أماني على الجدار قصة قصيرة

محمد عبد الله دالي

2010 / 12 / 17

أماني على الجدار قصه قصيرة
نادته أمه ، اجلس .. ألم تشبع من النوم ، الشمس في كبد السماء . جماعتك قد سبقوك للعمل ،انقلب على ظهره ،بدأ يفتح عينيه الواحدة ،بعد الأخرى ،وهو يقاوم أشعة الشمس التي نالت من جسده النحيف ولكنها ،لم تؤثر بثوبه البالي المتيبس ،أصبح قالبا على مقاسه ،ويتكسر عند الحركة،لشدة ملوحته من العرق .
تمغط ،من شدة التعب ،قال لامه ،
ــــ إن قدماي تؤلماني ،من اثر الجروح والمشي المتواصل أرجوك أمي دلكيهما قليلا ..الله يرحم والديك !!.
تستجيب له ،تدلك قدميه ،وهي تكبت ألما موروثا منذ زمن . وخزته دمعتان سقطتا على ظهره أحس بحرارتها ،تتابعت الدموع بصمت ،وهنَ يخترقن جسده النحيل ،أثارته ،كانت سياطا تلسع ظهره ،نهض مسرعا وضع رأسه تحت حنفية الماء المنتصبة وسط الدار ،اغتسل بسرعة ،تناول كيسه المعتاد وهو من مخلفات أكياس الطحين ،طوق عنق أمه قبلته بشغف كأنها لم تراه من سنين همست بإذنه ،لا تخرج بدون فطور ،هرب من عدة أسئلة تطرح عليه يوميا وبدون ترك سؤال .. أبحر في الشارع ، ليزاول عمله ،تجول في أكثر الشوارع التي يمر فيها يوميا ، فلم تفلح جهوده ،إلا على بعض علب المشروبات الغازية ....
كان تأخره صباحا افقده الاسبقيه في جمع أكثر عدد ممكن من مخلفات العلب الغازية .. تابع التجوال . كانت عيناه لا تفارق الأرض ، بحثا عن أي مخلفات أخرى من أسلاك نحاسيه وألمنيوم ، أصابه شيْ من التعب و الإحباط ، لان كيسه لم يمتلأ بعد ،وهذا يعني إنه لن يعود إلى البيت مبكرا . غير مساره اليومي إلى بعض الأماكن الأكثر شعبيه ، ناله التعب حرقته شمس تموز ،كادت تفقده وعيه لكثرة التعرق التجأ إلى الجدران ..

أستظل بها لفترة ،أثارت انتباهه ،إحدى المبردات ، وهي تفيض ماء صافيا إلى الشارع ،بسط كلتي يديه تحت الماء ، وأنهل حتى أطفأ جمرة فؤاده ،أخذ يرش على رأسه لخفض حرارته ...
سرح في متاهات حياته الطفو ليه المستلبة ،كيف ترك مقاعد الدراسة ، وكيف كان يلهو مع أصدقاءه ،انتبه لنفسه نقام مذعورا كأن شيئاً استفزه تذكر الكيس ،مسكه من الوسط نظر إليه بتأني .. إنه حد النصف ..واصل إبحاره في الشارع متجنبا الكونكريتيه صعوبة على تجواله ..
اجتاز الحاجز الأمني بصعوبة ،بعد أن خضع للتفتيش ..
ناداه أحد الجنود .
ـــ إسراع .. ابتعد عن المفر زه ..!
ردّ عليه .
ـــ أنا على باب الله !
ــــ يا بني .. خوفا عليك ،استدرك الجند وعاود مناداته ..
ــ انتظر .. خذ هذا الكيس .
تناوله مسرعا ،ابتعد فليلا انفرجت أساريره عندما رأى شيئا من الطعام..قال :ــ
0( جاءت مكانها ) قضمها بشراهة لسد رمقه ، ما كاد إن يبتلع اللقمة ، حتى مثلت صورة والدته وأخواته بين عينيه ،أحس أن الطعام ،يقف .. ابتلعه بألم شديد . ارجع الطعام إلى الكيس ، ومسح فمه بأكمامه المالحة المتسخة وعاود المسير وكله أمل أن يجد ضالته اليومية ، وإذا هو ، أمام جدار كونكريتي أخر . ولكنه مرتفعا ، يفصل بين شارعين ...وقف مذهولا ، سأل نفسه كيف السبيل للخروج من هذا المأزق ، ليته لم يغير مساره اليومي . حاول أن يخلص نفسه من فتحة صغيرة ، بين الجدارين .. انسل منها بصعوبة ، أبتسم لأنه وجد علبا مبعثرة ، وبعض المخلفات .أسرع كأنه وجد كنزا جمعها مسرعا خوفا أن يشاركه أحد بها أحس أن كيسه أخذ يمتلأ انفرجت أساريره على ابتسامة عريضة ، أخذ نفسا عميقا كانه
حقق شيئا مهما .. لفت انتباهه علبة من الكارتون ، ركلها بقدمه بادئ الأمر ليتحسس ما بها .. أحس بألم بقدمه .. جلس وأسند جسمه المتهالك على الجدار الأسمنتي ، وهو يفتش محتوياته ،مخلفات من الورق وعلبة ألوان شمعيه وطباشير ملون ، وأقلام تالفة وأوراق ملونه .. زم شفتيه غير مكترثا أول الآمر .. وهو يقلب تلك المواد ، دغدغت أحاسيس الطفولة أفكاره... وانساب بتفكير. لأيام الدرس وهو يرسم ، يومها أثنى المعلم على رسمه .. نسي همومه ،أمسك بالطباشير الملون يرسم على الحاجز الأسمنتي الصامت . بدت أنامله ، تخطط ثم ترسم .. أشجار عاليه ونهراً يجري ، وطيورا تسبح وعلى ضفة النهر هناك بيتا جميلا فيه باب واحد وشباك تعلوه مدخنة وامرأة تغسل الملابس على ضفة النهر ...
أنسجم أكثر في رسم اللوحة .. زاد من مساحتها .. في الجانب الآخر صبية يلعبون ، انتبه إلى أعلى الصورة ، ابتسم قائلا .. لن تكون حياة بدون شمس وسماء زرقاء ، وحمامات محلقة تنشر السلام .. بعد أن أكمل لوحته الخيالية الجميلة وقف أمامها قائلا :ـــ
ـــ ما أحلا بيتنا !؟
ــــ التفت خلفه على صوت تصفيق ..من بعض المارة .. أصابته الدهشة ، هل أثار ما رسمه على الحاجز الاهتمام .. إنه قد نسي نفسه ونسي أمه وأخواته ... لملم أشياءه مسرعا ،وهم بحملها ،وضع أحد المارة يده على كتفه مستفسرا :ــ
ـــ هل أنت في المدرسة ؟
ــ تركت المدرسة منذ عام !!.
ـــ ماهي الأسباب ؟
ـــ ظروف عائليه ، وهذا الألم الماثل أمامك.
أنسل من يد الرجل مسرعا ،وهو يحمل كيسه تاركا لوحته الجميلة على الجدار الأسمنتي ، وفيها بيته وأمه والنهر والأشجار .. وأشياء أخرى لم يكملها بعد .. أملا أن يبيع محتويات الكيس ليحصل على قوته .
كانت المارة تقف أمام اللوحة ،وتسأل عن ذلك الرسام ن وهي تبدي إعجابها....!!

محمد عبد الله دالي قصة قصيرة
المجلس العراقي للسلم والتضامن فرع النجف/ اتحاد الدباء والكتاب



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن