هلال ذي الحجة

نضال نعيسة
nedalmhmd@yahoo.com

2010 / 11 / 7

بعد جهد جهيد، وانتظار مديد، حلت معضلة معرفة يوم عيد الأضحى المبارك جاء في الأنباء أن ت المحكمة العليا في السعودية أثبتت، وكل الحمد والشكر لله، رؤية هلال شهر ذي الحجة مساء اليوم السبت وبذلك يكون الوقوف بعرفة يوم الاثنين التاسع من شهر ذي الحجة الموافق للخامس عشر من شهر نوفمبر وعيد الأضحى المبارك يوم الثلاثاء العاشر من ذي الحجة الموافق للسادس عشر من نوفمبر الجاري .
وأخيراً، وكما يوحي الخبر، فقد تنفس المسلمون الصعداء وعرفوا متى يكون عيد الأضحى المبارك، ولولا المحكمة العليا، وفضلها الكبير لحرم البشر من هذه النعمة الكبير وربما لن يكون بمقدورهم الاستمتاع بعيد الأضحى المبارك. (لا أدري لماذا هو مبارك في الوقت الذي تذبح به مئات الآلاف من الأضاحي بطريقة وحشية وغير عصرية، وفي الوقت الذي تعيش في الأمتين العربية والإسلامية أردأ الأحوال والأوضاع البشرية فقراً، ونهباً، وتجويعاً، وقمعاً، وديكتاتوريات، وتخلفاً، وحروباً أهلية طاحنة وتشرذماً وتفككاً مجتمعياً رهيباً، وانفصاماً حضارياً مريعاً، ومرعباً)، هل هناك أية بركة في هذا، وأية احتفاليات والوضع على ما هو عليه؟ والسؤال لماذا لا يحتاج "الكفار والمشركون" في كل مرة لهيئة علماء و"اضرب واطرح"، كي يدلوا شعوبهم على يوم الميلاد والهالوين "Halloween" ورأس السنة، والفالانتين والـ"Good Friday" والـ"Easter"، طال عمركم أجمعين؟ هل لأن التقويم الهجري غير علمي وغير دقيق وغير صحيح؟

ولا ندري لماذا تجهد هذه الهيئة الدينية وغيرها وتشغل نفسها وتشغلنا، ولا تقوم الهيئات الدينية بالاستعانة بمختبرات الأرصاد والأبحاث الفلكية في الغرب العلماني الكافر حيث يمكن تحديد ظهور الهلال وغيابه لمائة عام وأكثر، وإعفاء هذه الهيئات الدينية من مهامها وعملها والتوجه إلى قطاعات إنتاجية يقدمون به شيئاً للبشر بدل تضييع أوقاتهم الثمينة في هذه الأشياء التي باتت تعتبر بديهيات علمية وفلكية، وهي أمور مقدور عليها، وقد استطاع المرحوم العالم اليهودي إلبرت إينشتاين من تحديد حركة الكواكب والمجرات ومتى سيرتطم هذا النيزك مع ذاك الشهب، أو ذاك الكوكب مع ذويك المذنب وبعد ألف عام، وقد حدد لنا مثلاً موعد مرور المذنب هالي بجوار الأرض وأنه لن يعود إلى الظهور إلا بعد سبعين عاماُ من الآن وقد صدق في ذلك بالثانية والدقيقة بمعادلات رياضية خارقة غاية في ، وهذا ما تعجز عنه المحكمة العليا في السعودية وكل علمائها، وجل إبداعهم وعلومهم ينحصر في فتاوي مثل إرضاع الكبير، والاستماع لشهود عيان يقسمون اليمين بأنهم قد رؤوا الهلال، وبناء عليه تحتفل أو لا تحتفل أمة لا إله إلا الله بأعيادها. الدقة ( لا أدري لماذا لم يحدد زغلول النجار لنا متى سيحدث أي شيء من هذا القبيل وكل حديثه عن الإعجاز مستوحي من كتب علمية غربية وبناء على ما توصل له الغرب من مخترعات ومكتشفات).

فلماذا لا يأخذ علماء العرب والمسلمين بعلوم الغرب "الكافر والمشرك"، باعتباره أكثر دقة وتحديداً، وهناك تنبؤات فلكية صادقة وموثقة ويمكن الاعتماد عليها، بدل الانتظار كل هذا الوقت وقبيل أيام أو ساعات لمعرفة متى الاحتفال بهذه المناسبة الدينية. ويمكن أن يرشد المؤمنين إلى الكثير من القضايا الأخرى أيضاً، ولا يتوقف الأمر عند هذا، وذلك من خلال الهواتف النقالة التي باتت تحسب بالثانية مواعيد الآذان وأوقات الصلوات، والسحور، والإفطار وغيرها من الممارسات والطقوس الضرورية لحياة المؤمن التي لا يستطيع العيش من دونها.

ويرفض "العلماء" إياهم اللجوء إلى علوم الغرب الفلكية تحت الذرائع إياها المعروفة، بسبب الثقافة، إياها، التي ترفض الحداثة وترفض الأخذ بكل ما من شأنه أن ييسر ويسهل أمور الناس رغم أنهم يقولون أن الدين يسر، ويصرون على التمسك بتلك الآليات البدائية والمنقرضة التي أكل الدهر عليها وشرب، ناهيك عن عدم دقتها أحياناً، أو استحالة تحقيقها مثلاً في ظروف معينة، وظل وجود أجواء ماطرة وعاصفة وغائمة حيث لا يمكن رصد لا الهلال ولا حتى الشمس في عز الظهيرة، أو إذا كانت الأجواء ضبابية حيث تنعدم الرؤية لأمتار قليلة. غير أن هذا المنهج وهذه الطريقة في رفض الحداثة هي انتقائية أيضاً، وغير أخلاقية، ويا ليتهم يرفضون الحداثة وكل مفرزاتها بالمطلق، إذ لا يتورع نفس هؤلاء العلماء بالاعتماد على الغرب في المأكل والمشرب والملبس واستغلال والعبث بالتكنولوجيا الغربية وتوظيفها لمآربهم غير الإنسانية وغير الحضارية والتي فيها أذى وضرر للناس كإنشاء القنوات التحريضية المهلكة التي يقول البعض بأنها كانت وراء مذبحة كنيسة سيدة النجاة المروعة، في حي الكرادة في بغداد حيث انهال المبرمجون بوابل من الرصاص والقنابل ضد مصلين ومؤمنين عزل، وفي الوقت الذي امتنع كبار ورموز هذه الهيئات الدينية ، ما غيرها، التي تبشرنا بالأعياد، عن إدانة تلك الجريمة البشعة بحق أولئك الأبرياء. ولو أنهم فعلاً يرفضون الحداثة ولا يتعاملون معها بانتقائية غريبة وغير أخلاقية، لما كان لدينا أية مشكلة مطلقاً، ولما تعرفنا على تلك الرثاثات الصحراوية المقيتة والفظيعة، ولربما كان احتفالنا، وفرحنا، عندها، أكبر من فرح واحتفال هيئات الإفتاء، والحجاج، بمعرفة موعد عيد الأضحى "المبارك".

وبالمناسبة ما دام لدى هيئات العلماء والإفتاء، مع صاحبهم "أبو الإعجاز"، الحلول السحرية لكل شيء كما حلوا معضلة هلال ذي الحجة العظيمة، وباعتبار أنهم أوصياء على رقاب، وعقول، ودماء هذه الشعوب، أن يدلوها نفس الشعوب الهائمة والتائهة في أتونات الجهل والفقر والأمراض والأوبئة العضال، على كيفية الخروج من هذه الأنفاق الظلماء، وكيفية رفع مستوى هذه الشعوب معيشياً ,وإنسانياً من قوائم الفساد والديكتاتورية والأمية والجهل، وما هو الحل الرباني كي تتمتع هذه المجموعات البشرية بكرامتها وعيش رغيد تماماً مثل "الكفار والمشركين في الغرب"، و(لا مؤاخذة يعني)، بدل إضاعة وقتهم ووقتنا الثمين بقضية عادية كقضية هلال ذي الحجة وذلك بالاعتماد على مخترعات وعلوم الكفار وليس على إعجاز وخزعبلات النجار.

ويبقى السؤال الأخير ماذا لو ارتطم جرم سماوي بالقمر ونسفه من جذوره، كيف سنعيّد من غير هلال؟ هل يوجد حل لهذا السؤال الإعجاز وكل شيء وارد علمياً حسب نظرية الاحتمالات العلمية المعروفة؟ آن الأوان كي نأخذ بأسباب العلم والحضارة والتقدم وتوظيف العلم في خدمة المجتمع وقضاياه، والتخلص كل ما بات في حكم الموات بحكم التقادم وقانون النشوء والارتقاء الطبيعي والإجباري الذي يفرز كل بال وقديم، وما دون ذلك فهو إصرار وعناد على إعلان الحرب والصدام مع العلم والمنطق والعقل والفطرة نفسها، ما غيرها، ومع البشرية جمعاء.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن