الثورة الشعبية التونسية إلى أين ؟

جميل حنا
jamil.hanna@live.se

2011 / 1 / 17


الثورة يصنعها الرجال والنساء الرافضين للإستبداد والأنظمة الديكتاتورية, والشجعان الذين لم يستسلموا لإرادة الطغاة من السلاطين. ثورة أبناء تونس الخضراء والحمراء فجرها جموع الكادحين من العمال والمثقفين الثوريين والديمقراطيين والليبراليين وجيش العاطلين عن العمل. جيش المناضلين من أجل الحرية الحقيقية والعدالة والمساواة بين كافة أطياف الشعب. ثورة من أجل لقمة العيش الكريم والكلمة الحرة المعبرة عن الروح الإنسانية التي كانت تختنق في الحناجر.ثورة حطمت نير نظام الإستبداد وحكم الفرد الديكتاتوري وحاشيته من اللصوص والإنتهازيين سارقي لقمة الفقراء.الشعب التونسي قدم درسا عظيما لكل شعوب المنطقة في البلدان العربية من المحيط إلى الخليج. بأن إرادة الشعوب في الحياة الحرة والكريمة يمكن تحقيقها بالوسائل السلمية حينما تواجه الأيادي الخالية من أي سلاح والصدور المنفتحة لتقبل كل الضربات والتضحيات من أجل بناء مجتمع علماني ديمقراطي وحر يحقق المساواة بين الرجال والنساء وينبذ التمييز العنصري بكافة أشكاله.ثورة من أجل بناء دولة حديثة يكون نظام الحكم فيه للشعب ويكون تداول السلطة فيه سلميا وديمقراطيا حسب دستور متطور ينسجم مع أرقى الدساتير العالمية ويلتزم روح وجوهر المواثيق والمعاهدات الدولية التي تحافظ وتأمن الحرية والسلام والعدالة والمساواة لكافة أبناء الوطن.

الثورة الشعبية التونسية هي الأولى في القرن الحادي والعشرين في عقدها الأول.ثورة تونس الحاضرة في حياتنا والتي أسعدتنا ومنحتنا الأمل والبسمة, يسجل صفحة ثورية جديدة للتاريخ ليكون بداية سجل التغييرات في حياة الشعوب في البلدان العربية من المحيط إلى الخليج.الثورات القادمة ستكون ثورات المضطهدين والمسحوقين والفقراء وجيوش العاطلين عن العمل والعمال والفلاحين والمثقفين الثوريين المحرومين من الحرية والحقوق ولقمة العيش الكريم. المرحلة القادمة ستكون عهد الثورات الشعبية التي ستحطم حصون أجهزة القمع وأنظمة الإستبداد والطغيان لتدشين عهدا جديدا هو عهد الشعوب الحرة.

عندما أضرم محمد البوعزيزي النار في جسده لم يكن يعلم أنه أضرم لهيب النار والثورة الشعبية بالديكتاتور وحكمه الإستبدادي.وأن روح التضحية والشهادة من أجل القضية العادلة قضية الشعب أيقظ جموع الجماهير المستسلمة لواقعها المرير وأشعل سراج لتنير الدرب أمام المضطهدين لتسير في طريق الحرية والإنعتاق من الظلم والعبودية.والشهادة من أجل الوطن والشعب لا بد أن يعطي ثماره للجميع. وثورة الشعب السلمية لاتكون بدون زهق الأرواح وبذل الدم, لأن الطغاة يسفكون دماء الأبرياء من أجل الحفاظ على سلطتهم, والقمع والقتل وسيلتهم في ذلك.والتحررمن العبودية له سجل خالد في حياة الشعوب على مدى التاريخ ,أن عبيد روما سطروا ملحمة بطولية في وجه القيصر الطاغية ومنذ ذلك الحين شعوب الكون في كل القارات تقدم التضحيات الجسيمة من أجل التحرر والحرية. وفي كل الأزمنة الطغاة لا يؤخذون العبر بأن الشعوب لن ترضخ للعبودية مهما مورس بحقها من أساليب الإستبداد والقتل وزج الأحرار في السجون وحرمانها من لقمة العيش.الشعوب تضحي بحياتها من أجل الحرية ولن ترضى العيش بدون كرامة وهي مذلة خنوعة. وإما الحياة الحرة الكريمة وإما الموت أو الإستشهاد من أجل الوطن والشعب.

الشعب التونسي يحقق مكاسب هامة في تاريخه وهذا هو حقه الطبيعي . وهذا المكسب قدم من أجله الشهداء وتضحيات جسيمة على مدى عقود طويلة من الزمن في ظل النظام الديكتاتوري وسلطة الفرد المطلقة .حيث زج بالمناضلين من الشيوعيين واليساريين وغيرهم في السجون بسبب مواقفهم من سلطة الفرد والحكم الديكتاتوري.أن تحقيق الثورة يتطلب تضحيات جسيمة, والحفاظ على مكاسب الثورة يحتاج إلى عمل أكثر, وحنكة إدارية وسلوك فردي يكون المثل الصالح, وكذلك اليقظة الثورية وتنظيم الصفوف في مواجهة أعداء الثورة . الذين سوف ينتحلون أشكالا مختلفة في العمل الدعائي السياسي والعملي لضرب الثورة أو العمل على إفراغ الثورة من مضمونها وجوهرها الحقيقي. أن أعداء الثورة هم كثر في العالم العربي بالرغم من التأييد والبيانات المؤيدة لثورة الشعب. إلا أن القوى الرجعية والديكتاتورية والأنظمة الإستبدادية لن يهدء بالها بوجود نظام ديمقراطي علماني حقيقي في بلد عربي لأنه يشكل تهديدا مباشرا لنظامها. وأن القوى الدينية الظلامية التي ستحاول السيطرة وخطف منجزات الشعب والطبقة العاملة لصالحها بدعم من مختلف الأنظمة والدول المحيطة بتونس وغيرها في المنطقة العربية.

أن الحركة اليسارية والشيوعية والديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات التي لها تاريخ نضالي عريق وتجربة في الحياة التنظيمية ستكون بحاجة اليوم ربما أكثر من أي وقت مضى. إلى تنظيم صفوفها وبناء جبهة عريضة قوية تشمل كل القوى التي تؤمن بالنظام الديمقراطي العلماني, ويفصل الدين عن الدولة والسياسة, و الذي يحقق المساواة بين المرأة والرجل, ويؤمن بالتداول السلمي للسلطة . أن اليقظة الثورية لا بد أن تكون من سمات المرحلة القادمة لكي تحافظ الثورة على منجزاتها وتحقيق المزيد من المكاسب للوطن والشعب.
أننا فخورين جدا بثورة الشعب التونسي ونحيي إراتهم في التضحية وتقديم الشهداء.نبارك لكم ثورتكم وحافظوا عليها كما تحافظون على قرة عيونكم. عاشت ثورة تونس الخضراء الحمراء.والحرية لكافة الشعوب بكل إنتماءاتها العرقية والدينية في البلدان العربية من المحيط إلى الخليج.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن