حكومة من تنك، وقَتَلة من ذهب، وإعلام خردة!

سلام عبود
salam333000@yahoo.se

2010 / 11 / 4

مهزلة الموت العراقي
أمامي الآن مقالان (بيانان) حكوميّان، نشرا في الجريدة الرسمية للحكومة العراقية (الصباح) - أنا أفضل أن يتم تغيير اسمها الى (الليل)- في صفحتها الأولى بالخط الأحمر العريض. المقال الأول نشر في 1- 11 العدد 2098، والثاني يوم 3-11. يقول المقال الأوّل للثاني: أنت كذاب ووقح! فيرد الثاني على الأوّل: صه أيها المنافق اللعين! أنت خبيث وابن ستين كذاب!
بين المقالين يقف السيد وزير دفاع الجيش الذهبي على منصة (الفضائية العراقية) الحكومية أيضا - أنا أفضل أن تسمى الفضائية العَرَقية، من بُطل عرق، لأن القائمين عليها مساطيل من فرط الإدمان على حب العراق وحب نهبه وتعذيبه!- بمعية مذيع من جماعة الإعلام العراقي، ماركة "دهن حرّ"، يتبادلان القفشات المسليّة والأسئلة البليدة، المرتبّة في أروقة جامعة سوق مريدي للإعلام الحرّ، يعلسانها ببرودة أعصاب مثيرة، لا يملكها أعتى القتلة والساديين. كلمات الوزير والمذيع تقول لمقالَيّ، أو بيانيّ الحكومة، السابقين: إن من كتبكما جحش وابن ستين جحش، نحن الصادقان. ما نقوله هو الحقيقة الذهبية المطلقة، التي تعبّر عن فكر وسياسة وعقل العراق الجديد.
لنتأمل قليلا في هذه الرطانة المخجلة التي اسمها سياسة، لكي نعرف من منهم الصادق ومن الكاذب، من هوالجحش، ومن هو اللاجحش!
# # #
ماذا قال مقال يوم الإثنين 1 -11 ؟
عنوان كبير باللون الأحمر يقول: "نجاح قوات الأمن في اختبار تحرير رهائن كنيسة (سيدة النجاة) واعتقال ثمانية إرهابيين".
فورا، من العنوان، يتضح جليّا أن القاعدة لم تكن تهاجم، وإنما كانت تختبر وتمتحن قوات الأمن وتتبادل معها التمارين والتدريبات. وقد أثبتت هذه القوات أنها ناجحة في الاختبار، باعتراف أساتذة الفن العسكري العالميين من دون استثناء. أمّا سبب الإجماع الدولي على هذا النجاح فيعود الى أن كلمة"نجاح" تعبير ذو طبيعة نسبية، ولهذا فإن نسبة النجاح في عملية تحرير الرهائن أخذت بعين الاعتبار أن هذا النجاح العظيم حدث في بلد لم يعرف أو يسمع أو يدرك بعد ماذا تعني كلمة انفجار، بلد عاش منذ قرون طويلة في فردوس السلام الاجتماعي، حتى كاد مؤرخوه أن ينسوا كلمة قتل وتفجير وإرهاب. فمبروك لنا جميعا هذا النجاح المبهج، وفي مقدمتنا أخواننا من المسيحيين السعداء!
يقول بيان الإختبار الناجح: "حصيلة الحادث بلغت شهيدين (زيادة في الثقة بالنفس والمصداقية، يضيف البيان المعلومة الخطيرة التالية) أحدهما مدني والآخر من رجال الأمن، إضافة الى 12 جريحا". أما عدد الرهائن المحررين، فكان" بحسب ما أعلن مراقبون أمنيون للصباح بلغ خمسين"، وقد "اعتقل جميع الإرهابيين وعددهم ثمانية". ورد هذا على لسان شخص اسمه قاسم عطا، قيل عنه إنه الناطق الرسمي باسم قوات فرض الأكاذيب.
أما البيان الصادر في 3-11 فيتهم القوى الحاقدة بتضخيم الحدث ويسميها "إعلام حاسد" و"غير بريء"، ويقول إن القتلى لم يتجاوزوا " 42 قتيلا، بينهم قساوسة وراهبات". وفي الصفحة الأولى، تحت عنوان "قداس للسلام في بغداد"، تنشر الصباح يوم الأربعاء، في العدد 2091 ، ما هو أعجب، حينما تقول: " مقتل واحد وخمسين رهينة، وشرطي واحد، وستة من الإرهابيين، واعتقال السابع".
أما وكالة ايبا- والخبر على ذمة الصباح أيضا- فقد نقلت "عن مصدر موثوق في الشرطة العراقية قوله "إن العدد النهائي لضحايا اقتحام المسلحين لكنيسة سيدة النجاة في الكرادة بلغ 45 قتيلا و 75 جريحا من بينهم ثمانية إرهابيين، إضافة الى عدد من منتسبي القوة العراقية التي قامت بتحرير الرهائن". وتذكر الوكالة أن عدد الرهائن كان 130 رهينة. أي لم يسلم منهم سوى عشرة، وإذا أخذنا رقم القتلى في الرواية الثانية مضافا الى ضحايا الرواية الثالثة يكون عدد من سلم من القتل والإصابة أربعة أشخاص فقط. أما المعتقلون من الإرهابين فهم ثمانية أو سبعة أو خمسة أو واحد أو أنهم قتلوا جميعا، أو ألقي القبض عليهم جميعا.
ماذا نسمّي هذه البيانات الخرقاء، يا رئيس الوزراء؟ وقاحة أم جهل، أم كلاهما؟
حينما نقرأ البيان الثاني، الذي يكذب الأوّل، نفقد تماما المقدرة على إدراك أهداف كاتب المقالين وغايته من الكتابة. هل يريد منا، نحن القراء، أن نهنيء أخوتنا المسيحيين بهذه الزيادة المفاجئة في عدد القتلى أم نعزيهم! وأعني هل هي مناسبة ناجحة أم فاشلة؟ وبدقة أكبر: هل نـُسعد بفعل نجاح التحرير أم نحزن؟ أرجو من رئيس الوزراء أن يُعلمنا بالضبط ماذا يُراد منا كمواطنين: هل نطلق الأفراح أم نعلن الأحزان؟ لقد أفقدنا إعلامكم الجاهل مقدراتنا الفطرية على الإرسال والاستقبال.
ربما يقول القارئ إنني أبالغ في مشاعري بسبب عدم البراءة الموروثة، أو بسبب الغربة التي زادت على ستة وثلاثين عاما، لكنني أقول الحق: إنني لست مبالغا، فحينما واصلت القراءة وجدت أن البيان الثاني كان راغبا حقا، بشرف، في تصحيح أخطاء النجاح الكاذب المعلن في الاختبار الأوّل، ولكنه للأسف أصرّ على فرض شروطه التعجيزية، حينما بالغ في إثبات عدم براءة الآخرين، كل الآخرين، الذين لم يبتلعوا بعد أكذوبة نجاح جيشنا الذهبي الباسل في مكافحة الإرهاب.
وما الضرر في إثبات عدم البراءة، التي يتحلى بها المشككون؟ الضرر يكمن في أن بيان الحكومة الصادر يوم 3-11 باسم مجهول، ومن مصدر مجهول، وبقلم مجهول، يقول على لسان مجهول: إن العمليات الإرهابية التي تلت حادث الكنسية لم تضرب بغداد كلها، كما إدعى الإعلام غير البريء. ويعلل المجهول ذلك قائلا إن العمليات الإرهابية لم تحدث إلا في : "مدينة الصدر والكاظمية والشعلة "جكوك" وحي العامل والكريعات والبياع والراشدية وحي الجهاد وبغداد الجديدة والغزالية والسيدية والحسينية وحي أور بالاضافة الى الكمالية، بحسب مصادر أمنية". صيغة الرد في المقال الثاني توحي لمن يقرأ النص جيدا أن كاتبها كان يسألنا شخصيا، بشكل مباشر، قائلا لنا باندهاش: هل تسمون هذه المناطق بغداد، أيها الجهلة؟
لذلك أجد نفسي مضطرا الى الرد بوقاحة قائلا: كلا مولانا، هذه طويريج.
أمّا ما يتعلق بعدد العمليات، فقد شدد بيان الحكومة على خسة الإعلام المعادي للعراق الحر، الذي جعلها خمس عشرة أو حتى ست عشرة عملية، في حين أنها لم تكن، في البيان الحكومي، سوى " انفجار 12 سيارة مفخخة، وأربع عبوات ناسفة ولاصقات ".
يا من تقفون خلف هذه البيانات السوقية: إن أطفال ما قبل المدرسة يعرفون أن حاصل جمع أربعة وأثني عشر هو ستة عشر. أي ستة عشر إنفجارا بالتمام والكمال، كما قالت وسائل الإعلام غير البريئة.
هنا نكتشف أمرا جللا في بنية هيئة الإعلام العراقي، التي تحرس بأمانة ما يكتب في صحف الحكومة: إما أن يكون أعضاؤها لا يجيدون العد الى العشرة، أو أنها قرأت بيانات الحكومة وهي مسطولة. وأنا أرجح التكهن الثاني، لأن أكثر من يشتغلون في الهيئة المذكورة هم بدرجة دكتورآآآآآآآآه.
أما عن سبب إخفاق جهاز الأمن في كشف التفجيرات فيجيب البيان الحكومي قائلا: لأنها حدثت غدرا "في فترة أذان المغرب تحديدا". وهذا يعني أن جيش العراق الذهبي المؤمن كان يتعبد خاشعا في صوامعه حينذاك، وأنه وثق بحسن إسلام القاعدة، فاستغلت القاعدة قدسية وقت الأذان في خططها الإجرامية. وهذا انتصار آخر، معنوي، يسجل لجيشنا، ودليل إضافي على لؤم القاعدة وفساد معتقداتها الطائفية، وطبعا هو شهادة سماوية، عملية، على تقوى وورع قواتنا المسلحة.
# # #
إذا تركنا بيانات الحكومة وعدنا الى الوزير سنرى العجب العجاب.
يقول الوزير البريء: كنا على اتصال دائم بالرهائن، وكنا على معرفة دقيقة بما يجري في الداخل من خلال الاتصال بهم - يرفع الوزير يده ويصنع علامة تدل على الاتصال الهاتفي. بيد أن الوزير ينسى ذلك ويقول في جواب عن سؤال آخر: لقد اضطررنا للمهاجمة، لم نحتمل رؤية أهلنا يقتلون، لأن الإرهابيين قتلوا طفلا وأمه، لمجرد أنه كان يبكي ولم تفلح أمه في إسكاته.
سؤالي الى الوزير الرحيم هو التالي: كيف تطلب من رهائن يقعون بيد إرهابيين على هذا القدر من الوحشية والتصميم أن يتصلوا بك هاتفيا، وأن يعطوك معلومات دقيقة طوال الحادث كله؟ أما خشيت عليهم من بطش الإرهابيين؟
يقول الوزير لم يكن تلافي أو التأني في الاقتحام ممكنا ، لأن الإرهابيين جاءوا لهدف واحد محدد هو قتل الرهائن، وأن العملية خططت منذ وقت، وقد دُرست وصورت المنطقة بدقة من قبل الإرهابيين. لكنه ينسى في موضع آخر ويقول: هاجم الإرهابيون سوق العراق للأوراق المالية أولا ، ثم توجهوا بعد ذلك الى هدفهم المرسوم: كنيسة (سيدة النجاة).
يا سيادة الوزير المبجل، أرجو منك أن تسمح لجاهل مثلي في أمور الفن العسكري أن يحاجج عبقريتك الحربية: هل يُعقل أن يقوم محترفون على هذا القدر من العناد والمهارة والدقة بخوض اشتباك جانبي، غير مبرر، وهم على بعد خطوات من هدفهم الأساسي، الذي حددوه ورسموه بدقة بالغة منذ زمن وتدربوا على تنفيذه وأعدوا مطاليبه وبياناته وأهدافه؟ هل يُعقل أن تكون وزيرا يا وزير؟
أما عن قضية كون المنطقة محصنة ومحروسة جيدا من قبل أجهزة وميليشيات وسيطرات ومعدات كشف المتفجرات، فيجيب الوزير: من المرجّح أنهم لم يأتوا بالأسلحة دفعة واحدة، بل جلبوها قطعة قطعة، ثم قاموا بتجميعها في منطقة الحدث. والسؤال الآن هو: ملا علي أم خوجة علي؟ لمّا كنتَ عبقريا الى هذا الحد في التخمين والاستنتاج، لماذا سمحت لهم بتكديس كل هذه القطع؟ وكم تحتاج من السنين لكشف تجميعها يا وزير؟ وهل كان مطلوبا منهم أن يعرضوها، عليك قبل التنفيذ، لأخذ الإذن بالمرور؟
يقول الوزير إن من قام بعملية تحرير الرهائن نخبة فريدة، نادرة، من الجيش المدرب بكفاءة خارقة على يد الأميركان، ولم يقتل منهم أحد، لذلك تم تسميتهم بالفرقة " الذهبية"، بدلا من قوات العقرب والحيّة والكلب الأجرب السابقة. أما بيان الحكومة ليوم الإثنين فيؤكد أن من بين من شارك بجدارة في الاختبار النوعي الناجح والتحرير "خمس فرق من الدفاع المدني". تصوروا! خمس فرق بالتمام والكمال! ويضيف البيان للتأكيد والتوثيق: كانوا " بامرة مدير الدفاع المدني بناء على طلب قيادة عمليات بغداد ، بحسب ما افاد به لـ (الصباح) العقيد كاظم بشير مسؤول إعلام الدفاع المدني".
قوات دفاع مدني تشارك في اقتحام موقع إرهابي في كنيسة يا وزير؟
سؤال آخر لا يقل تفاهة أوجهه الى الوزير، يقول الوزير: إن الإرهابيين حصروا جزءا كبيرا من الرهائن في غرفة صغيرة، وأنهم راحوا يرمون الرمانات اليدوية على الرهائن في قاعة الكنيسة؟
سؤالي هو: هل هم حمقى الى هذا الحد يا وزير، يلقون رمانات داخل قاعة صغيرة هم موجودون فيها من دون سبب، أو مبررواضح؟ وهل يمكن لأحد من محتجزي الغرفة الصغيرة الثانية أن ينجو( الغرفة بقياس خمسة في خمسة أمتار، كما قال الناجون)، إذا رميت رمانة يدوية وسطهم، أو لو انفجر حزام ناسف بينهم؟
الأسئلة المبكية والجدية كثيرة، وقد اكتفيت بعرض ما هو مسل وسينمائي منها، لكي لا يتشاءم الوزير ويترك منصبه خجلا أو إحراجا أو حزنا. لأن الوطن يحتاج الى عبقريته في هذا الظرف العصيب، ومن دونه ستأخذنا القاعدة جميعا كرهائن، وربما تشحننا غدا الى معاقلها في تورابورا، لتقوم بأكلنا.
# # #
مما لا شك فيه أننا سنظل نختلف في دقة وصف ما حدث، بسبب سريّة وغموض المعلومات، وبسبب اختلاف المهارات التحليلية، واختلاف زوايا النظر والغايات والأهداف. هذا أمر بديهي ومعقول، ولكن: كيف يمكن لنا أن نختلف في تفسير أسباب ما يحدث، أي في تفسير الطبيعة السياسية للحدث؟ هذا ما لا يقبله عقل، أو منطق، أو ضمير.
بشفافية عالية يتساءل مقدم المقابلة التي أجرتها العراقية مع وزير الدفاع: هل لوثائق ويكيليكس علاقة مباشرة بحادثة كنيسة سيدة النجاة؟ هنا لا يرفع الوزير كفه السمحة ويلطم المقدم على فمه، قائلا له: أتسخر مني يا ولد؟ ولكن، بدلا من ذلك، يعدّل الوزير جلسته ويشرع في الإجابة المتبحبحة، المتبحرة، الهذيانية، ولا يوقف هلوسته إلا بعد أن يجد خيطا متينا يربط بين الأمرين. فهذه الوثائق ما هي إلا صورة من صور الهجوم على الشعب العراقي، وهي الخلفية المباشرة للحدث، والشفرة السريّة للهجوم.
أما بيان الحكومة ليوم 2-11 فيتضمن استشهادا، مجهول المصدر كالعادة، وضع بين قوسين صغيرين، ينص حرفيا على أن سبب التفجيرات يهدف الى عرقلة تشكيل حكومة عراقية: " تتصاعد العمليات الاجرامية كلما الكتل السياسية على الاقتراب في ظل وجود حلول مشتركة لتشكيل الحكومة". بهذا الجواب الفكاهي يضع الشعب العراقي اصبعه الأزرق على الجرح الوطني الأخضر. إذا تركنا ركاكة وغثاثة النص اللغوية، نقع في ركاكة وغثاثة قاتلتين، ركاكة وغثاثة البلادة السياسية المرعبة، والمتوارثة.
فلو صح هذا الافتراض الرهيب- تأخير تشكيل الحكومة- تكون هذه الكتل وعمليتها السياسية جزءا عضويا من المشروع الإرهابي نفسه، وحلقة أساسية من حلقات عمل ونشاط الفعالية الإرهابية، وهي كذلك في نظري. لأن العمليتين السياسيتين القائمتين: عملية الحكومة السياسية، وعملية الإرهاب، جزء من مشروع خارجي واحد، يدار من قبل سيد واحد، ولا علاقة له بالوطن العراقي وبالشعب العراقي من قريب أو بعيد.

من كل ذلك نستنتج ما يأتي:

عسكريا: سبب التفجيرات آذان المغرب، وتجميع السلاح قطعة قطعة بدلا من جلبه علنا جاهزا، لكي تراه أجهزة كشف المتفجرات، وفشل الإرهاب الذريع في شمول بغداد كلها بالتمام والكمال في يوم واحد، واقتصار التفجيرات على ست عشرة منطقة ( الرقم الحقيقي عشرون منطقة) فقط، لا غير.
أما الأسباب السياسية، فهي كالتالي: سبب جريمة كنيسة (سيدة النجاة) هو وثائق ويكيليكس، وسبب تفجيرات الثلاثاء الرصاصي هو عرقلة تشكيل الحكومة، وسبب الاحتلال الأميركي أسلحة الدمار الشامل، وسبب الحرب العراقية الإيرانية، وفق أحد بيانات مجلس قيادة الثورة المقبور، اغتصاب راعية شريفة من قبل فارسي مجوسي قرب الحدود الدولية، وسبب فشل التنفيذ هو قناة فضائية أفشت السر العجيب: رغبة القوات الذهبية بممارسة واجبها الوطني!
إنهم ذاتهم، المخلوقات العجيبة عينها، سلالات القتلة أنفسهم، ينبعثون جيلا بعد جيل، على هذه الأرض العتيقة، الحبلى بالأحزان والمعجزات والجثث!
# # #
أيها الوزيرالذهبي، أنت وحكومتك، أنت وإعلامك التافه، أنت وسياسيو المنطقة الخضراء المذنبون كلهم: أنتم متهمون. أنتم متهمون بنفس القدر الذي تتهمون عصابات القاعدة. أنتم الوجه الآخر للجريمة، بل أكاد أجزم فأقول أنتم وجهها الأكثر خطورة وبشاعة، لأن أرواح الناس بأيديكم وليس بأيدي القاعدة، سلاح الدولة بأيديكم وليس بأيدي القاعدة، ثروة الوطن بأيديكم وليس بأيدي القاعدة، مصير البشر بأيديكم وليس بأيدي القاعدة، قرار إقفال مسلسل الإجرام والفساد بأيديكم وليس بأيدي القاعدة، قرار إعادة الحياة الى مجراها الطبيعي والقانوني معطل من قبلكم وليس من قبل القاعدة، انعقاد مجلس النواب ممنوع من قبلكم وليس من قبل القاعدة، إختيار حكومة- كباقي خلق الله- مرهون بأهوائكم وليس بإرادة القاعدة، التخلي عن الجشع والأنانية السلطوية مرهون بضمائركم الميتة وليس بالقاعدة، مشاريع تقسيم الوطن والثروة مرتبطة ارتباطا مصيريا بمشاريعكم الحزبية اللعينة وليس بالقاعدة.
في قوانين علم النفس- أقول هذا لمن يجهل هذه القوانين- لا يعني هذا الاعتراف الخطير، سوى أمر واحد معروف النتائج والعواقب. إن إلقاء اللوم على القاعدة في تأخير تشكيل الحكومة، لا يعني سوى أمر واحد: أن المذنب بدأ يعي، رغم المكابرة اللفظية، حجم الأذى الذي ألحقه بالشعب والمجتمع، وحجم العاقبة التي يمكن أن يتلقاها في حال استفراد الشعب به مجردا من جهاز القمع السلطوي، مجردا من حرسه وقواته وحماياته وبطانته المنافقة.
لا مهرب من التاريخ. إن الاحتيال، مهما كان حاذقا وطويلا، لا يلغي مسؤولية الأفعال ولا يسقطها. سيقول التاريخ كلمته العادلة، ولكن البشعة. سيقولها عن كل قطرة دم مراق، وعن كل يوم من تاريخ الناس يُهدر عبثا وصلفا وأنانية. سيقول التاريخ ذلك عاجلا أم آجلا، مهما طال أمد التشبث بجهاز القوة والبطش الحكومي.
وبما أنكم لا تفهمون لماذا يكون العراقي قاسيا ودمويا في اللحظات الانفجارية، فما عليكم سوى معرفة أدواركم الشخصية في صناعة مناجم وبراكين الحقد، وما عليكم سوى إعادة قراءة مشاهد الموت البربرية التي أرغم الشعب فيها على ارتكاب أفعاله الجنونية. من يدوس على أرواح الناس دوسا بشعا يدفع العراقي ويرغمه إرغاما قسريا على فعل مخبول وكريه لا يقبله عقل أو منطق. هذا ما حدث للوصي، الذي أراد احتكار السلطة والذي سد مسالك الحياة السياسية بقسوته وحبه الجنوني لكرسي العرش. وهذا ما حدث لنوري السعيد محتكر رئاسة الوزارات، وهذا ما حدث لديكتاتورنا السابق المتيم بالقيادة والرئاسة والحروب الخاسرة. لم تحدث تلك النوبات الوحشية من دون سبب. كانت جثتا الوصي والملك في السيارة ذاتها، التي جرّ منها البشر الغاضبون جثة والوصي وأعملوا فيها تمثيلا. لقد نظر الغاضبون بأسى وخشوع الى جثة ملكهم الذي نحره العسكر، لكنهم لم يتسامحوا مع جلادهم. ولم تكن جثة نوري سعيد لتلقى مصيرا مشابها لولا جنون السلطة المثير للاشمئزاز الذي كان يسكره، وهو عين ما حدث للديكتاتور السابق، الذي لم يزل دمه عالقا في أصابعكم. إن البشر المغلوبين على أمرهم، الذين لا يحسنون السياسة ومكائدها، يحسنون دائما، بمهارة تفوق الخيال، الأعمال السياسية الأكثر بساطة ويسرا وتنفيسا عن القهر: تقطيع الطغاة.
إذا لم يأخذ الحق مجراه بطرق قانونية وإنسانية، فانتظروا فورة الدم! ولكن عليكم أن تتفهموا أسبابها ونتائجها مسبقا، وعليكم أن تعرفوا حجم دوركم في إدامة دورة الدم والعنف، وفي انفجارها.
إني لا أراكم سوى جائعين جوعا مهلكا الى لبس عباءة الإخفاء، التي لبسها نوري السعيد يوم رحيله غير السعيد! وما الاختفاء خلف عباءة القاعدة، سوى اعتراف إرغامي، على أنكم تعرفون حجم ما اقترفتموه في حق هذا الشعب المهان.
# # #
الحمقى وحدهم من يعتقدون أن التاريخ لا يتكرر. التاريخ العراقي تاريخ دائري مخيف، يلتف على نفسه مثل أفعى سامة، ويلتف حول رقبة حكامه مثل حبل من مسد.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن