العولمة والهوية الثقافية

مصطفى العبد الله الكفري
moustafa.alkafri@gmail.com

2004 / 9 / 17

"نحن أمام معارك سياسية وحضارية فظيعة، العولمه هي الامركة، والولايات المتحدة قوة مجنونة، نحن قوة ثورية خطيرة، وأولئك الذين يخشوننا على حق. إن صندوق النقد الدولي قطة أليفه بالمقارنة مع العولمه. في الماضي كان الكبير يأكل الصغير، أما الآن فالسريع يأكل البطيء".
ولكن العولمه بالمفهوم المعاصر ( الامركة ) ليست مجرد سيطرة وهيمنة والتحكم بالسياسة والاقتصاد فحسب، ولكنها أبعد من ذلك بكثير، فهي تمتد لتطال ثقافات الشعوب والهوية القومية والوطنية، وترمي إلى تعميم أنموذج من السلوك وأنماط أو منظومات من القيم وطرائق العيش والتدبير، وهي بالتالي تحمل ثقافة ( غربية أمريكية ) تغزو بها ثقافات مجتمعات أخرى، ولا يخلو ذلك من توجه استعماري جديد يتركز على احتلال العقل والتفكير وجعله يعمل وفق أهداف الغازي ومصالحه. وأكد ذلك الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حين قال في مناخ الاحتفال بالنصر في حرب الخليج الثانية : " إن القرن القادم ( القرن الواحد والعشرين) سيشهد انتشار القيم الأمريكية وأنماط العيش والسلوك الأمريكي"
إن الحق الإنساني يخول لكل أمة أن تتميز عن غيرها من الأمم بما تمتلكه من مقومات حضارية تعمل على تشكيل هويتها الثقافية، وصيانة خصوصيتها الوطنية، وتمنحها حق الاختلاف والتمايز، كما تجعلها قادرة على التعاون مع بقية شعوب الدول الأخرى كشريك منتج له شخصياته الفردية لا كتابع أو مستهلك أو مروج لما ينتجه الآخر، وتتمثل هذه المقومات الحضارية في كل القيم الرمزية للأمة.
ويبدو أن ظاهرة العولمة – من منظور الشمولية الكونية - باتت تطال المجتمعات الوطنية والقومية في مقوماتها الثقافية الأساسية. الفكر واللغة والآداب والفنون والتاريخ والعادات والتقاليد وحتى أنماط العيش والسلوك. مما يضع الدول أمام أخطر تحد - بعد زوال الاستعمار الاستيطاني والحرب الباردة – وهي تستشرف الألفية الثالثة.
تشير القرائن والمعطيات الماثلة في الساحة الدولية المعاصرة، إلى أن الصراع القادم –خلال الألفية الثالثة – إنما هو صراع حضاري مناطه القيم الرمزية والثقافية للأمة، أكثر مما هو صراع اقتصادي على المنافع المادية وإن كانا متلازمين.
ومن المعروف أن السيادة الوطنية التي كانت الحكومات والدول تدافع عنها في وقت ما بالقوى العسكرية، أصبحت الآن تعتبر قيدا غير مرغوب فيه على حرية الشركات غير الوطنية، ونلاحظ اليوم أنه حتى بالنسبة " للقوى العظمى" العالمية لا بد لها أن تفكر جيداً في الآثار والنتائج الخطيرة إذا قامت بأعمال عسكرية خارج حدودها، وذلك بدون استشارة الدول الأخرى.
إن الدول لم تعد قادرة على التحكم وبكل سيادة فيما تصنعه وما تشتريه، وأنه ولأول مرة في تاريخ البشرية، أضحى كل شيء يمكن أن يصنع في أي مكان ويباع في كل مكان، كما أن الحكومات لم تعد تتحكم في اقتصادها الوطني، وأن تنفيذ السياسات الوطنية يعتمد أساساً على التعاون مع الشركات والحكومات الأخرى.
كما إن الحكومات الآن لا يمكن أن تغلق حدودها لمواجهة الأمراض المعدية، أو المخدرات، أو الإرهاب، كما أن القطاع الخاص والإعلام أصبح يتحكم في نظم الدعاية بصورة أكبر من أي نظام شمولي عرف على مر التاريخ.
إن العولمة تهدف لدى كثير من الباحثين المتمرسين في بحث هذا الموضوع إلى توحيد العالم على أساس نظام نموذجي أحادي يلغي خصوصيات المجتمعات الناشئة والصغيرة وتكريس ثقافة المجتمعات القوية المسيطرة والمتفوقة لفترة أطول .
وفي مقابل ما يطرحه (فوكوياما) من أن نهاية التاريخ الذي زعمه حقق غايته المتمثلة في الحرية والمساواة، وفق النموذج الليبرالي، أعتقد من جهتي بأن الصراع سوف يصبح أكثر شراسة، وسيشمل مجالات أوسع في ظل العولمة، التي تعني فيما تعنيه من أوجهها المتعددة، هيمنة نمط ثقافي معين، هو تحديداً النمط الثقافي الغربي عموماً، والأمريكي بوجه خاص، وما تحاول أن تفرضه وسائل الإعلام الأمريكية بصفة أخص على العالم وعلى المجتمع الأمريكي نفسه، وهو ما يفسر الصرخات الرافضة أو المتخوفة من هذه الهيمنة.
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد
gasomfa@scs-net.org

- توم فريدمان، جريدة الشرق الأوسط ، العدد الصادر بتاريخ 2/3/1997 .
- الأسبوع الأدبي ، العدد رقم 602 الصادر بتاريخ 14/3/1998 ص 19 .
- الدكتور حلام الجيلالي، العولمة والهوية الثقافية، بحث مقدم إلى الملتقى الدولي حول الجزائر والعولمة – جامعة قسنطينة، الجزائر نوفمبر / تشرين الثاني 1999.
- الأبعاد المتعددة للعولمة /الآثار والنتائج، بحث للدكتور محي الدين مختار، مقدم إلى الملتقى الدولي حول الجزائر والعولمة – جامعة قسنطينة، الجزائر نوفمبر / تشرين الثاني 1999.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن