الانسان وتعمير الارض

عبد السلام الزغيبي

2011 / 1 / 4

الحياة .. مغامرة تستحق أن تعاش.
الأم تريزا


الإسلام ثقافة حياة، وليس ثقافة موت. بحسب القرآن، حيث ورد لفظ الموت في القرآن الكريم مئة وخمساً وستين مرة، موت البشر وموت الأرض. العظام النخرة تعود وتبعث من جديد، (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ)، (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ). الدورة الحياة فالموت فالحياة، (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). ، (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً)، وكذلك (فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ). والله يحيي الأرض بعد موتها بإنزال الماء عليها، (وَاللَّهُ أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ).
أما لفظ "حياة" فقد ورد في القرآن الكريم مئة وتسعين مرة، أكثر من لفظ "الموت". الحياة صفة لله مع العلم والقدرة. بل إن الحياة شرط للعلم والقدرة. فلا علم ولا قدرة دون حياة، ولا علم ولا قدرة إلا لحي، (وَتوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ).. كما ورد اللفظ في القرآن الكريم كصفة للإنسان والنبات. في حين ورد لفظ الموت مئة وخمساً وثلاثين مرة، موت البشر ، وموت الأرض. الحياة بينة وبرهان ووعي معرفي، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).
وفي الديانات الإبراهيمية الثلاث فإن الديانة اليهودية في عهدها الأول لم تعن بخلود الروح، وقد أرتبط مفهوم الموت عندها بعدم الإيمان بالبعث، فكأن الموت ينظر إليه ( في سفر أيوب مثلا) على أنه نهاية مطلقة وعدما كاملا وفناء لا يرجى منه شفاء. وبعد الاحتكاك بالفرس واليونان ، تقبل الفكر الكهنوتي اليهودي الموت كحقيقة طبيعية حتمية. وقال عنهم القرآن (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ)، (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ).

ويقول الأب الدكتور أثاناسيوس حنين ، كان المسيحيون حسب شهادات العهد الجديد والعلماء ينتظرون سماء جديدة وأرضا جديدة يسكن فيها العدل بدلا من الظلم: ظلم الحكام والأيام ،وظلم الإنسان لأخيه الإنسان . ولما غادرهم المسيح إلى السماء اى لما بعث المسيح انشئوا مجتمعا اشتراكيا جديدا يعيشون معا ويمارسون حياة الفضيلة على الأرض وفهموا بذلك أنهم يتغلبون على موت الكراهية والأنانية وسمو ذلك الحياة الأبدية أو ملكوت السماوات وهذا ليس في تضاد مع ملكوت الأرض بل هو امتداد لها والدليل أنهم يقولون في الصلاة الربانية (كما في السماء كذلك على الأرض ) فالمسيحيون الأوائل حاولوا تحقيق التوازن المطلوب بين السماء والأرض. واغسطينوس جاء في القرن الرابع كمحاولة للفت النظر إلى أهمية مدينة الله بعد أن خاف على المسيحية من التصالح مع الإمبراطورية في أيام قسطنطين وعاد السلام إلى الكنيسة فخاف عليها من التصالح مع السلطة التي تستخدم الكنيسة لمصلحتها فشدد على مدينة الله ولكنها في الأعماق صورة جديدة من حياة الجماعة على الأرض في ثوب الأبدية والأرض وبين الله والإنسان وبين هنا وهناك وبين الزمن والأبدية وبين محبة الإنسان ومحبة الله وهذا التوازن هو السائد في حياة المسيحيين الأوائل.

ثم جاء الإسلام ليعدل الميزان بين الحياة والموت في كفتين متساويتين "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً". والله يحيي ويميت على حد سواء. لا يحيي فقط فلكل أجل كتاب. ولا يميت فقط فالموت متبوع بالبعث.
إذن لماذا يصر بعض خطباء الجمعة وشيوخ القنوات الفضائية على صدع رؤوسنا بالحديث عن الموت وشكل الكفن والحفرة العميقة المظلمة التي ستجد نفسك فيها وحيدا، والدود الذي سيعبث بك ، والثعبان الأقرع، وهو حديث يصيب مستمعه بالرعب، وكأنه لا يوجد في الدين إلا الموت وأهواله والرعب الذي تقشعر منه الجلود. وكأن الموت عندهم فضيلة، والحياة رذيلة.
هؤلاء الذين يستخدمون آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة لتخويف البشر وإرهابهم.
يطيلون الكلام في ترهيب الناس من الموت، وكره الحياة، ولا نرى منهم الاهتمام والحماس نفسه حين يتصل الأمر بقضايا الحرية والعدل التي دعي إليها الإسلام.
كل ذلك أخاف بعض الناس من الحياة الدنيوية التي كانت السبب في الشقاء والنزاع على السلطة. واتجهوا إلى الحياة الآخرة يجدون فيها النصر والنعيم تعويضاً عن هزائم الدنيا وعذاباتها.
إن هذه الافكار وغيرها هي التي ساعدت في اشاعة صورة خاصة عن الاسلام والمسلمين، اظهرتهم كمحبي للتعصب ورفض الحياة، وشوهت جوهر الصورة السمحة الحقيقية للاسلام.
اعرف أن هناك المئات من المواضيع التي يمكن للخطيب أن يتناولها مثل سلوكيات المغتربين في بلد المهجر، والدعوة للنظافة والنصح بالصدقات والتذكير باحتياجات الناس وزيارة المرضى، والتواصل بين الناس،وفي شؤون الحياة اليومية،وفي أهمية الوقت الذي يضيعه الإنسان فيما لا يفيد، وغير ذلك من المواضيع التي تنفع الناس.
أن الإسلام ليس ديناً روحانياً بحتاً يعزل أتباعه عن الحياة ولا مادياً صرفاً يوقع الناس في أوحال الدنيا، أن غاية الإسلام هو إعداد الإنسان للسعادة الأخروية المتوقفة على العمل الصالح في الحياة الحاضرة في نطاق الدين والدنيا معاً. مما يفيد الإنسان في القيام برسالته في الحياة وهي تعمير الأرض والاستفادة من خيراتها وكنوزها. انها دعوة لحث الانسان على تعمير الارض بهدف زيادة رفاهية الانسان وتحسين ظروف حياته المعيشية. : يقول الحق)وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ) الأعراف : 10، وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ( الملك : 15.
ان الخطاب الديني يجب ان يدفع الناس إلى الحياة. والى الإبداع. فلا إبداع إلا في الزمان. بعدها يتحول الإبداع إلى خلود كجزء من الإبداع البشري العام. والخلود رغبة في البقاء وقهر الموت.
الحياة هي حضور وحركة تجدد دائم ونمو مستمر. والموت يعطى معنى لوجودنا علينا أن نسمح له بأن يجدد إطار حياتنا.
اننا اليوم اكثر حوجة الى ثقافة الحياة الأصيلة ثقافة دين العلم ودين التعقل والتبصر في ملكوت الله ، دين ثقافة الحياة مقابل دين ثقافة الموت والخرافة والتخلف.

مراجع:
- الموسوعة الاسلامية.
- ثقافة الموت... أم ثقافة الحياة؟ د. حسن حنفي.
- الاب الدكتور اثاناسيوس حنين



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن