مابين تلبية مبادرة السعودية و رفضها

عماد علي
emad19634@yahoo.com

2010 / 11 / 5

قيل الكثير عن المبادرة السعودية حول اجتماع الكتل العراقية الفائزة في الانتخابات النيابية في الرياض، و هي المتاخرة نوعاما للاتفاق و الخروج من ازمة العراق الحالية، و لترى الحكومة الجديدة النور من خارج الحدود. و الجميع تفاجأ و اندهش حقا بهذه المبادرة غير المعروفة القصد بشكل واضح الا ما يمكن ان تفرزه التحاليل السياسية المنطقية المحايدة، و الغريب في الامر انها جاءت من دون مقدمات او تخصيب ارضية او ايحاءات مسبقة، و جاءت بعد سبعة اشهر من الاحتدامات السياسية و النقاشات و المناورات و التصريحات و الزيارات المكوكية للكتل السياسية الى جميع الدول المعنية بالعراق في استراتيجياتها السياسية و بعد جر و دفع، و في خضم احتمال الوصول الى نتائج معينة بعد مبادرة البارزاني، انطلقت من الرياض ما يمكن ان تعيد اللعبة الى بداياتها ، و المحير في الامر انها جاءت بعد قرار المحكمة الاتحادية التي مهلت الكتل اسبوعين فقط على الخروج من هذا النفق و ألزمت الكتل تحمل المسؤولية و الحد من الاطالة و المماطلة و التفريط بالوقت في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العراق الحديث، و الا، ان القانون و الدستور و النظام العراقي الجديد على المحك ان تجاوزت الكتل اعلى مرجعية قانونية في البلد، و المندهش ايضا ان مبادرة البارزاني قد قطعت شوطا كبيرا و تمهدت لها الكتل باجتماعات متواصلة لوضع النقط على الاحرف ، و حان الوقت المناسب لاختيار الجميع الطريق الصحيح و كيف يشارك و بطريقة صحيحة، و جاءت المبادرة السعودية التي اعتبرت بمثابة قنبلة مدوية و افرزت العديد من التساؤلات و كانت هي بنفسها مثيرة للشكوك من النوايا التي وراءها نتيجة الاحراج المصاحب معها من الوقت و الجهة التي تعتبر طرفا في الصراع الاقليمي الدائر على ارض العراق و الاسباب الموجبة لمثل هكذا مبادرات، فوصفت بانها ولدت و هي ميتة من جهة و انها جاءت معيقة للخطوات و ليس مسهلة لها و انها افلقت بصيص النور التي ظهرت في اخر النفق و انها عقدت الامور بدلا من ان تحلها، لا بل تشابكت تداخل المعادلات و يمكن ان تحدث الفوضى في اخر المطاف، الى اخره من المواقف العلنية و السرية التي انطلقت بعد هذه المبادرة فورا.
ان كان هذا ما يقال و توصف به المبادرة السعودية من قبل الاطراف المختلفة من جهة، و في المقابل هناك من يدعمها و اعلن تلبيته لها فورا و كأنها نزلت من السماء و فتحت الطريق له دون ان يتريث قليلا و يدرسها و من ثم يعلن موقفه ، و الموقف جاء لمجرد انها جاءت من طرف يعضده في السراء و الضراء ليس حبا به بقدر ما تفرضه الصراعات الاقليمية و السياسات الاستراتيجية لها، و اعتقادا منه بانها لصالحه مهما كانت النتائج بمجرد انها جاءت من هذه الجهة بالذات و ليس غيرها ، و لم تضع اية جهة كانت المصالح العراقية امام اعينها وان تفكر بشكل حيادي لوهلة بعيدا عن المصالح الذاتية و من ثم تقرر، و هذا ما يطرح السؤال حول التاكد من مدى ولاء الجهات للعراق قبل غيره.
ان وضحنا نحن هذه المبادرة و ما تهدف اليه بشكل حيادي استنادا على الركائز العلمية بعيدة عن المصالح و الايديولوجيا، واستندنا على الوقت بالذات لكشف الحقائق و من ثم المعطيات على الارض و بعيدا عن توجهات اية جهة كانت ، لابد ان نضع امام انظارنا الصراعات الدائرة و الخفية بعض الشيء بين توجهين و قوتين في هذه المنطقة التي يقع فيها العراق و تجري رحاها بعد سقوط النظام داخل العراق بشكل واضح و صريح، و في هذه الاثناء يمكن ان يفكر كل طرف فيما ذاهب اليه العراق بعد انسحاب القوات الامريكية و ما يكون دوره و مواقفه في الصراعات الاقليمية الكبرى و كيف يستقر و ما تفرضه شروط المصالح العراقية العليا في خطواته حينئذ.
شعرت السعودية بان الطريق قد وصلت الى نهايتها بعد قرار اجتماع الكتل و تاكدهم على بحث مبادرة البرزاني في اقليم كوردستان ، و ان الحكومة ستكون ضمن هذا الخط و ربما تاكدت بان ما يمكن ان تتوصل اليه الاطراف في اربيل ليس لصالح استراتيجيتها، او بالاحرى انها ضد مصالحها بشكل مطلق، لذا ان هي حاولت تاخير ما يمكن ان تصل اليه الاطراف او حاولت سحب البساط من تحت ارجل مبادرة البرزاني على الرغم من انها انكرت ذلك و التي هي ان كانت تحتوي على مجموعة من النقاط للشراكة الحقيقية و سلطات متوازنة و متساوية للجميع ،فانها ربما تنجح في ضمان ما تذهب اليه و تعتبرها لصالح مستقبل بلدها ، الا انها ان نجحت الاجتماعات الدائرة حول مبادرة الرزاني باعتبارها لصالح القوة المقابلة حسب تفكير السعودية، و بهذا الشكل لن يكون هناك اي دور للسعودية و للخط الذي يقف بالمرصاد لما يجري في العراق و الكتل الكبيرة على اعتبارها من الخط المقابل،و هي تعتقد ان التاخير و هدر الوقت و عدم الوصول الى مثل هذا الحل يكون لمصلحتها في هذا الوقت. و جل ما تصر عليه السعودية ان لا تتغير المعادلات لصالح المقابل في هذه المنطقة، وانها ما توصلت اليه و فكرت في اعادة اتفاقية طائف اخرى في العراق كي تتخذها غطاءا لبقاء الباب مشرعة في اي خطوة تراها من واجبها الاخذ بها لضمان نجاحها في سياساتها الاستراتيجية . و الدلائل الواضحة و كيفية طرح المبادرة تؤكد لنا كم كانت ارتجالية و سريعة و طبخت من المؤسسات السعودية الداخلية و لم تدرس خارجيا من قبل اي كان و حتى الجامعة العربية التي ذكرت بانها تكون تحت مظلتها لم تعلم بها الا بعد حين كما صرح امينها العام ، و هذا ما يثبت مدى الارتباك في اتخاذ القرار لطرح المبادرة دون تخصيب الارضية مسبقا، وكما فرض هذا الخلط توضيح وزير الخارجية السعودي في اليوم التالي، و الغريب اننا لم نسمع يوما حتى تلميحا سوى كانت عراقيا او من دول المنطقة او الكبرى حول اجراء مثل هكذا اجتماعات او طرح مبادرة كما جرى الان.
اما داخليا فهناك مطرقة قرار المحكمة الاتحادية و ما فرضتها من الالتزام بالوقت و الجهات المستفيدة منها و سندان الضغوط الخارجية و التدخلات الكبرى و السافرة على الجهات و الجهات المستفيدة من هذه التدخلات ايضا، و المواقف المتخذة المستندة عليها.
لذا انا على اعتقاد بان الازمة لن تحل بهذه المبادرة ان اهملت مبادرة البرزاني او ان لم تصل الاطراف الى الحلول النهائية في هذا الوقت ، و ما تؤول اليه الاجتماعات و النقاشات ان لبيت مبادرة السعودية سوف تؤدي الى انفاق مظلمة اخرى، و ستكون لهذه المبادرة نفس المصير و العملية السياسية ستتراوح مكانها ، و يجب الا ننسى ما يفعله الطرف المقابل ، و كما شاهدنا من رد فعل سريع و ما جري من اتصال هاتفي بين وزير خارجية ايران و البرزاني في الوقت االذي كانت علاقاتهما تشوبها التعكر لاسباب اعلامية، وبهذا ربما ستطول المشاكل و تبقى اية اتفاقية مشابهة لما جرى في الطائف حول لبنان و لحد اليوم تعترف بعض الاطراف اللبنانية بها و لم تعر اخرى اي اهتمام بها .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن