اقصاء الآخر والانفراد السياسي - (نقد) التيار الاسلامي للماركسيين مماحكة وتحريض

خالد صبيح
Khalidsabih@gmail.com

2002 / 8 / 8

لم يشهد فكر ما تشويشا وتشويها واستفزازا، حتى من طرف معتنقيه، مثلما شهده الفكر الاشتراكي عموما والماركسي
خصوصا، سواء كان ذلك في بلدان النشأة والنمو- اوربا - ام في بلدان وثقافات العالم الاخرى. واذا كان صراع الفكر الاشتراكي الفكري والسياسي مع مجمل التيارات السياسية والفكرية التي واجهت طروحاته بالنقد ومحاولات التفنيد في اوربا، هو ثمرة اكثر طبيعية وتناغم مع المعطيات الواقعية للصراع على ارضية المجتمع الذي شكل الحاضنة التاريخية لظهور هذا الفكر ونقائضه، فان هذا الصراع قد اخذ في واقعنا العربي شكلا مبتسرا ومجتزءا متناسبا مع حجمنا في وجودنا التاريخي  والحضاري. الا ان هذا التباين في اشكال ظهور التيار الفكري والسياسي وصراعه هنا وهناك لايسحب المشروعية التاريخية لظهوره او وجوده او دوره  وان واجه بعض التراجع والتلكأ هنا وهناك.
 يمكن القول ان الفكر الماركسي ومن وراءه تيار الفكر الاشتراكي عاشا اكبر واوسع صراع لهما في مرحلة التحول التاريخي، العلمي والاجتماعي، الكبير في القرن التاسع عشر ومع تطورات المجتمع الراسمالي، في ازماته وحروبه وتوسعاته، الذي ترك آثارا  واضحة على مجمل بنى المجتمعات على الصعيد العالمي، حيث ان الطابع العالمي لظاهرة الراسمالية القادم للاخرين بالتوسع الاستعماري والتقدم العلمي فرض وجوده وتاثيراته مع كل مايحمله من طبائع وخصائص. وكان ذلك الصراع ، وكاي صراع تاريخي آخر، ناتجا عن الاستجابة لأسئلة الحياة وتحدياتها.  وتواصل هذا التحدي والصراع بعد ان صار تجسيد النظام الاشتراكي واقعا فعليا من خلال الثورة الروسية في عام 1917 .
على صعيد الصراع الفكري خاضت الماركسية الصراع مع التيارات الفكرية المتعددة المعاصرة لها سواء كانت المنطلقة من مواقع الاخر، النقيض، الراسمالي، الغيبي، اللاعقلاني او من داخل التيار الماركسي ذاته، لان الفكر الاشتراكي، هو كاي ظاهرة تاريخية اخرى، ليس له شكل واحد او مكون واحد.
عندنا في الثقافة العربية تعرضت الماركسية لتهجمات وتشويهات عديدة ولبعض النقد ايضا، طغى عليها طابع المماحكة والتحريض ضدها اكثر من محاولة النقاش معها لاسيما من التيارات الدينية. وآخر محاولة طلت علينا هي (النقد) الذي قدمه الاخ الكاتب( قاسم خضير عباس) في بعض مواقع الانترنيت.
 تحت عناوين مبهرة (ومخيفة) من مثل (نقد الفكر الماركسي) و(كتاب لينين مالعمل اول ادراك لهشاشة الفكر الشيوعي) وغيرها، سُطرت كتابة فقيرة، لاتتناسب وحجم العناوين واهدافها، ولم تتجاوز بضع عبارات مكررة وتنويع على ماعرف وقيل عن الماركسية, وركزت كالعادة على مايمكن ان يشكل في رايها المثلب الاساس في ذلك الفكر، كالالحاد والخصوصية المحلية والعوامل الذاتية.
 لقدانطلق الكاتب من احكام جاهزة ليعود ويصل اليها مرة اخرى كنتائج دون مرور تحليلي لمعطيات هذا الفكر من خلال قراءة له من مستوى ما، وهي احكام مستمدة بالاساس من ذهنية مرسومة مسبقا بحيث تعيد تكريس ماطبع في اذهان الناس من تصورات بنتها الدعاية المعادية للفكر الاشتراكي، وليس من نتاج القراءة الموضوعية التي تريد انتاج معرفة، مركزة على المحور الحساس، في بيئة لاتقرأ، وهي مسالة الايمان وعلى نتائج التجربة السوفيتية التي صارت مدخلا تاريخيا لمحاكمة الفكر، كل الفكر بكل ابعاده ومقدماته. وليس هنا مجال مناقشة التجربة السوفيتية فهي لها مالها وعليها الكثير، ولانريد ان نبرأ منها الفكر الماركسي ومنطلقاته لكننا نريد ان نركز النظر في منطلقات النقد الموجه الى هذا الفكر والى وسائله وطرائقه.
(نقد) الكاتب كان متنقلا بعشوائية  بين المفاهيم، مرة يخطئ ماركس في تعميمه لمنهج السببية، ولاضير في ذلك، من دون سند نظري اوتحليلي، ومرة يؤكد على <ادراك> ماركس ومن بعده لينين على الاخطاء المنهجية والعامة في فكرهما واصرارهما( لم الاصرار؟) على فرض نتائج النظرية بدون مراعات للواقع واغفالهم المتعمد لخصوصيات الشرق،( التي هي دينية بالطبع) مما يجعل هذا الكلام يوحي لنا بالحجة القديمة المستهلكة والتي تعتمدها اغلب التيارات الدينية ان لم يكن جميعها، وهي يهودية ماركس.( ونظرية) محاولة اليهود السيطرة على شعوب الارض، كهدف يهودي تلمودي صرف  ومن خلال ادواتهم التي تتضمن قائمة واسعة من المفكرين والعلماء تبتدء بماركس وفرويد ولاتنتهي بدوركهايم، وتمتد لكل من لايروق فكره للتيارات الاسلامية، او الاصح كل ماهو حداثي وعلمي. هكذا وبجرة قلم قضى< الكاتب> على ثمار عمل لينين في تحديد اسس البناء  الاشتراكي ضمن الظروف الخاصة وفي حضور العوامل الذاتية والتفاعل مع مقدماتها. وازاح الماركسية من طريق التاريخ (لاخطائها المنهجية العامة) ولينسف كل الفكر الليبرالي الغربي . ربما لانها ارجاس شيطانية. لايمكن ولايجوز التعامل معها الا وفق اساسيات ( المنهج المطبق الاصيل) الذي لم نتعرف على خصائصه ولاماهيته، لنتوه في عوالم غامضة ولانحصل على مسميات واضحة للاشياء. فها هو  يتحدث عن بناء المجتمع الذي لن يكون بالعوامل الاقتصادية والتكنلوجية وحدها وانما
< تسبقه عوامل اخرى حيوية ذاتية وموضوعية تقوي البنى التحتية، وتزيد الروابط الاجتماعية والاخلاقية  وتعمق الفكر الاصيل>- لم نعرف ماهي طبعا!- وينتقل الى عنصر  غامض آخرهو< احياء جميع العوامل المحلية والذاتية، التي تقود الى تبني منهج حضاري.. الخ> ثم < لاجل ان نعود ونبني مجتمع بعوامل ناتجة عن هذا المنهج الحضاري> ويخطط وفق تصوره لخلق < تكنلوجية مناسبة>...< كخطوة اولى نحو التحول الصناعي والتقني بعد الاستفادة من علوم الغرب وتقدمه> ماذا فعلنا اذن؟!! هو عود على بدأ . فها نحن ازاء الاستفادة من تطور الغرب التقني والعلمي . فالمنهج الاصيل الذي لم نعرفه هو الذي سيوصلنا الى الرقي العلمي، بينما لاتستطيع ذلك < المناهج المستوردة>. اليست تلك دعوة لاخذ منتجات العقل الغربي دون اخذ مناهجه العقلية التي شكلت الاساس لبناء هذا الرقي العلمي والتكنلوجي؟
إن دوافع هذا الشكل من الطرح  وتوجهاته واضحة في مضامينها الايدلوجية وهي تقويض والغاء لكل الادوار الفكرية والاجتماعية لعناصر المجتمع المختلفة، في الوقت الذي يعلن الكاتب ان المجتمع هو كتلة حيوية متعددة العناصر، وهكذا في ظل هذا (النقد) الشامل سوف نجد انفسنا وجها لوجه امام الخيار الوحيد المتبقي والمفروض علينا من تلك القراءة المقصودة للفكر الانساني، وهو الحل الاسلامي .. اي الدولة الاسلامية ومضامينها السياسية، حيث سيقصى الجزء الاكبر من المجتمع من اي دور وحضور. حيث ستكون المرجعية الوحيدة والاخيرة في ظل هكذا مجتمع هي الله. فالحاكمية لله.. زليس للانسان اي دور او خيار الا في حدود تلك المرجعية وبعكسه فسوف يحجر عليه ويوضع تحت الوصاية لانه قاصر وغير ناضج للاختيار. فنحن امام خيارات محدودة، علينا ان نختار بين( حزب الله وحزب الشيطان) وان نكون مع (الفرقة الناجية).
 واذا بدا الاخ( قاسم خضيرعباس) في كتابته الاولى اقرب للجدل والنقاش منه الى التحريض، ففي مقاله الاخير
  < تاكيدا لتنويه الشيخ الآصفي: الماركسيون الجدد ولعبة الموازنات المكشوفة> مال اكثر لاستخدام لغة وتعابير اقصائية من مثل< وعلى الاسلاميين ان لاينخدعوا بالاعيب حفنة من المظللين باعت ضميرها واسلامها من اجل نظرية مخرفة سقطت في مزابل التاريخ> ليحرض ويلغي ويكفر الماركسيين متماهيا في ذلك مع طروحات
< الآصفي> التكفيرية الاخيرة. ومن الجلي ان هكذا لغة لايمكن اعتبارها لغة نقاش، وانما هي بالضبط لغة عدوانية وبمزاج سياسي يريد الانفراد في الساحة السياسية متعكزا على حالة مفترضة تقول باغلبية المسلمين< الشيعة> في المجتمع العراقي، وعلى خرافة الخصوصيات المحلية التي هي الاسلام لاغير. وكأن المجتمعات هي جواهر مصمتة ثابتة لايدخل عليها اثر التاريخ ليغير من ابنيتها وبالتالي عقليتها ومن ثم قيمها. ثم ان الاسلام هو جزء من الهوية الوجدانية الايمانية والثقافية للمجتمع وليس كل هويته. بالاضافة لكونه لايشكل المرجعية العقلية والايدلوجية لكل المجتمع، فمن غير المنطقي ان يُلزم الاخرون قسرا بتعاليم دينية الهية تتعارض وتتنافى مع معطيات الواقع وحراكه الذي يتطلب رؤية حداثية مستمدة من قيم وعقل عصرها لتعالج اشكالاتها وتتناسب مع بناءاتها وتشكلاتها بمرونة وبطريقة تستلهم العقل كمحور ومرجعية وحيدة لقنونة اوضاع المجتمع.
اكيد انه لايمكن تجاهل وتجاوز العوامل المحلية والخصائص الذاتية لمجتمع ما. والثقافة والتراث العربي والاسلامي يحتوي على الكثير من القدرات الحيوية القادرة على مد الفكر العلمي برؤى ووسائل تعينه على تطوير نفسه ومناهجه العصرية. واشكالاتنا تقوم على كيفية التعامل والتعاطي مع هذا التراث  للاستفادة منه لاجل بلورة التصورات المناسبة لاعادة بناء المجتمع بشكل يتناسب مع تطورات عصره دون عقد او خوف. ويكمن الخطر في اقصاء اية امكانية ايجابية وفعالة تمنحها لنا تطورات العلم وتطورات الفكر البشري، الذي هو ثمرة وملكية انسانية عامة،  وكذلك  منجزات تراثنا وحضارتنا العربية- الاسلامية ضمن سياقها العام، من اجل فرض حل واحد ووحيد، فيلغي بهذا كل ممكنات التحول الاجتماعي والبناء الحضاري باقصاءه للقوى والعناصر، ذات المشروعية التاريخية،القادرة والمؤهلة للاسهام في هذا البناء.
هناك عقدة وموقف ملتبس من قبل الفكر الديني في النظر الى التيارات الفكرية الغربية. فالحاحه على مسالة الالحاد في الماركسية تثير الانتباه فعلا، لان صفة الالحاد هي قاسم مشترك عام بين معظم التيارات الفكرية المعاصرة، وهذا يعود لانتصار العقل العلمي على العقل الغيبي خلال مسيرة الفكر الانساني الحديثة. لكن الحاح هذا الفكر على تلك المسالة  في الماركسية يعود في اصله لموقفه الاجتماعي. فان مايُقلق في الماركسية وفي عموم الفكر الاشتراكي هو نقدهما وتوجههما في القضاء على الاستغلال الاجتماعي بكل انواعه، من اقتصادي وجنسي وغيره، وهذا المضمون هو بيت القصيد في النقد الموجه للماركسية من هذه الاطراف، فاصحاب < واما بنعمة ربك فحدث> و< يرزق من يشاء بغير حساب> لايطيقون مبادئ تدعو للمساواة الاجتماعية والتحرر . ثم ان نظرة التيار الديني الى الغرب تحركها عقدة ترى في الغرب وتياراته الفكرية وجها سلبيا وحيدا. صحيح ان نظرة الغرب الينا ، بل للاخر في عمومه، اي لكل ماهو خارج اطار الحدود والثقافة الاوربيتين، نظرة دونية وفيها الكثير من الغبن والتجاهل وقائمة على العنصرية، من عقلية الاستشراق، التي احالت الشرق الى موضوع دراسة واعادة تشكيل، ومن مركزية اوربية ترى ان الحضارة الانسانية تبدأ وتنتهي عند الحضارة الغربية، ومن اطماع استعمارية ، قديمة وجديدة،  لاستغلال الثروات ونهبها وربط اقتصادات البلدان الفقيرة في عجلة الاقتصاد الراسمالي ورهن تلك البلدان لارادتها السياسية،  ناهيك عن الميول النازية والعنصرية ذات المنحى العرقي . كل هذه العناصر هي من العوامل المكونة والمحركة للحضارة الغربية ومرتكز اساس من مرتكزات نظرتها الى الاخر .. لكن ذلك لايمنعنا من القول ان هذه الحضارة هي ايضا التي خلقت معطيات واقعية وموضوعية لسيادة العقل ومنحت الانسان موقعا مركزيا في الكون واعطت للعلم الاولوية في الاجابة على كل اسئلة الانسان. وعلى العكس من التصور الهيغلي- العنصري-المركز اوربي الذي راى في ان الحضارة الحديثة لها مصدر واحد، هو الاوربي، فان الاتجاهات العقلانية في الفكر الغربي والانساني في عمومه ترى، وبحق، ان هذا المنجز الحضاري الانساني الكبير هو ثمرة ضخمة لمجمل فعاليات وادوار الشعوب والحضارات المتعاقبة في المجتمع البشري  في سيرورته التاريخية، ومنها بالطبع حضارتنا العربية الاسلامية.
الا ان المنجز الحضاري ماقبل العصور الحديثة شئ والحضارة الحديثة، والتي هي غربية بامتياز، شئ آخر.  ليس فقط في تقدمها في الزمن والكم وانما في نوع وآلية التطور الذي اسست له.  فثورة الحداثة المترافقة مع الثورة الصناعية والعلمية بنت اساسا متينا لمنعطف كبير في مسار الحضارة البشرية. ولاسباب تتعلق بمستوى التطور الحضاري، من علمي وتكنلوجي، لم تستطع الحضارات السابقة على الحضارة الغربية ان تتحول الى حضارة عالمية المنحى والتاثير الا بمقاييس نسبية ومحدودة، فلم يتوافر العلم آنذاك على قدرات واسعة في الاتصال وباتالي الدمج بين البشر ليمكن الحضارة الفاعلة في ظرفها التاريخي لان تؤسس للمنحى العالمي والشمولي. وشاءت سيرورة التطور الانساني ان تكون هذه العناصر، -العالمية والشمول- في اوربا.  واستطاعت اوربا من خلال التطور العلمي والتكنلوجي  والنمو في بناها الاجتماعية الى التحول الى ظاهرة عالمية، فاصطبغت بالعالمية ايضا الظواهر الناتجة عن  مسار هذا التطور من ظواهر اقتصادية وعلمية واجتماعية وفكرية وسياسية وحتى اخلاقية. وبتكاثف وتعمق التطورات العلمية التي سرعت في عمليات الدمج التاريخية للبنى المختلفة للمجتمعات العالمية في البنية الاكبر، الراسمالية، من خلال تمددات الحداثة ،اصطبغت الحضارة الحديثة بسمة عالمية مشتركة مرتكزاتها منتجات الحداثة الغربية.
المعضلة التي نعاني جميعا منها هي في الكيفية التي نتعامل بها مع هذه الحداثة. فالعلاقة ملتبسة بين الرفض الموتور والقبول الاستلابي، مما اورث تناقضا عمق جوانب التخلف في مجتمعاتنا المتاخرة.  من هنا هذه الهجنة في البنى السياسية والهياكل الاقتصادية والتناقض والتخبط في اشكال تبلور القيم الاجتماعية التي سببت مآزق حقيقية للمجتمع صارت تثقله وتعيقه عن التحرك باتجاه النمو والتطور. من هنا تنشأ ضرورة الوعي لمعطيات التاريخ والسعي لامتلاك ادوات الدخول والبقاء بجدارة داخل الحداثة والتفاعل مع منجزاتها العقلانية. والحديث عن العقلانية ، بسعته،  يدفعنا الى تحديد بعض من ملامح هذه العقلانية في البناء العقلي الغربي، فتلك العناصر ترافقت في نموها وفاعليتها مع وبالضد من سيرورة العناصر الاستغلالية والعنصرية المضادة لها. والماركسية هي من بين اهم التيارات الفكرية العقلانية في العصر الحديث، مع مايؤخذ عليها من مآخذ سواء في منطلقاتها النظرية او تجسيداتها العملية، لما لها من ابتكار منهجي مميز في الكشف عن القانونيات الاساسية لحركة المجتمع، وتطويراتها في مجال العمل على تنمية وتعزيز قدرات الانسان والمجتمع في الانعتاق والتحرر من الاستلاب والاغتراب الناشئين من علاقات الاستغلال بكل انواعه، وفي بلورتها للاسس العلمية في بناء مجتمع بديل، ارضي وواقعي، يُؤسس فيه لانسان حر وسيدا لنفسه.
ولخيبة امل البعض فان للتيار الاشتراكي ولتجارب الدولة الاشتراكية- ذات المآخذ والمثالب الكبيرة- اهمية تاريخية وموضوعية لها ثمار وانعكاسات عملية ملموسة. فهذا التيار وتلك التجربة كانا يشكلان عنصري مواجهة وتحدي فكري ونظري للمجتمعات الغربية وللتيار الراسمالي تحديدا، وقد ضغطا، موضوعيا، باتجاه عقلنة وانسنة الراسمالية الاستغلالية، التي لم تتانسن وتتعقلن من وحي جذرها التاريخي المكون لها، القائم على الاستغلال، ولا من منطلقاتها النظرية. وانما اكتسبت هذه الصفة التي الحقت بها ، في بعض جوانبها واطوارها، كنتيجة حتمية لكامل الصراع الشامل والمعقد الذي دار بينها  وبين نقائضها التي افرزتها سيرورتها ذاتها كمرحلة تاريخية وارث حضاري، اي التوجهات العقلانية والاشتراكية والديمقراطية التي شكلت طوقا ضاغطا عليها، دفعها،- الراسمالية -  ولاجل بقاءها واستمرارها، ولكي لاتستنفد كل ممكنات وجودها، الى ذلك التعقلن الضروري والعملي لاستمرارها والذي تحاول في كل فرصة الانفلات منه. ومانشهده من محاولات اميركية للهيمنة باسم العولمة والنظام العالمي الجديد يحمل دلالة معبرة في هذا الصدد.
اهداف (نقد) التيار الديني وكاتبه الاخ( قاسم خضير عباس) جلية،فهي  تبتغي وتمهد لهيمنة سياسية على خلفية توقعات التغيير المحتمل في العراق. وهذا التمهيد ( النقدي) النظري الذي أُتبع بطرح سياسي وفقهي ديني تكفيري من قبل الشيخ <الاصفي>، نرى انه محاولة لتكريس اطروحة الاتجاه الواحد في السياسة والمجتمع.  وماصرخة الاخ( قاسم) في احد خواتيمه حيث يقول < فهل يدرك المتغربون فكريا والماركسيون هذه الحقائق العلمية <كذا> ويتركونا ننظر لشروط النهضة دون تاثير خارجي> ماهي الا محاولة تستهدف جر صولجان السلطة اكثر وبشكل حاسم الى يد التيار الديني الذي سيُدخل المجتمع، ان تمكن من الامر، في مطب التجارب المستهلكة والمستنفدة القدرات، في دولة ونظام حكم شمولي وظلامي يقصي به كل المجتمع ليفرض حاكميته الخاصة. وتجربة ايران ماتزال ماثلة امامنا.
  وختاما نتسائل بدورنا ، بعدما حاولنا النقاش مع السياق الفكري والنظري والدوافع السياسية (لنقد) الاخ( قاسم) اكثر من محاولة الدخول في جدل لايثمر كثيرا حول حيثيات مقالاته
 : هل سيترك الاسلاميون المجتمع يبني حضارته ويدخل التاريخ من المداخل السليمة، وهي العلم والعقل، ويبعدون حلولهم السحرية والقسرية القادمة من مجاهل عقل وفكر غيبيين قابلين للانقراض حالما ينطلق المجتمع في مسيرة الولوج الى التاريخ ليبني حداثته؟ 


خالد صبيح
 السويد



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن