا المؤتمر الرابع الذى قاده موهان بكرام. هذا هو الخط الإنشقاقي الأكبر فى الحركة الشيوعية النيبالية. و الكتب " المرند بوشبا لال " و " دحض الأفكار اليسارية المتطرفة " التى وضعها موهان بكرام من زاوية تحريفية جديدة ، ببساطة أدوات لضرب إمكانية وحدة الحزب.
صحيح ، فى البداية ، أن قطاعا من الثوريين المخلصين الجاهلين للخط السياسي إتحدوا تحت راية المؤتمر الرابع نظرا للشخصية الجذابة لموهان بكرام و الجمل الثورية و السياسات الإنتقائية ذات المعنى المزدوج. و قد قام ثوريون و منهم الشهيد الخالد الرفيق آزاد بجهود لشرح و تطبيق ذلك فى مناطقهم حسب أهدافهم الثورية . بيد أنه دون تجاوز الانتقائية الجديدة الموجودة فى الخط الإيديولوجي و السياسي فإن الروح و الهدف الثوريين
و محاولات تصحيحه جزئيا لوحدها لم تكن لتقدر على معالجة المشاكل و لم تعالج. و مثلما كان حتميا ، دفع تيار موهان بكرام نحو مجموعة من الإنشقاقات داخل المؤتمر الرابع. و حيثما سيطر هذا التيار ، فإنه إتجه الى المعاودة.
و عندما إشتد الصراع الداخلي فى النيبال ، بعد نهاية إمكانية تشكيل حزب شيوعي موحد على أساس الخط الصحيح فى منعطف حيوي من التاريخ ، توفي ماو فى الصين. و فى غضون شهر من وفاته ، مسك التحريفيون البرجوازيون سلطة الدولة فى الصين عن طريق مؤامرة. و بالطبع ، كان لهذا التأثير السلبي للغاية عبر العالم كافة و على الحركة الشيوعية النيبالية أيضا. و بالتالي ، قادت النواة المركزية الماركسية-اللينينية التى كانت متذبذبة بعد التراجع الحاد لحركة نكسالباري الهندية إثر وفاة شارو ماجوندار ، قادتها الى التحريفية. غير أن المؤتمر الرابع عارض الثورة المضادة فى الصين و قاد الثوريين النيباليين فى النضال ضد التحريفية. مع هذا الحدث التاريخي ، تفسخت النواة الماركسية-اللينينية التى ظهرت مع إنتفاضة جهابا و قادت التيار الثوري داخل الحركة الشيوعية النيبالية لمدة عقد تقريبا فغدت تحريفية و تحول إجتماع كل من التحريفيين الجدد و القدامي الآن إلى شرطة الدولة والنظام الإقطاعي و الرأسمالي الكمبرادوري و البيروقراطى من جهة ، ومن جهة أخرى ، برز الثوريون المخلصون و الحقيقيون فى المؤتمر الرابع الذين ناضلوا ضد التحريفية القديمة منها و الجديدة و إنتفضوا ضدها صائغين خطا إيديولوجيا و سياسيا صحيحا و موحدين كافة الثوريين. و اليوم ، يقود هؤلاء حرب الشعب العظيمة فى النيبال. وزيادة على ذلك، يتقدمون بصرامة فى تجميع حلقات العقد المنفرطة فى التاريخ مع مبادرة للإستقطاب الثوري و جعل الثورة الديمقراطية الجديدة تنتصر فى النيبال.
فى الأخير ، لما نلخص الحركة الشيوعية النيبالية، بمقدورنا أن نقول أنها تتقدم بالحفاظ على وحدة جديدة
و على أساس جديد وفق المبدأ الجدلي لوحدة – صراع- تحويل أو أطروحة – نقض الأطروحة –توليف. ويمثل تأسيس الحزب و بيانه و خطه و برنامجه الأوائل الوحدة أو الأطروحة. و فى سيرورة التطور ، تمثل مختلف التيارات و الصراعات الداخلية و التموجات و الإنقسامات و الكتل ، الصراع أو نقض الأطروحة داخل الحركة الشيوعية النيبالية. و حرب الشعب العظيمة التى يقودها الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) منذ خمس سنوات هي تعبير عن التغيير و التوليف أو وحدة جديدة على أساس جديد . ومن الممكن أيضا رؤية السيرورة بكاملها ، سيرورة الحركة الشيوعية النيبالية ، كإنكار الإنكار/ نفي النفي. فقد نفت التحريفية السياسة الصحيحة للحزب و فى ما بعد نفت السياسة الصحيحة التحريفية و فى النهاية ظفرت السيرورة العظيمة لحرب الشعب إلا أنه سيكون ضد المبدأ الجدلي للتطور أن نفهمها أو نعتبرها تامة و نهائية.
إن سيرورة وحدة-صراع-تحويل ستستمر و الماركسية-اللينينية-الماوية وفرت لنا مفتاح التعاطي مع هذه السيرورة الجدلية للتطور لصالح البروليتاريا و قيادة الإنسانية صوب الذروة الشيوعية.
بعض النقاط الإضافية حول تاريخ الحزب و سيرورة التلخيص الإيديولوجي:
اليوم نلخص أفكارنا على قاعدة خمس سنوات عاصفة من حرب الشعب العظيمة. إثر وفاة ماو و الثورة المضادة فى الصين بعد ذلك، كان على الحركة الشيوعية العالمية أن تواجه وضعا عصيبا للغاية و باعث على التحدى و بالنتيجة ، باتت التحريفية مهيمنة على العالم كافة.
و عززت الإمبريالية و التحريفية من هجومهما على المساهمات العالمية لماو فى علم الثورة البروليتارية و على مكتسبات الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. فكانت هذه الوضعية مشابهة لوضعية صراع حياة أو موت بالنسبة للثوريين الحقيقيين فى العالم. فى هذا الظرف الصعب والمعقد ، رفع الثوريون البروليتاريون فى العالم ، بما فى ذلك فى النيبال، رفعوا عاليا راية الماركسية-اللينينية-الماوية و الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و خاضوا صراعا إيديولوجيا ضد التحريفية العالمية و ضمنها التحريفية الصينية وقاد هذا الصراع إلى تشكيل الحركة الأممية الثورية و ألهم أيضا حرب الشعب فى البيرو و تسارعت النضالات المسلحة للشعوب تحت قيادة الشيوعيين الثوريين فى مختلف بلدان العالم.
فى هذا الاطار ، واصلت لجنة الحركة الأممية الثورية النهوض بدور هام فى تلخيص تجارب العالم و نشر تجارب الأحزاب عبر صراعات إيديولوجية كبيرة ضد التحريفية الوسطية و التصفوية اليمينية من شتّى الألوان داخل الحركة الشيوعية العالمية و من ضمنها تجارب حرب الشعب فى البيرو التى شرع فيها الحزب الشيوعي البيروفى بقيادة الرفيق غنزالو و كانت الأرقي و الأهم. و كذلك لعبت الوثائق والمقالات التى كتبها و أعدها
الحزب الشيوعي الثوري للولايات المتحدة الأمركية و رئيسه بوب آفاكيان دورا هاما فى رفع النقاش إلى مستوى جديد. فى الوقت نفسه ، كانت على جدول الأعمال تجارب النضالات المسلحة الإيجابية و السلبية فى عديد البلدان بما فيها تركيا و الهند و الفليبين و بنغلاداش و إيران ، للنقاش و التفاعل المباشرين.
و بالرغم من تراجعات و خسائر جدية فى تطور الحركة الشيوعية العالمية بإلقاء الأعداء القبض على القيادة و ضمنها الرفيق غنزالو فى البيرو و بظهور الإنتهازية اليمينية الإستسلامية فى وقت واحد مع مؤامرة الأعداء ، بالرغم من ذلك ، رفعت النضالات التى خاضها الحزب الشيوعي البيروفى و الحركة الأممية الثورية و بلدان أخرى من العالم فهم الماركسيين-اللينينيين-الماويين إلى مستوى جديد آخر فى الفترة الأخيرة . و يبيّن الواقع العالمي أن تاريخ حزبنا فى العقدين الأخيرين إرتبط حميميا بالحركة الشيوعية العالمية التى قامت بدور هام فى الإعداد لحرب الشعب العظيمة و إندلاعها و تطويرها و فى أهمية تلخيصنا الإيديولوجي. و هذا يوضح أننا لسنا بصدد تلخيص الممارسة الماركسية- اللينينية-الماوية فى إطار خصوصي للنيبال و إنما أيضا نلخص إلى حد ما الحركة الشيوعية العالمية.
و تغدو هذه السيرورة من التلخيص أكثر جدية و مسؤولية بكثير لاسيما عندما تكون الأهمية العالمية لحرب الشعب التى إنطلقت بعد إستخلاص العبر و بوجه خاص من تجربة البيرو إثر التراجع الكبير لحرب الشعب هناك، أهمية بديهية طبعا.
أ/ النضال ضد التحريفية الجديدة للمؤتمرين الرابع و الخامس ووحدة الحزب:
لقد أشرنا أعلاه الى العقود الثلاث الأولى للحزب فى علاقة بالحركة الشيوعية النيبالية. و بالتالي ، سينصب إهتمامنا الآن على النضال ضد التحريفية الجديدة الإنتقائية للمؤتمرالرابع و تنامي الخط الإيديولوجي و السياسي . (و الرجاء تذكر أن فى نهاية تحليل خط المؤتمر الرابع كتب " صحيح ، فى البداية ، أن قطاعا من الثوريين المخلصين الجاهلين للخط السياسي إتحدوا تحت راية المؤتمر الرابع نظرا للشخصية الجذابة لموهان بكرام
و الجمل الثورية و السياسات الإنتقائية ذات المعنى المزدوج. و قد قام ثوريون و منهم الشهيد الخالد الرفيق آزاد بجهود لشرح و تطبيق ذلك فى مناطقهم حسب أهدافهم الثورية. بيد أنه دون تجاوز الإنتقائية الجديدة الموجودة فى الخط الإيديولوجي و السياسي فإن الروح و الهدف الثوريين و محاولات تصحيحه جزئيا لوحدها لم تكن لتقدر على معالجة المشاكل و لم تعالج ." )
مظهر آخر يجب أن نلفت النظر اليه هو أن الاصلاحيين اليمينيين قد إتحدوا أيضا ، كما هو طبيعي ، داخل الحزب نتيجة للتحريفية الجديدة الإنتقائية للمؤتمر الرابع. وحين شرع الثوريون فى شرح الخط على نحو ثوري ، تقدم اليمينيون كردّ فعل حتمي تجاه ذلك بفهم إصلاحي له تطابقا مع مصالحهم . نهض موهان بكرام ساينغه، زعيم خط المؤتمر الرابع ، ليقف ضد الخط الإصلاحي الذى كان يقوده بصراحة زمال لاما و جماعته ، مفصحا عن بعض النفاق الثوري الغريب مثل "كهف النمر"( مركز تدريب الأنصاريين/ المترجم ) و موطدا تحريفيته الجديدة الإنتقائية بغاية تلميع "صورته". يبدو أنه كان ثمة تيارات ثلاث و إن كانا جوهريا إثنان. و لم يكن بإمكان الثوريين المخلصين أن يناضلوا بصلابة على أساس خط إيديولوجي و سياسي ضد التحريفية الجديدة لموهان بكرام. و بالنتيجة لم توجد أرضية صلبة لوحدتهم. فى هذا الوضع، إلتأم المؤتمر الخامس .
إبان هذا المؤتمر ، كان عديد الثوريين المخلصين و الحقيقيين مضلّلين و منقسمين رغم أنهم كانوا يمثلون الأغلبية فى اللجنة المركزية و ضمن النواب. و بحكم أن النقاشات كانت منصبة فقط على قضايا مثل " تغطية الأخطاء" و " الفضيحة الجنسية " عوضا عن الخط الإيديولوجي و السياسي و بحكم أن موهان بكرام قدم نفسه بإعتباره المخطط و الكاتب الأول للوثائق التى ألبست التحريفية الجديدة قناعا على أنها صراعا نظريا ضد الوسطية، فإن طرده من بهو المؤتمر بتهمة عدم الإنضباط فى السلوك الجنسي وهو أمر كان بالإمكان إتخاذ قراربشأنه فى أي وقت يتطلب ذلك ، قبل أو بعد المؤتمر ، قوّض الوضع الإيديولوجي و السياسي للمؤتمر من جهة ، ومن جهة أخرى ، ساعده على جلب إنتباه و تعاطف عديد الثوريين المخلصين.
و بما أنه لم يوجد صراع حول الأساس الإيديولوجي و السياسي فإن رؤية واضحة و صارمة لم تصغ حتى داخل الحزب و فى النهاية ، تشكلت قيادة الأغلبية مثلما إقترحت الأقلية وبسبب ضعف جدى فى مجموعة الأغلبية والمؤتمر ، نجح موهان بكرام فى مغالطة عديد الثوريين المخلصين و فى إعداد مجموعة منفصلة و فى شق الحزب فى غضون سنة واحدة.
و تجدر الإشارة الى أن الرفيق براشندا ، السكرتير الحالي للحزب ، وقف بحيوية فى المؤتمر بإسم الأغلبية ضد موهان بكرام مصرحا لأول مرة بأن مسألة سلوكه الجنسي قليلة الشأن و أن المسألة الأهم هي الإنحراف الجاد فى رؤيته و خطه السياسي. و أعد الرفيق براشندا وثيقة تعدّد الإنحرافات الإيديولوجية و السياسية لموهان بكرام و بالطبع ما كان من المحتمل أن يقع تبنيها رسميا. بيد أن تلك الوثيقة وضعت بين أيدي السكرتير العام المنتخب آنذاك الرفيق كيران. بعد ذلك ، قام رفاق ثوريون شبان بمن فيهم الرفيق بدال بمحاولات للتقدم بالنقاشات على أساس إيديولوجي. و مع ذلك لم يكن الهجوم الشرس على الخط الإيديولوجي و السياسي لموهان بكرام قادرا على توحيد كل الثوريين المخلصين نظرا لأنه لم يكن منظما بصورة جيدة و متطورا الى مستوى الخط الصحيح. لكن النقاشات خلقت موجة جديدة و أشارت للإمكانية المستقبلية لتشكيل فكر ثوري ضد التحريفية الجديدة الإنتقائية لموهان بكرام. كان الخط الإيديولوجي والسياسي هو هو إلا أن الحزب إنشق بعد سنة كما مرّ بنا. و كأمر واقعي ،لعب الإنشقاق دورا هاما سلبيا فى التطور الايديولوجي. و بعد ذلك ، أتت فترة أربع سنوات فيها كان للرفيق براشندا نقاشات و تفاعلات و عمل مشترك و دراسات و نشاطات تنظيمية مع رفاق ثوريين شبان و ضمنهم الرفيق كيران و الرفيق بدال. أثمرت تلك الفترة لأقصى حد فى التطور الإيديولوجي و السياسي الذى كانت له دلالة بعيدة المدى بإستيعاب المبادئ المرشدة و التعبير عنها بما هي ماركسية –لينينية –ماوية و تغيير النظرة الإصلاحية للسلطة السياسية و تحديد الطبيعة الأساسية لحرب الشعب الطويلة الأمد و التنظيم و النضال و ربط الإنتخابات الرجعية بحاجة حرب الشعب والصراع الطبقي فى الريف و التحضيرات الأربع و الشروع فى إعداد الحرب المسلحة الأنصارية و التأكيد على وحدة الحزب و الإستقطاب الجديد ، معلنا أن إنشقاقات الماضى لم تكن على أساس إيديولوجي أو سياسي الخ.
هنا تنبغى الإشارة الى أن التقدم فى الخط الإيديولوجي و السياسي يعبر عن قطيعة تامة مع الخط الأصلي للمؤتمر الخامس و كل من حزبي ماشال المتكونان بعد الانشقاق. بهذا الخط الجديد الذى هو فى الواقع عبارة عن تلخيص للتجارب الجوهرية للحركة الشيوعية النيبالية بأسرها و ليس فقط لتجارب مجموعة معينة و الى حد ما تلخيص لتجارب الحركة الشيوعية العالمية. و بالفعل تم إختيار الرفيق براشندا فى موقع السكرتير العام لحزب ماشال بالنظر الى دوره النشيط و القيادي فى تطوير الخط الجديد. و فى إطار تطوير هذا الخط ، جرى صراع مديد و شرس ضد الإنتهازية اليمينية فى ماشال. و بما أن الخط الإيديولوجي و السياسي يحدد كل شيئ ، قاد الخط الجديد القيادة إلى وعي أنه من الضروري توحيد جميع الشيوعيين الثوريين على أساس جديد و تعميقه
و ترسيخه ضمن الشعب. هذا الوعي جعل المرء يفقه أن حرب الشعب فى النيبال لم تكن لتتقدم فى ظل قيادة مجموعة معينة لوحدها منشقة فى الماضى، على غير قاعدة سياسية. و عليه ، فى الجو الملائم الذى وجد إثر الحركة الشعبية التاريخية لسنة1990 وقع التقدم بمبادرة ملموسة وواعية لتوحيد الحزب تحت قيادة الرفيق براشندا. و أخيرا ، حصلت وحدة الحزب بفذاذتها وخصوصيتها و تعقيدها. و فى مؤتمر الوحدة ، تعمق للغاية الخط الذى قاده الرفيق براشندا و تركز بجهود واعية لجميع الشيوعيين الثوريين المتحدين. و قد تجاوز بجسارة التصفوية التى دخلت فى سيرورة الوحدة بهدف إصلاحي يميني.
بعد الإنشقاق ، كما أسلفنا الذكر ، لم يحاول حزب ماشال الذى يقوده موهان بكرام أن يغير الخط الإيديولوجي و السياسي و يطوره بل بالأحرى إتخذ شكلا أكثر يمينية بالإجراءات على شاكلة التآمر و القمع و الإجراءات التأديبية الخ و شرع فى إستعمالها ضد الثوريين المخلصين الذين أصروا على التقدم بالحزب نحو الإتجاه الثوري. مع ذلك ، تواصل النضال الثوري ضد التحريفية الجديدة اليمينية للقيادة بصورة أعمق ، إلا أنه ،وهو أمر طبيعي ، لم يكن ممكنا إلحاق الهزيمة بالتحريفية فى الحركة الشيوعية النيبالية التى إفتكت القيادة السياسية من الداخل و لا كان ممكنا قيادة المجموعة برمتها نحو الإتجاه الثوري و ما حصل ذلك. و فى النهاية ، كما كان منتظرا، جاءت سيرورة إنتفاض الثوريين ضد التحريفية الجديدة اليمينية لموهان بكرام بعد ذلك بقليل. بهذا الصدد، قامت رابطة الشباب الناشط تحت قيادة الرفيق آنوكول و آخرين بالانتفاضة الأولية. وإلتحقت هذه الكتلة بسيرورة تعميق الخط المتطور داخل حزب ماشال. و تمت الإنتفاضة الكبيرة الثانية تحت قيادة الرفيق شيتال كومار و الرفيق جيتبير إلخ و تشكل حزب شيوعي نيبالي (ماشال )جديد .و على إثر الحركة الشعبية التاريخية لسنة 1990 ، إلتحق بسيرورة الوحدة و شارك فى تعميق و تركيز الخط الذى كان يقوده الرفيق براشندا و فى إلحاق الهزيمة بالتصفوية اليمينية. و فى ما سيلي سنتعرض بالنقاش لإنتفاضة هامة أخرى فى المجموعة التى كان يقودها موهان بكرام ووحدة الحزب مع ماشال المنتفض.

أما إلتحاق المؤتمر الرابع الأسبق و منظمة العمال البروليتارية كذلك بسيرورة الوحدة التاريخية فمعروفة معرفة جيدة. و فى هذا السياق، من المهم هنا تسجيل أن الثوريين المنتمين لمنظمة العمال البروليتارية سابقا إنتفضوا من جديد ضد مركز الوحدة الذى شكله التصفويون اليمينيون إثر طردهم من الحزب و إلتحقوا بوحدة الحزب من جديد و هم الآن يعملون من أجل قضية حرب الشعب العظيمة.

ب/ النضال ضد التصفوية اليمينية و تطوير إستراتيجيا و تكتيك حرب الشعب النيبالية:
على إثر تبني مؤتمر الوحدة الخط السياسي الثوري بفضل جهود كافة الشيوعيين الثوريين، أخذت مجموعة إصلاحية و تصفوية بقيادة نرمال لاما و روب لال الخ فى وضع عراقيل فى الطريق لما تعلق الأمر بتطبيق الخط عمليا. و قد كان واضحا وضوح الشمس فى كبد السماء أنه ما كان ممكنا تنفيذه إلا بخوض صراع حاسم ضد التيار الإصلاحي و التصفوي الذى كان يودّ تحويل إستعمال أول إنتخابات برلمانية جرت فى ظروف خاصة ، غداة الحركة الشعبية التاريخية لسنة 1990، الى برلمانية. و كانت هذه الزمرة التحريفية على تحالف دنيئ مع بعض العناصر الخبيثة خارج الحزب و كانت تجعل تطبيق خط الحزب مستحيلا بنشاطاتها على غرار عرض جميع الأسرار و التسامح مع الكتلوية و التآمر المفتوحين.
و بعد صراع مرير و جهد جهيد لمدة ثلاث سنوات من المؤتمر، نجح الحزب فى طرد التصفويين و الإصلاحيين من صفوفه و ذلك بقيادة الرفيق براشندا. و يعزى هذا النجاح للدور الهام لمقاومة الصراع الطبقي فى الريف المتطور فى المنطقة الغربية ، أساسا فى رولبا ، روكوم . لا ينبغى نسيان هذا . و طوّر الإنتصار الجديد فى الصراع البرلماني و غير البرلماني و فى الصراع السياسي الخارجي و الداخلي العسير، صراع الخطين الباعث على التحدى بصورة فائقة النضج الإيديولوجي و السياسي للحزب برمته و للرفيق براشندا. و هكذا فتح طرد التصفويين اليمينيين، خلال الندوة الوطنية الأولى، الباب عمليا لتجسيم خط الحزب.
و رفعت الندوة الوطنية للحزب من همة الحزب كافة و الإصرار على تكريس الخط الثورى للحزب. و وجهت الندوة الحزب صوب الإعداد لحرب الشعب و التركيز على الإنطلاق فيها. و يعبر كل هذا عن الدلالة التاريخية للندوة الوطنية الأولى.
و بعيد ذلك ، عقد الإجتماع الموسع للجنة المركزية و إتخذ قرارا هاما بمقاطعة الإنتخابات البرلمانية و تنظيم نضال مقاومة أولى. و دلالة هذا الإجتماع الموسع تتمثل فى أنه أخرج عمليا ميكانزم الحزب من مستنقع البرلمانية الذى تلوث فيه للغاية لمدة أربع سنوات بالبرلمانية. و تجدر الإشارة الى أن الرفيق براشندا إضطر لبذل أقصى الجهد لرفع الحزب الى هذا المستوى. و الدور الذى نهضت به لجنة الحركة الأممية الثورية بهذا المضمار هام جدا أيضا. و فى النهاية ، بفضل القرار ، عرفت حركة المقاطعة نجاحا و تجاربا جديدة تماما لألوان جديدة من النضال المقاوم. و أرسي هذا النجاح أرضية ملموسة لإعداد حرب الشعب و الإنطلاق فيها.
لأنها تحصلت على أكبر عدد من المقاعد فى ما يسمى إنتخابات برلمانية ، تبوأت الزمرة التحريفية ... العرش كحارس للدولة الرجعية. و كانت هذه الزمرة تعزز من خطوات توجيه الحركة الشيوعية النيبالية نحو الطريق الرجعي. و يعبر هذا أيضا عن إنجذاب الشعب النيبالي الى الحركة الشيوعية من جهة و عن خطر تصفيتها من جهة ثانية. فى هذا الظرف الحيوي للغاية بالنسبة للحركة، إنتظم الإجتماع الموسع الثالث للجنة المركزية الذى صار تاريخيا و بالغ الأثر و مثل الإجتماع الموسع و قراراته محطة ذات أهمية تاريخية مثلما عبر عن ذلك الرفيق جتبير عضو المكتب السياسي لما تحدث عنه ، بالنسبة للحركة الشيوعية النيبالية بأسرها عموما و بالنسبة لتاريخ حزبنا على وجه الخصوص. و قد قدم الإجتماع تلخيصا ماويا لتجارب التاريخ النيبالي و الحركة الشيوعية و الكفاح المسلح لأول مرة. و تبنى هذا الإجتماع التاريخي التحليل الطبقي للمجتمع النيبالي و خصوصياته ،ثم ، على هذا الأساس، صاغ خطة للإعداد النهائي و عرض علمي لإستراتيجيا و تكتيك و مراحل حرب الشعب النيبالية. و اليوم، يتكشّف أن التلخيص و الصورة الإجمالية صحيحان حتى مع السنوات الخمس من تجارب حرب الشعب العظيمة و هذا فى الواقع يمثل فهما أرقي للماركسية-اللينينية-الماوية تطور داخل الحزب بأسره و جوهريا لدى الرفيق براشندا.
و حذف الإجتماع لفظة "مركز الوحدة " من إسم الحزب إذ يفوح منها الحل الوسط و الكتلوية و سمي "الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي)" عوضا عن ذلك. و لم يكن التغيير فى الإسم مجرد تغيير تقني و إنما عكس جوهريا التجانس الإيديولوجي الذى ينبغى بناؤه على قاعدة تطور قيادة براشندا و نهاية الكتلوية و يبرز التغيير الإعلان التاريخي للحزب برفع الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ضد التحريفية و المساهمات العالمية لماو كنقطة إنطلاق له. و تبرز فى الواقع و نهائيا وحدة جديدة على الأرضية المرسخة فى الحزب. و أهمية فهم ذلك بشكل صحيح اليوم تظاهي حال الإستقطاب الثوري قبل هذا.
وعقب الإجتماع الموسع الثالث للجنة المركزية العظيم و التاريخي ، ساهم الحزب بأكمله و كافة التنظيمات المنضوية تحت رايته بحماس و ثقة تامين فى الإعدادات النهائية. فى صلب الحزب ، عقدت عديد الإجتماعات التكوينية تحت إشراف كل المكاتب و بمساهمة مباشرة من السكرتير العام . و قد لعبت دورا هاما فى إستيعاب جوهر القرارات المتخذة فى الإجتماع الموسع الثالث و القسم على الإنتصار. ثم لعبت الجبهة الشعبية الموحدة التى يقودها الرفيق جتبير دورا تاريخيا و هاما فى بث رسالة لبّ القرارات و الإعداد النهائي فى البلاد جميعها.و عبر التجمعات الشعبية المنعقدة على طول البلاد و عرضها ، تم حث الجماهير على العصيان. الى ذلك ، قاد الرفيق براشندا ، بصفته المسؤول عن اللجنة العسكرية المركزية ، بنفسه ، تدريبات تقنية عسكرية متنوعة من المستوى الأولى و تدريبات التحكم الأدنى فى اللوجستيك الحربي.
و بعد إتمام الإعداد الداخلي و الخارجي ، فى الإجتماع الأخير للجنة المركزية قبيل إنطلاق حرب الشعب ، قدّم الرفيق براشندا خطة تاريخية للإنطلاق و إلتزام الحزب بذلك. و على إثر نقاشات جادة ، تبنت اللجنة المركزية الخطة. مع ذلك ، ينبغى أن نشير الى أن اللجنة المركزية لم تكن لتنجح فى بلوغ مستوى مركزة القيادة و إن سلمت بالدور والأهمية الذين تتطلبهما إنطلاقة حرب الشعب. عوض ذلك، قادت النقاشات حولها الى بعض الشكوك و الفتور فى صفوف الرفاق المسؤولين فى المركز. و بما أن القيادة كانت واعية تماما للحيلولة دون أي خطإ أو ضعف فى تنفيذ خطة الإنطلاق لم يخلق ذلك أي مشكل.
فى النهاية ، توجّه جميع قادة الحزب و كوادره نحو ساحات عملهم بتصميم ثابت العزم بأن يضحوا بدمهم وأن يقاتلوا إلى أن يتحقق الإنتصار للشعب و بلوغ المنارة العظمى الشيوعية. و أخيرا ، أتـى اليوم التاريخي للثالث عشر من فيفري 1996 و إنطلق العصيان الهادر بطريقة حازمة و مخططة بتوجيه من المبادئ الثورية الماركسية-الللينينية-الماوية التى لا تقهر و تحت قيادة الطليعة السياسية للبروليتاريا وفق الظروف المتمايزة للبلاد. فعبّر الشعب المضطهد لآلاف السنين عن مشاعره بصورة رائعة عبر العصيان الذى مثلته حرب جديدة فى تاريخ الثورة الديمقراطية الجديدة ضد الإقطاعية و الإمبريالية.
ت/الصراع فى صفوف الحزب إثر إنطلاق حرب الشعب:
مع الشروع فى الكفاح المسلح بعد نضال سلمي و قفزة كبرى،تم تخطى التناقضات القديمة و برزت تناقضات جديدة و هذا ليس سوى مبدأ جدلي. أرعب إنطلاق حرب الشعب العظيمة دولة الرجعين و زعزع بقاياهم بزلزال عنيف ووضع أمامهم تهديدا بالقبر. و يبدو أنها هددت الحلم البرلماني للتحريفيين القدامى منهم و الجدد. و أفرزت أيضا موجات جديدة من الفضولية والإنجذاب الجديدين فى صفوف الجماهير. بيد أن الأعداء حاولوا قمعها فى المهد فتحولوا الى فاشيين متطرفين و أطاقوا حكم الإرهاب و الإيقافات و القمع و النهب والتعذيب و المجازر الجماعية. و حقق المقاتلون الثوريون أرقاما قياسية فى بذل النفس و التفاني و البسالة و التضحيات فى مقاومتهم. وركز الحزب إنتباهه ، فاضحا النفاق الرجعي و التحريفي ،على تلخيص الوضع الجديد و رسم خطط جديدة.
حتى قبل شهر واحد تحققت الأهداف السياسية و العسكرية مثلما عينتها الخطة الأولى. عندئذ تبنى المكتب السياسي الخطة الثانية لحرب الشعب كما قدمها السكرتير العام، الرفيق براشندا و بها تقييم جدي للوضع.
و شرح الإجتماع العام للجنة المركزية بإستفاضة الخطة مع بعض التلخيص الإيديولوجي الجدي كملحق بالخطة . و دخلت حرب الشعب بجلالتها و عظمتها سنتها الثانية .
فى مطلع السنة الثانية ، عانى بعض الرفاق المسؤولين الكبار بالمركز من إنحرافات فوضوية جدية. و صدمت
الفوضوية التى ظهرت فى فترة حساسة للغاية الحزب بأسره. فألحق إنحراف الرفاق المسؤولين الذين كانوا لعقدين حميميين ومتعاونين بالنسبة الى الحزب والحركة و إضطلعوا بدور له دلالته فى البناء الإيديولوجي بعد وحدة الحزب ، ضررا بالتطور الطبيعي لنفسية السكرتير العام ذاته. و تمخض هذا الحادث المركزي غير المنتظر فى مناسبات عدة عن شكوك أكثرمن اللازم . فى هذا السياق ، ساعدت تفاعلات واسعة للسكرتير العام مع الرفيق جتبير فى معالجة المشكل. لكن بما أن الحزب جميعه متحد تحت قيادة السكرتير العام ، الرفيق براشندا
و بما أن الرفاق المنحرفين عبروا عن التزامهم بالبقاء منضبطين إثر توبة جدية و نقد ذاتي ، جرى حل المشاكل بطريقة يسيرة نوعا ما. و لا شك ، إنجرت عن هذا الحدث خسارة كبرى للحزب الا أنه كمثال سلبي لعب دورا هاما فى نمو الطريقة الجدلية لفهم الصراع الداخلي للحزب و التعاطي معه. و قد ساعد على تطوير يقظة و حذر و ذكاء الحزب كافة. كون الرفاق المعنيين ماسكين بمسؤوليات مركزية و يعملون بصراحة و حماس فياض وثقة تامة و ينهضون بدور له دلالته فى تطور الثورة يبين روح الرفاق المعنيين من جهة و الرؤية الماوية للحزب بأسره و القيادة من جهة أخرى.
فى أواسط السنة الثانية من حرب الشعب ، إنتظم إجتماع اللجنة المركزية للحزب و نظر من جديد فى الخطة الثانية و ضبط الخطة الثالثة. و فى سنة من تطبيق الخطة الثالثة ، نمت الفعالية السياسية و العسكرية لحرب الشعب و توسعت و أشار هذا النمو و التوسع الى الحاجة لقفزة نوعية فى خططها. و مع نهاية هذه الخطة ، شنت الحكومة "عملية كيلو-سيرا2" الفاشية المتطرفة للإستئصال الجماعي. و تبعتها بحملة من الإغتيالات عبر البلاد كافة. و هكذا، أرغم الحزب على التفكير نوعيا فى الايجابي و السلبي فى آن . و آخذا بنظر الإعتبار حساسية الموقف، عقد الإجتماع الموسع الرابع للحزب ، من جهة ثانية.
حضور مائة بالمائة من الرفاق المعنيين و التصدى بنجاح للحملة الفاشية للعدو المسماة "كيلو-سيرا 2 " ، أثبتت فاعلية كسر طوق العدو. و تعزى تاريخية الإجتماع الموسع الرابع بالأساس الى أنه طور مفاهيما و ظروفا لنمو قواعد الإرتكاز فى النيبال ، و جعل الحزب متيقضا لإمكانية الإصلاحية داخل الجيش و خلق نوعيا مفهوم تشكيل جيش شعبي كما نظر فى حاجيات المحافظة على التدخل السياسي و العسكري على المستويات المحلية و المركزية ضمن الخصوصيات النيبالية و شدد على المركزة و تركيز قيادة كما يتطلبها تطور حرب الشعب الخ و شدد أيضا على سيرورة مقاومة العدو عن طريق مسيرات عبر البلاد، مسيرات شرع فيها منذ الإجتماع الموسع الرابع.
و وفرت نقاشات الإجتماع الموسع الرابع الملخصة فى شعار " السير قدما نحو بناء قواعد إرتكاز" توجيهات بليغة للتقدم العام لحرب الشعب فقرار مركزة القيادة مرتبط جوهريا إرتباطا لا ينفصم بالأهداف العظيمة لبناء قواعد الإرتكاز. و تدلّ قرارت الإجتماع الموسع الرابع هذه التى تبينت صحتها بالأساس أن الايديولوجيا الماركسية-اللينينية-الماوية تلخص داخل الحزب . مع ذلك ، تجدر الإشارة الى أمر جلل هنا هو أنه رغم أن الإجتماع الموسع الرابع تبنى بالإجماع قرار مركزة القيادة و تركيزها ، لم يوجد تجانس فى فهمه. فظهرت تيارات فى الحزب تعتبره إنتصارا و أخرى تعتبره هزيمة. و جعلت بعض التصريحات العلنية لثلة من الرفاق المسؤولين الموقف أكثر جدية و أخذت عدم الثقة و الشكوك تدبّان فى المستوى الحساس للغاية فى قيادة الحزب . و كما هو طبيعي ، صعّد التحريفيون و الرجعيون خارج الحزب من مؤامراتهم و دعايتهم لتعكير الوضع بنية إستغلال التيارات الإنتهازية المتنوعة التى طفقت تتحرك.
و بدأت العقلية التكتلية تظهر ببطئ. و تجاوزا لمثل هذا الوضع السلبي الذى تمادى لسنة تقريبا و معالجة للمشكل من خلال نقاشات مفتوحة وواضحة ، إنعقد إجتماع اللجنة المركزية. فحولت النقاشات الجدية وذات المستوى العالي و المفتوحة للغاية الوضع السلبي إلى وضع إيجابي و لامست مستوى آخر من الجدلية و لم ترسم حلا عاما للمشكل فحسب بل أسست وحدة جديدة على أساس جديد عبر سيرورة وحدة- صراع- تحويل. لذلك كانت فعلا صفعة قوية للتيار الإنتهازي داخل الحزب و الذى لم يكن يريد الوحدة و للعناصر الرجعية و التحريفية التى كانت تحلم بانشقاقاتنا. و نجم عن الوحدة الجديدة المؤسسة على قاعدة جديدة عبر النقاشات المفتوحة ثقة فى النفس لدى القيادة حول فعالية إستعمال الفكر الجدلي فى صلب اللجنة المركزية و الحزب كافة. و فى الواقع ، يعكس حل مثل هذا المشكل الجاد مستوى من الايديولوجيا المتطور داخل الحزب.
و أرسى تأسيس وحدة جديدة على أساس جديد أرضية إيديولوجية و تنظيمية ملموسة لتنفيذ "حملة تصحيح" كما حدد ذلك الإجتماع الموسع الرابع للجنة المركزية. و ضبط الإجتماع عينه الخطة الخامسة لحرب الشعب .
و تتبوأ فترة الخطة الخامسة التى نجحت فى رفع حرب الشعب بأكملها الى مستوى جديد من التطور مكانة هامة فى تاريخ حزبنا للأسباب التالية الذكر:
-1- عند بداية تطبيق هذه الخطة، إستشهد الرفيق سورانش وايغل( باشو) عضو المكتب السياسي بالنيابة فى غوركا. و إستشهاده العظيم ولد تحقيق أرقام قياسية جديدة فى التضحية فى حرب الشعب و ضاعف من نقمة الجماهير على الأعداء عبر البلاد بأسرها. و زاد من ترسيخ الصورة الثورية للحزب فى صفوف الشعب .
-2- فى أواسط الخطة الخامسة، نظمت اللجنة المركزية "حملة تصحيح " مما وطد الوحدة الإيديولوجية
و العاطفية للحزب. و الحملة التى شملت حتى أدنى مستويات الحزب طورت بالملموس الجانب الإيديولوجي
و فعالية الحزب فى القتال ضد الإنتهازية.
-3- فى خضم فترة هذه الخطة، تحققت نجاحات نوعية عالية الدرجة عسكريا فى جميع المناطق عموما و فى المنطقة الغربية على وجه الخصوص. حينئذ فتحت النجاحات المحققة فى الميدان العسكري و التدخلات السياسية مركزيا حول قضايا منها المفاوضات ، فتحت الأبواب أمام إمكانيات واسعة لحرب الشعب.
-4- فى غضون هذه الفترة ، برزت جميع أسرار و ميزات تيار آلوك كتصفوية "يسارية" و فضحها الرفيق براشندا بجهود نشطة و متصلة. و بالفعل فضح تيار آلوك و تلخيصه عبارة عن نجاح كبير ل"حملة التصحيح"
و بين بالمثال السلبي و أضاء و شحذ يقظة الحزب بأكمله و الجماهير. جوهريا ، تحقق إنتصار آخر للخط الثوري بقيادة الرفيق براشندا.
و نشأت الحاجة الى التلخيص الإيديولوجي لتجارب الصراع الطبقي و صراع الخطين ، معا مع النجاحات الأساسية المحققة طوال فترة الخطة الخامسة و إستجابة لهذه الحاجة ، قررت اللجنة المركزية أن تخوض نقاشا حول التلخيص الايديولوجي داخل الحزب و الحركة الشيوعية العالمية و إلى حد معين تشريك الجماهير فى ذلك أيضا؟ و جرى تبنى خطة إنتقالية لفترة نقاشات أجريت بهدف أخذ القرار النهائي فى الندوة الوطنية. و خلال تطبيق الخطة الإنتقالية السادسة ، تم النظر من جديد فى الوضع العام فى البلاد و إتخذ قرار الهجوم على مركز قيادة محافظة فى إجتماع المكتب الجهوى الغربي تحت قيادة الرفيق براشندا. علاوة على ذلك ، صيغت برامج ملموسة للتحركات العسكرية و التعبئة الجماهيرية كإمتداد للخطة السادسة.
و بهذا المضمار ، أثار الهجوم العسكرى على دوناي ، مركز قيادة محافظة دولبا ، مسائلا جديدة فى السيناريو السياسي العام للبلاد. فهذه العملية العسكرية تمثل عمليات عسكرية عالية المستوى لها دلالة عالمية ضمن النجاحات المحققة فى ظل قيادة الثوريين الماويين بعد إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين. و مع هذا النجاح ، تصاعد نوعيا إنجذاب الجماهير للحزب و إحتدت التناقضات و الأزمات فى صفوف الأعداء . بالضبط حينها ، لعبت السياسة الجديدة حول المفاوضات و الجبهة المتحدة التى قدمها مركز الحزب ، دورا هاما فى إنقسام العدو سياسيا. و ما يسمى بإجتماع الأعداء ضد حرب الشعب حطمه النجاح العسكرى و السياسي المشار اليه أعلاه
و فى واقع الأمر،تحول الإجماع بالمعنى المباشر ضد حكومة جيريجا الفاشية .و وجدت الحكومة الرجعية نفسها مضطرة فى الأخير لتدبير تمثيلية المفاوضات. و تطور الوضع مثلما توقع مركز الحزب.
و هكذا تطورت إمكانية مسك برامج وطنية للحزب و الجيش و الجبهة بشكل عظيم فى جو سياسي من إقتراب المفاوضات، غير أن جبن حماية النفس لدى الرفيق دينا ناث شرمي، هذا الجبن الذى فضحه الحزب أثر سلبيا للغاية على الوضع العام الذى كان ينمو بطريقة واعية و مخططة و عرى مؤامرة الحكومة و تفكيره الإستسلامي و بالتالي ، قرر الحزب فضح مؤامرة الحكومة و طرد ديناش شرمى من صفوف الحزب. فأنهي القرار فعليا الإضطراب و الشك و الإحباط الذين ظهروا داخل الحزب و المقاتلين و الجماهير الثورية و أفرز ثقة بالذات جديدة. و قرار طرد ديناش من الحزب و فضح جبنه على الملإ فى حماية النفس يعد تعبير أيضا عن نجاح آخر للخط البروليتاري الذى يقوده الرفيق براشندا.
رغم أن قضية ديناش ناقشت إمكانية مسك بعض البرامج بطريقة معينة بخلق جو سياسي معين ، إستمرت قرارات الحزب المتخذة بهذا الصدد و العمليات العسكرية عبر البلاد. فى هذا الاطار، كان للنجاح التاريخي للإضراب العام فى البلاد فى الأسبوع الثالث من ديسمبر ، بالغ الأهمية.
مع نهاية تطبيق الخطة الإنتقالية السادسة ، إرتفع أكثر نسق التطور و النضج الإيديولوجيين و تلخيصهما يجب أن يتم على نفس المستوى.
ث/ الوحدة الحزبية بين الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ) و الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) و دلالتها:
فى 26 ديسمبر 2000 أو الذكرى المائوية لماوتسى تونغ مؤسس الماوية ، تمت الوحدة بين الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) الذى كان يقوده الرفيق دينا ناث شرمي و ذلك على قاعدة الخط الإيديولوجي والسياسي .مثال الإستقطاب السياسي الثوري ضربه الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) فى ظل قيادة الرفيق دينا ناث شرمي ، المتمرس و المحنك و الشخصية الشهيرة فى الحركة الشيوعية النيبالية .
و دون شك ، لهذا المثال ، بعد الإنتفاضة ضد مجموعة موهان بكرام التحريفية ، دلالة بعيدة المدى . فالشجاعة التى أبداها الحزب الشيوعي النيبالي (ماشال) بروح عالية من المسؤولية للحاجة التاريخية للإستقطاب السياسي الثوري و البقاء أوفياء للمبادئ الثورية للماركسية-اللينينية–الماوية، فى وقت صعدت فيه كل الرجعية والعناصر التحريفية الجديدة والقديمة من هجماتها على حرب الشعب ، من كل حدب و صوب ، هذه الشجاعة ينبغى ألا تنسى من تاريخ الثورة النيبالية.
و لا ظل للشك أن وحدة الحزب التى أقيمت فى خضم قتال شرس لحرب الشعب العظيمة ستضطلع بدور رائد فى سيرورة الإستقطاب الثوري الجديد داخل الحركة الشيوعية النيبالية. و هذه الوحدة متميزة تماما عن مثيلاتها فى الماضي التى كانت فيها وحدة كتل واسعة و المساومة هي المهيمنة. ذلك أنها كانت وحدة حقيقية للثوريين من كافة الجوانب كالخط الايديولوجي و السياسي و الروح الثورية. و تقود الوحدة فرضيات علمية من المستوى الراقي : أن حرب الشعب العظيمة و الإيديولوجيا التى أقرت قيادتها هي مكاسب ليس لمجموعة واحدة معينة
و إنما هي مكاسب جماعية لكافة البروليتاريا العالمية و كل الثوريين الحقيقيين و المخلصين و الجماهير تعبر عن أول و أهم نجاح تحقق من أهداف التلخيص الإيديولوجي لجمع حلقات التاريخ المنفرطة.
جوهريا ، مثلت الوحدة صفعة قوية للرجعية و التحريفية و أفرزت مزيدا من الثقة بالنفس و الحماس لدى الثوريين مقرة أفكارا و أحاسيسا كما عبرعنها فى سيرورة الوحدة. و علينا أن نسرع من جهودنا و مبادراتنا لأجل توحيد الثوريين الذين ما زالت تخيب آمالهم قيادات تحريفية متنوعة و من هنا خلق موجات جديدة من الإستقطاب و جمع كافة حلقات التاريخ المنفرطة. فدون جهود جماعية للثوريين والجماهير الثورية لم تحرز أي ثورة كبيرة فى التاريخ الإنتصار و لن تحرز. و تتطلب الحاجة الكبيرة للثورة من الثوريين الحقيقيين و المخلصين التحرر من الفكر الفردى و الكتلوى و توحيد كافة الثوريين والجماهير برحابة صدر.
و الوحدة الحالية ينبغى رؤيتها كإمتداد للوحدة التاريخية للحزب التى تمت سنة1990 على أساس الخط الماركسي-اللينيني-الماوي الذى طوره الرفيق براشندا فى تاريخ الحركة الشيوعية النيبالية و سيؤدى التلخيص الإيديولوجي الذى سينتهى منه الحزب إلى مبادرة جدية و مسؤولة لتقدم آخر فى السيرورة. و نحتاج أن نقر بجدية الحقيقة العلمية بأن الخط الإيديولوجي و السياسي يحدد كل شيئ فإن كان صحيحا ، يمكن كسب كل شيئ و إن كان خاطئا يخسر ما إكتسب. و بإمكاننا رؤية الصورة الحية للحقيقة بالضبط أمامنا كما أنتجها و أدى اليها الخط التحريفي للمؤتمر الرابع : مجموعات و مؤامرات وسلسلة من الإنشقاقات لكن بالعكس ، أدى خط مؤتمر الوحدة الى الوحدة و حرب الشعب و سلسلة فى الثورة ، على أنه لا يجب أن نكون فخورين و لا فرحين. فلا تزال مشاكل و تحديات جدية قائمة أمام الثورة و لا زلنا نشكو من نقص فى الوعي البروليتاري و العادات البروليتارية و أسلوب العمل البروليتاري اللازمين لنجاح الثورة. و النضال ضد هذا النقص يتعين أن يتقدم . و بمقدورنا أن نخدم بصورة جدية الثورة البروليتارية العالمية بتطوير النضال و ضمّ كل حلقات السلاسل المنفرطة فى تاريخ الحركة الشيوعية النيبالية و توحيدها و تحقيق إنتصار للثورة. لأجل هذا علينا أن نكون فى غاية الجدية.
إن وحدة الحزب الحالية تشير إيجابيا الى إتجاه النهوض بهذه المسؤولية التاريخية. و الآن من اللازم للحزب بهذا الصدد أن يتحد لصياغة وحدة جديدة أخرى و قاعدة جديدة أخرى. و نحتاج الى أن نستوعب بعمق الأفكار و الأحاسيس التى جرى التعبير عنها فى إطار الوحدة بغاية إقتلاع السكتارية و ذهنية المجموعات و المؤامرة و الإنشقاق من الجذور.
و من الجوهرية بمكان أن نركز إنتباه الحزب كافة بالخصوص على الإستنتاجات التالية للتحليل العام للحركة الشيوعية العالمية و النيبالية و تاريخ الحزب. و توحيد فهم هذه الإستنتاجات يجب أن يكون هو درجة الوحدة اليوم.
1- بصدد الإستنتاجات حول ستالين ، ثمة مفاهيم ثلاث ، مفهوم تحريفي و مفهوم دغمائي و مفهوم ماوى . التحريفية المعاصرة تنبذ الرفيق ستالين كليا و الدغمائية تدافع عنه كليا ، غير أن الماوية تقيمه 70بالمائة صحيح و 30 بالمائة خاطئ. فى الحركة الشيوعية النيبالية، مع ذلك، يسيطر مزيجا تحريفيا فريدا متكون من التحريفية المعاصرة الخروتشوفية و الدغمائية الخوجية. و التحريفية النيبالية التى عبرت عن نفسها بالذيلية متخلية عن القيادة البروليتارية للثورة الديمقراطية البرجوازية تدافع عن وجهة نظر خوجية حول مسألة الحزب. لقد تناول ستالين الحزب وعالجه ليس كوحدة أضداد بل كميكانزم له وحدة صماء و متجانس و من ثم إرتكب أخطاءا ميتافيزيقية. و ماو لم ينبذ الأخطاء الميتافيزيقية فحسب بل طور أيضا نوعيا النظرية الماركسية-اللينينية-الماوية للعلاقة بين الصراع الطبقي و صراع الخطين و منهجية التعاطى معهما. لكن الحركة الشيوعية النيبالية أهملت لزمن طويل المساهمات العظيمة لماو. وعمليا ، بقي التيار الخوجي المتبع لأخطاء ستالين حول مسألة الحزب مسيطرا فى النيبال.
وبناءا عليه، ولد المنظور الميتافيزيقي للوحدة الصماء و المتجانسة سكتارية تكتلية و فكرا إنشقاقيا و سلسلة من المؤامرات فى الحزب و جري تجاوزممارسة الديمقراطية البروليتارية و المنهج الجدلي فى بناء المركزة على أساسه. فى النيبال ، مثل تيار موهان بكرام التحريفية الخوجية الأبرز و التى ترفض التعلم من أخطاء ستالين .
و نتيجة للصراع الحاسم ضد هذا المزيج التحريفي و للقطع معه تطور المفهوم الماركسي-اللينيني-الماوي حول مسألة الحزب بقيادة الرفيق براشندا. و بقدر ما يستوعب الحزب بقوة نداء الرفيق ماو للتعلم من أخطاء ستالين بقدر ما ستكون قدرته كبيرة على قيادة الثورة.
2- على قاعدة السجال الكبير مع التحريفية الخروتشوفية فى الحركة الشيوعية العالمية و الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين ، وجد أساس إيديولوجي ضخم و إمكانية وافرة لبناء حزب موحد يضم مجموعة بوشبا لال و التيار الثوري لإنتفاضة جهابا و الثوريين الصرحاء من المؤتمر الرابع، داخل الحركة الشيوعية النيبالية. لكن الإمكانية أهدرت و لهذا كان التحريفيون الموالون للملك و تفكير الموالين للبنشايات و نشاطات مانموهان وموهان بكرام كانوا المسؤولين الوحيدين و من جميع الأوجه. و هذا التقييم للحركة الشيوعية النيبالية من المتوقع أن يلهم جميع الثوريين الحقيقيين بكل البلاد الذين كانوا نشطاء بالأمس فى سبيل قضية الثورة فى مختلف المجموعات بأن يعيدوا التفكير. و ينبغى أن يكون جليا أن هذا التقييم التاريخي الإيديولوجي المعتمد على العلم يتوقع أيضا أن يوحد كل حلقات السلسلة التاريخية المنفرطة من أجل نجاح الثورة الديمقراطية الجديدة ضد الإقطاعية و الإمبيريالية. زيادة على ذلك، يرجى من هذا التقييم أن يرفع حزبنا نفسه الذى يقود حرب الشعب العظيمة النضال الى مستوي جديد ضد ألوان السكتارية و الكتلوية و التفاخر و التيارات الإنشقاقية كافة و أن يتخذ مبادرات جدية لتوحيد الحركة الشيوعية النيبالية بأسرها.
3- تعلمنا دروس الماركسية-اللينينية-الماوية و تجارب الحزب التاريخية أن وحدة الحزب بقيادة الرفيق براشندا فى العقد السابق مثلت قفزة جبارة فى إتجاه الثورة و بديلة جديدة كليا و ليست تغيرا كميا بالمرّة أو تحويلا لأي مجموعة من مجموعات الحركة الشيوعية النيبالية. و لم يكن الخط الإيديولوجي و السياسي الذى تبناه مؤتمر الوحدة بقيادة الرفيق براشندا إفرازا طبيعيا لتطور المؤتمر الرابع أو أي مجموعة فى ظله و إنما كان فى النهاية إفرازا لنضال مديد خاضه الثوريون ضد التحريفية الإنتقائية التى وجدت و للقطع معها. و يعكس هذا الخط الإيديولوجي و السياسي ،أساسا ، و بالنسبة لوقتذاك ، تلخيص تجارب الحركة الشيوعية النيبالية والى حد ما الشيوعية العالمية المعاصرة. موضوعيا ، هذه الوحدة بفذاذتها و خصوصياتها تجسد ، مثلما أشرنا أعلاه ، السيرورة التاريخية بعيدة الأثر و الهامة لجمع الحلقات التاريخية المنفرطة. ليست مزيجا من العناصر غير القابلة للذوبان بل سيرورة من التفاعلات الكيميائية تمخضت عن مادة جديدة نوعيا. إن لم يقع فهم هذه الحقيقة العلمية بصورة سليمة ، لن يكون ممكنا دفع عجلة الثورة الى الأمام لمآلها النهائي. و عدم الثقة و الشك و السكتارية البرجوازية الصغيرة ستضعف الحزب من الداخل.
4- إننا نتعلم من تجارب الحزب التاريخية أن الإجتماع الموسع الثالث للجنة المركزية يكتسى أهمية تاريخية من زاوية تطوير الأفكار المحلية الإستراتيجية و التكتيكية للثورة النيبالية.اذ وفر تطوير الحزب فى شكل الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و تلخيصه المفتاح الحقيقي و الأصلى لتحويل قوة وحدة الحزب الى قوة مادية ضد الأعداء و لتطبيق المبادئ العالمية للماركسية-اللينينية-الماوية على خصوصية النيبال. و أرسي الإعداد الداخلى و الخارجي لحرب الشعب المستندة إلى هذه القاعدة تأسيس المبادرة التاريخية لحرب الشعب. بالضبط قبيل الإنطلاق، سجلت اللجنة المركزية إلتزامات الحزب حسب فكر و روح قرارات الإجتماع الموسع الثالث . و أصدرت هذه الإلتزامات توجيهات جوهرية للمستقبل البعيد لحرب الشعب لها ليس دلالة وطنية فقط بل وعالمية أيضا.
5- نرى بصورة جيدة أن كافة الخطط إبتداءا من الخطة الأولى التى أعدت للإنطلاقة التاريخية لحرب الشعب وصولا الى الخطة السادسة أثبتت صحتها فى الأساس و طبقت بنجاح . و مع نهاية تطبيق الخطتين الخامسة فالسادسة و هجوم دلبا العسكري و إنعكاساته السياسية و قواعد الإرتكاز المطوّرة فى المنطقة الغربية و ترسيخ الحكومة الشعبية المحلية و النشاطات العسكرية و التعبئة الجماهيرية عبر البلاد و تأثير تدخل الحزب على المستوى المركزى ، أشارت كلها الى أن حرب الشعب فى كليتها بلغت مرحلة نوعية من التطور. و هنا بالضبط، ما لا ينبغى أن ننساه هو أن وراء هذه النجاحات، هنالك بذل نفس وتفاني لا يوصف للقادة و الكوادر
و المقاتلين الثوريين للحزب و الجماهير و تضحيات بالحياة للآلاف فى وجه إرهاب وفضائع فاشيي الدولة الرجعية و مؤامرات لا تحصى لعناصر تحريفية مختلفة. و كذلك ، ما لا ينبغى أن ننساه هو أن وراء تطوير الخطط و تطبيقها و نجاحها ، هنالك صراع هائل ضد ألوان متنوعة من الإستسلامية و المغامراتية و الإنحرافات البيروقراطية و الفوضوية و السكتارية الإنشقاقية و التبعية العمياء و الريبة و التيارات اليمينية و"اليسارية "
و التفكير الضيق و زعامتية الحزب و التصفوية "اليسارية" و ليس أقلها تيار آلوك الخ داخل الحزب.
و بسطت التجارب والنجاحات المحققة فى النضالات الداخلية و الخارجية الطريق للظروف الأولية للتلخيص الإيديولوجي للثورة النيبالية. عبر التجارب السلبية و الإيجابية للصراعات، نضج الحزب كافة و قيادته العليا إيديولوجيا و سياسيا و تطورت أفكار محددة حول الثورة النيبالية. و لزاما علينا أن نكون واضحين فى أن تجسيم التلخيص الإيديولوجي كان أساسي جدا لأن الحزب حقق نجاحات فى جميع الصراعات الهامة من وحدة الحزب الى يومنا هذا ، فى ظل قيادة الرفيق براشندا.
6- يبين التحليل أعلاه أنه من الضرورة بمكان إستخلاص الدروس عموما من الحركة الشيوعية العالمية بأسرها و بوجه خاص ، الكومنترن و التجارب الإيجابية و السلبية لدور ستالين بغية التقدم بالثورة فى أي بلد من عالم اليوم. و سعى الحزب لتقييم التاريخ جوهريا بالإستناد إلى والتحرك قدما إنطلاقا من الماوية و الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. من هنا، ينبغى أن نرتقى بالصراعات من منظور التقدم بالثورة العالمية فى القرن الواحد و العشرين.
حول أدوات الثورة الثلاث
1/ حول بناء الحزب :
لقد ناضلنا بصورة متصلة شاقة لنمكن الحزب من بلوغ الشيوعية عبر الثورات الديمقراطية و الإشتراكية
و الثقافية طبقا للمبادئ الثورية للماركسية-اللينينية-الماوية. فكان النضال الإيديولوجي المديد ضد التحريفية الذيلية التى تخلت عن قيادة البروليتاريا للثورة الديمقراطية ، التحريفية التى كانت مهيمنة داخل الحركة الشيوعية النيبالية ، كان هذا النضال الأهم. وإرتبط بالنضال ضد التفكير الميتافيزيقي الذى يمارس فكر الحلقية بتعلة الوحدة الصماء عوضا عن الطريقة الجدلية لتطوير الحزب من خلال وحدة الأضداد و صراع الخطين. و بالفعل، تقر وحدة الحزب التاريخية و خطها الذى يقوده الرفيق براشندا رؤية ماو للحزب و صراع الخطين الذى تطور فى خضم قيادة الثورة الثقافية الكبرى و قطعت بحسم مع التقليد المعتبر لفكر الحلقية حزبا وهو لم يزل مهيمنا داخل الحركة الشيوعية النيبالية و أرست قاعدة قوية لحزب ماركسي-لينيني- ماوي حقيقي.
رسخ مؤتمر الوحدة طريقة علمية لإدارة صراع الخطين على أرضية ملموسة و حقيقية إيديولوجيا وسياسيا فى مقابل التقليد المنافق لمعالجة الخلافات الشخصية و الجماعية بصراع إيديولوجي داخل نفس الخط التحريفي.
و تبعا لذلك ، دار أول صراع ضد التحريفية اليمينية التى سعت لتحويل الحزب الى أداة برلمانية قانونية فيه حرية التكتل و ليس قيادة موحدة للثورة معتمدا على إيديولوجيا معينة. وعمق الصراع الإيديولوجي الشديد الذى إمتد لسنوات ثلاث و الإنتصار الذى تحقق خلاله أكثر مفهوم الحزب الشيوعي المناضل من الطراز الجديد.
و صيرت جميع قرارات الإجتماع الموسع الثالث للجنة المركزية للحزب حزبنا حزبا ماويا كان قادرا على قيادة حرب الشعب. و رفع الإجتماع بقوة أن السياسة و الخط و البرنامج لا يتعين أن يعتمدوا على المفهوم التطوري التدريجي للقفزة و الطفرة و القطيعة مع القديم الخ. من منظور بناء الحزب ، تطوير هذا المفهوم ضرب بصورة حاسمة وبقوة الإرث الإصلاحي و رسخ العملية العلمية و الثورية لوحدة - صراع- تحويل .
و ما فتأ الحزب يشدد على دلالة العمل ضمن الجماهير عموما. و تمثل الممارسة الواسعة للعمل القانوني
و غير القانوني و المفتوح والسري و الصراع الجماهيري فى المدن عبر البلاد و الصراع الطبقي فى الريف خصوصية نظرتنا لبناء الحزب. و فى الواقع ، تبين هذه النظرة التطبيق العلمي للنظرة الماوية للخط الجماهيري لبناء الحزب .
و تسلح الحزب بإلتزاماته كما تبناها إجتماع اللجنة المركزية المنعقد قبيل الإنطلاق فى حرب الشعب ، تسلح إيديولوجيا ضد أي إنحراف إصلاحي من المحتمل أن يظهر مستقبلا. و قد وجه بالفعل الخط الجماهيري العام للحزب صوب الشيوعية. و الدراسة و التفكير المستمرين لكل عضو أو عضوة بالحزب تلهمه و تلهمها بأن يذهب و تذهب بالحزب و الثورة إلى غايتها الأخيرة و أهمية هذا عالمية.
غيرت إعصارات كل من الصراع الداخلي و الخارجي قبل حرب الشعب و بعدها نوعيا الهيكلة القديمة للحزب و طريقة عمله. فنهض أعضاء جدد و شباب من صفوف الفلاحين الفقراء و النساء و الجماعات الإثنية المضطهَدة و القوميات و الجماعات القومية المحلية و مناطق متخلفة بسرعة مع حرب الشعب بأعداد لا تتصور و اليوم أغلبية أعضاء الحزب طورتها حرب الشعب فى تقريبا كل المحافظات بالبلاد. و كما قال لينين ، حرفت سيرورة الثورة و حتى جردت عدد من أعضاء الحزب القدامي من جهة إلا أنها ولدت و طورت أعضاءا جددا بالآلاف من جهة أخرى. و حتى اليوم ، يمكن مشاهدة بقايا الكتلوية فى تفكير و سلوك وأسلوب عمل عديد أعضاء الحزب القدامي لكن لا وجود حتى لرائحة الإنحرافات و الأفكار المسبقة لدى الأعضاء الجدد. و الحزب يعتز بالضخ الصحى للدم للأعضاء الجدد.
فى نفس الوقت ، عقد الإجتماع الموسع الرابع للجنة المركزية و إتخذ ثلاثة قرارات هامة حول بناء الحزب هي إنجاز حملة تصحيح و مركزة القيادة و تركيزها على مستويات مختلفة و تسمية شباب فى اللجنة المركزية . وتبين هذه القرارات الثلاثة جميعها تطور النظرة الماوية للحزب حول بناء القيادة. و يشدد الحزب على تقنين ذلك كطريقة علمية للإبقاء على صحية ضخ الدم بالحفاظ على التنسيق المناسب بين القدامي و الكهول و الشباب . مقرا بعمق مبدأ الثورة الدائمة فى ظل قيادة البروليتاريا عبر القرارات، إجتهد الحزب فى تطويرالورثة الثوريين، ضد المركزية البيروقراطية و الفوضوية البرجوازية و هذه القرارات الثلاثة تعبر عن فهم راق للمركزية الديمقراطية البروليتارية.
و تبع حل المشكل الذى ظهر فى صلب الحزب إثر الإجتماع الموسع الرابع عبر النقاشات المفتوحة و المبادرة المركزية بحملة تصحيح و فضح تيار آلوك و فى الأخير، طرد الرفيق ديناناث شرمى من الحزب بإعتبار جبنه للحفاظ على النفس و تطورت وحدة حزبية جديدة و نضج نوعي فى فهم الطريقة الجدلية فى بناء الحزب من خلال الصراع الطبقي و صراع الخطين. و بفضل هذه الصراعات و الإنتصارات المحققة ، تطور مركز قيادة قوي بقيادة الرفيق براشندا كمحور لوحدة الحزب. على أساس الصراع ضد التيارات اليمينية و "اليسارية" و الوسطية و الإنتصار عليها ، جرى تلخيص الإيديولوجيا الماركسية-اللينينية-الماوية فى مركز القيادة و كانت مهمة إضطلع بها أعضاء الحزب كلهم.
و بالرغم من ذلك ، سيكون من الخطإ التفكير بأن تقدم بناء الحزب صار تاما ذلك أنه طبقا لمبدأ صراع الخطين ، تظهر حاجيات و مشاكل و تحديات جديدة و تتطلب مواجهتها التثوير المستمر للحزب. و من أجل التطور و النجاح على الحزب أن يركز على :
(أ) أننا لم ننته بعد من حملة التصحيح و إن بصورة نسبية :
فعلى الحزب أن يشدّد على إدخال تحسينات نسبية عليها. فنحن نخشى أن تكون الحملة سيرورة شكلية للتفاعل الإيديولوجي و النقد و النقد الذاتي . و المشكل موجود أكثر لدى اللجان العليا منه لدي السفلى و هذا يجب أن يوضع له حد. فى الواقع ، ينبغي أن يعكس لبّ التصحيح فى بلترة مادية و تنظيمية. لذا، على مركز الحزب أن يعمل على إنجاح سيرورة التصحيح التنظيمي و البلترة المادية بخطة و سياسة ملموستين.
(ب) على أساس التلخيص الحالي الجديد للحركة الشيوعية النيبالية و العالمية، على الحزب أن يسرع من جهوده لأجل إيجاد استقطاب سياسي ثوري. و لا ينبغى عليه أن يقلل من شأن أن قطاعا كبيرا من الثوريين ما زالت تخدعهم قيادات رجعية و تحريفية مختلفة. و لا يمكن لثورة حقيقية أن تكون ناجحة طالما لم يتم توحيدهم . و دون أي فخر و إنحراف ، يتعين علينا و بإستمرار التقدم بمبادرات مسؤولة بهدف جمع السلاسل غير المترابطة و تطوير حزب موحد.
(ت) وجد فى الحزب عدم تناسب ملموس فى دراسات تاريخ الحركة الشيوعية العالمية. مثلما تم تلخيصها أعلاه ، من الضروري للغاية تقييم كل من التجارب الإيجابية و السلبية للحركة الشيوعية العالمية لإستخلاص الدروس الصحيحة منها لظفر الثورة فى أي بلد من العالم . و من ثم على الحزب أن يكثف من دراسته و بحثه بطريقة مبرمجة.
(ث) من الضروري أن تؤخذ بكل جدية مقترحات و تشكيات و نقد مصادر متنوعة بأن تعاطي الحزب و علاقته بالشعب كانت بمثابة علاقة السيد بدلا من الخادم ، فى مناسبات و أماكن كثيرة. و مثلما يعلمنا ماو ، علينا أن نقبل الأشياء الصحيحة التى يقولها حتى الأعداء و على الحزب أن يشدد على الوقوف بصرامة عند المهمة الرئيسية ألا وهي خدمة الشعب فى أي وضع صعب و ليس أن يفرض الضغط و التدخل و الإثقال من أي نوع كان و فى أي مكان كان.
(ج) تطوير طريقة حياة بروليتارية بسيطة و العمل بنشاط أمر جوهري. و تناسب الإمكانيات و الطاقات الإقتصادية و المادية الممركزة داخل الحزب مع ظهور و تطور حرب الشعب و سلطة الدولة الجديدة من المتوقع أن يهدد الحياة البروليتارية و أسلوب العمل لدى الكوادر. إضافة إلى ذلك ، يضع صورة ممكنة لظهور طبقة رأسمالية ديمقراطية من جديد كما فى تجارب روسيا و الصين و خاصة الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و التقدم فى النضال ضد هذه التيارات.
(ح) يستلزم أخذ التطور المستقبلي للحرب و ضمان سلامة القيادة على مستويات مختلفة و بالأساس، المستوى المركزي ، و الهيكلة السرية للحزب ، أخذها بنظر الإعتبار مزيد التأكيد على الحزب أن يصير أكثر تنظيما و سلاسة . مقرين بأن نظام ضمان سلامتنا ليس نظاما علميا و قويا كما يجب ، لزاما على جميع لجان الحزب أن تتخذ مزيدا من المبادرات فى هذا الاتجاه.
2/ حول بناء الجيش و الخط العسكري:
ملخصا التعاليم العلمية للماركسية-اللينينية- الماوية المتصلة بالطابع الشمولي للعنف الثوري و النضال المسلح و حرب الشعب طويلة الأمد و بناء الجيش فى مجتمع طبقي و النقاشات حولها فى المجتمع النيبالي و التجربة الميدانية، طّور الحزب بناء الجيش و الخط العسكري النيبالي. و مستوعبا بجدية الوضع شبه الإقطاعي شبه المستعمر للنيبال و الحاجة لثورة ديمقراطية جديدة ، تبنى مؤتمر وحدة الحزب بقيادة الرفيق براشندا الخط العسكري لحرب الشعب طويلة الأمد ، مع الدور الإستراتيجي لقواعد الإرتكاز و حرب الأنصار المستندة الى إستراتيجيا محاصرة الريف للمدن.
بعد إلحاق الهزيمة بالتصفويين اليمينيين و طردهم من الحزب ، هؤلاء التصفويين الذين نعتوا الخط العسكري لحرب الشعب بأنه " متطرف" و " تيارعسكراتي" ، إنفتحت الأبواب أمام نمو إستراتيجيا و تكتيك حرب الشعب من منظور بناء الجيش و نمو الخط العسكرى و تكتسى القرارات التى لخصها السكرتير العام الرفيق براشندا فى الإجتماع الموسع الثالث للجنة المركزية الموقف الأوفر دلالة. فقد أثبت بعرض علمي لتاريخ النيبال أن شعب النيبال معتاد على النضالات العنيفة منذ زمن بعيد ووجد دورا عظيما لبذل النفس و التضحية و نضال شعبي عنيف وراء كل إصلاح أو حرية يتمتع بها اليوم. و قدم الإجتماع توجها لخط عسكري مستقبلي مع تقييم موضوعي للتجربة الإيجابية و السلبية للحركة الشيوعية النيبالية و النضال المسلح. و أيضا ، رسم الإجتماع خطة عامة ملموسة لبناء الجيش و الإستراتيجيا و تحديد الظروف الطبقية و الخصوصيات الجوهرية للمجتمع النيبالي و الوضع العالمي. و تبعا لذلك ، عين أربع مراحل ثانوية في مرحلة الدفاع الإستراتيجي وفق الخصوصية النيبالية. و معبرا عن أن حرب الشعب اليوم لا يمكن أن تتقدم إلا كحرب شاملة و أنه من اللازم القيام بذلك ، قدّم الإجتماع سلسلة تكتيكات واجبة الإتباع كالتالي:
" التشديد على النشاطات فى الريف لكن دون التخلى عن تلك بالمدن و أيضا التشديد على النشاطات غير القانونية لكن دون التخلى عن الإمكانيات القانوية أيضا، التشديد على بعض المناطق الإستراتيجية لكن دون التخلى عن المناطق الأخرى أيضا، التشديد على الصراع الطبقي فى الريف لكن دون التخلى عن النضالات عبر البلاد كافة أيضا ،التشديد على الإنتشار داخل البلاد لكن دون التخلى عن الدعاية على المستوى العالمي أيضا ، التشديد على نشاطات تكوين الجيش لكن دون التخلى عن نشاطات تشكيل الجبهات و المنظمات أيضا ، التشديد على التعويل على المنظمات و القوى الذاتية لكن دون التخلى عن وحدة الدعاية و الحصول على المساندة
و الدعاية من المجموعة العالمية أيضا ". هذا المبدأ التكتيكي كان من المفروض أن يميز سيرورة حرب الشعب النيبالية و التجارب أكدت علميته اليوم.
إنسجاما مع روح قرار الإجتماع الموسع الثالث ، إجتماع اللجنة المركزية المنعقد قبل أن تتخذ حرب الشعب من المناطق الجبلية من الشرق الى الغرب العامود الفقري لحرب الشعب، و إنسجاما مع الخصوصيات الثقافية و التاريخية و الجغرافية و مد شمال–جنوب ، حددت قيادات جهوية بهدف تحويل حرب الشعب الى إعصار من الجماهير المسلحة و صيغت حينها سياسة ملموسة لتطوير التنظيم العسكرى فى شكل مجموعات متطوعين نضالية و دفاعية. و مثلما كان متوقعا ، تتطور الآن كقوة عسكرية شعبية أساسية و كقوة إسناد أو إحتياطية و كميليشيا شعبية. وكذلك ، حدد الإجتماع نسبة العمليات العسكرية على مختلف المستويات عبر البلاد. و فى الأخير ، ناشرا عبر البلاد الشعارات الرئيسية مثل " من حق الشعب أن يثور " و " لنمضى قدما بإتجاه تأسيس نظام ديمقراطي جديد ضد الدولة الرجعية " ، إندلعت حرب الشعب بصورة عصيان فى 13 فيفرى 1996.
و يبين التوازن المحافظ عليه بين الخطة المركزية و التطبيق غير المركزي و بين العمليات عبر البلاد و إختيار بعض المناطق الإستراتيجية و بين التدخل السياسي على المستوى المركزي و العمليات العسكرية و بين النشاطات العسكرية و التعبئة الجماهيرية و النضالات الجماهيرية ، يبين خصوصية إستراتيجيا و تكتيك الحزب عسكريا. إثر تطبيق الخطط الثلاث فى ظل هذه السيرورة ، تطلب تسريع سير حرب الشعب خططا جديدة و نوعية. و تبعا لذلك ، ضبطت اللجنة المركزية فى إجتماعها الموسع الرابع خطة بناء قواعد إرتكاز.
و لم يعين الإجتماع الموسع الرابع الظروف الخاصة لبناء قواعد الإرتكاز، العامود الفقري لحرب الشعب طويلة الأمد فحسب و إنما شرح إيديولوجيا المنطقة الأنصارية و قاعدة الإرتكاز و نبّه الحزب إلى إمكانية ظهورإصلاحية فى المجال العسكري. و طوّر الإجتماع ، مؤكدا أكثر على قضية بناء الجيش ، مفهوم القوة العسكرية الأساسية و قوة الإسناد أو القوة الاحتياطية و المليشيا الشعبية. و قد صاغ سياسة عسكرية موحدة لضم القوى العسكرية الثلاث جميعها فى عمليات ممركزة و غير ممركزة حسب الحاجة. و متخذا قرارا بعيد الأثر بالنسبة للخط العسكرى، قسم الإجتماع الموسع الرابع البلاد بأسرها و حددها بما هي مصيرية كقواعد إرتكاز و مناطق أنصارية حولها و مناطق عمليات عامة حولها و المدن بما فيها العاصمة كمناطق دعاية.
استراتيجيا ، كانت قرارات الإجتماع الموسع الرابع توجه بالأساس كل النشاطات لإنهاء الخطة السادسة. و مع تطوير القوة العسكرية و ضمنها الهجوم العسكرى بدولبا عبر البلاد جميعها و تأثير ذلك على السياسة الوطنية و الحاجة لمواجهة القوة العسكرية الأساسية للعدو فى الخلفية ، واجه الحزب تحدى تطوير خطة نوعية فى الظروف الخاصة لبناء الجيش. و على أساس تلخيص صحيح لتجارب الماضي ، يحتاج الحزب الى ضبط خطط للمستقبل.
وهو يلخص مميزات الوضع العالمى و الوطني و حرب الشعب العظيمة ، يحتاج الحزب اليوم الى مزيد تطوير رؤيته لمسائل ايديولوجية جدية متصلة بالخط العسكرى. فالمسألة متمحورة حول إستراتيجيا حرب الشعب طويلة الأمد و محاصرة الريف للمدينة و الانتفاضة العامة. إنه لجلي تماما أن الإستراتيجيتين المعروفتين بنموذجي الثورة الروسية و الصينية إستراتيجيتان مختلفتان لبلدان فى مرحلتين مختلفتين من التطور. غير أن اليوم ، ثمة تغيير هام إن لم يكن جوهريا فى طبيعة الاختلافات بين هاتين الإستراتيجيتين العسكريتين. و دون إستيعاب هذا التغير بصورة صحيحة فان تطويربناء الجيش و الخط العسكري كما ينبغى سيكونان تقريبا غير ممكنين فى أي بلد من بلدان العالم .
إن تأثير نهاية الحرب الباردة و حالة ما يسمى بالعالم الإمبريالي الأحادي القطب و الرأسمال الإحتكاري الإمبريالي بتعلة العولمة فى بلدان ما يسمى بالعالم الثالث المضطهَدة فى العالم ، والتحكم المباشر فى إقتصاد كل بلد من بلدان ما يسمى بالعالم الثالث بتعلة الليبرالية و الخصخصة عبر المؤسسات المالية من البنك العالمي و صندوق النقد الدولي و الإستراتيجيا العسكرية العالمية التى أعدتها الإمبريالية على أساس التقدم الحاصل فى تكنولوجيا المعلوماتية و العلم بما فيه الألكترونيك الخ كلها جعلت من الضروري للبروليتاريا أن تلخص بجدية أكثر الإستراتيجيا العسكرية لحرب الشعب فى القرن الواحد والعشرين. حاليا ، الوضع الجديد يشير بوضوح الى التغير فى طبيعة التباين الإستراتيجي بين الانتفاضة المسلحة و حرب الشعب طويلة الأمد الى حدود ثمانينات القرن العشرين.
لا يجب أن يوجد أي خلط جوهري أبدا حول أن البلدان الإمبريالية المتطورة ينبغى أن تتبع بالأساس طريق الإنتفاضة المسلحة و أن تتبع البلدان المضطهدة لما يسمى بالعالم الثالث طريق حرب الشعب طويلة الأمد حتى اليوم. بيد أن التغير الذى حصل فى الوضع العالمى ، كما،مر بنا ، نجم عنه وضع يربط بالضرورة خصوصيات الإنتفاضة المسلحة و حرب الشعب طويلة الأمد الواحدة بالأخرى و بالاضافة الى ذلك ،ثمة حاجة للقيام بذلك. وبسبب هذا الوضع المتطور، كان من غير الممكن تقريبا التقدم بنجاح فى إستراتيجيا حرب الشعب طويلة الأمد و محاصرة الريف للمدينة و بناء قواعد الإرتكاز فى أي بلد من بلدان ما يسمى بالعالم الثالث ، دون إتباع عديد مميزات الإنتفاضة المسلحة و ذلك منذ البداية.
ينطوى الخط العسكري للإنتفاضة المسلحة العامة على بعض المميزات الجوهرية مثل التدخل المستمر للحزب السياسي للبروليتاريا فى مركز الدولة الرجعية على أساس الدعاية السياسية منذ البداية و تربية الجماهير
و ضمنهم العمال بإضرابات متواصلة و نضالات شوارع على قاعدة مطالب ثورية و تطوير العمل ضمن قوى العدو المسلحة و البيروقراطية بصورة مخططة و خوض نضالات سياسية مكثفة ضد المجموعات التحريفية و الإصلاحية المختلفة من المستوى المركزي و فى النهاية إفتكاك السلطة المركزية للدولة عبر الإنتفاضة المسلحة فى وضع عالمي و وطني مناسبين الخ. و إنه لبديهي أن بروليتاريا بلدان ما يسنى بالعالم الثالث يتعين أن تقر و تطبق مميزات الإنتفاضة المسلحة العامة المشار اليها أعلاه هي أيضا.
ما يمكننا معاينته من هذا الوضع هو ، بشكل عام ، أنه فى ظل التأثير المتباين لتطور المراحل الإستراتيجية لحرب الشعب طويلة الأمد و حين لا يوجد تدخل خارجي ، ينبغى تطوير قاعدة إرتكاز و ينبغى التقدم فى الإعداد للعصيان النهائي حتى فى مرحلة الدفاع الإستراتيجي و أن مرحلتي التوازن الإستراتيجي
و الهجوم الإستراتيجي سريعتان و قصيرتان و تمردية للغاية. وجدية هذا الأمر يمكن فهمها على خلفية التراجع الأخير فى حرب الشعب فى البيرو. أما فى حال تدخل عسكري خارجي ، فإن الحرب ستغدو حربا وطنية و حتي حينها سيرورتها الجوهرية ستتبع فى الأساس الإتجاه نفسه.
عندما ننظر فى تجارب حرب الشعب النيبالية ، يمكن أن نلاحظ مظهرا مختلفا لهذه السيرورة. فالتدخل السياسي المستمر فى مركز الدولة الرجعية و الإضرابات و نضالات الشوارع المستديمة و الحركات الجماهيرية الأخرى لمختلف الطبقات الشعبية و الدعاية السياسية ضد العناصر التحريفية و الإنتهازية و المبادرة التمردية لحرب الشعب و الهجمات العنيفة و الإضرابات العامة عبر البلاد بأسرها و فى الوقت نفسه و العمليات العسكرية وبناء الجيش و تطوير الخط العسكرى الخ، تبين العلاقة المختلفة بين الإستراتيجيتين. و بالتالي، ما يمكن التصريح به بوضوح هو أن حرب الشعب طويلة الأمد يمكن التقدم بها و يمكن تطويربناء الجيش و بناء قواعد الإرتكاز نوعيا فقط برفع إستراتيجيا إعداد العصيان إلى مستوى جديد. و لايعزى ذلك الى الوضع الوطني فحسب و إنما أيضا الى الوضع العالمي. لذلك أهمية التلخيص ستكون وطنية وكذلك عالمية. و التقدم العالمي
و فى آسيا الجنوبية و فى الثورة العالمية الذى ناقشناه أعلاه يشير الى ذات الإستنتاجات و بالفعل من غير الممكن المضي قدما دون تطوير هجوم عال و ممركز و خطط سياسية و عسكرية فى ظل كل خطة ضد العدو .من هذا المنظور ، يحتاج الحزب الى إدماج الإعداد للعصيان مع تطوير خطة عسكرية نوعية ضد الأعداء .
لهذا ينبغى على مركز قيادة الجيش و القيادة العامة أن يساعدا على التقدم فى تعبئة جيش البلاد فى ظل قيادة مندمجة و ممركزة و جاهزة لمسك كافة النشاطات الدفاعية و الهجومية. وعلى اللجنة المركزية أن تتبع طريقة معينة لتنظيم السيرورة بتسمية مركزية مما سيرفع من تطور بناء الجيش و الخط العسكرى الى مستوى جديد.
3/ حول الدولة الديمقراطية الجديدة و تطوير الجبهة المتحدة:
من ميزات التحريفية النيبالية أن تتحدث عن الجبهة المتحدة دون أن تطور نضالا ثوريا مستقلا بقيادة البروليتاريا كنقطة إنطلاق. و فى خضم النضال ، تطور المفهوم الثوري للحزب بصدد الجبهة المتحدة ضد مثل هذه التحريفية. مسألة السلطة السياسية مسألة محورية بالنسبة للثورة. و إذا لم يتم الصراع من أجل سلطة الدولة ، يغدو تطور جبهة متحدة ثورية حقيقة غير ممكن. فى الثورة الديمقراطية الجديدة ، قيادة البروليتاريا
و الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية الموحدة على قاعدة التحالف بين العمال و الفلاحين هي القاعدة الإيديولوجية الطبقية الوحيدة للدولة و الجبهة المتحدة. وإنفتحت أبواب تطورها فقط بعد أن فهم الحزب بقيادة الرفيق براشندا بحزم المفهوم الماوي الجوهري المشاراليه سابقا. و هذا المفهوم رسخ الأطروحة العلمية بأن قبل الإنطلاق فى حرب ينبغى لأهداف كافة أنواع التنظيمات و النضال أن تساعد على الإعداد لها و إثر إنطلاق هذه الحرب ينبغى أن تساعد على تقديم الخدمات لها.
لأول مرة بعد الإنطلاق التاريخي لحرب الشعب فى النيبال ، تتطلب مسألة سلطة الدولة و الجبهة المتحدة تطويرا خلاقا وفق خصوصياتها ، بما فى ذلك دراسة الطبيعة الناجعة لتأثيرها فى أقل من سنة من حرب الشعب. وشرع الحزب فى السيرورة بتبنى الأطروحة التى قدمها الرفيق براشندا بأن الدولة الديمقراطية الجديدة فى النيبال يجب أن تتخذ شكل جبهة متحدة طبقية و إثنية و جهوية. و يبقى المضمون النظري لهذا المفهوم متداخلا مع ضرورة دمج حركة التحرر الوطنى أيضا فى الحركة البروليتارية كما أكد على ذلك الرفيق لينين و الرفيق ماو. و فى الواقع، يعبر هذا المفهوم عن التطوير الخلاق لمبدأ رؤية الجبهة المتحدة الثورية فى هيكلة إجتماعية خصوصية فى النيبال و الهند حيث تهيمن الشوفينية الهندوسية الإقطاعية للكاست العليا.
مع دخول السنة الثانية ، أفرزت حرب الشعب وضع فراغ سلطة لا سيما فى غربي النيبال و فى مناطق ريفية عديدة. فى هذا الوضع ، من خلال خطته الثالثة ، إتخذ الحزب بعض القرارات الملموسة لتجسيم الدولة الديمقراطية المحلية فى شكل اللجنة الشعبية الموحدة. و عبر تطوير اللجنة الشعبية الموحدة ، أخذت الجبهة المتحدة النيبالية شكلا عمليا كتعبير قوي عن الدولة من مستوى الجذور و سيرورة تشكيل جبهات إثنية و جهوية على قاعدة الإعتراف بحق الأمم المضطهَدة فى تقرير مصيرها و برنامج الحكم الذاتي كذلك. و التدخل فى المركز السياسي و التعبئة الشعبية عبر البلاد و تطوير سيرورة نضال الشعب بأشكال متنوعة هي أحداث أخرى رائعة لا ينبغى السهو عنها.
فى الاجتماع الموسع الرابع للجنة المركزية ، ملخصا الوضع العام أعلاه كما إقترح الرفيق براشندا، قدم الحزب سياسات وطيدة لصيانة الدولة الديمقراطية الجديدة المحلية فى خصوصية النيبال و تعزيزها و توسيعها . و قد تحددت وفقا لذلك العلاقة الجدلية بين الجبهة المتحدة المركزية للتدخل السياسي المركزي من جهة و بين الجبهة المتحدة المحلية الموجودة فى سيرورة ممارسة سلطة الدولة و حسب التحديد ، إتضح أنه من الأساسي لتطوير جبهة متحدة أن نشدد على تطوير هيكل سلطة الدولة المحلية من نطاق القرية صعودا الى مستوى قاعدة الإرتكاز. و يلعب هذا دورا أساسيا أوليا فى صيانة سلطة الدولة الديمقراطية المحلية و تطويرها و تنسيقها .
و اليوم تمارس، وفق الأفكار التى طورها الإجتماع الموسع الرابع ، سلطة الدولة المعلنة على أصعدة محافظات مختلفة و غير المعلنة فى قواعد الإرتكاز. و تطورت وضعية الممارسة الأولية للسلطة الشعبية فى مستويات متباينة تحت كافة القيادات الجهوية و يقع التطوير التدريجي لجبهات إثنية متنوعة. فى نفس الوقت ، يتصاعد تدخل الحزب سياسيا ضد الدولة القديمة على النطاق المركزي و يتصاعد باستمرارإلى مستوى "التحاور" و "الدستور " و "الحكومة الموحدة الثورية".
و هذا يتطلب التفكير نوعيا فى التجربة المشار إليها أعلاه كما طورتها حرب الشعب و فى الوضع الوطني و العالمي الراهن ( كما لخصناه آنفا) فالتجربة جعلت من الجلي أن كلا من السيرورة الإستراتيجية و سلسلة التكتيكات متكاملتان مع المطلب السابق برفعهما الى مستوى جديد.
" إستراتيجيا تطوير الجبهة المتحدة الثورية كلجنة تنظيمية لحكومة الديمقراطية الجديدة قصد تنسيق الدول المحلية جميعها و قواعد الإرتكاز و كغزو سياسي منظم ضد العدو شيئ لازم. و سيتبع هذا النوع من الحكومة ، للمحافظة على مكاسب حرب الشعب ، سيرورة الإعداد الجماهيري العام من أجل الإنتفاضة الشعبية العامة تبعا لخصوصيات الوضع العالمي و الوطني الحالي. و يجب أن تشكل اللجنة المنظمة لحكومة الديمقراطية الجديدة بقيادة البروليتاريا و المؤسسة على سلطة دولة الشعب المحلية و قواعد الإرتكاز جبهة متحدة طبقية و إثنية
و جهوية ضد الإقطاع والامبريالية. و سيكون وفق برنامج الديمقراطية الجديدة ، وعلى جدول الأعمال الأولى للحكومة الجديدة أن تسن سياسة و ضوابطا و قوانينا ملموسة حول كل الجوانب الوطنية و الديمقراطية
و المعاشية و تكريسها فى قواعد الإرتكاز و سلطة الدولة المحلية و أن تتخذ مبادرة صلبة لتطوير الصراع فى مناطق أخرى ضمن القواعد. و ستطور اللجنة التنظيمية الحكومية الجديدة أقساما و وزارات مركزية مختصة إستجابة للحاجة لتحقيق الهدف. و كممثلة حقيقية لشعب النيبال ، ستشدد هذه اللجنة التنظيمية على تطوير العلاقات و الدعاية الدوليتين. و بينما تنجز مثل هذه الجبهة الإستراتيجية ، ينبغى أن تعتمد على أهمية التيار الوطني بإتساق مع الخصوصيات التاريخية للنيبال. و ستصدر اللجنة المركزية للحزب سياسة و توجيهات ملموستين بغرض الإضطلاع بالمهمة المشار اليها آنفا ".
فى ظل قيادة الرفيق براشندا ، طوّر الحزب النظرية التكتيكية المتعلقة بإستعمال التناقض بين الأعداء مع تطوير السيرورة الإستراتيجية للدولة و الجبهة المتحدة المشار اليها سابقا و تطوير الجبهة المتحدة التكتيكية لمركزة غزو العدو الرئيسي، مشيدين وحدة الشعب العامة الوطنية ضد ما يسمى الإجماع الوطني للأعداء. و اذا لم يجر الإعتراف بالأهمية النظرية التكتيكية بصورة صحيحة و أولي إنتباه خاص لتطويرها ، فإن بلوغ الهدف الإستراتيجي يصير غير ممكن. و يعبر تطور سيرورة النظرية التكتيكية ، جوهريا، عن قدرة الحزب على تطبيق المادية الجدلية و التاريخية فى الإطار النيبالي، بخاصة بقيادة الرفيق براشندا. و تعززت أهمية هذه النظرية التكتيكية بشكل كبير فى الوضع الدولى للإمبريالية أو الهزيمة العالمية التى واجهتها البروليتاريا فى صراعها من أجل سلطة الدولة اليوم.
كي تلتحق الجماهير الواسعة بالثورة ، تترجم نظرية التكتيك الحزبي بتسلسل الجبهة المتحدة التكتيكية من الأعلى الى الأدنى، ماسكين سلاح الحوار و النقاش المتعلق ببناء الدستور و شعار حكومة ثورية متحدة و النقاش مع مختلف الأحزاب السياسية و النقابات و المؤسسات و الشخصيات الوطنية و دراسة التناقضات و طريقة إستعمالها الخ لصالح الثورة. إستخدامه بصورة جديدة جوهريا ستتم الإشارة إ ليه فى خطتنا المستقبلية.
4/ حول الخط الجماهيري للحزب:
مُقرا المبدأ الماركسي-اللينيني-الماوي الشهير : " إن الشعب و الشعب وحده هو القوة المحركة فى خلق تاريخ العالم "، طوّر الحزب خطا جماهيريا عاما يتماشى مع الأوضاع الخاصة بالنيبال. وهو يلخص السيرورة التاريخية للإنتفاضة الجماهيرية العامة ، أكد الحزب تأكيدا شديدا على تنظيم طموح الإنتفاضة الجماهيرية. و إنه لتحريفية أن نتكلم عن التعبئة الجماهيرية و الخط الجماهيري دون هدف سياسي أي دون إفتكاك سلطة الدولة بواسطة حرب الشعب. و فى النهاية ، يرتبط الخط الجماهيري الثوري لحزبنا ، بصورة لا تنفصم ، بالصراع الإيديولوجي الشرس ضد التحريفية ذات الجذور العميقة فى الحركة الشيوعية النيبالية، هذه التحريفية التى تتحدث عن ما يسمى بالنضال الجماهيري على قاعدة المطلب الإصلاحي دائرة فى مجال الدولة الرجعية القديمة. و أخذ الخط الجماهيري الثوري يتطور بسرعة فقط بعد أن جري رسم الخط الثوري بقيادة الرفيق براشندا و تبناه و رسخه مؤتمر الوحدة.
و مع تطور هذا الخط، أطيح بالقوة بالإصلاحية التى سيطرت لعقد والتى ما إنفكت تضلل الجماهير بإستعمال الإنتفاضة الجماهيرية وطموحاتها لتغيير كلي إستعمالا على غير ما يجب لإصلاحات عادية أو تغيير ضئيل الأهمية فى شكل دولة رجعية قديمة. و يعنى هذا أن فحوى الخط الجماهيري ، قبل إنطلاق حرب الشعب ، هو الإعداد لها و ثم خدمتها. و فى إطار تطويرالخط الجماهيري للحزب، لا يمكن كذلك نسيان الصراع ضد الدغمائية السكتارية التى تحط من قيمة الحقيقة العلمية " ثق بالجماهير العريضة فى أي ساعات شدة و كن بين ظهرانيها ". و قد فهم الحزب الأطروحة الماوية المتصلة بالخط الجماهيري بأعمق مستوي ، عليه أن يواجه الإنعزال عن الجماهير مهما كانت الأوقات عصيبة. و هكذا كان الحزب أبدا يصر على الأطروحة التى مفادها أن الخط الصحيح يوجد دائما فى القضية الأسمى للشعب و الخط لا يمكن أن يكون صحيحا إلا إذا إلتحم بالقضية الأسمى للشعب.
و إعتمد خط الحزب و لا يزال على العلاقة الجدلية بين إعداد الأرضية لإنطلاق حرب الشعب عبر النضال الجماهيري للتعبئة الجماهيرية و أشكال متباينة و بصورة أوسع تعبئة الجماهير عبرها فى ما بعد و قد رفعها الى مستويات جديدة من خلال مراحل تطور مستمر. و بات إفتكاك سلطة الدولة بالعنف الثوري الهدف الأساسي للعمل الشعبي الذى أرساه حزبنا اليوم. و فى إنسجام مع هذا، كان للتنظيم العسكري لمختلف المستويات الشكل الأساسي للتنظيم و كانت العمليات العسكرية على أصعدة مختلفة الشكل الأساسي للصراع. و تطور سيرورة تسليح الجماهير كقوى أساسية و ثانوية و قاعدية و تنوع العمليات الأنصارية يبين ذلك.
و لم يكف الحزب عن التشديد بإستمرار على مهمة تطوير الشكل الأساسي لتنظيم النضال كجزء هام من الخط الجماهيري. وتعمل سياسة الحزب الجوهرية على التسريع فى هذه السيرورة بهدف تنظيم الجماهير الواسعة. بهذا الشأن يطبق مشروع قواعد الإرتكاز اليوم لا سيما فى المنطقة الغربية و يجرى تنظيم الجماهير العريضة فى أي تنظيم وفق الحاجة. و بالنسبة لنا ، من الضروري التعجيل بإستمرار فى تكريس الأطروحة العلمية القائلة بأن " الجماهير العريضة المنظمة هي الحصن الحديدي فى الصراع ضد العدو".
مدركين الواقع الطبقي الشعبي المتغير حسب طبيعة الثورة و خصوصياتها ، من واجبنا أن نطور الخط الجماهيري على قاعدة النظرة الطبقية. و تبعا لذلك ، مع إستيعاب واقع أن طبقات أخرى و شرائح أخرى من الشعب، بإستثناء الطبقة الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية و الكمبرادورية ، هي جزء من الشعب فى هذه المرحلة من الثورة الديمقراطية الجديدة ، بات دفع التعبئة الجماهيرية و البناء التنظيمي المهمة الجوهرية للحزب اليوم. و فى إرتباط بهذا ، إتخذ تنظيم الفلاحين عموما بما فيهم الفلاحين الفقراء سرعة نوعية يمكن ملاحظتها بيسر. و كون الفلاحين هم مصدر القوة العسكرية الأساسية و الثانوية و القاعدية تحت قيادة الحزب و قاعدة صيانتها و تطويرها يبين دور الفلاحين فى الثورة الديمقراطية الجديدة . فالهدف الأهمّ بالنسبة للخط الجماهيري للحزب هو فعليا تنظيم الفلاحين و تثويرهم بالفهم الصارم للعامل التاريخي و مفاده " لا قوة فى العالم بإمكانها أن تقف فى وجه فلاحين متحدين " و قبول توجيهات الماركسية-اللينينية-الماوية بصدد صرخة : " تنظيم الفقراء لا يقهر".
إثر الإنطلاقة التاريخية لحرب الشعب فى النيبال ، المكسب المجيد فى التقدم بسرعة مذهلة هو تطوير الحركة الثورية النسائية . فوقعت الدولة القديمة و مسيروها فى دوامة من المفاجأة و الذعر تحت التأثير الذى خلفته حرب الشعب على نصف السكان الذى يرزح على نحو مزدوج تحت فظاعات الإستغلال الطبقي و الجندري. سرعة توسع التنظيمات النسائية الفلاحية الريفية و تصاعد الأرقام القياسية فى بذل النفس و التفاني و الشجاعة
و التضحية التى إجترحتها ضد الأعداء عبر البلاد و بالأساس فى مناطق الصراع ضمنت إنتصار حرب الشعب و الثورة العامين . بالمقارنة مع الرجال ، قدرة مقاومة النساء الأعلى لإضطهاد العدو و فظائعه و منها التعذيب و النهب الهمجي كشفت بجلاء القوة الكامنة الأعجوبة لدى النساء فى العصيان. و اذا أدركنا بأكثر صرامة علم الماركسية المعتبر أن مساهمة المرأة هي معيار نجاح أي ثورة كبرى فى التاريخ ، تبين أن ذلك مظهر آخر من صحة الخط الجماهيري للحزب فى المساعدة على رفع الوعي البروليتاري فى سيرورة العصيان. و ستكون السياسة الأساسية للحزب بهذا الشأن المضي قدما فى فهم الواقع التاريخي بأن القوانين و القيم الديمقراطية
و الإشتراكية لا يمكن ترسيخها إلا عندما يتم تحطيم القيم و المفاهيم والقوانين البطريكية و الإقطاعية بما فيها القوانين البرجوازية حول الجنس و الزواج و الملكية الخاصة ، بل إقتلاعها من الجذور بمشاركة النساء فى الثورة .
إن الدراسات الجادة لتطور الخصوصيات التاريخية للمجتمع النيبالي و رسم السياسات الإثنية و الجهوية على أساس النظرية العلمية الماركسية-اللينينية-الماوية و تطبيقها جزء هام آخر من الخط الجماهيري للحزب. و إن ضمان تقدم الأغلبية الكاسحة لمجموع السكان ضحية الإستغلال و القمع و الميز و تحريرها من الكاست الإقطاعية الهندية الشوفينية للدولة الرجعية التى عمرها قرنا ، هذه الأغلبية المحرومة من الحقوق الإقتصادية و السياسية و الدينية و الثقافية، هو غاية سياسة الحزب الإثنية و الجهوية. و الإعتراف بحق القوميات المضطهَدة فى تقرير مصيرها و برنامج إرساء حكم ذاتي قومي يوضح السياسة البروليتارية للحزب بهذا المضمار. و لقد تم التشديد على أن هذه السياسة تعبر عن خصوصية عصر الإمبريالية و الثورة البروليتارية حول إلتحام الحركة الثورية البروليتارية و حركة التحرر الوطني فى خصوصية المجتمع النيبالي. و ما فتأت السياسة التى ترمي الى تطوير جبهات و تنظيمات للقوميات و الجهات المضطهَدة و التى تضمن مشاركتها فى الدول الديمقراطية الجديدة المحلية و المركزية تضطلع بدور تاريخي هام و ينبغى أن تضطلع بذلك فى جعل الجزء الجبار من المجتمع النيبالي يقفز الى مسرح السيرورة السياسية.
و تمثل هذه السيرورة وحدها الطريقة العلمية لجعل ملايين القوميات المضطهَدة و منها الماغار و الغورونغ و التامانغ و الراي و اللمبو و التارو و النيوار و كرنا للى براداش تشارك فى المسيرة العظيمة للثورة. و قد قام بتقييم للأهمية البالغة الإقتصادية و السياسية لتاراي ، يؤكد الحزب على برنامج الحكم الذاتي الجهوي لمجموعة المادهيشى ضد ميز الدولة القديمة و إضطهادها. و يعطى الحزب أولوية كبيرة لإشراك المدهيشى فى الثورة و الأهمية التاريخية لذلك تتجسد فى تطوير الوحدة الوطنية النيبالية ضد الرأسمالية الإحتكارية الهندية. و يؤكد الحزب كذلك على سياسة تنظيم الدليت و تثويرهم. و هم مجموعة إثنية مسحوقة تتحكم فى الأعمال الأساسية و تعد أكثر من 15 بالمائة من السكان إجمالا لكنها الأكثر إضطهادا و عرضة لفضاعات غير إنسانية للدولة القديمة و تنظيمها يتم لغاية معركة المساواة و الحرية. هذه ميزة من ميزات سياسة حزبنا فى علاقة بالداليت ، فى سبيل ضمان حريتهم و مشاركتهم فى الدولة بإمتياز.
بعد إنطلاق حرب الشعب ، تقدم هذا الجزء من الجماهير هو الآخر بسرعة فى سيرورة العصيان . و يسعى الحزب لمزيد التأكيد على ضرورة تطبيق سياسات الحزب بصورة فعالة حول الخط الجماهيري المتطور وفق الخصوصية النيبالية. و تشكل سياسة الحزب المتعلقة بالطلبة و العمال و الأنتلجنسيا و الأساتذة الخ تعبيرا آخر عن الخط الجماهيري الثوري له دلالته. و بإستمرار دفع الحزب نحو تطوير الحركة الطلابية كحاملة للتغيير الجذري ، ملخصا تجارب التقاليد النضالية للطلبة –الشباب فى الحركات الثورية فى كافة البلدان عموما و فى تاريخ النيبال بخاصة. و قد لعبت جبهة الطلبة دورا لا ينسى فى الماضى عبر البلاد وذلك فى إعداد أرضية إنطلاق حرب الشعب و بعد ذلك فى خدمتها. و إنه لأمر جوهري لدى الحزب التقدم بطريقة مخططة وواعية فى الثورة بالوضع المادى و المعنوي للطلبة الشباب الذين إستوعبوا الوعي الجديد و ضرورة التغيير و لبّ العصيان بأكثر الصور طبيعية. و قد كشف الإضراب العام الناجح طوال أسبوع والذى دعت اليه الجبهة الطلابية ، كشف جميع المؤامرات التربوية للدولة القديمة و كشف قوة الجبهة الطلابية و حتى الآن يشعر الحزب بالحاجة الى إضافة تشديد أكبر على التقدم فى مهمة هذه الجبهة رابطا الإعداد للإنتفاضة العامة المستقبلية و القوة الإحتياطية فى تطور متّصل لحرب الشعب. و تبين العلاقة التى لا تقبل الإنفصام بين الطلبة و الفلاحين عبر النيبال الدور التاريخي الذى يمكن للطلبة أن ينهضوا به فى الإعداد للإنتفاضة.
و ما إنفك الحزب يطوّر خط حركة العمال الثورية أثناءالصراع الإيديولوجي ضد البرلمانية و النقابوية
والإصلاحية الإقتصادوية فى الحركة النقابية. و الجبهة العمالية ، معا مع التحويل الثوري ، ما فتأت تقدم السند المباشر لسيرورة حرب الشعب منذ البداية و نظرا للتأثير الإصلاحي للنقابوية القوية و العلاقة الثنائية للغالبية الساحقة لعمال النيبال بالنظام الفلاحي و نظام الإنتاج الحديث ، فإن هذه الجبهة لم تبلغ بعد السرعة النوعية .
و سيبذل الحزب جهدا خاصا للتقدم بالجبهة العمالية مثلها فى ذلك مثل الجبهة الطلابية و لإلحاقها كذلك بإعداد الإنتفاضة العامة المستقبلية.
و يحثّ الحزب بإستمرار على التحويل الثوري لجبهة المثقفين و الأساتذة وفق الخط السياسي و الفكر الثوري . و جوهر سياسة الحزب هو إستيعاب الدور الهام للأنتلجنسيا فى الثورة و النضال المتصل ضد الطابع المتذبذب و الفوضوى و الفردى الملازم للأنتلجنسيا كما صاغته الجدولة القديمة . فقبل حرب الشعب التاريخية و حتى بعدها، لعبت جبهتا الأنتلجنسيا و الأساتذة بالتأكيد دورا هاما. لكن مقارنة بما يلزم ، فإن هذا غير كاف بشكل كبير. و مشكل التحويل البيروليتاري الثوري هو المشكل الأساس فى تطوير هذا النوع من التحويل .
و منذ البداية ، كان الحزب يؤكد على التقدم بالجبهة الثقافية كجهاز هام آخر لخطه الجماهيري. و يولي الحزب أهمية كبرى للنشر و أساسا للدور التاريخي الذى نهضت به الجبهة الثقافية فى إنطلاق حرب الشعب من خلال فرق و مجموعات ثقافية منتشرة عبر البلاد. ساهم مثل هذا اللون من النشاطات الثقافية مباشرة فى تشريك ملايين الجماهير فى السيرورة الكبرى للثورة إيديولوجيا و وجدانيا. و بعد الإنطلاق التاريخي لحرب الشعب، تطور إجمالا جيش ثقافي عظيم اليوم بواسطة التطوير المستمر للمقالات والتأليف و النشر للشعراء و الممثلين على النطاق المركزي و عبر موجات تطوير الفرق و البرامج الثقافية فى البلاد بأسرها. و يسعى الحزب لدفع مسألة التحويل الثوري لقيادة الجبهات بتعلم الدروس من التجربة التاريخية و تعاليم الماركسية-اللينينية-الماوية .
و بخصوص الحاجة إلى التطوير السريع لحرب الشعب ، يولى الحزب أهمية من الدرجة الأولى لتطوير ونشر الروايات و أشرطة الفيديو و الكاسات المعتمدة على التعزيز التنظيمي و تجربة الحرب. و أثبتت التجربة أنه عندما نتعاطى بطريقة صحيحة مع مهمة الجبهة الثقافية ، يحصل تقدم نوعي فى الإعداد للإنتفاضة المسلحة العامة المستقبلية و الإرتقاء الى مستوى جديد. و الحزب يركز إنتباهه على هذا الإتجاه.
و قد تبنى الحزب عودة ملايين النيباليين الباحثين عن عمل فى الهند كميزة لمجتمع النيبال لها دلالتها و بالفعل، لا يمكن تصور نجاح حرب الشعب النيبالية و الثورة لو فصلنا عن النيباليين المقيمين فى الهند. فى الإجتماع الموسع الثالث للجنة المركزية بقيادة الرفيق براشندا ، مدركا هذا الواقع ، أشار الحزب الى دور النيباليين المقيمين فى الهند بالإعتماد على الخصوصيات الإستراتيجية للبلاد. و إضطلعت و لا تزال الجبهة النيبالية الموجودة فى الهند بدور بليغ الأثر فى السيرورة التاريخية لإنطلاق حرب الشعب و بعدها فى سيرورة تطورها العام. فقامت الجبهة النيبالية فى الهند بمساهمات فى الحزب و حرب الشعب بعديد الإعانات الهامة التقنية منها
و التنظيمية و بنشاطات أخرى مثل تنظيم الشعب النيبالي و تثويره حسب روح حرب الشعب و الدعاية لحرب الشعب فى النيبال فى صفوف الشعب الهندى ، فى تحالف مع أحزاب و منظمات و مؤسسات متضامنة معها . كما نظمت تجمعات إحتجاجية و مسيرات و غيرها من برامج مقاومة إرهاب الدولة الرجعية و عودة الى البلاد فى نشاطات مساهمة مباشرة فى التحركات إن لزم الأمر. و سيواصل الحزب بذل الجهود بغية جعل هذه الجبهة أوسع و أكثر فاعلية تماشيا مع التحويل الثوري كتعبير عن الخط الجماهيري. و دفع الحزب و لا يزال يدفع نحو تنظيم رابطة الشباب الشيوعي فى شكل مصنع تخريج كوادر للمساهمة إيديولوجيا و ماديا فى سيرورة الثورة .
فى علاقة بهذا و نحن ندرك الأهمية السياسية للدعاية ، لزاما علينا أن نجعل النشر الداخلى و الخارجي منتظما. و تبعا للمميزات الجديدة للعصر ، سيشدد الحزب على التعاطى مع النشر و الدعاية بأكثر علمية .
و هكذا طور الحزب و لا يزال الخط الجماهيري الماوى لإستنهاض أوسع الجماهير و تنظيمها و تنويرها بطرق أسرع و أفضل فى سبيل نجاح حرب الشعب و الثورة. فكانت تجربة خمس سنوات ملهمة لهذه السيرورة للمضي قدما الى مستوى أرقى. و ليس من عدو فى العالم بقادر على إلحاق الهزيمة بنا طالما واصل الحزب العمل وفق هذا الخط الجماهيري الثوري.
مكسب عظيم : طريق براشندا :
صاغ الحزب كفصيل من فصائل البروليتاريا العالمية خط الثورة النيبالية فى خضم صراع طبقي و صراع بين الخطين بإلإستناد الى المبادئ العالمية للماركسية-اللينينية-الماوية. فكان هذا أول و أهم مكسب للثورة النيبالية فى إتجاه تشكيل الأفكار . وإبتدأت حقبة تاريخية جديدة فى 13 فيفري 1996 مع الإنطلاقة التاريخية لحرب الشعب بقيادة هذا الخط نفسه و الهدف و التصميم العظيمين على بلوغ الشيوعية عبر الثورات الديمقراطية الجديدة فالاشتراكية فالثقافية. فى ظل قيادة الحزب ، مثلت هذه المحاولة التاريخية فى حد ذاتها قفزة نوعية عظيمة أخرى فى إتجاه الدفاع عن الماركسية-اللينينية-الماوية و تطبيقها و كشف القوانين الخصوصية للثورة النيبالية. و اليوم ، تلخيص تجربة خمس سنوات إعصارية لحرب الشعب إرتقى الى جملة من الأفكار القائدة للثورة النيبالية و القائمة على الماركسية-اللينينية-الماوية . و هذا مكسب عظيم لخمس سنوات من حرب الشعب .
و قد شيد هذا المكسب العظيم على أساس متين ألا وهو تاريخ لا يقدر بثمن من الأسى و الألم و الجسارة و الشجاعة و التضحية و التفكير العميق لملايين الجماهير و المقاتلين الثوريين.و قد حققنا هذا المكسب بثمن الدماء التى روت الأرض ، دماء آلاف من أفضل أبناء و بنات الشعب النيبالي. و قد تحقق هذا المكسب عبر المساهمة المتسقة للحزب كله و القوى اليسارية و التقدمية و الوطنية و الديمقراطية ، الى جانب الحركة الأممية الثورية و كل الشيوعيين الثوريين عبر العالم. فى خضم هذه السيرورة ، قاوم الحزب حملة مجزرة النظام الرجعي و فضح الخيانة و الأكاذيب التحريفية و كذلك الإنحرافات داخل الحزب ذاته و قاد جميع الصراعات بنجاح متمسكا بالماركسية-اللينينية-الماوية . و بفضل هذه القيادة الناجحة ، تطورت اليوم جملة من أفكار الحزب وكذلك مجموعة من القادة ذوى الجدارة فى المستوى المركزي و قطاع لامع من آلاف الكوادر والورثة الثوريين.
بفضل القيادة الصحيحة و المتسقة للسكرتير العام الرفيق براشندا ، تطورت مراكز قيادة بروليتارية قوية، رافعة وحدة الحزب الى قمة هذا التلخيص الإيديولوجي. لذا ب" طريق براشندا" يقصد الحزب جملة الأفكار التى تطورت على أساس تعبير ممركز للقيادة الجماعية. و قد تطور فى إطار نقاشات مطولة داخل الحزب و خارجه وفى صفوف الحركة الشيوعية العالمية و من أهمها المستوى الراقي من التفاعل النظري مع لجنة الحركة الأممية الثورية. و يعبر طريق براشندا ، بإثرائه الماركسية-اللينينية-الماوية ، عن جملة من أفكار الشعب النيبالي التى إتخذت شكل طريق براشندا و التى ستقود الخط الجوهري لمسيرة تقدم الثورة النيبالية.
الماركسية-اللينينية-الماوية علم البروليتاريا فى الثورة الإجتماعية و بما هي علم فإنها تخدم الصراع الطبقي من أجل تغيير العالم و ملخص تجارب الحزب هو طريق براشندا الذى هو تطبيق للمبادئ العالمية للماركسية-اللينينية-الماوية على الثورة النيبالية. و يعتمد تلخيص التجربة النيبالية على العلاقة الجدلية التى لا تنفصم بين المضمون الأممي و التعبير الوطني ، وبين الشمولية و الخصوصية و الكل والجزء و العام والخاص وهو موضوعيا فى خدمة الثورة البروليتارية العالمية و الأممية البروليتارية.
هذا التلخيص للتجربة تحقق عبر سيرورة "ممارسة- معرفة فممارسة جديدة فمعرفة جديدة " بالإرتكاز على نظرية المعرفة المادية الجدلية. إن الماركسية-اللينينية-الماوية قد علمتنا أن هذه دائرة لا تنتهى أبدا و عبر ممارسة الصراع الطبقي و الصراع الايديولوجي ، طور الحزب خطه كمعرفة أولية و طبق تلك المعرفة ثانية فى تغيير العالم مما أفرز معرفة جديدة فى شكل التلخيص الحالي. و من الجلي أن هذه السيرورة لن تنتهى و لن تتوقف عند هذا الحد و إنما هي تتجه نحو التصاعد من خلال سيرورة "ممارسة جديدة فمعرفة جديدة " . و حتى يفهم الشيوعيون الثوريون قوانين جدل التطور و التقدم بطريقة صحيحة ، ينبغى عليهم أن يعملوا على أن يكونوا أخصائيين فى تطبيق المبادئ العالمية للماركسية-اللينينية-الماوية. /
=====================إنتهى/ 2006=================================














https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن