بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحوار المتمدن همزة وصل

فلورنس غزلان
fozmon@yahoo.fr

2010 / 12 / 12

هل هي مصادفة بحتة أم ترادف وتواصل في المحتوى والنتيجة؟..رغم بعد المسافة الزمنية بين ولادة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومولد الحوار المتمدن كواحة حرية لأقلام عطشى، تكسر أغصان الشبكات الملتفة حول أعناق الكلام وتخطو بثقة نحو أسوار الحلم لتسقط مايمنع ويقف حائلاً أمام نور الحقيقة ونور العلم والمعرفة إلى حق الإنسان في التعبير دون مقص رقابة، إلى حقه في التحاور مع الآخر وتعود قبوله للمختلف، أجد أن الحوار خطى خطوات واسعة على هذا الطريق الشائك، فمعظم من يكتب أو يتصفح الحوار تختلف مشاربه ومنابع علومه، كما تتنوع أيديولوجياته، لكن الحوار بدأ يعوده على احترام الرأي المغاير ويفتح أمام من طُمشت عيونهم ردحاً طويلاً من الزمن أبواب الشمس وحرية التساؤل كما اختلاف الجواب..إلى أن يصل الفرد لحقيقة يرى فيها مقصده وغايته.
يحتفل الحوار اليوم بعرس نجاحه ويحصد ثمرة أولى على طريق وعر المسالك في عالم رحب جداً في تعرجاته ومنعطفاته ومغالياً في رقابته وخطوطه الحمراء، لكنه أثبت جدارته وتفوق خطه السياسي غير المنحاز إلا إلى علمانية يرى فيها وهج الحلم لكل الأطياف المتناقضة والمتعاركة متشعبة الطرقات..منذ تسع سنوات وهو يكد ويحرث حقلا مليئاً بالألغام ، حافلاً بعيون ترقب انتصاره الأول ونجمته الأولى يقطفها من سماء الاعتراف بجهده الفائق في عملية النهوض بالفكر الحر الديمقراطي، الذي نتعطش إليه جميعاً..نجمته الأولى قدمت إليه من مؤسسة لامعة ك " مؤسسة ابن رشد"، وهي درجته الأولى في سلم النجاح..لكني واثقة أنها ستكون شعلته للاستمرار على منواله ونهجه من خلال ثوابته الوطنية وديمقراطيته وحرصه الخُلقي في الممارسة والهدف، كي يحصد المزيد من النجاح والمزيد من الألق في عالم الثقافة، ويكون درب النخبة من مفكرين حرموا وسدت أمامهم أبواب التعبير في عالم يعج بالطغاة والاستبداد والأوصياء على الفكر.
لم يكتفِ الحوار بهذه المسيرة، لكني أجده اليوم يطلق العنان لمشروع يشكل حلم الجميع لانطلاق فضائية تنطق بالصوت المحروم غير الممنوع..صوت الإنسان، صوت الحرية، صوت الفقير والمظلوم ينشد العدالة في عالم لايعرف سوى القهر والقمع وكم الأفواه..بقدر ما يدغدغ هذا الحلم فرحي ويحملني إلى مدى الحرية الواسع وعالم يشق طريقه نحو نشر الكلمة الصادقة والفكر الشفاف، لكني أخشى عليه من مطبات كبيرة تعترضه وتصبح ثقيلة الحمل وربما تكبُر على حساب هذا الموقع وما وصل إليه من نجاح...اللهم إلا إذا كان المشروع مضمون التمويل ومضمون الكفاءة والأعمدة النزيهة، التي يمكنها أن تشكل قوائم البناء وصرح التواصل مع كل بيت ومع كل محروم، لأن خيم الفضائيات تنصب كل يوم في صحراء تزداد قحطاً فكرياً وعلمياً..كما تنفث غبارها المسموم ورياحها الصفراء المثقلة بجراثيم التيه وفيروسات السلف الطالح مغرقة أحياء بلداننا بمزيد من التعتيم ومزيد من التهويل والترهيب والإرهاب..لهذا أرى أن تدرس الفكرة بشكل عميق وأن تدعم من كل المفكرين طوعاً ،كي تكون منارتهم وبيتهم الحامي للنقاء ولنشر المحبة على أساس المواطَنة كسقف يحوي الجميع على تنوع مشاربهم ومذاهبهم، وعلى اختلاف أعراقهم وأجناسهم.
يقترب الحوار اليوم من عَقدِه الأول، والذي آمل أن يكون البداية لعصر تنوير وإنقاذ من براثن ماموت الاضطهاد والاستبداد ، وطاغوت الإنحراف والإنهزام أمام المد الديني المتطرف...تشرئب أعناقنا نحوه اليوم ونشعل شموعه التسعة آملين ومعلقين عليه الآمال ليكون اليد، التي كسرت جليد التعصب وأشعلت قناديل الفكر في ظلام لطخ التاريخ ومازال يعمل تلطيخاً وتسويداً من خلال كتب المعسكرات الليلية وخفافيشه المعتاشة على التشرذم والتفريق والتشتت وإلحاق الهزائم كي يتسنى له السيادة والقيادة..فجعل من تربة الفكر ميداناً تخريبياً وتقويضياً لعلمانية نرى فيها مخرجاً من عنق زجاجة وضعنا فيها منذ نصف قرن وها ننحدر إلى درك يخيف ويبعث الرهبة من القادم ..لصعود الروابط الطائفية والمذهبية والعشائرية والإثنية على حساب المواطنة، لماذا تقف أمماً تتنوع أصولها وأعراقها وألوانها " كالولايات المتحدة، وغيرها من الدول" بينما يتصدع بنيان دولنا وتنهار قوائمه أمام معاول التفتيت المذهبي والسلفي...ويتدهور التطور العلمي والفكري ويهرب من نوافذ بلدان يحكمها العسكر وسياط الدين...وخير مثال على ما أقول مايجري في بغداد معقل العلم والأدب والفكر والفن...يحولها وزير " يسمى وزير تربية وتعليم" ..مع أن التسمية المناسبة لمقامه هي وزير التجهيل والتهويل...حين يغلق معاهد المسارح والفنون...فأين منا قندهار وطالبان؟...نحذو حذو المرض ونغرق في بحر من طين يئد حضارة بلاد الرافدين ويحرق ربيعها النضر...كم من المسؤوليات تقع على عاتق كل من يكتب أو يقرأ الحوار؟ ...مشوارنا مع التنوير شاق وطويل...لكننا نسير بخطى ثابتة ايماناً منا بأن البناء يحتاج لسواعد ولفكر ومنبر هو الحوار ، الذي استوعبنا...وكان بيتنا وملجأنا حين شُردنا وأُبعدنا من صفحات الإعلام الوطني...ومن أبواب ومؤسسات الفكر..الذي ينشد الحرية.
أهنيء الحوار، أهنئكم، وأهنيء نفسي بعيدنا التاسع...وإلى مزيد من حضارة وحوار أكثر تمدناً وتطوراً.
ــ باريس 12/12/2010



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن