نقد الفكر الدينى : (3) عفاريت الجن 2/2

هشام حتاته

2011 / 1 / 20

مع البدايات الاولى للغزو الوهابى للعقل المصرى منذ اكثر من عشرين عاما ، ظهرت على الارصفة وواجهات بعض المكتبات كتابات عن عذاب يوم القيامه ، وبداية علامات الساعة ، والعلاج بالاعشاب والعلاج من المس الجنى والشيطانى ... الخ ، ومن امثلة ذلك كتاب ( حوار صحفى مع صديقى الجنى المسلم " مصطفى كنجور " لمؤل يدعى : محمد عيسى داوود ) ، ورغم ان العنوان مثير ، ولكن موضوع الجن كان لايعنينى ولم يكن ضمن ثافتى او اهتماماتى فى تلك الايام ، ولا اسم المؤلف المجهول يغرينى لقراءة كتابه .
ولكن .. بعدها بعدة سنوات بدأت اهتماماتى بالفكر النقدى ، والدينى منه على وجه الخصوص عندما وجدت المجتمع المصرى اصبح مغرقا فى حالة دينية اشبه بالغيبوبة ، وليس كما يقال انها صحوة دينية، ورأيت كم الخرافة والتغييب الذى يمارس على العوام وانصاف المتعلمين حتى وصل الى بعض المثقفين، وفى مناقشة مع احد الاصدقاء وجدته يؤمن ايمانا قاطعا بموضوع الجن وتلبسهم بالبشر من خلال تجربة شخصية مر بها، شرحت لها اسبابها العلمية ، ولكنه اصر على ايمانه بتلبس الجن للانسان ، ولكى يدلل على صحة كلامه اعطانى هذا الكتاب الذى يحتفظ به من عدة سنوات ، مع الحاحه وتأكيده على اعادتى له بعد قراءته لانه يهتم به . بدأت اطالع الكتاب، فوجدته باختصار نشرة وهابية مغرقة فى الجهل والتخلف والخرافة ، وبموافقة وتصريح وزارة الاعلام فى المملكة العربية السعودية - التـــى نشر بها الكتاب قبل نشره فى مصر- والتى يتباهى بها المؤلف فيجعلها فى صدر الكتاب ( ومن خلال تلك الموافقة نعلم انه مامن كتاب ينشر فى السعودية الا بموافقـة وزارة الاعلام حتى لوكان كتابا يروج للوهابية ، وممهورا بخاتم مفتيها الاشهر ( عبدالعزيز بن باز ) من خلال تقديمه للكتاب . فكل ماجاء فى الكتاب لايهمنى فهو خزعبلات واوهام لاحد المرضى النفسيين ربما ، او انه قربان على مذبح الوهابية تقربا وزلفى تصديقا للمثل المصرى ( دارهم مادمت فى دارهم )..!!
يبدا الكاتب بتوجيه اللوم ( مع كل الاحترام ) للدكتور عبدالصبور شاهين ، والشيخ ياسين رشدى ، قائلا " اخطأتما فى قضية الجن .. وتجاوزتما . اخطأتما يوم انكرتما مسألة السحر وتلبس الجنى بالانسى ، واسرفتما فى التجاوز، يوم قال السيد ياسين رشدى على الملأ فى تلفزيون مصر ببرنامج للمذيعة ( كريمان حمزة) فى رمضان 1992 : " من قال بتلبس الجنى للانسى : يااما فى مخه شئ ... يااما زنديق .( ياسين رشدى كان اول الشيوخ المودرن قبل عمرو خالد باكثر من عشرة سنوات – الكاتب ). ويوم قال د. عبدالصبور شاهين على الملأ فى تلفزيون مصر ببرنامج للمذيعه ( نجوى ابراهيم) : "... منذ عهد سليمان لايوجد تلبس من الجن للانسى ، ولاسيطرة للجن على الانس ولاسحر .."!!
ويستطرد قائلا ( ومؤنبا وموبخا ):
ـ ولست ادرى من اين اتيتما بهذا الكلام الذى يخالف اجماع الامة . ويخالف آراء السلف، بل ويخالف الواقع تماما ..
ـ اننى احترم الرجلين ، وقد اشفقت عليهما بعد هذا من شئ توقعته وحدث بالفعل ، فكثيرون اتصلوا بى مستنكرين هذا الكلام .. واحداهن قالت لى : لثانى مرة يغلق ابى التلفزيون مستهجنا هذا الكلام ، لانه سبق ان اضير بالسحر.... وفى النهاية يقول لهما :
ـ صدقانى .. كثيرون فقدوا الثقة فيكما ، وفى مصداقية علمكما،فاحذرا فأنتما علمان ) انتهى
وكما يحمل الكتاب صكا رسميا من وزارة الاعلام السعودية لنشره فى المملكة فانه ايضا يحمل صكا شرعيا ..( ويالها من مشروعية دينية...!! ) من كبيرهم ومفتى الوهابية الاشهر، متمثلا فى مقال موجه للمؤلف من سماحة الشيخ العلامة (...!!) عبدالعزيز بن باز .. لنشره فى جريدة الندوة التى يعمل بها المؤلف للرد على من انكروا موضوع الكتاب بعنوان : ( ايضاح الحق فى دخول الجن فى الانسى ، والرد على من انكر ذلك) والذى اورده الكاتب كاملا فلى كتابه مذيلا بتوقعة . ولأن الكبير للكبير .. والناس مقامات ، فقد جاء رد الكبير السعودى ( بن باز ) على الكبير المصرى ( الشيخ على الطنطاوى) ليقول له : ( بلغنى عن فضيلة الشيخ على الطنطاوى انه انكر حدوث مثل هذا الامر - يقصد تلبس الجن بالانسان - ، وذكر انه تدجيل وكذب ، وانه يمكن ان يكون كلاما مسجلا (مع المرأة التى تلبسها الجن) ، ولم تكن نطقـت بذلك ، واذا خفى هذا الامر على كثير من الاطباء لم يكن ذلك حجة على عدم وجوده بل يدل ذلك على جهلهم العظيم ، بماعرفه غيرهم من العلماء المعروفين بالصدق والامانة والبصيرة بأمر الدين ، بل هواجماع من اهل السنة والجماعة ، كمانقل ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية من جميع اهل العلم ، ونقل عن ابى الحسن الاشعرى انه نقل ذلك عن اهل السنة والجماعة ، ونقل ذلك ايضا عن ابى الحسن الاشعرى العلامة ابوعبدالله محمد بن عبدالله الشبلى الحنفى المتوفى سنة 799 هجرية فى كتاب ( احكام المرجان فى غرائب الاخبار واحكام الجان ) . وقد سبق فى كلام ابن القيم رحمه الله ان ائمة الاطباء وعقلائهم يعترفون بـه ولايدفعونه ، وان انكر ذلك جهلة الاطباء وسفلتهم وزنادقتهم، فاعلم ذلك ايها القارئ ، وتمسك بماذكرناه من الحق ، ولاتغتر بجهلة الاطباء وغيرهم ولابمن يتكلم فى هذا الامر بغير علم ولابصيرة ، بل بالتقليد لجهلة الاطباء وبعض اهل البدع من المعتزلة وغيرهم ، واللـه المستعان) انتهى
- لاادرى من هم الاطباء الجهلة الذين يتحدث عنهم بن باز، والذين رفضوا مقولة تلبس الجن بالانسان فى عهد بن تيمية واين القيم الجوزى واجماع اهل السنة والجماعة- علما بأن مدارس علم النفس الحديث لم تظهر الابعد هؤلاء الفقهاء والاطباء باكثر من الف عام - وحسنا فعل اطباء عصر الفقهاء عندما رفضوا هذا الكلام مع انهم كانوا اطباء بدائيين ، يحاولون معالجة بعض الامراض الباطنية والجلدية بوصفات الاعشاب ، ولكن بن باز يصر فى نهاية القرن العشرين وبعد التقدم العلمى الهائل فى كل العلوم ومنها علم النفس ، ان التلبس بالجن حقيقة اقرها بن تيمية وابـن الجوزى واهل السنه والجماعة .ولكن يبدو ان هؤلاء الاطباء القدامى الذين انكروا تلبس الجن بالانسان هم من المعتزله ( فرسان العقل فى العصر العباسى الاول بعد ان اطلعوا على الفلسفة اليونانية والفارسية ) حيث نلاحظ قولة بن باز : وبعض اهل البدع من المعتزلة وغيرهم .
لاغبار على بن تيمية وابن الجوزى عندما شاهدوا اعراضا لامراض نفسية لم يعرفها العلم الابعد زمانهم بالف عام فشخصوها حسب مخيالهم وثقافتهم بانها تلبسات من الجن للانسان ، ولكن ماعذر بن باز فى نهاية القرن العشرين .....؟؟ وتلك هى المشكلة الكبرى للسلفيين والاصوليين وعلى رأسهم الساده الوهابيين .وبن باز نفسه من اصدر فتوى فى سبعينات القرن الماضى تكفر كل من قال بكروية الارض . وان كنت اتلمس للفقهاء القدامى عذرافأنه لايسعنى ذلك لابن باز فى عصر العلم، واتلمس ايضا لبابا الفاتيكان الذى حاكم جاليليو على قوله بكروية الارض منذ اكثر من 500 عام عذرا،ولكنى لايسعنى ذلك لابن باز فى عصر الفضاء .فمن كذبك فى كروية الارض لاتصدقه فى تلبس الجن للانسان .
*** رأى العلم :
مما سبق عرفنا رأى الدين ، فما هو رأى العلم ..؟
فى العدد 85 بتاريخ 1/11/2006 فتحت الموضوع جريدة الدستور المصرية واستضافت على صفحاتها اثنين من كبار اساتذة علم النفس فى مصر هما الدكتور شوقى العقباوى – استاذ الصحة النفسية بجامعه الازهر ، والدكتور محمد المهدى استاذ علم النفس المعروف . فماذا قال كل منهم عن تراث العفاريت وعفاريت التراث ..!!
سوف انقل حرفيا الجزء الاول من رؤية الدكتور العقباوى والتى تهم موضوعنا ،ولاداعى ان اثقل على القارئ برأى الدكتور المهدى حيث انه يأتى تقريبا فى نفس السياق : فتحت عنوان رئيسى : مصر ملبوسة بالعفاريت التى تحكمها .. والعقل العربى " دخل الفريزر.." !! ( يبدو ان الدكتور يتحرج من كلمة العقل الاسلامى فيحيلها الى العقل العربى – لابأس – الكاتب ) يقول :
- تزداد الشعوب تمسكا بالعلم ونحن نزداد تمسكا بالخرافة ، يتقدمون الى الامام فنتراجع الى الخلف ، نستمع يوميا فى طول البلاد وعرضها الى حكايات الجن والعفارت ، وتعرض علينا البرامج التلفزيونية المنجمين ومفسرى الاحلام الذين يخبروك بمستقبلك " على الهواء مباشرة " . الحلول العلمية للمشكلات اصبحت نادرة . وبات الكثيرون يفضلون الحلول الغيبية والقوى الخارقة ، اما الاخطر من ذلك كله فهو ان الخرافة اغرقت المتعلمين ايضا ، وطالت الحاصلين على شهادات الدكتوراة ، واعضاء مجلس الشعب والوزراء ومدربى كرة القدم ورجال الدين .
- سألت الجريدة الدكتور شوقى العقباوى عن الاوضاع فى بلادنا والتى يبدو انها كلها صارت ملبوسة : ماتفسيرك لانتشار الخرافات والدجل وقصص العفاريت والاشباح بشكل مبالغ فيه فى مصر رغم مايشهده العالم كله من تقدم علمى من المفترض انه يحد من تلك المعتقدات ؟
- التفسير يحتاج منا ان نرجع مراحل .. المجتمعات البشرية مرت بثلاثة مراحل ، المرحلة البدائية ، كان الانسان يتعامل فيها مع مايحيط من كائنات وحيوانات ونباتات وظواهر طبيعية كما لوكان لها روح وهذا يطلق عليه الانسنة .. ثم تطور المجتمع واصبح اسمه "المجتمــــــــــــع الخرافى" بمعنى ان النقط الغامضة يرجعها الى كائنات هو لايراها مثل العفاريت والجن ، حيث يقوده نقص المعرفة والغموض فى الاحداث الى ان ينسب الفعل الى قوى خارقة ، ولما نزلت الاديان السماوية اشتركت مع الاديان غير السماوية فى انها اعتمدت ذلك التفسير فكل الاديان السماوية فيها اعتراف بأن هناك عالما موازيا للعالم الذى نعيشه ، نحن نسميه مثلا عالم الغيب والشهادة ، الغيب هو مالانراه والشهادة هو مانشهده بأعيننا . وابتداء من القرن الـ 17 ( قرن العقل فى اوروبا ) بدأ الانسان يحاول فهم العالم بموضوعية ، وان يرى الاشياء كماهى ويحاول ايجاد تفسير ، واذا عجز يسعى لاكتشاف طرق علمية توصله للمعرفة ، فكثير من الامراض فى اول الامر مثلا كانت تفسر على انها ارواح شريرة او عفاريت ، ولكن بعد الدخول الى مرحلة العقل بدأت الامور تختلف وظهر المايكروسكوب الذى جعلنا نعرف ان هناك جرثومة تسبب المرض ، ولولا المايكروسكوب ماكنا سنعرف . الفكرة انه مع عصر العقل اصبح هناك اعتراف بأن هناك مناطق غامضة ينبغى عدم القفز لتفسيرها بانسنه الاشياء او بارجاعها لقوى خفية بل نحاول اكتشاف السبب . كل المجتمعات البشرية مرت بهذه المراحل ، لكن المجتمعات المتقدمة التى عاشت الثورة الصناعية الاولى ومابعدها تجد ان مساحة الفكر العلمى فيها اكبر بكثير من الفكر الخرافى . طبعا ممكن تجد فى امريكا ناس تتكلم عن السحر ، لكن ليس بالشكل الكبير الذى عندنا
- وهل دخلنا فى مرحلة العقل فى مصر ولا لسه ؟
- هذا امر له علاقه بتراثنا وتاريخنا ، الامه الاسلامية العظيمة سادت العالم 700 سنه لانهم اخذوا منهج العقل ثم فى مرحلة تاريخية معينة تراجع منهج العقل وحل محله منهج النقل أو العنعنه – عن فلان عن فلان- واصبنا من وقتها بكسل عقلى ، وانا ازعم بأن العقل العربى المسلم " دخل الفريزر " وتجمد ولم يعد لحالته الطبيعية ، اضيف الى ذلك نقطة اخرى وهى احساسنا العالى بالقهر والاحباط ، وبأن الهوة تتسع بيننا وبين العالم المتقدم ، وباستحالة اللحاق بهذا العالم فهذا يجعلنا نسلك طريقا آخر ونقول اننا نمتلك الحق واننا"خير امة اخرجت للناس " فى محاولة لتعويض مانشعر به من عجز . والخطير ان الفكر الخرافى اصبح يضع عباءة دينية ، فاذا انتقدت الفكر الخرافى تصوروا انك تشكك فى المقدس ، وعندما تناقش اى شخص منهم ستجده يقول لك : انت بتشك ان فيه عفاريت ؟ وانا اقول له الشيطان موجود لكن كل علاقة الشيطان ونسله للبشر هو الوسوسة ( مع تحفظنا على وجود الشيطان بصيغته الدينية الا اننا اوردنا كلامه بالكامل – الكاتب ) ، وليس هناك فى صحيح الدين مايثبت ان شخصا لبسه عفريت ، وانتشار مثل هذه الممارسات امر مقلق لان بها خلطا بين بين الفكر الخرافى وبين الفكر الدينى فى شعب به نسبة من الامية ، وحتى المتعلمون غير مثقفين
- هناك دراسة صدرت منذ 3 سنوات تقول ان 40% من المثقفين فى مصر يؤمنون بالشعوذة والسحر ، فمارأيك ؟
- لأننا كلنا بناء ثقافة واحدة وبيئة واحدة ، وانت لاعندك تعليم ولاثقافة ولاحتى خطاب دينى رشيد ... الخطاب الدينى يعزو اللجوء الى الماضى .. وليس غريبا فى تلك الظروف ان تنتشر هذه الافكار، نحن كدولة رسبنا فى امتحان الحداثة ، العالم فى الخارج يتقدم بسرعة فلكية ونحن تحولنا الى سوق استهلاكية ، وعندنا موضة استيراد التكنولوجيا بدلا من ان نفكر فى العقلية التى تصنع التكنولوجيا ) انتهى .

*** العلاج بالقرآن :
تنتشر فى مصرنا ظاهرة العلاج بالقرآن من المس والتلبس بالجن ، ولى تجربة شخصية فى هذا الموضوع :
منذ عدة سنوات سمعت احد اقاربى يشكو ان ابنه فى سن الشباب " تلبسته جنيه" ، وتأتى اليه ليلا ويمارس معها الجنس ، نصحته بالذهاب الى طبيب نفسى ، ولكنه اصر ان الجن فى القرآن ومعترف به ، وهناك صورة كاملة باسم " سورة الجن" . قلت له : لابأس .. ولن نناقش هذا الموضوع ، ولكن يقينا اقول لك ان تلبس الجن بالانسان شئ آخر غير ماجاء بالقرآن ، فعليك اولا بطبيب نفسى ، فعلم النفس تقدم كثيرا ، ولم يكن هذا العلم موجودا لدى فقهائنا القدامى من اهل السنة والجماعة وابن تيمية وابن القيم الجوزى .. وكما كان فى الماضى لكل شئ تفسير خرافى ينسب الى الماورائيات ، كانت الامراض النفسية مثل الهيستيريا والهلاوس البصرية والسمعية وامراض العصاب وانفصام الشخصية والصرع والحركات اللاارادية ...نسبت هذه الظواهر الى كائنات خفية تؤثر فينا ولانعرفها .. وجاء فقهائنا ووجدوا ذكرا للجن فى القرآن متحدثا عن خوارقهم ، فنسبوا له كل هذه الظواهر التى لم يجدوا لها تفسيرا علميا فى حياتهم البدائية
لم يقتنع قريبى وحمل ابنه وذهب الى الشيوخ ، الذين نصحوه بأن يواظب ابنه على قراءة القرآن والصلاة . وانا اعلم من خلال ثقافتى ان قراءة القرآن والمداومة على الصلاة تعطى بعدا روحانيا ، ويقينا ايمانيا ، يفيد فى معالجة بعض العوارض النفسية من التوتر والقلق النفسى ، وان كان لايعالج الاسباب . ولدينا قصة المرأة التى ذهبت الى السيد المسيح ليشفيها ، ولكنه رفض حسب رواية الانجيل قائـــــــــلا : ( ماجئت لاسشفيك ، ولكنى جئت لبنى اسرائيل ) ، ولكنها لمست ثوبه فشفيت ، فقال لها : ( شفاك اعتقادك ..) ، هذا هو اليقين ، الذى اصبح معروفا فى علم النفس . وشعيرة الاعتراف المسيحى امام رجل الدين التى يشعر الانسان بعدها بالراحة معروفة ايضا فى علم النفس بمايطلق عليه التداعى الحر ، والتفريغ النفسى . وايضا حلقات الذكر الصوفية التى يصل فيها الذاكرون الى حالة من الوجد يطلق عليها"حالة الجلالة" ويفيق بعدها وقد نفض كل همومه ومتاعبة النفسية ، معروفة ايضا فى علم النفس الحديث . وان الاستماع الى ترانيم المقدس ( القرآن للمسلم والانجيل للمسيحى والتوراة لليهودى ) يولد باليقينا الايمانى شعورا بالراحة النفسية . ومن خارج الدين هناك الموسيقى الكلاسيكية المعروفة فى سيمفونيات بيتهوفن وغيرة ، او فى ضوء خافت ( ضوء شمعة فى غرفة مظلمة مثلا ) مستسلما للتأمل ومستغرقا فى الصمت .كل هذا وصل اليه الانسان بالتجربة البشرية نتيجة الخبرات الذاتية المتراكمة ، وجاء علم النفس ليؤكده ولكن فى حالات التوتر والقلق العارضة ، اما الحالات المرضية فانها كما قلنا تساعده ظاهريا ، ولكن يبقى المرض وجذوره محتاجا الى طبيب متخصص ليقضى عليه نهائيا .
ونعود الى الشاب الذى تلبسته جنية ، وطاف والده على المشايخ والتزم قراءة القرآن وداوم على الصلاة .. ولكن دون جدوى ، فمازالت الجنية تأتيه من اصبع قدمه اليمنى ، وبعد ممارسة الجنس معها تخرج من نفس الاصبع
كان من الطبيعى ان اهتم بحالته اولا لاننى اؤومن بالعلم وثانيا ارغب ان ارى تطبيقا عمليا لقناعاتى التى تقول ان مايعانى منه هذا الشاب هى حالة تعويضية . فقلت لوالده : داومت على المشايخ ثلاثة سنوات بلا أى نتيجة ، اذهب الى طبيب نفسى مرة واحدة ، فأنا اتصور من خلال قراءاتى المتواضعة فى علم النفس انه عاجز عن الممارسة الجنسية لسبب ما ، ربما يكون نفسيا او عضويا ، وربما تعرض لممارسة جنسية فاشلة مع امرأة ما ، فصنع له خياله فى اللاشعور حالة تعويضية كانت فى شكل جنية تلبسته يمارس معها الاحتلام .
اصطحب الرجل ابنه الى احد الاطباء النفسيين ، الذى قام يتحويله الى احد اطباء المسلك البولية والتناسلية ، فاكتشف الطبيب بعد الكشف عليه انه يعانى من تشوهات فى عضو الذكورة مع صغر فى الحجم ناتجا عن خطأ ائناء عملية الختان . اخبرنى والده بذلك ، فقلت : ان هذا ماتوقعته وماعليك الا الاستمرار مع طبيب الامراض النفسية .
تردد الوالد قائلا: لاداعى لأن اسبب للولد مشكلة نفسية ..
فقلت له : ان ابنك فى مشكلة نفسية بالفعل
سألنى العلاج ، فقلت له : اننى لست طبيبا نفسيا ، وان كنت استطيع ان افسربعض الظواهر بعلم النفس الا اننى لست متخصصا ولست معالجا.ومازال الرجل يتخبط بين العلم والدين ..!!
وفى النهاية اقول : ان الغرب تجاوز مرحلة الدين الى مرحلة الفلسفة والتنوير ، ومنها الى مرحلة الحداثة ، ويدور الحديث الآن عما بعد الحداثة ، ولكننا نعود مع الوهابية بتراث الجن والعفاريت وتلبسهم بالانسان الى البدايات الاولى من مراهقة الفكر الانسانى فى عصر ماقبل الدين .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن