الرجل الخطأ- الحلقة الخامسة

حوا بطواش
hawa_sagas@yahoo.com

2010 / 11 / 5


عجبتُ للتغيّر الذي شهدت في فراس حين جاء ليقنعني بالعودة اليه، وأنا وقعت في حيرة. كنت أحبّ عامر، وأريده لنفسي بشدة، حيث رأيته مصدر سعادتي وراحتي كامرأة. وكنت أحبّ ابنتي حبا كبيرا، وأريد لها الأفضل، حيث رأيتها مصدر سعادة وراحة لي كأم، وأريدها أن تعيش طفولتها بسعادة وأمان، تماما كما كانت طفولتي أنا او أكثر. ليلى تستحق ذلك. ولكنني لم أستطِع اتّخاذ أي قرار الى حين حديثي مع فادية على الهاتف، حيث كان له وقع شديد الوطأة على نفسي. وخاصة أنه صادر من امرأة محرومة من الأولاد، وكنت أعلم كم كانت تتوق الى ان يرزقها الله بابن او ابنة! فتأثرت كثيرا بكلامها حين قالت انها لو كانت في مكاني لضحّت بنفسها من أجل ابنتها!

قررت العودة الى زوجي. ولكن... كان عليّ القيام بأمر في غاية الصعوبة قبل ذلك، أن أواجه عامر.


طلبت منه اللقاء. جلسنا في صمت طويل ولم أعرف كيف أبدأ الكلام. كانت لحظة صعبة ان أفترق عنه مرة ثانية. ولم أعرف كيف أخفّف عنه وطأة المفاجأة حين أخبره أنني سأهجره وأعود الى زوجي، مخالفة بذلك كل وعودي.

"أحسّ ان في فمك كلاما مهما." بادرني بالكلام، وكانت نبرة صوته مشحونة بالحزن والشجن، وكأنه كان يعلم ما كنت انوي قوله، او يحسّ به.

تنهّدت قليلا، ثم قلت: "عامر... لقد أمضيت الأيام السابقة في تفكير طويل وشاقّ... حتى توصّلت الى نتيجة ترضيني وترضي ضميري ووجداني."

توقّفت عن الكلام وأطرقت رأسي أفكّر. فسأل بمزيج من العجب والتردد: "بشأن ماذا؟"

أجبته: "بشأني أنا... وأنت... وعائلتي."

فسأل: "وما النتيجة التي توصّلت اليها؟"

قلت: "أريد ان تسمعني جيدا وتحاول أن تفهمني." رأيت عينيه تلتمعان بشدة داخل فتحتيهما، وهو ينتظر كمالة كلامي بفارغ الصبر. "عامر... لقد أحببتك كثيرا، وتمنيت لو كان بإمكاننا أن نكون معا. ولكن... ثمة ظروف انت تعرفها جيدا منعت منا ذلك قبل خمس سنوات. والآن، ها نحن قد التقينا من جديد، في ظروف مختلفة، أحببنا من جديد وعشنا في حلم جميل... جميل جدا!"

توقّفت عن الكلام وأخذت أحدّق في عينيه طويلا، وانا أحس بالألم في احشائي.

"صوفيا، ماذا تعنين بهذا الكلام؟" سألني بتردد.

"عامر، انا آسفة! ولكننا لا نستطيع ان نكون معا."

"ماذا؟!" هتف مصدوما. "لا، يا صوفيا. أرجوك، لا تقولي ذلك! لا تفعلي ذلك ثانيةً!"

"أنا آسفة! آسفة جدا، يا عامر. ولكنني لا أستطيع أن أكون معك. هذا مستحيل! مستحيل!"

"لماذا؟ انت قلت لي..."

"أعرف ما قلت. ولكن..."

"ولكن ماذا؟ ماذا حصل منذ المرة الماضية؟"

"لقد جاء اليّ فراس وطلب أن نعود، ووعدني بأن يتغيّر و..."

"وانت صدّقت ذلك؟!"

"أنا لا أملك خيارا آخر. أرجوك أن تفهمني. يجب ان أعود اليه، ليس من أجلي، ولا من أجله، بل من أجل ليلى، ليلى فقط."

"سيكون خطأ كبيرا لو فعلت ذلك، يا صوفيا، وانت تعلمين ذلك."

"كلما نظرت اليها يكاد قلبي يتمزق حرقةً عليها. انها طفلة بريئة. لا ذنب لها بكل ما حصل. لا ذنب لها بأخطائي. لا أريدها ان تدفع ثمن أخطائي. أريدها أن تعيش مثل باقي الأطفال من حولها، مع والدين يحبانها ويرعيانها معا. لا أريد أن تشعر بأي نقص. أريد لها طفولة سعيدة. انها تستحق ذلك مني."

"ولكنك بذلك تضحّين بنفسك من أجلها، وتضحّين بسعادتك وراحتك. أتظنين أنها سترضى بأن تعيش أمها تعيسة طوال حياتها بسببها؟ بسبب سعادتها هي؟"

"سأحاول ان أبحث عن سعادتي معها ومع والدها. ثم ان فراس يبدو لي نادما بحق، ووعدني
بأنه ..."

قاطعني بغيظ واحتداد: "ان كنت تصدّقينه فافعلي ما شئت!"

اندفعت لتهدئته: "عامر، أرجوك ألا تغضب مني. أنا أعرف أني ظلمتك كثيرا، ظلمتك في الماضي وها انا أظلمك الآن من جديد. ولكن... عليك ان تفهم ان سعادة ابنتي الآن تهمّني أكثر من أي شيء آخر في هذه الدنيا. أرجوك أن تسامحني. أرجوك."

لم يقل شيئا. رشقني بنظرة ذات بريق غريب... وغامض. عرفت أنني تسببت بجرحه كما في المرة الماضية... وربما أكثر!

ترك المكان دون قول شيء.

عدت مع زوجي وابنتي الى تل أبيب. عدت محمّلة بالأمل لفتح صفحة جديدة وصافية مع فراس. عدت من أجل ليلى. وكنت مصرة على بذل كل ما بوسعي من أجل سعادتها وسعادتي... وحتى سعادة فراس. كان التغيّر واضحا فيه. لم اعلم ان كان ذلك تصنّعا أم جهدا حقيقيا لإرضائي وكسب مودّتي. لم أكن قد سامحته في داخلي على خيانته، وكنت ما أزال أحسّ بالإهانة والطعن بكرامتي. ولكنني حاولت جاهدة تناسي الأمر وتجاهله.

"صوفيا،" قال لي بجدية بالغة. "عزيزتي، أرجو أن نكون قد استفدنا وتعلّمنا مما حصل بيننا، ونسعى لبداية جديدة من حياتنا، ولنحاول أن ننسى ما حصل. أعرف ان ذلك ليس بالسهل، ولكن لنفعلها على الأقل من اجل ابنتنا، من اجل ليلى. صدّقيني، سأبذل جهدي كي أعوّضك عن كل شيء، فأنا أحبك بحق! وهذه المدة التي كنت بعيدة فيها عني علّمتني اشياء كثيرة. علّمتني كم أنا أحبك ولا أريد ان أخسرك."

ثم أمسك بيدي، فجأة، وتحسّسها برقة. "هل تصدّقينني؟" سأل.

رمقته بنظرة طويلة، وفي داخلي لا أعرف حقا ما أحسّ، وما يجب أن أجيب. عرفت فقط أنني لم أرَه بهذه الرقة، ولم أسمعه بهذه العذوبة منذ ان عرفته، وقد أمدّني كلامه ببعض الراحة وزرع في نفسي الأمل الذي كنت بأمسّ الحاجة اليه. ولكنني بقيت أتساءل في نفسي: ترى، هل كان يعني ما يقول؟

يتبع...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن