تنظيمات الاسلام السياسي بالمغرب بين الأمس واليوم

حميد الهاشمي الجزولي

2004 / 9 / 24

نعني بالإسلام السياسي كل التنظيمات التي تتدخل في الشأن العام من منطلق أن الدين الإسلامي هو مرجعيتها في تسطير برامجها وتأطير جماهيرها.
و نرى أن هذا الاستغلال للدين في السياسة يجد مبرره في المصالح الدنيوية، رغم محاولات المستفيدين منه التغطية على هذا الأمر.
وقد يكون من المفيد جدا الرجوع الى تاريخ تعاقب الدول بالمغرب لاستيعاب الديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أدت الى سقوط أو صعود هذه الدولة أو تلك ودائما تحت لبوس ديني .
ولعل التطورات والتحولات التي ألحقها الاستعمار منذ بداية القرن العشرين بالبنيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قد جعلت المشروعية الدينية تتوارى شيئا ما في تثبيت المشروعية السياسية، أمام المشروعية الاجتماعية التي تبثها الاستعمار ضمن المشروع الرأسمالي .
هذا التواري للمشروعية الدينية لم يكن إلا شالاشتراكي،، بحيث أن صيرورة الصراع الاجتماعي إلى الاحتدام كانت لا تلبث أن تعيد المشروعية الدينية إلى واجهة الأحداث.
ولم يكن غريبا في هذا الشأن أن يواجه الفكر الاشتراكي ، من منطلق الدين ، على أنه فكر مستورد وإلحادي ، ويتم تجنيد المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية للإفتاء في هذا الشأن .
بل إن مرحلة تاريخية معينة من تاريخ المغرب الحديث تشكل تحولا أساسيا ، لم يتم الانتباه لها أو تم تجاهلها، و التي انطلقت أواسط السبعينيات من خلال تسييد الفكر الديني بكل أسلاك التعليم بعد قرار حذف تدريس الفلسفة.

سنقارب الموضوع من خلال تنظيمين يختلفان في الشكل، ويلتقيان في معاداة كل ما هو عصري، ديمقراطي، تقدمي:

1- حزب العدالة والتنمية:

من "الوجوه" البارزة في هذا الحزب عبد الكريم الخطيب، ويعتبر من "ديناصورات" العمل السياسي بالمغرب ارتبط اسمه "بمقاومة" الاستعمار، وعبر تاريخ المغرب لعب أدوارا كانت تدور في فلك سياسات النظام في مواجهة حركة التحرر المغربية، وقد كان عضوا في "الحركة الشعبية" وهي حركة سياسية عنصرية استعملها النظام في مواجهة الحركات المناهضة لهفي بداية الاستقلال.
وقد ارتبط اسمه بعملية اغتيال المناضل الاشتراكي ، الشهيد عمر بنجلون في 18 دجنبر 1975 بالدار البيضاء، من طرف عناصر من "الشبيبة الإسلامية" التي كان يقودها "عبد الكريم مطيع".
ومن الوجوه البارزة كذلك في حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران ، والذي كان عضوا في "الشبيبة الإسلامية"، والذي لعب أدوارا "طلائعية" في حرب النظام على الحركة الطلابية المغربية في سنوات السبعينيات من القرن الماضي ، خاصة بكلية العلوم حيث كان يدرس !!! .
ولن نكون في حاجة لتعداد كل الأمثلة من أجل تبيان الارتباط بين مواقع متعددة كان همها هو وأد أية إمكانية لتطور المجتمع نحو الأفضل.
واليوم يلعب هذا الحزب دور الحاضنة لكل الدعوات المناهضة لتحول المغرب نحو الديمقراطية والعصرنة والتحديث ، رغم ما تقتضيه كل هذه المفاهيم من تدقيق وتحديد.
وهو الذي خرج بكل "قوته" لمواجهة المنظمات النسائية المغربية المطالبة بالحقوق الشاملة للمرأة ، وهو الذي دعم أحد الأميين الذي أفتى بأن اغتيال الشهيد المهدي بنبركة "حلال" ، بل كان ينبغي اغتياله ثلاث مرات حسب فتوى ذلك الأمي، وهو الحزب الذي دعم أحد الخطباء الذي اعتبر أن خروج المرأة للعمل حرام وارتياد الشواطئ فجور إلى آخر الاسطوانة المشروخة.
فحزب العدالة والتنمية أمس واليوم ، مع الأخذ بعين الاعتبار "المياه التي جرت تحت الجسور" يمثل الصدى للشرائح التقليدية المحافظة داخل المجتمع،بكل ما تحمله هذه الصفة من أبعاد اقتصادية وثقافية وسياسية.

2- العدل والإحسان:

ارتبطت العدل والإحسان بالشيخ عبد السلام ياسين ، ويتميز مساره المهني والسياسي بمسألتين مهمتين لابد من أخذهما بعين الاعتبار وهما : في بداية حياته المهنية كان معلما بكل ما تحمله هذه الكلمة من مدلول بساطة التفكير في ذلك الوقت (الستينيات من القرن 20) (المعلمون الحاليون أغلبهم مجازون) ، وانتمائه مبكرا لحركة صوفية تسمى البوتشيشية ، لذلك يغلب على حركته الطابع "التربوي" و"التعبوي" في انتظار ما يسميه "القومة الكبرى" ليبايعه الشعب.
وقد ارتكز في "معارضة" النظام على توجيه رسائل تحت عناوين أقرب ما تكون إلى عناوين الأفلام المصرية القديمة من قبيل "إلى من يهم الأمر" ، لكن في مواجهة الحركة السياسية التحررية فإن أعضاء العدل والإحسان "يبلون البلاء الحسن" بالسيوف والسواطير والسلاسل وليس بالرسائل والنصيحة ، وهذا ما تم تسجيله في حربهم على الجامعات منذ الثمانينات إلى اليوم .
ومن غريب الصدف أن يكون الناطق الرسمي باسم الحركة قد بدأ مساره المهني كمعلم، كما شيخه، رغم أن الصراع على خلافة الشيخ أصبح موضوع انقسامات وولاءات ودعامات تمتد إلى خارج الحركة بين من يعتبرون أنفسهم بناة الحركة وبين "العائلة" التي تتزعمها ابنة الشيخ التي درست الثانوي "بثانوية ديكارت" الخاصة بعلية القوم !!!.
ما ميز هذه الحركة خلال المرحلة الأخيرة هو اقتباسها إلى حدود قصوى للمعجم السياسي للقوى اليسارية ، فبعد استيلائها على بعض المواقع اليسارية سابقا خاصة وسط الحركة الطلابية ، فربما تريد الاستحواذ على الخطاب السياسي كذلك.
وقد شاركت الحركة في المظاهرة المناهضة للمنظمات النسائية المطالبة بالحقوق الشاملة، كما تبث أنها ساعدت المرشحين من أعضاء حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية والبرلمانية في الوقت الذي تعلن فيه أنها تقاطع الانتخابات.
كما لا يمكن تجاهل النزيف الذي تتعرض له الحركة نحو المجموعات الصغيرة المرتبطة عقائديا ووسائل باختيارات "القاعدة"، حيث تبين أن العديد من المعتقلين على ذمة الإرهاب سبق لهم أن انتظموا في العدل والإحسان.

خلاصة أولية :

بالأمس ، كما اليوم ،تشكل هذه القوى جيش احتياط لمواجهة الفكر والممارسة التقدميين ووسيلة لضمان التوازنات السياسية داخليا وخارجيا، في طموح الشعب لديمقراطية حقيقية.
فبالنسبة لقوى الإسلام السياسي ، يشكل الفكر والممارسة التقدميين بكل مكوناتهما جبهة التناقض الرئيسي ، فموازين القوى الحالية ، والشرط السياسي العام الذي يميز المرحلة التاريخية هي التي تجعل هذه القوى تعلن بين الفينة والأخرى عن إيمانها بالديمقراطية أو استعدادها للتنسيق أو التحالف مع قوى الصف اليساري .
والانسياق مع هكذا أوهام سيعود بأكبر الخسائر على قوى اليسار أولا وعلى مستقبل المجتمع .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن